تضمين الرعاية الصحية الجنسية والإنجابية
في مناهج التعليم الطبي في البلدان النامية
ماريان هاسلجراف (*)، أولوفيمي أولاتونبوسون (**)
ملخص:
تقع على عاتق مُعلمي الطب مسئولية تدريب الأطباء وغيرهم من العاملين في مجال الصحة، على الكفاءات الجوهرية المطلوبة لتحسين وضع الصحة الجنسية والإنجابية في مجتمعاتهم المحلية. ومع ذلك، لا يزال وجود رعاية الصحة الجنسية والإنجابية محدوداً إلى حد كبير في المناهج الدراسية المُقدمة إلى الأطباء وغيرهم من المهنيين في مجال الصحة، فضلاً عن وجودها المحدود أيضًا في التعليم الطبي المستمر وبرامج التنمية المهنية – وهي البرامج الموجهة إلى الأطباء الممارسين وغيرهم من المهنيين في مجال الصحة. وبهذا الصدد، تعمل “رابطة الكومنولث الطبية” على تطوير نموذج منهاج دراسي حول الصحة الجنسية والإنجابية، يمكن إدماجه في تعليم الطب للطلاب واستخدامه، بعد إجراء التعديلات اللازمة, في مجال التعليم الطبي المستمر. وتحدد هذه الورقة البحثية الخطوط العريضة للموضوعات التي يمكن إدراجها في المنهاج الدراسي، فضلاً عن طرح ثلاث استراتيجيات لإدخال المكونات الرئيسية للصحة الجنسية والإنجابية في المنهاج الدراسي، عن طريق تطوير الموضوعات التي يمكن إدراجها في المنهاج الدراسي العام بأسلوب يقوم على تعدد الفروع العلمية، وإضافة نماذج حرة بوصفها موضوعات اختيارية، وتقديم قضايا متداخلة – مثل قضايا النوع الاجتماعي والصحة الإنجابية للمراهقين – إلى المقررات التعليمية التي تديرها الأقسام الأخرى. كما تجادل هذه الورقة البحثية لصالح استخدام مناهج حل المشكلات والتعليم على أساس الحالة، علاوة على المحاضرات، بوصفها أفضل الأساليب لتعليم المتخصصين في مجال الصحة كيفية تقديم المعلومات والمشورة والدعم حول الصحة الجنسية والإنجابية، وأيضًا لتغطية احتياجات الوقاية والعلاج للنساء والرجال الذين يسعون إلى الحصول على هذه الخدمات.
كلمات مفتاحية: التعليم الطبى تدريب مقدمي الخدمة, مناهج الصحة الإنجابية والجنسية.
تقع على عاتق مُعلمي الطب مسئولية تدريب الأطباء, وغيرهم من العاملين في مجال الصحة، على التخصصات الجوهرية المطلوبة لتحسين وضع الصحة الجنسية والإنجابية في مجتمعاتهم المحلية. وتتمثل إحدى الملامح المميزة للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية, الذي عُقد في القاهرة عام ١٩٩٤, (١) ومتابعته بعد خمس سنوات في الدورة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٩٩ (المؤتمر الدولي للسكان والتنمية + ٥), (2) في تجاوز الخطابة وصولاً إلى تعريف الصحة الإنجابية، بما يشتمل على الصحة الجنسية، في سياق الرعاية الصحية الأولية, وإلى إمداد البلدان بالأهداف والأغراض والمستهدفات الخاصة حتى تتمكن من توفير المعلومات والخدمات الجيدة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية. وهو ما يعكس دوليًا حول ما ينبغي إنجازه، وهو الأمر الذي يتطلب وجود مجموعة مؤتلفة من: المبادرات البرنامجية, وسياسات الصحة العامة, والتشريع، وبناء القدرة
التعليمية وبذل الجهود على نطاق المجتمع المحلي.
ولم يبدأ معلمو الطب سوى مؤخرًا في إبداء بعض الاهتمام بإدخال الصحة الجنسية والإنجابية في منهاج دراسة الطب. ومما له دلالة, عدم مشاركة أية جماعة دولية تمثل معلمي الطب أو المهن الطبية، باستثناء رابطة الكومنولث الطبية, في المؤتمر الدولي للسكان والتنمية أو في الدورة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٩٩.
وللأسف, فإن الصحة الجنسية والإنجابية كما عرفها المؤتمر الدولي للسكان، وكذا الدورة الخاصة للجمعية العامة للأمم المتحدة، لا توجد سوى بشكل ضئيل إلى حد كبير في المناهج الدراسية الأساسية الموجهة للعاملين بالمهن الطبية وغيرها من المهن الصحية, فضلاً عن ضآلة تمثيله أيضًا في برامج التعليم الطبي المستمر الموجهة إلى ممارسي الطب في كثير من البلدان النامية. ولكى يمكن للمهنيين الصحيين تقديم التوجيهات الضرورية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية, لابد من تغيير أغلب المناهج التعليمية الموجودة بالفعل والموجهة إلى طلاب الجامعة وطلاب الدراسات العليا، وكذا برامج التطوير المهني المستمر. وهو هدف ليس باليسير، ذلك أن تنفيذ مقترحات تغيير مناهج تعليم الطب عادة ما يستغرق فترات طويلة ويتطلب بذل جهود شاقة، وخاصة فى ظل وجود عديد من الأولويات المتنافسة. وعلاوة على ذلك، يمكن أن نتوقع أن مواقف بعض المعلمين في موضوعات مثل التوليد وأمراض النساء ستتسم بنزعة محافظة ويصعب تغييرها.
وبهدف دعم التغيير، تقوم رابطة الكومنولث الطبية (***) بتطوير منهج دراسي نموذجي حول الصحة الجنسية والإنجابية يمكن إدخاله في تعليم الطب لطلاب الجامعة واستخدامه، بعد إجراء التعديلات المناسبة، في ميدان التعليم الطبي المستمر. وتطرح هذه الورقة البحثية نهجاً لتطوير المناهج الدراسية والاستراتيجيات اللازمة لإدخال المكونات الجوهرية للصحة الجنسية والإنجابية في هذه المناهج. وتدعو لاستخدام أسلوب حل المشكلات والتعليم على أساس الحالة، بالإضافة إلى المحاضرات, بوصفها أفضل الأساليب لتعليم المهنيين الصحيين كيفية تقديم المعلومات والمشورة والدعم حول الصحة الجنسية والإنجابية، وأيضًا لتغطية احتياجات الوقاية والعلاج للنساء والرجال الذين يسعون إلى الحصول على هذه الخدمات.
