تقييم الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساء مصر ( ٢٠١٤ – ٢٠١٨ ) ورقة أولية

التصنيفات: غير مصنف

تقييم الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساء مصر ( ٢٠١٤ ٢٠١٨ ) ورقة أولية

مقدمة

دون الاستغراق في تناول ومناقشة مفهوم الفساد، الذي تعددت تعريفاته. تتبنى هذه الورقة الرؤية التى تقوم على النظر للفساد باعتباره عرضاً من الأعراض الدالة على خلل إدارة الدولة، فالمؤسسات التي أنشئت لتنظيم العلاقات بين الدولة والمواطنين والتي تعد المسئول الأول عن توفير وإتاحة الخدمات العامة ، وضمان حقوق الإنسان لكل مواطن على قدم المساواة ودون تمييز، والسهر على حماية تلك الحقوق من أي انتهاك قد يقع عليها، فإنها في ظل وجود الفساد، تسخر لصالح الإثراء الشخصي للمسئولين الحكوميين، وتوفير الإمتيازات للفاسدين والمقربين، سواء كان ذلك في القطاع العام أو الخاص. أن الفساد وإن كانت تكاليفه باهظة على الاقتصاد، وآثاره تتسبب في تراجع معدلات الإستثمار والنمو الاقتصادي، إلا أنة ومن الحقائق المؤكدة أنة بات يشكل التحدي الأكبر أمام تحقيق تنمية إنسانية مستدامه. كما أنه يقوض برامج مجابهة الفقر. فالدولة التي تعانى من الفساد المستوطن ، تكون آثاره بالغة القسوة على الفئات الأشد فقراً، وبرغم صعوبة إثبات وجود علاقة وثیقة بین توزيع الدخل وبين مستوى الفساد، لأن أسباب الفقر أعمق وأكثر تجذراً : فإن كثيراً من الأبحاث أكدت على إسهام الفساد بشكل كبير وفعال في عملية إعادة إنتاج الفقر، واستدامته ، كما يعد الفساد أحد آليات تلك العملية. منذ العام ١٩٩٧ أعربت الجمعية العامة للأمم المتحدة عن قلقها إزاء المشاكل المترتبة على الفساد، فاتخذت قرارها بطلب من الأمين العام أن يساعد الدول الأعضاء على وضع استراتيجيات لمنع مكافحة الفساد، ويؤكد على أن تكون تلك الإستراتيجيات جزءاً من كل سعى جدي يرمى إلى إصلاح مؤسسات الحكم خاصة في الدول النامية ، والدول التي تمر بفترة انتقالية وجدير بالإشارة أن الدور الذي لعبته منظمة الشفافية الدولية. وهي أحدى منظمات المجتمع المدني، التى تأسست عام ۱۹۹۳ للعمل على مكافحة الفساد على المستوى العالمي ، كان له أثر فعال في وضع قضية مكافحة الفساد على أجندة واهتمام المجتمع الدولي، وتبنى الجمعية العامة للأمم المتحدة فيما بعد إصدار اتفاقية الفساد عام 2003.

وقد أكدت التجارب الدولية على أن المواجهة الفعالة للفساد تقتضي وضع وتنفيذ استراتيجيات قوية ومتماسكة ، تستند إلى المعايير الدولية ، ومنذ اعتماد اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. ودخولها حيز النفاذ، أصبح على الدول الأطراف في الإتفاقية التزاماً بوضع وتنفيذ استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد، وفقاً لحكم المادة الخامسة منها ، والتي نصت على قيام كل دولة طرف. وفق المبادئ الأساسية لنظامها القانوني بوضع وتنفيذ وترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، تعزز مشاركة المجتمع وتجسد مبادئ سيادة القانون . وحسن إدارة الشئون والممتلكات العمومية. والنزاهة والشفافية والمساءلة. كما أكدت الفقرات التالية على ضرورة سعى كل دولة إلى إرساء وترويج ممارسات فعالة تستهدف منع الفساد واجراء تقييم دوري للصكوك القانونية والتدابير الإدارية ذات الصلة, بفرض تقرير مدى كفايتها لمنع الفساد ومكافحته فى إطار التعاون مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الصلة لتعزيز وتطوير تلك التدابير .

