حركة استقلال المرأة الفلسطينية

البزوغ والآليات والتحديات *

رباب عبد الهادي**

في بدايات ١٩٩٠ بزغت حركة استقلال المرأة الفلسطينية في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكانت مستقلة إلى حد ما عن قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، فقد طرحت النساء رؤى وتبنين سياسات كانت مخالفة تماما للصور التي رسمت لأمومتهن والدور المناط بهن من قبل الحركة الوطنية. وبينما يمكننا تتبع النشاط النسوي الفلسطيني من بدايات ۱۹۲۰ على الأقل إلا أن الاهتمام المباشر بتحرير المرأة في مواجهة استغراق النساء في الحركة الوطنية قد ميز مواقف وأفعال نساء التسعينيات.

ففي عام 1991 قامت قوة العمل المعنية بقضايا النساء في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وائتلاف يضم أربع لجان نسائية، وأربعة مراكز بحثية وتعبوية ومنظمتان معنيتان بالمساعدات القانونية وعشرات من المنظمات القاعدية واتحادات العمل التطوعي بالإضافة إلى الأكاديميات النسويات بتنظيم ثلاث ورش عمل قامت من خلالها مئات النساء الفلسطينيات بمناقشة وإصدار برنامج نسوى كوثيقة استراتيجية لتمكين النساء الفلسطينيات. وفي عام ١٩٩١ نظمت الجمعية الفلسطينية النسوية الفنار” – التي أنشأت لمقاومة قتل النساء لحماية شرف الأسرة” – مظاهرات شوارع في ثلاث مدن فلسطينية رئيسية داخل إسرائيل، أما في عام 1993 فقد سجل دليل المنظمات النسائية الفلسطينية 174 منظمة نسائية تعمل في ثمان مناطق في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة وشرق القدس، وفي العام ذاته نظمت الفلسطينيات المؤتمرات والندوات واللقاءات حيث نوقش للمرة الأولى العنف ضد النساء، وصحة وحقوق المرأة الإنجابية، ومعدلات التسرب من التعليم للفتيات، وفرض الإسلاميين لقواعد الزي على نساء غزة، والأوضاع القانونية وقوانين الأحوال الشخصية للنساء كما كان هناك تحول واضح في خطاب الإسلاميات اللاتي بعدن عن الخط الرسمي لحركة المقاومة الإسلامية حماسبالدعوة إلى رؤية جديدة لأدوار النساء وحرياتهن. كما لوحظ تطور مشابه بين كوادر النساء في المجموعات الأربعة الرئيسية لحركة التحرير الفلسطينية واللاتي بدأن بالمناقشة والنقد العلني لأوضاع منظماتهن وممارساتها الخاصة بتحرير النساء.

بدأت المطبوعات مثل عشتار، والمرأة، وأصوات النساءو شئون المرأةفي نشر دراسات عن الطلاق، الزواج المبكر، مهن النساء ودور النساء في الاقتصاد غير الرسمى، وتحول محتوى الكتابات النسائية في الجرائد الرئيسية الفلسطينية من التركيز على الطبخ وحسن إدارة المنزل ورعاية الأطفال ليضم مناقشات للشئون السياسية وحقوق النساء. كما تكونت شبكات نسوية مختلفة تبعا للاهتمامات المختلفة جغرافيا وبرامجيا وتنظيميا وفكريا. وفي عام 1994 وصل تأثير الناشطات الفلسطينيات للأكاديميات حيث أنشأت النسويات الأكاديميات/الناشطات برنامج الدراسات النسوية في جامعة بير زيت بغرض نشر الدراسات النسوية المرتبطة بخدمة المجتمع.

إن بزوغ حركة الاستقلال النسوية الفلسطينية وكذلك تعدد أوجه التعبير عنها يشكل أمرا محيرا. لماذا بزغت الحركة في هذا الوقت بالذات؟ كيف يمكن الإلمام بكل الخطابات المتنوعة والأنشطة التي انتشرت عبر شتى فئات الماء الفلسطينيات؟ كيف تغيرت التحديات التي تواجه الفلسطينيات مع تغير البيئة التي ينشطن فيها ويتفاعلن معها خاصة بعد اتفاقية إسرائيل ومنظمة التحرير عام ١٩٩٢؟ تبحث هذه الورقة عن إجابات لهذه الأسئلة، ولهذا الغرض أنشأت نموذجا يدرس الحركة النسوية الفلسطينية تاريخيا ويضعها بدقة في البيئة الاجتماعية السياسية وخطابات الفلسطينيات وأخيرا درست التحديات التي تواجه النساء الفلسطينيات. الشرق الأوسط والسياسات العالمية. كما بدأت بتحليل الظروف التي نشأت فيها الحركة ثم تحولت لمناقشة أنشطة وخطابات الفلسطينيات وأخيرا درست التحديات التي تواجه النساء الفلسطينيات.

تشكلت هذه الورقة من خلال مفهومين نظريين:

الأول نموذج الاختلافللنسويات والذي يقر بتنوع خبرات النساء ويعترف بأن هذه الخبرات تتشكل من تداخل العديد من أنظمة القهر (فلکس ۱۹۹۰: هیل کولنز ۱۹۹۰ : هوکس ۱۹۸۱ : جياوردینا ١٩٨٦: مينها ۱۹۹۱، موهنتي، روسو، وتورس ۱۹۹۱). ثانيا : وبذات الأهمية فإنني أرى التغيرات الاجتماعية السياسية كمؤثر يصوغ نشأة الحركة وآلياتها وسياقها المستقبلي (ستاجنبورج ۱۹۹۱ : تیلور وراب ۱۹۹۳: وايتير 1995). وأنا أعتمد هنا على التحليل الذي يكمن في تداخل الاهتمامات السياسية والاجتماعية وخاصة الإطار العام لبناء العملية السياسية / الظرف السياسي كما يطرحه منظرو الحركة الاجتماعية (بوشلر ۱۹۹۰: کاترنستاين ومولر ۱۹۸۷: مالك آدم ۱۹۸۲، ١٩٩٦؛ مایر ۱۹9۳؛ مالك آدم وماكارثي، وزالد ١٩٩٦ : تارو ١٩٩٤، ١٩٩٦).

ولكن لابد من توسيع تعريف السياق السياسي ليسمح بخصوصية حالة النساء الفلسطينيات. وعلى سبيل المثال قدم ماك آدم وماكارثي وزالد أربعة أبعاد في تعريف بناء الظرف السياسي وهي الانفتاح أو الانغلاق النسبي في النظام السياسي المؤسسي، واستقرار التحالفات الصفوية والتي عادة ما تدعم الدولة ووجود تحالفات من الصفوة، وقدرة الدولة ونزوعها للقمع“. إن النظرة المتعمقة لهذه الأبعاد تكشف عن أن المناقشة محصورة في السياسة التقليدية داخل حدود دولة واحدة على الرغم من أن ماك آدم وماكارثي وزالد أكدوا أن القيود والفرص السياسية تتبع من البيئة الوطنية التي نمت فيها” (٢ ٣ :١٩٩٦).

ولكن التعريف التقليدي غير ملائم لشرح ظهور وآليات الحركة النسوية الفلسطينية. فلقد توزع الفلسطينيون في شتى أنحاء الشرق الأوسط والعالم منذ تأسست الدولة الإسرائيلية في ١٩٤٨ وبالتبعية فإن البيئة التي شكلت آليات الوطنية الفلسطينية والنوع ليست محدودة بحدود دولة واحدة ولكنها تحوى سياسات محلية إقليمية وعالمية. بالإضافة إلى أن التأكيد على بداهة بناء الظرف السياسي قد يحول دون الإشارة للظروف التاريخية الخاصة التي نشأت فيها الحركة الاجتماعية والتي تمنحها طابعها الخاص. وفوق كل هذا يفتقد تحليل ماك آدم وماكارثي وزالد إلى تقدير للعلاقة المتداخلة بين آليات النوع وبنية الظرف السياسي.

