تيريز بينيديـك: تشكيل التحليل النفسي من داخلـه
تاريخ النشر:
2016
اعداد بواسطة:
تيريز بينيديـك:
تشكيل التحليل النفسي من داخلـه*
توفیت تبريز بينيديك في عام 1977. حين بدأت تدريبي في معهد التحليل النفسي في برنامج علاج الطفل في عام ١٩٧٨، كانت لتيريز بينيديك سمعة أسطورية، كانت الروايات عنها تدور حول حدسها الرائع وأسلوبها المتفرد واستقلالية رأيها, الكثيرون كانوا يروون عن النوادر التي ارتبطت بها. مع تقدمها في السن أصحبت بينيديك تجد صعوبة في السمع، لكن مرضاها ظلوا يتندرون بأنها لم تكن بحاجة إلى أن تسمع ما يقولون لكي تعرف ما يشعرون به دون أن تضطر إلى سماع الكلمات ذاتها. فيما بعد تعرفت على أعمالها من خلال قراءة مقالها الرائع “الوالدية كمرحلة ارتقاء” وأصبحت من المعجبات بإيداعها واتساع أفقها.
أثناء بحثي حول بينيديك روى لي أحد زملائها المحللين القصة التالية، وإن كان رأيه أنها مشكوك في صحتها: حين تقدم بها العمر وأصبح سمعها ضعيفًا ظل أحد مرضاها يستطرد عن قلقه في حال وافتها وما عساه أن يفعل بدونها… الخ. وفي آخر الأمر قالت له بينيديك، “أنت… أنت قلق إلى هذه الدرجة عما سوف يحدث لك حين أموت… ماذا عني أنا؟” حين ذكرت هذه الرواية لزميلة كانت عرضت أن تجمعنـي بصديق كانت بينيديك تحلله، ضحكت وقالت، “هذه ليست قصة مفتعلة، هذا المريض كان صديقا لي“.
صوت المحلل إذ يسأل “ماذا عني أنا؟” ذلك هو الصوت الذي سوف أبحث فيه. من خلال طرحها لهذا السؤال ذكرت بينيديك مريضها، وذكرتنا معها، بوجود المحلل في الثنائية العلاجية. سوف أطرح هنا أن سؤال بينيديك يعكس موقفًا وطريقة في التفكير نشير إليها الآن باعتبارها علائقية أو بين–ذاتية، مشيرة إلى تفاعل نفسي بين شخصين. لقد أشارت بينيديك إلى ذلك باعتباره تفاعليًا أو متبادلاً، وكان ذلك عنصرًا متأصلاً في أعمالها منذ بداية عملها كمحللة في عام ١٩٢١ وحتى ختامه بتلك الملاحظة الحزينة. وفي الكثير من كتاباتها تحاول بينيديك أن تصف تأثير التفاعل على كافة الأطراف المشاركة في العلاقة. إنها تدرك عنصر التبادلية في خبرات الارتقاء ببلاغة مفاهيمية رائعة، خاصة فيما يتعلق بالوالدين والأطفال، فتوضح كيف يعزز الوالدان ارتقاء طفلهما، وكيف يعزز الطفل بدوره مزيدًا من الارتقاء في الوالدين، طارحـة بـذلك مراجعة جذرية للنظرية الكلاسيكية في التتابع الزمني للارتقاء.
مع ذلك، ومثلها مثل آخرين، اعتبرت بينيديك نفسها من المؤمنات بشدة بنظرية فرويد الكلاسيكية بشأن البواعث. كذلك قدمت بينيديك نفسها باعتبارها باحثة، والتزامًا بالتقليد الوضعي اعتبرت التحليل النفسي فرعًا علميًا سوف تثبت مصداقيته في يوم من الأيام باستخدام الأساليب العلمية. لقد كانت بينيديك تكتب بأسلوب مـا وراء نفسي مكثف، مما أضفى وزنًا على حججها. وقد ساهم ذلك الأسلوب في حجب المعاني الأكثر جذرية في أفكارها. ربما يمكن القول بأنها كانت تتبنـي نظرية البواعث العلائقيـة. لقد اعترفت بينيديك بتلك التناقضـات ووصفت نفسـها بأنهـا “محللـة أرثوذكسية” ذات وجهة نظر ليبرالية (أوراق/مقابلة، ص٢٦). واقع الأمر أن بينيديك كـانـت تعمـل بـجـد لتثبـت توافقهما النظـري وذلك باستخدام أبحاثهـا كدليل علمـي وضروري لدعم ما وراء علم نفس البواعث. مع ذلك كانت تتحدث بوضوح دفاعًا عن جوانب من الخبرة الإنسانية غير مشمولة في العادة بنظرية البواعث، خاصة فيما يتعلق بالطبيعة التفاعلية والتبادلية لعملية الارتقاء على مدى العمر. كذلك تستند أفكارها حول الجنسانية sexuality) ) الأنثوية إلى لغة بواعث ما وراء علم النفس، لكنها لا تحد نفسها بذلك بل تطرح مسارًا ارتقائيًا منفصلاً للجنسانية الأنثوية.
في كل أعمالها يشعر القاري بتوتر ما، اذ تؤكد باستمرار على التزامها بالتراث الفرويدي الكلاسيكي، على حين تطرح في نفس الوقت مواقف حازمة تتناقض مع ذلك التراث، خاصة فيما يتعلق بالارتقاء الأنثوي، والدلالة الضمن نفسية للعلاقات البين – ذاتية وأهمية وجهة النظر الارتقائية. وفي بعض الأحيان كانت أعمالها تتأثر بسبب ذلك الجهد المبذول في محاولة خلق الانسجام بين أفكار متناقضة في ما وراء علم نفس البواعث. مع ذلك، فقد كانت بينيديك ذات صوت قوي، وأحيانًا وحيد، وخلال تاريخها المهني كانت تشتبك مع كثير من القضايا الجوهرية في الجدال حول التحليل النفسي. وقد ساهمت بينيديك فـي تشكيل التحليل النفسـي مـن داخلـه: فقـد تبنـت الميراث الأرثوذكسي المحافظ الذي يعود إلى زمن فرويد، لكنها من داخل ذلك الميراث كانت حازمة في طرحها للأفكار التي استخلصتها من تجربتها الخاصة كمحللة، وكـأم، وكامرأة. كما أنها أدرجت تلك المعرفة في أطروحاتها النظرية. لقد كان أداؤها جيدًا في داخل حدود مؤسسة التحليل النفسي، لكنها ساهمت كذلك في رسم تلك الحدود بأن أعطت صوتًا للجوانب العلائقية في الخبرة.