وفي أكتوبر ۲۰۱۳ ، صدر إعلان كوالالمبور عن اجتماع لممثلين هيئات مكافحة الفساد ، وهيئات التخطيط الوطنية ، من دول جنوب وشرق وجنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى خبراء مكافحة الفساد من مختلف أنحاء العالم، لمناقشة الممارسات الجيدة . والدروس المستفادة فى التجارب المقارنة في هذا المجال في دلالة واضحة على الأهمية المتنامية لإستراتيجيات مكافحة الفساد ، وأصبحت توصيات هذا الاجتماع التي تضمنها الإعلان مرجعاً هاماً. وبمثابة خطوط إرشادية لدول العالم فيما يتعلق بالإستراتيجيات الوطنية، ومن أهم تلك التوصيات :

1- ضرورة تضمين الاستراتيجيات الوطنية عند صياغتها آليات رصد وتقييم واضحة وكفؤ وفعالة، وأنظمة لجمع البيانات

٢ أهمية وضع مؤشرات متنوعة وملائمة ومحدده وقابلة للقياس، للأهداف والنتائج المتوقعة وتغذيتها ببيانات موثقة يجرى استقاؤها من مصادر متعددة

3- أهمية وضع تقارير دورية لقياس التقدم المحرز في مجال تنفيذ هذه الإستراتيجيات ترفع إلى الجهات المعنية.

4- أهمية إنشاء وتفويض هيئة محددة بمسئولية الرصد على أن يتم تزويدها بالدعم المؤسسي والمالي للازم.

وتأكدت أهمية إعلان كوالالمبور بعرضه أثناء انعقاد الدورة الخامسة لمؤتمر الدول الأطراف لإتفاقية مكافحة الفساد المنعقد في بنما في الفترة من ٢٥ إلى 26 أكتوبر ۲۰۱۳ ، وورد ذكره في قرار المؤتمر رقم 5 / 4.

استراتيجيات مكافحة الفساد في مصر

رغم تصديق مصر على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد عام ۲۰۰5، إلا أن عملية وضع خطة استراتيجية لمكافحة الفساد تأخرت كثيراً . بينما سبقتها دول عربية أخرى مثل الأردن، التي وضعت استراتيجيتها الأولى عام ۲۰۰۸ . وبحلول عام ٢٠١4 لحقت بها خمس دول عربية أخرى هي فلسطين والعراق والسعودية وموريتانيا والمغرب . في وضع مصر لأول استراتيجية وطنية لمكافحة الفساد في ديسمبر ۲۰۱5.

وتمثل جهود وزارة الدولة للتنمية الإدارية من خلال أنشطة لجنة الشفافية والنزاهة نقلة نوعية في هذا المجال ، ومن أهمها إصدار ثلاث تقارير الأول في فبراير ٢٠٠٧ تناول مفاهيم أسباب الفساد الإدارى فى مصر والدروس المستفادة من الجهود الدولية، والثانى فى أغسطس ۲۰۰۸ عن أولويات العمل وآلياته، والثالث في مارس ۲۰۱۰ عن تعزيز جهود الشفافية والنزاهه وبعد الغاء وزارة التنمية الإدارية ومطالبات الهيئات الدولية بضرورة إنشاء هيئة لمكافحة الفساد، تأسست اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد بموجب قرار رئيس الوزراء رقم ٢٨٩٠ لسنة ۲۰1۰. والمعدل بقرار رقم 493 لسنة ٢٠١٤ برئاسة السيد رئيس مجلس الوزراء، وعضوية كل من وزير التنمية المحلية والإدارية ، ووزير العدل، ورئيس هيئة النيابة الإدارية. ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، وممثلين عن كل من وزارات الداخلية والخارجية والمخابرات العامة والجهاز المركزي للمحاسبات، ووحدة مكافحة غسيل الأموال، والنيابة العامة، والتي لم يكن من بين صلاحياتها واختصاصاتها المحددة وضع الإستراتيجيات الوطنية لمكافحة الفساد، لذلك تم إنشاء اللجنة الفرعية التنسيقية لمكافحة الفساد والمنبثقة عن اللجنة الوطنية، بموجب قرار رئيس الوزراء رقم ١٠٢٢ لسنة ٢٠١٤ برئاسة رئيس هيئة الرقابة الإدارية ، وعضوية ممثلين عن وزارات الداخلية والتنمية المحلية والخارجية والعدل، وهيئات النيابة العامة . والمخابرات العامة، والرقابة الإدارية، والجهاز المركزى للمحاسبات. وهيئة النيابة الإدارية، ووحدة مكافحة غسيل الأموال. وتتلخص اختصاصاتها وصلاحياتها في إعداد الدراسات اللازمة لوضع الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد ووضع أنسب الآليات للتنسيق بين الأجهزة الرقابية لتبادل المعلومات والخبرات فيما بينها ، وتلقى البلاغات، وتقصى الحقائق ، ودراسة مظاهر الفساد بوحدات الجهاز الإدارى للدولة واقتراح الحلول للقضاء على مظاهر الفساد ، ووضع التوصيات الخاصة بنشر ثقافة النزاهة والشفافية بالمجتمع. ويتبين من تلك الآليات حرص الحكومات على جعل هذه اللجان تكوينات حكومية لا تتمتع بأي درجة من الإستقلالية، ولا تملك أي صلاحيات للمحاسبة أو اتخاذ القرار ودون أدنى مشاركة من ممثلي المجتمع المدني أو قطاع الأعمال .

