تنظيم وتمويل الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية:
رؤية ناشطة بالمنظمات غير الحكومية تحولت إلى مانحة
ملخص
أحاول في هذه الورقة أن أتأمل في بعض النجاحات والتحديات التي أعقبت المؤتمر الدولى للسكان والتنمية (القاهرة ۱۹۹٤) وقدرة المجتمع المدني وهيئات التمويل على معالجتها. وقد كتبتها من وجهتي نظر: من واقع تجربتي كناشطة في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية بالمنظمات غير الحكومية منذ أوائل الثمانينيات، ومن خلال تجربتي كمسئولة برامج في إحدى هيئات التمويل خلال الثمانية عشر شهرًا المنصرمة. وهي تدعو إلى التركيز على تطبيق الخدمات داخل جهازي الصحة والتعليم، وضرورة تعميق قدرات الناشطين وبناء قيادات جديدة، وأهمية التحالفات مع الحركات الأخرى التي تواجه كذلك تحديًا من القوى الاقتصادية الكلية والحركات الأصولية. وعلى المستوى الوطني، اقترح ثلاثة أهداف كبرى، وهي مراقبة إنفاق القطاع العام، وتعزيز قدرات نظام الصحة العامة على التنفيذ، والدفاع وتنظيم المجتمع للمساعدة على حدوث تحول في الفهم العام للحقوق الجنسية والإنجابية. وأخيرًا، وفيما يتعلق بالتمويل، فإني أدعو إلى الحوار حول قضايا التمويل بين المنظمات غير الحكومية وهيئات التمويل، كي تزيد هيئات التمويل تنمية القدرة الوطنية في دول الجنوب الجنوب، ولكي يحافظ من تعهدوا بالتغيير المتصل بالصحة الجنسية والإنجابية على تعهدهم زمنا طويلاً، في ظل ما يتسم به التغيير من بطء.
Organising and Financing for Sexual and Reproductive Health and Rights: The Perspective of an NGO Activist Turned Donor. Nov. 2004,12 (24). Barbara Klugman
جميع الحقوق محفوظة لمجلة قضايا الصحة الإنجابية ٢٠٠٥
كان المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الذي عُقد بالقاهرة في عام ١٩٩٤، ومن بعده المؤتمر العالمي الرابع للمرأة الذي عُقد ببكين في عام ١٩٩٥، حدًا فاصلاً في الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. فقد أسفر ذلك الخليط – من الحكومات التقدمية، والمدافعات عن حقوق النساء من المنظمات غير الحكومية ضمن الوفود الحكومية، والمدافعات عن حقوق النساء اللاتي كن يجتمعن في الأروقة – عن أول وثيقة صريحة للأمم المتحدة بالإجماع تعترف بأن حقوق النساء تمتد إلى أمور خاصة بالشئون الجنسية والإنجاب، وبأن النساء والرجال والمراهقين والمراهقات لهم الحق في الحصول على المعلومات والخدمات في هذا الخصوص. وعلى القدر نفسه من الأهمية، كان برنامج العمل أول برنامج يعترف بأن التنمية لا تتأثر بديناميكيات السكان فحسب، بل كذلك “بأنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة“. ولأول مرة طرحت مسئولية الدول المتقدمة عن استهلاك موارد العالم بدلاً من إلقاء اللوم كله على معدلات الخصوبة عند النساء، وهو الأمر الذي يعكس – بصورة عامة – الظلم في تخصيص الموارد، وانخفاض مستويات تعليمهن وفقرهن.
وهذه الورقة عبارة عن تأملات في النجاح والتحديات التي أعقبت المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، وقدرة المجتمع المدني وهيئات التمويل على معالجتها. وقد كتبت من وجهتي نظر: الأولى تجربتي كناشطة في مجال الحقوق الجنسية والإنجابية في المنظمات غير الحكومية منذ أوائل الثمانينيات، ومشاركتي في أنشطة الدفاع والتدريب على المستوى الوطني والدولي في فترة ما بعد مؤتمر القاهرة، والثانية نتيجة لتجربتي الأحدث باعتباري مسئولة البرامج لدى إحدى هيئات التمويل خلال الثمانية عشر شهرا الماضية من ناحية أخرى.
في العشر سنوات الماضية منذ انعقاد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، كان هناك الكثير من المنجزات الإيجابية، بما في ذلك زيادة التوجه القائم على الحقوق في العمل الخدمى للكثير من المنظمات غير الحكومية: زيادة انخراط المنظمات غير الحكومية الخدمية في الدعوة من أجل تغيير السياسات والتأثير في الرأي العام، وتوفير التمويل للمنظمات غير الحكومية لتطوير الوسائل والمواد اللازمة لدعم تكامل التثقيف والخدمات المتعلقة بالصحة الجنسية والإنجابية، وزيادة الاهتمام بالعنف ضد النساء، وتبني المؤسسات الرئيسية ومنظمات التنمية غير الحكومية الدولية لأجندة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية والتزام منظمات الأمم المتحدة – وخاصة صندوق السكان التابع للأمم المتحدة UNFPA ومنظمة الصحة العالمية – بالحقوق الإنجابية، كما اتضح بشكل جلي في توجيهات منظمة الصحة العالمية سواء على المستوى التقني أو السياسي بشأن الإجهاض الآمن. ومن بين التحديات الكبيرة التي تواجه التنفيذ:
-
ضرورة التركيز فيما بعد التغييرات السياسية على تنفيذ الخدمات في الصحة العامة وأنظمة التعليم.
-
ضرورة تعميق قدرات الناشطات، وبناء قيادات جديدة داخل حركة صحة النساء للتمكن من القيام بهذا الدور.
-
ضرورة توسيع مجال حركات المجتمع المدني كي يتحالف المهتمون بالحقوق الجنسية والإنجابية مع الحركات الأخرى التي تواجه أهدافها كذلك تحديًا من كل من قوى الاقتصاد الكبرى والحركات الأصولية العديدة.
-
ضرورة إشراك هيئات التمويل باستمرار في كل هذه القضايا، وخاصة أجندة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية الأكثر اتساعًا.
ومع ذلك، فإنه بعد مرور عشر سنوات ما زال هناك اختلاف كبير حول برنامج عمل المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، بدلاً من العمل باتجاه خلق مقاربة معيارية. وهذا أمر لا يدعو للدهشة، حيث إن المنجزات السياسية عادة ما تنتج عنها ردود فعل مناوئة. والتحدي الذي تواجهه “حركة” المؤتمر الدولي للسكان والتنمية هو كيفية استدامة قوة الدفع في هذا السياق. والمجالان اللذان يصعب علاجهما – على وجه الخصوص – هما توزيع الموارد، والاعتراف بجماعات مثل النساء والأقليات الجنسية باعتبارهم بشرًا ومواطنين بكل معنى الكلمة.
أود الإشارة إلى أن هناك خمسة إخفاقات أساسية فيما يتصل بتوزيع الموارد لتنفيذ برنامج العمل الخاص بالمؤتمر الدولي للسكان والتنمية: أولها إخفاق الحكومات في تقديم المبالغ التي التزمت بها في برنامج المؤتمر الدولي للسكان والتنمية نفسه؛ وكان إجمالى الالتزامات ۱۷ مليار دولار بحلول عام ۲۰۰۰ و۱۸٫5 مليار دولار بحلول عام ٢٠٠٥. ولكن مع نهاية عام ٢٠٠٣ كانت الدول النامية قد حققت 90% من الهدف المتفق عليه، والذي يمثل ثلث الإجمالي، بينما لم تحقق الدول المتقدمة سوى 50% فقط من الهدف المتفق عليه، وهو ما يساوي ثلثي الإجمالي.
