جنوسة الدماغ

تاريخ النشر:

2009

جنوسة الدماغ

عرض: وسام كمال*

صدر هذا الكتاب ضمن سلسلة (عالم المعرفة) عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت عام 2008، وهو من تأليف (ميليسا هاينز)، وترجمة د. ليلي الموسوى. يتكون الكتاب من 367 صفحة من القطع المتوسط، تبدأ بتقديم المترجمة، ثم مقدمة الكاتبة، ثم شكر، يليها أحد عشر فصلاً، وينتهى بالهوامش، والمراجع. ويعرض هذا الكتاب أهم الأفكار النظرية والدراسات العلمية في مجال الجنس والجنوسة (الجندر)، ويطرح العديد من الحقائق مثل «أن الجينات تؤثر في الهرمونات الجنسية فتؤثر في السلوك»، والسلوك والخبرة يؤثران في الهرمونات الجنسية التي تؤثر في التعبير عن الصفات وآلية التنظيم البيولوجية. وهكذا لا تعود فروق الجندر، وفروق الجنس فئتين متباينتين بل جزء من استمرارية ثنائية التأثير.

تتحدث المترجمة في مقدمتها عن أهمية الكتاب وما وجده من احتفاء كبير عندما نشر في الغرب، وأيضًا عن مكانة الدكتورة هاينز وخبرتها العميقة في علم الوراثة والمحددات البيولوجية والاجتماعية للفروق الجنسية، أما في مقدمة الكاتبة فتشير الكاتبة إلى أنه نتيجة للتحصيل العلمي الواسع الذي تلقته فقد جلبت ثلاث وجهات نظر في أصل الفروق الجنسية: منظور علم الشخصية/ الاجتماعي/ التطوري، ومنظور علم الأعصاب، ومنظور إكلينيكي. تقول أيضًا إنها قد سعت إلى أن يكون الكتاب مفهومًا من قبل شريحة واسعة من القراء، وهو ما نجحت فيه بالفعل، فقد نجحت بالفعل أن يكون الكتاب مفهومًا من قبل الأكاديميين في جميع التخصصات، الإكلينيكيين وعلماء النفس، الطلبة في مستوى الدراسات العليا والدكتوراة، وأيضًا القارئ العادي المهتم. وعند قراءة هذا الكتاب يتوصل المرء إلى أن هذه الفروق هي في الواقع غير ذات معنى. ولعل أهم جوانب تميز الكتاب تركيز المؤلفة على الأخطاء التي تقع فيها أبحاث الجندر، وإصرارها على أن هذا الموضوع من التعقيد إلى درجة يصعب معها الوصول إلى استنتاجات مباشرة ونمطية.

بدأت الكاتبة الفصل الأول الفروق الجنسية في سلوك الإنسانبرصد إحصائيات عن الفروق الجنسية في الأدوار الاجتماعية مثل: إنه في مطلع القرن العشرين كان ما يزيد على 90 % من عتاة المجرمين في الولايات المتحدة من الرجال، وضمن الأسر، عندما يكون كلا الوالدين يعمل دوامًا كاملاً، فإن أكثر الأعمال المنزلية ورعاية الأطفال تقع على عاتق النساء، كما أن متوسط دخل المرأة العاملة أقل بكثير من متوسط دخل الرجل، أيضًا أكثر مراكز القوى السياسية يتقلدها الرجال وتختلف الإحصاءات الدقيقة نوعًا ما في البلدان الأخرى، إلا أنه في كل الحالات يسود الذكور جميع التخصصات.

فما الذي يسبب هذه الفروق الجنسية في الأدوار الاجتماعية؟ تقول الكاتبة إن هناك اتجاهين للإجابة عن هذا السؤال، الأول هو إرجاع نشوء هذه الفروق إلى العوامل الاجتماعية، الأبوان يعاملان البنات بطريقة مختلفة عن الأولاد، وكذلك المعلمون. والمجتمع عمومًا يتوقع، بل ويشجع، أمورًا مختلفة من البنات في مقابل الأولاد، ومن الرجال في مقابل النساء. أما الاتجاه الثاني وهو الذي تبناه العلماء الدارسون للعمليات التي تحدد الذكورة والأنوثة في الأنواع الحية الأخرى فقد استنتج العلماء أن العوامل البيولوجية، خصوصًا الهرمونين الجنسيين، الأندروجين والاستروجين، لها تأثير كبير في تطور أجزاء من الدماغ التي تظهر فروقًا جنسية، وكذلك في السلوك الذي يظهر فروقًا جنسية. وهذا الاتجاه الأخير قد تبناه عدد من الكتاب من ذوى الشعبية، لتوضيح الفروق في الأدوار والمكانة والدخل بين الرجال والنساء، وفي بعض الحالات انضم إلى هؤلاء الكتاب الشعبيين علياء من ذوى المؤهلات العلمية الرصينة، وتبنوا وجهة النظر التي تقول إن الفروق الوراثية بين الرجال والنساء تفسر سلوكهم ومكانتهم المتباينة.

