جي
عيلاتنا هنا في الجنوب 1 بنحب نقضي الحاجات سوا. يعني، أما نفلح الأرض نفلح سوا، وستات العيلة بيتلموا يرقعوا اللحاف. أياميها، كانوا يفلحوا ثلاث شهور، ولما تيجي الأيام المريَّحة على أواخر مايو، يونيو، يقطعوا الرقع. في أغسطس يرجعوا الغيط. أكتوبر ونوفمبر، لحد ديسمبر، ويعدي العيد ورأس السنة، ويرجعوا للترقيع والخياطة. تقطع لوحدك، ونرقع سوا.
أول حاجة لما تيجي تشتغل اللحاف, تضرب القطن عالأرض عشان التراب يقوم، وبعدين تكنس الأرض، وتجمع القطن، وتفرش البطانة، وتفرش عليها القطن تاني, تضربه, وتحط عليه الوش, وتقوم واخد الإبرة والخيط، وتسرجه في البرواز.
معظم العيلات هنا كانت بتعمل نفس الكلام، يقطعوا لوحديهم، ويتجمعوا عشان يرقعوا. من نحيتي, في عيليتنا، بنجري في الأمور، ما نمشيش على رسم ولا تفصيلة ولا غيره. العيلات التانية كانوا ياخدوا راحتهم، شغل عالهادي. ما كانوش بيسافروا عالطريق زينا. إحنا يا دوبك نخيط كله في كله ونخلص. ولا نفصل ولا نقسم. بيسموا اللي زي كده “اللحاف المجنون“، ماتعرفش ده مقبل ولا مبحر. عمري ما مشيت على باترون، ولا أي حد في عيليتنا. أنا شغلى أقرب لخالتي “لويلا“، وبرضو مافيش حد بيخيط زبي. كنت أتفرج على أمي لما كانت بتقدر تشتغل حتى هي كانت تخيط على مهل أكتر مني.
ستاتنا اللي كانوا بيشتغلوا اللحاف كانوا كتير وفي كل حتة: أمي وأختها “لويلا باتواي” ، وبنات “ليندا“، “لوسي ويذرسبون” و “جلوريا هوبنس” وحماتي “إنديانا بندولف باتواي“. أختي “ليلي ماي” كانت بتشتغل شغل جميل في اللحاف قبل ما تموت.
بنت خالة أمي “دبورا يانج” كان شغلها حلو برضو, وبنتها “أركولا“. بنتي “إسي” شغلها حلو من وهي صغيرة. بنت دماغها راسية، إصرار. بتحب تشتغل زي شغلي, لكن تعاين الشغل كده وبعدين ترجع البيت وتخليه أحسن.
أبويا كان اسمه “ويزدام موسلي“، امي اسمها “أولار موسلي“. كانت شاطرة تداوي الناس. كانت ست جميلة وحنينة. تروح الغاب وتلم حاجات – ماخدتش منها أنا الحتة دي مافهمش فيها – وتخلطهم سوا وتديهولنا، كان يطيبنا. ما نروحش للدكتور إلا في وجع السنان (ما كانتش تعرف تخلع) أو لما نكسر. الكسور ما كانتش تعرف تعالجها برضو. أمي دلكت ناس كتير ووقفت الوجع. كانت دايماً موجودة, مايفرقش مين محتاجها. تقولك ربنا أمرك تعطي, إياك تقول ما عنديش اللي أديه. لو الناس فكروا إنك ما عندكش حاجة, مش هاتشوف منهم حاجة. لو فكروا إن عندك، هيدوك منه أكتر.
وقتها زمان الأمهات ماكانوش يكلموا بناتهم عالخلفة أبداً. لو كانت قالتلي، ماكنتش خلفتهم. ما كناش نعرف أي حاجة عن إزاي بييجوا دول. أمي كانت تروح للدكتور وترجع بعيل. كنت أعيط وأصلي طول اليوم. كنا فاكرين ان الدكتور إداهولها.
في يوم كنت باجهز أروح المدرسة وأمي منعتني. سألتها ماروحش ليه قالت “مانتيش عايزة تروحي“، فضلت أسألها ماروحش ليه، قالتلي “كبرتي“. كانت تقصد إني حبلى. عيطت وصليت طول اليوم لربنا ياخده مني، بس ماخدوش. كل اللي عمله إنه خلاني كبيرة وسمينة. أول مرة نمت مع حد جاتلي الدورة بعدها. تاني مرة حبلت. اتعلمتها بالصعب كده.
وصلت لسنة ساتة لما حبلت كان لازم أسيب المدرسة. أمي كانت عارفة إن المدرسة مش بتاخدك لو حبلتي. بيخلوكي تسيبيها – وبعد الخلفة ما يخلوكيش ترجعي. أول ما المدرسة تشوفك حبلى، ترجعي على بيتك وتقعدي فيه. كانوا بيقولوا إنه ضد القانون إن ست تحبل وتروح المدرسة. أول ما تخلفي, ما ينفعش تروحي المدرسة تاني أبدًا.