كانت بينيديك ممارسة إكلينيكية وباحثة ومنظرة ومعلمة وعضوة مؤثرة في مؤسسة التحليل النفسي في شيكاغو. وكان صوتها مسموعًا على المستوى الوطني أيضًـا وكانت مشاركة في الأنشطة التنظيمية المهنية للجمعية الأمريكية للتحليل النفسي. ولدت ونشأت بينيديك في المجر، وبدأت مسارها في التحليل النفسي في لايبتزج بألمانيا في عام ١٩٢١. هاجرت بينيديك إلى الولايات المتحدة في عام 1936 بسبب ملاحقات النازية، وقد دعاها فرانز ألكسندر ( Franz Alexander ) إلى الانضمام إلى هيئة التدريس بمعهد شيكاغو للتحليل النفسي الذي كان قد تأسس حديثًا أنذاك، حيث استمرت حتى نهاية تاريخها المهني. لقد كان لها تأثير واسع الانتشار: فقد قامت بتحليل والإشراف على عدة أجيال من المحللين في شيكاغو، وعالجت العديد من المرضى بصفها عضوة في هيئة التدريس في معهد شيكاغو. وقد بحثت بينيديك في المسارات الجنسية للنساء، ودرست العلاقة ما بين الهرمونات والحالات النفسية، فوصلت بذلك مـا بين العقل والجسد؛ كذلك تحدثت بينيديك في لقاءات عامـة أمـام جمهور متخصص وغير متخصص، وكانت تعتبر مرجعًـا فـي مسـائل الجنسانية الأنثوية، وبشكل عـام فـي أمـور الأسرة والأمور النسائية. وكتبت في طيـف مـن الموضوعات تراوحت ما بين الارتقاء والإشراف الإكلينيكي، وكان لها وجود قوي في السياسات المؤسساتية للتحليل النفسي. تتضمن مؤلفاتها تقريرًا عن بحثها النفس– جسدي المعنون الوظائف النفس–جنسية لدى النساء (1952 Benedek)، وتقريرًا آخر عن بحثها حول الإشراف في التحليل النفسي، شـاركتها كتابتـه جـوان فليمنج ( Joan Fleming) في عام 1966، وكتابًا عن أثر الحرب على العائلات (١٩٤٦)، ومجلدين، قام جيمس أنتوني (James Anthony ) بمراجعتهما، أحدهما عن الوالدية (Anthony & 1970 Benedek ) والثاني عن الاكتئاب (1975 Anthony & Benedek)، ومجلد من الأوراق المختارة (١٩٧٣). لقد كتبت بينيديك العديد من المقالات وكانت كثيرًا ما تدعى للحديث في المؤتمرات. تراسلت بينيديك مع جورج إنجل (George Engel ) بشأن بحثه عن حالة مونيكا الشهيرة، الطفلة التي ولدت بضيق في المريء. قبل وفاتها كانت بينيديك تعمل على كتابـة وثيقة تجمع ما بين الأنثروبولوجيا والميثولوجيا والأفكار المعاصرة حول النساء. كانت بينيديك تنتمي إلى جيل من المحللين المهاجرين الذين نقلوا التحليل النفسي من مسقط الرأس في أوروبا إلى الولايات المتحدة، ثم ساهموا في بلورة علم نفس الأنا الأمريكي (1984 Coser ).
امتد مسار بينيديك المهني من عام ١٩٢١ حتى عام ١٩٧٧، وبالتالي فقد عاصرت سنوات التكوين لمهنة التحليل النفسي، ومارست المهنة في أوج هيمنة التحليل النفسي على مجال الصحة العقلية، وشهدت بدايات التعددية النظرية الحالية (لمعرفة المزيد عن سيرتها الذاتية، انظر/ي: 2000, T. Benedek 1979, Weidemann 1988, May Schmidt 2000, Coppolillo 2001 ). تصـف بينيديك نفسها بأنها “شخص كبر مع التحليل النفسي” (10 Benedek n.d.b., ). ولدت بينيديك في المجر في عام ١٨٩٢ وكانت الثالثة بين أربعة أطفال لأسرة يهودية أرثوذكسية، وعاشت في بواديست من سن السادسة حتى أتمت دراستها في كلية الطب عام ١٩١٩. كان والدها رجل أعمال، وكانت والدتها ربة منزل. تقول بينيديك:
لم يكن نمط الأسرة مختلفًا عن نمط الأسرة اليهودية في وسط أوروبا… أب مجتهد وأم ذات طمـوح ثقـافي. كـان الاثنان معًا يمثلان النموذج المثالي الذي يستدعي، لتصبح للمرء مكانة، أن يصبح “طالبًا” و“مثقفًا“. حين كنت فتاة صغيرة كان انتهاج مسار ثقافي من بين امتيازات الذكور. وكي أتمكن من التغلب على ذلك الحاجز، ذلك الشرط الاجتماعي غير المنطوق وألتحق بالمدرسة الثانوية، كان يجب علىّ “أن أكون الأفضل“. وفي كلية الطب كان هناك شرط مشفر آخر للنساء في ذلك الوقت. حيث لم يسمح سوى للفتيات المتخرجات من المدرسة بدرجة امتياز من الالتحاق بكلية الطب.(1956, 1-2 Benedek )
كانت بينيديك أول من انتهج مسارًا مهنيًا علميًا في أسرتها. فبعد إتمام كلية الطب، أمضت فترة تدريب في طب الأطفال، وفي عام 1919 تزوجت من تيبور بينيديك، وهو طبيب أمراض جلدية، وكان زميلاً لها في كلية الطب. تحت وطأة الاضطرابات السياسية في المجر، هاجر الاثنان إلى لايبتزج بألمانيا في عام ۱۹۲۰ حيث عملت بينيديك في عيادة نفسية إلى أن أجادت اللغة الألمانية فبدأت ممارسة التحليل النفسي. بدأ اهتمام بينيديك بالتحليل النفسي أثناء سنوات الدراسة الثانوية، فتقول:
كانت معلومات كافية عن العلم الجديد (التحليل النفسي) قد وصلت إلى بودابست، وأثارت فضول مجموعة صغيرة من طالبات المدرسة الثانويـة التـي كنـت أرتادها. لقد أرادت هؤلاء الطـالبـات أن يتعلمن أمـورًا لا تدرس في المدرسة فقمـن بـدعوة أوجين هارنيك Eugene Harnik فـي عـام 1910 لتحدثنا عن التحليل النفسي. وقد تأثرت بهـا تـأثرًا عميقًا وقررت أن أدرس الطـب وأن أصبح محللة نفسية. (Benedek & Fleming 1966,90)
تابعت بينيديك هذا الاهتمام أثناء دراستها في كلية الطب، فكانت تحضر محاضرات ساندور فيرينشي (Sandor Ferenczi ) في جمعية العلوم الاجتماعية. وقد ازدهرت نظرية التحليل النفسي في المجـر بـين المهنيين والمثقفين أصحاب “ثورية الطبقة الوسطى” المختلفة عن إيقاع فيينا الرصين (2000 May ). تلك كانت السنوات التي اعتبر فيها فرويد أن فيرينشي أكثر زملائه قدرًا وقيمة، “سيد التحليل” الذي “يجعل من جميع المحللين تلاميذ له” (288 1933, Frued ). باختصار، لقد كانت الحكومة المجرية اشتراكية، وكانت أيديولوجيا تشجع التحليل النفسي، حيث تم تعيين فيرينشي في جامعة بودابست كأستاذ التحليل النفسي الأول في أي مكان في العالم. لكن ذلك الازدهار للتحليل النفسـي لـم يـسـتمر سـوى قـرة قصيرة في المجـر، حيث سقطت الحكومة الاشتراكية في عام 1919 واستبدلت بنظام رجعي أجبر الكثير من المحللين وغيرهم، بمن فيهم آل بينيديك على ترك البلاد.
