تحويل الصمت: منظور شخصي, وسياسي وتربوي, لسرديات الإجهاض
من المهم أن نتسق مع تجاربنا الحياتية، وأن نجهر بالحقائق التي نصدقها، ونعرفها“.
أودري لورد
أنا ناشطة ومحامية وأستاذة في القانون، بجانب ممارستي لنشاطات أخرى. أدير حلقات دراسية عن الإنجاب والقانون، أساعد فيها الطالبات على إدراك أن الحقوق الإنجابية هي جزء مهم من عمليةٍ أكبر وأشمل؛ السعي وراء تحقيق العدالة والحرية. لذا، أحاول إيجاد حلقات الوصل بين الإنجاب من ناحية، وبين العبودية والحرب واليوجينيا (فلسفة تحسين النسل) والحقوق المدنية وحركات تحرير الجنس من ناحية أخرى. أعرِّف طالباتي أيضًا على الاستغلال الإنجابي في صوره المختلفة, مثل إجراء عمليات قيصرية قسرية، وسياسات التعقيم ومنع الحمل بالإكراه، والمشاكل دائمة الحدوث الناتجة من التكنولوجيا الإنجابية المتقدمة.
أحاول أن تدرك طالباتي أن الخطاب السياسي والقانوني المحيط بمسألة الإجهاض لا يشكل سوى جزء صغير نسبيًا من رحلة السعي نحو الحرية الإنجابية. رغم ذلك، تنخرط الطالبات أكثر في الجزء المتعلق بالإجهاض – على عكس الاستنساخ. وربما يرجع السبب في ذلك إلى أن معظمهن نساء في سن الإنجاب، غالبًا ما يُعرِّفن أنفسهن بكونهن نسويات، ويصنفن أنفسهن كمؤيداتٍ للإجهاض، مع أنه ليس شرطًا مسبقًا للالتحاق بالحلقة. ولم تعق هذه الملامح المختلفة للهوية قدرتنا على تناول القضايا من وجهة نظر جانبي النقاش قط، لكنها تشكل نقطة الربط بين الإجهاض، والقضايا الأخرى التي تشملها الحلقة. وتستكشف طالباتي الإنجاب باستمرار عبر عدسة الجدل الحالي حول الإجهاض.
على مر السنين, دمجت طالباتي خبراتهن الشخصية، ومواقفهن السياسية، ومبادئهن حول الإجهاض, في تحليلاتهن لهذه القضية. كانت المناقشات ثرية وغنية بالمعلومات. تحترم الطالبات قصص بعضهن البعض، وتبدو كل منهن متحمسة لمشاركة تجربتها، وكيف تعكس هذه التجارب مدى فهمهن لمثل هذه القضايا بالغة الصعوبة والتعقيد. كان هذا بخلافي أنا، إذ اخترت ألا أشارك قصتي داخل قاعة الدرس، بل شعرت بعدم الارتياح عندما سُئلت عن رؤيتي الشخصية أو السياسية بشأن الإجهاض. تجنبت عن عمد إعلان موقفٍ ما، أو الكشف عن معلومات تخصني, لاعتقادي أن ذلك سيعرقل بيئة التعلم للطالبات. ومع أنني ظللت أشكك لفترة طويلة في – بل أتحدى – أسطورة الموضوعية التي يُزعم تبنيها داخل كليات القانون وجدواها، رأيت أنه من الأفضل أن أناى بتجاربي أثناء تدريسي للقضية التي شكلت – أكثر من غيرها – هويتي كمحامية وناشطة وأستاذة في القانون.