إن أحد أهداف هذا الكتاب سيكون تقييم مثل هذه المقترحات بالنظر مباشرة إلى البحث الذي تستند إليه. لذا سيحاول الكتاب أن يوضح عما إذا كانت العوامل البيولوجية تسهم في الفروق السلوكية الجنسية أم لا؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فهل ستحد هذه الإسهامات من إمكانات الذكور والإناث أو تفسر الفروق الجنسية في الشخصية والقدرات الإدراكية والأدوار الاجتماعية، والمكانة المهيمنة، أو الدخل؟

ويحاول بعض المؤلفين التمييز بين فروق الجندروفرق جنسي، بحيث تعد فروق الجندر محددة اجتماعيًا، في حين تقوم الفروق الجنسية على أسس بيولوجية، وترى الكاتبة أنه نظرًا لمحدودية معرفتنا بها هو محدد اجتماعيًا أو بيولوجيًا يستحيل مثل هذا التمييز، أيضًا من المحتمل جدًا أن كثيرًا من الفروق السلوكية والجنسية هي نتاج تفاعلات معقدة بين عدد من المؤثرات المتباينة، يعتبر بعضها عمومًا بيولوجيًا والبعض الآخر اجتماعيًا، فان التمييز بين المؤثرات البيولوجية والاجتماعية لهو أمر زائف نوعًا ما، فكل سلوكنا محكوم من قبل أدمغتنا، وبهذا المعنى هو ذو أساس بيولوجي، ولهذه الأسباب فإن مصطلحي فروق جنسيةو فروق جندركما سيستخدمان في هذا الكتاب لن يشيرا إلى أسباب مختلفة.

ثم تتطرق الكاتبة لمدى إمكانية قياس الفروق الجنسية وصعوبتها لأنه لا يمكن مشاهدة السمات السيكولوجية مباشرة، أيضًا لا يوجد إجماع على أدوات وطرق القياس الأنسب لتقييم الفروق الجنسية السيكولوجية السلوكية، كذلك يصعب البحث في الفروق الجنسية السيكولوجية نظرا لامتلاك الأفراد منظورهم وأفكارهم الخاصة عن الفروق الجنسية على عكس العلوم الأخرى كالفيزياء أو اللغة. كما أشارت إلى المشكلات المتصلة بدراسة الفروق الجنسية بشيء من التفصيل وهي:

المبالغة في نشر النتائج المثبتة، والميل إلى نشر دراسات تذكر وجود فرق جنسي وعدم نشر دراسات مشابهة لم يتضح فيها أي فرق جنسي.

الانحراف المنمط في الإدراك، وهذه المشكلة تتعلق بالميل إلى رؤية العالم من منظور من المعتقدات والافتراضات والخبرات الشخصية.

خصوصية المواقف، وهو احتمال اختلاف الفروق الجنسية في السمة من موقف إلى آخر.

الاختلاف بشأن النتائج المستخلصة بطرق مختلفة، وهذه المشكلة تشير إلى الحالات التي يؤدى فيها استخدام المناهج المختلفة والمعدة للإجابة عن السؤال نفسه إلى نتائج متضادة.

تنتقل الكاتبة بعد ذلك إلى حجم الفروق الجنسية السيكولوجية في عدة جوانب فمثلا تقول إن أكبر الفروق الجنسية السيكولوجية في البشر هي التي تحدث في هوية النوع المركزية (شعور الفرد بنفسه كذكر أو أنثى)، وأيضًا الميول الجنسية (الانجذاب الجسدي والاهتمام بالشريك التزاوجي). أيضًا شرحت بتفصيل ماهية الفروق الجنسية في القدرات الذهنية والرياضية والعدوانية واستخدام اليد اليمنى أو اليسرى.

ينتهى الفصل الأول بفقرة بعنوان إلى الأحسن أم إلى الأسوأ؟تقول فيه الكاتبة إنه على الرغم من أن معظمنا يبدو أنه ذكر أو أنثى بوضوح، فإن كلا منا هو فسيفساء معقدة من السمات الذكرية والأنثوية.

وتخصص الكاتبة الفصل الثاني من الكتاب لشرح آلية تكون الجنين ومراحل نموه المتعددة بدءًا من اندماج المعلومات الوراثية من الأب (الحيوان المنوى) مع المعلومات الوراثية من الأم (البويضة)، مرورًا بكل التطورات التي تطرأ عليه وصولاً إلى مولود ذكر أو أنثى. وتشرح أيضًا بدقة المؤثرات التي يتعرض لها الجنين والتي تجعله في النهاية مولودًا (خنثى).