منهج لتطوير المقررات الدراسية
يمكن تقسيم عملية تطوير المقررات الدراسية إلى أربع مراحل: تقييم الاحتياجات, إعداد المقرر الدراسي, اختبار المقرر الدراسي وتنفيذه، تقييم المقرر الدراسي.
ويدعو برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية إلى توفير معلومات وخدمات الصحة الجنسية والإنجابية, بوصفها جزءاً من الرعاية الصحية الأولية: على أن يتاح للحالات الأكثر تعقيداً الوصول إلى الخدمات التخصصية، والرعاية فى المستوى الثالث والتي تقدمها المراكز الإقليمية. ويترتب على ذلك ضرورة استمرار المقررات التقليدية في مجالات التوليد وأمراض النساء, ذلك أنها تُشكل موضوعات إكلينيكية متخصصة، بينما تدمج الرعاية الصحية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية بالكامل أيضًا في المنهاج الأساسي لدراسة الطب للطلاب في مرحلة ما قبل التخرج. وفي الوقت نفسه، تُعتبر القضايا المتداخلة – مثل التمييز على أساس النوع الاجتماعي، وحقوق الإنسان, والجوانب الأخلاقية, وصحة المراهقين – موضوعات مناسبة يمكن إدراجها في مختلف الفروع العلمية على مستوى التعليم في مرحلة ما قبل التخرج (4)
ومن الضروري، بالقدر نفسه، أن تحصل الممرضات والقابلات، وغيرهن من العاملات من المستوى المتوسط وفي مجال الرعاية الصحية الأولية, على إرشادات مناسبة بشأن الرعاية الصحية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، ذلك أن دورهن في العناية بغالبية النساء والفتيات المراهقات في البلدان النامية من المرجح أن يزيد عن دور الأطباء. ففي واقع الأمر، من غير المرجح أن تحصل النساء اللاتي يعشن في مناطق ريفية منعزلة، مع انخفاض نسب الأطباء للمرضى, على علاج من الطبيب بشكل مباشر. وعلى الرغم من ذلك. من المتوقع عادة أن يقدم الأطباء الذين يعملون في المراكز التي تقع بالقرب من المناطق البعيدة المشورة والمساعدة المتخصصة للممرضات والقابلات، وبالتالي يجدر حصولهم على إرشادات مناسبة في هذا المجال.
وفي مارس من عام ۲۰۰۱, نظمت رابطة الكومنولث الطبية اجتماعاً تشاورياً في الكلية الملكية لأطباء التوليد وأمراض النساء في لندن. وقد ضمت هذه المشاورات ٢٧ رئيسًا لأقسام التوليد وأمراض النساء بالجامعات, فضلاً عن الخبراء في مجال الصحة الجنسية والإنجابية, والمتخصصين في مجال تنظيم الأسرة والرعاية الصحية الوقائية, والمنظمات غير الحكومية الأساسية, والمتخصصين في مجالات مثل النوع الاجتماعي وفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، وصحة المراهقين, من بلدان الكومنولث – بما في ذلك كينيا وأوغندا ونيجيريا وغانا وتنزانيا والهند وسنغافورة والمملكة المتحدة وكندا – وأيضًا من الولايات المتحدة الأمريكية. (5)
راجع الاجتماع التشاوري المقررات الطبية الخاصة بالصحة الجنسية والإنجابية، والتي تم تطويرها في نيجيريا والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة, (6, 7) كما بادر بالإعداد لمقرر دراسي متعدد الفروع العلمية في مجال الصحة الإنجابية، فضلاً عن تحديد الآليات اللازمة لإدراجه في التدريب الطبي للطلاب. وناقش الاجتماع أيضًا المكونات الرئيسة للإرشادات، بما في ذلك احتياجات الطلاب, وأنماط تقديم المقرر الدراسي, والمعوقات المحتملة، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من المقاربات لتعزيز مساندة وتعاون كافة الأطراف. (5) وفى مارس ۲۰۰۲ عُقدت في كمبالا ورشة عمل للمتابعة, حيث قام المستشارون التربويون وممثلو مدارس الطب في أوغندا والهند وبابوا غينيا الجديدة – وهي الدول التي تم اختيارها لتجربة المقرر الذي تمت مراجعته – بتطوير تفاصيل المقترحات التي نتجت عن الاجتماع التشاوري. ويناقش هذا المقال نتائج الاجتماعين.
توجد لدى جميع البلدان المتقدمة تقريبًا، وفي عدد متزايد من البلدان النامية, هيئات وطنية أو محلية مسئولة قانونياً عن الترخيص للمهنيين بالعمل، وتتولى إصدار خطوط مرشدة حول محتوى المقررات الدراسية التي يجب أن تتبعها المدارس الطبية. وعادة ما تتسم هذه الإرشادات بالعمومية وترتكز على الفروع العلمية الإكلينيكية المرتبطة بالموضوع، وعادة يتم إدراج الطب الوقائي تحت عنوان الصحة العامة. ومما له دلالة, عدم وضع الصحة الجنسية والإنجابية في الاعتبار لهذا الغرض، بوصفها فرعاً له أولوية من فروع الصحة الوقائية، وعادة ما يجري تناوله بشكل غير مباشر فحسب. ومن ثم, تتمثل إحدى الخطوات الأولى الضرورية على مستوى البلد في مراجعة هذه الإرشادات، والسعي إلى تعديلها. وقد تبنت رابطة أساتذة التوليد وأمراض النساء هذه الاستراتيجية عام ٢٠٠٠ لتعزيز إدراج المعرفة حول صحة المرأة فى المقررات التعليمية بمدارس الطب في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. (4)
وقد طرحت ثلاث مقاربات أثناء الاجتماع التشاوري السابق ذكره، وهى وإن تباينت فى ما لكل منها من مميزات وعيوب، إلا أنها جميعا ثبتت فعاليتها في كندا والولايات المتحدة الأمريكية. وتضم هذه المناهج ما يلي:
-
تطوير موضوعات حول الصحة الجنسية والإنجابية يمكن إدراجها في المقرر الدراسي العام بأسلوب يعتمد على تعدد الفروع العلمية.