تبتعد المؤسسات وهيئات التمويل متعددة الأطراف عن فكرة تمويل الحكومات لتوفير الخدمات العامة المتكاملة: وتلك دعوة صريحة من المؤتمر الدولى للسكان والتنمية. وفى الوقت نفسه كان هناك اهتمام كبير بـ “المقاربة الشاملة للقطاع sector wide approach التي تتعهد فيها هيئات التمويل بتقديم إسهاماتها المالية يمكن للحكومات تجميعها معًا بما يمكنها من وضع إستراتيجيات متكاملة لتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية. وفى السنوات الخمس الماضية رأينا بعض هيئات التمويل تعود إلى تمويل الخدمات العمودية لمعالجة مشاكل بعينها، وظهور جهات مانحة جديدة تشجع هذه المقاربة.
وهذا الاتجاه مثير للقلق؛ لأن المقاربات العمودية لا تبني أنظمة الصحة العامة والتعليم، ولا تلبي حاجات الناس كبشر يأتون إلى الخدمات الصحية بمشاكل صحية مختلفة ويحصلون على اهتمام أفضل إذا كان بالإمكان تلبية احتياجاتهم ككل. ويتضح هذا كذلك في صياغة أهداف التنمية الألفية التي تعرّف صحة الأمومة وحدوث الإيدز باعتبارهما مؤشران وليس كمجالين مهمين لا بد أن تتصدى لهما أية حزمة أساسية من خدمات الصحة العامة في أي نظام صحي فاعل، بالإضافة إلى تقديم مجموعة أوسع من الخدمات الجنسية والإنجابية.
الكثير من الهيئات الثنائية ومؤسسات التمويل الخاصة{ * أعنى بالمانحين الخاصين المؤسسات الأمريكية والأوروبية في الغالب}. لم يعزز المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأكاديمية في الدول النامية أو يمولها كي تبدأ العمل على المستوى الإقليمي والدولي في مجال تطوير المفاهيم أو التدريب، أو اختبار تدخلات جديدة. وكانت نتيجة ذلك أن ظل بناء المعرفة الخاصة بالحقوق الجنسية والإنجابية والصحة معرضًا لاتهامات التحيز الغربي، وكانت القدرات التي بنيت على مدى السنوات العشر الماضية موجودة في الشمال على نحو غير متكافئ.
وهناك تناقص بطيء في تعهدات مؤسسات التمويل الخاصة بتمويل تلك الجوانب من أجندة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية المتعلقة بالحقوق الجنسية والإنجابية، أو الجوانب المثيرة للجدل من الناحية السياسية (مثل الإجهاض والحقوق الجنسية)، كذلك تناقص تمويلها لمنظمات الدفاع غير الحكومية، بحيث باتت منظمات الدفاع غير الحكومية – التي كانت قوية سابقًا – تؤدي وظيفتها بالكاد في الوقت الراهن أو أُغلقت.
أيضًا حدث تحول في تمويل الجهة المانحة من التمويل “العام” إلى تمويل “المشروعات“، مما يتطلب جداول تسليم قصيرة المدى، مما يجعل من الصعب على المنظمات غير الحكومية المساهمة في عمليات التغيير الاجتماعى طويلة المدى وإحداث تغييرات إستراتيجية سريعة في أنشطتها استجابةً للفرص السياسة والاجتماعية المتغيرة التي تُتاح من حين لآخر.
ومن المهم أن نتأمل السياق الذي تتنامى فيه تلك الصعوبات، ألا وهو سيطرة إجماع واشنطن، حيث انتزع البنك الدولي القيادة من منظمة الصحة العالمية باعتباره الحكم على ما يمثل التدخلات الصحية الجيدة في مجال السياسة الصحية الدولي، بالرغم من أن أهدافه الغالية اقتصادية وليست الرعاية الإنسانية.
نقد الأصوليين
التحدي الآخر في هذه الفترة هو النفوذ المتزايد للحركات الأصولية المتنوعة، الذى يجري التعبير عنه أحيانًا بشكل ديني، وهو يستهدف حرية النساء باعتبارها النقطة التي يرتكز عليها نقدهم للمجتمع المعاصر. وفي خلال تلك العملية ينكرون أيضًا أي تعبير عن الأمور الجنسية التي لا تتسم بالتغاير على نحو صريح ويعتبرونها وصمة، بل ويجرمونها. وبينما قد يكون الإحساس بالعجز، وخاصة العجز الاقتصادي هو القوة المحركة لتلك الأصوليات، إلا أن أعمال معظم الحركات لا يستهدف المؤسسات الاقتصادية العالمية ولا المؤسسات الاقتصادية التابعة للحكومات الوطنية أو فسادها. وبدلاً من مخاطبة المؤسسات المسئولة عن البطالة المتزايدة والظلم العالمي، اختارت تلك الحركات التصدي لحرية النساء، وعلى الأخص حقوق النساء فيما يتعلق بالزواج والشئون الجنسية والخصوبة والميراث. لم يكن الوضع جيدًا قط في أماكن كثيرة، إلا إن السنوات العشر الأخيرة شهدت تحولاً مما هو معتدل إلى ما هو مفزع بالنسبة للنساء في أنحاء كثيرة من العالم، وفى ديانات متعددة. ومن المظاهر التي تكشف هذا الوضع في سياقات مختلفة، الدفاع عن التشويه الجنسي للإناث (ختان الإناث)، { محاولات إضفاء الصبغة الدينية عليه أيضًا من خلال تسميات مثل ختان “السنة” أو الترويج لأحاديث ضعيفة تنسب إلى الرسول (المحررة)}. وإضفاء الصفة الطبية عليه في بعض الدول والتي رغم أنها تجعل الختان يتم في ظروف أكثر نظافة، إلا أنها تؤدي إلى إضفاء المشروعية على الممارسة باعتبارها إحدى الخدمات الصحية. أيضًا محاولات إزالة التعليم الجنسي الشامل من المقررات المدرسية، وتولي أفراد ذوي توجهات دينية صريحة مناصب في عدد من الحكومات التي تعد علمانية من الناحية الرسمية.
الإستراتيجيات التي يجب علينا تعزيزها
تعد هذه المشاكل – إلى حد كبير – جزءًا من عمليات كبيرة بدأت في ثمانينيات القرن العشرين، ونتجت عن مجموعة من الديناميكيات الجيو–سياسية والاقتصادية الأوسع بكثير مما يمكن أن نتوقع أن تتغلب عليها أي حركة صغيرة لصحة النساء. ومع ذلك فإن هناك بعض الإستراتيجيات الناجحة المستخدمة لتعزيز أجندة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية التي يمكن استمرار استخدامها في سياق التحديات الكبيرة الحالية. {الكثير من الإستراتيجيات التي سوف أبحثها هي تلك التي يمكن وصفها بأنها تعمل من داخل المؤسسة، حيث إن هذا هو العمل اللازم إن كنا سنغير المؤسسة شيئًا فشيئًا. وهي ليست إستراتيجيات للمعارضة والاحتجاج، وكان الكثير منها ضروريًا وناجحًا كذلك أثناء هذه الفترة، مثل التعبئة الجماهيرية لإتاحة الأدوية المضادة للفيروسات الرجعية للمصابين بالإيدز. وأنا أعتقد أن هناك دائمًا قيمة في العمل من الداخل ومن الخارج لتغيير الرأي العام وخلق خيارات أكثر للتغيير الاجتماعي، إلا أن برنامج العمل الخاص بالمؤتمر الدولي للسكان والتنمية هو وثيقة إجماع الأمم المتحدة، وهو يتعلق بالتعهدات الحكومية، وبذلك فهو يوفر منبرًا للعمل من الداخل وإشراك الحكومات}.