في ديسمبر ٢٠١٤ أطلق رئيس الوزراء إبراهيم محلب وثيقة الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في مصر ، والتي تم إعدادها بمعرفة اللجنة الفرعية. وتباينت ردود الأفعال تجاه الإستراتيجية، فبينما اعتبرتها بعض الهيئات والدوائر خاصة الحكومية منها حدثاً كبيراً، ونقلة نوعية في مجال مكافحة الفساد في مصر بشكل عام، وتعبيراً واضحاً وقويًا عن وجود إرادة سياسية جديدة للنظام السياسي بعد يونيو ۲۰۱۳، جاءت ردود أفعال بعض الجهات الأخرى خاصة منظمات المجتمع المدني وخبراء مكافحة الفساد متحفظة على قيمة وأهمية الوثيقة واعتبرتها جزءاً من خطاب الدعاية السياسية، وإجراءًا شكليًا لإرضاء مطالبات الهيئات الدولية المعنية، واستيفاءاً صوريًا لإلتزام مصر باتفاقية مكافحة الفساد ، خاصة وأنة قد تم وضع الوثيقة دون أى مشاركة من المجتمع المدني.

تقييم الإستراتيجية الوطنية

تهدف عملية تقييم الإستراتيجيات الوطنية المتعارف عليها بشكل عام إلى التعرف على مدى الالتزام بتنفيذ ما ورد بها من تدخلات وأنشطة وما حققته من أهداف ونتائج ، على ضوء مؤشرات قياس تحققها، والوقوف على أهم نقاط القوة في التنفيذ وكيفية تعزيز تلك الجوانب، وأهم نقاط الضعف والتحديات التي واجهت التنفيذ، وكيفية تجاوزها في المستقيل والخروج بجملة من الدروس المستفادة والتوصيات التي تشكل أساس تطوير الأداء في الأعوام المقبلة.

لكننا نواجه منذ اللحظة الأولى لتنفيذ هذه المهمة بتقييم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في مصر تحديات كبيرة تتمثل في :

1- عدم وجود إطار محدد للخطط التنفيذية يشمل (الأهداف الإستراتيجية ، والمؤشرات والأنشطة والتدخلات، والمسؤوليات والأدوار الواضحة والمحددة لكل طرف من شركاء التنفيذ، والبرنامج الزمني المحدد، والموارد اللازمة لتنفيذها) ، بالرغم من ما ورد في وثيقة الإستراتيجية من تكليف اللجنة الوطنية التنسيقية ، واللجنة الفرعية بالقيام بهذه المهمة ( ص ۲۱ ) بالوثيقة.

2- عدم توافر البيانات والمعلومات الضرورية والكافية عما تم تنفيذه من الإتفاقية خلال السنة الأولى ( من ديسمبر ۲۰۱٤ وحتى ديسمبر ۲۰۱5 ) بالإضافة إلى غياب أي مصادر موثقة صادرة عن اللجنتين الوطنية والفرعية لمكافحة الفساد على أنشطتها، أو تقارير المتابعة لتنفيذ الإستراتيجية وفي التزاماتهما الواردة بالوثيقة, حيث لم يتم الإعلان عن أية بيانات أو معلومات أو تقارير بأی وسیلة من وسائل النشر بما فيها الموقع الإلكتروني الرسمي لهما وأمام هذه التحديات سنتناول تقييم الإستراتيجية على ثلاثة مستويات . الأول : تقييم مرحلة تصميم وإعداد الإستراتيجية من حيث العمليات والمنهجيات التي تم استخدامها ومحتواها على مستوى المحاور المختلفة، والثاني: تقييم أداء ونتائج السنة الأولى لتطبيق الإتفاقية والتي تنتهى فى ديسمبر ۲۰۱5 على ضوء المتاح لنا من بيانات أو معلومات عبر وسائل الإعلام. والثالث : الوقوف على أهم الدروس المستفادة والتوصيات التي تشكل من وجهة نظرنا منطلقات لتطوير وتفعيل الإستراتيجية الوطنية في السنوات المقبلة.