-
إضافة وحدات قائمة بذاتها إلى المقرر الدراسي الحالي بوصفها اختيارية.
-
نقل جوانب من الصحة الجنسية والإنجابية، مثل قضايا النوع الاجتماعي والصحة الإنجابية للمراهقين. إلى المقررات التي تدرسها أقسام أخرى، مثل دراسات النوع الاجتماعي وطب الأطفال.
أثناء الاجتماع التشاورى كان هناك تفضيل للنموذج المتكامل، لأنه يحافظ على استمرارية التخطيط والإرشادات والتقييم عبر نطاق من برامج تعليم الطب.(6 – 8) وفي هذا النموذج، يتفاعل الطلاب مع المرضى منذ اليوم الأول في الدراسة، بما يساعد على تطوير مهارات الاتصال مع المرضى وعائلاتهم, والحصول على التاريخ الإكلينيكي. كما يشارك الطلاب أيضًا في المقررات التعليمية المتعلقة بالمهارات الإكلينيكية، بما يمكنهم من فحص المرضى بكفاءة، ويساعد على الربط بين ما يجدونه في الحالات المرضية, وبين ما يتعلمونه في علوم التشريح ووظائف الأعضاء. يبدأ التعلُم بالتنقل بين العيادات الخارجية بالمجتمع المحلي. وعلى سبيل المثال تناول الحالات غير الطارئة، مثل التقييم المعتاد في فترة الحمل واختبار الثدي وإجراء الأشعات بشأن سرطان عنق الرحم، ثم التقدم في الوقت المناسب نحو التعامل مع الظروف الطارئة، مثل الحمل خارج الرحم أو الولادة العسرة في المستشفيات.
ينبغي تدريس العلوم الأساسية في مجال الصحة الإنجابية دائماً بالتوازي مع الموضوعات الإكلينيكية. وعلى سبيل المثال، ينبغي أن يشتمل المقرر المتعلق بموانع الحمل على فروع علمية متنوعة, مثل الصيدلة والرعاية الأولية وأمراض النساء، عن طريق الاستعانة بمُعلمين يتناولون فروعاً علمية متداخلة، مثل المُعلمين القائمين على تدريس العلوم الأساسية والأطباء والممرضات, ومستشاري تنظيم الأسرة. وعلاوة على ذلك، ينبغي في الوقت نفسه تدريس العلوم ذات الصلة بموضوع منع الحمل, صحة المجتمع, وعلم الأوبئة, بالإضافة إلى قضايا النوع الاجتماعي.
لقد أثار المنهاج الدراسي الخاص بنموذج الصحة الإنجابية، والذي قامت بتصميمه الجمعية الأمريكية الطبية للنساء، اهتماماً كبيراً في مجال تطوير نماذج حرة للصحة الإنجابية، وهي النماذج التي يختارها الطلاب في السنوات النهائية، بوصفها موضوعات اختيارية، كجزء من تدريبهم الإكلينيكي (7 – 8). وينبغي أن تقتصر النماذج المختارة على تلك الجوانب من الصحة الجنسية الإنجابية التي يتناولها المقرر الدراسي العام بصورة موجزة، مثل فيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، والتعرف على حالات العنف الأسر, والوقاية من ومعالجة أنواع السرطان المتعلقة بالجهاز الإنجابي. كما ينبغي أن ترتبط بفترة تدريبية معينة, وعادة في السنة الأخيرة من التعليم الجامعي أو ما بعد الجامعي. وتكمن إحدى مميزات هذا النموذج في تعرُض الطلاب بعمق لقضايا رئيسية، وخاصة قبل البدء في الممارسة الإكلينيكية. ومع سهولة إدخال النماذج الحرة باستخدام تصميم انتقائي, فهي أكثر ملاءمة بالنسبة إلى طلاب الطب، أو ممارسي المهن الصحية الذين يسعون إلى تدريب عال أو تخصص مهني في مجال رعاية الصحة الجنسية والإنجابية.
يقوم هذا النموذج على تكليف أقسام منفردة بتدريس موضوعات بعينها في مجال الصحة الجنسية والإنجابية من خلال الحصص الدراسية القائمة بالفعل. وقد تبنت بعض الكليات الطبية والعديد من المنظمات المهنية هذا النموذج بوصفه مناسباً بصفة خاصة في مجال التعليم الطبى المستمر لمقدمي الرعاية الصحية. ونجد, على سبيل المثال، أن نموذج جامعة ماساشوستس يتخذ هذا المنحى في تدريس العنف الأسري في سنة العمل الإكلينيكي. (9) فعبر دورتين دراسيتين يقدم أطباء الأسرة والتوليد وأمراض النساء والممرضات والباحثون الاجتماعيون، مقاربة شاملة لموضوع العنف الأسري, تتناول سلوك كل من الضحايا والجناة، فضلاً عن الأمور المتعلقة بالأمان في المنزل. وبالمثل، قامت الكلية الأمريكية للتوليد وأمراض النساء بتطوير نموذج حول التشويه الجنسى للإناث من أجل تدريب أطباء الامتياز, بوصفه إحدى مكونات برامج التعليم الطبي المستمر (10).
إن تكليف المقررات التعليمية القائمة بالفعل بتناول جوانب بعينها في مجال الصحة الجنسية والإنجابية يتسم بميزة البساطة وسرعة تبني المتلقين وسهولة التنفيذ . ومع ذلك، فإن دراسة نلسون في جامعة هارفارد تشير إلى أن تكليف المقررات التعليمية في الأقسام القائمة بموضوعات صحة النساء يمكن أن يؤدي إلى تشتت مسئولية الإرشادات والتنسيق, مما يقود إلى إغفال مواد مهمة، أو تكرار غير ضروري، أو كليهما. (8)
يكمن الاختلاف الرئيسي بين النموذج المتكامل والنموذجين الآخرين في إدراج الصحة الجنسية والإنجابية في كل جوانب التجربة التعليمية أو في أجزاء منها فقط. ويتضمن مفهوم التكامل إعادة هيكلة مجمل المنهاج الدراسي، بحيث يتم إدراج الصحة الجنسية والإنجابية منذ البداية، بدءاً من مستوى العلوم الأساسية. وعلى سبيل المثال، يضم المقرر التعليمي في تشريح الحوض لدى الإناث توضيحاً لكيفية إجراء اختبار الحوض, وتعليم المرأة كيفية استخدام الواقي المهبلى.