ومع ذلك توحى مقابلاتي مع الفلسطينيين والفلسطينيات بأن حركة استقلال المرأة الفلسطينية ظهرت كنتيجة لوضع سياسي وثقافي أفرزه التاريخ وخلق فرصا سياسية من منظور النوع، فالحركة جاءت تتويجا لصراع غنى تحققت فيه ظروف معينة وذلك قبل حدوث التغيرات في بنية الظرف السياسي. هذا التراث الطويل من النشاط والذي ضم صورا مختلفة من العمل الجماعي أنتج نماذج تنظيمية متعددة، وطور شبكة العلاقات مع جماعات نسائية أخرى، وأنتج ثقافة خاصة للصراع والمقاومة. إن ظهور حركة استقلال النساء الفلسطينيات إبان أدنى مستويات المد للحركة الوطنية يشير إلى بروز النوع في بناء الظرف السياسي هذا بالإضافة إلى أن أوجه التعبير والنشاط المتعددة الحركة النساء الفلسطينيات كانت مرتبطة بشكل مباشر بالوضع النوعي الاجتماعي السياسي الذي عملن من خلاله وتفاعلن معه.

 

لم تظهر حركة استقلال النساء الفلسطينيات في فراغ فقد تأثر العمل الجماعي للفلسطينيات بالوضع الثقافي للتراتبية النوعية والظروف المحلية، والتطورات الدولية والإقليمية. فقد واجه نشاط النساء وتفاعلهن على الفور وضعا محليا يتمثل في انصراف الحركة الوطنية الفلسطينية على الرغم من الوعود الكاذبة عن توقعات وتطلعات النساء خاصة أثناء الانتفاضة أو المقاومة الشعبية والسياسات الإسرائيلية التي استغلت المفاهيم الاجتماعية للشرف والمنظومة السائدة للأخلاق. كما تنامي الوضع المحلي الذي عانت من خلاله الفلسطينيات من تصاعد المظالم التي أدت إلى تأكل الانتفاضة والسيطرة السياسية للجماعات الإسلامية وظهور جماعات الشباب أشباه المسلحين والتي أخذت على عاتقها مسئولية فرض نمط محدد للسلوك الأخلاقي، ومثلت التطورات الدولية والإقليمية في نهاية 1980 وبدايات ١٩٩٠ – مثل النظام العالمي الجديد، والبريستوريكا، والجلاسنوست وحرب الخليج مجموعة جديدة من الظروف الطارئة التي فتحت فرصا على مصراعيها للفلسطينيات لتحدي الصورة التي رسمها الوطنيون لأمومتهن عبر المجال الدولي وخاصة قيام الفلسطينيات ببناء شبكة علاقات مع جماعات نسائية أخرى في التجمعات الدولية مما عزز شعورهن بالظلم الواقع عليهن وقدم لهن نماذج أخرى أعدن عبرها ترجمة ونقد خبراتهن. كما كان هناك تطورات أكثر حداثة بما فيها الانتفاضة الفلسطينية الإسرائيلية في 13 سبتمبر ١٩۹۳، وما تلى ذلك من الصراع السياسي بين زعامة عرفات من ناحية والجماعات اليسارية العلمانية والجماعات الإسلامية من ناحية أخرى أدت إلى تغيير جذري في الوضع الاجتماعي السياسي. وتمثل هذه الخريطة المعقدة ذات الأبعاد المتعددة وغير واضحة المعالم الاجتماعية السياسية السياق الذي وظفته الفلسطينيات الناشطات في عملية تراكمية لمراجعة سرد تاريخهن، ومناقشة أدوارهن الاجتماعية والسياسية ومناهضة تبعيتهن وسن شروطا جديدة لمشاركتهن في الحياة السياسية والاجتماعية لمجتمعهن.

يرجع نشاط الفلسطينيات إلى عام ١٩٢١ على الأقل مع تأسيس اتحاد النساء الفلسطينيات والذي قاد المظاهرات ضد وعد بلفور (سعي – 1980: 13) كما نظم الاجتماع العام للنساء الفلسطينيات في القدس ١٩٢٩ (الخليلي ۱۹۷۷ :77)كما لعبت الفلسطينيات أدوارا فاعلة أثناء كل مرحلة من مراحل الكفاح الشعبي أثناء ثورة ١٩٣٦ ۱۹۳۹(هوادی ۱۹۸۹، کنعانی ١٩٧٤، تجميع الجارديان ۱۹۷۷). فقد اعتنت الفلسطينيات بالجرحى، وتظاهرن، ووقعن العرائض، وأخفين الثوار وحملن السلاح للدفاع عن أرضهن (أبو على١٩٧٤ :۳۰ ۳۲). وفي حرب 1947 – 1948 والتي نتج عنها إقامة دولة إسرائيل كان على الفلسطينيات تولى مسئولية أسرهن ووطنهن (کادی ۱۹۸۷: ۲۸ ٢٩) بالتبعية تقلص دورهن الاجتماعي، أما بين 1948 – 1967 فقد انضمت الفلسطينيات للعديد من الحركات السياسية مثل منظمة فتحالتي أسسها ياسر عرفات ورفاقه 1965 (هارت 1948: 116) والحركة الوطنية العربية التي أسسها د. جورج حبش ود. وادی حداد عام ١٩٥٢ (خالد ١٩٧٣) وحزب البعث والحزب الشيوعي الأردني (الخليلي ١٩٧٧: ٩٦) كما لعبت النساء أدوارا محورية في الجماعات الفلسطينية في إسرائيل والتي خضعت للأحكام العرفية الإسرائيلية منذ عام 1948 حتى 1966 وخاصة من خلال الحركة السرية الأرضوالحزب اليساري الإسرائيلي.

وفي عام 1965 قبل قليل من احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة (وأراضي عربية أخرى) تم اختيار وفد من ۱۳۹ امرأة عبر شبكات اجتماعية غير رسمية(أهلية) ومثلن الجاليات الفلسطينية حول العالم، اجتمعن وكون الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات كمؤسسة قاعدية جماهيرية لمنظمة التحرير الفلسطينية تعكس الوعى بقضايا النوع، إلى جانب مناداتها بالدولة الفلسطينية. ولقد اختلف دستور الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات عن مثيله في منظمة التحرير الفلسطينية، فالدستور الوطني الفلسطيني 1968 قصر الهوية الفلسطينية على تلك التي تنتقل من الأب للابنوحدد الجنسية الفلسطينية لكل من يولد لأب فلسطيني” – أضيف التوضيح كما أعيدت من الأم والأب كمانحين للهوية الوطنية لأطفالهم. طباعته (الهوادي ۱۹۸۹: ۳۱). أما الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات فلقد تخطى هذه البنية الذكورية واعترف بكل من الأم والأب كمانحين للهوية الوطنية لأطفالهم.

وفي عام ١٩٦٧ كان الاحتلال الإسرائيلي نقطة تحول للحركة الفلسطينية وكذلك للنساء الفلسطينيات. فقد أدت الهزيمة الساحقة للنظام العربي الرسمي إلى سيطرة مجموعات حرب العصابات على منظمة التحرير الفلسطينية 1968 – 1969 ولقد عرف دستور منظمة التحرير الفلسطينية المطبق حديثا مفهوم الصراع المسلح على أنه الاستراتيجية الوحيدة لتحرير فلسطين مما نجم عنه أن الاستشهاد هو اعلى درجات التضحية والشجاعة. وفي نفس الوقت خلق مناخ الاحتلال والمقاومة تراخيا في السيطرة الاجتماعية مما أتاح للفلسطينيات الانضمام إلى جماعات حرب العصابات مما أدى إلى زيادة انخراطهن في حركة المقاومة. وفي محاولتها لتعبئة أكبر عدد ممكن من أفراد الشعب، واجهت الحركة الوطنية الفلسطينية معضلة تحديد وتعريف أدوار النساء دون المساس بالتوازن النوعي داخل المجتمع الفلسطيني.