غالبًا ما لاحظت طالباتي الجهد الذي أبذله لتجنب إضفاء طابع شخصي على محاضراتي أو تسييسها، لأنهن طورن بمرور السنين طرقًا متمرسة لحثي على الجهر بموقفي من تلك المسائل، وشرح كيف أصبحت مهتمة بممارسة هذا المجال القانوني دونا عن غيره. لم أر ذلك إلا مجرد فرصة أخرى للتحدث إلى الطالبات عن مسار عملي وخبرتي التطبيقية. عندما بدأت في الحديث عن العملاء والحالات واستراتيجيات التقاضي، أوضحن أنهن يُردن معرفة المزيد من المعلومات الشخصية. قالت لي إحدى الطالبات “أخبرينا لماذا اخترت التخصص في هذا المجال، ليس كيف“. هنا، عرَّفت نفسي بأنني نسوية مؤيدة للإجهاض، وشرحت طبيعة عملي كمدافعة قانونية عن عيادات الإجهاض. وأخيرًا، أخبرتهن كيف أدى عملي على قضايا أخرى خاصة بصحة المرأة, والحركات المناهضة للعنف، إلى التخصص في العدالة الإنجابية.
لكنني توقفت عند هذه النقطة. لم أخبرهن عن عملي كمرافقة للنساء اللواتي يحاولن اجتياز متاهات المتظاهرين المناهضين للإجهاض في أيام السبت، أمام عيادات الخدمات الإنجابية. ومع أنني أجهر بكوني مثلية، لم أحكِ عن التناقض الذي أشعر به أحيانًا عند التعامل مع القضايا القانونية المتعلقة بالجنس الإنجابي, وأنا أعلم أن أنشطتي الجنسية غير الإنجابية مهمشة داخل حركة العدالة الإنجابية. والأهم من ذلك، لم أفسر كيف أصبحت على علم – بصفة شخصية – بأهمية الحق في اختيار إنهاء الحمل.
لم يكن امتناعي عن كشف نفسي بالكامل يرجع لرفضٍ أيديولوجي بداخلي تجاه اعتبار السرد الذاتي ضمن محصلتي العلمية، أو رحلتي المهنية كمحامية. فأنا في الواقع أستخدم المنهجيات السردية في تدريس القانون، وفي عملي كناشطة أيضًا. أسلِّم بأهمية السرد الذاتي وأحترمه، خصوصًا في النظريات النقدية القانونية التي تتعلق بقضايا العرق والنسوية والكويرية. ومع ذلك، كانت قاعة الدرس في كلية الحقوق مختلفة. أميل, مثل العديد من أساتذة القانون, إلى كشف معلومات شخصية أقل لا أكثر. وبغض النظر عن محصلاتنا العلمية، أو مناهجنا السياسية، نميل إلى توضيح التزامنا بأسطورة الموضوعية داخل قاعات الدرس. قلما نطلب من طلابنا أن يشاركوا ما يعرفونه عن العالم أثناء الحلقات الدراسية. يطالبهم النظام القانوني باستيعاب وقبول ما يراه القضاة منطقيًا، وهذا هو التدريب الذي نقدمه.
لكن نادرًا ما ندمج نحن – الأساتذة – تجاربنا الشخصية في الموضوعات التي ندرِّسها. ربما يجعلنا هذا أقل ضعفًا وهشاشة، وربما يمنحنا المسافة الكافية التي تفصلنا عن الموضوع وطلابنا، أو ربما نمتنع عن مشاركة آرائنا حتى يشعر الطلاب الذين يتبنون آراء مخالفة بأمان أكبر. ربما يسمح لنا ذلك بالاستمرار في تدريس القانون، دون أن تعرقلنا وقائع الحياة، أو ربما نحذو حذو أساتذتنا الذين اتخذوا قرارات تربوية مماثلة. وسواء كان هذا النهج سلبيًا أو إيجابيًا، إلا أننا في نهاية الأمر نهجر أجزاءً مهمة من أنفسنا خارج الفصل الدراسي.
