تعليمنا مازال منحازًا للذكور
رغم زيادة مخصصات الإنفاق على التعليم من الإنفاق العام ، نجد أن نصيب الفتيات من هذا الإنفاق أقل من نصيب الذكور ، حيث يصل نصيبهن إلى ٤٦% من جملة ما ينفق على التعليم .
هذا الرقم كشفت عنه دراسة صدرت عن المجلس القومي للمرأة ضمن مشروع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة في سوريا والأردن ومصر ، وشارك فيها خبراء مركز دراسات الإدارة بكلية السياسة والاقتصاد بجامعة القاهرة وأساتذة من معهد التخطيط القومي والمجلس القومي للمرأة تحت عنوان (موازنات النوع الاجتماعي) ، واستغرق إعداد الدراسة عامين وأجريت على موازنات الأعوام من (٢٠٠٠ إلى ۲۰۰۳) بهدف تقييم مدى استفادة الإناث من إيرادات الدولة ونفقاتها ، ومدى التزام الحكومة بالمساواة الدستورية بين الرجل والمرأة ، ومدى التزام الحكومة بمفاهيم اللامركزية وترشيد استخدام الإيرادات لتحقيق أعلى فعالية وكفاءة ، فعلى سبيل المثال ليس المهم عدد المدارس التي تم بناؤها ، ولكن الأهم هو هل تم البناء بمواصفات الجودة وبما يتناسب مع احتياجات المستفيدين منها أم لا ، كما أنه ليس المهم فقط تخريج أعداد كبيرة من الطلاب، ولكن الأكثر أهمية هو جودة العملية التعليمية ومدى ملاءمة المناهج لاحتياجات سوق العمل ، أي مقياس مدى فعالية البرامج التي تخصصها الدولة للفئات المهمشة (المرأة ، الطفل ، الفقراء).
وتوضح الدراسة أن انخفاض ما ينفق على تعليم الإناث يعود إلى انخفاض نسبة التحاقهن بمراحل التعليم خاصة الجامعي منه لأسباب اجتماعية واقتصادية مختلفة ، وفي مرحلة التعليم الفني (قبل الجامعي) التي يصل نصيبها مما ينفق على التعليم الجامعي حوالي 25% فقط ، وتصل نسبة الطالبات بها إلى ٤٦% ، فلا تستفيد الطالبات كثيرًا من هذا النوع من التعليم لانخفاض نسبتهن به, كما لا يستفدن من فروعه ، فأكثر أنواع هذا التعليم انفاقًا هو التعليم الصناعي الذي لا تتعدى نسبة الطالبات به لإجمالي الطلاب ٣٤% فقط من إجمالي طلاب هذا النوع ، في حين لا يتعدى نصيب التعليم التجاري ٨% من إجمالي الإنفاق على التعليم ما قبل الجامعي ، وهو الذي تصل به نسبة الطالبات لإجمالي الطلاب إلى ٦٤% بما يعني وجود تحيز ضد الإناث في الإنفاق على التعليم التجاري ، وربما كشفت هذه الأرقم أيضًا عن أسباب تسرب الفتيات من التعليم بنسبة أكبر من الذكور ، وتجيب عن سؤال طرح كثيرًا هو لماذا لا تجد أغلب المتعلمات نفس فرص الحصول على العمل ؟!
ما ينفق على تعليم البنات أقل مما ينفق على تعليم الذكور .
الرسوم المدرسية تحرم البنات من التعليم
المناهج الدراسية تركز على بطولة الذكور دون الإناث .
الأسر المصرية تعطي للذكور دروسًا خصوصية أكثر من البنات ، لكن البنات الأكثر تفوقًا.
تمييز ضد الفقراء
تقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) عدد الفتيات غير الملتحقات بالتعليم في مصر في الفئة العمرية من (٦ – ١١) عامًا بحوالي ٦٥٠ ألف فتاة، والأسباب متداخلة كما توضحها دراسة اليونيسيف التي صدرت منذ أسابيع تحت عنوان (مبادرة تعليم البنات في مصر) وأعدها رونالد جي سولتانا ، حيث يدفع الفقر الأهالي لتفضيل تعليم البنين على البنات عندما لا يستطيعون تحمل نفقات إرسال جميع الأطفال للمدرسة (المصروفات الدراسية والرسوم والملابس والأدوات والمصروف الشخصي وغيرها) هذا بالإضافة إلى العادات التي تجبر الفتيات على المساعدة في الأعمال المنزلية أو العمل ، إلى جانب المردود الضعيف للتعليم في سوق العمل، الزواج المبكر للفتيات ، بعد المدرسة أو افتقارها إلى مرافق صحية منفصلة للبنات ، أو تعرض البنات للمضايقات أو الإساءة مما يدفعهن لترك التعليم .