وترتفع التكلفة الأولية لإدراج النموذج المتكامل، بما في ذلك القائمين على التدريس, ومدة دراسة الطالب, والموارد المتعلقة بالبنية الأساسية، والدعم, عن تكلفة النماذج الأخرى. كما تحدد أيضًا وسيلة التدريس مقدار التكلفة، أي ما إذا كانت الوسيلة هي التعليم القائم على تحليل المشكلات, أو المحاضرات أو الاثنين معًا. وقد طرح الاجتماع التشاوري الذي عقدته رابطة الكومنولث الطبية أن النهج المتكامل أكثر فاعلية على المدى الطويل, ذلك أنه يعمل على إدخال مفاهيم المؤتمر الدولي للسكان والتنمية على نحو عميق.
لقد كانت جامعة هائمان في فيلادلفيا بالولايات المتحدة الأمريكية رائدة في مجال استخدام النهج المتكامل متعدد الفروع العلمية تجاه صحة النساء, والذي أمكن بالتأكيد تنسيق إدراجه عبر المنهج الدراسي، (11) ويُعد مثالاً على كيفية ملاءمة مختلف النماذج لاحتياجات كل مؤسسة وطلابها. ويقوم البرنامج على إسهام الأنظمة العلمية المختلفة في تدريس العلوم الطبية الرئيسية في العامين الأولين من الدراسة, ثم يزداد تبنيه لنموذج . التكليف في السنوات الإكلينيكية، حيث تشارك أقسام مثل: صحة المجتمع المحلي وعلم الأوبئة, وطب الأسرة, وطب الأطفال، والأمراض الباطنة، والتوليد, وأمراض النساء, في تدريس جوانب محددة من الصحة الإنجابية.
وعند تنسيق الجهود مركزياً، من خلال الهياكل الأكاديمية والإدارية للمؤسسة التعليمية، فمن المرجح أن تتحقق المشاركة الفعالة في الأهداف التعليمية، والتقييم الذي يضم مُعلمين من أقسام وهيئات أخرى, مما يؤدي إلى كفالة التنفيذ الفعال للمنهاج الدراسي. وهو الأمر الذي يتطلب تحديداً واضحاً لمنسقي المقررات التعليمية من مختلف الأقسام، والذين يتولون مسئولية مختلف جوانب المنهاج الدراسي. كما يتطلب الأمر أن يلتقي منسقو المقرر التعليمي على نحو دوري مع مدير عام التعليم الجامعي لمناقشة تقييم الطلاب الأهداف التعليمية, بغية كفالة اكتساب الكفاءات المرغوبة وتحديث المنهاج الدراسي بانتظام.
وفى نيجيريا بادرت كليتان للطب في جامعتين فيدراليتين, بالفعل, بإدراج منهاج دراسي حول الصحة الجنسية والإنجابية داخل مقرراتهما التعليمية التي يدرسها طلاب الجامعة. (١٢) كما تنفرد كلية الطب في بابوا غينيا الجديدة بأنها لم تقتصر على كفالة إدراج الصحة الجنسية والإنجابية داخل المنهاج الدراسي لطلاب الكلية، وإنما تُدرجه أيضًا في التدريب الذي تحصل عليه الممرضات والمولدات؛ إذ أمكن تجميع كل علوم وفروع الصحة في بوتقة واحدة لخدمة الأغراض التعليمية ا(تصال شخصي, يناير ۲۰۰۳).
عند تصميم أقسام المنهج، ينبغي أن تؤخذ في الحسبان الاحتياجات الخاصة بالطلاب الذين يتطلعون إلى كل من الممارسة العامة والمتخصصة. وتضم الموضوعات التي طرحها الاجتماع التشاوري فيما يتعلق بتقليص عبء المشكلات الجنسية والإنجابية في البلدان النامية ما يلي: تنظيم الأسرة، وصحة الأم، ومضاعفات الحمل, والعقم، والأمراض المنقولة جنسيًا، وفيروس نقص المناعة البشرية/ الإيدز، والإجهاض، والحياة الجنسية, والمشكلات الناجمة عن علاج سرطانات الجهاز التناسلي والإنجابي والوقاية منها، ومنع الممارسات الضارة، والصحة الإنجابية للمراهقين, ومهارات الاتصالات.
أما القضايا التي لا تُعتبر دوما ذات صلة بالتعليم الطبي, ومع ذلك يجدر تناولها، فتضم مهارات تقديم المشورة والاتصال، والتي تتضمن, أحيانًا، الإفصاح عن الأمور الشخصية الحميمة، ومتى وكيف يجري إشراك الشركاء وأعضاء أسرة المريض – بما في ذلك عند إجراء اختبارات الأمراض المنقولة جنسيًا/ فيروس نقص المناعة البشرية، ومتابعة الشريك وإبلاغه – وتأثير الوضع الاجتماعي الاقتصادي والفقر على تيسر الوصول إلى الخدمات، وموقف مقدمي الخدمة تجاه مختلف أنماط المرضى (على سبيل المثال، الأميين وغير المتعلمين), وأثر العوامل الاجتماعية والثقافية على سلوكيات الصحة, والتبعات الاجتماعية والانفعالية والنفسية المترتبة على مشكلات مثل العقم أو الحمل غير المرغوب، وأثر العنف ضد النساء على الصحة, وكيفية تقديم الدعم والإحالة إلى الخدمات المطلوبة, ودور تعاطى العقاقير التي تؤدى للإدمان في انتقال الأمراض المنقولة جنسيًا / فيروس نقص المناعة البشرية، وضرورة الاهتمام بالاحتياجات الصحية للمراهقين, وأهمية اتباع أسلوب متعاطف بدلاً من توجيه الانتقادات وإصدار الأحكام, والاختلافات بين النساء والرجال فى عرض حالات مرضية بعينها. وأخيرًا، هناك احتياج لتناول الجوانب المرتبطة بالنوع الاجتماعي لكل موضوع من تلك الموضوعات. ومن الجوهري أيضًا أن يدرك الطلاب النهج الأخلاقي والحقوقي في مجال توفير المعلومات والخدمات.