بالنسبة لي، تغير هذا الوضع كثيرًا أثناء مؤتمر حول الحقوق الإنجابية عُقد عام 2001 في كلية هامبشاير بمدينة أمهرست, في ولاية ماساتشوستس الأمريكية. كانت الجلسة الأولى التي شاركت فيها مخصصة لتتبادل النساء تجاربهن الشخصية مع الإجهاض. تعلمت الكثير عن الطريقة التي تنظر بها النساء إلى الإجهاض، وكيف يأخذن قرارتهن الإنجابية. أولاً، سمعنا تجارب النساء اللواتي أجرين عمليات إجهاض غير شرعية قبل إصدار قرار “رو ضد ويد“. 6 حكت النساء في هذه المجموعة عما كان يحدث من استجوابات واجتماعات سرية. تكلمن عن شعورهن باليأس, والرحلات الطويلة التي قطعنها إلى أماكن يجهلنها. شاركن قصصهن عن الغرف المظلمة، والأطباء المقنعين، والألم الذي شعرن به.
تألفت المجموعة التالية بشكل أساسي من شابات خضعن لعمليات الإجهاض في السنوات العشرة الأخيرة. عرفت منهن أن الإجهاض أصبح يقترن بالوصم. بأصوات منخفضة ورؤوس محنية، تحدثت هؤلاء النساء عن وصمهن لكونهن ناشطات جنسيًا، ولاتخاذهن القرار بإنهاء الحمل. عبرت بعضهن, على اختلاف جوانب أخرى من حياتهن وهوياتهن, عما يشعرن به من عار بعد الخضوع لعمليات الإجهاض، وكيف ينشأ هذا الشعور داخلهن بسبب هوياتهن العرقية والدينية والطبقية. وتحدثت أخريات عن العار الذي شعرن به عندما وقفن يطلبن من القاضي السماح لهن بإنهاء الحمل الذي تسبب فيه الأب أو العم أو الأخ. عار بسبب افتقار هن إلى ما يكفي من المال، أو عار بسبب اضطرارهن إلى الذهاب إلى عيادةٍ عامة، أو عار لأنهن استغرقن وقت طويل قبل اتخاذ القرار، أو عار لقولهن كلمة “لا“، أو حتى قول كلمة “نعم“. عار لأنهن لم يصممن على استخدام موانع الحمل، وغيرها الكثير.
عندما أنهت آخر المتحدثات حديثها, دعت المنسقةُ الحضور إلى القيام ومشاركة قصصهن مع الإجهاض. دون نية مسبقة، اقتربتُ من الميكروفون ورويت قصتي. ونظرًا لتمتعي بقدر لا بأس به من الامتيازات، كانت قصتي تمكينية، تحكي عن اكتشاف الذات, والشجاعة. لم أجد صعوبة في جمع المال لدفع تكاليف العملية، ولم أضطر إلى مواجهة حاجزٍ لغوي ما في سبيل الحصول على الخدمة. أثناء مشاركتي لتجربة الإجهاض مع جمهور من الطالبات/ الطلاب, والمحاميات/ ين, والناشطات / ين, المؤيدين/ ات للحرية الإنجابية، شعرت بقيمة السرد الذاتي، وخلوه من العار أو الذنب, في السعي وراء الحرية الإنجابية. بعد انتهاء الجلسة، طلب كثير من الأشخاص نشر قصتي, وسألوا إذا ما كنت أستخدمها في محاضراتي. قلت: “بالطبع لا” . لم أستطع فهم كيف يمكن لقصتي أن تتناسب مع رؤيتي للتربية القانونية.