لم يختلف الزعماء الفلسطينيون عن غيرهم في الحركات الوطنية الأخرى واعتمدوا على المعايير الاجتماعية الأبوية الموجودة وفي بعض اللحظات عكسوا خطابات المستعمرين (راجع على سبيل المثال تحليل قانونللثورة الجزائرية ١٩٧٣ ١٩٦٥). وعليه حدد الزعماء الفلسطينيون أدوار النساء عن طريق بناء ثلاث صور مختلفة ولكنها متداخلة للأمومة الفلسطينية(1). الصورة الأولىالمرأة الخارقةوهي تمجيد للاستشهاد ورعاية الأبناء: وعلى سبيل المثال قارنت إحدى زعيمات الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات وحركة فتح بين ما يتوقعه زعماء منظمة التحرير الفلسطينية من تصرفات الرجال والنساء قائلة:

لا توجد توقعات معينة للنشطاء الرجال، فحتى لو طلق الناشط زوجته وتزوج من غيرها، أو تزوج من امرأة أخرى مع احتفاظه بزوجته الأولى.. لا تهتز صورته السياسية. ولكن بالنسبة لنا نحن النساء يتوقع منا أن نكون ممتازات في كل شيء : فعلى المرأة أن تكون أما جيدة وزوجة جيدة، وفي ذات الوقت امرأة نشطة تعمل بجد ومناضلة، ترعى منزلها جيدا ووضعها الاجتماعي طيب ومظهرها لائق. هذا غير انساني هل يريدوننا إلهات؟

الصورة الثانية الأم الولودأو التي تعيد إنتاج الأمة وهي صورة تعتمد على الموروث الثقافي فتشجع على أن تنجب المرأة عددا ضخما من الأبناء ويفضل الذكور. وبناء هذه الصورة يظهر أن الزعماء الوطنيين الفلسطينيين لا يعارضون بل يقبلون بالفعل التعريف الإسرائيلي للصراع على أنه حربا ديموجرافية والغلبة فيه للجانب ذي التعداد الأكبر من المواطنين. وعليه فإن إنجاب المزيد من الأطفال للثورةكان كثيرا ما يتردد على لسان رئيس حركة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، وكان يحض النساء على أن تنجب كل واحدة ما لا يقل عن اثنى عشر طفلا (نجار ١٩٩٢ : ٢٥٨). وهذه الدعوة توازي المهمة التي أناط بها بن جوريون النساء اليهوديات (فريدمان ۱۹۹۰) وكانت محاولة للرد على مقولة مشينة لجولدا مائير المرأة الوحيدة التي أصبحت رئيسة وزراء لإسرائيل والتي تحدثت على الملأ عن كوابيسها الناجمة عن إدراكها أن كل صباح سيولد طفل فلسطيني جديد” (مائير 1975 كما أوردت نهلة عبده ١٩٩١: 24).

الصورة الثالثة تعتبر أمومة الفلسطينيات دالة على الشرف الوطني، فالوطن فلسطين، تم تخيله كامرأة محبوبة وقعت ضحية الصهاينة المحتلين وسوف تحرر عن طريق الشباب الذين سيأخذون بالثأر شباب الثأر وهو اسم جماعة المقاومة التي ظهرت في الخمسينيات. وقد شاركت السياسات الإسرائيلية في تكريس هذه الصور. على سبيل المثال بعد قليل من بداية احتلال ١٩٦٧، درس المحققون الإسرائيليون مفاهيم الشرفو العارلإجبار السجينات الفلسطينيات على الخضوع والاعتراف (وارنوك ١٩٩٠) فكما أوضح وارنوك وغيره (مثل ثورنیل ۱۹۹۲) أن وسائل التحقيق الإسرائيلي تضمنت تهديد الفلسطينيات بالاغتصاب وحاولت في بعض الحالات تقطيع ثيابهن وكشف عريهن لآبائهن أو أخوتهن.

وفي غالبية الحالات كانت الفلسطينيات يعترفن حيث الاعتراف أفضل من تلويث شرفهن وجلب العار لعائلاتهن. وعليه انتشر الشعار الوطني الأرض قبل العرضليوحي بأن تحرير الوطن مقدم على حماية عرض النساء، وبدلا من أن يدل ذلك على تحول جذري في الخطاب الوطني الفلسطيني فإن شعار الأرض قبل العرضعبر فقط عن ترتيب مختلف للأولويات، وعلى الرغم من ذلك بدا واضحا تعقد السياسات الوطنية المتعلقة بالنوع، فبينما ساعد هذا الشعار بعض ضحايا العنف الجنسي على الإفصاح دونما جلب العارلأنفسهن وعائلاتهن إلا أنه لم يقنع الغالبية المعذبة جنسيا بالإبلاغ عن هذه الانتهاكات حتى لا تلطخ سمعتهن. فعلى سبيل المثال، تم التحقيق مع فاطمة أبو بكرة على مدى خمسين يوما متصلة في عام 1986 في سجن اشكيلون وأجبرت على الاعتراف لتكشف بعد أحد عشر شهرا وحين سمح لها بالكلام لمحاميتها ليا تسمل: إنها قد تم تعذيبها جنسيا ( ثورن هيل ۱۹۹۲: 24 31 – 32). و لقد شكك آخرين أن شعار الأرض قبل العرضقد غير الأمور جذريا وذلك كما أوضحت إحدى الناشطات في مركز شئون المرأة بغزة:

مفهوم الشرف مازال موجودا وإسرائيل تعرف ذلك. فالصهاينة وإسرائيل قد درسوا مفهوم الشرف وصلته بعادات وتقاليد الفلسطينيين ولقد لعب هذا دورا كبيرا في صياغة تاريخ القضية الفلسطينية

ولقد كانت الفلسطينيات منغمسات دائما في الحياة السياسية لشعبهن ولكن اشتراكهن النشط لم يكن كافيا لاحداث تغيير جذري في منظومة العلاقات بين النوعين. وهذا يرجع لأن الحركة الفلسطينية كانت ترى التحرير الوطني هو أولويتها الأولى والوحيدة، ولأن السياسات الإسرائيلية وممارسات الاحتلال كان لها طابع ذو بعد يتعلق بالنوع، وأيضا لمساهمة الفلسطينيات في إعادة إنتاج واستمرارية الخطابات الوطنية ذات البعد النوعي.

بدأت الانتفاضة الفلسطينية في 9 ديسمبر ١٩٨٧ كحركة شعبية ديمقراطية وحدت كل قطاعات المجتمع الفلسطيني بأمل التخلص من ٢٠ عاما من الاحتلال الاسرائيلي، نادت الانتفاضة بدولة فلسطينية مستقلة وبمنظومة قيم جديدة سياسية وثقافية واجتماعية، كما شكلت الانتفاضة آليات خاصة بالنوع منحت الفلسطينيات المهارات الضرورية لصراعهن النسوى المستقبلي، فقد سمحت لهن بإقامة شبكة علاقات والتفاعل مع بعضهن، ورفعت توقعاتهن خاصة في عامها الأول. وكان لاشتراك الفلسطينيات بكثافة في الشئون الاجتماعية والاقتصادية والسياسية سببا في منحهن الشعور بالسلطة والتحقق، فقد قامت إحدى الشبكات التي تضم بعض اللجان والجمعيات النسائية السابقة على قيام الانتفاضة (راب وتيلور ۱۹۸۷: تیلور ۱۹۸۹) بتوفير فصول لمحو الأمية، وتنظيم تدريب مهني على الحياكة والنسيج ومهارات السكرتارية، كما افتتحت مراكز رعاية الأطفال لتوفير المناخ الآمن للأطفال أثناء عمل أمهاتهم، فكما قالت أيلين كتاب مؤسسة جمعية إنتاجنا فخرنا” : أنشأت اللجان النسائية تعاونيات اقتصادية للمساندة الاقتصادية ومقاطعة البضائع الإسرائيلية وتقديم البديل الوطن الفلسطيني وقد كان هذا موضوعا رئيسيا للانتفاضة، وبدا أن هناك فجرا جديدا يبزغ على حد قول منار حسين التي شاركت في تأسيس المنظمة النسائية الفلسطينية الفنار.

في بداياتها لم تكن الانتفاضة مسألة سياسية فقط: كانت هناك ثورة اجتماعية. بدأت النساء يخرجن من منازلهن، من شرانقهن، من المطابخ وغسل الصحون، خرجن وشاركن الرجال. كما لو كانت المرأة قد نست كل تاريخ القهر الأبوى. فهي الآن تستطيع أن تقود لجانا شعبية وتبني لجانا أخرى، تقرر وتشارك في صنع القرار، لم تكن هذه وطنية فقط، فقد أقيمت الصلة بدون وعي“.

