جنوب آسيا منتصف القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين
ترجمة:
بقلم:
المنهجيات والمنظومات والمصادر
لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع
جنوب آسيا
منتصف القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن العشرين
يحمل تاريخ النساء المسلمات في جنوب آسيا من القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين مشكلات تخص كلا من المصادر والتأويل. في جنوب آسيا، كما هو الحال في أماكن أخرى، كانت تلك فترة من التغير السياسي والاجتماعي السريع. فمع انهيار الإمبراطورية المغولية وصعود الإمبراطورية البريطانية تأثر مصير المسلمين والمسلمات في ذلك الجزء من العالم بوجه خاص بتغير النظام وشعور المسلمين بفقدان السلطة ومن ثم كان الانهيار حادًا. قامت الإدارة البريطانية بترسيخ سلطتها وشعورها بدورها الحضاري بواسطة أيديولوجيا انتقدت الحكام المسلمين السابقين على أساس أنهم مستبدون. كما أضاف المبشرون المسيحيون رسالة أخرى موجهة إلى كل من الهندوس والمسلمين في الهند تقول بأن معاملتهم للنساء كانت غير إنسانية (T. R. Metcalf 1994, Forbes 1996) .
لذلك، ولأسباب ذات صلة قوية بالاحترام الثقافي للنفس، مالت التفسيرات الهندية للماضي السابق على الاستعمار إلى إضفاء صبغة رومانسية وتعظيم ذلك الماضي على اعتبار أنه العصر الذهبي، حين كان الملوك رغم جبروتهم عادلين، وكانت النساء رغم احتجابهن متعلمات ومتمتعات بقدر من السلطة داخل المنزل. في نفس الوقت كان من الواضح للمثقفين والمصلحين المسلمين الهنود أن خطأ ما قد حدث، وإلا لما كان المغول والدول الإسلامية التالية لهم فقدت سلطتها وخضعت للبريطانيين، ولما كان المجتمع الإسلامي – ومعه النساء – شهد تلك الأيام العصيبة. وعلينا أن نقرأ التاريخ الاستعماري ورد فعل الهنود له بكثير من الحذر، لأن النساء في تلك الخطابات ترمزن إما للأخطاء المرتبطة بالحضارة الهندية والهندية المسلمة أو إلى ما يجب الدفاع عنه والحفاظ عليه (B. D. Metcalf 1994, Minault 1998a).ومن داخل هذا الجدل الأيديولوجي برز كم هائل من الأدبيات التي تناولت الإصلاح الديني والاجتماعي الذي أدى في النهاية إلى حركات سياسية مناهضة للاستعمار. وقد كانت النساء موضوعًا لذلك الجدل والحركات، كما كن أيضًا فاعلات في حد ذاتهن. إن فهم تاريخ النساء الحقيقيات في وسط الاشتباك الخطابي للأيديولوجيات الاستعمارية والمناهضة للاستعمار هو بالضرورة أمر إشكالي.
ركز البحث الحديث في تاريخ النساء المسلمات في جنوب آسيا على الفترات الاستعمارية والقومية في القرن التاسع عشر والقرن العشرين وهو ما سوف نتناوله فيما بعد. إن كشف تاريخ النساء المسلمات في فترة ما قبل الاستعمار هو أمر أكثر صعوبة، ذلك أنه يواجه الباحث والباحثة بندرة المصادر فيما يخص الجميع باستثناء الفلة المتعلمة. كذلك، فإن الحياة الخاصة أو المنزلية للأسر الهندية المسلمة، سواء من الأمراء أو الإداريين أو الطبقة الحاكمة أو الكهنة، نادرًا ما تظهر في الكتابات التاريخية التي كتبت بواسطة المؤرخين المسلمين أو المراقبين الأوروبيين، وبالتالي فإن حتى النساء المتعلمات نادرًا ما يظهرن فيها. ومع ذلك، وكما طرحت ليزلي بيرس فيما يخص الإمبراطورية العثمانية، فإن المرء لا يستطيع أن يفترض أن السلطة العامة كانت هي وحدها ذات الشأن، ذلك أن النساء كن يمارسن السلطة على السلوك الذكوري في المجال الخاص ومن ثم أثرن على المجال العام أيضًا (Peirce 1998 1993, Kozlowski 1998).لذلك يجب أن نكون دائمًا على وعي بالتأثير المتبادل والتداخل بين المجالين العام والخاص لكي نستطيع تقييم أدوار النساء في المجتمع الهندي المسلم. من ناحية أخرى، يجب علينا أن نتعامل مع المواقف من “سياسات الحريم” سواء من قبل المعلقين الأوروبيين أو الإصلاحيين الاجتماعيين والدينيين المسلمين، والتي تبالغ في الجوانب السلبية ولا ترى في الحرملك سوى تأثيره الضار والمضعف.
لقد علق الرحالة والتجار والمبشرون الأوروبيون على النساء اللآتي رأوهن في شوارع وأسواق الهند، ولكن أيضًا على حقيقة أنهن كن يضطرون أحيانًا إلى إدارة أعمالهن في الموانئ والمناطق الريفية، حيث كان لنساء النخبة أعمال ومصادر دخل.
وتشير تعليقات موظفي شركة الهند الشرقية حول الالتواء في سياسات الحريم، رغم سلبيتها، إلى أن النساء في أسر الأمراء وكبار الموظفين كان لهن نفوذ سياسي واقتصادي. كذلك تتضمن سجلات شركة الهند الشرقية البريطانية، وهي جزء من الأرشيف الهندي المحفوظ حاليًا في المكتبة البريطانية في لندن، كمًا هائلاً من المراجع حول المعاملات البريطانية مع السلطات الهندية، خاصة بعد منتصف القرن الثامن عشر. كذلك تضم المكتبة ذاتها مجموعة كبيرة من الوثائق الأوروبية والأوراق الخاصة لموظفين كبار وصغار تحمل معلومات كثيرة وإن كانت غير مدروسة بعد. كذلك هناك مجموعات خاصة أخرى من الأوراق يمكن أن نجدها في جامعتي أكسفورد وكمبريدج وفي مكتبات جامعية أخرى بطول المملكة البريطانية وعرضها، وفي مكتب السجلات الاسكتلندية في إدنبره. كذلك يضم الأرشيف الوطني للهند في نيودلهي وأرشيف الدولة في لكناو وكلكتا وحيدر اباد توثيقًا وافيًا للسنوات الأولى من العلاقات البريطانية الهندية. كذلك فإن أرشيف شركة الهند الشرقية الهولندية في لاهاي يحوي توثيقًا يخص التجارة الهولندية في منطقة المحيط الهندي. فقد تركزت التجارة الهولندية فيما يعرف الآن بإندونيسيا لكن الهولنديين كانت لهم أيضًا موانئ في الهند فتحت لهم طريقًا إلى المجتمع الهندي.
مع الاستقرار التدريجي للحكم البريطاني في الهند أواخر القرن الثامن عشر، ومع تحول شركة الهند الشرقية تدريجيًا من التجارة إلى الحكومة، بدأ الموظفون البريطانيون يلحظون بشكل متزايد الظلم الهندي الواقع على النساء. وأصبحت أمور مثل عادة “ساتي“، وهي حرق الأرامل الهندوسيات بنار جنازة أزواجهن، والاحتجاب وتعدد الزوجات أمورًا ذات أهمية. وقد تردد البريطانيون في إلغاء العادات المدعومة دينيًا، لكنهم استثنوا من ذلك عادة الساتي في عام ۱۸۲۹م، وذلك بعد الدعوة البليغة لإلغائها من قبل المصلح البنغالي رام موهان روي. ومن ثم أصبح ضعف النساء الهنديات وحمايتهن في مواجهة تلك العادات جزءًا من الأيديولوجيا الإمبراطورية البريطانية. فأصبحت هي المهمة الحضارية التي تقدم التبرير لتوسع واستمرار الحكم البريطاني (Mani 1998, T. R. Metcalf 1994).