أثارت إجابتي نقاشًا حول فائدة السرد الذاتي في الحركة وداخل قاعة الدرس. سألت إحدى الناشطات النسويات المناصرات للإجهاض: “إذا أبقينا جميع قصص الإجهاض سرًا، فكيف سنعرف ما إن كان ما نحميه موجودًا بالفعل أم لا؟” هذا ما جعلني أقتنع بأن تجارب الإجهاض يجب أن تكون جزءًا من المنهج الدراسي. ولا أقصد بهذا القصص النظرية المبتورة، بل القصص الغنية بالتفاصيل, والمكتملة، التي تخص النساء وتجاربهن. لكن هذا لم يبدد شكي في أن استخدام قصتي لائقًا. لم أستطع تصور كيف يمكنني الوقوف أمام الصف وحكي هذه القصة، حتى أنني فكرت أن أضيفها دون الكشف عن هويتي. لم أجد فائدة من حكي قصتي حتى تطوعت شابة بحكي قصتها، وقالت إنه لو أسهمت مشاركة قصتها الشخصية في مساعدة أحد المحامين على إدراك أهمية إبقاء الإجهاض قانونيًا، فسيكون من دواعي سرورها أن تأتي وتحكيها. لكنني أجبت: “لا، سأحكي قصتي أنا“. يمكن للشجاعة أن تكون معدية أحيانًا.
وبسبب هذه الشابة الشجاعة، وزميلاتي، والناشطات وغيرهن من النساء اللواتي نحلل تجاربهن داخل قاعات الدرس, صرت الآن أستعين بتجربتي الشخصية مع الإجهاض كإطار لتدريس تطور مبادئ قرار “رو ضد ويد” بمنح الحقوق الإنجابية. أضاف ذلك عمقا مذهلاً إلى فهمي للقضايا التي تواجه المدافعين/ ات والمناصرين/ ات للإجهاض، وساعدني أيضًا – مثلما ساعد طلابي – على فهم ارتباط المشهد القانوني المتعلق بالإجهاض بحياة النساء فهمًا أفضل، بما في ذلك حاجتهن إلى الاستقلال الإنجابي، وغيرها الكثير. ما يلي هو الفصل المحذوف من القصة التي تحكي ما مررت به لأكون مدافعة عن العدالة الإنجابية، وناشطة، ومسؤولة عن حلقة دراسية حول الإنجاب والقانون.
كنت في السادسة عشرة من عمري، في المرحلة الثانوية، وكنت حاملاً. كنت أعرف أنني لا أريد أن أحمل، وأن الشخص الذي ارتبطت به حينئذ لا يريدني أن أحمل، وأن والدي لا يريدان لي أن أحمل. ما زلت أذكر حديثهما عن الجنس: “لن تكوني واحدة من الفتيات اللاتي اضطررن إلى ترك المدرسة حتى يلدن طفلاً. لن يستحسن الدكتور الموقر مارتن لوثر كينغ ذلك، ولن نستحسنه أيضا“. بعبارة أخرى، كانت اختياراتي الإنجابية هي الوسيلة لتحقيق حلم د. كينغ. كانت ممارساتي الإنجابية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالارتقاء العرقي. 7
ومن المثير للاهتمام أنهما لم يفرضا علي عدم ممارسة الجنس، ولم يخبراني كيف أحمي نفسي من الحمل غير المرغوب فيه. بالنسبة لفتاةٍ سوداء في المرحلة الثانوية, تنتمي للطبقة المتوسطة، وتأتي من أسرة متعلمة ليبرالية سياسيًا، كان الحمل هو المشكلة، لذلك شرعت في حلها. أحضرت دليل الهاتف، واخترت القسم الخاص بعيادات الإجهاض، وأغلقت عيني، وحركت إصبعي فوق الصفحة, واخترت ثلاثة أطباء، ثم اخترت واحد يحمل أكثر الأسماء لطفًا: الدكتور “ر“. اتصلت بمكتبه وسألت عن تكاليف العملية، التي كانت تتراوح بين 150 إلى 210 دولار، بناءً على المبلغ الذي يمكنني تدبره, ومدة الحمل. حجزت موعدًا في الأسبوع التالي، وعندما حان الموعد، ذهبت مع حبيبي. وفي غرفة الانتظار، كانت هناك نساء حوامل بدا أن فترات حملهن متباينة. بدت جميعهن ودودات للغاية. كن يتحدثن عن وظائفهن، والكنائس, والأطفال، وخطط السفر. ابتسمت لي امرأة كانت في شهرها الثامن أكثر ابتسامة مطمئنة تلقيتها على الإطلاق. كنت مقتنعة بأنها تعرف أنني هناك لأسباب مختلفة تمامًا عن أسبابها، ومع ذلك ابتسمت لتطمئنني، فابتسمتُ لها في المقابل.