إستراتيجيات للعمل من الداخل
في المقر الرئيسى لمنظمة الصحة العالمية والمكاتب الإقليمية التابعة لها قام المدافعون عن حقوق النساء – رجالاً ونساء – بدور مهم في جهود وضع قواعد إرشادية فيما يتعلق بما هي أنواع التدخلات اللازمة لتعزيز الصحة الجنسية والإنجابية، وما الذي يشكل القواعد الأخلاقية النسوية في البحث الصحي، وكيفية جعل الخدمات الصحية تعترف بالعنف ضد النساء وتعالجه. كما أنهم مكَّنوا منظمة الصحة العالمية من التسليم بضرورة دمج النوع الاجتماعي في التيار العام ووضع البُنى والسياسات والأدوات لدعم العاملين فيها والعاملين في الإدارات الصحية الحكومية على دمج النوع الاجتماعى في التيار العام، وذلك بصورة عامة وبشأن قضايا محددة مثل أمراض المناطق الحارة، والصحة الإنجابية وأنظمة المعلومات الصحية. ولكن هؤلاء المدافعون قليلون، ومازال الكثير من قطاعات منظمة الصحة العالمية غير مهتم أو مهدد بهذه الأجندة. والواقع أن العديد من هذه التدخلات استغرق شهورًا وسنوات من التفاوض قبل الاتفاق عليه.
كانت الإستراتيجية المهمة الأخرى من داخل منظمة الصحة العالمية هي دعوة النسويات من الجامعات والمنظمات غير الحكومية من أنحاء العالم كافة للعمل معها بالتعاون مع ممثلى الحكومات من أنحاء العالم المختلفة. وقد شاركت أولئك الخبيرات من المجتمع المدني في دفع العمل داخل منظمة الصحة العالمية، وفى إدارة مبادراتهم في مشاركات مع منظمة الصحة العالمية. والواقع أن المنظمات غير الحكومية بدأت في إشراك منظمة الصحة العالمية بدعوتها إلى الطاولة لتمكين حدوث حوار أوسع بين الناشطين والأكاديميين من ناحية، ونظام الأمم المتحدة من ناحية أخرى.
المثال الثاني هو الدورة التي نظمها معهد البنك الدولى بعنوان “التكيف مع التغير: برنامج التعلم الخاص بالسكان والصحة الإنجابية وإصلاح قطاع الصحة” التي تعد مثالاً طيبًا لنقاط قوتنا ونقاط ضعفنا. وفي المناطق التي يوجد بها نسويات على قدر كبير من المهارة وعلى استعداد للمشاركة، استطعن إحداث بعض الأثر على ما كان – لولا جهودهن – سيسير في مسار آخر تمليه اهتمامات الاقتصاد الكلى التي تصوغ سياسات البنك الدولي الصحية، والتى لا تولى اهتمامًا كافيًا لقضايا المساواة النوعية والحقوق الجنسية والإنجابية والتغيير الاجتماعي. ولكن بينما كان المنظمون يبحثون عن الاقتصاديين الصحيين وعلماء الأوبئة ومن على نحوهم، فإنه نادرًا ما كان هناك وجود للنسويات. ومن أجل إشراك المؤسسة، وكما كان الحال مع أجندة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، فإن ذلك يتم على أفضل نحو في وجود الخبرة المستقاة من تفاعل الأنظمة المتعددة. فمما لا شك فيه أنه من الأسهل أن يكون المرء طبيبًا أو اقتصاديًا أو عالم أوبئة في ذلك المجال، حيث يكون من المتصور أن لديه الخبرة اللازمة. أما دخول الشخص هذا الفضاء كعالم اجتماع أو محلل للسياسة النوعية أو اختصاصي في طرق التدريس التشاركية فمسألة صعبة، ذلك أن المهارات تقل قيمتها داخل النموذج الطبي – الحيوي، على الرغم من أن هذه المهارات هي المطلوبة لإعادة تشكيل طبيعة الخدمات الصحية. ومن ثم فإنه من المرجح أن يكون أقوى المطالبين بالتغيير في هذا السياق هم من استعاضوا عن النماذج الطبية والعددية بالنماذج الاجتماعية والتنظيمية.
في الاجتماعات الإقليمية العديدة تحضيرًا للمؤتمر الدولي للسكان والتنمية + ۱۰ خلال عامی ۲۰۰۳ و ٢٠٠٤. استطاع البيروقراطيون التقدميون، بالتعاون مع الناشطين على المستوى الوطنى وحفنة من الناشطين على المستويين الإقليمى والدولى تحقيق نجاح مهم في التصدي لجهود الأصوليين الساعية إلى تقويض الالتزام بأجندة المؤتمر الدولى للسكان والتنمية. ولكن المؤتمر الدولي في نيويورك في عام ٢٠٠٤ لم يتمكن من التوصل إلى نتيجة، واضطر للانعقاد مرة أخرى لاستكمال التقرير في نهاية الأمر.
ويعكس هذا البيئة السياسية المتغيرة، ولكنه يعكس كذلك نقاط ضعف المنظمات غير الحكومية على المستوى الدولى، حيث لم تكن هناك قدرة على العمل المنسق عبر فترة ممتدة. وأحد أسباب ذلك هو أنه لا يزال هناك القليل من الآليات المؤسساتية التي يمكن من خلالها للنشطاء على المستويين الوطني والإقليمي تعبئة القوى والمشاركة بندِّية على المستوى العالمي.
وهناك بعض الشبكات الإقليمية الجديدة التي تمثل، ولديها تفويض بالتحدث باسم المنظمات غير الحكومية الوطنية، إلا أن أيًا منها لا يمثل المناطق الآسيوية أو الشرق الأوسط أو أمريكا الشمالية. بل إنه ليست هناك آلية دولية يمكن أن توضح من خلالها تلك الشبكات مخاوفها فيما يتعلق بالسياسة الدولية وتضع الإستراتيجيات على نحو جماعى. وقد بدأت تلك الشبكات في العام الماضى فحسب في عقد لقاءات لتبادل الخبرات وبحث الاهتمامات الإستراتيجية.
نتيجة لذلك، نجد أن النمط العام حتى يومنا هذا هو أن المنظمات غير الحكومية الموجودة في الولايات المتحدة وكندا وأوروبا تنتقى أفرادًا لممارسة الحشد وأنشطة الدفاع والتأييد أثناء الأحداث السياسية في الأمم المتحدة.
ويعد اجتماع المائدة المستديرة العالمي الأخير للمنظمات غير الحكومية – العد التنازلى حتى عام ٢٠١٥: الحقوق الجنسية والإنجابية للجميع – مثالاً واضحًا على ديناميكيات العلاقة بين الشمال والجنوب، حيث اتخذت ثلاث منظمات غير حكومية من الشمال قرارًا مهمًا بشأن كيفية التفاعل مع الذكرى العاشرة للمؤتمر الدولى للسكان والتنمية، وبعدها تمت دعوة الأطراف المعنية الأخرى للمشاركة. إلا أنه حتى الآن ليس لدى الشبكات الإقليمية القدرة أو الموارد الكافية لدراسة إنشاء منتدى ذى تمثيل عالمى يمكنها من خلاله وضع الإستراتيجيات على نحو جماعي. والأمر الأكثر أهمية هو أن الكثير من تلك الشبكات يعتمد على تمويل من المنظمات غير الحكومية الدولية، ومن ثم فهى تتردد في تحدى الوضع القائم.