وسوف نلحظ إشارات أقل في تاريخ الاستعمار البريطاني للحالات التي كانت فيها النساء يدرن أمور السلطة بشكل جيد، وإن كن في النهاية يخسرن في مواجهة الحكام الأجانب ومعهم نظرائهن من الرجال. لقد جاء اتهام وارين هيستينغز، أول حاكم عام للهند البريطانية، إلى حد كبير بسبب معاملاته مع أسرة بيغام في أواض، الذين اتهم بتبديد ممتلكاتها في سبعينات القرن الثامن عشر. لقد كانت نساء البيغام هن القوة وراء عرش “النواب” في أواض، وهي مملكة احتفظت باستقلال غير مستقر عن البريطانيين حتى عام ١٨٥٦م. ورغم براءة هيستينغز في النهاية إلا أن سياسته تجاه البيغام في أواض توضح أن النساء كان لهن دور في صراعات القوى في الهند في القرن الثامن عشر حين أراد البريطانيون أن يرسخوا حكمهم (Barnett 1998, Fisher 1998).وفيما بعد، كانت واحدة من قيادات تمرد ١٨٥٧م الذي هز أركان الحكم البريطاني في الهند هي أميرة جانسي التي كانت تقود قواتها في المعارك. وقد تعرضت هذه الأميرة الهندوسية للهزيمة، لكنها أصبحت رمزًا للمقاومة الهندية لمن جاء بعدها من القوميين (Lebra- Chapman 1986) .
كان النجاح حليفا لأربعة أجيال من البيغام في حكم ولاية هندية مركزية صغيرة اسمها بوبال في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وحيث كانت نساء أسرة بيغام المسلمة هن ذاتهن متعلمات، فقد قمن برعاية تعليم الفتيات المسلمات في جميع أرجاء الهند. لقد ترك البيغام في بوبال يوميات وتقارير رحلات وخطبًا وكتابات أخرى إضافة إلى وثائق رسمية كانت في الفترة الأخيرة موضوعًا للبحث والدراسة (Minault 1998a, Prekel 2000, Lambert- Hurley 1998).وقد كان “أمراء” البيغام أعضاء في طبقة هندية حاكمة وصفت بأنها الكلب المدلل للبريطانيين. مع ذلك فإن بيغام بوبال كسروا تلك الصورة النمطية للأمراء بأكثر من طريقة، ليس فقط كنساء وإنما أيضًا من خلال مقاومتهم الحاذقة للهيمنة البريطانية. فقد قامت آخر ملكة في السلالة، السلطانة جاهان بيغام (حكمت 1901 – ۱۹۲٦م) بالخروج من الاحتجاب ودعمت مؤتمر نساء الهند، وهي منظمة تأسست من أجل الإصلاح الاجتماعي والتعليمي وكانت تدعم الصراع الوطني الهندي.
لقد أثرت النساء الهنديات على حياة الإداريين البريطانيين الأوائل في الهند بأساليب أكثر حميمية أيضًا. لقد تم تجاهل موضوع الزواج المختلط حتى وقت قريب، وتقول بيرسيفال سبير في كتابها (Percival Spear, The Nabobs) إن التجار والموظفين البريطانيين في الهند قبل القرن التاسع عشر كثيرًا ما اتخذوا زوجات أو خليلات هنديات. وقد تغير هذا الموقف تدريجيًا مع تعاظم النفوذ البريطاني ومع تحسن المواصلات في خلال القرن التاسع عشر مما سمح بإحضار الزوجات الأوروبيات إلى الهند. ورغم أن التقارير الدورية للمجتمع الرسمي في الهند تتضمن وصفًا للأسر البريطانية في المنفى إلا أنه لم يبدأ البحث إلا مؤخرًا في تاريخ الزوجات الهنديات للتجار والموظفين الأوروبيين وأسرهن الآسيوية الأوروبية. إن المعلومات الواردة في سجلات شركة الهند الشرقية وفي المخطوطات الخاصة وكذلك في حالات تلك الأسر المختلطة تحمل وجهة نظر مذهلة في مواجهة الرواية الرسمية المعتادة (Ghose 2000, Dalrymple 2002).
البيغوم سامرو، وهي أرملة هندية لمغامر ألماني، كان لديها قصر دلهي يتردد عليه البريطانيون، وكان الجنرال سير ديفيد أوتشترلوني، وهو واحد من أوائل المقيمين في البلاط المغولي في دلهي، متزوجًا من امرأة مسلمة واحدة على الأقل ورثت عنه أملاكه. كذلك فإن المسؤولين البريطانيين في أواخر القرن الثامن عشر، مثل الجنرال ويليم بالمر، وويليم لينيوس غاردنر، وجيمس أخيليس كيركباتريك، جميعهم تزوجوا من نساء مسلمات وكانوا أعضاء في أسر نبيلة. لقد وفرت تلك الزيجات للرجال الإنجليز فهما أعمق للسياسات والثقافة المحلية كما ترتب عليها أيضًا تناقض محتمل في المصالح في التعامل مع الولايات الهندية لأنهم كانوا يعملون كممثلين للسلطة البريطانية (Dalrymple 2002).وقد قام المهراجا رانجيت سينغ من البنجاب بتأجير عدد من ضباط جيش نابليون السابقين لقيادة جيوشه من السيخ، وأصر على أن يتزوجوا من نساء محليات لتعضيد ولائهم له (Lafont 2000, 205 – 249) .إن حكايات الرحالة من الرجال والنساء الأوربيين، إضافة إلى المراسلات الخاصة والأرشيف الاستعماري تكشف عن حالات الزواج المختلط تلك التي تمثل تحديًا لصورة العزلة الاجتماعية الأوروبية في الهند.
كذلك هناك مثال ملفت للاهتمام لزواج امرأة أوروبية من رجل هندي متمثل في السيدة مير حسن علي، والتي عاشت في أفاض في عشرينات القرن التاسع عشر، وتركت كتابا يتكون من مجلدين يحكي عن تلك التجربة بعنوان ملاحظات على مسلمي الهند (Mrs. Meer Hassan Ali, Observations on the Mussulmauns of India).أما فاني باركس، الزوجة الجسورة لأحد المسؤولين البريطانيين في نفس تلك الفترة تقريبًا، فقد ألفت رواية مبهجة عن ترحال حاج بحثًا عن المناظر الخلابة (Fanny Parks, Wanderings of a Pilgrim in Search of the Picturesque) تضمنت سردا لزيارات إلى عديد من تلك الأمر المختلطة. ومن الواضح أن العلاقات الاجتماعية بين الهنود والأوروبيين في المراحل الأولى من الإمبراطورية كانت أكثر انفتاحًا عما أصبحت عليه فيما بعد، حين أدى تغير علاقات القوى إلى مزيد من التمييز ووقفت أفكار التميز العنصري عقبة في سبيل الانجذاب عبر الثقافات.
وفي أغلب تلك الأمثلة للنساء المسلمات في أوائل المرحلة الاستعمارية، تظهر النساء في الأدبيات باعتبارهن يلعبن دورًا في علاقات القوى بسبب ارتباطاتهم الزوجية وكأعضاء في مجتمع يصفه ويهيمن عليه الرجال. إن الاستثناءات القليلة تؤيد القاعدة إلا أنها أيضًا تزيد من تعقيد الصورة. إن أصوات النساء نادرًا ما تظهر في السجلات التاريخية، لكنها حين تظهر، سواء في الرسائل الشخصية أو الشعر، فإنها تشهد على حقيقة انتشار ثقافة المعرفة بين النساء في أسر الطبقات العليا. كما أن وسط البلاط أيضًا أخرج نساء متعلمات. فهناك على سبيل المثال شاعرة بلاط هامة اسمها مهلقة باي تشاندا (١٧٦٧ – ١٨٢٤م)، عاشت في بلاط حيدراباد وكانت تكتب بلغة الأوردو الداخاني (Tharu and Lalita 1991, I, 120 – 122).كما لعبت المحظيات باعتبارهن متمرسات في الشعر والموسيقى دورًا هامًا في نقل الثقافة إلى عملائهن من النبلاء، كما تحكمن أيضًا في الأملاك وبالتالي تمتعن بقدر من الاستقلال الاقتصادي (Oldenburg 1991).