عندما استُدعي اسمي, ذهبت إلى غرفةٍ صغيرة مع الممرضة الممارسة، التي شرحت لي العملية بالتفصيل. أخبرتني عن مخاطرها، وأجابت عن أسئلتي، وقالت لي إنها بحاجة إلى أخذ عينة دم للتأكد من أنني حامل. بعد التأكيد, سألتني عن عائلتي وتاريخي الطبي. وفي النهاية، سألتني عما إن كنت متيقنة من أنني لا أريد هذا الحمل. قلت: “نعم، تمام اليقين“. بعد التوقيع على استمارات الموافقة ودفع التكاليف، أخذتني لمقابلة الطبيب. عرفني باسمه، وسألني عن المدرسة وما أمارسه من رياضات. وبعد محادثة قصيرة حول العملية، قال إنه سيغادر الغرفة وستساعدني الممرضة على تجهيز نفسي للعملية. في وقتٍ لاحق، أعطاني حقنة في ذراعي، واستغرقت في النوم. بعد العملية، قادتني ممرضة إلى غرفة أخرى بها كرسي مريح كبير، تمددت فيه وعدت إلى النوم مغطاةً بدثار.
عندما استيقظت مرة أخرى، أخبرتني الممرضة أن كل شيء سار جيدًا، وأنني سأكون بخير، وقالت إن التخدير قد يجعلني أشعر بالغثيان وبرغبة في البكاء، وإنني ربما أعاني تشنجات ونزيف. أعطتني بعض عصير البرتقال، وقطعة كعك, ومسكن للآلام لا يتطلب شراؤه وصفة طبية، وورقة بعنوان “ما الذي يجب توقعه” مع رقم للاتصال به إذا عانيت أي مشكلة، وفوطة صحية طويلة جدًا. ارتديت ملابسي وذهبت إلى البيت.
صرت أستعين بهذه القصة لتقديم مبادئ حقوق الإجهاض، وشرح كيفية دمج القوانين الحالية لخلق تجربة مختلفة تمامًا للشابات اليوم. وبينما نتجول عبر هذه المبادئ، ونحلل الخطاب السياسي المحيط بالإجهاض، نلاحظ كيف أن متطلبات الموافقة الأبوية أو القضائية، وفترات الانتظار، والتمويل المحدود للكيانات التي تقدم معلومات عن الإجهاض، كلها تعوق إتاحة الفرصة لأغلب النساء في الولايات المتحدة للخضوع لعمليات الإجهاض. نناقش أيضًا كيف أن العنف الذي تتعرض له العيادات التي تقدم خدمات الإجهاض، والوصم العام، والتوترات داخل الحركة, هي عوامل تعوق مشاركة الأطباء والمحامين والمناصرين.
عند مقارنة قصتي بالمشهد العقائدي للإجهاض اليوم، تسارع الطالبات إلى الإشارة إلى حقيقة أنه كان بإمكاني العثور على طبيب لإجراء العملية بمجرد النظر إلى دليل الهاتف. اليوم، تضطر المرأة إلى التفريق بين المنظمات المناهضة للإجهاض، والمنظمات التي تؤيده. انخفض أيضًا عدد الأطباء الذين لديهم استعداد للإعلان عن أنفسهم في دليل الهاتف كثيرًا بسبب العنف والمضايقات. وبالمثل, لم تعد الكثير من كليات الطب تضمن هذا النوع من العمليات في المناهج الدراسية الأساسية، إضافةً إلى أن بعض الكليات وبرامج التخصص لا تقدم تدريبًا على إجراء عمليات الإجهاض من الأساس.