كما يجب أيضًا إدراج الأخلاقيات الطبية والقواعد المرشدة بشأن كيفية التعامل مع المواقف التي يحس مقدم الخدمة الصحية أنها تتعارض مع قناعاته وضميره. وعند تقديم خدمات الصحة الجنسية والإنجابية، يتسم التوجيه الأخلاقي في مثل هذه المجالات بأهمية خاصة، مثل الاحترام والحق في المعلومات والسرية (بما في ذلك ما يتعلق بالتقارير الخاصة بالإجهاض غير القانوني) والموافقة المبنية على المعرفة. كما ينبغي أيضًا توفير التوجيه حول علاقة العاملين المهنيين بالصحة مع المعالجين التقليديين, الذين عادة ما يقوم المرضى باستشارتهم قبل حصولهم على الرعاية الإكلينيكية للمهنيين الطبيين, أو حتى في الوقت نفسه.
وكجزء من مسئولياتهم المهنية, يجدر تعريف الأطباء والممرضات والمولدات بجميع القوانين والسياسات في بلدهم، فضلاً عن الوثائق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية. وتُعد قوانين الإجهاض أوضح مثال في هذا الصدد، لكن هناك موضوعات أخرى تتسم بالقدر نفسه من الأهمية, مثل الاتفاق على السن المناسب لإمداد صغار السن بالمعلومات والخدمات المتعلقة بمنع الحمل, مثل مدى قانونية التعقيم, ومتطلبات المسوح الإكلينيكية عن الأمراض المنقولة جنسياً وفيروس نقص المناعة البشرية للعاملين في مجال الجنس، وما هي الإجراءات المسموح بها لمقدمي الخدمات من المستوى المتوسط، ودواعى الاستخدام المقرة لأدوية بعينها, وغير ذلك كثير .
إن المقررات التعليمية التقليدية في التوليد وأمراض النساء نادراً ما تقدم للطلاب تعليماً كافياً حول الحياة الجنسية طول دورة الحياة. ينبغي وجود قسم حول الحياة الجنسية من أجل تطوير وعي الطلاب بحياتهم الجنسية وتأثيرها على رعايتهم للمرضى, وتطوير الفهم حول فسيولوجية الاستجابة الجنسية لدى الذكور والإناث. فهذا النموذج يساعد الطلاب على فهم التأثيرات الاجتماعية والفسيولوجية والعاطفية على الوظائف والاختلالات الجنسية، ووجود مختلف أنماط التعبير الجنسي, والآثار المترتبة على صورة الجسد والاحترام الذاتي.
كما يجب تعريف الطلاب أيضًا بالحدود التي ينبغي مراعاتها في سلوك الأطباء نحو مرضاهم، وغير ذلك من الأمور التي تؤثر في العلاقة بين الطبيب والمريض فيما يتعلق بتوفير المعلومات والخدمات بشأن الصحة الجنسية والإنجابية. ومن المهم, بوجه خاص، أن يعمل الطلاب على تطوير المهارات المناسبة المطلوبة للاتصال على نحو فعال مع المرضى حول الموضوعات الجنسية.
وينبغي أن يتمكن الطلاب من تحديد ومراقبة الممارسات الضارة ضد النساء في مجتمعاتهم المحلية، بما في ذلك التشويه الجنسى للإناث، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وانتهاك الحقوق الجنسية والإنجابية، والتي ترتبط جميعها ارتباطاً وثيقاً بعلاقات القوى غير المتساوية بين الرجال والنساء. كما يجب أن يدرك الطلاب جيداً ما هى الموارد المحلية المتاحة لمساعدة الضحايا، وكيفية التوصل إليها.
لم يوجه انتباه كاف إلى الإرشادات المتعلقة بصحة المراهقين/ المراهقات في كليات الطب وخاصة بالبلدان النامية، حيث توجد نسب أعلى كثيراً من السكان تحت سن ٢٥ سنة . ينبغي أن يتعلم الطلاب أن الشباب من الجنسين يواجهون ضغوطًا اجتماعية واقتصادية خاصة, وقد تسفر عن آثار مناوئة على قدرتهم على تبني نهج مسئول تجاه قضايا الحياة الجنسية والقضايا الإنجابية. يحتاج الطلاب إلى اكتساب سلوكيات ومهارات لتشجيع المراهقين/ المراهقات على الاستفادة من المعلومات والخدمات في مجال الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك فهم التغيرات الفسيولوجية والانفعالية المقترنة بالبلوغ والمراهقة. يحتاج المراهقون/ المراهقات أيضًا مساعدة لإدراك أهمية تجنب الحمل غير المرغوب ومخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة جنسياً، وخاصة عدوى فيروس نقص المناعة البشرية، ويحتاج الطلاب إلى تطوير المهارات المناسبة لتقديم المشورة إلى المراهقين / المراهقات داخل السياق الاجتماعي الثقافي للمجتمع المحلي الذي يعيشون فيه.
ويتمتع الممارسون الطبيون بوضع قوي, على نحو استثنائي، للتأثير على مرضاهم وعلى المجتمع المحلى ضد السلوكيات التي يمكن أن تؤثر تأثيراً مناوئًا على الصحة الجنسية والإنجابية، وبإمكانهم تشجيعهم على تبني أنماط السلوك الجنسي الآمنة. (١٣) ولهذا، يحتاج الممارسون الطبيون إلى تطوير قدراتهم على إدراك السلوك الضار للتأثير عليه. وهذا هو السبب في ضرورة تماس الطلاب مع المرضى منذ بداية دراستهم، وأساساً تحت إرشاد مدرسين وإكلينيكيين ذوي خبرة, لا أن يقتصر الأمر على مجرد حضور المحاضرات.
وأخيراً، يجب أن يتعلم الطلاب تجنب السلوك اللفظي, وغير اللفظي، الذي يتسم بالفظاظة والغطرسة أو الوصاية، وعدم إبداء الملاحظات المهينة، أو التي تحط من قدر المرضى، وهي السلوكيات التي تشكي منها كثير من النساء اللاتى يستخدمن خدمات الصحة الجنسية والإنجابية.