وما يعنيه ذلك هو أن كادر الأفراد والمنظمات، الذين يجرى تعبئتهم من أجل تغيير السياسات على المستوى الدولى ومراقبة التنفيذ، لا يزال صغيرًا إلى أدنى حد، ولا يوسع صفوفه إلا بصعوبة. وهذا وضع يتعذر الدفاع عنه من زاوية ضمان بناء أهداف وإستراتيجيات العمل التعبوي على المستوى الدولى الدولى انطلاقًا من فهم راسخ للواقع المعاش للنساء في الدول المختلفة، ومن زاوية قدرة منظماتهن على التحدث بالأصالة عن نفسها وعن من تعمل معهم في بلدانهم.{ قد يتطلب الأمر ورقة مختلفة لتأمل مشكلة وأثر الكثير من المنظمات غير الحكومية التي ليس لها آليات للمحاسبية من قِبل الأشخاص الذين تخدمهم أو تقوم بعملها الدعائى باسمهم، أو ليس لديها هيئة عاملين من تلك التجمعات}.
وباستثناء التطور الرائع والمتمثل في ظهور بعض الشبكات الإقليمية والدولية للشباب على مدى السنوات العشر الماضية، لم يكن هناك سوى القليل من الأشخاص الذين يراقبون تنفيذ أجندة المؤتمر الدولى للسكان والتنمية على المستوى العالمى في عام ٢٠٠٤ ممن لم يكونوا موجودين في عام ١٩٩٤. ومع أهمية هذه الاستمرارية، إلا أن الجيل “الأكبر سنًا” لم يسهم في بناء الجيل الجديد كبير الحجم من الناشطين، وهو ما يؤدى إلى أن الكثير من ذاكرة الحركة وقدرتها الإستراتيجية لم يتم تمريرها لتلك الأجيال الجديدة.
وفي المناقشات التي دارت حول هذه القضية مع الناشطين الجنوبيين الذين وجدوا أنفسهم على مسرح السياسة الدولية، ظهرت مشكلتان؛ المشكلة الأولى هي أنه لكون مشاركة هؤلاء الناشطين بدعوة من المنظمات غير الحكومية الشمالية – حيث لا يتوفر لمنظماتهم التمويل الكافي للسفريات الدولية – فهم عاجزون عن الإتيان بأشخاص جدد للتدريب على هذا الدور، أو الاستعاضة عن أنفسهم بأشخاص آخرين. وتثير هذه النقطة التساؤل حول السبب في عدم إدراج المنظمات غير الحكومية الجنوبية للعمل التعبوي على المستوى الدولي ضمن جهودها لحشد التمويل، والسبب في عدم رؤية هيئات التمويل أن هناك ضرورة لهذا.
أما المشكلة الثانية فهى مشكلة مزمنة تتعلق بالقيادات، ألا وهى صعوبة تخلى القيادات عن مواقعها ودفع قيادات جديدة. ومن ثم فإنه بالرغم من أن بعض المنظمات التي تعمل على المستويين الوطنى والدولى تعطى أهمية لإتاحة الفرص لمختلف العاملين فيها للعمل على المستوى الدولى، فإن منظمات أخرى تقصر ذلك الدور على المدير فحسب، وبالتالى لا تمتلك الكوادر الأخرى خبرة العمل على المستوى الدولى. وبعض أسباب عدم الإنصاف هذا أيديولوجية: فالجماعات الشمالية تستمتع بالقيام بدور المحاور باسم حركة صحة النساء العالمية. ولكن الكثير من الأسباب يتعلق بالموارد، حيث تقاتل الجماعات الشمالية من أجل جمع الأموال الكافية كي تكون أكثر احتواءً، بينما تفتقر الجماعات الجنوبية إلى التمويل وإلى القدرة على المطالبة بأن تكون جزءًا أصيلاً من المجموعة، أو خلق فضائها السياسي الخاص. والمشكلة الأخرى التي تُثار أحيانًا هي اللغة، حيث إنه لابد أن يتمتع المشاركون بطلاقة نسبية في اللغة الإنجليزية كي يشاركوا. وتتطلب معالجة تلك المشاكل وجود رؤية وموارد، حيث شاهدت مؤخرًا منظمة إندونيسية غير حكومية للصحة الإنجابية تدرج ضمن ميزانيتها تكلفة دروس اللغة الإنجليزية للعاملين بها.
ومادامت الأمور مستمرة على هذا النحو، فسوف تظل جهود تحسين الأجندة السياسية الدولية تعمل بشكل تلقائي وتفتقد للتخطيط، مثلما حدث إبان محاولة تعبئة الجماعات المختلفة لمساندة القرار البرازيلي الخاص بالتوجه الجنسى أمام لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. ولو كان هناك تحالف ممثل لشبكات الصحة الجنسية والإنجابية، لكان بالإمكان العمل بشكل أكثر منهجية وإستراتيجية.
نقطة الضعف المهمة الأخرى في الدفاع والتأييد الدوليين هي عدم وجود تحالفات إستراتيجية بين شبكات الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية وغيرها من الشبكات التي لها بعض الاهتمامات المشتركة، مثل شبكات تأييد الحق في الحصول على علاج الإيدز وحقوق من يتعايشون مع الإيدز، وشبكات التدخلات لمعالجة العنف ضد النساء، وشبكات حقوق الأقليات الجنسية. ولو أدركت تلك الحركات المختلفة ما بينها من مصالح مشتركة لأمكن معالجة بعض المشاكل البارزة على المستوى العالمى على نحو أكثر ترابطًا والحصول على مساندة دوائر أوسع. وإنى أضم إلى ذلك ليس فقط التواصل بين هؤلاء الذين تربطهم اهتمامات مشتركة ممن سبقت الإشارة إليهم، وهو سيكون إنجازًا في حد ذاته، بل كذلك مع هؤلاء الذين يعملون لتحسين التعليم العام، والصحة العامة، وخدمات الرعاية الاجتماعية العامة، وهؤلاء الذين يعملون من أجل العدالة الاقتصادية والبيئية، وذلك كي يمكن التصدى بشكل جماعي للأسباب الجوهرية للتوزيع غير المتكافئ للموارد وعدم الإقرار بحقوق المجموعات المهمشة وإنكارها.
فيما يتعلق بالعمل على المستوى الوطني، سوف أركز على ثلاثة أهداف أساسية بحاجة إلى الاهتمام المستمر، وهى مراقبة إنفاق القطاع العام، وتعزيز قدرة جهاز الصحة العامة على تنفيذ البرامج، والعمل الدفاعي وتنظيم المجتمع لخلق مناخ يساعد على إحداث التغيرات في الفهم العام للحقوق الجنسية والإنجابية.
وبما أن معظم الناس سوف يستمر اعتمادهم على الخدمات الصحية العامة، فإن مراقبة تقديم الخدمات الصحية هى إحدى الآليات المتاحة للمجتمع المدني ليجعل الحكومات خاضعة للمحاسبة. وأحد الأنشطة الحالية في بلاد عديدة هو إنشاء آليات لمشاركة المجتمع في أوراق “إستراتيجية الحد من الفقر” التي تقوم بوضعها الدول الأكثر فقرًا انتظارًا لتخفيف الديون.
في أوغندا، شكّل أفراد المجتمع المدنى، على سبيل المثال، “شبكة ديون أوغندا“، وطافوا على المجتمعات المحلية لمناقشة كيفية استغلال تلك الأموال. وقد حددوا العديد من قضايا الصحة الجنسية والإنجابية، بما في ذلك هموم الشباب بشأن إستراتيجيات الوقاية من فيروس نقص المناعة (الإيدز) غير الملائمة، وهموم النساء بشأن عدم وجود منشآت الأمومة الملائمة. كما وجدوا أن الوحدات الصحية تستغرق وقتا طويلاً في تقديم “بيانات المحاسبة“، ومع ذلك فهى تتلقى المزيد من التمويل قبل تسليم بياناتها، مما يقضى على الغرض من المراقبة (1). وردًا على تلك النتائج، شرعت شبكة ديون أوغندا في عملية تشكيل لجان مراقبة المناطق. ودور هذه اللجان هو تجميع البيانات ونشر المعلومات للجمهور والعمل مع فرق المراقبة الحكومية، ونشر المعلومات ذات الصلة وغيرها من القضايا، ومتابعتها مع الشبكة لمعالجتها على المستوى الوطن (2- 3).