ومن صحبة المحظيات في لكناو ودلهي في أوائل القرن التاسع عشر تولد نوع من شعر الأوردو اسمه “ريختي” يعبر عن مشاعر النساء بلغة النساء، وإن كان من تأليف الشعراء الرجال. ورغم الاستخفاف به من قبل النقاد نظرًا لكونه مكتوبًا بلغة النساء، إلا أنه كان أكثر تعبيرًا عن المشاعر من التعبير عن الرغبات (Petievich 2001). كذلك فإن شعر الصوفية الإلهي كثيرًا ما يصور المتعبد (سواء كان ذكرًا أو أنثى) بمصطلحات أنثوية (Abbas, forthcoming).ويمكننا القول بأن جزءًا من جاذبية شعر الأوردو هو عدم وضوحه فيما يخص النوع، من حيث الذكورة والأنوثة، وغموض الموضوع مما يسمح بتصوير الرغبة الجسدية في مجتمع كانت العلاقات بين الجنسين فيه موضوعًا للتحكم الشديد، وكذلك بتصوير الرغبة الصوفية في عقيدة تعتبر الله كائنًا فوق الوجود ومتجاوزًا لنطاق المعرفة (Russell 1969).من خلال الصور المجازية في شعر الأوردو كان من الممكن التعبير عن المشاعر الممنوعة والإيمان الصوفي وحتى المعارضة السياسية. ومن الجائز أن الحط من قدر شعر “ريختي” كان بسبب عدم غموضه بالدرجة الكافية. ولكن على أية حال فإن الشاعرات من النساء ولغة النساء ودرجة اختلاف اللغة الأنثوية عن أساليب التعبير الذكورية المهيمنة هي كلها أمور تستحق مزيدًا من الدراسة (Minault 1994).
تعكس دراسة النساء المسلمات في الهند البريطانية نفس المشاكل، من حيث قلة المعلومات عن الجميع باستثناء المتعلمين، وهيمنة الأصوات الذكورية، والحاجة إلى القراءة بين السطور في النصوص وإلى طرح أسئلة جديدة حول مواد قديمة، ولكن أيضًا الحاجة إلى البحث الدائم عن مصادر جديدة تمثل الأصوات النسائية ومن هم من غير النخبة ممن تتزايد أعدادهم في العصور الحديثة. ومع استمرار الخطابات الأيديولوجية المذكورة أعلاه، وإن كان يبرز إلى جانبها الآن خطاب وطني متنام يضم الخطاب الوطني الهندي الذي يسعى إلى تعميم الهوية الإسلامية وخطابًا وطنيًا إسلاميًا انفصاليًا يؤكد على التمايز الإسلامي. إن كلا الخطابين سعيًا إلى تحديد هوية النساء وأدوارهن فيما ينسجم مع أيديولوجيته، وأحيانًا ما تساير النساء الأحداث وفي أحيان أخرى يؤكدن على أفكارهن وأولوياتهن. كذلك تبقى النساء رمزًا لكل ما هو خطأ في المجتمع وأيضًا لكل ما يريد الرجال لمجتمعهم أن يكون عليه. لكن صوت النساء الصاعد يضيف إلى تنافر النغمات بين الخطابات المختلفة.
وتتضمن استراتيجيات دراسة النساء الهنديات المسلمات في سياقهن التاريخي تلك المذكورة أعلاه والتي تعتبر النساء موضوعًا للمواجهة بين الثقافات في القرن التاسع عشر. والانطباعات الأجنبية للعادات الهندية الخاصة بالنساء، من الساتي إلى الحجاب، تكون جزءًا من نسق النقد الثقافي للهند، الذي صيغ بحيث يبرر استيلاء البريطانيين على السلطة وتحويل الهنود إلى “مهمتهم الحضارية“. وقد تراوحت ردود الفعل الهندية من الرفض إلى التعاون، على حين وقع أغلبها في مكان وسط بين الاثنين. وفي تحليل تلك المقابلة الاستعمارية يجب على المؤرخ والمؤرخة الحدر من الفرضية القائلة بأن الثقافة الغربية هي عامل التغيير وأن التراث الهندي كان مادة جامدة تمثل عقبة أمام التغيير. إن المصادر والدوافع المحلية والسابقة على الاستعمار الساعية لتحقيق التغيير الاجتماعي والثقافي هي فاعلة طوال الوقت مما يزيد تعقيد الأمر. فعملية التفاعل بين المستعمر والمحلي هي عملية مستمرة تتضمن التفاوض والترجمة والتطبيع.
ومن الأطراف في عملية التفاوض تلك هي الطبقة الوسطى المحلية المكونة من مجموعة تمثل الاستمرارية مع مجتمع الهند ما قبل الاستعمار. فالطبقة الوسطى الهندية سواء كانت هندوسية أو مسلمة ولدت من المجموعات الاجتماعية التي سمحت لها أوضاعها الاجتماعية أن تتصل بالخارج أو بالحكومة، وتضم المتعلمين والكتبة والشرائح التجارية من الجماعات الهندوسية والمسلمة التي خدمت في دولة المغول إما في الجيش أو المصالح المدنية أو الدينية. ولم تكن المجموعة الأخيرة أقوى النبلاء (النواب) وإنما كانوا من فئة صغار النبلاء الذين يقدمون خدمات ويكافأون عليها بالمكاسب المرتبطة غالبًا بالمراكز الإدارية والمدن التجارية (Bayly 1988) .
الطبقة الوسطى الهندية المسلمة في القرن التاسع عشر كان لديها موارد أقل من نظيرتها التي خدمت المغول، لكنها مع ذلك كان ترى نفسها كاستمرار لذلك الوضع المتميز. حيث كان الوضع المتميز يعني التحكم في قدر قليل من الموارد مع الاحتفاظ بالثقافة المعرفية والدينية وتحسين موقعها المهني. بالتالي فإن أدوار النساء في الاقتصاد المنزلي وكناقلات للثقافة اكتسبت أهمية متزايدة. وكان التعليم أحد مؤشرات الوضع الجدير بالاحترام، وأصبح غيابه لدى النساء موضوعًا ثابتًا في كتابات الإصلاحيين من الرجال، حيث كانت النساء متخلفات غير قادرات على توفير الصحبة الذكية لأزواجهن أو تربية أبنائهن. ليس هذا فقط، بل كن جاهلات بالأمور الأساسية في عقيدتهن ومكبلات بعادات قديمة وطقوس منزلية. إذا كان نمط حياة طبقة النبلاء (النواب) قد بدد في الموارد، فكذلك فعل الـ. “زنانا” أو حيز إقامة النساء. لذلك أصبح التحكم في سلوك النساء عنصرًا أساسيًا في برامج الإصلاحيين سواء كان تعليميًا أو دينيًا أو اقتصاديًا.
وكان المثال النموذجي للإصلاحي المسلم الذي يرى في النساء رمزًا لانهيار مجتمعه هو السير سيد أحمد خان (۱۸۱۷ – ۱۸۹۸م)، مؤسس جامعة أليغار في عام ١٨٧٥م، وهي المؤسسة الأولى في الهند التي جمعت ما بين التعليم الإنجليزي والإرشاد الديني لأبناء الطبقة الوسطى المسلمة (Lelyveld 1978).ولم يكن السير سيد مدافعًا عن تعليم النساء ذلك أن تعليم الرجال كان على قمة أولوياته، وقد شعر مثله مثل أغلب الرجال في ذلك الوقت أن النساء أقل من الرجال جسديًا وذهنيًا.
لكن السير سيد يذكر والدته في مذكراته عن الأسرة، حيث كانت قد حصلت على التعليم في المنزل وكانت تعرف العربية والفارسية وكان لها تأثير كبير على حبه هو ذاته للعلم. وفي بعض كتاباته الأخرى تناول أيضًا عادة الاحتجاب كما كانت تمارس في الهند، فقد شعر أنها مبالغ فيها للغاية وأنها السبب وراء انعزال وجهل النساء. وقد قال إن النساء كن يتعلمن في أيام مجد الإسلام، وكان يمكنهن الحصول على الميراث وكان عليهن إجادة إدارة ممتلكاتهن. لذلك لم يكن عليهن فقط معرفة القرآن ولكن أيضًا كان عليهن معرفة الكتابة والحساب. ومع انهيار الحضارة الإسلامية انهار وضع النساء وحقوقهن، وبالتالي فمع إصلاح المجتمع الإسلامي ككل سوف تستفيد النساء أيضًا. وقد كان هذا النموذج الأبوي للإصلاح هو السائد في زمنه (Minault 1998a, 14 – 19) .