ظهرت صور جديدة من أنشطة الشارع والتي تشارك فيها النساء بما فيها مسيرات يوم المرأة العالمي والتي تنظمها اللجنة العليا للنساء في مناطق مختلفة من الضفة وغزة. وقد ذكرت إحدى عضوات اتحاد لجان النساء العاملة المنتسبة لحزب الشعب أن احتقال نابلس بيوم ۸ مارس ۱۹۸۸ حيث شاركت أكثر من ألف امرأة دليل على تغير اجتماعي:

على الرغم من أننا لا نملك باروميتر لقياس كم حققنا من تطور اجتماعي، إلا أنه يمكنني على الأقل القول بأنني عند اشتراكي في مسيرة، فإن حماتي وصاحب المحل توقفوا عن رمقى بتلك النظرة التي تعرف جميعا أنها تعني النقد

كما تطورت اللجنة النسائية العليا التي كانت آلية تنظيمية ملموسة لتصبح شبكة من اللجان النسائية الأربع التي بنت معا تحالفا مع النساء غير المنتسبات لأحزاب سياسية (٢). بل وقد كانت الإدارة الوطنية الموحدة للانتفاضةوالتركيز الذي وضعته الانتفاضة على الوحدة في مواجهة الصراعحافزا لزعيمات اللجان النسائية للتعاون في أنشطتهن والحد من المنافسة الحزبية.

وكما هو واضح حتى الآن فان المعاناة الخاصة بالتبعية المتعلقة بالنوع كانت مشتركة لدى عدد متنام من الفلسطينيات منذ نهايات الستينيات، وحتى توقعات النساء بتحسن الأوضاع التي ظهرت في السنة الأولى من الانتفاضة تحطمت في مراحلها التالية. وكما يبدو واضحا فان الفلسطينيات لسن حديثات العهد بالنشاط سواء في مجال بناء المنظمات أو الاشتراك في أشكال وجوانب متعددة من الصراع (تيللي ۱۹۷۸). لماذا إذن فشلت حركة استقلال المرأة الفلسطينية في الظهور حتى التسعينيات؟ إن تجمع الأحداث العالمية والإقليمية والمحلية في بدايات التسعينيات قد حددت ربما أدنى مد للحركة الفلسطينية ومن المفارقات فان نفس هذه التطورات قد فتحت مجالات الفرص (ماير ١٩٩٣) للفلسطينيات ليتجمعن للتغلب على التحديات التي تواجههن.

شهدت بدايات التسعينيات ظهور النظام العالمي الجديدوهو تطور سیاسی انعكس على المستوى الدولي والإقليمي والمحلي. فعلى المستوى العالمي استهدف النظام العالمي الجديد، وهو فكر وضع له مفاهيمه آنذاك رئيس الولايات المتحدة الأمريكية جورج بوش، جنى ثمار الظروف التي جعلت الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في عالم أحادي القطب، فكانت حرب الخليج أوضح دلالة على هذه السياسة، وقد أثر تغير موازين القوى الدولية على المرأة الفلسطينية بطرق مختلفة. فعلى المستوى الإقليمي، أضعف سقوط المعسكر الاشتراكي تأثير الفكر الشيوعي بين الشيوعيين العرب وأضاع من القوميين والشيوعيين العرب بما فيهم الفلسطينيين أفضل حليف لهم. هذا بالإضافة لهزيمة العراق وهي الحصن الرسمي للعروبة، وانقسام الدول العربية أثناء الحرب مما سدد ضربة قاضية لهذا الفكر.

إن ضعف تأثير الفكر الشيوعي مع ضعف موقف المشروع الوطني أثر سلبا على الفكر العلماني وزاد من مصداقية القوى الإسلامية وفوق هذا أرجعت ليزا تراقي أستاذة علم الاجتماع والدراسات النسائية في جامعة بير زيت تصاعد شعبية الأسلمةإلى صراع طبقي لأن الطبقة الشعبية الفلسطينية رفضت مجهودات الطبقة البرجوازية لإحلال تمدن له صبغة غربية لأن هذه القطاعات الجديدة بعيدة عن الغرب، وتريد شيئا أصيلا.. أي رد فعل أهلي ولقد لبى الاتجاه الإسلامي هذه الحاجة. ولم تكن النساء الفلسطينيات مختلفات عن الرجال الفلسطينيين، فلم تكن منعزلات عن التأثيرات الفكرية لتغير موازين القوى. فأولا : لأن الجماعات الشيوعية والاشتراكية كانت تؤيد قضية المرأة، فلم تسلم برامجهم النوعية المبنية على أفكار غربية وحداثيةمن الضربة التي وجهت لأرضيتهم السياسية. وثانيا : الجماعات الشيوعية والاشتراكية التي كانت النساء عضوات فيها خسرت قاعدة من المؤيدين أمام الميول الإسلامية لأن الإسلاميين قدموا بديلا موثوقا فيه للنساء اللاتي يستطعن الآن الانخراط بدون القلق من مخالفة الأعراف الاجتماعية.

وعلى المستوى المحلى أيضا أثرت التطورات الدولية والإقليمية بشكل خاص على النساء الفلسطينيات خاصة التطورات التي تتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية التي عوقبت لمعارضتها للتدخل الأمريكي بقيام السعودية وبلدان الخليج الأخرى بقطع معوناتها للمنظمة ومن ثم تقليص قدرات أقسامها وخاصة منظمة فتح بقيادة عرفات إلى مجرد المساعدة المالية لجيوشها الدائمة في الأرض المحتلة. كما ترك انتصار الولايات المتحدة الزعامة الفلسطينية بلا اختيار فإما أن تنضم للمباحثات المقترحة من الولايات المتحدة مع اسرائيل (كبديل لمؤتمر دولي تحت رعاية الأمم المتحدة) أو تخاطر بفقدان السلطة في منطقة تسيطر عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها. وبالإضافة إلى سوء الأحوال الاقتصادية، استفزت المباحثات السياسية عنصر التمرد في الحركة الفلسطينية وحالت دون أي مواجهة جادة مع القوات الإسرائيلية. وأصبح من المستحيل للانتفاضة أن تستمر كحركة مقاومة شعبية، وعندما تراجعت الانتفاضة، ظهرت جماعة تسريح جيش الشبابالتي شنت حملة من العنف الاجتماعيصد شعبها وذلك تبعا لما روته إحدى النسائيات التي تعمل أستاذة في جامعة بيرزيت. وكما روى أحد قواد فتح في مدينة نابلس اتخذ أعضاء هذه الجماعة من أنفسهم دور شرطي الأخلاق ومارسوا عملهم في شوارع الضفة الغربية وغزة وأخذوا على عاتقهم اقتلاع كل ما يعتبرونه انحلالا أخلاقيا. وكان فرض نمط أخلاقي بمثابة إضافة جديدة لسوء أحوال النساء الفلسطينيات.

إذن كيف كانت بدايات التسعينيات فاتحة لفرض عريضة للفلسطينيات لمجابهة تحدياتهن؟ للإجابة على هذا السؤال علينا أن نوسع من فهمنا لمفهوم بناء الفرصة السياسية ليضم التغيرات الاجتماعية السياسية غير المحدودة بدولة واحدة حتى تشمل النوع كعدسة يمكن أن نرى من خلالها التغيرات الدقيقة في الوضع السياسي للنساء بالنسبة للحركة الفلسطينية ككل أو حتى بالنسبة لليسار الفلسطيني. إن التغيرات السياسية المحلية في الضفة الغربية وغزة وإسرائيل لم تكن لتؤدى إلى ظهور حركة استقلال النساء الفلسطينيات بل كانت التغيرات الإقليمية والدولية أكثر تأثيرا، فأولا : أعلنت الفلسطينيات المفاهيم الفكرية الجديدة مثل البروستريكا والجلاسنوست كإطار لمطالبهن (جامسون وماير ١٩٩٦ : سنو، روشفورد، وردن، وبن فورد ١٩٨٦: سويدلر١٩٨٦). وثانيا : فقد قامت الفلسطينيات ببناء شبكة من العلاقات مع الحركة النسائية العالمية(ماير ووايتير ١٩٩٥).

تضمنت البريستوريكا الجلاسنوست أو المكاشفة و هي فكرة أساسية يسرت كثيرا من تحديات النساء الفلسطينيات وخاصة عضوات المنظمات اليسارية واللاتي يشكلن غالبية الناشطات. فعن طريق تحدى المفاهيم اللينينية الجامدة للحياة الحزبية الداخلية وخاصة المركزية الديمقراطية وخط الحزب المتسق سمحت الجلاسنوست بمساحات للنساء الماركسيات لكسر صمتهن ونقد الانتهاكات اللاتي يتعرضن لها من زعمائهن.