وبينما تعد هذه خطوة مهمة للأمام فيما يقوم به المجتمع المدني لتعزيز قابلية الحكومة للمحاسبة، لم يشتبك العديد من النشطاء في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية مع مثل تلك الآليات. والحق أن هذا هو نوع من العمليات التي يمكن أن تعمل فيها المنظمات غير الحكومية المهمومة بالصحة والحقوق الجنسية والإنجابية مع المنظمات من القطاعات الأخرى لضمان بقاء أجندة المؤتمر الدولى للسكان والتنمية على الطاولة ويكون لها مضمون فعلى من خلال تخصيص الاعتمادات لتنفيذها. وما لم تهتم تلك المنظمات غير الحكومية بقضية من أين تأتى الموارد لتقديم الخدمات العامة، وبما إذا كانت تُنفق على نحو مسئول أم لا، فحينئذ يكون دفاعها عن الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية قد خرج عن سياقه الصحيح. وإذا لم يكن يشغلها الضغط الحالي من أجل خصخصة الخدمات، وفرض رسوم مقابل الخدمات، فمن ذا الذى سيشغله ذلك؟ وسوف تستمر البنية التحتية للخدمات كلها في الانهيار، مما يجعل الدفاع عن الحقوق والصحة والحقوق الجنسية والإنجابية لا معنى له (4).
الكثير مما كان يجب عمله بعد المؤتمر الدولي للسكان والتنمية يتعلق بالتنفيذ. فالكثير من الخدمات الصحية لا يقوم على سياسات مفصلة. وفي حالات أخرى هناك سياسات، ولكن المطلوب هو ترجمتها في شكل سلوك تقدمي. والمطلوب في كلتا الحالتين هو المديرون – الموظفون – التقدميون في إدارات الصحة على كل المستويات، والإخصائيون الصحيون التقدميون على كل المستويات. والبرازيل حالة تتصل بهذا الموضوع، وقد ذُكرت في أوراق عديدة في دورية “قضايا الصحة الإنجابية“، حيث إن كثيرًا من الناشطات في حركة صحة النساء البرازيلية يعملن في الوقت نفسه كطبيبات وأخصائيات صحة عامة في الحكومة، ولذلك يمكنهن دفع الجهاز الحكومي، بالرغم من قوة الأصولية الكاثوليكية في البرازيل. وعلى سبيل المثال، فإن إنشاء مركز لتوفير خدمات الإجهاض عالية الجودة للنساء اللائي تعرضن للاغتصاب في إحدى البلديات الذي تديره إحدى الناشطات النسويات في الحركة النسوية، سمح بإجراء الإجهاض بشكل قانوني في البرازيل، ومكّن الآخرين من أن يحذوا حذوه (5). وبهذه الطريقة يمكن دمج مطالب النساء العاديات ضمن توفير خدمة الصحة العامة. وفى الوقت نفسه استمرت المنظمات غير الحكومية الدفاعية في العمل مع طيف واسع من الأطراف المعنية لتوسيع بنود القانون.
إحدى نتائج التي تمخض عنها مؤتمر القاهرة هي الدرس الذي يبرز ضرورة تماشي إستراتيجيات التغيير مع السياق. أثناء انعقاد المؤتمر الدولى للسكان والتنمية عرضت قناة السى إن إن شريط فيديو يصور فتاة تجرى لها عملية ختان في مصر. وأدى ذلك إلى نداءات عالمية بحظر تلك الممارسة، مع وجود ردود أفعال إيجابية وسلبية داخل مصر. وقد زاد – على نحو خاص– اهتمام جماعات معينة بتعزيز الاستفادة من العاملين الصحيين في هذا الإجراء، على أساس أنه يمكن إجراؤه بطريقة أكثر إنسانية (أي بتسكين الألم) وبطريقة أكثر أمنًا (بأدوات معقمة).
ومن منظور معظم النسويات المصريات، فقد أدت تلك الدعوة إلى إعطاء المزيد من المشروعية لختان الإناث، حيث يوحى ذلك بكونها إجراءً طبيًا، ولا يساعد في مقاومة تلك العادة. وفى مقابل تلك الدعوة شارك الكثير من المجموعات الناشطة في عمل طويل الأمد داخل المجتمعات المحلية لبناء الوعى بين القيادات المجتمعية وهؤلاء المستفيدين من ختان الإناث، وكذلك النساء والرجال الذين لا يمكنهم تخيل عالم مختلف (٦ – 9). واحتاج الأمر إلى وقت طويل كى يكتشفوا ما هو ناجح وما هو غير ذلك من تلك الجهود. وبعد مرور خمس سنوات على المؤتمر الدولى للسكان والتنمية، كانت معظم الكتابات عن المشروعات التي تعالج ختان الإناث وصفية، مع ادعاءات بوجود تأثير لتلك الجهود، لكن دون أن يكون هناك استخلاص للدروس للمشاركة أو معرفة ما إذا كانت الآثار الفورية ستستمر بمرور الوقت أم لا. والآن فقط نبدأ في رؤية مناهج البحث شديدة التأمل يجرى تنفيذها، مع وجود مؤشرات قابلة للقياس يمكن أن نرصد عليها التقدم بمرور الزمن (طوبيا، ن. رينبو. عرض لمؤسسة فورد، 2004).
هذه عملية حتمية إلى حد ما: فالأمر يحتاج إلى وقت لبناء المعرفة والمهارات داخل جماعات الدفاع والتأييد لمعالجة قضايا بعينها، ويحتاج إلى وقت أطول لإدراك ما يجب عمله. إلا أن إحدى المشاكل الملحوظة في هذه العملية هي فكرة أن الشخص يمكنه وضع وتكرار مجموعة معينة من الخطوات، بصرف النظر عن السياق والشركاء. غير أن المطلوب هو موارد لدعم عمل النشاطين على المستوى المحلى، وتمكينهم في الوقت نفسه من مشاركة الآخرين في تجاربهم.
وإضافة إلى ذلك، لابد من دعم الأكاديميين لبحث الظاهرة، وفى هذا المثال بحث دعاوى أن ختان الإناث جزء من تقاليد الناس أو ثقافتهم أو دينهم، وهو ما يشعر به – بصدق – العديد من الناس، لكنه يظهر كذلك كجزء من الأصوليات الدينية الجديدة. وهناك ادعاءات مختلفة في سياقات شتى، ولكن الناشطين سوف يلقون الكثير من الدعم بإطلاعهم على البحث التاريخي والمعاصر من النوعية الجيدة. إلا أنه لا يوجد دافع قوى لدى الأكاديميين كي يتناولوا بالبحث قضايا الحقوق الجنسية والإنجابية، ذلك أن القليل من فروع العلم يكافئ على بحث القضايا التي تقع في دائرة المحرمات، ومن المحتم أن الأكاديميين تحركهم مخاوف متعلقة بمنصابهم.
من الذي سيموِّل هذا العمل؟
تثير هذه الأمور كلها مسألة التمويل. ففى أفضل المجتمعات المحتملة جميعًا تمول الحكومات الخدمات الصحية العامة، وتعليم الشئون الجنسية، وتوفير دور الإيواء للنساء اللائى يتعرضن للضرب، وغير ذلك من متطلبات المواطنة. أما في هذا العالم الواقعي فهي لا تفعل ذلك على النحو المناسب، هذا إن فعلته أصلاً.