لقد ذهب بعض تلاميذ السير سيد في جامعة أليغار إلى أبعد مما وصل هو في الدعوة إلى برامج تحسين حال النساء. فقام ألطاف حسين حالي (۱۸۳۷ – ۱۹۱4م) بصياغة كتاب مجالس النساء ويضم خطابات عن تعليم النساء وفائدته بالنسبة لتربية الأطفال والارتفاع بمستوى المجتمع عمومًا (Minault 1986).كذلك قدمت الروايات التعليمية التي ألفها نظير أحمد (۱۸۳۰ – ۱۹۱۲م)، مثل مرآة العروس، نماذج للنساء اللآتي حصلن على التعليم المنزلي ويتصفن بالتقوى والقدرة على الاقتصاد والإدارة المتميزة دون أن يتجاوزن أبدًا حدود احتجابهن (Ahmad 2001, Minault 1998a, 31- 55).
كذلك انضم “العلماء” إلى النقاش الدائر، فقد أخرجت شمال الهند مدرسة من (العلماء) الإصلاحيين في أواخر القرن التاسع عشر، تأسست في عام ١٨٦٧م وعرفت باسم “مدرسة ديوباند“. وقد سعى هؤلاء الإصلاحيون إلى تحسين نوعية التعليم الإسلامي وزيادة التقوى الشخصية ونشر احترام القواعد الإسلامية في حياة المسلمين في الهند. وسعى علماء ديوباند إلى أسلمة الممارسات الدينية النسائية ومن ثم هاجموا الكثير من الممارسات التقليدية. وقد دافع العلماء عن تلك الإصلاحات بهدف العودة إلى الشكل الأصلي للإسلام، وربما تكون دوافع جامعة أليغار مختلفة، لكن هجومها على العادات كان هو ذاته. والكثير من العادات التي هاجمها العلماء كانت “غير إسلامية” لكن أكثر منها كانت ببساطة عادات مسرفة. فعلى سبيل المثال، نجد أن الترفيه الموسيقي والمبالغة في تقديم الهدايا في الأفراح كانت سمات نمط الحياة الدنيوي، ومن ثم فهي غير ملائمة في منزل متواضع وتقي. وأهم أعمال علماء ديوباند والتي تناولت النساء هو مجلد الزينة السماوية” بقلم مولانا أشرف علي ثانوي (١٨٦٤ – ١٩٤٣م)، وهو بحق موسوعة في التشريع الديني والأسري وإدارة المنزل والطب الإسلامي والسير والتراجم لنساء فضليات في الفترات الأولى من الإسلام. كذلك اعتبرت الموسوعة أن ممارسة النساء للعادات المسرفة وغير الإسلامية هي مصدر وفي نفس الوقت رمز لانهيار الإسلام (B. D. Metcalf 1990).وقد كانت تلك الموسوعة جزءًا ثابتًا من جهاز العروس المسلمة على مدار عدة أجيال.
إن كتاب بيهيشتي زيوار وكتاب مجالس النساء، والكتب والكتيبات الإرشادية أخرى، والروايات الاجتماعية بقلم نظير أحمد، ما هي إلا أمثلة على ارتفاع مستوى الأدب الذي كتبه الرجال مستهدفين به النساء في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وجميع تلك المصادر يجب التعامل معها بحذر من حيث كونها تقارير عن طبيعة الحياة في الأسر المسلمة، وذلك لأسباب واضحة، فكتابة تاريخ حياة النساء من خلال أعمال إما تقييمية أو وصفية من قبل الرجال هو مرادف للاقتصار في كتابة تاريخ حركات التحرر الوطني على استخدام تقارير الموظفين الاستعماريين. ومن ناحية أخرى فإن لتلك الأعمال قيمتها من حيث هي دليل على تغير الأعراف أو كتقارير عن الممارسات التقليدية والعادات التي لم تكن تنال رضا الإصلاحيين.
إن استراتيجية النظر إلى النساء كرموز للجدل الأيديولوجي بين الرجال يجب أن ترتبط باستراتيجية أخرى هي النظر إلى النساء على أنهن موضوعات لبرامج الرجال من أجل الإصلاح، وباعتبارهن من طالبات المدارس، وقارئات للأدب في طور التطور، ومشتركات في مجلات تستهدف نشر المعرفة الجديدة. إن هذه الاستراتيجية توفر قدرًا غنيًا من المعلومات بداية من صياغة البرامج والسياسات من أجل تأسيس المدارس إلى الخطابات الموجهة إلى جمعيات العمل الاجتماعي والسياسي. كذلك فإن تصميم المناهج الملائمة للنساء تضمنت جدالاً حول كيفية الحفاظ على الاستمرارية الثقافية وفي نفس الوقت مواجهة تحديات المجتمع الحديث. لقد استند الكثير من الكتابات حول النساء وبرامج تعليم النساء والإصلاح الاجتماعي إلى التراث الثقافي الإسلامي، والسبل الإسلامية في تناول الخلافات الدينية وشبكات العلاقات التقليدية والتلمذة والرعاية. في نفس الوقت لم يتردد حتى أكثر الإصلاحيين تدينًا في تبني الهياكل التنظيمية وتقنيات الطباعة القادمة من الغرب (B. D. Metcalf 1982).إن وحدات المدارس التعاونية والجمعيات التي تستهدف التقدم في مجالات اجتماعية وتعليمية بعينها، وكراسات وكتيبات الدعاية السياسية، والمجلات الثقافية والصحف، كانت كلها عناصر في رأس مال الإصلاحيين. كان ذلك هو الحال أيضًا فيما يتعلق بإنتاج الأدب الملائم للقراء من النساء، من روايات اجتماعية وقصص قصيرة وشعر وعلى وجه الخصوص المجلات النسائية التي تضم معلومات مفيدة عن أمور مثل إدارة المنزل ورعاية الأطفال والتغذية. ورغم أنها جميعا كانت من تأسيس وتحت إدارة الرجال، إلا أن أغلب تلك المجلات كانت تشجع النساء على المشاركة فيها.
أرشيف الهند في المكتبة البريطانية في لندن والأرشيف الوطني للهند في نيودلهي والأرشيف الوطني في باكستان والكثير من السجلات المحلية والحكومية كلها مصادر يمكن أن تسهم في توثيق عملية التعليم، إضافة إلى بعض المجلات والجرائد. لكن أهم موقع للبحث عن تلك المصادر يبقى هو المكتبات الجامعية والعامة، مثل مكتبة جامعة أليغار، وجامعة إيزابيللا ثوبورن في لكناو، والقسم الشرقي في مكتبة البنجاب العامة في لاهور، ومكتبة مدرسة ديوباند، ومكتبة الجامعة العثمانية، و“إدارة أدبيات الأوردو“، ومركز أبحاث الأوردو في حيدر اباد، ومتحف نهرو التذكاري في نيودلهي بما يتضمنه من مجموعة رائعة من الصحف والمخطوطات الخاصة ومراجع التأريخ الشفهي، وكلها تضم كتبًا مطبوعة ودوريات والكتابات والخطب الكاملة لبعض من أهم الشخصيات. كذلك فإن التجول في أسواق الكتب القديمة المستخدمة يمكن أن يسفر عن بعض الاكتشافات. إن المنظمات الإصلاحية، الاجتماعية والتعليمية، مثل مؤتمر التعليم الإسلامي بما يضمه من أوراق في أليغار أو “جمعية حماية الإسلام” بجريدتها وأوراقها المتوفرة في جمعية بحوث باكستان في لاهور، ومجموعة “جمعية الترقي الأوردو” في كراتشي، كلها تحمل ما قد يكافئ مثابرة الباحثة الصبورة والباحث الصبور.
مع ذلك، فإن الاستراتيجيات التي تسعى إلى دراسة النساء من خلال عيون وكتابات الرجال، لا يمكنها أن تحكي القصة كاملة. فالمرأة، سواء اعتبرت رمزًا أو قضية أو موضوعًا، هي في كل تلك المصادر كائن سلبي ومجرد. إننا بحاجة إلى استراتيجية أخرى لنتعرف على وجهات نظر النساء المسلمات فيما يخص علاقاتهن العائلية والدين والتعليم والحجاب والتغيرات التي طرأت على حياتهن. إن العثور على المصادر اللازمة لهذا البحث فيما يخص النساء المسلمات في الهند هو أصعب منه فيما يخص النساء الهندوسيات (مقارنة مع Karlekar 1991 ). فعلى المرء أن يكون مبدعًا في قراءة ما بين السطور فيما يورده الرجال، وأن يبحث في الروايات الشفهية للنساء، مستخدمًا في ذلك مناهج مستوحاة من الأنثروبولوجيا الثقافية، وأن يتم تحليل كتابات النساء التي بدأت في الظهور بكميات ضخمة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين من خلال المجلات النسائية الصادرة بلغة الأوردو. وتعتبر تلك المجلات مصدرًا غنيًا لتحليل وجهات نظر النساء المسلمات وذلك إضافة إلى كتابات السير الذاتية والقصص القصيرة والروايات التي كتبت بأقلام نساء بدأن في الظهور حوالي نفس الفترة، وقد كان لتلك المجلات النسائية دور لا يستهان به في تشجيعهن على الكتابة (Minault 1998b) .