وتاريخيا نادت المنظمات اليسارية الفلسطينية علانية بمساندة تحرير النساء وشنت حملات قوية لتجنيد النساء. وبينما كانت الجماعات اليسارية الفلسطينية أكثر قربا من حقوق النساء من منظمة فتح لياسر عرفات إلا إنهم اعتبروا مشاركة النساء مسألة جماهيرية للتجنيد والتعبئة فأنشأت كل جماعة يسارية مكتبا للمرأة لتوسيع عضوية النساء وعهد للعضوات بتعزيز الأرضية السياسية لجماعاتهن من خلال الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والمنابر النسائية الأخرى. وفوق هذا ولأن الجماعات الماركسية لمنظمة التحرير الفلسطينية تشكلت وفق مفهوم لينين لبناء الحزب فقد كانوا شديدي المركزية بشكل يستحيل معه أن تناقش العضوات الخيط الرفيع بين المركزية الديمقراطية والتراتبية القائمة على النوع، وكما أوضحت إحدى العضوات السابقات للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في غالبية الأحيان كان الاثنين يغذى بعضهما البعض ويعززان وضعيتنا الدونية“. ولقد مارست الزعيمات اليساريات التراتبية والمركزية والقوانين الحزبية للزعامة شأنهن شأن زملائهن الرجال.

ولقد خلقت مقدمة جورباتشوف للجلاسنوست عاصفة بين الرجال والنساء ذوي العقلية الديمقراطية. فقد نشرت المناقشات الداخلية للحزب الشيوعي السوفيتي لغيره من الجماعات ذات التوجه الشيوعي في شتى أنحاء العالم (أنظر تارو ١٩٩٦: 52) وعلى حد قول إحدى منسقات لجنة المرأة في مركز بيسان لبحوث التنمية: “بالطبع الجلاسنوست كان لها تأثير، نحن لا نعيش في شرنقة معزولة: التطورات العالمية تؤثر على الشئون الوطنية ليس فقط للفلسطينيين، ونحن لا تختلف عن نيكاراجوا أو أي مكان آخر في العالم الثالث. وكنساء يساريات نحن نتأثر بالتغيرات التي تحدث للفكر اليساري وخاصة بين حلفائنا، الجلاسنوست لاتعنى أننا أغبياء أو أننا نعاني من خلال عقلي.. أنها تعنى أننا نستطيع المناقشة، الجدل والنزاع.. نناقش النظرية وتتنازع على النقد ونقد الذات، نستطيع أن ننقد النظام والتراتبية والفكر ونستطيع أن نسأل إلى أين نحن ذاهبات“.

هذا بالإضافة إلى أن العائد من بناء شبكة العلاقات مع الجماعات النسائية الدولية كان قويا على النساء الفلسطينيات فمن ناحية التقت الفلسطينيات مع جماعات مختلفة من النسويات في المكسيك وكوبنهاجن ونيروبي. هذه اللقاءات قدمت للفلسطينيات نماذج عالمية للصراع النسوي أصبح معها من الصعب عليهن قبول الأدوار المحدودة التي يكلفهن بها زعمائهن. وفوق كل شيء فقد أخذن من استراتيجيات التحرر التي صاغتها نسويات أخريات من العالم الثالث وخاصة من نيكارجوا وجنوب أفريقيا، وفيتنام وكوبا : وهذا وفقا لما ذكره الباحثون في مركز شئون المرأة بنابلس، إحدى عضوات لجنة نشاط المرأة وعضوة في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ذكرت أن الصلات الجدلية للبرامج النسوية والوطنية في مناقشات نساء العالم الثالث وخاصة هؤلاء المنخرطات في صراعات للتحرير الوطني تماثلت مع خبراتنا وعززت إصرارنا“. ولقد اقتبست أستاذة علم اجتماع في جامعة بير زيت من كتابات نساء شبه القارة الهندية نموذجا لإطار للعمل النظري يحلل ويطرح حلولا للعقبات التي تواجهها النساء في نفس الظروف. وعلى العكس من ذلك فان إحدى الناشطات من اتحاد لجان المرأة الفلسطينية وهي عضوة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين قد عبرت عن ثورتها على النسويات الغربيات اللاتي يصفن نساء العالم الثالث كوطنيات، شديدات التطرف أو كحاملات لبرامج الرجال، ولقد وجه خصيصا لنساء العالم الثالثاللاتي يرفضن الفصل بين نوعهن وشخصيتهن الوطنية هجوما دفع به في مؤتمر المرأة للجمعيات الأهلية بنيروبي، فعلى سبيل المثال قالت إحدى عضوات الوفد الفلسطيني أن بيتى فريدان وبيلا ابزوج رددتا عبارات مورين ريجان (التي كانت ترأس الوفد الرسمي للولايات المتحدة) وقد انتقدت مابدا لهن أنه يشكل تسييس الحركة النسائية(أنظر کاجاتی، جراون وسنتياجو ١٩٨٦ : 467 – 473). كما قالت النسوية المصرية نوال السعداوي في إحدى المناسبات النسوية في نيويورك أن فريدان قد انتقدتها بشدة لأننى جروت وعبرت عن تأييدي للقضية الفلسطينية“.

ان ظهور حركة الاستقلال للنساء الفلسطينيات إبان أدني مد لقضيتهن الوطنية يستدعى الحاجة إلى تحليل نوعي وبيئي لبنية الظرف السياسي. وعليه فلكي نقوم بتفسير النشاط الجماعي للنساء الفلسطينيات يلزمنا 1 – تخطى حدود الدولة الواحدة ودراسة البيئة السياسية الاجتماعية الدولية والإقليمية. ٢ الاهتمام بالطرق التي فتحت آفاق الفرص للنساء الفلسطينيات في وقت أغلقت الفرص أمام حركتهن الوطنية.

الاتفاق الاسرائيلي الفلسطيني الذي وقع في واشنطن في 13 سبتمبر ۱۹۹۳ غير بيئة العمل الجمعي الفلسطينيات وطرح التساؤلات حول إمكانيات حركتهن المستقلة، وكانت المؤشرات الأولى غير مبشرة. فأى متابع للتلفزيون أو قارئ لصحيفة لن يخطئ ملاحظة ذكورية الطابع والنبرة لهؤلاء المجتمعين في احتفال البيت الأبيض (3). وليس من المستغرب أن معظم الفلسطينيات اللاتي سألتهن اشتركن في هم عام واحد وهو أنه بسبب السلطة الفلسطينية في المستقبل لن تختلف أقدارهن على الأغلب عن غيرهن من النساء في حركات وطنية أخرى بعدما استقرت الدولة.

حقيقة إن منظمة التحرير الفلسطينية لم تحاول أبدا منح مساحة متساوية للنساء وقد تمت مناقشة هذه المشكلة باستفاضة في هذه الورقة وفي غيرها – (أبو على 1974 : عبده ۱۹۹۱ : الخليلي ١٩٧٧ بیتیت ۱۹۹۱ : سترام ۱۹۹۲)، وعليه فلا يوجد سبب لتوقع تغير جذري في موقف السلطة الفلسطينية، فبينما كانت البيئة السياسية السابقة مرنة تماما وسمحت للنساء بالعمل التنظيمي فإن هذه المرونة لم تتوفر داخل سلطة الحكم الذاتي والتي كانت أولوياتها أن تكون الممول والناشر لقوة بوليسية. كما ظهرت علامة أخرى مزعجة للنساء في إمكانية التحالف أو الهدنة بين السلطة الفلسطينية والجماعات الإسلامية. ولقد عبرت الفلسطينيات عن مخاوف حقيقية من أن تقارب منظمة التحرير ومنظمة حماس مثلا قد يؤدى إلى استعادة مرحلة فرض الحجاب كما حدث في 1989.