ولذلك فإن المنظمات غير الحكومية تتولى في كثير من الأحيان سد الفجوات وملء الثغرات. ولكي نجعل الحكومات تتولى تلك المسئوليات، فلابد للمنظمات الدولية متعددة الأطراف التي تقدم الدعم الفنى للحكومات، كمنظمة الصحة العالمية، ومنظمات المجتمع المدني، والجامعات، والمنظمات غير الحكومية، من تحدى اتفاق واشنطن والانخراط في بناء قدرة الحكومة في مجال توفير الخدمات، فبإمكانها القيام بأدوار مهمة في حفز الاهتمام وتوفير المهارات المطلوبة – لكل من تقديم الخدمات وإدارتها – لمعالجة الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، وغيرها من خدمات الصحة العامة. بل لابد لها أيضًا من مراقبة التنفيذ، لدعم الأجهزة البيروقراطية على العمل بشكل أفضل، وإحراجها إذا دعت الضرورة من خلال الإعلام وغيره من الوسائل إن لم تفعل. ويتطلب ذلك المال ويعيدنا إلى قضية الحصول على الموارد.
بالإضافة إلى مشكلة عدم توفر الموارد لدى الحكومات لمعالجة مسألة الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية، هناك مشكلة التحولات في اهتمام هيئات التمويل بهذا المجال واستعدادها لتوفير تمويل عام – وليس على مشروعات محددة – لمنظمات الدفاع والتأييد. ويستغرق تنفيذ برامج الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية وقتًا طويلاً، حيث إنها تعتمد على تغيير القيم الاجتماعية المتأصلة. فما الذي يعنيه هذا في سياق تطالب فيه المنظمات غير الحكومية التي تدير هذا العمل بإظهار تأثير عملها في أول سنة من التمويل؟ الواقع أنها كثيرًا ما تجمع الأموال الكافية لمدة عام واحد فقط في كل مرة، وغالبًا ما يكون ذلك لمشروعات شديدة التحديد.
الأمر الذي على القدر نفسه من الأهمية هو أن العمل على تغيير القيم الاجتماعية يتطلب مشاركة أفراد المجتمع، ليس على نحو متقطع، بل في تشكيل العملية وإدارتها. ومع ذلك فقليل من هيئات التمويل يمكنه تمويل المبادرات الصغيرة ذات التكلفة المنخفضة جدًا: ذلك أن هيئات التمويل تفضل تمويلاً وسيطًا لدعم تلك المشروعات. وبينما ينجح ذلك في بعض الأحيان، فإنه كثيرًا ما يحد من قوة مشاركة الجماعات المحلية وعمقها. والأهم من ذلك أن الوسيط هو الذي يكتسب حينذاك مهارات في الدفاع وجمع الأموال والإدارة المالية – وهي جميعها ضرورية لتنمية القدرات – بينما تظل المنظمات على مستوى المجتمع المحلى تابعة. وتحتاج قضية كيفية معالجة حاجة الجهة المانحة إلى الوسطاء في ظل الاهتمام المشترك ببناء القدرات المحلية إلى المزيد من البحث.
تختلف الأطر القانونية التي توفر بيئة ممّكنة للمانحين الخاصين وللمنظمات غير الحكومية الدولية التي تعمل في الواقع كجهات مانحة، من بلد لآخر. إلا أنه من النادر أن تفكر المنظمات غير الحكومية في هذه القضايا على أنها أمور تهمها، رغم أنها قد تثير حتمًا مسائل تتعلق بالبيئة الممكِّنة للتمويل كجزء من أجندتها. فعلى سبيل المثال، دُهشت عند وصولي إلى الولايات المتحدة حين وجدت أن كل دافع للضرائب يمكنه – قبل تسديد الضرائب – أن يخصم من دخله الأموال التي أسهم بها في الأنشطة الخيرية، مما قد يشمل معظم المنظمات غير الحكومية في حركة الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية. وهذا الأمر يفتح الباب لآفاق جديدة من فرص حشد التمويل. وإن كانت تتطلب مهارات جديدة ووقتًا كبيرًا – ربما يمكن فيها إقناع من لديهم الأموال بالإسهام ليس فقط بدافع النوايا الحسنة، وإنما لأنهم بقيامهم بذلك سوف يحققون فائدة ضريبية. وهذا هو نوع القضايا الذى يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تعمل عليه بشكل جماعي، بغض النظر عن مجال اهتمامها، فيما يتعلق بالسياسات الوطنية الخاصة بالتبرعات الخيرية من الشركات والأفراد.
الأمر الآخر الذي لابد أن تأخذه المنظمات غير الحكومية في الاعتبار هو أن هيئات التمويل تعمل كذلك في سياق سياسي، وأن القضايا ذاتها التي تنطوي على مخاطرة سياسية للمنظمات غير الحكومية يمكن أن تكون كذلك بالنسبة للجهات المانحة أيضًا، خاصة إذا كانت السياسة الحكومية غير داعمة. وبالمثل فإن مسئولى البرامج الذين يعملون لدى المانح يمكن أن يعرضوا أنفسهم للخطر داخل المؤسسة باضطلاعهم بقضايا تنطوي على المخاطرة. كما أن هناك قيودًا على هيئات التمويل: وهي الشروط القانونية الخاصة بأماكن وجودها، واهتمامات من يعطونها المال، سواء أكانوا حكومات أم أفرادًا، والتغيرات التي تطرأ على سوق الأوراق المالية (البورصة) مما يؤدى إلى تذبذب المبالغ المالية الموجودة تحت أيديهم بمرور الوقت.
وهيئات التمويل مسئولة – وينبغى أن تكون مسئولة – عن الطريقة التي تنفق بها أموالها، التي هي في الغالب أموال عامة، والأموال التي تأتى من الميزانيات المحلية أو التي كانت ستذهب إلى محصل الضرائب لو لم تذهب إلى هيئات التمويل. غير أنها ليست مسئولة أمام الحركة التي تمولها، وإنما أمام مجلس حكامها أو أمنائها أو أيًا من كان الذي يديرها. وكما هو الحال بالنسبة للمؤسسات كافة، فإن لدى جهات التمويل توترات داخل مؤسساتها وفيما بينها. إن فهم كل ذلك قد يساعد المنظمات غير الحكومية في تحديد المداخل التي يمكنهم عبرها اجتذاب الموارد.
التحديات التي تواجهها الإستراتيجيات الحالية للجهات المانحة
هناك قضيتان لابد للجهات المانحة من إعادة النظر فيهما. تتصل القضية الأولى بزيادة تنمية القدرات الوطنية في بلدان الجنوب، بينما تتصل الثانية بالمؤشرات الخاصة بقياس التأثير. وفي كلتا الحالتين فإن هاتين قضيتان تحظيان باهتمام شديد من معظم هيئات التمويل، ومدخلان محتملان لمشاركة هيئات التمويل والمنظمات غير الحكومية.
معنى “الدعم الفني” لبناء القدرة الوطنية
“الدعم الفني” أحد أسس التمويل ثنائي أو متعدد الأطراف. وليس من الصحيح أن الدعم الفنى محايد: ذلك أن الدعم الفنى كله يقوم على القيم ويأتي بأفكار مثل: ما هى الخدمة الجيدة؟ وما هو دور الحكومة مقابل دور القطاع الخاص؟ وإلى أي حد ينبغي أن يتحدى القطاع العام العلاقات الثقافية الموجودة، مثل إخضاع النساء؟ إلخ. وجزء كبير من أموال المانحين الذي يتجه إلى الدعم الفنى يذهب إلى المنظمات غير الحكومية والجامعات والأفراد في دول هيئات التمويل. وخبرتى كلها هى أنه عندما لا تكون فرق الدعم الفنى مكونَّة من أشخاص مدربين في البلد الذى يقدمون فيه الدعم، ولديهم خبرة عملية في ذلك البلد، تصبح الحلول التي يقدمونها أقل واقعية واستجابة للبيئة الفعلية. والأمر الأكثر أهمية، هو أن المستشارين الفنيين يأتون معهم بأيدولوجيا الدولة المانحة. وقد يكون ذلك أمرًا تقدميًا في بعض الأحيان، ولكنه لا يكون كذلك في أحيان أخرى.