تقييم مرحلة التصميم وإعداد الإستراتيجية

1- أشارت وثيقة الإستراتيجية تحت عنوان الجهات المشاركة في التنفيذ ( ص ١٦ ) على أنه قد تم مراعاة مشاركة كافة الجهات المعنية عند إعداد الإستراتيجية. وهم تسعة أطراف بما فيهم منظمات المجتمع المدنى إلا أن كل الوقائع والمعلومات تؤكد على انفراد اللجنة الوطنية التنسيقية لمكافحة الفساد واللجنة الفرعية المنبثقة عنها بعملية وضع الإستراتيجية الوطنية دون مشاركة الأطراف والهيئات الأخرى ذات الصلة، وخاصة منظمات المجتمع المدني ، وفي أغلب الأحوال أنة تم إسناد هذه المهمة لخبير أو لفريق من الإستشاريين لوضعها ومراجعتها وإقرارها من قبل اللجنتين، بما يعنى عدم استخدام النهج التشاركي في وضع الإستراتيجية والاكتفاء ببعض الدراسات الصادرة عن مراكز وعينات بحثية حكومية أو خاصة. أو عن منظمات المجتمع المدني في الجزء الخاص بوصف ظاهرة الفساد وأسبابه، دون عقد أي لقاءات تشاورية أو ورش عمل أو إجراء أي استبيانات كأدوات متعارف عليها فى مجال الشراكة، ودون إرفاق قائمة مسماه بالمنظمات المشاركة من المجتمع المدني.

2- استفاضت الوثيقة فى تناول أسباب الفساد في مصر، واستحوذ ذلك على تسعة صفحات كاملة من إجمالي صفحات الوثيقة البالغ سبعة وعشرون أى بما يعادل ثلث الوثيقة ، دون أى رصد محدد للأسباب الجوهرية والرئيسية الحاكمة للفساد. أو تركيز على القطاعات ذات الأولوية والأكثر خطورة لتأكيد فكرة الشمولية في التناول، الأمر الذى سوف ينعكس سلبياً في صورة الإفراط في وضع الأهداف غير الواقعية.

3- في مجال رصد ظاهرة الفساد من المنظورين الداخلي والخارجي، استندت الوثيقة إلى عدد من الدراسات السابقة. ووجهت النقد الشديد للدراسات التي صدرت عن منظمات دولية عن الفساد فى مصر منذ العام ۲۰۰۹ وحتى عام ٢٠١٤ ، دون إشارة لمسمى هذه الدراسات. ولا يخفى على أحد أن المقصود هو نتائج تقارير مدركات الفساد، ودراسة نظام النزاهة الوطني في مصر، الصادرين عن منظمة الشفافية الدولية ، ويقوم النقد على أن معظم هذه الدراسات عكست صورة غير دقيقة عن واقع الفساد في مصر، نظراً لعدم مشاركة أجهزة مكافحة الفساد المصرية في إعدادها ( ص ٤ ).

بالرغم من الإشارة فى هذه الدراسات إلى مقابلات مع ممثلين عن الهيئات الرقابية فى مصر.

4- جاءت صياغة المبادئ التي استندت إليها الإستراتيجية والتي يعتمد عليها فى تحقيق أهدافها . في شكل تجميع لكافة المبادئ المتعارف عليها فى استراتيجيات مكافحة الفساد في البلدان المختلفة ، وهو ما يظهر شكلية صياغة الإستراتيجية, ويكشف عن غياب النية فى الالتزام بتطبيقها مستقبلياً.