وتساءلت الناشطات في نابلس ورام الله وغزة مادامت منظمة التحرير الفلسطينية لم تدافع عن النساء أثناء أوج الانتفاضة فهل من الواقعي احتمال أن تتصرف بغير ذلك أثناء تراجعها؟ لا هذا بالإضافة لأن التحالفات المناهضة لعرفات بين اليسار والجماعات الإسلامية تكونت على حساب النساء. فعلى سبيل المثال تروى إحدى الناشطات في غزة عن العملية الانتخابية لاتحاد المحاسبين الفلسطينيين في غزة:

من شهر مضى (يوليو ١٩٩٣) كنت أتحدث إلى النساء اللاتي شاركن في المجموعة الوطنية لاتحاد المحاسبين. سألتهن لقد كنتن مائة إلى مائة وخمسين عضوة فكيف تأتي الا ترشح أي منكن بالقائمة الوطنية؟ وردت إحداهن إن شاء الله في العام القادم. الوطنيون قالوا لنا انتخبونا الآن وسوف نضم واحدة أو اثنتين منكن العام القادم، فلأن حماس كانت موجودة (انتخابات ۱۹۹۳) لم يكن مسموحا لأي امرأة أن تخوض الانتخابات.

ماذا فعلت الفلسطينيات في ظل مثل هذه التوقعات المظلمة للتفاوض على حقوقهن؟ إحدى الوسائل كانت عبر مجهود ضخم لإصدار مسودة مدونة الأحوال الشخصية. ففي بدايات ١٩٨٨ بعد إعلان الاستقلال الفلسطيني: كانت هناك محاولات للأكاديميات النسويات والمكاتب النسائية للجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية وحزب الشعب الفلسطيني لوضع أكثر فقرة محتفى بها في إعلان الاستقلال الفلسطيني والتي تضمن عدم التمييز على أساس الجنس، أو العرق، أو الدين أو الانتماء السياسي موضع التنفيذ. سعت الماركسيات لتشريع مدونة للأحوال الشخصية تضمن للنساء حقوقا في شئون الزواج، والطلاق، والحضانة، والتعليم، والتوظيف واتخاذ القرار. ومع ازدياد عدد الفلسطينيات المنخرطات في تأسيس حركة استقلالية، لم تعد مناقشات القانون الاجتماعي الجديد مقصورة على قلة مختارة. وكانت هذه إشارة أيضا إلى أن زمن المظاهرات قد مر وأن هناك حاجة إلى أطر جديدة وصور للعمل وسياسات للتعبئة.

وقد تم تمرير ثلاث نماذج من المسودات لإعلان مبادئ حقوق المرأة الفلسطينية كمقدمة للمدونة وتمت صياغتها على غرار إعلان المبادئبين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. قالت غالبية الناشطات اللاتي سألتهن أن الظروف التي صيغت فيها هذه المسودات قد عززت راديكاليتهن وصراعهن النسوى. ولقد علقت إحدى زعيمات اتحاد لجان المرأة الفلسطينية قائلةلأن الفلسطينيات في الضفة الغربية وغزة عانين من خسائر فادحة وقمن بشن صراع حقيقي ضد الاحتلال الإسرائيلي فقد كن أقل رغبة في التنازل عن حقوقهن تحت السيادة الفلسطينية وعليه كانت مسودة الوثيقة المقدمة من فرع الأراضي المحتلة للاتحاد العام للنساء الفلسطينيات هي الأكثر تطرفا. ولقد وضعت قيادة الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات في تونس المسودة الثانية بينما وضعت الثالثة مجموعة من زعيمات الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات في الأردن مقدمة الحد الأدنى لما يمكن أن يتفق عليه النساء والرجال الفلسطينيين. و كانت مسودة تونس أقل ملائمة من وثيقة الأردن، كانت بين النساء المشتركات في اصدارها زعيمات فلسطينيات ممن عانين النفى والحرمان وتم ترحيل بعضهن عدة مرات لأسباب سياسية. بالإضافة إلى أن سكرتارية الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات في تونس تتكون من ممثلات من الأحزاب المختلفة لمنظمة التحرير الفلسطينية بما فيها الجماعات اليسارية والتي كان لديها برنامجا اجتماعيا لتمكين المرأة. وعلى الرغم من أن رؤية اليساريين الفلسطينيين لتحرير المرأة أغفلت الكثير من التطلعات إلا أنها كانت الأكثر تعاطفا مع اهتمامات المرأة الفلسطينية من رؤية الفلسطينيين الوطنيين. وبالمقارنة كانت المجموعة التي صاغت الوثيقة في الأردن مكونة من مثقفات الطبقة الوسطى وقادة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية واللاتي لم تدفعهن مواقفهن السياسية للارتحال من مكان لآخر.

ولكن الإعلان عن بيان مبادئ حقوق المرأةكان دائما ما يؤجل، ووفق ما ذكرته إحدى زعيمات الاتحاد بالأردن فإنه من سبتمبر 1993 إلى أغسطس 1994 وقعت أحداث سياسية مختلفة مثل مذبحة الحرم الابراهيمي والتي اغتال فيها مستوطن إسرائيلي ٢٩ فلسطينيا وذلك في فبراير ١٩٩٤ مما حال دون الإعلان لأن غالبية الفلسطينيين كانوا معنيين بالمأساة. وفي أغسطس 1994 سافرت للقدس لحضور المؤتمر الصحفي الذي نظمته الناشطات من المنظمات النسوية الأهلية في فندق ناشيونال بالاس لإعلان البيانكما صاغه الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات في الضفة الغربية وغزة. واحتشدت أكثر من مائة امرأة من مناطق مختلفة للضفة الغربية وغزة ممثلات لمنظمات ولجان ومراكز واهتمامات فكرية مختلفة ووزعت بعض كتيبات وأوراق. وتبادلت أخريات المال وإيصالات الاستلام، وأخريات اهتممن بالأعلام التي تحمل صورا لأقاربهن الذين احتجزتهم القوات الإسرائيلية. باختصار كان المشهد يشبه مهرجانا للإنجازات، و كان المناخ مشبعا بالآمال والتوقعات. ولكن وبينما المؤتمر الصحفى منعقدا حضرت وزيرة الشئون الاجتماعية في السلطة الوطنية الفلسطينية من غزة حاملة رسالة من ياسر عرفات ومصحوبة باثنين من الحراس وقد خلق إصرار الوزيرة على مخاطبة الإعلام ردود فعل متضاربة من المنظمين فبينما كانت نصيرات عرفات متحمسات، اعترضت غالبية النساء: فالنشطات واللاتي كن ينتمين لكل من المعارضة العلمانية والإسلامية لم يقبلوا إضفاء الشرعية على مباحثات عرفات السياسية بمنحه أرضية شعبية، كما لم يكن يردن السماح للسلطة الفلسطينية بجني ثمار مجهوداتهن والظهور في وسائل الإعلام العالمية كنصير لحقوق المرأة، ونساء أخريات مستقلات سياسيا أفزعهن استيلاء عرفات على المساحة الخاصة بالجمعيات الأهلية، فتم التوصل لتسوية حيث سمح للوزيرة بقراءة رسالة عرفات مادامت ستقدم نفسها كمسئولة من منظمة التحرير الفلسطينية التي هي حركة تحرير أكثر منها جهاز حكم ذاتي للسلطة الفلسطينية وعلى الرغم من ذلك فإن الوزيرة لم تلتزم بالاتفاق مما دفع ببعض اليساريات لمقاطعتها بشعارات مناهضة لاتفاق أوسلو وعليه قام حراس الوزيرة بالاعتداء على اثنتين من المعارضة العلمانية، ونتيجة لذلك تم تعليق المؤتمر الصحفى ولم يقدم البيان.

وهكذا فبينما تظهر الحركات الاجتماعية من خلال أو بسبب بيئة خاصة مرحبة فان التطورات السياسية تتدخل أيضا لتعوق الإبحار السلس للعمل الجمعي(مایر ١٩٩٣). ويكون أحد ردود الفعل لمثل هذه التحديات من بيئة معادية للحركات الاجتماعية بالتركيز الكبير على الشمولية وبناء الائتلافات. وكانت هذه هي حالة المرأة الفلسطينية.

