يعكس الفن حياة البشر، أحلامهم، تطلعاتهم، فالفن هو المعادل الموضوعي للحياة، وكما يعاني البشر المقهورون في الحياة، يعانون أيضًا في التعبير عن أنفسهم من خلال الفن بسبب قلة مواردهم أو بسبب القهر الواقع عليهم، أو اضطهادهم.. إلخ، وأكثر الفئات التي تعاني من ذلك هي المرأة، فقد عملت قوى اجتماعية عديدة على إقصائها من التاريخ الإنساني، من فضاء الصيرورة، وطمرت طاقاتها في جزء مظلم من العالم وظل التاريخ يحكى سيرة الرجال الفاتحين، الغزاة، وبذلك لم نعرف غير جانب واحد من الحياة، هذا الجانب يأتينا كما يرويه الرجال، وهو يروي دائمًا الخارج، الظاهر، وباستبعاد المرأة من الفن حرمت الإنسانية من جانب آخر للحياة، وهو ما يشير إلى الداخل، وعندما خرجت المرأة من صمتها تفجرت بذلك طاقات إبداعية تثري الحياة الإنسانية، انكشف عن الحياة جانب آخر كان قصياً ومظلمًا، رغم أنه ينبوع – الداخل الذي لا ينضب، المرأة هي الحياة، والإنسان لا يستطيع دخول الحياة إلا بواسطتها، هكذا تقول الأساطير، المرأة هي النماء والمطر والتجدد.. هي رحم الأرض وطاقاتها الإبداعية، ولتفجير هذه الطاقة كانت المرحلة الثانية لمشروع مبدعات في الظل، فتمكين النساء، وربط أعمالهن بالسياق الاجتماعي والثقافي الخاص بهن، هو أحد أهداف المرحلة الثانية من خلال سلسلة من الورش “كتابة، فن تشكيلي، غناء، فيديو، جندر” في ثلاث محافظات القاهرة، أسوان، المنيا.
تتوزع هذه الورش على النحو التالي:
القاهرة تضم “الغناء، الفن التشكيلي، الكتابة، الجندر“.
المنيا “فن تشكيلي، غناء، جندر“.
أسوان “فن تشكيلي، كتابة، غناء“.
نسعى معًا للتحقيق:
تسعى هذه الورش إلى تحقيق:
– أن تمتلك المبدعة وعيًا بذاتها وبالعالم المحيط بها، لذا تهتم ورشة الكتابة بإبراز إحساس المبدعات لذواتهن، ومحاولة الكشف عن مكامن الضعف الحقيقية التي تعوق إبداعهن.
– مساعدة النساء المهمشات المستفيدات من المشروع على تمكينهن من أدواتهن، وتحررهن من القيود التي يفرضها عليهن المجتمع، وهذا ما تسعى إلى تحقيقه ورشة الفيديو، فمن خلال ست مبدعات من المنيا تقوم المدربة هالة جلال بتدريبهن على التقاط مشاعر من الحياة اليومية الخاصة بهن.
– اكتشاف ذات المبدعة واحتياجاتها الحقيقية التي تتجسد من خلال الظل، اللون والخط، فسلوكيات الفرد وعاداته التي يكونها أثناء تفاعله مع الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه تتكشف عبر التشكيل اللوني والخطى، وهذا ما تسعى إلى إبرازه ورشة الفن التشكيلي، فمن خلال تشكيل الفراغ الذي تشكله المبدعة نتمكن من فهم آليات واقعها الاجتماعي والثقافي وتمكينها من استيعاب وفهم ذلك الواقع، وبالتالي محاولة تغييره.
– محاولة ربط المبدعة بواقعها الاجتماعي والثقافي الخاص بها، والتأكيد على مواطن الجمال والتفرد والخصوصية، ذلك ما تؤكد عليه ورشة الغناء من خلال الأغاني التراثية التي أصبحت أغاني في الظل.