في البداية تقوم الكاتبة بتعريف كلمة «خنثى» فهي الحالة التي تكون فيها الأعضاء التناسلية الخارجية للمولود غير واضحة، فهي ليست ذكورية أو أنثوية بوضوح. وتعرضت الكاتبة بكل الدقة والتفصيل موضحة بالرسوم كيفية تكون الجنين وآلية التمايز الجنسي سواء إلى خصيتين أو إلى مبيضين، كما توضح الكاتبة أن في كل حالة يفرز كل من الخصيتين أو المبيضين هرمونات تؤدى إلى ظهور صفات الذكورة أو صفات الأنوثة. ثم شرحت سبل التباس الأعضاء التناسلية والذي يؤدي إلى الوصول إلى حالات الخنثي، أو إلى الوصول لمتلازماتها (1) مثل المتلازمة الكظرية التناسلية والتي تكون فيها المصابة مولودة ببظر طويل وشفرتين شبه ملتحمتين، أو متلازمة انعدام الحساسية للاندروجين والتي يكون فيها المصاب مولودًا بأعضاء تناسلية خارجية أنثوية. وتستمر الكاتبة في شرح عدد من المتلازمات بكثير من الدقة التي تكون مفهومة للقارئ العادي مثل (متلازمات حالات ما بين الجنسين – القصور الإنزيمينقص الأندروجين بعد الولادة – ملازمة تيرنر).

تنتقل الكاتبة بعد ذلك إلى الحديث عن العلاج بالهرمونات أثناء فترة الحمل وتأثيراته والتي كان يعتقد أنها تحمى من الإجهاض في فترة سابقة لكن الدراسات أثبتت أنها على العكس تزيد من خطر الإجهاض، وهي أيضًا تؤدى إلى ولادة المولود بأعضاء تناسلية مبهمة.

تتطرق أيضًا الكاتبة في هذا الفصل إلى الذكور ذوى الغدد الجنسية السليمة ولكن يربون كإناث فتقول إنه في بعض الأحيان يصنف الذكور الذين يعانون من قصور شديد في نمو الأعضاء التناسلية الخارجية كبنات ويربون على ذلك، بناء على الاعتقاد أنه سيكون من المستحيل أن يقوموا بدورهم كذكور من دون قضيب سليم. وقد ينتج. بسبب خلل في مستقبلات الهرمونات.

وتنهى الكاتبة هذا الفصل بالحديث عن التباين الطبيعي وتقول إن المحصلة الجسمانية النهائية لتعرض الإنسان ما قبل الولادة لبيئات هرمونية غير عادية تتوافق مع النتائج المشاهدة في التجارب التي تتلاعب بالهرمونات في الثدييات الأخرى.

الفصل الثالث بعنوان الحيوان الجنسيوتشرح فيه الكاتبة تأثير الهرمونات على السلوك الجنسي في الثدييات بشكل عام. وكيف أن زيادتها أو نقصها يؤثر في تغيير هذا السلوك، توضح أيضًا أنه لو تم تبديل الهرمونات المحقونة للذكر والأنثى في الوقت المناسب، يظهر على الأنثى سلوك الذكر ويظهر على الذكر سلوك الأنثى. والمقصود بالوقت المناسب هو الوقت المناسب من نمو الدماغ. أيضًا توضح الكاتبة أن تأثير الهرمونات لم يتوقف فقط على السلوك الجنسى بل يصل أيضًا إلى السلوكيات الأخرى مثل مستوى النشاط، نمط الأكل، ووزن الجسم.

أما الفصل الرابع الجنس ودماغ الحيوانفيبحث بشكل علميموضح بالرسوم والدلائل من الأبحاث المختلفةفي الفروق الجنسية في الدماغ وتركيبها وحجمها وأيضًا الفروق الجنسية في البيئة العصبية، ويتلخص في أنه إذا وجدت فروق جنسية في السلوك، إذا يوجد فروق جنسية في الدماغ وتركيبها ولكن يتوقف هذا على مدى تأثير السنة الهرمونية وبيئة التربية أيضًا. حيث أوضح أحد البحوث الذي ذكرته الكاتبة في هذا الفصل والذي قارنت فيه بين بنية الدماغ في الحيوانات الذكور والإناث التي ربيت إما في بيئات معقدة (تعيش في أقفاص مع مجموعات من الحيوانات وفي وجود قطع خشبية وبلاستيكية ومعدنية، مع قضاء جزء من اليوم في محيط أكبر بعدد أكبر من الأشياء) أو معزولة في بيئة انفرادية أو فقيرة (ظروف فقيرة: تعيش منفردة مع عدم وجود أى أغراض وبدون خبرة خارج القفص)، فشوهدت فروق جنسية في البنية الدقيقة للمحاور العصبية التي تشكل مؤخرة الجسم، وذلك نظرًا لتأثيرات ظروف التربية أيضًا، والحيوانات التي ربيت في ظروف معقدة أظهرت أنماطًا مختلفة من التمايز الجنسي من تلك التي ربيت في ظروف فقيرة.