5- خلت الإستراتيجية من أى رصد وتحليل للمخاطر المحتملة التي قد تواجة تنفيذ الإستراتيجية، ومن أي إطار تخطيطي لسيناريوهات وبدائل التدخلات المناسبة لمواجهة تلك المخاطر عند حدوثها ( وهو ما يعرف بمنهجية إدارة المخاطر) ، التي تعد آلية هامة في التخطيط الإستراتيجي . تحدد حالات عدم التأكد واحتمالية ظهور أحداث مستقبلية، ومدى تأثيرها على تحقيق الأهداف الإستراتيجية وعلى سبيل المثال :

  • كيف لم يتوقف واضعوا الإستراتيجية عند حقيقة أن مصر مازالت تمر بمرحلة انتقالية بكل مخاطرها التي تزيد من حالة عدم التأكد ، وفي هذا السياق راهنت الإستراتيجية على وجود واستمرار الإرادة السياسية الداعمة لمكافحة الفساد . على الرغم من عدم تمام الاستحقاق الثالث (انتخاب مجلس النواب ), وغاب عنها أهمية تحليل سيناريوهات القوة والمجموعات التي ستحقق الأكثرية في البرلمان، ولم تضع في حسبانها أو احتمالاتها وصول أعضاء ومجموعات لها تاريخ سابق من ممارسات الفساد، بل ومارست الفساد المالي والسياسي خلال خوضها الإنتخابي فيما يعرف بظاهرة الرشاوي الإنتخابية، وهو ما تم رصد حدوثه مؤخراً بمعدلات عالية، وانتشار واسع في كافة الدوائر الإنتخابية، وبالتالي افتقدت الإستراتيجية لأي خطط للتعامل مع هذة المجموعات والقوى التي ينتظر منها أن تلعب دوراً في مقاومة ومكافحة الفساد سواء على المستوى التشريعي أو الرقابي، مما سيكون له أثره على وجود إرادة سياسية داعمة لتحقيق أهداف الخطة.

  • كيف لم يضع المخططون اعتبارات الظروف الأمنية والسياسية التي تعيشها مصر في ظل مخططات وعمليات الإرهاب واتساعه وتعافيه على المستوى الإقليمي والدولي. وهو مناخ داعم لتضيق الحريات وخاصة حرية الوصول وتداول المعلومات التي تعد ركيزة جوهرية في استراتيجية مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة، كما تضيف من فعالية آليات الرقابة الداخلية والخارجية خصوصاً على الهيئات والجهات الأمنية والعسكرية

6- أفرطت الوثيقة فى وضع الأهداف الإستراتيجية وبلغ عددها عشرة أهداف، يتفرع من كل منها حزمة من السياسات التنفيذية، وتسفر القراءة الأولية عن ضعف الصياغة وافتقارها للمعايير المتعارف عليها خاصة معيار قابلية التحقق، بحيث تكون النتيجة المأمولة في نطاق سيطرة الجهات المعنية بتنفيذها ووجود قدر مناسب من التوازن بين النتائج والإطار الزمني والموارد المخصصة للتطبيق ، وملائمة المدد المحددة لتحقيق النتيجة لنوع الفئة أو الفئات المستهدفة. وفى هذا السياق تكفي الإشارة إلى أن الإطار الزمني في علاقته بالأهداف قد تم تحديده على مستويين ( قصير متوسط ) : وعلى المدى القصير رصدت الخطة ثلاثة أهداف كاملة يتم تحقيقها في السنة الأولى من الخطة أي قبل نهاية العام ٢٠١٥, وهى الأهداف المتعلقة بـــ :

1- إرساء مبادئ الشفافية والنزاهة في كافة عناصر المنظومة الإدارية. ويلحق بها ثمانية سياسات تنفيذية تشمل. تفعيل مدونات سلوك الموظفين. تفعيل قانون منع تضارب المصالح للموظفين الحكوميين وميكنة إقرارات الذمة المالية، إتاحة البيانات والمعلومات عن أعمال الجهاز الإدارى للدولة . إتاحة تقارير الجهات الرقابية وفقاً للدستور. نشر التوعية عن الأجهزة الرقابية واختصاصاتها، نشر الموازنة العامة للدولة في شكل مبسط، تصميم مواقع الكترونية لكافة الجهات الحكومية وربطها مكافحة الممارسات الفاسدة في القطاعات المختلفة وضبط الإنفاق الحكومي وترشيده وتم صياغة سبعة مؤشرات قياس آداء أهمها، صدور قانون إتاحة وحرية المعلومات.

2- تعزيز التعاون المحلى فى مجال مكافحة الفساد وتضمنت السياسات التنفيذية تطوير التشريعات والأطر الحاكمة لتبادل المعلومات بين الجهات المعنية بمكافحة ووضع آليات حديثة للتنسيق وتبادل المعلومات.

3- تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة وسياسات تنفيذية تتمثل في دعم الجهود المبذولة لتطوير التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الفساد واسترداد الموجودات وما يتطلبه ذلك من إصدار التشريعات والتصديق على الإتفاقيات تفعيل بنود اتفاقية مكافحة الفساد. الإستفادة من أفضل الممارسات الدولية في مجال منع ومكافحة الفساد ويتبين من ذلك أن معظم السياسات المنصوص عليها تتطلب إصدار تشريعات جديدة أو تعديل تشريعات قائمة أو تفعيلها، والتصديق على اتفاقيات جديدة وكل ذلك في غياب السلطة التشريعية المختصة، وهو ما يشير علامات الاستفهام حول أمور عدة من بينها مدى خبرة واضعي الإستراتيجيه. أو جديتهم، وبذل الوقت والجهد المناسبين، ودوافعهم لوضع الإستراتيجية ( الدعاية الإعلامية وكسب مصداقية الجمهور، أو استرضاء المؤسسات الدولية والجهات المانحة.

7- لم يأخذ واضعوا الإستراتيجية بمنهج الإدارة بالنتائج ، الذي يقتضي وضع إطار منطقى للخطة. يتكون من سلسلة نتائج على المستويات الثلاث البعيدة ( الأثر ) ، المتوسطة ( المحصلات ). القصيرة ( المخرجات ).  بالإضافة إلى المؤشرات، وتحليل المخاطر. مما أضعف الإطار التنفيذي العام المرفق بالاستراتيجية، وعدم وضع إطار للمتابعة والتقييم.

تقييم مرحلة تطبيق الاستراتيجية في السنة الأولى (٢٠١٥)

في ظل غياب الآليات التفصيلية لتنفيذ الأهداف الإستراتيجية سنوياً، وعدم صدور أو نشر أى تقارير للمتابعة خلال العام الأول. وندرة البيانات والمعلومات التي يمكن الوصول إليها للتعرف على الأنشطة والفعاليات التي تم تطبيقها. والنتائج التي تم تحقيقها على مستوى الأهداف الإستراتيجية العشرة. سوف تعتمد على رصد مجموعة من الأخبار والمعلومات المتاحة ذات الصلة بهذه الأهداف. وفي هذا السياق يمكن رصد التالي:1- في مجال الإرتقاء بمستوى آداء الجهاز الحكومي والإداري للدولة. وتحسين الخدمات الجماهيرية ( الهدف الرئيسي الأول ). أصدر رئيس الدولة قانون الخدمة المدنية رقم ١٨ لسنة ۲۰۱5 . وبالرغم مما أعلنه وزير التخطيط أن القانون جاء من أجل تحقيق إصلاح إداري ومالي شامل لرفع معدلات الآداء بين موظفي الحكومة. كما تضمن عددًا من الحوافز الخاصة بالمعاش المبكر، والتأكيد على معيار الكفاءة في التعينات. وإصلاح هيكل الأجور، إلا أن صدور القانون في غياب أي حوار مجتمعى جاد أدى إلى تفجر حركة احتجاجية واسعة من كافة قطاع العاملين بالدولة، مما حدا بكثير من المسئولين إلى نفى تطبيق هذا القانون على العاملين في قطاعاتهم، وصدور عدد من القرارات لإستثناء تطبيق القانون على العديد من القطاعات بالدولة. وتلى ذلك العديد من القراءات النقدية التي رصدت العديد من الملاحظات منها:

1- بدأت آلية إعداد القانون من خلال لجنة عليا للإصلاح يرأسها وزير التخطيط في غياب ممثلى العاملين ونقاباتهم. استمر عمل اللجنة على مدى عدة أشهر دون إطلاع القوى المجتمعية أو أصحاب الشأن بأعمال اللجنة وبالمقترحات المقدمة.

2- غياب الشفافية والحرص على سرية عمل اللجنة ومشروع القانون وإرساله لمجلس الدولة لمراجعته تحت عنوان سری جداً وغير قابل للتداول “.

4- جاء إصدار القانون فى توقيت ذو دلالة عشية انعقاد المؤتمر الاقتصادي كما لو أن أصحاب الأعمال والمستثمرين هم الطرف الوحيد المعنى لدى الحكومة بمغازلته وتلبية احتياجاته.

5- الإصلاح الإدارى لجهاز الدولة ضرورة حيوية لكنة لا يتحقق إلا برؤية شاملة وتغيير فلسفة ومنظومة الإدارة التي تبدأ بتطبيق قواعد الحكم الرشيد، والشفافية ، وكفالة المشاركة والرقابة المجتمعية.