حضرت بينيديك تحليلاً نفسيًا مع فيرينشي في بودابست، على الأرجح خلال النصف الثاني من عام 1919، بعد فترة قصيرة من زواجها (1979 T. G. Benedek ). وكما هو متوقع كانت بينيديك حذرة بشأن الافصاح عن كون محللها هو فيرينشي، وحتى وقت قريب كانت أغلبية المراجع تتساءل حول هوية محللها. استمرت فترة تحليلها خمسة شهور، وبذات الغموض تصف بينيديك تحليلها بأنه كان مفيدًا رغم كونه استمر لفترة قصيرة.
[إنها خبرة] حملت معها يقين المعرفة بأمور لم تكن معروفة ولم تكن قابلة للمعرفة من قبل. لقد كانت الخبرة المحددة لذاتي في مواجهة شيء آخر هو أيضًا ذاتي، وقد تولد عنها وعي جديد ومعرفة جديدة. كذلك تعلمت المتطلبات البسيطة لعملية التحليـل: الاستماع، الملاحظة، والتفسير. بمعنى آخر، الخبرة الأساسية في التحليل كانت هي ذاتها حين كان التحليل قصيرًا. (1966, 9 Benedek & Fleming)
مثلما كان الحال بين أجيال أوائل المحللين، تضمن تكوين بينيديك، بالإضافة إلى ذلك التحليل، قراءة في أعمال فرويد وحضـور للمحاضرات حول التحليل النفسي. قدمت بينيديك طلبًا للانضمام لجمعية برلين للتحليل النفسي وكان عليها لكي تقبـل عضويتها أن تقدم الوثائق التي تدعم خلفيتهـا التعليمية ومعرفتهـا بنظرية التحليـل النفسي، اضافة إلى تقديم ورقة أمام الجمعية. وقد أوصى بضمها إلى عضوية الجمعية في عام ١٩٢٤ (1979 T. G. Benedek).
كانت بينيديك تنتمي إلى الجيل الثاني من المحللين النفسيين الذين انضموا إلى المهنة في قمة مأسستها ومهنيتها، ومن ثم انتقلت إلى موقع القيادة في المجتمع الصغير والنامي للتحليل النفسي. تقول:
تزامن دخولي إلى المجال المهني للتحليل النفسي تقريبًا مع فترة في تاريخ التحليل النفسي وصفها ساكس جيتلسون Max Gitelson بدقة شديدة في سياقها التاريخي، أي الفترة التي شهدت تحول “حركة التحليل النفسي” إلى “علم طبيعي” مـن خـلال تنظيم هيكلـه التـدريبي بهدف التحضير والحفـاظ علـى مسـتقبل التحليـل النفسـي. (Benedek 1964, 1)
في برلين وضع إيتينجون وأبراهام Eitingon and Abraham نظامًا تدريبيًا ثلاثي العناصر للمحللين النفسيين ما زال مطبقًا حتى اليوم، ويتكون من تحليل تدريبي ودورة دراسية وإجراء عدد من التحليلات تحت الإشراف. بعد ذلك بفترة قصيرة نشر فرويد (1923 Freud ) كتابه الأَنا والهُوَ مقدمًا بذلك نموذجًا هيكليًا ثلاثي الأطراف، سوف يؤدي إلى مزيـد مـن تثـوير التحليل النفسي. لقد اعتبر بيتر رودنيتسكي Peter Rudnytsky أن عام ١٩٢٣ عام مفصلي في مسيرة التحليل النفسي، حيث لاحظ أن التحليل النفسي قد وصل إلى “مقترق الطرق: الخيار بين نموذج فرويد الجديد لعلم نفس الأنا وبين ما يمكن أن نصفه اليوم بأنه ذلك الميل العلائقي، الذي أرسيت دعائمه من خلال الأعمال المعاصرة آنذاك لفيرينشي ورانك” (ص١٤٢). لقد أشعل ذلك الخيار نوعًا من الحرب الأهلية النظرية والسياسية والشخصية داخل حركة التحليل النفسي، لازالت مستمرة حتى الوقت الحاضر.
وبالنسبة لبينيديك، كان ذلك التعارض قائمًـا بـين ميراثهـا المـجـري وتحليلهـا مـع فيرينشي من ناحية، وبين عملها مع أبراهام في ألمانيا والتزامها بأفكار فرويد وبدايات مدرسة علم نفس الأنا من ناحية أخرى. لقد كان على بينيديك أن تجد طريقها بحرص بين تلك الأمور الشائكة. فمن حيث الشكل والنظرية التزمت بينيديك بالمنظور النظري الأرثوذوكسي التقليدي، لكنها على المستوى الأقل رسمية وعلى مستوى الـروح والميل، كانت تمثل القضية العلائقية التي تبرز بشكل متكرر في الروايات التي تنقل عنها والتي تعتبر علامة مميزة لكتاباتها النظرية. التقت بينيديك فرويد في عام ١٩٢٢، وفيما يلي نقتبس وصفها لذلك اللقاء الأول بينهما:
رأيت فرويد لأول مرة في عام ١٩٢٢ حين عقد المؤتمر في برلين. كان ذلك أول لقاء من نوعه أشارك فيه وآخر لقاء أحضره. بعد ذلك أجريت جراحة لفرويد. وقـد كـان صوته أجشًا للغاية، ومع ذلك عرض الفصل الأول من الأنا والهو. قدمني له أيتينجون على السلم قائلاً: “هذه هي تيريز بينيديك“. فقـال فرويد: “إنـك امرأة قصيرة للغايـة؟ لقـد تصورت أنك طويلة للغاية، وقوية للغاية“. ( Pollock 1973, 9)
حتى في بداية تاريخها المهني أضفت بينيديك بعضًا من سلطتها وتأثيرها على مجتمع التحليل النفسي. وكانت الروايات التي تحكي عنها تحمل عناصر ذات دلالة في كل أعمالها: ولاءها لفرويد، وصوت المرأة والعرض بدون تجميل.
عاشت بينيديك وعملت في ألمانيا لمدة ستة عشر عامًا، وقد أنجبت طفليها هناك في عامي ١٩٢٦ و ۱۹۲۹. ويمكننا القول بمعايير اليوم أن بينيديك حصلت على قليل من التدريب، ولكن لكونها أول محللة نفسية في لايبتزج، فقد كانت تقوم بإرشاد مجموع من طلاب الطب الذين كونوا جمعية بحوث التحليل النفسي، حيث كانت بينيديك تقود مجموعتهم الدراسية إضافة إلى تدريب العديد منهم على التحليل. لقد كان مكتبها مزدحمًا بالمرضى، وكانت تكتب في دوريات التحليل النفسي، وفيما بعد كان عليها أن تقسم وقتها ما بين لايبتزج وبرلين، حيث كانت تشرف على الراغبين في امتهان التحليل النفسي وتقوم بالتحليلات التكوينية. ومع اعتداء النازية على التحليل النفسي تعرضت بينيديك وزوجها غير اليهودي للملاحقة والتمييز، ومرة أخرى اضطرت إلى الهجرة بسبب الظروف السياسية.