ويأتي الفصل الخامس الهرمونات الجنسية والسلوك الجنسي في الإنسانليبحث في الهوية الجنسية. والتي تتألف من ثلاثة مكونات:

هوية الجنوسة المركزية (إحساس الذات بالذكورة أو الأنوثة).

الميول الجنسية (جنس الشريك التزاوجي في الخيال أو الواقع).

الدور الجنوسى (السلوكيات التي ترتبط فعليًا بالجنوسة).

وهذه الأبعاد الثلاثة متوافقة في العادة، بحيث إن الفرد ذا الميول الذكورية النمط هو أيضًا ذكر في هوية الجندر المركزية وذكورى من حيث سلوك دور الجندر، بينما الفرد ذو الميول الأنثوية النمط هو أيضًا أنثى في هوية الجندر المركزية وأنثوية من حيث سلوك دور الجندر. لكن في بعض الأحيان لا تتوافق الأجزاء المكونة للهوية الجنسية. على سبيل المثال، رجل بهوية جندر مركزية ذكورية ودور جندر ذكوري قد تكون لديه ميول جنسية أقرب إلى نمط الإناث (أي نحو الذكور). كذلك، فقد يكون للمرأة سلوك دور جندر أنثوى تشعر بأنها امرأة، ولكنها تنجذب جنسيًا إلى النساء الأخريات. وفي أفراد آخرين، قد تتناقض هوية الجنوسة المركزية مع الجنس الوراثي والخارجي. فان الفرد الرجل وراثيًا وبأعضاء تناسلية خارجية وأعضاء تكاثرية داخلية ذكرية قد يشعر بأنه امرأة، أو الأنثى وراثيًا بأعضاء تناسلية خارجية أنثوية قد تشعر أنها رجل. مثل هؤلاء الأفراد يعانون اضطراب الهوية الجنسية، وإذا قرروا تغيير مظهرهم ليتوافق مع جنسهم السيكولوجي، أو يخضعون للعلاج الهرموني وتغيير الجنس جراحيا، فإنه يطلق عليهم متبدلي الجنس وحتى في هؤلاء الأفراد قد تتناقض هوية الجندر المركزية والميول الجنسية. بعض الأفراد متبدلى الجنس، خصوص الذكر وراثيًا من الذين يشعرون بأنهم إناث سيكولوجيا، يهتمون بشركاء تزاوجيين من الإناث، في حين أن البعض الآخر يهتم بشركاء تزاوجيين من الذكور، لذا، فان هوية الجندر المركزية والميل الجنسي، بالإضافة إلى سلوك دور الجندر، هي سمات منفصلة وقد تظهر أنماط مختلفة من العلاقات مع الهرمونات.

 

عرضت الكاتبة عددًا من الدراسات والأبحاث، منها ما يثبت أن الاضطراب في هوية الجندر هو نتاج لتغييرات في البيئة الهرمونية خلال الفترات الحرجة لتطور الدماغ، أو أن البيئة الاجتماعية هي الأساس في تحديد الهوية الجنسية. فعلى سبيل المثال في إحدى الدراسات أن سبع إناث تعرضن لهرمونات ذكورية قبل الولادة، أربعة منهن أنثن جراحيًا، وصنفن وأنشئن على أنهن فتيات. والثلاث الأخريات صنفن على أنهن أولاد وقد نتج عن تعرضهن لهرمونات الذكورة تذكير شديد في الأعضاء التناسلية. قد ذكرت الدراسة في الحالات السبع أن هوية الجندر المركزية تتوافق مع جنس التربية بغض النظر عما إذا كان ذلك الفرد ذكرًا أم أنثى. لذا كان الأفراد الذين ربوا على أنهم ذكور راضين عن جنسهم والأربعة المصنفون والمنشؤن كإناث كانوا راضين عن جنسهن. وتذكر الكاتبة أن نتائج الدراسات متباينة وأن أحد عوامل تلك التباين هو المصدر الذي ينتقي منه الأفراد المشاركون في الدراسة.