يسعى النهج الحالي تجاه التعليم الطبي إلى تعزيز الاستخدام الفعال للبراهين المستقاة من البحث الإكلينيكي وتكنولوجيا المعلومات من أجل لتحسين الرعاية المقدمة في مجال الصحة الجنسية والإنجابية. ويحتاج الطلاب والمهنيون الممارسون للصحة إلى امتلاك قدرة على تحديد وتحليل واستخدام المعلومات الإكلينيكية والوقائية الحالية، واكتساب رؤية شاملة حول مختلف أنواع البراهين التي تعتبر مفيدة للإدارة الصحية وصنع القرار في مجال الصحة.
وعلى الرغم من أن كثيراً من كليات الطب قد أدركت الحاجة إلى تقديم إرشادات في مجال الطب القائم على البراهين، فإنه لم يتم بعد تحديد أفضل طريقة لتدريس هذه المهارات للطلاب. إن اقساماً مثل “صحة المجتمع المحلي” و “علم الأوبئة” و “الإحصاءات الحيوية” و “السكان” و “دراسات النوع الاجتماعي” و “علوم الكمبيوتر” يجب أن تعلب دورًا مهمًا في توضيح كيفية إدراج مبادئ الطب القائم على البراهين في عملية تدريس مكونات الصحة الجنسية والإنجابية التي تركز على البيولوجيا الإنجابية, وعلى الاستثمارات الطبية والجراحية من المنظورين العلاجي والوقائي. (14)
تُعد الزيادة المفرطة في المعلومات لعنة بالنسبة إلى المناهج الطبية الحالية المقدمة للطلاب في أغلب البلدان. وهناك تحرك تجاه تقليص محتوى المناهج بالتخلص من الجوانب الثانوية، والتركيز فحسب على الحالات التي تسهم في زيادة عبء المرض والمعاناة لدى السكان. وهو الأمر الذي يمكن تحقيقه بتقليص عدد ساعات المحاضرات من خلال تقديم حالات إكلينيكية، واستخدام أسلوب حل المشكلات، مع التركيز على الحالات المتكررة التي سيواجهها الطلاب في عملهم المهني.
وفي حال الرعاية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية, لن يتعامل الطلاب في كثير من الأحيان مع المرضى الذين يعانون من مرض شديد، بقدر ما سيتعاملون مع من يسعون للحصول على المعلومات أو الخدمات التي يمكن أن تحمي صحتهم الجنسية والإنجابية، وتمنع حدوث مشكلات مثل الحمل غير المرغوب، أو الأمراض المنقولة جنسياً، أو العقم. ومع ذلك، هناك فترات أخرى تحتاج إلى مهارات مختلفة، على سبيل المثال عند التعامل مع الحالات الطارئة في الولادة أو مضاعفات الإجهاض غير الآمن. وامتلاك كلا النوعين من المهارات يؤدى إلى طريقة جديدة للتفاعل مع المرضى. ومن ثم, فإن هناك احتياجاً إلى الاعتماد على المهارات والخبرة الموجودة لدى مجموعة متنوعة من مدرسي الرعاية الصحية والقادة الإداريين المعنيين بالتعليم الطبي، وذلك بغية تعزيز وتيسير إدخال مفاهيم جديدة إلى المنهاج الدراسي.
وبالإضافة إلى الشكل التقليدي المتمثل في المحاضرة, ينبغي تعزيز استخدام أساليب حل المشكلات – مثل أسلوب التعليم بناء على الحالة, والتعليم في مجموعات صغيرة، وأسلوب تخطيط المفاهيم. (15) ويهتم هذا الأخير بإبراز العلاقات بين المفاهيم والفروع العلمية المتداخلة، رابطاً بين الكفاءات المختلفة بما يحقق التعلم الهادف عند نقاط مختلفة من التدريب: بحيث يتمكن الدارسون من تكييف معارفهم بما يتناسب والظروف المتنوعة. مثل هذه التوجهات لها أهمية خاصة في تعليم الرعاية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية, وتعليم صحة المجتمع. ومع الأسف، أفادت البلدان الممثلة في الاجتماع التشاوري, الذي نظمته رابطة الكومنولث الطبية، أن استخدامها للمناهج في هذه الأغراض لم يكن متسقاً إلى حد كبير.
يُعد التعلُم القائم على تحليل المشكلات تقنية تعليمية تمكن الطلاب من تطوير مهارات حل المشكلات, واكتساب المعرفة حول العلوم الأساسية والإكلينيكية من خلال التعامل مع المشكلات التي يطرحها المرضى. إنه منهاج أساسي في المنحى الجديد للإصلاح التعليمي الذي يتبناه كثير من المؤسسات، إضافة إلى المداخلات المرتكزة على الحالة، في مقرراتها التعليمية التقليدية سواء ما قبل الإكلينيكية أو الإكلينيكية. وتوضح البراهين المتاحة أن الخريجين الذين تعلموا من خلال منهاج التعلم القائم على حل المشكلات يشعرون بدرجة عالية من الرضا عن تدريبهم أثناء مرحلة الدراسة الجامعية واكتسابهم المهارات الإكلينيكية التشخيصية والعلاجية. (16)
وفي ورشة العمل التي عقدتها رابطة الكومنولث الطبية في أوغندا، قام رئيس قسم التوليد وأمراض النساء في جامعة ماكيريري بوصف المهارات التي يحتاجها أي طبيب يعمل في المناطق البعيدة، حتى يتمكن من إنقاذ حياة المرأة في حالة الولادة الطارئة. وإذ لا يمكن توفر طبيب توليد أو أمراض نساء فى وقت معقول، فإن مصير المرأة والطفل بالتالي، يتوقف بالكامل على الطبيب الموجود في أقرب مركز للصحة، والذي ينبغى عليه أن يكون قادراً على التعامل مع مجموعة واسعة جداً من حالات الطوارئ. ولهذا، يكمن التحدي في كيفية ضمان حصول طلاب الطب على خبرة عملية من المشكلات التي تصادفهم في مجال تقديم الخدمات في ظل هذه الظروف. وبينما تتم الغالبية العظمى من الولادات في البلدان المتقدمة في المستشفيات أو في أماكن قريبة من المستشفيات, فإن العكس هو الوضع في أغلب البلدان النامية.