أقيمت ورشة الجندر بمحافظة القاهرة، وقد لاقت استجابة فعالة، فقد لامست حاجة المبدعات في فهم أدوارهن الاجتماعية وتقسيم العمل والاحتياجات العملية والاستراتيجية، ووضعت أيديهن على الأسباب الحقيقية وراء سيادة الأيديولوجية الذكورية، وكيف يمكن للنساء أن يشاركن في عملية الإنتاج حتى لا تتوقف أدوارهن فقط على إعادة الإنتاج.
خطوط على الطريق:
أثمرت الورش التي عقدت مع النساء المبدعات في المحافظات الثلاثة إلى إخراج منتج فني تم عرضه خلال اللقاء الختامي الذي عقد يوم الثلاثاء الموافق ٣٠/ 5/ 2002 بالتاون هاوس، وتمثل في:
1 – إصدار مطبوعة تضم مجموعة من الأعمال الشعرية والقصصية للمبدعات، بالإضافة إلى ملحق احتوى على عدد من لوحات الفن التشكيلي، وقد تم اختيار هذه الأعمال الإبداعية بالمشاركة بين المدربين والمرأة الجديدة.
۲ – عرض حكى بعنوان “إحنا” استمر حوالي ساعة، واشتركت في تقديمه خمس عشرة مبدعة من محافظتي القاهرة وأسوان، عرضت المبدعات من خلاله تجربتهن الإبداعية والعوائق التي يواجهونها، ونظرة المجتمع للنساء المبدعات، خاصة في المناطق المهمشة.
۳ – تكوين كورال بمحافظة القاهرة، بالإضافة إلى فريق الدوادية الذي تكون خلال المرحلة السابقة، وقد اشترك الكورال بتقديم عرض غنائي أثناء الحفل، اعتمد على أغاني التراث، كأغاني الشيخ إمام، وسيد درويش.
4 – إنتاج خمسة أفلام فيديو تعبر عن حياة المبدعات، وتعرض العوائق التي تواجههن ونظرة المجتمع لهن، وأحلامهن، مدة الفيلم من 5 إلى 7 دقائق.
5 – إقامة معرض للوحات المبدعات التي تم اختيارها بمساعدة المدرب ومركز دراسات المرأة الجديدة، وذلك بإحدى قاعات التاون هاوس.
في ختام اللقاء
تم عقد مائدة مستديرة، ضمت كلاً من المدربين والمبدعات ومستشاري المشروع، بالإضافة إلى عضوات المرأة الجديدة ومنسقى الجمعيات.
طرحت عدة محاور خلال الجلسة منها مناقشة الأهداف التي سعى البرنامج لتحقيقها، آفاق المشروع، وقد أثارت المبدعات خوفاً من إنهاء المشروع في هذه المرحلة، خاصة وأنهن لم يستكملن الخبرات اللازمة التي تساعدهن على العمل بشكل مستقل في المستقبل، وأشرن إلى أن وجود المشروع يساعدهن في المستوى الشخصي سواء في تطوير أوضاعهن الذاتية مع أسرهن وتقويتهن في مواجهة الاتجاه السائد لدي الأسر وفي المجتمع لرفض خروج الفتاة، خاصة في مجتمع الصعيد، وهو ما يؤثر على تطورهن الإبداعي ويحد من فرصهن في الاحتكاك بمفردهنّ في الوقت الحالي واستغلال المشروع بأفضل الطرق، في النهاية يمكننا القول بأن البرنامج قد أتاح الفرصة للمبدعات لخلق فضاءات جديدة ومختلفة يمكنهن التحرك فيها وإعادة تشكيلها، ومساعدتهن في اختراق المرفوض والممنوع ومحاولة تغييره، لكن يظل المشروع خطوة على طريق طويل يحتاج إلى الكثير من الجهود التي تساعد هؤلاء النساء للخروج من الظل إلى النور.