تستعرض الكاتبة أيضًا في هذا الجزء العديد من الدراسات والأبحاث في تحديد الميول الجنسية وتأثرها بالهرمونات، وعلى الرغم من تباين وتناقض نتائج الدراسات فإن الكاتبة تستخلص منها أن الأفراد ذوي التواريخ الهرمونية المشابهة خلال مرحلة ما قبل الولادة، والذين صنفوا بالجنس المناقض، يكتسبون في العادة ميولاً جنسية متوافقة مع أعضائهم الجنسية التي أعيد بناؤها، ومع التشكيل الاجتماعي ما بعد الولادة، بغض النظر عما إذا كان ذكرًا أو أنثى. على سبيل المثال، الأفراد ذوو التركيب الذكوري والذين تعرضوا لهرمونات أنثوية وأنثن جراحيًا وربوا كبنات، من الممكن أن يهتموا بشريك تزاوجي من الرجال، في حين أن أفراد بنفس التركيب والتأثر الهرموني ولكن ربوا كأولاد قد يكون لديهم اهتمام تزاوجي بالنساء. وبالمثل في الإناث.

أيضًا توضح الكاتبة أنه يظهر الاختلاف في الميول الجنسية عبر سلسلة العائلة، ففى العائلة التي فيها فرد مثلى أو ثنائي الجنوسة يصبح احتمال وجود أفراد آخرين فيها بالميول نفسها أكبر على الرغم من أن هذا لا ينفى إمكان أن بيئات عائلية معينة أو ممارسات التربية التي يستخدمها الأبوان تجعل الأبناء عرضة للمثلية، كما تقترح البيانات احتمال وجود قابلية وراثية.

وأنهت الكاتبة هذا الفصل بحديثها عن الاهتمام الجنسي وعلاقته بالهرمونات، فالاهتمام الجنسى يرتبط جديًا بالهرمونات ما بعد البلوغ سواء في الرجال أو النساء، وإن كان في الرجال يظهر قدرا أعلى من الاهتمام الجنسي عن النساء.

في الفصل السادس الجنس واللعبتتعرض الكاتبة لمسألة اللعب عند الأطفال هل ترتبط أنواع وطرق اللعب بالجنس. وفي هذا الموضوع تستعرض الكاتبة اتجاهين من الدراسات، الأول الذي يثبت أن اختيار الألعاب عند الأطفال – الأولاد يختارون ألعاب مثل السيارات والمسدسات، والفتيات يخترن الدمى وأطقم الشاىيرتبط بالهرمونات في الجسم وأن الهرمونات الذكورية عند الذكور تدفعهم لاختيار الألعاب الذكورية، وبالمثل عند الفتيات، وهذه الدراسات تستشهد بالفتيات اللاتي تعرضن لهرمونات ذكورية ما قبل الولادة واللاتي أصبحن يخترن ألعابًا ذكورية ورفاق لعب ذكورا. أما الاتجاه الآخر فهو يقضى بأن في تنشئة الأولاد والفتيات يعاملون أو يعززون بطرق مختلفة، عمومًا، للعب بالألعاب النمطية جنسيًا بالذات وأنهم يتخذون من سلوك الآخرين من نفس الجنس نموذجا يقلدونه. ومن هذا المنظور فسلوك الفتيات المتعرضات لهرمونات ذكورية يفسر بأن الوالدين يتوقعون سلوكًا مختلفًا ذكوريًا ويعززانه بطرق مختلفة.

من ناحية أخرى يقلد الأطفال سلوك الأطفال والبالغين من الجنس نفسه أكثر من الجنس الآخر. وعندما تعرض عليهم أشياء محايدة جنسيًا (مثلا، تفاحة أو موزة)، فإن الفتيات فيما بعد يخترن الغرض الذي اختارته النساء، في حين يفضل الأولاد الغرض الذي اختاره الرجال. كما أن الأطفال يتأثرون بالتصنيفات لما هو لـ (الفتيات) مقارنة بما هو لـ (الأولاد). وعندما تعرض عليهم لعبة محايدة مثل الأداة الموسيقية (الاكسليفون) أو البالونات، فإن الفتيات نمطيًا يخترن اللعبة التي أخبرن أنها لـ (الأولاد). إن تأثير التصنيف جنسي النمط لهو أقوى من تأثير النماذج، لكن التأثيرين هما تأثيران مضافان إلى الأشياء، فالأطفال في الغالب سيلعبون بلعبة عندما تصنف على أنها لجنسهم وأيضًا عندما يرون آخرين من جنسهم يستخدمونها.