عرض فرانز ألكسندر على بينيديك منصبًا في معهد شيكاغو للتحليل النفسي، الذي تأسس في عام ١٩٣٢ بهدف التكوين والبحث في مجال التحليل النفسي. كان ألكسندر هو الآخر مهاجرًا مجريًا، وكان أول طالب انخرط في نظام التكوين التحليلي الذي وضع في برلين. أخذت بينيديك مكان كارين هورني، التي تركت شيكاغو وانتقلت إلى نيويورك بعد أن أمضت هناك فترة عامين. وقد وصلت بينيديك إلى شيكاغو في مايو 1936 وبدأت خمس تحليلات تكوينية باللغة الانجليزية في أول يوم لها في العمل. كانت بينيديك تستقبل المرضى وتعلم وتشرف وتقوم بأعمال المجلس على المستويين المحلي والوطني، وظلت تكتب وتنشر على مدى الأربعين عامًا التالية، وكانت لا تزال نشطة مهنيًا حتى وفاتها في عام 1975.
حين وصلت بينيديك إلى معهد شيكاغو للتحليل النفسي انضمت إلى مجموعة من المحللين النفسيين المهتمين بالبحث، والذين بدءوا في دراسة الارتباطات الدينامية النفسية للأمراض الجسدية. كانت أبحاث بينيديك، التي أجرتها بالاشتراك مع طبيب متخصص في طب الغدد الصماء، تبحث في العلاقة بين علـم وظائف الأعضـاء (الفسيولوجيا) وعلم النفس. وقد وضع الاثنان معًا مشروعًا لتحديد علاقة الارتباط المفترض بين الحالة الفسيولوجية والوجدانية للنساء خلال الدورة الشهرية، وذلك بالرجوع إلى عينة صغيرة من خمس عشرة امرأة في التحليل النفسي. تضمنت بيانات البحث رصـدًا لمستوى الهرمونات التي تم تحديدها بواسطة تحليل عينات مهبلية وقراءة لدرجة حرارة الجسم إلى جانب الملاحظات التحليلية ذات الصلة. وكانت النتائج المعملية تحفظ منفصلة عن المادة النفسية، قبل أن يراجعها الباحثان معًا. وقد تمكنت بينيديك بالعودة إلى الملاحظات النفسية أن ترجح أي مرحلـة مـن دورتها الشهرية تمر بها المرأة، وكانت النتائج المعملية تثبت صحة ذلك الترجيح.
لقد عمل الباحثان على التعرف على علاقات الترابط بين نسب هرمونات الإستروجين والبروجسترون وبين الملاحظات الناجمة عن التحليل النفسي لمحتوى الأحلام والخيال والتداعي الحر وتمكنوا من تحديد تغيرات نفسية محددة تحدث في تزامن مع التغيرات الهرمونية خلال الدورة الشهرية. أثناء فترة الإستروجين السابقة على خروج البيضة من المبيض كانت الحالات الوجدانية للمبحوثات نشطة وموجهة للخارج وكانت في كثير من الأحوال مصاحبة برغبات جنسية غيرية قوية. في فترة خروج البيضة من المبيض رصد الباحثان انخفاضًا في مستوى التوتر الناجم عن تلك الحالات المتناقضة، وبعد انتهاء تلك المرحلة كانت المبحوثـات يـمـلـن إلـى السـلبية والتقبل، كما لو كن يحضرن أجسادهن للتلقيح واحتضان الجنين. ورغم حذر بينيديك من الإقرار بأن تلك الحالات الأساسية يمكن أن تعبر عن نفسها من خلال دفاعات لكبتها، وأن كليهما كان يحمل عناصر إيجابية إلى جانب العناصر السلبية، إلا أنها خلصت إلى أن تلك الحالات محددة بيولوجيًا بالأساس، ثـم يـأتي العامل النفسي فيستكملها. انسجم تفسير بينيديك لهذه النتائج مع نظرية البواعث الكلاسيكية التي تعرف ناتج الباعث الجنسي وعلاقات الموضوع الناضجة من خلال منظور جنسي غيري. لقد اعتقدت أن بحثها يؤكد تلك الفرضية التي طالما كانت محل تساؤل. اليوم، يبدو هذا التفسير شديد الالتصاق بالنظرية.
بغض النظر عن صحة استنتاجات بينيديك، من المؤكد أن أبحاثها ساهمت في تشكيل التحليل النفسي بشكل ما. فقد كشفت بينيديك، إضافة إلى دعمها لما وراء علم نفس البواعث، عن إمكانيات، وكذلك حدود، استخدام البحث في اختبار فرضيات التحليل النفسي، وأكدت على الصلة ما بين العقل والجسد من خلال محاولتها الربط بين البيولوجيا وعلم النفس. أهم ما في الأمر، حسبما كتبت بينيديك في عام ١٩٥٢، أن البحث ساعد في التغلب على إحـدى “عقبات” نظرية التحليل النفسي فيما يتعلق بالنساء، وهي العقبة التي
تعود إلى رؤية فرويـد بـأن الفروق الجنسية التشريحية تمثل بالنسبة للمرأة نقصًا بيولوجيًا مقارنة بالرجال؛ وأن علـم نفـس النسـاء يتمحـور بسـبب ذلـك حـول الشـعور بالدونية، وأن رغبة النساء في إنجاب الأطفال وممارسة الأمومة ما هي إلا سعي نحـو تعويض هذا النقص الفسيولوجي.(1952, Benedek)
استخدمت بينيديك نتائج بحثها في دراسة عدد كبير من الأفكـار حـول الخبـرة الإنسانية، كما سعت إلى بلورة “مفهوم موحد للجنسانية والشخصية” إضافة إلى مفهوم الباعث الجنسي الأكثر شيوعًا. لقد أضافت بينيديك إلى نظريات فرويد بتمييزها بين الأصول الغريزية للسلوك الجنسي وفسيولوجيا التكاثر، حيث يعبر الباعث الجنسي عن نفسه خلال فترة الإستروجين مـن خـلال رغبات ايجابية، موجهة للخـارج، تعزز العلاقات بالموضوع وتدعم السلوك الاستكشافي. أما في فترة البروجستيرون، التي تتميز بحالة استقبالية داخلية، فينشط الباعث الإنجابي ويولد مشاعر الأمومة التـي تسعى إلى تقديم الرعاية واحتضان الأطفال. تقول وتدعم أن هذا العمل يتمم أفكـار فرويد بشأن الدوافع الغريزية لارتقاء الشخصية: “يمكن أن نقول أن التحليل النفسي يدرس دور الوظيفة البيولوجية والنفسية للجنسانية غير الإنجابية في تنظيم مسار الشخصية نحـو نضـوج إنجـابـي (نفس–جنسي)، لكنـه لـم يبحث في وظيفة الجنسانية التكاثرية كعملية نفسية وبيولوجية” (1973, 409 Benedek). تلك كانت مساهمتها في بلورة نظرية البواعث.
وفي كثير من أعمالها التالية كانت بينيديك تشير إلى ذلك البحث، كما أنه كان بمثابة الأساس لأفكارها اللاحقة حول الوالدية والارتقاء النفسي للراشدين. كذلك مكنها ذلك البحـث مـن أن تصبح مرجعًـا فـي الجنسانية الأنثوية للجمهور المتخصص وغير المتخصص. لقد آمنت بينيديك أن بحثهـا ومـا أثاره من أفكار قد أجاب على بعض الأسئلة حول الأنوثة التي لم يتمكن فرويد من الإجابة عليها.