ولهذا, من الضروري أن يمضي الطلاب فترات من الوقت ملتحقين بمراكز الصحة في المناطق البعيدة، من أجل الحصول على تدريب وخبرة وافيين في مجال التعامل مع مشكلات وحالات الطوارئ، حيث لا يتيسر أمامهم هناك الوصول إلى مستشفيات مجهزة على نحو مناسب. لكن تخصيص وقت كاف لذلك قد يكون عسيراً داخل المنهاج الدراسي الأساسي لمدارس الطب في البلدان النامية.
وقد يكون من الضروري أيضًا استكمال التدريب للطلاب الذين يعدون للعمل في المناطق البعيدة بإمدادهم بتدريب مهني إضافي متقدم في مجموعات صغيرة. لقد أدخلت المملكة المتحدة منذ ٣٠ سنة التدريب المهني للممارسة العامة (أي الرعاية الصحية الأولية)، ويستمر هذا المقرر التعليمي لمدة ثلاث سنوات، بما في ذلك سنة مع ممارس عام معتمد بوصفه مدربًا (17) ويُعد التدريب المهني في مجال الرعاية الصحية الأولية في البلدان النامية (حيث تُعتبر الصحة الجنسية والإنجابية واحدة من أهم المكونات) مفهوماً جديداً نسبياً.
ويرى عميد كلية الطب في بابوا غينيا الجديدة أن الطبيب الذي يذهب إلى المناطق الريفية البعيدة ينبغي, في الحد الأدنى, أن يكون قادراً على إجراء العمليات القيصرية واستئصال الرحم، علاوة على إدارة عملية التخدير المناسبة (اتصال شخصي, يناير ۲۰۰۳) وتتمثل إحدى طرق إنجاز ذلك في السماح لطلاب الطب في السنتين الأولى والثانية بالمساعدة في تلك الإجراءات الجراحية، ومن ثم تحسين معرفتهم بتشريح الجهاز الإنجابي ومساعدتهم على الشعور بمزيد من الثقة عند إجراء الجراحات. ومع المشاركة المتدرجة في العمليات الجراحية أثناء السنوات العليا، يمكن صقل مهاراتهم في العمليات الجراحية.
كان علم التوليد وأمراض النساء رائدًا في استخدام “المرضى القياسيين“، وهم أفراد مدربون على العمل کمرضى في حالات التدريس، ويحاكون مختلف المداخلات الإكلينيكية، ويوافقون على اختبارهم بدنيًا (على سبيل المثال: اختبارات الثدي والحوض). ولتدريس مهارات الاتصال، يمكن أداء مختلف السيناريوهات الإكلينيكية عن طريق تمثيل الأدوار، حيث يقوم بعض الطلاب بتمثيل أدوار معينة، أو يدير بعض الطلاب مقابلات مع مرضى قياسيين لمدة تتراوح من ٥ إلى ٧ دقائق، ويلي ذلك تغذية استرجاعية من الأقران والمرضى القياسيين والمدرببين. وتوفر هذه الأنشطة للطلاب فرصة تطوير مهاراتهم قبل العمل مع المرضى الحقيقيين. (18)
ينيغي الارتقاء على نحو منتظم بالقاعدة المعرفية للممارسين، ومعرفتهم بأفضل الممارسات، وذلك من خلال التعليم الطبي المستمر. (19) وعلى نقيض الوضع في البلدان المتقدمة، فإن قطاع الصحة في كثير من البلدان النامية، يعانى من تخلف برامج التعليم الطبي المستمر. ويرجع ذلك إلى افتقاد الموارد، ونقص العاملين المهنيين، وعدم إمكانية تغطية الغياب المؤقت للأطباء الذين يلتحقون بمقررات التعليم الطبي المستمر، فضلاً عن المشكلات الناجمة عن طول مسافة السفر إلى المؤسسات التي يمكنها تقديم التدريب بكفاءة مع تنفيذ المتابعة.
يمكن أن تضطلع الجمعيات الطبية الوطنية, بوجه خاص, بدور تقليدي في الحفاظ على تحديث معلومات أعضائها عن طريق توفير فرص التعليم الطبي المستمر. وهناك بعض المنظمات المهنية – مثل الكونفدرالية الدولية للمولدات والجمعية الطبية بماليزيا – لديها برامج ممتازة لأعضائها، بما في ذلك طباعة المعلومات ذات الصلة في نشراتها الخاصة. وهناك جمعيات أخرى – مثل الجمعية الطبية في جامايكا – تنظم مؤتمرات لأعضائها حول جوانب الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك صحة المراهقين.
ويحتاج المهنيون الحاليون إلى تعلُم مهارات جديدة بانتظام، على سبيل المثال: الجوانب التقنية المتعلقة بإدخال وسائل جديدة لمنع الحمل، أو إجراء عمليات قطع القناة الدافقة*، والتقنيات الجديدة للكشف عن سرطان عنق الرحم، واستخدام التكنولوجيات الجديدة في مجال المعلومات. أما الممارسات التي عفى عليها الزمن – مثل شق فتحة الفرج عند الولادة، والتوسيع, والكحت في الإجهاض المبكر – فتحتاج أيضًا إلى التصدى لها واستبدالها بالتقنيات التي تم البرهنة على أنها أكثر أمانًا.
تتمثل إحدى التحديات الرئيسية لإدخال التغيرات المطلوبة في النهج الدراسي – لضمان حصول طلاب الطب على التوجيه المناسب في مجال الصحة الجنسية والإنجابية – في كيفية حفز مُدرسي الطب على قبول وتعزيز وتبني تلك التغيرات. إن الصحة الجنسية والإنجابية تتناسب بوجه خاص مع الأساليب الأحدث بشأن الإرشادات الموصوفة هنا. لكن كثيرين لم يحصلوا أبدًا على تدريب رسمي في استخدام تلك الأساليب, ويحتاجون إلى المساعدة حتى يألفوها ويكتسبوا الثقة في استخدامها، على سبيل المثال، من خلال ورش العمل لتطوير أعضاء هيئة التدريس. ويوجد لدى المدرسين أيضًا تصور عام بأن مهاراتهم في التدريس أقل قيمة من بحوثهم ومطبوعاتهم. ومن هنا، يفتقدون عادة الدافع إلى تعلم مهارات جديدة وتحديث معارفهم. وبالتالي، لا يمكن المغالاة في تأكيد الحاجة إلى مكافأة المدرسين الإكلينيكيين الجيدين, عن طريق الترقيات وتثبيتهم في وظائفهم.