ورغم ذلك، فإنه ليس من السهل العثور على تلك الدوريات. فالمكتبات والمجموعات الكبيرة، ورغم احتفاظها بالصحف والمجلات الأدبية إلا أنها نادرًا ما احتفظت بالمجلات النسائية. والأسر التي كانت تشترك في تلك المجلات كانت إما تتخلص منها أو تبيعها كأوراق مستعملة بعد فترة من الزمن، ونادرًا ما تذكرها المصادر التاريخية الأساسية لأدب الأوردو (Sadiq 1984, Suhrawardy 1945).وتضم بعض مكتبات الجامعات والجامعات النسائية أعدادًا من المجلات الأكثر انتشارًا أو المجلات الأدبية النسائية، وأهم هذه المجموعات هي تلك الموجودة في كلية البنات بجامعة أليغار ومركز بحوث الأوردو في حيدر اباد. كذلك من المفيد العودة إلى أفراد من أسر المؤسسين لبعض تلك المجلات، إذا نجحنا في العثور عليهم، وكذلك أصحاب المجموعات الخاصة وتجار كتب الأوردو المستخدمة. إن تلك الموارد تمثل مصدرًا لا يقدر بثمن عن الحركات والأفكار وأنماط الحياة الاجتماعية والكتابات الإبداعية للنساء وكذلك عن اتجاهات التاريخ الاجتماعي في ذلك الوقت. فبالإضافة إلى كتب اللباقة واللياقة وكتب الطهي وكافة أنواع كتيبات “كيف تفعل ..” تحمل كل تلك المصادر رؤية لحقيقة الحياة اليومية يصعب الحصول على مثلها من أي إصدارات أدبية أخرى.
كان يتم عادة تصنيف المجلات النسائية باعتبارها إما تعليمية أو أدبية. لكن أغلبها كان مزيجًا من الآتي: (۱) معلومات عملية عن الصحة ورعاية الأطفال والتغذية جنبًا إلى جنب مع وصفات للطعام ونماذج للتطريز، (۲) أخبار عن مدارس الفتيات والجمعيات النسائية والنساء في بلدان أخرى، (۳) إبداعات أدبية كالقصص القصيرة والروايات المسلسلة والشعر الذي يتناول موضوعات تعتبر مناسبة للقارئات من النساء. أما المقالات الأخرى فقد تتضمن مناظرات مؤيدة أو معارضة لبعض أشكال الإصلاح الاجتماعي والتعليمي، ومناقشات للعادات التي اعتبرت بلا فائدة أو مسرفة، أو عن حقوق النساء في الشريعة الإسلامية، ورسائل من قراء يعرضون آراءهم أو يطلبون معلومات أو يبحثون عن النصح.
أما المجلات النسائية التي بدأت في الظهور بلغة الأوردو فكانت تركز على الحياة العائلية المستنيرة والاحترام. لكنها كانت أيضًا تقدم المعرفة العملية في كيفية التعامل مع الأزمنة المتغيرة. لكن على العكس من مطبوعات مماثلة في الغرب لم تكن تلك المجلات النسائية الهندية تركز على استهلاك السلع الجديدة أو سبل الراحة المنزلية، كما لم تكن الموضة موضوعًا مركزيًا بها. كانت هناك مناقشات ساخنة حول قضية الاحتجاب من حيث ضرورته أو عدمه، والدرجات المختلفة في الالتزام به وغيرها، ومع اتساع الحركة الوطنية تناولت تلك المجلات موضوعات الملابس البسيطة والغزل ونسج القماش في المنزل، لكن رسوم الموضة ظلت غائبة تمامًا تقريبًا. وقد يحمل غلاف المجلة خطوطًا مرسومة إلى جانب الكتابة التشكيلية وكانت أغلب الرسوم يدوية. وقد بدأت الصور الفوتوغرافية بالظهور في بعض المجلات الأنيقة حوالي ثلاثينات القرن العشرين وكانت تحمل بعضًا من الصور الوحيدة المتوفرة للكاتبات الأوليات.
كذلك على العكس من المجلات النسائية الغربية، كان التركيز في المجلات النسائية الهندية على كسر العزلة النفسية للنساء أكثر من تمجيد حيزهن المنفصل. كان هناك تركيز على التفاعل بين المنزل والعالم، خاصة حيث أن القرن العشرين جاء ومعه تحديات جديدة مثل التوسع في التعليم وتبلور السياسات الوطنية وظهور الجدل حول الحقوق القانونية وحق التصويت. وبعد انهيار حركة عدم التعاون مع الخلافة في عشرينات القرن العشرين، والتي شهدت انخراطًا غير مسبوق للنساء في مظاهرات سلمية وطنية، أصبحت مناقشة حقوق النساء في الإسلام موضوعًا يعكس، أو يستخدم بديلاً عن، الاهتمام بحقوق المسلمين في الحكومة الهندية الوليدة. وركزت المجلات النسائية على الحياة المنزلية للنساء لكنها أيضًا عكست الهموم الاجتماعية والعامة للرجال.
لقد كان رواد الصحافة النسائية بلغة الأوردو من الرجال: ممتاز علي هو الذي أسس أول جريدة نسائية بلغة الأوردو هي تهذيب النسوان في لاهور في عام ۱۸۹۸م وذلك بالاشتراك مع زوجته محمدي بيغام، والشيخ عبد الله هو الذي أسس المجلة التعليمية الشهرية خاتون في أليغار في عام ۱۹۰٤م وذلك أيضًا بمشاركة زوجته وحيد جاهان، ورشيد الخبري وهو روائي وافر الإنتاج أسس مجلة أدبية شهرية عنوانها عصمت في دلهي في عام ۱۹۰۸م. تلك الإصدارات الثلاثة كانت أول أهم دوريات نسائية بلغة الأوردو، واستمرت اثنتان منها في الصدور إلى ما بعد الاستقلال. ومع مرور السنين انضمت إليها إصدارات أخرى كثيرة في بوبال وحيدر اباد ولاهور ولكناو، وفي أماكن أخرى وبعضها كان بتحرير من نساء.
انحدر سید ممتاز علي (١٨٦٠ – ۱۹۳٥م) من أسرة من العلماء المسلمين وصغار موظفي الدولة. وكان هو مؤلف كتاب حقوق النسوان وهي رسالة إصلاحية عن حقوق النساء في الإسلام. لكن أهم ما صدر له هو الجريدة النسائية الأسبوعية تهذيب النسوان التي كانت زوجته، محمدي بيغام (۱۸۷۸ – ۱۹۰۸م)، تقوم بتحريرها. وكانت هي أيضًا مؤلفة غزيرة الإنتاج للروايات والشعر وكتيبات إدارة المنزل وكتب الطهي وكتيبات الإرشاد لفنون اللباقة واللياقة بالإضافة إلى مقالات كتبت بأسلوب عملي واستهدفت القراء حديثي التعرف على القراءة والكتابة. كانت مقالاتها في تهذيب النسوان تناقش التعليم وإدارة المنزل ورعاية الأطفال وكانت تقدم وصفات للطهي والنصح للزوجة الشابة الحديثة في كيفية التعامل مع حماتها، وكذلك بعض النصائح السريعة في أصول وقواعد اللباقة واللياقة (Minault 1992) .