ففي مقاله حول “الأنوثة” يبدو فرويد وكأنه يطرح السؤال: لماذا يجب على المرأة أن تكون أنثوية؟ فقد كان أمر الذكورة واضحًا بالنسبة له. فالصفات التي تشكل الذكورة تعبر عن الارتقاء التعاقبي لـدور الرجـل النشط، الانبساطي والبيولوجي وعمليـة الإنجاب. لكن الأنوثة تبقى غامضة بالنسبة لفرويد، فلم يكن يفهم الطبيعة الانطوائية الداخلية لعقل المرأة التي تميز مرحلة ما بعد خروج البيضة من المبيض. لم يكن فرويد حقيقة يعتقد أن النساء يرغبن في إنجاب الأطفال. بل مثله مثل مثقفي القرن التاسع عشر، كان ما يقصده فرويد بالأنوثة يتضمن النشاط والانبساطية وسمات النساء الفاتنة، وكان يعتقد أن الوظيفة البيولوجية لتلك الصفات هي جذب الرجل، أما الأمومة ومشاعرها فلم يكن يعتبرها صفات “أنثوية” (1975, 2-3 Benedek).
لقد قدم بحث الدورة الجنسية الدليل على الوظائف الإنجابية والوالدية للشخصية باعتبارها ظاهرة محفزة بواسطة عوامل بيولوجية ونفسية معقدة، وأيضًا باعتبارها جوانب محفزة في عملية الارتقاء. وقد تأكدت بينيديك من ذلك الأمر حين تمكنت من التنبؤ بالمرحلة التبويضية من الدورة الجنسية للمرأة على أساس من قراءتها لما أسفرت عنه جلسات التحليل النفسي. تقول بينيديك في مقال غير مؤرخ حول “النساء في التحليل النفسي“:
إن دلالة إمكانية التنبؤ هـذه يكمـن فـي كونهـا تقـدم دليلاً للتحليل النفسي على وجود أنوثة نفسية أولية، مثلما هناك أنوثة أولية فسيولوجية، وأن الارتقاء النفس – جسدي للمرأة ليس مجرد رد فعل لكونها ليست ذكرًا، وإنما تولد النساء ليصبحن نساء، مثلما يولد الرجال ليصبحوا رجالاً. (ص۷)
وفي السبعينات عادت بينيديك إلى موضوع الارتقاء الأنثوي والجنسانية، متأثرة ولا شك بالحركة النسوية، وكتبت العديد من المقالات حول تلك الموضوعات. تقول بينيديك، في اشتباكها مع خطاب تيار الفكر النسوي:
رغم كل ما تتمتع به (الأدبيات النسوية) من سعة المعرفة والحنكة، إلا أنها تحمل في طياتها موقفًا دفاعيًا. حيث يتم التعبير عما هو أنثوي بيولوجي بالأساس بشعور يفترض في النسـاء الناضجات تمامًـا أن يتغلـبـن عليـه “بكامـل وعيهن“. إن ذلك يبدو لي دفاعيـًا فـي مواجهة “الـدور الأنثوي“، لقد سأل فرويد، “ماذا تريد النساء؟” أعتقد أنهن لا يرغبن في شيء أكثر من ألاّ يشعرن بالخجل لكونهن نساء. (1976, 130 Benedek)
لقد طرحت بينيديك تصورًا للأنوثة الأولية ينبع من المسار النفس– جنسي للارتقاء كما وصفه فرويد، وكنتيجة للباعث الإنجابي الذي يفسر الاستعداد النفسي والبيولوجي للوالدية.
اتخذت أبحاث ونظريات بينيديك اللاحقة اتجاهين. أولاً، لقد أكدت وأضافت إلى نظرية فرويد حول الغريزة. كما أمدتها، ثانيًا، بالأساس الذي سمح لها بالاشتباك مع أفكار فرويد حول النساء. ومرة أخرى تكشـف بينيديك عن النوعين الأرثوذكسي والليبرالي في أفكارها. لقد ظلت بينيديك حازمة في التزامها بالمنظور النفس–بيولوجي في التحليل النفسي، حيث البيولوجيا هي حجر الأساس للقوى والسلوك النفسيين. وقد انحازت بينيديك بوضوح إلى موقف فرويد في هذا الصدد، حيث أنها كانت تؤمن أن البيولوجيا ضلت طريقها في هيكل النظرية حين كان فرويد يبلور أفكاره، وظلت على ذلك الحال حتى بدأت الأبحاث النفس–جسدية في معهد شيكاغو. في عام 1949 كتبت بينيديك رسالة جاء فيها: “في هذا الصدد كان بحث الدورة الجنسية للأنثى يجمع بين أفكار فرويد عن التداخل الوثيق بين نظرية الليبيدو وفسيولوجيا الهرمونات” (مقابلة خاصة، ١٩٤٩). لقد طرحت بينيديك وجود باعث إنجابي يفسر التفاعل بين البواعث والهرمونات، وبين علم النفس والبيولوجيا. لقد سمحت لها هذه الفكرة أن تبقى في إطار ما وراء علم النفس الفرويدي، وفي نفس الوقت منحهـا سبيلاً للتنظيـر حـول الارتقاء الأنثوي كمسار ذي خط ارتقائي وهدف نفسي وبيولوجي خاص به.
فهمت بينيديك أفكـار فرويد حول النساء في سياقها التاريخي، كمـا أدركت أن نظريتـه بـهـا بعـض الفجوات التي لا تفسر أسلوبه الأكثر حساسية في التعامل مع زميلاته ومريضاته من النساء. كما أنها وجدت في كتاباته إشارات إلى الدور الهام الذي تلعبه الخبرة الأمومية المبكرة. تقول:
لا أعتقد أن فرويد كان كارهًا للنساء. فقد كبر في أسرة أبوية حيث الطاعة للأب والحب للأم. لقد كان يقدر تلميذاته وكـان يشعر بالتعاطف مع مريضاته. الرجـال آمنـون فـي المجتمع الأبوي. إذا لم تكن العدوانية تجاه النساء والخوف منهن وراء غياب الوضوح في فهم فرويد للغز النساء، ماذا إذا؟ قد أجيب: إنه التنظيم الاجتماعي الأبوي لفيينا القرن التاسع عشر، الذي بدا متماسكًا فـي نسيجه، غير قابـل للاختراق. لكن يبدو أن فرويد، بمـا أوتـي مـن بصيرة عبقرية، شعر أن البندول على وشك أن يتأرجح، فنجده في مقاله عن “الحداد والكآبة” (۱۹۱۷) يطرح تصورًا لارتقاء الأنا ينبع من تجسد الطفل لأمه وتماهيه معها. ( Benedek 1976a, 119)