6- تطبيق سياسات إصلاح المالية العامة على حساب كاسبي الأجور, حيث كشف بيان وزارة المالية بالموازنة العامة الجديدة. أن الغرض الرئيسى وراء القانون هو السيطرة على فاتورة الأجور.

7- صدور القرار بقانون رقم ٨٩ لسنة 2015. الخاص بصلاحيات الرئيس في إعفاء الهيئات الرقابية من مناصبهم بالمخالفة لأحكام إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، والملزمة للدول الأطراف بما فيها مصر بتحقيق الاستقلال للأجهزة الرقابية المعنية بمكافحة الفساد، واتفاقية الأمم المتحدة في عام ٢٠١١ بشأن تعزیز استقلالية هذه الأجهزة، وتشجيع تطبيق ما جاء بإعلان ليما ومكسيكو، وبالمخالفة للمادة ٢١٥ من الدستور.

إحالة بعض المسئولين وعلى رأسهم وزير الزراعة إلى المحاكمة فى تهم تتعلق بارتكاب أفعال تعد جرائم فساد ، وبعد ذلك من الممارسات الإيجابية ، إلا أنه بالنظر إلى طريقة الإحالة والملاحقة القضائية. والتغطية الإعلامية، وما لحقها من حظر النشر في هذه القضية ، يكشف احتياج الدولة إلى إثبات مصداقياتها من خلال معاقبة مسئولين مرموقين فاسدين، وأن الهدف من تلك الملاحقات القضائية هو توجيه الإنتباه وكسب دعم الجمهور وليس من أجل حل الأسباب الجذرية للفساد.

4- استمرار العمل بالقانون رقم ٣٢ لسنة ٢٠١٤, والذي أصدره المستشار عدلى منصور أثناء توليه رئاسة الدولة، والذى يحرم المواطنين من حقهم في الطعن على العقود التي تبرمها الدولة مع المستثمرين . أو من الطعن على قرارات تخصيص العقارات مع القضاء بعدم قبول الطعون المتداولة قضائياً بعد صدور القانون، بذريعة أن طعون الأفراد على تلك العقود تؤدى إلى الفوضى والتهديد الحقيقي للإستثمارات ، دون مراعاة تعارض هذا القانون مع استراتيجية مكافحة الفساد، بل أنة يشكل داعماً لبيئة الفساد، وانفراد الحكومة بالسلطة التقديرية فى تقييم مشروعية تلك العقود.

الدروس المستفادة

1- أن مكافحة الفساد لا تتحقق بمجرد التعبير عن النوايا الحسنة، أو اطلاق الإستراتيجيات الوطنية، بل تتحقق ببناء منظومة كفء ومستقلة يخضع فيها الجميع للمساءلة والمحاسبة، وفق معايير محددة وتطبيق فعلى لسيادة القانون، بعيداً عن أهواء السلطة التنفيذية، من خلال هيكل مؤسسي يطبق القانون بمنأى عن شبهة المحاباة السياسية، أو استخدامه كآداة للتنكيل السياسي، أو الإكتفاء بمفاجئتنا من حين لآخر بقضية فساد كبرى. يكون الغرض منها في الغالب هو امتصاص غضب الرأي العام أو الدعاية وكسب الجمهور.

2- الفساد ليس مشكلة يمكن منعها والقضاء عليها بسهولة ، أو التصدي لها على انفراد، خاصة في البلدان التي استوطنها الفساد لفترات طويلة، وأصبح جزءاً من بنيانها المؤسسي، ومن ممارسات الحياة اليومية ، وآلية لتعويض غياب العدالة الاجتماعية مثلما الحال فى مصر، وبالتالي يجب عدم التعامل مع النهج التشاركي في وضع وتنفيذ ومتابعة وتقييم الإستراتيجيات الوطنية بإعتباره رفاهة. أو بشكل صوري تلبية لمتطلبات تفرضها المؤسسات الدولية, فالمشاركة المجتمعية هى التى تساهم في بناء جبهة داخلية متماسكة وقوية فى مجال مكافحة ومنع الفساد كتعبير عن تلاقى الإرادة الشعبية بالإرادة السياسية.

3- أثبتت التجارب المختلفة في مكافحة الفساد أنها ليست مجرد مشكلة فنية ، فلا يكفي أن تأتى الإستراتيجيات الوطنية كإجابة تكنوقراطية على مشكلة سياسية بالأساس ترتبط وتؤثر في علاقات السلطة، وبالتالي يجب أن تقوم الإستراتيجية على فهم عميق ومفصل لواقع الحكم والبيئة السياسية في البلد. وطبيعة المرحلة التي تمر بها ( خاصة في المراحل الإنتقالية ), والعوامل المقاومة للإصلاح وموقعها وتنظيمها وقوتها، فقد تأتي هذه المقاومة من داخل البيروقراطية أو من خارجها.