بعد وفاة محمدي المبكرة في عام ۱۹۰۸م، استمرت الجريدة تحت إدارة ممتاز علي، وإن كان تحريرها دائمًا يتم بواسطة نساء. وقد عكس مضمونها تنامي المستويات التعليمية للنساء وبعضا من الأنشطة المختلفة خارج منازلهن. وتحول الأسلوب، وإن ظل حواريا، ليصبح أكثر تعقيدًا واتسعت المفردات المستخدمة. وبدأت الجريدة في نشر أسماء النساء اللاتي حصلن على درجات الليسانس والبكالوريوس والدرجات الطبية، كما نشرت خطب النساء في الجمعيات النسائية. ومع مرور السنين بدأت تظهر أيضًا تقارير عن الأحداث السياسية إضافة إلى الأخبار الأجنبية والنقد الأدبي للروايات والقصص القصيرة المعاصرة. وبدأت النساء في إرسال رواياتهن عن رحلاتهن للحج وعن رحلاتهن السياحية في الهند وأوروبا. وبحلول ثلاثينات القرن العشرين بدأت النساء القارئات والمشاركات في الجريدة من الأجيال الأصغر في طرح التساؤلات حول الاحتجاب وتعدد الزوجات والحق أحادي الجانب في الطلاق.
هناك أيضًا زوج وزوجة آخران نشطًا في مجال تعليم النساء وأسسا معًا جريدة، وهما الشيخ عبد الله من أليغار (١٨٧٤ – ١٩٦٥م) وزوجته وحيد جاهان بيغام (١٨٨٦ –١٩٦٥م). ففي عام ۱۹۰۲م أصبح الشيخ عبد الله سكرتيرًا لقسم تعليم النساء في مؤتمر الهند التعليمي الإسلامي، وفي عام ۱۹۰٤م أسس جريدة شهرية بالأوردو كجريدة لتلك المنظمة، وكان الهدف الرئيسي من تلك الجريدة هو الدعوة إلى تعليم النساء المسلمات، مع التركيز على مشروع الزوجين في تأسيس مدرسة للفتيات في أليغار. وفي عام ١٩٠٦م أسس الزوجان المدرسة وبحلول عام ١٩١٤م كانا قد جمعا قدرًا من الأموال يكفي لبناء قسم داخلي وتحويل مدرستهما الابتدائية المحلية إلى مدرسة داخلية. وقد كرست وحيد جاهان حياتها، كما ورد في سيرة حياتها التي كتبها زوجها، للإشراف على المدرسة والتأكد من استمرارها. وقد أصبحت تلك المدرسة فيما بعد كلية البنات التابعة لجامعة أليغار الإسلامية (Abdullah 1954, Minault 1982).هذا ويضم أرشيف الجامعة الإسلامية في أليغار ومكتبتها وأرشيف كلية البنات كما ثريا من الوثائق حول تاريخ التعليم والإصلاح بين الهنود المسلمين.
كانت مجلة عصمت في دلهي هي ثالث أهم دورية نسائية في أوائل القرن العشرين، وكان يقوم بتحريرها رشيد الخيري (١٨٦٨ – ١٩٣٦م) الذي كان من أكثر روائيي الأوردو شعبية في ذلك الوقت. كما كان ابن أخ روائي آخر شهير هو نظير أحمد. كانت كتابات رشيد الخيري الأولى عبارة عن روايات تعليمية قريبة في أسلوبها وموضوعاتها إلى روايات عمه. وفي عام ١٩٠٨م قام بتأسيس مجلة عصمت لتكون مجلته الأدبية للنساء. وقد تم تقييم عصمت على أنها مجلة “النساء الهنديات المحترمات“، تحوي مقالات عميقة في مجالات المعرفة المفيدة والضرورية: فكرية وثقافية وعلمية وتاريخية وأدبية، لكن غير سياسية. وقد سعى الخيري بشكل خاص إلى التقدم بقضية الأدب النسائي خاصة الكتابات بواسطة النساء، إلى جانب كتابات بأقلام رجال موجهة خصيصًا إلى النساء. وقد ساهمت كثير من الكاتبات الأوليات بقصص قصيرة أو روايات مسلسلة بالأوردو على صفحات عصمت.
ومع تطور الحركة القومية وتعليم النساء أصبحت النساء طرفًا في الحياة السياسية. وفي عشرينات القرن العشرين شاركت النساء المسلمات في حركة عدم التعاون مع الخلافة وفي احتجاجات غاندي الرافضة للعنف. في عام ۱۹۱۷م شاركت امرأة مسلمة في وفد من النساء المسلمات التقى السير إدوين موناتغيو، وزير الدولة الهندية، للمطالبة بحق النساء في التصويت. وتلا ذلك دليل إضافي على ارتفاع صوت النساء حين أصدر مؤتمر نساء الهند المسلمات، المجتمع في لاهور، قرارًا يدين تعدد الزوجات. وقد كان رد فعل رشيد الخيري هو مهاجمة ذلك القرار على اعتبار أنه غير مقبول وغير إسلامي، مما تسبب في صدمة للكثيرات من قارئات عصمت المخلصات واللاتي كن كلهن عضوات في مؤتمر نساء الهند المسلمات. وتعجبت النساء لأنه كان قد تعرض لشرور تعدد الزوجات في الكثير من رواياته، ومع ذلك فحين قامت النساء أنفسهن بتناول المشكلة أصابت رشيد الخيري صدمة وصرح بأنه نظرًا لأن الإسلام يسمح بتعدد الزوجات فلا يجوز للنساء المسلمات أن يطالبن بإلغائه (Khairi 1936, Minault 1989).
وفي عشرينات القرن العشرين استبدل رازق الخيري أباه كمحرر لمجلة عصمت وفتح صفحاتها لمزيد من التنوع من حيث الموضوعات. وبدأت عصمت بشكل متزايد في تناول الموضوعات السياسية التي كانت ممنوعة من قبل، مثل دعم حق النساء المسلمات في الميراث والطلاق، وذلك في الفترة التي كانت تدور فيها المناقشات حول تطبيق الشريعة وإلغاء قانون الأحوال الشخصية الإسلامي ما بين عام ۱۹۳۷ وعام ۱۹۳۹م (Gilmartin 1981).كذلك كانت تدور المناقشات حول الحركات النسائية في بلدان أخرى، وخاصة مصر وتركيا، وكذلك قضية الحقوق السياسية للنساء في البلدان الأوروبية وذلك في علاقتها بالحركة القومية الهندية. كل ذلك كان يحمل دليلاً إضافيًا على مشاركة وفعالية أكبر للنساء في التعبير عن آرائهن الخاصة.
وفي أوائل القرن العشرين ظهرت أعداد كبيرة من المجلات النسائية بلغة الأوردو. كان الرجال يحررون بعضها لكن الكثير منها كانت تحرره نساء. وقد استمرت بعض تلك المجلات لفترات طويلة واكتسبت سمعة أدبية جيدة، على حين كان البعض الآخر سريع الزوال. كما كان بعضها قوميًا في نبرته وتعاطفه، على حين احتفظ البعض الآخر بموقف لاسياسي، ومن الصعب أن نحاول التعميم فيما يخص مضمون وأسلوب تلك الدوريات استنادًا إلى الأعداد العشوائية التي تم العثور عليها في أماكن متفرقة، لكن يبدو أن المزيج الموصوف أعلاه قد استمر على الأقل حتى ثلاثينات القرن العشرين. وكانت غالبية مقالات تلك المجلات تدور حول التعليم والإصلاح الاجتماعي وتقدم النصائح في مجال الصحة وإدارة المنزل والكتابة الإبداعية. وبحلول عشرينات وثلاثينات القرن العشرين بدأت الكتابات السياسية تتسلل إلى صفحات تلك المجلات ومعها الجدل الدائر حول حقوق النساء في القوانين الإسلامية والقوانين المدنية الأخرى، وكذلك ظهور جميعات نسائية مثل جمعية نساء الإسلام ومؤتمر نساء الهند، ونجد بعض فعاليات ذلك المؤتمر ونشرته روشني متوفرة على ميكروفيلم في مكتبة نهرو التذكارية وفي مقر مؤتمر نساء الهند، وكلاهما في نيودلهي.
هناك جريدة أخرى بلغة الأوردو تستحق أن تذكر بشكل خاص، هي زيلوس سلاطان الشهرية، التي بدأت في الصدور من بوبال بداية من عام ۱۹۱۳م. وقد كانت تلك الجريدة، وهي لسان حال راعيتها السلطانة جاهان البيغام الحاكمة في بابول، تتضمن بعض الأدبيات الإبداعية، لكن أغلب مقالاتها كانت تتناول موضوعات مثل الصحة وتعليم النساء وإصلاح العادات وملاحظات حول الاجتماعات النسائية وتأسيس المدارس. كذلك فقد تمت تغطية فعاليات المؤتمر التعليمي الإسلامي لقسم تعليم النساء على صفحاتها، إضافة إلى الخطب التي ألقتها شخصيات بارزة في حركة أليغار، وخاصة خطب البيغام نفسها.