إن التوليد وأمراض النساء موضوعات متخصصة، وهي ليست مرادفة للصحة الجنسية والإنجابية. ومع ذلك, لا تولي الكتب الدراسية، بل حتى الطبعات الحديثة منها, سوى قليل من الاهتمام، إن حدث, للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية ومفهومه حول الصحة الجنسية والإنجابية بوصفهما من مكونات الرعاية الصحية الأولية. ولهذا, يحتاج مدرسو الطب إلى تبني تحولاً نموذجيًا في التحرك نحو منهاج دراسي متعدد الفروع العلمية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية.
ومن غير الشائع ذكر مثل هذه القضايا تحديداً – إذا أشير إليها على الإطلاق – في متطلبات المنهاج الدراسي بشأن التصريح بالجثث (وهي التصاريح التي تلتزم مدارس الطب بالامتثال إليها من أجل الاعتراف بالدرجات العلمية والدبلومات التي تمنحها لأغراض الحصول على ترخيص بالممارسة). وهناك اعتبارات مماثلة تنطبق على مواصلة التعليم الطبي، والذي أخذ يصبح متطلباً مهمًا لتجديد ترخيص ممارسة الطب في كثير من البلدان المتقدمة.
ولهذا، فإن إجراء التغييرات الضرورية في المنهاج الدراسي يتطلب إعداد ومشاورات مع جميع أصحاب المصلحة المعنيين بتعليم الرعاية الصحية. وبينما يزداد الانتباه إلى تحسين الوصول إلى الخدمات وغيرها من قضايا نظم الصحة وتكامل إصلاحات الخدمات وغيرها من إصلاحات قطاع الصحة وتبني نهج يقوم على الحقوق, فإن التقدم في مجال تحسين تدريس الرعاية في مجال الصحة الجنسية والإنجابية في منهاج دراسة الطب والتعليم الطبي المستمر أقل كثيراً . هناك احتياج إلى بذل جهود أكبر من أجل تحقيق أهداف الصحة الجنسية والإنجابية مع حلول عام ٢٠١٥.
جون هافارد, رئيس اتحاد رابطة الكومنولث الطبية، والمشاركين في مشاورات لندن وورشة العمل في أوغندا لمساعدتهما.
(*) ماریان هاسلجراف (Haslegrave Mariana): مديرة اتحاد رابطة الكومنولث الطبية, لندن, المملكة المتحدة.
البريد الإلكتروني: (Marianne @ comment. Org)
(**) أولوفيمي أولاتونبوسون (Olufemi Olantunbosun): أستاذ ورئيس قسم التوليد وأمراض النساء والعلوم الإنجابية، كلية الطب, جامعة ساسكاتشیوان, ساسكاتون، کندا.
(***) تتخذ أنشطة رابطة الكومنولث الطبية نهجاً أخلاقيًا يقوم على الحقوق، وذلك من أجل النهوض بالصحة (وخاصة الصحة الجنسية والإنجابية) والوقاية من المرض والإعاقة في البلدان النامية. (3)
* القناة التي تنتقل عبرها الحيوانات المنوية إلى العضو الذكرى. (المحررة)
1-United Nations . Program of Action adopted at the International Conference on Population and Development , Cairo , 5-13 September 1994 .
2-United Nations . Key Actions for the Further Implementation of the Programme of Action of the International Conference on Population and Development adopted at the twenty – first special session of the General Assembly , New York , 30 June – 2 July 1999 .
3-Commonwealth Medical Association Trust . At : < www.commat.org > .
4-Collins KS , Schoen C , Joseph S , et al . Health concerns across a woman’s lifespan . Commonwealth Fund 1988 Survey of Women’s Health . New York : Commonwealth Fund , 1999 .
5-Commonwealth Medical Association Trust . Sexual and Reproductive Health in the Medical Curriculum : Report of an Expert Consultation , March 2001. London : Commat , 2002 .
6-American Medical Women’s Association . Fourth Year Elective Curriculum in Reproductive Health . Washington DC : AMWA , 1997 .
7-Cain J , Donoghue GD , Magrane D , et al , editors . Women’s Health Care Competencies for Medical Students . Crofton MD : Association of Professors in Obstetrics and Gynecology Women’s Healthcare Education Office , 2000 .
8-Nelson M , Nicolete J , Johnson K. Integration or evolution : women’s health as a model for interdisciplinary change in medical education . Academic Medicine 1997 ; 72 : 737-40 .
9-Jonassen JA , Pugnaire MP , Mazor K , et al . The effect of a domestic violence interclerkship on the knowledge , attitudes , and skills of third – year medical students . Academic Medicine 1999 ; 74 ( 7 ) : 821 -28 .
10-American College of Obstetricians and Gynecologists . Female circumcision / Female Genital Mutilation . Clinical Management of Women . Washington DC : ACOG , 1999 .
11-Association of Professors of Gynecology and Obstetrics Resource Network . Curriculum Model . MCP Hahnemann University Women’s Health Education Program . Washington , DC . USA 2000. At : < www.apgo.org/resourcenetworld > .
12-Campaign Against Unwanted Pregnancy . Curriculum for Nigerian Medical Schools on Reproductive Health Care , 23 February 2001 .
13-Epstein RM , Hundert EM . Defining and assessing professional competence . JAMA 2002 ; 287 : 226 -35 .
14-Gastel B , Rogars DE . Clinical Education and the Doctors of Tomorrow . New York : New York Academy of Medicine , 1989 .
15-Weiss LB , Levison SP . Tools for integrating women’s health into medical education : Clinical cases and concept mapping . Academic Medicine 2000 ; 75 : 1081-86 .
16-Antepohl W , Domeij E , Forsberg P , et al . A follow – up of medical graduates of a problem – based learning curriculum . Medical Education 2003 ; 37 ( 2 ) : 155-62 .
17-Lipman T. The future general practitioner : out of date and running out of time . British Journal of General Practice 2000 ; 50 ( 458 ) : 743-46 .
18-Wagner PJ , Lentz L , Heslop SD . Teaching communication skills : a skills – based approach . Academic Medicine 2002 ; 77 ( 11 ) : 1164 .
19Novack DH , Suchman AL , Clarck W , et al . Calibrating the physician : personal awareness and effective patient care , JAMA 1997 ; 278 : 5029 .