إن تمـاهي الطـفـل مـع أمـه واستجابتها لذلك وتماهيهـا هـي بدورها مـن بـين الموضوعات التي أثارت اهتمامًا خاصًا لدي بينيديك. بل إن أكثر أعمالها النظرية إبداعًا وعمقًا حول الوالدية والارتقاء خلال العمر قد تأسست على ذلك الاهتمام. والكثير من المفاهيم الأساسية التي نوقشت في “الوالديـة كمرحلة في الارتقاء” (1959 Benedek ) تعكس أفكارًا كانت مطروحة في كتاباتها منذ البداية. مثلها مثل وينيكوت Winnicott، بدأت بينيديك تدريبها كطبيبة أطفال، وقد أدت تلك المعايشة المبكرة للمشكلات الشائعة بين الأم والطفل الرضيع، إلى زيادة حساسية بينيديك بشأن الصعوبات المعتادة في ممارسة الوالديـة. وبدأت بينيديك في بلورة أفكارهـا حـول التبادلية في العلاقة بين الوالد والطفل في فترة مبكرة من مسارها في التحليل النفسي، وهو ما يتضح من مقالها المعنون “التكيف مع الواقع في الطفولة المبكرة” الذي كتبته في ألمانيا في عام ١٩٣٥، رغم أنه لم ينشر سوى لاحقًا ( 1935 Benedek ). هنا تقارن بينيديك بين ما لاحظته في أطفالها والأطفال الذين يعيشون في المؤسسات، وتخلص إلى إبراز ذلك “التوقع الآمن” الذي يستشعره الأطفال القادرون على التجاوب مع استجابة الأم لـهـم وهـم ينتظرون الإشباع، الذي يثقون في أنه آت. حيث أن هؤلاء الأطفال استبطنوا موضوعًا مشبعًا لاحتياجاتهم، فقد أصبحوا قادرين علـى طلـب المساعدة من الأم وكلهم ثقة في أنها سوف تستجيب. من خلال إبرازها لعملية اللجوء للوالد هذه، تطرح بينيديك مسألة التبادلية بين الوالد والطفل، الأمر الذي سوف تشرحه تفصيلاً فيما بعد. في مناقشة لاحقة لهذا المقال تعلق بينيديك على التشابه بين طرحها حول الثقة (confidence ) وطرح إريكسون Erikson بشأن الائتمان (trust). تقول:
لقد اخترت كلمة “ثقة” لأن هذه الكلمة بالنسبة لي تعنـي التبادل، والتشارك. أما إريكسون فقد اختار كلمة “الائتمان” لأنها تعني “الاعتماد التام” على الشخص المؤتمن. بعد أن تأملت هذا الجدال اللغوي البسيط أصبحت الأمور فجأة واضحة أمامي. فبالعودة إلـى ورقـة إريكسـون حـول خصائص النساء اتضح لي أن الرجل أقرب إلى استخدام كلمة “ائتمان” بما تحمله من اعتماد على الذات، والشعور بالثقة لأنه محل ائتمان. أما “الثقة” فهي كلمة النساء – إنها كلمة تشير دائمًا إلى وجود شخص آخر يتقاسم تلك الثقة. (Benedek 1935, 126-127)
من الواضح أن بينيديك تأثرت بأفكار فيرينشي ( 2001 May) رغم أنها قلما أشارت إليها بشكل واضح، وقد يكون ذلك بسبب كونه شخصًا غير مرحب به في دوائر التحليل النفسي الكلاسيكي، أو لأنها اعتادت أن تحتفظ بصمتها إزاء تلك الأمور. لقد ركزت أعمال فيرينشي على دور الطرح المضاد، وشخصية المحلل، وإعادة تكوين الصدمة أثناء العملية التحليلية، وفوائد النكوص العميق والتأثير العاطفي للتعلم التجريبي في داخل التحليل النفسي. كما أنه قد كتب عن مسارات الارتقاء، وأهمية التجربة الفعلية وبنية الشخصية وارتقاء الأنا. لقد أرست أفكاره قواعد التحول إلى علم نفس الشخصين (1993 Aron & Harris). إن الكثير من الموضوعات التي تناولها فيرينشي في التحليل النفسي كانت همومًا محورية في تناول بينيديك. وكما حاولت أن أوضح، كانت بينيديك دائمًا تصف العلاقات من خلال “جدلية عاطفية” ( Benedek 1973, 233) ) من التأثير والمشاركة والتفاعل المتبادل. إنهـا تفعل ذلك بشكل رائع في كتاباتها عن الوالدية.
إن مقال بينيديك الرائع حول “الوالدية كمرحلة في الارتقاء” (1959 Benedek) لا يطرح تفسيرًا تحليليًـا مفحمًا لطبيعة التفاعل بين الوالد والطفل وتأثير خبرة الوالدية على الوالد فحسب، بل يرسي أيضًا أسس دراسة ارتقاء الراشدين على مدى العمر. وقد نشر هذا المقال في عام 1959، في ذات المجلد من جريدة الجمعية الأمريكية للتحليل النفسي حيث نشر مقال رائد آخر من شيكاغو، كتبه كوهوت (1959 Kohut) عن “الاستبطان، والتعاطف، والتحليل النفسي“. حين نشرت تلك المقالات كانت تلك أفكارًا راديكالية متحدية الموقف المحافظ للتحليل النفسي من خلال طرح احتماليـة ارتقاء نفسي يستمر فيما بعد الطفولة والمراهقة. وقد ساهمت بينيديك بطرح أكثر راديكالية في ذلك المقال حين رأت أن تلك السمة التبادلية لتفاعل الوالد والطفل هي التي تحمل الدافع لتلك الخبرة الارتقائية. وقد شرحت ذلك بلغة البواعث المعقدة التي تستخدم مفاهيم ما وراء علم النفس، بحيث حجبت النتائج المترتبة على مركزية الخبرة العلائقية في نظريتها. الغريب أن تركيزها في أعمالها على المشاركة والتأثير المتبادل للتفاعل لم يلق الانتباه الكافي بل وتم تجاهله، ومع ذلك فقد كان ذلك الموضوع عنصرًا ثابتًا في كتاباتها منذ البداية.
تقول بينيديك إن هدفها في “الوالدية كمرحلة في الارتقاء” كان “توضيح أن ارتقاء الشخصية يستمر إلى ما بعد المراهقة تحت تأثير الفسيولوجيا الإنجابية، وأن الوالدية تستخدم نفس العمليات الأولية التي تؤثر منذ الطفولة المبكرة على الارتقاء العقلي والارتقاء” (1959, 379 Benedek ). وتستخدم بينيديك جزءًا كبيرًا من المقال لشرح كيفية حدوث ذلك، مستخدمة لغة نظرية مجردة. في أثناء ما تعرى الأم طفلها، تعيش هي ذاتها من جديد “متعة وآلام الطفولة” من خلال ما تبقى لديها من ذكريات مستدمجة عن كيفية إطعامها ورعايتها واحتضانها هي ذاتها حين كانت طفلة.