كذلك كانت حيدر اباد مركزًا لثقافة الأوردو وإصداراتها. وكانت الأوردو هي اللغة الرسمية في ولاية ومدينة “نظام” على هضبة دكا. وقامت إدارة “نظام” بتجنيد الكثيرين من المسلمين الموهوبين من الشمال، وقد احتفظ هؤلاء بصلاتهم في الأصلية. وكانت دوريات الأوردو من المدن الشمالية، مثل لاهور ودلهي ولكناو، تتداول في حيدر اباد، وكذلك كانت مطبوعات حيدر اباد تجد من يشتركون فيها في المناطق الداخلية الناطقة بالأوردو. وما زالت المكتبات الكثيرة والمجموعات الخاصة الموجودة في حيدراباد هي من أفضل مخازن الكتب والجرائد والدوريات الهندية بلغة الأوردو.
يشير هذا العرض السريع عن أهم المجلات النسائية بالأوردو إلى ما يمكن أن نتعلمه من تلك الدوريات، ومع ذلك فهناك الكثير مما يجب أن يحدث في هذا المجال. فالمضمون السياسي وكذلك الأدبي لتلك المجلات ومجلات نسائية أخرى يستحق اهتمامًا أكبر مما يحصل عليه حتى الآن. ولا يقتصر الأمر على الإصدارات بالأوردو بل يجب توجيه المزيد من الاهتمام إلى دراسة المجلات والكتابات النسائية باللغات الإقليمية الأخرى مثل لغة البنغال وغوجارات والتاميل. لقد اقتصرت الدراسة التفصيلية فقط على نساء البنغال المسلمات (Amin 1996)، كذلك فإن اللغات الإقليمية في باكستان تتضمن هي الأخرى كنوزًا مدفونة سوف تضيف إلى البحوث التاريخية والإثنوغرافية.
كذلك فإن المزيد من دراسة أوليات النساء الكاتبات بالأوردو، ودراسة رواياتهن وقصصهن القصيرة وشعرهن، سوف يكشف تفاصيل غنية عن الزمن الذي عشن فيه. وقد تكون هناك إشكالية في استخدام الكتابات الروائية كمصادر حياتية، لكنها كمصادر للتاريخ الاجتماعي قد تحمل لمحات عن تبدل وجهات نظر النساء وطريقة تعاملهن مع الضغوط الاجتماعية والسياسية الجديدة. ومن الجيل الذي ساهم في إصدار أولى المجلات النسائية سبق وأن ذكرنا البيغام محمدي، وهي أول محررة لمجلة تهذيب النسوان ومؤلفة لعدد من الروايات وبعض الشعر العاطفي. وكانت نظر سجاد حيدر روائية أخرى ومحررة صحفية وناشطة اجتماعية، وكانت ابنتها قرة العين حيدر واحدة من أكثر كتاب الرواية الأوردو المعاصرة غزارة في إنتاجها الأدبي. أما رشيد جاهان، الابنة الكبرى للشيخ عبد الله والبيغام وحيد جاهان، فقد حصلت على المراحل المبكرة من التعليم في أليغار قبل أن تستكمله وتصبح طبيبة وعضوة في حركة الأوردو للكاتبات التقدميات ومؤلفة لقصص قصيرة اجتماعية وواقعية تحكي عن النساء الفقيرات التي التقت بهن من خلال عملها الإكلينيكي. وقد ألهمت رشيد جاهان الكاتبة عصمت تشوغتاي، ولعلها أشهر كاتبة بالأوردو، لتكتب بشكل صريح عن مشاعر ورغبات النساء والتناقضات الاجتماعية التي تواجههن. وقد كان لهؤلاء النساء الشجاعات وغيرهن الفضل في أن تصبح الرواية الأوردو ومخرجاتها في الراديو والتلفاز والسينما قوة نابضة في الثقافة الهندية الإسلامية والباكستانية. ويتعين على الدراسات الأدبية أن تصاحبها أعمال تحليلية لتلك الكتابات باعتبارها مصادر تاريخية وعوامل محفزة على التغير الاجتماعي (Suhrawardy 1945, Minault 1988a) .
إن المصادر والأساليب والتفسيرات الواردة هنا ليست بأي حال من الأحوال نهائية فيما يتعلق بإمكانيات أو مشكلات الموضوع. إن التغيرات الظاهرة في حياة وآراء النساء والإمكانيات المتوفرة لهن خلال قرنين، والمشار إليها هذا، لا يجوز أن تحجب حقيقة أن الوصول إلى المعرفة كان وما زال أمرًا مقصورًا على النخبة، وأن أيديولوجيا الإصلاح كانت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالمستوى الاجتماعي نسبة إلى الطبقات والمجتمعات الدينية الأخرى. لذلك السبب فإن الحرص على الاستمرار اختلط مع الحجج الداعية إلى التغيير، وفي بعض الأحيان طغى عليها. لقد كان هناك تأكيد متكرر على المثال النموذجي للنساء المسلمات كمديرات قديرات للعالم المنزلي، ورفيقات لأزواجهن ومرببات للصغار، كما كان لزامًا عليهن أن يعرفن النصوص الدينية وحقوقهن وواجباتهن في الإسلام وأن يتبين العادات غير المفيدة والغيبية من صحيح الدين. لقد كان تعليم النساء، المشار إليه بأكثر من شكل في الأدب الرفيع، بواسطة تحسين التعليم المنزلي وبناء المدارس الأحدث، كان هو المفتاح لحياة منزلية مستنيرة وحياة تقية وورعة. وكانت تلك بدورها هي المفتاح للإصلاح الروحاني والتقدم الدنيوي للطبقة الوسطى المسلمة في مواجهتها للتحديات الاقتصادية والسياسية للقرن العشرين. لقد كان بين المنزل والعالم علاقة اعتمادية متبادلة.
وقد كانت تلك الرؤية منسجمة تمامًا مع الأيديولوجيا المعلنة من قبل الإصلاحيين الاجتماعيين من الرجال في أواخر القرن التاسع عشر، والتي تنادي بأن تدريب النساء يستهدف أن يقمن بأدوارهن التقليدية بشكل أفضل لا من أجل القيام بأدوار جديدة. وبحثت تلك الأيديولوجيا في الماضي عن الأنماط الإسلامية للإصلاح والنهضة في الفترة السابقة على الحكم البريطاني، بالضبط كما بحث الإصلاحيون الاجتماعيون الهندوس عن عصر ذهبي مضى، وليس من باب الصدفة أنه سابق على الإسلام، من أجل دعم أيديولوجيتهم للإصلاح. لا الهندوس ولا المسلمون أرادوا أن يقلدوا الغرب في برامجهم من أجل الإنعاش الحضاري، وذلك رغم أن الهياكل المؤسساتية المتغيرة للحياة العامة والأهمية القصوى التي اكتسبها الإعلام المطبوع في نشر المعلومات والأفكار كانا نتاجًا واضحًا للاختلاط مع الاستعمار. لقد كانت رؤيتهم للحياة المنزلية المستنيرة واستقامة الطبقة الوسطى مدينة بالكثير للقيم البورجوازية المشابهة التي برزت في المجتمع الفيكتوري. لكن الإصلاحيين الهنود طوعوا نموذجهم للمرأة المثالية، فسيدة الطبقة الوسطى الإصلاحية الهندية لن تصبح مثل نظيرتها الغربية نتيجة لاستمرار الاحتجاب (ولو كان أكثر ليبرالية) والطقوس (وإن كانت منقاة) وعلاقات القرابة، وكلها آليات للتحكم في استقلالية الفرد.