وقد شهد العقد الماضى وضع المئات – بالمعنى الحرفي للكلمة – من نماذج تنفيذ البرامج التي وضعها خبراء في مكان ما وأُلقيت على مجتمعات ومدن، بل وأقاليم، في أنحاء أخرى من العالم، دون مراعاة لسياقها الخاص أو لقدراتها. وقد قال لى زميل من المنظمات غير الحكومية في الأسبوع الماضي: “إنى أدرب شبابًا مدهشين ومتحمسين في المنظمات غير الحكومية، ولكنهم ينفذون برامج مستوردة إلى بلدهم، في حين لا يعلمون هم أنفسهم شيئًا عن أثر السياسات السكانية، أو طبيعة الخدمات العامة، أو مطالب الناس“.
وهناك مشكلة خطيرة، ألا وهى أن التعزيز المؤسسى طويل المدى لبناء القدرة المحلية في الجنوب العالمي لا يحظى بالاستثمار الكافي. فما يحتاجه الجنوب العالمي في مجال الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية هو إدخال هذه القضايا في مناهج الطب والتمريض، والصحة العامة، والمناهج القانونية، والدراسات الإعلامية. إنها بحاجة إلى حملة الماجستير والدكتوراه الذين يدربون الناس على كيفية إدارة الخدمات العامة بكفاءة. وهي بحاجة إلى تدريب شامل في تحليل السياسات والعلاقة بين السياسة والتنفيذ. وعلى المدى الطويل، سوف تمكِّن هذه المهارات الحكومات من إدارة الخدمات بفاعلية، بحيث لن يكون على هيئات التمويل دعم القدرة الحكومية بلا حدود. وبالمثل، سوف تمكِّن تلك المهارات الناشطين الشباب من تقوية المنظمات غير الحكومية المحلية التي تراعى الخبرة المحلية، لكن يمكنها المشاركة بثقة على المستوى الدولى كذلك. وتثير هذه المشاكل تساؤلات بشأن معايير الدعم التي تتبناها هيئات التمويل، ولابد للجهات المانحة من دعم التنمية المحلية للمجتمع المدني وتعزيز التعليم العالى في دول الجنوب. وفى غياب ذلك، سوف يستمر عدم المساواة الدولية في التعاظم.
تماشى المؤشرات مع سرعة التغير الاجتماعي
فيما يتعلق بقضية المؤشرات، قد يكون من الأسهل كسب دعم هيئات التمويل لميدان الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية ككل في حال إيجاد هيئات التمويل والمتلقين الآخرين للتمويل أرضية مشتركة بخصوص المؤشرات. من الواضح لم هو أيسر على هيئات التمويل الاهتمام بالأشياء القابلة للقياس: عدد قطع الواقي الذكرى التي تم توزيعها، أو عدد الأشخاص الذين يتلقون علاجًا مضادًا للفيروسات الارتدادية، على سبيل المثال. وبينما لا يوجد شك في شعور هيئات التمويل باهتمام شديد بشأن مستويات العنف ضد النساء أو قابلية الشابات للإصابة بالإيدز، فهي بحاجة إلى أن تكون قادرة كذلك على مراقبة تأثير النشاط في الواقع (10) وتقديم أدلة ملموسة عليه لإقناع مجالسها بأنها تنفق أموالها بطريقة فعالة. وبطبيعة الحال، فالقائمين على العمل أنفسهم يرغبون أيضًا في معرفة ما إذا كان يحقق الأهداف المقصودة أم لا.
ولكن اتجاه التحول من التمويل العام للأنشطة الأساسية إلى تمويل المشروعات ليس بالضرورة أفضل الحلول. فهو يفترض أن بالإمكان تخطيط عمليات التغير الاجتماعي الكبيرة وقياس المنجزات على نحو سنوى، وأنه لن تكون هناك حاجة إلى تغيير الإستراتيجيات استجابة للبيئة المتغيرة. وبالإضافة إلى ذلك، فهو يجعل من التخطيط والقيادة والتنمية المؤسسية طويلة المدى أمرًا يكاد يكون مستحيلاً بالنسبة للمنظمات غير الحكومية. وأخيرًا فإنه إذا كان على المنظمات غير الحكومية أن تقوم بصياغة تدخلاتها على أنها “منتجات“، فمن غير المرجح أن تطور إستراتيجيات مبتكرة وطليعية وهو الأمر الضروري للتأثير على السياسات وتغييرها، وإذا اقتصر تمويلها على ذلك المخصص للمشروعات فحسب، فمن المحتمل أن تعجز عن الاستجابة للفرص المتاحة غير المتوقعة.
وبما أن التغير بطيء، وخاصة في مجال مختلف عليه مثل الشئون الجنسية والإنجابية، فقد لا ندرك حجم التغيير لو استخدمنا المؤشرات المعتادة، أي التغيرات التي تطرأ على السياسة أو المواقف العامة، أو تنفيذ خدمة جديدة. فالتغيرات الاجتماعية الكبيرة تحتاج إلى وقت وتنظيم، كما تتطلب تفاعل العديد من العوامل في الوقت نفسه: سواء أكانت انتخابات أم تأييدًا لوزير صحة بعينه، أم مطلبًا عامًا ملحًا. ولا تتغير السياسة في يوم وليلة. ولا يمكن تغيير الرأى العام في سنة أو حتى خمس سنوات. وعادة ما يحتاج تطبيق السياسات إلى سنوات قبل أن تصبح فعالة على نحو تام في بلد بكامله. وتتأثر السياسات باستمرار بهؤلاء المسئولين عن تنفيذها، ومن ثم فإن مراقبة عملية التنفيذ ودعمها نفسها مهمة، كما أشرنا من قبل.
قد يبدو هذا كله بديهيًا، ولكنه لا يتلاءم مع الولع الحالي بالنتائج السريعة. إنه يعنى أن على من يلتزمون بالتغيير أن يكونوا موجودين فترة طويلة. فهم لا يمكنهم دعم الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية مثل الموضة: أي أن تكون هذا العام ختان الإناث، والعام المقبل مضادات الفيروسات الارتدادية. فهذه القضايا معقدة وصعبة وتحتاج إلى التزام ويثير هذا أسئلة مهمة بالنسبة للمنظمات غير الحكومية، مثل: كيفية تنظيم نفسها، وما هي التوقعات التي تضعها لأنفسها وغيرها ممن تعمل معهم، وكيف تحافظ على الالتزام عندما يكون هناك ذلك العدد الكبير من الحواجز على الطريق، عندما يبدو أن كل خطوتين إلى الأمام تعقبهما خطوة إلى الوراء؟ وعلى نحو أكثر تحديدًا، ما هي أنواع المؤشرات التي تُستخدم لمراقبة التقدم عبر الزمن في ظل هذا الواقع. ويستدعى هذا وجود مؤشرات لعملية التقدم نحو التغيير وللمنجزات الصغيرة مثل التحول في التغطية الإخبارية، أو استدامة مستويات مشاركة المجتمع طوال الوقت، أو إعادة تنظيم الخدمات في عيادة واحدة كل مرة، أو إدخال التدريب على الإجهاض الطبي في منهج دراسي طبي واحد كل مرة.