إن شعور الأم بـالتقمص العـاطفي نحـو طفلهـا ينبـع من (ذكريات) خبرات طفولتها المبكرة التي تتحرك من جديد بسبب مشاعر الأمومة الحالية… حيث أن وظيفة الأمومة تتضمن تكرارًا وتعاملاً مع الصراعات الفمية الأولية مع والدة الأم ذاتها، فإن الممارسة الصحيحة للأمومة الطبيعية تسمح بحـل تلك الصـراعات، أي تسمح “بالمصالحة” الضـمن–نفسية مع الأم. بالتـالي تيسر الأمومة الارتقاء – النفس جنسي نحو الاكتمال. (ص ٣٨٥)
هذا الأمر لا يقتصر على المرحلة الفمية، بل إن كل مرحلة في الارتقاء تنعش تلك الأمور بالنسبة للأم والأب. وتلخص بينيديك ذلك فتقول: “في كل ‘مرحلة حرجة’ ينعش الطفل في الوالدين صراعات ارتقائهما ذات الصلة. إن ذلك يولد إما علامات مرضية في الوالد/ة، أو قد يؤدي حل الصراع إلى مستوى جديد من التكامل في الوالد/ة“. (ص٣٨٥)
تلك هي الفكرة التي ميزت مقال “الوالدية كمرحلة ارتقاء“: كون الطفل يثير من جدید صراعات الارتقاء التي مر بها الوالد/ة مما يسمح بإعادة التعامل معها، وفي حال توفرت الظروف الملائمة، مما يؤدي إلى مزيد من التكامل النفسي لدى الوالد/ة. هذه الفكرة هي بمثابة حجر الأساس لكل ما تلاها من تنظير حول مسألة الوالدية. (انظر/ي على سبيل المثال: Anthony & Benedek 1970, Parens 1975, Cohen, Cohler and Weissman 1984, Anthony & Pollok 1985 ). كذلك فإن هذه الفكرة تضع الأساس النظري للتنظير بشأن التغيرات النفسية أثناء الرشد والارتقاء خلال فترة العمر. هناك منظِّران آخران تناولا أيضًا موضوعات شبيهة، لكن أحدًا منهما لـم يـولِّ الاهتمام ذاته لطرفي الثنائية مثلما فعلت بينيديك. فعلى سبيل المثال، نشر وينيكوت مقاله “نظرية العلاقة بين الطفل والوالد/ة” بعد ذلك بعام في 1960. رغم أنه يشير إلى أن نصـف النظرية يتعلق “بالخصائص والتغيرات التي تحدث في الأم التي تلبي الاحتياجـات المحددة والارتقائية للطفل الذي تهتم بـه” (1960, 589 Winnicott)، إلا أنه يركز فقط على ما تقدمه الأم لطفلها دون التعرض لما يطرأ نفسيًا على الأم. حتى لو ساندر (Lou Sander 1962) التي تكتب من منظور نسقي، تركز اهتمامها في الواقع على خبرة الارتقاء لدى الطفل دونًا عن الوالد/ة. أما بيبرينج وزملاؤه (1961 Bibring et al)، الذين بحثوا في التغيرات الهائلة التي تحدث للنساء أثناء الحمل باعتبارها أزمة ارتقائية، فلم يذهبوا أبدًا إلى ما هو أبعد من الظواهر التي تثيرها خبرة الحمل. إن إحدى مساهمات بينيديك المتفردة هي في كونها بحثت في التأثير المستمر لخبرة الوالدية على كافة الأطراف.
ومع ذلك، هناك جانب آخر في هذا المقال يجعله أكثر راديكالية من الناحية النظرية وهو تركيزها الثابت والدائم على الطبيعة التبادلية للتفاعل بين الوالد/ة والطفل/ة. وفي هذا الصدد تطرح بينيديك بالأساس نموذجًا علائقيًا للخبرة الارتقائية. حيث أن تفسيرها مثقل بالتزامها تجاه نظرية ما وراء علم نفس البواعث، فإنها تعزي الكثير من التغيير الذي يحدث لتأثير الباعث الإنجابي. لكنها تطرح أيضًا أن التعامل بين الوالد والطفل يحفز العملية الارتقائية، وتصـف تلك العمليـة بـأنـهـا “تواصـل ديناميكي بـين الأم والطفل/ة” (ص۳۸۲). إذ تشبع الأم احتياجات طفلها الفمية، يكتسب الطفل/ة ذكريات عن الأم– اللطيفة –المشبعة، ويساوي بينها وبين الذات – اللطيفة – المشبعة، مما يؤدي إلى بلورة تكوين ذهني عن الثقة. أما الأم – المؤلمة – السيئة التي لا تشبع رغبات الطفل/ة فتصبح مرادفة للذات–المؤلمة–غير اللطيفة وتؤدي في النهاية إلى تكوين ذهني تطلق عليه بينيديك اسم الجوهر المتأرجح.
الأمر نفسه يحدث بشكل متوازٍ مع الأم. حيث أن رضاها عن كونها استجابت لاحتياجات الطفل يساعدها على بناء الثقة في قدراتها على ممارسة الأمومة، وإحباطها حين تعجز عن ذلك يصب في الجوهر المتأرجح: “بالتوازي مع الخبرات التي أدت إلى بناء الثقة في الطفل، كذلك الحال مع الأم، إذ تكتسب ثقة في قدرتها على ممارسة الأمومة من خلال استدماج خبرة الأمومة المشبعة” (ص ٣٨٢). وتصف بينيديك ذلك “الحلزون من العمليات بين الشخصية” بأنه “تكافل عاطفي” “يصف تفاعلاً متبادلاً بين الأم و الطفل/ة ويؤدي من خلال عمليات الاستدماج والتماهي إلى تغيير بنيوي في الطرفين” (ص٣٨١). وفي الهامش تضيف بينيديك إن مثل هذه العملية تحدث في أية علاقة ذات معنى بين شخصين. مرارًا وتكرارًا تستخدم بينيديك مصطلحات التبادل والتشارك والتعامل والتفاعل في وصف تأثير الخبرة العلائقية على كل طرف، وفي تعليقها لاحقًا على هذا المقال تكتب بينيديك قائلة:
ما زال ما وراء علم نفس التفاعل بين الوالد والطفل/ة يحتاج إلى مزيد من البحث، بحيث يؤخذ في الاعتبار التأثير المتبادل في العملية الارتقائية للطفل/ة وأثره على التغيرات التكيفية في الوالد/ة. ولا يجوز تجاهل ذلك بسهولة على أسـاس أنه لا يندرج في التحليل النفسي حيث أنـه لـيس “ضمن نفسي” وإنما “بين شخصي“. فالحياة ومعايشة الحياة ما هي إلا عملية “بين شخصية“. (1959, 378 Benedek)
حيث إن تاريخ بينيديك المهني امتد من البدايات الرائدة لحركة التحليل النفسي إلى استقراره المنظم كعلم ومهنة، فقد كان لمساهماتها دور في بلورة بعض التغيرات والتطور الذي طرأ على نظرية التحليل النفسي. إن مقالهـا “الوالدية كمرحلة ارتقاء” يمكن أن يقرأ كإنجاز تمثيلي مستمد من اهتماماتها العملية والنظرية الخاصة ويقدم ملخصًا قويًا لموقفها. كما يمكن أن يقرأ كمقال انتقالي يجسد بعض السمات التاريخية للتحليل النفسي كمؤسسة في طور التكوين ويتناول بعض أوجه الخلاف النظري من داخل التحليل النفسي. إن “الوالديـة كمرحلة ارتقاء” يطرح بوضوح تفسيرًا نظريًا لأهمية إدماج الخبرات العلائقية في نظرية البواعث. مع ذلك يمكن للمقال أيضًا أن يقرأ من حيث كونه يشير إلى الحاجة والاستعداد لتحول نظري فيما يخص الدور التحفيزي الجوهري للخبرة والعلاقات في نظرية التحليل النفسي.
لقد بدأت هذه الورقة برواية طريفة عن تيريز بينيديك في نهاية تاريخها المهني. وسوف أختم برواية عن حدث في بداية تاريخها المهني، يلخص التزامها بعنصر العلائقية في العلاقة العلاجية. لقد روت جوان فليمنج هذا الرواية في تأبينها الذي كتبته بعد وفاة بينيديك:
هذه الرواية التي تعود إلى أيامهـا فـي معهـد بـرلين هي نموذج لإيمانهـا بالمستجيبية العلاجيـة لمجمـل شخصية المعالج. لقد وضعت تيريز محل مساءلة بواسطة أيتينجون الذي قال لها أنها موضع انتقاد كونها تقول “مرحبًا” و“إلى اللقاء” وتصافح مرضاها. فأجابت: “لو أنني لم أفعل ذلك فإنني لا أكـون نفسـي، ولـن يـكـون ذلـك جيدًا بالنسبة لمرضـاي.” ولم يزد أيتينجون على ذلك شيئًا. ( Fleming 1978, 290)
*Erika Schmidt, “Therese Benedek: Shaping Psychoanalysis from Within”, The Annual of Psychoanalysis: Psychoanalysis and Women, ed. Jerome A Winer, James William Anderson, and Christine C. Kieffer, Vol. XXXII, 217-231.