لقد كان لدى الإصلاحيين الاجتماعيين المسلمين فعليًا قدر كبير من الأمثلة في تراثهم الخاص قابلة للاستدعاء في مواجهة التحديات الحديثة، ليس أقلها أمور مثل إعادة تفسير النص الديني واستحضار السنة النبوية وتطهير الممارسات الفردية. إن تلك الاستمرارية تمثل تحديًا للفكرة التي ولدت أثناء الفترة الاستعمارية ويتم تضخيمها في التحليل ما بعد الكولونيالي المعاصر، بأن الحكم الاستعماري كان مصدرًا للتغيير وأن الثقافة الإسلامية كانت عنصرًا مقاومًا. لقد بلورت الكاتبات والناشطات من النساء صيغهن الخاصة لتلك الموضوعات لكنهن لم يشككن في الأيديولوجيا الأساسية. وهو أمر متوقع، فنساء الطبقة الوسطى والشرائح العليا من الطبقة الوسطى لم يكن لديهن ما يخسرنه والكثير مما قد يخاطرن به لو أنهن أكدن على عنصر التحقق الذاتي الفردي. كان أمامهن كسب الكثير من تحسن وضعهن في الأسرة مع الحفاظ على منزلة شركائهن من الرجال. ومن ناحية أخرى فإن برامج الرجال للإصلاح الاجتماعي والاستقلال السياسي اعتمدت على النساء كرموز لما يمكن أن يكون عليه مجتمعهم.
ومثلما نجد أن منظومات إصلاح الطبقة الوسطى قدمت القليل لمواجهة أحوال الطبقات السفلى، كذلك فإن المناهج والاستراتيجيات المعروضة هنا فيما يخص إبراز صورة النساء في التاريخ لا تقدم شيئًا لإلقاء الضوء على نساء الطبقة العاملة والفلاحات. ورغم أن المساواة كانت عنصرًا يؤكد عليه الإصلاحيون في تصوير حيوية الرسالة الإسلامية، إلا أن النظرة إلى من هم أقل كانت تميل إلى اعتبارهم مصدرًا للعادات السيئة والتأثير غير الإسلامي. كان يمكن لنساء الطبقة العاملة أن يكن موضوعًا لعطف النساء المسلمات الإصلاحيات من حيث تقديم الخدمات الاجتماعية لهن (مثلما كانت النساء موضوعًا لكرم الرجال)، لكننا لا نكاد نجد ذكرًا لمشكلات نساء الطبقات الدنيا في المصادر المذكورة أعلاه باستثناء كتابات الواقعية الاجتماعية لبعض كتاب الأوردو التقدميين. إن دراسة حياة النساء المسلمات من خارج النخبة يحتاج إلى توجه مختلف. فهو يحتاج إلى البحث في التقارير القانونية وتقارير الدخل الحكومي من الضرائب وتقارير الحكومات المحلية ومنظمات الخدمة الاجتماعية حول الزراعة والمجاعة والعمل والجرائم والدعارة، إضافة إلى مصادر التاريخ الشفهي كالمقابلات مع ضحايا الاحتجاجات والفيضانات والأوبئة. ولقد قدمت دراسات الفئات الأدنى الكثير من حيث إلقاء الضوء على أوضاع من هم خارج النخبة في التاريخ الهندي. لكن تاريخ نساء الطبقات الأدنى ما زال ينتظر المؤرخين والمؤرخات.
S. B. Abbas. The female voice in Sufi ritual. Devotional practices of Pakistan and India, University of Texas Press (forthcoming).
S. “Abdullah, The biography of Begam ” Abdullah [in Urdu). Aligarh 1954.
N. Ahmad, The bride’s mirror (Mirat ul arus). A tale of life In Delhi a hundred years ago, trans. G. E. Ward, London 1903, repr. New Delhi 2001.
Mrs. M. H. Ali, Observations on the Mussulmans of India, 2 vols., London 1832, repr. Delhi 1973.
S. M. “Ali, Huquq un-niswan, Lahore 1898.
S. N. Amin, The world of Muslim women in colonial Bengal, 1876-1939, Leiden 1996.
R. B. Barnett, Embattled begams. Women as power brokers in early modern India, in G. R. G. Hambly (ed.), Women in the medieval Islamic world, New York 1998, 521- 36.
C. A. Bayly, Indian society and the making of the British Empire, Cambridge 1988.
W. Dalrymple, The white Mughals. Love and betrayal in eighteenth-century India, London 2002.
M. H. Fisher, Women and the feminine in the court and high culture of Awadh, 1722-1856, in G. R. G. Hambly (ed.), Women in the medieval Islamic world, New York 1998, 488-519.
G. H. Forbes, Fomen In modern India, Cambridge 1996.
D. Ghose, Colonial companions. Bibis, begums, and concubines of the British in North India, 1760-1830, Ph.D. diss., University of California, Berkeley, 2000.
D. Gilmartin, Kinship, women, and politics in twentieth-century Punjab, in G. Minault (ed.), The extended family. Women And political participation In India and Pakistan, Delhi 1981, 151-73.
“Ismat, Urdu women’s magazine, Delhi.
M. Karlekar, Voices from within. Early personal narratives of Bengali women, Delhi 1991.
R. Khairi, Ismat ki kahani, Delhi 1936.
Khatun, Urdu women’s magazine, Aligarh.
G. Kozlowski, Private lives and public piety. Women and the practice of Islam In Mughal India, in G. R. G. Hambly (ed.). Women in the medieval Islamic world, New York 1998, 469-88.
J. -M. Lafont, Indika Essays In Indo-French relations, New Delhi 2000.
S. Lambert-Hurley, Contesting seclusion. The political emergence of Muslim women in Bhopal, 1901-1930, Ph. D. diss., School of Oriental and African Studies, University of London 1998.
J. Lebra-Chapman, The Rani of Jhansi A study in female heroism in India, Honolulu 1986.
D. Lelyveld, Aligarh’s first generation. Muslim solidarity in British India, Princeton, NJ. 1978.
Mani, Contentious traditions. The debate on sati In colonial India, Berkeley 1998.
B. D. Metcalf, Islamic revival in British India. Deoband 1860-1900, Princeton, NJ. 1982.
-, Reading and writing about Muslim women in British India, in Z. Hasan (ed.). Forging identities. Gender Communities, and the state, New Delhi 1994, 1- 21.
T. R. Metcalf, Ideologies of the Raj, Cambridge 1994.
G. Minault, Shaikh Abdullah, Begam Abdullah and sharif education for girls at Aligarh, in 1. Ahmad (ed.), Modernization and social change among Muslims In India, New Delhi 1982, 207- 36.
-, “Ismat. Rashidul Khairi’s novels and Urdu literary journalism for women, In C. Shackle (ed.), Urdu and Muslim South Asia, London 1989, 129-36.
-, Sayyid Mumtaz Ali and Tahzib un-niswan. Women’s rights in Islam and women’s journalism in Urdu, In K.W. Jones (ed.), Religious controversy In British India, Albany 1992, 179-99.
-, Other voices, other rooms. The view from the Zenana, in N. Kumar (ed.), Women as subjects. South Asian histories Charlottesville, Va. 1994, 108-24.
–, Secluded scholars. Women’s education and Muslim social reform In colonial India, Delhi 1998a.
-, Women’s magazines In Urdu as sources for Muslim social history, in Indian Journal of Gender Studies 5:2 (1998b), 201 – 14.
-, (trans.), Voices of silence. English translation of Altaf Husain Hali’s Majalis-un-nissa and Chup ki dad, Delhi 1986.
V. T. Oldenburg, Lifestyle as resistance. The case of the courtesans of Lucknow, In D. Haynes and G. Prakash (eds.) Contesting power. Resistance and everyday social relations in South Asia, Berkeley 1991, 23- 61.
F. Parks, Wanderings of a pilgrim in search of the picturesque, 2 vols., London 1850, repr. Karachi 1975.
L. Peirce, The Imperial harem. Women and sovereignty In the Ottoman Empire, New York 1993.
C. Petievich, Gender politics and the Urdu ghazal. Exploratory observations on rekhta versus rekhti, in Indian Economic And Social History Review 38:3 (2001), 223-48.
C. Preckel, Begums of Bhopal, New Delhi 2000.
R. Russell, The pursuit of the Urdu ghazal, Journal of Asian Studies 29:1 (1969), 107-24.
M. Sadiq, A history of Urdu literature, Delhi 1984.
P. Spear, The nabobs, A study of the social life of the English in eighteenth century India, London 1932, rev. ed. 1963.
S. Suhrawardy (Ikramullah), A critical survey of the development of the Urdu novel and short story, London 1945.
Tahzib un-Niswan, Urdu women’s magazine, Lahore.
S. Tharu and K. Lalita (eds.), Women writing in India, 2 vols., New York 1991.
Ashraf “Ali Thanawi, Perfecting women. Maulana Ashraf ” Ali Thanawi’s Bihishti Zewar, trans. B. D. Metcalf, Berkeley 1990.
Zillus Sultan, Urdu women’s magazine, Bhopal