وقد كان الصراع حول مدونة الأحوال الشخصية على وجه الخصوص كاشفا لاختلافات اجتماعية اقتصادية بين النساء. فعلى سبيل المثال رأت ريتا جياكمان أن الفروق الطبقية بدت في أن نساء الطبقة المتوسطة طالبن بقوة باشتمال المدونة على حقوق الطلاق. فكما هو الحال الآن، بدون أن يكون حق التطليق مكتوبا في العقد الشرعي للزواج لا تستطيع النساء بسهولة المطالبة بإجراءات الطلاق.اما بالنسبة للنساء الفقيرات فيتأثرن عكسيا لأن الزواج بالنسبة لهن، حتى التعس منه يشكل استقرارا اجتماعيا واقتصاديا، وامتداد الحق المدني للتطليق للنساء قد يكون إشارة ينتظرها الكثير من الرجال للهروب من الضغوط الاجتماعية وتطليق زوجاتهم بدون ضمانات للحماية.

وفى النهاية هناك أيضا أسئلة تواجه الحركة النسائية في شتى أنحاء العالم، فمع أي قطاعات اجتماعية وجماعات وحركات سوف تأتلف النسويات الفلسطينيات فما هي شروط بناء التحالفات؟ تؤكد ريتا جياكمان على أن الحركة النسوية عليها أن تبنى تحالفا مع جمهور آخر مثل المعوقين: فكلا الفئتين على حد قولها ضعيفومطالبهما للدمج الاجتماعي متشابهة“. وقد اقترحت إحدى الأكاديميات النسويات أن تتحالف النساء فقط مع القوى العلمانيةواهتمت بالتركيز على تبني سياسات جديدة مثل الدفاع وكسب التأييد. وتقريبا كل الناشطات اللاتي قابلتهن ربطن بقوة بين الحركة النسوية والجماعات المتحدية الأخرى التي تطالب بديمقراطية أكبر في الشئون السياسية الفلسطينية.

إن التغيرات في بنية الظرف السياسي مثل الاتفاق الإسرائيلي مع منظمة التحرير ١٩٩٣ حد بعنف من آليات النوع وخلق شكلا جديدا من نشاط المرأة الفلسطينية، فمن ناحية، هدد استقلال الحركة النسوية الفلسطينية محاولات السلطة الوطنية الفلسطينية الاستيلاء على استقلال حركة النساء. ومن ناحية أخرى فإن ظهور السلطة الوطنية الفلسطينية فرض قيودا معينة على الفلسطينيات مما أفرز شعورا بالإلحاح والتركيز الأكبر للنشاط النسوى على الدفاع والتشريع وبناء اللائتلافات.

ظهرت حركة استقلال النساء الفلسطينيات في بدايات 1990 كنتيجة لظروف عامة مواتية بالإضافة إلى لحظات خاصة دفعت الفلسطينيات لمواجهة واقعهن من خلال التراتبية المتعلقة بالنوع فقد بنى تنظم النساء على استمرارية النسوية، والتحول، والنمو، وتشكل بعلاقاتهن ببيئتهن الاجتماعية السياسية والثقافية. وعليه فان دراستى قد عززت نموذج الاختلافالنسوي الذي يعترف بتنوع خبرات النساء ويعلى من ثراء تعدد أصوات النساء ونشاطهن. هذه المعلومة النظرية ترفض محاولات جعل كل النساء متجانسات ومحو الاختلافات بينهن وتسكين صراعهن في نموذج واحد للتحرر.

إن حالة النساء الفلسطينيات تدل على أن جماعات النساء المختلفة تعيش خبرات مختلفة وتشن صراعها للتحرر وفق أوضاعها واحتياجاتها، فالتركيب البنيوي للنوع والحركات الاجتماعية ليس بالمسطح ولا الطولي حيث يكفل رؤية تضع في الاعتبار كل هذه التعقيدات ومثل هذه الرؤية تتطلب بوضوح فهما لتداخل الضغوط النوعية، والجنسية، والثقافية، والاقتصادية الاجتماعية والوطنية.

إن التداخل في تحليل الحركات الاجتماعية يستوجب رؤية الروابط بين البيئة السياسية التي تظهر فيها الحركة، والاستمرارية التاريخية للعمل الاجتماعي والعوامل الضرورية التي بدونها يفشل أي عمل من التحقق داخل الحركة. فلا يمكن للحركات الاجتماعية مساندة نفسها بدون منظمات. فقد يثور الاحتجاج كرد فعل لحادثة بعينها مثل فرض الحجاب على فلسطينيات غزة أثناء العام الثاني من الانتفاضة: ولكن لو لم يكن هناك بناء مؤسسي مثل اللجان المتعددة للمرأة الفلسطينية والهيئات التطوعية، وآليات التنظيم مثل لجنة النساء العليا أو الاتحاد العام للنساء الفلسطينيات ما كانت حركة النساء الفلسطينيات قد عززت نفسها. هذا بالإضافة إلى أن نماذج التنظيم للفلسطينيات وصور ممارستهن للعمل الجمعي لم تظهر مع ظهور حركتهن الاستقلالية: فمنظمات النساء الفلسطينيات قد وجدت منذ ۱۹۲۹ وعليه قدمت الدعم لفكرة استمرارية الحركة الاجتماعية.

ولقد حاولت إبراز التعقيدات المحيطة بظهور الحركة المستقلة للنساء الفلسطينيات وآلياتها، فالجذور التاريخية لهذه الحركة تميزت بتداخل أبوية اجتماعية، وممارسات إسرائيلية وخطابات وطنية. وقد رفعت الانتفاضة من توقعات النساء الفلسطينيات وكانت هي أيضا البيئة التي زادت فيها أشجانهن. ولكن تغير الظروف الدولية. الإقليمية والمحلية تدخلت في مراحل عده لتفتح آفاقا من الفرص للنساء الفلسطينيات لمقاومة أنواع القهر العديدة التي يتعرضن لها. فقيامهن بنشر المفاهيم النظرية مثل البريستوريكا والجلاسنوست وكذلك تشبكهن مع حركات نسائية أخرى حول العالم كانتا الفرصتان المباشرتان اللتان استغلتاهما الفلسطينيات لإعلان حركتهن. كما شكل تغير الوضع السياسي مثل اتفاقية إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية وظهور السلطة الوطنية الفلسطينية آليات النوع بصورة مختلفة: فتحول التركيز في خطابات وأنشطة الفلسطينيات النسوية بعيدا عن مقاومة الاحتلال والأنشطة القاعدية (أثناء الانتفاضة) وتبادل الرؤى حول النسوية ورفع الوعى بالنوع (في بدايات التسعينيات) إلى تشريع القوانين، والتعبئة، والضغط وبناء التحالفات. إن ظهور حركة استقلال النساء الفلسطينيات وكذلك توقيتها يمكن شرحه إذا توسعنا في فهم الظرف السياسيليشمل التطورات التي تحدث بعيدا عن حدود الدولة الواحدة: وإذا قمنا بالتحليل الجاد لأساليب العلاقات الخاصة بالنوع وآلياتها والتي تشكل وتؤثر في بناء الظرف السياسي وكيف أن الوضع السياسي بالتبعية يشكل ويؤثر في العلاقات الخاصة بالنوع وآلياتها.

فصعود العمل الجماعي للنساء الفلسطينيات إبان أدنى مد للحركة الوطنية الفلسطينية يشير إلى بروز النوع كأحد عناصر تشكيل الظرف السياسي.

* قدمت هذه الدراسة باللغة الإنجليزية إلى مجلة النوع والمجتمع في عددها الخاص بالنوع والحركات الاجتماعية وذلك في عام 1998

Gender and Society. Special Issue on Gender and social Movements

**مركز دراسات النوع والمجتمع بجامعة نيويورك.

1 – أن يوفال ديفز وانثياس قد حددا خمسة أساليب رئيسية(و إن كانت غير جامعة) لمشاركة النساء في العمليات العرقية والوطنية” : فهن مولدات بيولوجيات، ويعدن إنتاج القيود العرقية والوطنية، ويعدن إنتاج فكر الثقافة، وهن محددات للاختلافات العرقية والوطنية ومشاركات في الصراعات الوطنية والاقتصادية، والسياسية والعسكرية (١٩٨٩: 8). ولقد وجدت أن النساء الفلسطينيات قد شاركن بالفعل في كل هذه العمليات ولكن الصور التي كانت تتكرر بكثرة في الخطابات الوطنية وتكرر ذكرها من كل النساء الاتي سألتهن كانت الصور الثلاث التي حددتها هنا.

