خواطر على الطريق
توسيع المعاني
يتعلق هذا العدد من النشرة بموضوع المشاركة السياسية للنساء، وهو الموضوع الذي أثير كثيرًا في الفترة الأخيرة, وبدا وكأن تخصيص بعض المقاعد للنساء في المجالس المنتخبة سوف يضمن المشاركة الفعلية لهن في الحياة العامة.
هذا الأمر يتطلب من وجهة نظري تحديد معنى المشاركة السياسية والتي أراها قبل كل شيء المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على تبني سياسات معينة يمكن لهذه السياسات أن تتعلق بالحياة العامة، وبمسائل كبرى مثل: مَن مِن الدول سوف تتحالف مصر معها, أو أي موقف نتخذه تجاه عدوان يحدث هنا أو هناك، أو كيف تنفق ميزانيات الدولة، أو السياسة التي تتبناها مصر في مجال الصحة.. إلخ.
كما تشير المشاركة السياسية إلى الانضمام لكيانات لها قدرة على التأثير في السياسات, كالانضمام إلى الأحزاب والنقابات والتقدم بالترشيح في المجالس المحلية أو في البرلمان, والقيام بدور فعال داخلها. وهو ما يعني بدوره القدرة على تعبئة الناس حول أهداف وقضايا محددة، والتمثيل الفعلي للآخرين والدفاع عن مصالحهم والإقدام على تغلب العقبات والعوائق, وتقديم النموذج الذي يحتذى به، والتحلي بالشفافية والمحاسبية, وهي جميعها صفات قد تندر في صفوف النساء والرجال على حد سواء.
ولكن دعونا من هذا الكلام، ولننظر إلى مستويات أخرى من المشاركة السياسية كما أراها، وأعني هنا المشاركة في اتخاذ القرارات ذات الطابع السياسي في المجال الخاص, أي داخل الأسرة, ذلك أن الفصل التعسفي بين ما هو عام وما هو خاص ليس إلا فصلاً مصطنعًا يراد به تكريس تبعية النساء للسلطة الأبوية لأقاربهن من الذكور, سواء كان الأب, أو الزوج, أو الأخ, أو أي ذكر آخر قد يقتنص لنفسه هذا الحق.
ونظرًا لانه يتم التعامل مع المجال الخاص باعتباره مجالاً لا يصح الاقتراب منه أو المساس به, فإن أولئك النساء اللاتي قد يصلن إلى البرلمان بناء على قرار فوقي، قد يكن هن نفس اللاتي يتعرضن لأشكال متنوعة من التمييز, والقهر, وصولاً إلى العنف النفسي, أو الجسدي, أو الجنسي، ومن أيضًا النساء اللاتي يعدن إنتاج هذه الثقافة من أجل الحصول على القبول الاجتماعي, واللاتي يكرسن فكرة أن النساء عليهن الطاعة فقط والامتثال للقرارات التي يتخذها الرجال، حتى تلك التي تخص حياتهن الشخصية, وصحتهن الجسدية والنفسية, واختياراتهن الخاصة والعامة.
فبالله عليكم بأي صورة سوف تكون هذه المشاركة السياسية في المجال العام، وكيف يمكن الفصل بين المشاركة في اتخاذ القرارات على المستويين الخاص والعام؟