تنتقل الكاتبة بعد ذلك لتقييم السلوك العدائي وعلاقته بالهرمونات ووجهات النظر الاجتماعية والإدراكية في ذلك من خلال الفصل السابع الأندروجين والسلوك العدواني“- المقصود بالأندروجين هرمونات الذكورةوفي هذا السياق تعرض الكاتبة نماذج تأثير الهرمونات في السلوك العدواني في الحيوانات وفي الإنسان، وتعرض وجهات النظر الاجتماعية والإدراكية في السلوك العدواني في الإنسان. ثم تستخلص من خلالهما أن هناك قدرًا ضئيلاً من الأدلة، هذا إن وجدت أي أدلة على الإطلاق، تدعم تأثير الهرمونات في السلوك العدواني في الإنسان أو في أي سمات سيكولوجية، مثل الغضب أو السيادة، من التي يعتقد أنها ترتبط بالسلوك العدواني. وعلى الرغم من أن هناك بعض الأدلة على أن التعرض للأندروجين ما قبل الولادة يرتبط بالميول العدوانية في الاستجابات في المراحل التالية، فإن الدراسات حتى يومنا هذا قد اعتمدت على عينات صغيرة لم تكن نتائجها متوافقة دومًا.

أيضًا هناك احتمال يتعلق بنتائج الدراسات، هو أن الجنس في حد ذاته يشكل تحديًا من حيث البحث التجريبي. ففرد من ثقافتنا، سواء كان عالما أم لا، قد تكون لديه خطة جندر تتضمن فكرة أن الرجال أكثر عدوانية، لذا فإن الفرد ذا الخطة الإدراكية التقليدية حول أن الفروق الجنسية في ثقافتنا من المحتمل أنه سيربط الذكورة بالعدوانية. وعلى الرغم من معظم الناس غير واعين بخططهم الإدراكية، فإن هذه الخطط قادرة على إيقاع تأثيرات قوية في رؤيتهم للأمور. عمومًا يميل الناس إلى تذكر المعلومات التي تتوافق مع خططهم، ولعدم ملاحظة المعلومات غير المتوافقة أو تشويهها أو نسيانها.

ثم تنتقل الكاتبة إلى مسالة الأبوة والأمومة من خلال الفصل الثامن الهرمونات والأبوة والأمومةوتبدأ فيه بعرض النماذج الحيوانية للأبوة، ومن خلال هذا الجزء نجد أن في الحيوانات أنواعًا توكل مسألة التربية ورعاية الصغار للذكور وأنواعًا أخرى للإناث وهناك أنواع تترك الصغار لتعيل نفسها مبكرًا بعد الولادة. وتوضح بالأبحاث المختلفة أن لا علاقة بالهرمونات في ذلك. ثم تنتقل بعد ذلك إلى الفروق الجنسية في الأبوة في الإنسان من خلال حديثها عن التأثيرات الاجتماعية والثقافية، والتأثيرات الهرمونية في الإنسان. وفي هذا الجزء تعرض الدراسات والأبحاث التي تثبت أن للتأثيرات الاجتماعية والثقافية دورًا في إظهار صفة الأمومة والأبوة وأن للهرمونات تأثيرًا في ذلك أيضًا. وتستخلص من ذلك كله أن إحدى القضايا العامة في البحث بشأن سلوك الأبوة، خصوصًا في البشر هو استخدام الدراسات المختلفة مقاييس متباينة وعدم وجود مصداقية تنبئية لهذه المقاييس، من حيث النتائج بالنسبة إلى النسل. كما أن هناك قدرًا ضئيلاًهذا إن وجد أي قدرمن المعلومات عن كيفية ارتباط مقاييس الاهتمام بسلوك الأبوة بعضها ببعض، وبالسلوك الفعلى لرعاية الأطفال، أو نتائج ذلك على الأطفال. وعلى الرغم من أن الفتيات عمومًا يذكرن عن ذواتهن أنهن أكثر اهتمامًا بالتربية من الأولاد، لم تتوصل الدراسات إلى أنهن يظهرن اهتمامًا أكبر في المساعدة أو قدرًا أكبر من سلوك المساعدة عندما يجابهن مسئولية رعاية طفل. بالإضافة إلى ذلك ليست هناك معلومات عما إذا كانت الاستجابة للاستبيانات قبل أي تجربة مع الأطفال، أو الاهتمام بأطفال الآخرين، وقبل الاهتمام بأطفال الفرد نفسه، ترتبط بمشاعر التربية أو سلوك الرعاية تجاه أطفال الفرد نفسه، وأقل من ذلك فيما يتعلق بالنتائج من حيث سلامة النسل.

على الرغم من ذلك، هناك بعض الأدلة على أن الهرمونات في الحمل تؤدي دورًا في سلوك الأبوة أو سلوك التعلق عند الإنسان. أضف إلى ذلك أن البيئة الهرمونية المبكرة – خصوصًا مستويات الأندروجين ما قبل الولادةقد تؤثر في الاهتمام بالرضع، على الأقل كما يشار إليها في استبيانات الورقة والقلم. لكن عند اعتبار الفروق الجنسية الطفيفة في القدرة على إظهار سلوك الأبوة في البشر وغيرهم من الثدييات، والتأثير الكبير جدًا للعوامل الاجتماعية والخبرة والبيئة الحالية في سلوكيات الأبوة في الرئيسيات، فقد افترض عمومًا أن دور الهرموناتإن وجد لها دور على الإطلاقهو دور ثانوى نسبيًا.