هناك اختلاف آخر فاجأهن، وهو حقيقة أنني تمكنت, في السادسة عشرة، من اتخاذ القرار والتجهيز والخضوع للعملية بعد استشارة أشخاص من اختياري، وليس والدي هما من نفذا هذه الخطوات. وعلى عكس العديد من النساء الشابات اليوم, اللاتي لا يحق لهن الخضوع لعملية إجهاض دون إذن من الوالدين, أو موافقة المحكمة، كانت لدي فرصة النظر إلى حياتي، وإلى جسمي، وإلى أحلامي وأهدافي، واتخاذ قرارٍ واعٍ في مصلحتي الخاصة. سألني طلابي عما إن كنت سألجأ إلى الاختيارات ذاتها إذا كان إجراء العملية يقتضي إذن الأبوين، أو كانت قوانين الموافقة القضائية سارية عندما كان عمري 16 عامًا. ليست لدي إجابات قاطعة على هذه الأسئلة، لكنني أستطيع أن أقول بيقين أنني لم أكن لأتمكن من الترتيب للعملية، والخضوع لها بعد أسبوع واحد من اكتشاف كوني حاملاً، لو مررت بكل هذا. كان الوقت جوهريًا. ولو كنت مطالبة وقتها بمناقشة والدي في المسألة، أو اللجوء إلى المحكمة، كنت سأضطر للخضوع إلى عملية أعقد وأكثر تكلفة.
كانت تجربتي داخل مكتب الطبيب أيضًا مختلفة عما تواجهه المرأة اليوم، لأن المعلومات المتعلقة باختياراتي أتيحت لي بسهولة. أخبرتني المرأة التي أجابت على مكالمتي بمعلومات عن الإجهاض, إضافة إلى خياراتٍ أخرى. وعندما أخبرتها أنني متيقنة من خيار الإجهاض، شرحت لي إجراءات العملية وتكلفتها عبر الهاتف. لا تمنح العيادات بسهولة تلك المعلومات عبر الهاتف اليوم. وسواء كان ذلك بسبب قواعد وقوانين تكميم الأفواه (Gag rule 8)، أو ما تتعرض له العيادات من تهديدات, يضطر الأطباء الذين يجرون عمليات الإجهاض وموظفوهم إلى تقديم أقل قدر ممكن من المعلومات حول خدماتهم هاتفيًا. لدى معظم العيادات ذات الموارد الكافية خطان هاتفيان: واحد للاستفسارات العامة، وآخر خاص بعميلاتهن بعد الزيارة الأولية للعيادة.
تفيد الكثير من الشابات اليوم بأنهن تأخرن في إجراء عملية الإجهاض بسبب خضوعهن لفترة انتظار. في العديد من الولايات الأمريكية، يجب على المرأة أخذ موعدين؛ الأول للاستشارة، والثاني لإجراء العملية. وكما هو الحال مع قوانين إخطار الأبوين، فإن فترات الانتظار قد تجعل الإجراء أكثر تكلفة وتعقيدًا، فيما تضطر كثير من النساء إلى السفر إلى ولاية أخرى لأنه لا توجد عيادات تقدم خدمات الإجهاض في محيطهن. وترتفع التكاليف لأن على كل واحدة منهن أن تضع في اعتبارها التزاماتها، سواء كانت وظيفة أو دراسة، أو نفقات الفندق والسفر، إلى جانب تكاليف العملية ذاتها. في كثيرٍ من الأحيان، ولأسباب مختلفة، تضطر النساء إلى الكذب عندما يتغيبن عن العمل، أو المدرسة، أو عند مغادرة الولاية، من أجل حماية خصوصيتهن. بالنسبة لهؤلاء النساء, تزيد فترات الانتظار من تعقيد حياتهن لأن ظهور الحمل قد يعني تعرضهن للعنف، أو التشرد أو الإذلال العلني.