لما بنتي الوحيدة “إسي” تمت أربعتاشر سنة، قعدت اتكلمت معاها هي والصبيان, التلاتة اللي أكبر من “إسي“، و“بيفر“، اللي بعدها على طول وقلتلهم إني صليت لربنا يخليني أعرف حاجات عشان أقول لكم عليها, عشان مايكبروش بغبائي زي ما كبرت. فيه ستات ما بيخلفوش كتير، لكن أنا كنت ولادة، من بدري. كنت عيلة لكن كبرت بدري بدري. خلفت عيل وأنا مش عايزاه. سبت المدرسة. أربعتاشر سنة. ما خلصتش الإعدادية حتى. كنت باجري في الدنيا جري. حتى دلوقتي اللي ممكن أقعد وآخذ راحتي، بس لسه برضو باجري في العيشة.
صليت كتير وقتها لربنا عشان يرشدني. في ليلة وأنا راقدة, جالي منام طويل، كانت الطيارة والهيليكوبتر طايرين فوق دماغنا – وناس كتير عالأرض – ولما الطيارات جت تنزل, الناس بدأت تجري – بس أنا ماجرتش. ناس بيض وسود كلهم مع بعض نزلوا من الطيارة وزي ما يكون كانوا عندهم زي اجتماع كده. صحيت من النوم والمنام مش بيسيب راسي. قلت لأمي “فيه حاجة جاية تحصل هنا في المكان ده.”
فضل يجيلي المنام بتاع الهليكوبتر ده كتير – كنت دايماً أحكي لأمي عشان كانت بتعرف تفسرلي الأحلام، وكانت تقوللي أفضل أصلي، وربنا هيقوللي حاجات. والمنام اتحقق “مارتن لوثر كينج” جه الكنيسة القديمة الكبيرة اللي عندنا هنا في “جيز بند“، فوق عالتلة, كنيسة “بليزانت جروف” المعمودية. وقف هناك واتكلم. مافوتش كلمة.
ولما راح كامدن, بوست إيد جوزي عشان يوافق أروح, بس رحت برضو. ركبنا الربع نقل بتاعة مونرو بتواي جوز بوتني. كنت في المجموعة اللي مع مارتن لوثر كينج لما طلع يشرب مية “الناس البيض“. كان عايزنا نعرف إن المية هي هي، ويعرف الناس البيض إن كل الخلق ممكن يشربوا نفس المية. فطلعت أشرب منها، قامت أختي الكبيرة ليلي ماي مسكتني من البالطو. فردت دراعاتي لورا وخليت البالطو يتسلت من عليا. كنت حالفة لأشرب من نافورة الناس البيض. وصلتلها، لكن أختي برضو شدتني بعيد. نهايته, ماعرفتش أشرب منها يوميها. كانت فاكرة إنهم هيعملوا فيا حاجة وحشة. كانت حنينة وسكرة. وكنت أنا الواد الطالح اللي في العيلة. كنت دايماً تلاقيني مدب وغشيمة. ما أمسكش نفسي عن حاجة. لما في الآخر رحت شربت من مية الناس البيض، لقيتها مافيهاش حاجة مختلفة, ماعرفتش إيه يعني الزيطة اللي عليها دي. ماكنتش فاهمة ليه يحوشونا عنها، إلا لو كانوا شايفيننا وسخين وهنعكرها.
ناسنا هنا كويسين. باشكر ربنا عليهم. تقريباً كده ما تسمعش عن حد قتل حد. وماتشيلش هم لا ضبة ولا مفتاح. لما جيت اتجوزت ورحت مسكرة البيبان, جوزي قاللي “عندنا هنا ما بنسكرش عالحاجات” . كنا نسيب المفاتيح في العربية طول الوقت, وما حدش هوب نحيتها، سنة بعد سنة. أنا راضية هنا في مكاني. آه أروح أزور نواحي تانية، لكن أعيش هناك؟ لأ.
مش عارفة كفاية يعيشني في المدينة. ما باسمعش كويس أصلاً عشان أعيش في المدينة. العربيات سريعة أوي هناك. لما رحت كونيكتكت الناس, في الحتة اللي كنت فيها كانوا كويسين بس ما بيشيلوش بعضيهم. مرة قعدت أتفرج أنا وابني على راجل أبيض بيحاول يحرك طوبة كبيرة، قعد يحفر حواليها طول النهار . قلت لابني “روح ساعد الراجل الأبيض ده” قاللي, “مش هاروح في حتة، ما بنساعدش حد هنا يامّا، إنتي مش في الأرياف“. رحت أنا للراجل وسألته “عايزني أحركلك الطوبة دي؟” قام قاللي “لأ، ما ينفعش أخليكي تعملي كده” فقلتله “تحب أوريك إزاي؟” قاللي “وإنتي تعرفي منين؟” قلتله، “أمي علمتني“.
“ماري لي بيندولف“
فنانة ولدت عام 1935 قصة ماري مع الانجاب هي لمحة على نظرية (العدالة الانجابية) وتقاطعها مع تجارب الواقع المعاش. هذه قصتها كما حكتها في مقابلة مع مؤسسة Souls Grown Deep.
تحتوي هذه الترجمة على إعادة كتابة هدفها تقريب النص الأصلي جماليًا للغتنا بلهجة مصرية مع الحفاظ على روح النص الأصلي.
- جنوب الولايات المتحدة الأمريكية .