تعيد الكاتبة مرة أخرى دراسة الفروق الجنسية في الإدراك ولكن بشكل أكثر تفصيلاً من خلال الفصل التاسع الأندروجين والأستروجين والإدراك، وتبحث فيه عما إذا كان للهرمونات علاقة بتطور الإدراك والذكاء في الإنسان، وتتعرض أيضًا للنماذج الحيوانية. وتخرج بخلاصة أنه من المنطقى أن نفترض أن الهرمونات الجنسية تؤثر في تطور أو التعبير عن الجوانب المختلفة الأداء الإدراكي الذي يظهر فروقًا جنسية. لكن، افتراض وجود مثل هذه التأثيرات على الرغم من عدم توافر بيانات متسقة تدعم ذلك قد خلق عددًا من المشكلات دون الوصول إلى استنتاجات قطعية في هذا المجال. إحداها كانت التركيز على الفئات العامة من القدرات مثل القدرات البصرية المكانية أو القدرات اللفظية، التي شاع الافتراض بأنها أفضل في الذكور أو الإناث، في حين أن الفروق الجنسية محدودة بقدرات خاصة في هذه الفئات. وهذا أمر مهم لأن الهرمونات يتوقع أنها تؤثر فقط في تلك المهام التي تظهر فروقًا جنسية كبيرة وثابتة. المشكلة الثانية كانت تحيزات اختيار العينة. لأن التجارب الحقيقية التي تتضمن التلاعب بالهرمونات في الإنسان هي غير أخلاقية إلى حد كبير، فقد اعتمد الباحثون على أولئك الذين يختارون التقدم للعيادة الطبية برغبتهم لتلقي العلاج الهرموني. ولأن هؤلاء الأفراد من المحتمل أنهم أعلى تعليمًا أو ذكاء من المعتاد، فقد يبدو أن الهرمونات تعزز الوظيفة الإدراكية، سواء ما قبل الولادة أو عند البلوغ، من دون أن تؤدى إلى ذلك فعليًا. والمشكلة الثالثة هي عدم الانتباه لاحتمال المبالغة في نشر النتائج الايجابية.

هل أدمغة الرجال والنساء متشابهة أم مختلفة؟ هذا هو السؤال الذي طرحه وأجاب عنه الفصل العاشر الجنس ودماغ الإنسانوالجواب هو الاثنان معًا، في الجزء الأكبر تتشابه أدمغة الرجال والنساء. لكن تختلف في بعض الجوانب، هذا الفصل يصف ما نعرفه عن طبيعة هذه الفروق الجنسية، بالإضافة إلى مغزى ذلك بالنسبة إلى السلوكيات الإنسانية التي تظهر فروقًا جنسية.

ينتهى الفصل بفقرة بها الخلاصة والاستنتاجات، وهي أن هناك فروقًا جنسية في دماغ الإنسان، ومن المحتمل الإشارة إلى المزيد منها في المستقبل. والعلاقة بين هذه الفروق الجنسية والفروق الجنسية في سلوك الإنسان هي موضع اهتمام. أخيرًا، إذ شاعت اقتراحات تقول إن الفروق الجنسية في الحجم الكلى للدماغ تؤدى إلى فروق جنسية في الذكاء، فإن ذلك يرجع إلى اقتراحات عن العرق والجنس ظلت تسود ولم تلبث أن اضمحلت لما يقل عن قرن من الزمن. هناك عدة أسباب لدحض مثل هذا الاقتراح، بما في ذلك الحاجة إلى دماغ أكبر للتحكم في الجسم الأكبر، وعدم وجود فروق جنسية واضحة في الذكاء، والقدرة على إعداد مقاييس ذكاء لمصلحة جنس دون الآخر، لكن سيكون من الخطأ عدم النظر في الفرضيات التي تقترح وجود فروق جنسية في أجزاء من الدماغ، خصوصًا تلك التي تنظم الوظائف التي تظهر فروقًا جنسية. وعلى الرغم من ذلك كله، هناك قدر قليل من البيانات التي تربط بين الفروق الجنسية في بنية الدماغ، والفروق الجنسية في السلوك. بالإضافة إلى ذلك وعند النظر إلى علاقات الدماغالسلوك، فإنها لا تشير بالضرورة إلى أن السلوك موضع السؤال هو سلوك فطرى. فالخبرات قد تغير من الفروق الجنسية في بنية الدماغ. كذلك يرتبط عدد من الفروق الجنسية في بنية الدماغ كما هو متنبأ لهابالسلوكيات المتمايزة جنسيًا نفسها. لذا فان الفروق الجنسية قد تعكس التأثير العام لعامل أو لعدد من العوامل (مثلاً الهرمونات، الخبرات المبكرة) التي تؤثر في الجوانب الكثيرة من التمايز الجنسي.