تتحد كل العوامل السابقة، بداية من فترات الانتظار، ومحدودية الوصول إلى الأطباء، إلى التكاليف المتزايدة، لجعل النساء أكثر عرضة للعنف الذي تلاقيه خدمة الإجهاض وما يخصها. تتعرض النساء اللاتي يخترن الذهاب للعيادات بدلاً من الأطباء الخاصين أن يخضن طريقهن وسط المتظاهرين المناهضين للإجهاض، أحيانًا مرتين. وعندها تُتاح للمتظاهرين فرصتين؛ إدانة المرأة، ومحاولة تقویم “سوء سلوكها“. وبينما لا يتعرض المرضى لهذا النوع من المعاملة في أي سياق طبي آخر، غالبًا ما تتذكر النساء اللواتي يخترن الإجهاض كيف تسبب العنف أو المضايقة التي تعرضن لها في إصابتهن بقلق متزايد، قبل وأثناء وبعد العملية. عندما تسمع الطالبات قصتي, تسأل إحداهن دائمًا عن تلك التظاهرات، ويُصدمن لسماع أنه لم يكن هناك أي متظاهرين أو مرافقين وقتها. كان هناك حارس أمن واحد فقط للتأكد من ألا يصف أحد سيارته في المساحات المخصصة للأطباء. في إحدى المرات, أضافت طالبة تعمل مرافقة في إحدى عيادات للإجهاض: “كانت تلك الأيام الخوالي الطيبة“.
وكما قد يتوقع المرء، هناك أوقات تذهب فيها الطالبات إلى أبعد من ذلك لاستكشاف جوانب قصتي الشخصية، مثل سؤال إحدى الطالبات عما إذا كانت تجربة الإجهاض قد حلت أي توتر أشعر به لكوني مثلية أشارك في الدفاع عن الإجهاض، “لأن الإجهاض في الحقيقة ليس قضية تخص المثليات” على حد قولها. غالبًا ما تأتي الأسئلة المتعلقة بهويتي بصفتي امرأة سوداء مثلية من الناس الذين أعمل معهم في الحركة. ورغم أني لم أكن مستعدة لمناقشة هذا الأمر في محاضرتي، إلا أنني لاحظت أن السؤال خلق “اللحظة التعليمية” المرجوة، فتقبلتها وتصالحت معها. شرحت للطالبة أن هناك الكثير من المثليات اللاتي يقفن في الخطوط الأمامية للدفاع عن عيادات الإجهاض في صباحات السبت، لدرجة أنه يمكن للمرء أن يظنها مسيرة فخر صغيرة خاصة بالمثليات. وفي حين تميل النساء المغايرات أيضًا إلى استنكار وجود المثليات في حركة العدالة الإنجابية، إلا أنني لم أسمع قط أن إحدى النساء اللواتي ترافقهن إحدانا إلى العيادة منزعجة من هوية مرافقتها. وفي النهاية، أشرح أن المثليات اللواتي يدعمن الحرية الإنجابية ويدافعن عنها يدركن أن النساء المغايرات لا يخضعن وحدهن لعمليات الإجهاض، إذ تتعرض المثليات اللواتي لا يمارسن سوى الجنس غير الإنجابي, مثل جميع النساء والفتيات, للاغتصاب، والإساءات الجنسية، والاعتداء الجنسي العائلي، وغير ذلك من أشكال العنف الجنسي التي قد تؤدي إلى الحمل. الإجهاض قضية تخص المثليات، لأن الإجهاض مسألة تخص المرأة.
كذلك أتاح سؤال الطالبة عن تجربتي مع الإجهاض وتوجهي الجنسي فرصة ممتازة لإجراء مناقشة حول العنف الذي تتعرض له عيادات الإجهاض، وكيف تتعرض له المثليات أكثر من غيرهن. فأغلب المرافقات إلى العيادات مثليات، ويبدو أن الناشطين المناهضين للإجهاض على دراية كاملة بذلك. لا يواجه الإرهابيون المناهضون للإجهاض أي صعوبة في اعتبار أن الاختيار الإنجابي شأن متعلق بالمثليات أيضًا. فعلى مدار عقود، وجهت العناصر الأكثر تعصبًا في الحركة المناهضة للإجهاض عنفهم ومضايقتهم تجاه المثليات. وقعت أحد أكثر الحوادث العامة عنفًا في عام 1996 بولاية أتلانتا، عندما فُجّرت قنبلتان؛ واحدة خارج عيادة للإجهاض, وأخرى داخل حانة للمثليات. اكتشف محققو الشرطة أن التفجيران نفذهما الشخص ذاته، ويُدعى إيريك رودولف.