وتشير الأرقام أيضًا إلى أن الإنفاق على التعليم في مصر ينحاز لصالح الفئات السكانية الثرية ، حيث يخصص ٤٠% من الإنفاق الحكومي الكلي للفئات السكانية الأعلى دخلاً ، بينما لا تتلقى الفئات السكانية الأقل دخلاً سوى ٧% خاصة في الريف وبشكل خاص في الصعيد ، إضافة إلى أن الحالة الاقتصادية قد أجبرت الحكومة على استرداد جزء من تكلفة التعليم من الأسر المصرية فأعادت منذ الثمانينيات فرض رسم الخدمات التعليمية، ومع أن هذا المبلغ صغير القيمة لكنه في الواقع يتجمع ليزيد على ۲۰ جنيها شهريًا ، ويعد عاملاً رئيسيًا مثبطًا للأسرة الفقيرة ، خاصة إذا كان لدى هذه الأسر أكثر من طفل واحد في سن الإلتحاق بالمدرسة ، وتؤكد الأدلة الدولية والمحلية حقيقة مفادها أنه حينما يتم تقاضي رسوم مدرسية يقل عدد الأطفال الذين يذهبون للمدرسة ، وأنه حينما تجبر الكلفة أهالي الطلاب على الاختيار ، فإنه من المحتمل بدرجة أكبر أن يختاروا إلحاق أبنائهم دون بناتهم بالمدرسة .
ويشير تقرير التنمية البشرية عن التعليم في مصر إلى أن ضمان التعليم المجاني في كل مراحله أصبح حقًا غير واقعي لاسيما الفقراء ، فالتعليم المتاح لهن نوعية منخفضة ولم تعد لهن قيمة اقتصادية حقيقية بما يهدد بفقد التعليم لوظيفته من حيث كونه أداة للحراك الإجتماعي أو محققًا للفروق بين الطبقات ، بل أصبح معززًا له ومدعمًا للتفاوت الاجتماعي .
صورة الفتاة في المناهج
ولا يقتصر التحيز للذكور عند حد الإنفاق على التعليم الذي يتركز فيه الذكور فقط ، كما لا يعد التحيز للذكور جزءًا من التحيز للأغنياء فحسب ، وإنما يظهر التحيز أيضًا في مضمون المناهج نفسها ، فلا تهتم المناهج بإبراز صورة الفتاة في الكتب الدراسية كما تبرزها بالنسبة للفتى ، فالمناهج الدراسية تؤكد أدوار البطولة التي قام بها الرجال على مدار التاريخ دون الاهتمام بما قامت به النساء ، لكن على الرغم من هذا التمايز النسبي ومن أن استيعاب البنات بالتعليم أقل من البنين ، فالبنات يحرزن تفوقًا على البنين في التعليم ، حسبما تؤكد دراسة صدرت عن المركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية تحت إشراف د. ناهد رمزي يونيو ۲۰۰۸) تحت عنوان (التعليم والعدالة الإجتماعية) أجريت على عينة من ۳۰۰۰ طالب وطالبة في المراحل التعليمية الإبتدائي والإعدادي والثانوي بخمس محافظات تم اختيارها لتمثيل الخصائص الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية الكل محافظات مصر وهي (القاهرة الإسماعيلية ، المنوفية ، البحر الأحمر ، قنا) كما شملت العينة أولياء أمور الطلاب وهيئة التدريس بمدارسهم .
وأكد ٣٧% من المديرين والمعلمين أن الأسر المصرية مازالت تهتم حتى الآن بتعليم البنين أكثر من البنات ، في حين أشار ٦٩% من أولياء الأمور إلى أنهم لا يفرقون بين الجنسين في الاهتمام بتعليم أبنائهم ، لكن سرعان ما يدحض هذه النتيجة ما ذكره أولياء الأمور من أن ٣٨% ممن يحصلون على الدروس الخصوصية من البنين ، بينما لا تتعدى النسبة نفسها ٢٢% للبنات ، مما يعني أن الآباء أكثر حرصًا على حصول أبنائهم من البنين على درجات عالية تؤهلهم للالتحاق بكليات تفتح أمامهم مستقبلاً أفضل ، أو الاستمرار في التعليم على أقل تقدير .
هنا يشير تقرير التنمية البشرية لعام ٢٠٠٥ إلى أن أهمية تحقيق المساواة بين النوع الاجتماعي بحلول ۲۰۱5 ليست هدفًا في حد ذاته ، وإنما هي مكون رئيسي لاستئصال الفقر أو حماية البيئة أو الوصول للرعاية الصحية بما يعود مرة أخرى على تغيير أوضاع الفقراء .
وتوصي الدراسة بأن تحقيق العدالة الاجتماعية يتطلب في بعض الأحيان (التحيز الإيجابي) للفئات المحرومة حسب مواد الدستور (١٦ ، ٢٦ , ٣٧) وقد يكون من الملائم عند النظر في تعديل الدستور – تضمينه مبدأ كفالة العدالة في مجال التعليم بحيث يكون لكل فرد الحق في تعليم غير محدود بأهداف متواضعة ، بل يتجاوزها إلى كفالة مضمون الحق الإنساني في التعليم ، والنظر للفئات المحرومة ليس باعتبارهم متلقين لمعونات من الدولة أو من جهات مانحة ، بل باعتبارهم شركاء حقيقيين في عقد اجتماعي جديد بين الدولة ومواطنيها.