أما الفصل الحادي عشر والأخير في هذا الكتاب تجنيس الدماغ، ففيه تعيد الكاتبة بشكل أكثر تفصيلاً شرح مفهومها لمعنى لفظة الفرق الجنوسيوالذي يستخدم للإشارة إلى الاختلاف بين الذكور والإناث بفعل القوى الاجتماعية أو الثقافية، ولفظة فرق جنسیوالذي يستخدم للتعبير عن الاختلافات المحددة بيولوجيا. وأنها تجد التمييز بينهما مستحيلاً لعدة أسباب، أولاً: لأنه يفترض في هذا التمييز أننا نعرف أسباب الفروق السلوكية والسيكولوجية المختلفة بين الذكور والإناث. ثانيًا يشير ضمنيا إلى أن الأسباب إما أن تكون بيولوجية وإما اجتماعية/ ثقافية، في حين أنها في كثير من الحالات مزيج من الاثنتين. ثالثًا أنه يفترض أن العمليات البيولوجية والاجتماعية/ الثقافية مستقلة بعضها عن بعض ويمكن الفصل فيما بينهما. لكن لكل سماتنا السيكولوجية والسلوكية أساس بيولوجي في دماغنا – بغض النظر عما إذا كانت الهرمونات أو عوامل أخرى، بما في ذلك العوامل الاجتماعية هو الذي يدفعنا إلى النمو بطريقة معينةفلقد ترجمت التأثيرات الهرمونية أو الاجتماعية في السمات المادية للدماغ من مثل الخلايا العصبية والمشتبكات العصبية والمواد العصبية الكيميائية. لذا فإن التمييز بين الأسباب البيولوجية والاجتماعية/ الثقافية هو تمييز زائف.

تشير أيضًا إلى التأثيرات الهرمونية والاجتماعية في جنوسة الدماغ. وتستخلص في النهاية إلى أن خططنا الجنوسية أو صورنا النمطية حول الفروق الجنسية وأسبابها، قد قادتنا في بعض الأحيان إلى الاعتقاد بأن للهرمونات تأثيرات سلوكية في مواضع لا تأثير لها حقا، أو أن تأثيرها في الأماكن التي يكون لها تأثير يكون غير قابل للتغيير أو محددة أكثر مما هي الحال فعليًا. وقد أورد البحث التجريبي على الهرمونات والوظائف والسلوك العدواني والإدراكي في البشر قدرًا من النتائج التي تتحدى الصور النمطية الشائعة عن الفروق الجنسية. كذلك، أثبتت هوية جنوسة الإنسان أنها مرنة إلى حد مدهش. بالإضافة إلى ذلك، تقترح البحوث الحديثة أن الدماغ البالغ يستجيب بدرجة ملحوظة، حتى من حيث التركيب، والخبرة وكذلك الهرمونات.

لقد هذا الكتاب لثلاث وجهات نظر في أصل الجنسية وهي: المنظور جمع الاجتماعي، ومنظور علم الأعصاب، والمنظور الإكلينكي. فهو يحفز القارئ على التفكير في عدد من الأسئلة الرئيسية في علمي الاجتماع والأحياء. والكاتبة في شموليتها لا تفتقر إلى دقة المتخصصين، وفى تخصصها العلمي لا تبتعد عن اهتمامات القارئ العادي.

وفى النهاية قارئ/ ئة هذا الكتاب يتوصل إلى أن الفروق بين الجنسين سواء كانت في السلوك أو القدرات هي فروق لا تمت بصلة إلى كون الإنسان ذكرًا أو أنثى. فهناك أبحاث كثيرة تثبت أن تلك الفروق يسببها الجنس، وأبحاث أخرى كثيرة أيضًا تثبت أن السبب هو التنشئة الاجتماعية والثقافية، وبالتالي فهذه الفروق هي في الواقع غير ذات معنى. ولا يجوز أيضًا تعميم النماذج الحيوانية على الإنسان. وبهذا يجب علينا أن نعيد التفكير في ماهية الفروق بين البشر سواء الفرق الجنسي أو العرقي أو اللوني، فهذه الفروق لا ترتكز على أسس اجتماعية فقط أو بيولوجية فقط.

*مساعدة منسقة برنامج منتدى الشابات بمؤسسة المرأة الجديدة.

(1) المتلازمة: هي مجموعة من الأعراض التي تصاحب حالة أو مرض معين.

اصدارات متعلقة

شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6
شهادة 5
شهادة 4