ومن المهم أن نكون قادرين على رصد التغيرات الصغيرة والاحتفاء بها ومتابعتها، انطلاقًا من نظرية واقعية عن التغير، ومراقبة تلك التغيرات، ليس لمجرد تدعيم التزام المؤسسة، وإنما للمحافظة على وحدة حركة الصحة والحقوق الجنسية والإنجابية طوال الوقت.
بعد أن انتقلت من العمل في منظمة غير حكومية للدفاع إلى العمل في إحدى مؤسسات التمويل، صدمتني الطبيعة العشوائية لارتباط المجتمع المدني بهيئات التمويل، والأكثر أهمية حقيقة أن هيئات التمويل بصورة عامة هي التي تبادر بذلك الارتباط. ففي مؤسستي تبدأ معظم المبادرات الجديدة بتشاور واسع المدى مع مختلف الأطراف المعنية بشأن القضايا، وغالبًا ما يتضمن ذلك اجتماعًا أو أكثر لطرح الخيارات المطروحة والاطلاع على اهتمامات الأطراف المعنية. ولكن مع أن العديد من الأفراد الذين عرفتهم في حياتي قبل أن أعمل في مؤسسة التمويل كانوا يسألونني عن السبب في تراجع بعض هيئات التمويل عن تمويل ما كانت تموله من قبل، أو سبب تغييرها لأسلوبها في التمويل، فإنه في حدود معلوماتي لم تكن هناك مبادرة من المجتمع المدني لجعل هيئات التمويل تعى تلك الاهتمامات؛ باستثناء التعليقات الفردية لمسئولى البرامج الذين نادرًا ما يكونون متخذي القرار فيما يتعلق بمستوى التمويل المتاح، أو الاعتبارات المتعلقة بإنفاقه التي حددتها مؤسستهم. وردى باستمرار بطرح هذا السؤال: “لم لا تدعونهم إلى اجتماع للتحدث حول هذا الأمر؟” وتعتز المنظمات غير الحكومية بقدرتها على ابتكار السياسات والتأثير عليها. فأين هى في محاولة التأثير على سياسات هيئات التمويل؟ وأين هى في محاولة مساعدة هيئات التمويل على فهم التحديات الخالية؟ ولذلك عادة ما أرمى بالكرة إلى ملعبهم.
هيئات التمويل في الولايات المتحدة، لديها ما يسمى “الجماعات المتقاربة” تلتقي فيها عبر المصالح المشتركة: وقد يوفر هذا آلية سهلة لمجموعة من المنظمات غير الحكومية كى تجتذب هيئات التمويل. وبالمثل، فحيث إن العديد من المنظمات غير الحكومية في الجنوب العالمى تمولها المنظمات غير الحكومية الدولية، فإن اللقاء الدوري للمنظمات غير الحكومية الأوروبية قد يوفر لها المنبر المناسب کي ترتبط بالمنظمات غير الحكومية الدولية التي تتخذ من أوروبا مقرًا لها وتمولها كل من الحكومات الأوروبية والمؤسسات الأمريكية. وبالطبع يعيدنا هذا إلى نقطتي الأولى وهى حاجة المجموعات الوطنية للتنظيم على المستوى الإقليمي، والجماعات الإقليمية للتنظيم على المستوى الدولي، لكى يكون لها رأى إستراتيجي واضح ومشروع من أجل تلك المناقشات.
منذ انضمامي إلى عالم الممولين أدركت أن كوني في مجتمع المانحين يعني فقدان الاتصال بالقضايا الناشئة على الأرض (سواء على مستوى الدول، أو المستوى الإقليمي، أو المستوى الدولي) ما لم أظل مطلعة على ما يستجد. ودائمًا لا يسمح العمل نفسه بالوقت المناسب للقراءة أو المشاركة في الاجتماعات كي أظل مطلعة أولاً بأول على ما يستجد. ومن ثم يمكن لمن يتلقون التمويل القيام بدور مهم لجعل هيئات التمويل على علم من خلال التقارير أو المكالمات التليفونية أو النشرات الصحفية أو البريد الإلكتروني، وفى ذهنهم هذا الهدف. الحكمة الثانية التي أريد مشاركتها مع الآخرين – بما أننى “على الجانب الآخر” الآن – هي أنني عندما كنت في منظمة غير حكومية، كان ما أريده من هيئة التمويل أن تلقى الأموال ثم أُترك في حالى. أما الآن، وأنا أقيم في نيويورك، فمن الواضح لى أن المتلقين الذين يشركوننى معهم، بما في ذلك ما يتعلق بمشاكلهم، ويحيطوننى علمًا بتقدمهم وتحدياتهم، هم الذين يمكنني فهمهم أكثر من غيرهم. وهؤلاء الذين يمكنني فهمهم أفضل من غيرهم هم الذين من الأرجح أن يتحدوني بشأن فهمى واختياراتى. فالمنظمات غير الحكومية لا يمكنها، ولا ينبغى لها، أن تتلقى توجيهاتها من هيئات التمويل. إلا أنه لابد لها أن تكون مسئولة أمام هيئات التمويل عن الأموال التي تتلقاها، وكلما فعلت ذلك بذكاء وأمانة كانت قدرة الجهات على الدفاع عنها وتأييدها أفضل. باختصار، كلما كان الاتصال أكبر وكان أكثر أمانةً كان من المرجح أن تكون بيئة التمويل بصورة عامة أفضل.
ختامًا، أود الإشارة إلى أن الوقت قد حان بالنسبة للمنظمات غير الحكومية كى تشرك هيئات التمويل – الحكومية والخاصة – بما أن الاهتمام المشترك للكثير من هيئات التمويل والمنظمات غير الحكومية هو كيفية معالجة التحديات الضخمة في استدامة أجندة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية وتنفيذها.
1- Poverty Action Fund, Uganda. At:
<http iww.onèworidaction.org/download/PAFUgandaRep.doc>,
2- Shah P, YoussefD. Voices and choices at a macro level: participation in country-owned poverty reduction strategies. A workshop report. Action Learning Program Dissemínation Series No.]. Washington DC: Social Development Department, World Bank, 2002.
3- Lamptey P, Zeitz P, Larivee C (editors). Strategies for an Expanded and Comprehensive Response to a National HPI/ AIDS Epidemic. Arlington VA: Family Health International, 2001.
4- Klugman B. Accountability and participation ín Africa. In: Budlender D (editor). Africa Report of the Initiative for Sexual and Reproductive Rights in Health Reforms, Johannesburg: School of Public Health, University of the Witwatersrand, forthcoming.
5- Villela WW. Expanding women’s access to abortion: the Brazilian experience. In: Klugman B, Tadros N (editors). Advocating for Abortion Access: Eleven Country Studies. Johannesburg: Johannesburg Initiative, School of Public Health, University of Witwatersrand, 2001. p. 87-108.
6- Hussein A, Assaad M. FGM Task Force position paper. Legal Research and Resource Center for Human Rights, 2001. At: <http://www.geocities.com/Irrc.geo/FGM/fgm.htm>.
7- Warraq 1. Female genital mutilation: a glimmer of hope in Egypt. Institute for the Secularisation of Islamic Society, no date. At:
<htp:// www.secularislam.org/news/mutliation.htm>,
8- Genital mutilation in Egypt. Legal Research and Resource Center for Human Rights, 2001. At: <http://www.geocities.com/lrrc.geo/FGM/fgm.htm>.
9- Tadros N. Turning a rưsty wheel: building coalitions for public influence in Egypt. Washington DC: Global Women in Politics Program, Asia Foundation, 2000. At:
<http://www.asiafoundation.org/pdf/egypt.pdf>.
10- Bernstein A. Is philanthropy abandoning higher education? The Presidency 2003:(Fall): 34-37.