**أوراق تيريز بينيديك محفوظة في أرشيف معهد شيكاغو للتحليل النفسي. في تعريفي لها أشرت إليها “كأوراق” في المراجع، يلي ذلك عنوان الملف الذي يتضمن الورقة. أتوجه بالشكر لأسرة بينيديك لسماحهم لي بأن أقتبس من أقوالهم. الشكر أيضًا لتيمبي كابريو وشيري واندلر لترجمتهما الوافية للمادة الألمانية. الكثير من مقالات بينيديك المنشورة مجمعة في مجلد بعنوان تحقيقات في التحليل النفسي، وقد كتبت مقدمة لكل مقال تشرح فيها السياق الذي كتبت فيه المقال، كما كتبت خاتمة للجزء الأكبر من المقالات تطرح فيها رؤيتها بأثر رجعي. لهذا السبب فقد اقتبست من طبعة 1935 من أوراق “التكيف مع الواقع” وطبعة 1959 من أوراق “الوالدية“، رغم أن كليهما نشرا في الأصل في مكان آخر.
Anthony, E.J. & Benedek, T. ed. (1970). Parenthood: Its Psychology and Psychopathology. Boston, MA: Little, Brown
….. & ….., eds. (1975). Depression and Human Existence. Boston, MA: Little Brown
… & Pollock, G.H., eds. (1985). Parental Influences. Health and Disease. Boston, MA: Little Brown.
Aron, L. & Harris A, A., eds. (1993). The Legacy of Sandor Ferenczi. Hillsdale, NJ: The Analytic Press.
Benedek, T. (1935). Adaptation to Reality in Early Infancy. Psychoanalytic Investigations: Selected Papers, 113-128, New York: Quadrangle, 1973.
…..(1946). Insight and Personality Adjustment: A Study of the Psychological Effects of War. New York: Ronald Press.
….. (1952). Psychosexual Functions in Women. New York: Ronald Press.
…..(1956). Letter to Charles Feldstein. Benedek Papers, Institute for Psychoanalysis, Chicago, IL.
….(1959). Parenthood as a Developmental Phase: A Contribution to Libido Theory. Psychoanalytic Investigations: Selected Papers, 377-407. New York: Quadrangle, 1973.
….. (1964). Developments from Three Decades of Psychoanalytic Practice. Benedek Papers, Institute for Psychoanalysis, Chicago, IL.
….. (1966). Interview on History of Chicago Psychoanalytic Society. Benecdek Papers, Institute for Psychoanalysis, Chicago, IL.
…. (1973). Psychoanalytic Investigations: Selected Papers. New York. Quadrangle.
…. (1975).Memo to Helen and Glenn. Benedek Papers, Institute for Psychoanalysis, Chicago, IL.
…… (1976). On the Psychobiology of Gender Identity. The Annual of Psychoanalysis, 4: 117-162. New York: International Universities Press.
….. (n.d.a). Introduction to Syllabus for Maturity and Senescence. Benedek Papers, Institute for Psychoanalysis. Chicago, IL.
Benedek, T. (n.d.b). Women in Psychoanalysis: Presentation to Trustees. Benedek Papers, Institute for Psychoanalysis, Chicago, IL.
….. & Fleming. J. (1966). Psychoanalytic Supervision: A Method of Clinical Teaching. New York: Grune & Stratton.
Benedek, T.G. (1979). A Psychoanalytic Career Begins: Therese F. Benedek, M.D. -A documentary biography. The Annual of Psychoanalysis, 7:3-15. New York: International Universities Press.
Bibring, G., Dwyer, T., Huntington, D. & Valenstein, A. (1961). A Study of the Psychological Processes in Pregnancy and of the Earliest Mother-Child Relationship, I. Some Propositions and Comments. The Psychoanalytic Study of the Child, 16:9-24. New York: International Universities Press.
Cohen, R.S., Cohler, B.J. & Weissman, S.H. (1984). Parenthood: A Psychodynamic Perspective. New York: Guilford Press.
Coppolillo, C. (2001). Therese Friedmann Benedek. Women Building Chicago 1770-1990: A Biographical Dictionary, ed. R.L. Schultz & A. Hast. Bloomington: Indiana University Press, 73-75.
Coser, L.A. (1984). European Psychoanalysts in America: the Promised Land. Refugee Scholars in America. New Haven, Ct: Yale University Press, 42-54.
Fleming. J. 91978). Therese Benedek, M.D. 1892- 1977. Psychoanal. Quart., 67:289-292.
Freud, S. (1917). Mourning and melancholia. Standard Edition, 14: 237-258. London, Hogarth Press, 1957.
…… (1923). The Ego and the Id. Standard Edition, 19: 3-66. London: Hogarth Press, 1961.
…..(1933). Sandor Ferenczi. Standard Edition, 22:227-229. London: Hogarth Press, 1964.
Kohut, H. (1959). Introspection, Empathy and Psychoanalysis. J. Amer. Psychoanal. Assn., 7: 459-483.
May, U. (2000). Therese Benedek (1892-1977); Freudsche Psychoanalyse im Leupzig der zwanziger Jahre [Therese Benedek (1892-1977): Freudian Psychoanalysis in Leipzig in the 1920s]. Mit oder ohne Freud: Zur Geschichte der Psychoanalyse in Ostdeutschland [with or without Freud: Toward a History of Psychoanalysis in East Germany], ed. H. Bernhardt & R. Lockot. Giesen: Psychosozial-Verlag, 51-91.
…..(2001). The Mute Presence of Ferenczi and the Budapest Group in American Ego Psychology. Presented at meeting of International Psychoanalytical Congress, July, Nice, France.
Parens, H. (1975). Parenthood as a Developmental Phase. J. Amer. Psychoanal. Assn., 23:154-165.
Pollock, G.H. (1973). Foreword. Psychoanalytic Investigations: Selected Papers, T. Benedek. New York: Quadrangle, 5-10.
Rudnytsky, P.L. (2002). Reading Psychoanalysis. Ithaca, NY: Cornell University Press.
Sander, L. (1962). Issues in Early Mother-Child Interaction. J. of the Amer. Academy of Child Psychiat., 1:44-66.
Schmidt, E. (2000). Therese Benedek M.D. (1892-1977). Parenthood in America: An Encyclopedia, Vol. 1, ed. L. Balter. Santa Barbara, CA: ABC-CLIO, pp. 90 -93.
Weidemann, D. (1988). Leben und Werk von Therese Benedek 1892-1977: Weibliche Sexualitaet und Psychologie des Weiblichen [Life and Work of Therese Benedek 1892-1977: Female sexuality and psychology of women]. Frankfurt: Peter Lang.
Winnicott, D.W. (1960). The Theory of the Parent-Infant Relationship. Internat. J. Psycho-Anal., 41:585-595.