أصطحب طلابي في رحلةٍ إلى فترة ما بعد قرار “رو ضد ويد” بمشاركة تجربتي الشخصية أثق تمامًا في القيمة التربوية لهذه الرحلة، فهي لا تتيح للطلاب تلقي المادة التعليمية بصورة أفضل فحسب، بل تساعدهم على معرفة كيف يمكن للتجارب الشخصية أن تصقل حياتهم المهنية – كمحامين ومحاميات – وتثريها. مع ذلك، كان هذا التطور التربوي أكثر إفادةً لي بصفة شخصية. لم أعد أشعر بحاجةٍ إلى أن أنأى بتجربتي عن قاعة الدرس، وهذا ساعدني – بلا شك – على أن أكون معلمة أفضل. كان طلابي محرومين من استكشاف تصورات أعمق لعالم المحاماة عمومًا، واستكشاف هذا النوع من القضايا تحديدًا. كما أن شعوري بأنني أكثر اندماجًا في الفصل، وبأنني لست بحاجة إلى الهرب, وبأنني صرت أكثر حضورًا معهم, خلق مناخًا عامًا من الزمالة. غالبًا ما يقدر الطلاب, الذين ينتقدون سياسة كليات الحقوق في التعامل معهم باعتبارهم أطفالاً، ثقتي بمشاركة آرائي وتجاربي الشخصية معهم أيضًا.
هناك بطبيعة الحال حدود لنوع المعلومات الشخصية التي أشاركها مع طلابي ومداها. ساعدني تبادل الخبرات الشخصية أثناء التدريس – مثلما ساعد طلابي – على فهم مدى نفوذ القانون. وبالنظر إلى كيف يشكل القانون حيواتنا، مقارنةً بالطريقة التي يمكننا من خلالها – بصفتنا محامين – أن نشكل القانون, يتعلم الطلاب أن يروا أنفسهم كمشاركين نشطين, لهم آراء ومواقف وخبرات، وليسوا مجرد متفرجين موضوعيين. نتعلم جميعًا أن الاتساق مع تجاربنا – سواء كنا محاميات أو عميلات أو طالبات أو معلمات – يخلق مساحات للتمكين والفهم.
1 قرار صادر من المحكمة العليا، سنة ١٩٧٣، بعدم إطلاق الحق في الإجهاض، والسماح للدولة بمنع الإجهاض وتجريمه في المرحلة الثانية والثالثة من الحمل. قبل هذا القرار كان الإجهاض قانونيًا في الكثير من الولايات، ويسري هذا القرار على المستوى الوطني.
2 سياسة ثقافية قادها أفراد سود من اصول افريقية في أمريكا في منتصف الخمسينات، ينتمون للطبقة الوسطي وحاصلين على الشهادات العلمية،عملوا على تغيير الأفكار النمطية السائدة وقتها عن مجتمعات السود من أجل تحسين أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية وواقع تفوق العرق الابيض في الولايات المتحدة الأمريكية.
3 سياسة اعتمدها رونالد ريغان في ١٩٨٤ تلزم المنظمات غير الحكومية التي تتلقى تمويلاً فيدرالياً من قبل حكومة الولايات المتحدة، بأن تتعهد بأنها لن <<تروج أو تقدم خدمات الإجهاض>>. بعد ثلاثة أيام من بعد توليه الرئاسة عام ٢٠١٧، فعل دونالد ترامب سياسة كم الأفواه العالمية.