التوصيات

تقوم التوصيات على افتراض يقتضى إعادة النظر في الاستراتيجية الوطنية الحالية، والعمل على تطويرها وفق آلية تراعى المشاركة المتوازنة والفعالة لباقى الشركاء، وعلى وجه خاص منظمات المجتمع المدني المعنية بمكافحة الفساد وممثلى قطاع الأعمال، واضعين في الاعتبار التوصيات التالية

1- ضرورة تضمين الإستراتيجية تحليل عميق للسياق السياسي، والأمني، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي المؤثر فى عملية ومنظومة مكافحة الفساد.

2- ضرورة تضمين الإستراتيجية الجديدة لآليات رصد وتقييم واضحة ومحددة وكفء وفعالة ، وأنظمة لجمع البيانات والمعلومات دورياً.

3- الأخذ عند وضع الإستراتيجية بنهج الإدارة بالنتائج، لوضع إطار منطقي يقوم على تحليل عميق لمشكلة الفساد، ويركز على القطاعات ذات الأولوية والأكثر خطورة. ووضع نتائج واقعية تعبر عن التغيير المطلوب، ومؤشرات متنوعة ( كمية وكيفية )، وملائمة وقابلة للقياس، وتغذيتها ببيانات موثقة يجرى استقاؤها من مصادر متعددة.

4- ضرورة تضمين الاستراتيجية تحليل للمخاطر المحتملة ، وعوامل عدم التأكد، ووضع خطط التعامل معها . لضمان تحقيق نتائج الإستراتيجية واستدامتها.

5- وضع خطط تنفيذية تفصيلية تشمل الأهداف, والنتائج , والمؤشرات , والآليات ، والأنشطة، والمسئوليات المحددة للشركاء، والإطار الزمنى الملائم، والمخاطر، والموارد الكافية البشرية والمالية.

6- ضرورة الإلتزام بوضع إطار تخطيطي للمتابعة والتقييم يشمل كل مؤشر، ومصادر جمع بياناته، وأساليب وطرق جمعها، والأطراف المسئولة، والإطار الدوري الزمني لتوثيقها.

7- ضرورة الإلتزام بوضع تقارير دورية للمتابعة والتقييم, يشمل كفاءة التنفيذ، وقياس مدى تحقق النتائج، والتقدم الذي تم إحرازه، والتحديات التى تواجه التطبيق، ومقترحات التعامل معها. مع ضرورة الالتزام بأعلى درجات الشفافية بإتاحة المعلومات ونشر التقارير والإفصاح عن الحقائق المتعلقة بالفساد أولاً بأول.

8- ضرورة العمل على تعزيز دور ومشاركة المجتمع المدنى والإعلام. وتبنى مطلب إصدار قانون حرية عمل منظماته. وحمايتها من تعسف السلطة التنفيذية، وتعزيز القدرة الرقابية لهما من خلال إصدار قانون لحرية إتاحة وتبادل المعلومات.

9- ضرورة الاهتمام بتطوير القدرات المؤسسية، وتأهيل وتدريب كوادر على درجة عالية من المهنية في مجال مكافحة الفساد، وتوجيه الموارد لبناء قدرات كافة الشركاء.

۱0- ضرورة تبنى مطلب إنشاء هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد، تمثل فيها القوى المجتمعية إلى جانب الخبراء، وتتوافر لها الموارد الكافية واللازمة لآداء الأدوار الغالبة في مكافحة منظومة الفساد الحالية وخاصة تقييم السياسات العامة والتشريعات. وتحديد احتياجات الإصلاح، وإنشاء مرصد يتم تزويده بالدعم المؤسسي والمالي والإشراف على تنفيذ الإستراتيجيات الوطنية. وعلى تحقيق التكامل بين الأجهزة المعنية بمكافحة الفساد.

شارك:

اصدارات متعلقة

النسوية الإلغائية في فلسطين
نصائح من اجل بيئة عمل آمنة للنساء
نصائح للنساء لضمان السلامة خلال الحمل والولادة والوقاية من كوفيد19
الإجهاض القسري في نيجيريا وسؤال العدالة الانجابية
اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10