٢ تكونت اللجان النسائية من كادر نسائي من الجماعات السياسية الرئيسية الأربع والتي تتمتع بتأييد واسع في الأراضي المحتلة: فتح، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، و الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وحزب الشعب الفلسطيني. فرغبة منهن في إشراك النساء في الصراع الاجتماعي والوطني سعت الناشطات لتعيين وتعبئة النساء للجماعات السياسية، مع منح النساء اللاتي ينتمين لخلفية محافظة مساحات آمنة حيث يمكنهن أن ينشطن سياسيا واجتماعيا بدون التعامل مع مجموعات مختلطة النوع حيث أنها مدانة اجتماعيا بالنسبة للمحافظين (سکوت ۱۹۹۰).

3 – لم ترى أي امرأة في تجمع البيت الأبيض وهذا ما ترك العديد يتساءلون لماذا لم توجد هناك حنان شعراوى المتحدثة الفلسطينية السابقة. كما أن اللغة المنحازة للنوع والتي سادت الاتفاق ربما ظهرت جلية في عدد النيو يورك تايمز الصادر في 5 سبتمبر ۱۹۹۳ تحت عنواناتفاق الشرق الأوسط: خلف الأسرار، أسرار أخرىولقد كتبت جريدة التايمز أثناء المباحثات تطورت صورة من الاختزال اللفظي فأصبح أناس مثل السيد/ بيريز والسيد/ هولست يدعون بالآباء وكبار الزعماء مثل السيد/ رابين والسيد/ عرفات الذين أصبحوا الآباء الروحيين بينما الموظفين على مستوى السيد/ بيلين كانوا الأبناء“.

Abdo,N. Women in the Intifada: Gender, class and national liberation. Race and Class, April-June 1991.
Abou Ali,K. 1974. Introductions to the reality of women and experiences in the Palestinian revolution.Beirut: General Union of Palestinian Women.
Al-Khalili,G. 1977.The Palestinian women and the revolution.Acre: Dar al-Aswar.
Anderson ,B.1991.Imagined communities: Reflections on the origin and spread of nationalism.London:Verso.
Buechler,S. 1990. Women’s movement in the U.S. New Brunswick,N.J.:Rutgers University Press.
Cagatay,N.Grown,C.,and Santiago,A. The Nairobi women’s conference: Toward a global feminism? FeministStudies,Summer 1986.
El-Fanar.1991.Palestinian feminist organization’s report. Haifa:El-Fanar.
Fanon,F.1963.The wretched of the earth.New York:Grove Weidenfeld.
Fanon,F.196.A dying colonialism.New York:Monthly Review Press.

Flax,J.1990. Thinking fragments:Psycholoanalysis,feminism,and postmodernism in the contemporary West.Berkely:University of California Press.
Freedman,M.1990. Exile in the promised land.Ithaca & New York: Firebrand books.
Gamson,W., and Meyer,D.1996” Framing political opportunity.”In Comparative perspectives on socialmovements, edited by D.cAdam,J.McCarthy, and M.Zald.Cambridge:Cambridge University Press,1996.
Guardian Collective.1977. Our roots are still alive. New York:The Guardian.
Hadawi,S.1989.Bitter harvest:A modern history of Palestine. New York:Olive Branch Press.
Hadi,R.The feminist behind the spokeswoman: Exclusive interview with Hanan Ashrawi. MS:The world ofWomen,March/April 1992.
Hammami,R.1990.Women,the Hijab and the intifada. Middle East Report. May-August 164/165.
Hammami,R.1991. “Women’s political participation in the intifada: A critical overview.” In The Intifada andsome women’s social issues,edited by the Women’s Studies Committee,Ramallah:Bisan Center for Researchand Development.
Hart,A:1984.Arafat:A political biography. Bloomington:Indiana University Press.
Heiberg,M.,& Ovensen, G., eds. 1993. Palestinian society in Gaza, West Bank and Arab Jerusalem. Oslo:FAFO

Hill Collins,P.1990.Black feminist thought:Knowledge,consciousness,and the politics of empowerment.Boston:Unwin Hyman.
Hooks,b.1981. Ain’t I a woman: Black women and feminism Boston:South End.
Jayawardena,K.1986.Feminism and nationalism in the third world. London:Zed Books,Ltd.
Kanafani,G.1974.The 1936-1939 revolt in Palestine: Background,details,and analysis. Beirut:Department ofCentral Information,the Popular Front for the Liberation of Palestine.
Katzenstein,M.,and Mueller,C.1987.The Women’s movements of the United States and Western Europe.Philadelphia:Temple University Press.
Kazi,H.1987.Palestinian women and the national liberation movement: A social perspective. In Khamsin.Women in the Middle East. London:Zed Books Ltd.
Khaled,L.1973.My people shall live: The autobiography of a revolutionary. Edited by George Hajjar.London:Hodder and Stoughton.
McAdam,D.1982.The political process and the development of black insurgency. Chicago: University ofChicago Press.
McAdam,D.,McCarthy,J.,and Zald,M.1996.Comparative perspectives on social movements. Cambridge:Cambridge University Press.
Meir,G.My life.1975.New York:Dell Publishing Co.

Meir,G.My life.1975.New York:Dell Publishing Co.
Meyer,D.1993. A winter of discontent. New york: Praeger.
Meyer,D, and Whittier, N.1995. Social movement spillover. In Social movements: Readings, on their emergence,mobilization, and dynamics, edited by D.McAdam and D.Snow. Los Angeles:Roxbury Publishing Company.
Minh-ha,T.1989. Woman, native,other; bloomington, Indiaan University Press.
Mohanty,C., Russo,A. and Torres,L.1991.Third world women and the politics of feminism. Bloomington:Indiana University Press.
Najjar,O.1992. Portraits of Palestinian women. Salt Lake City:University of Utah Press.
Peteet,J.1991. Gender in crisis: Women and the Palestinian resistance movement. New York: Columbia UniversityPress.
Rupp,L.,and Taylor,V.1987. Survival in the doldrums:The American woman’s rights movement, 1945 to the1960s. New York: Oxford Universtiy Press.

Said,E.1979.The question of Palestine. New York:Vintage Books.
Scott,J. 1990.Domination and the arts ofresistance: Hidden transcripts.New Haven:Yale University Press.
Sharoni, S. 1995. Gender and the Israeli-Palestinian conflict: The politics ofwomen’s resistance.Syracuse:Syracuse University Press.
Snow,D.,Rochford,E.,Worden,S., and Benford, R.1986.France alignment processes, micromobilization, andmovement participation. American Sociological Review 51:464-81.
Staggenborg,S.1991.The Pro-choice movement. New York:Oxford University Press.
Strauss,A., and Corbin,J.1990. Basics of qualitative research: Grounded theory procedures and techniques.Newbury Park: Sage Publications.
Strum,P.1992.The women are marching: The second sex and the Palestinian revolution.Chicago:LawrenceHill Books.
Swidler,A. 1986. Culture in action: Symbols and strategies. American Sociological Review 51:273-86.
Tarrow,S.1994. Power in movement: Social movements,collective action and politics. Cambridge:CambridgeUniversity Press.
Tarrow,S.1996. “States and opportunities: The political structuring of social movements.” In Comparativeperspectives on social movements: Political opportunities, mobilizing structures, and cultural framings, editedby D.McAdam,J.McCarthy,and M.Zald.Cambridge:Cambridge University Press.
Taylor,V. 1989.Social movement continuity.American Sociological Review 54:761-75.

Taylor,V.,and Rupp,L.1993.Women’s culture and lesbian feminist activism: A reconsideration of culturalfeminism.Signs 19:32-61.
Thomhill,T.1992.Making women talk:The interrogation of Palestinian women.London:Lawyers for PalestinianHuman Rights.
Tilly,C. 1978. Form mobilization to revolution. Reading:Addison-Wesley Publishing Company.
Warnock,K.1990.Land before honor: Palestinian women in the Occupied Territories.New York:MonthlyReview Press.
Whittier,N.1995.Feminist generations: The persistence of the radical women’s movement. Philadelphia:TempleUniversity Press.
Women’s Task Force. 1991.Women’s agenda for the West Bank and Gaza Strip: Initial Plan of Action. Ramallah:UNDP.
Yuval-davis,N.,and Anthias,F.1989.Woman-nation-state. London:Macmillan Press Ltd.

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات