خطابات الجنين وسياسات الرحم

 

ملخص:

يتمحور خطاب حقوق الإجهاض, لا محالة, حول الجنين, وكثيرًا ما يتأطر حول ثنائية موقف أنصار الحياةمقابل موقف أنصار الاختيار“. على أن هذه الثنائية ليست الإطار الوحيد لمناقشة الإجهاض، فقد أفصحت الاعتبارات المتعلقة بالجنين عن نفسها بطرائق مختلفة, في البنى اللاهوتية, والقانونية, والطبية. سوف يناقش هذا المقال خطابات الجنين في الفيليبين، وإيران, والولايات المتحدة ليظهر مدى التعقيد الذي يمكن أن تصل إليه تلك الخطابات. وسوف يتناول كذلك القوانين التي تعاقب على الإجهاض مقارنة بتلك التي تعاقب على قتل الأطفال، كما سوف ينظر في آثار الموجات فوق الصوتية وفحص السائل الأمنيوسي وأبحاث استزراع الخلايا الأساسية / على خطاب مناهضة الإجهاض. وعلى الرغم من أن للجنين حضوراً بارزاً في الكثير من الخطابات القانونية فإن ظهوره أقل في الخطاب الشعبي, على الأقل الخطابات في إنجلترا والفليبين، حيث يجري استخدام تعبيرات مثل الطفلو الطفل حديث الولادةبوتيرة أكبر. أخيراً، يلقي المقال الضوء على الحاجة لدراسة تجارب النساء اللاتي أجريت لهن عمليات إجهاض ورواياتهن، ودلالات ذلك في السياسات الحكومية والدفاع عن حقوقهن. من المهم أن نفضح سبل استغلال جماعات مناهضة الإجهاض للثقافة الشعبية وتجارب النساء من أجل إعادة تصدير رسائلهم إلى الداخل من خلال الخوف والشعور بالذنب، وأن نبين أن الحوامل كثيراً ما يقررن الإجهاض دفاعًا عن حقوق أسرهن في البقاء على قيد الحياة.

* Fetal Discourses and the Politics of the Womb.

Michael Lim Tan. Reproductive Health Matters 2004, 12 (24 Supplement): 157 – 166.

الكلمات المفتاحية:

الحقوق المتعلقة بالإجهاض، وسائل منع الحمل والحمل غير المرغوب فيه, جماعات مناهضة الإجهاض, الدين, الحقوق الإنجابية، إيران، الفيليبين, الولايات المتحدة.

تمحور القسم الأعظم من الخطاب الخاص بالحقوق المتعلقة بالإجهاض في البلدان الغربية, خاصة في الولايات المتحدة, حول ثنائية مواقف أنصار الحياةفي مقابل مواقف أنصار الاختيار“. في هذا الإطار تترادف مساندة حقوق الإجهاض أساسًا مع فكرة أن الإجهاض هو حق المرأة في الاختيار، وهو حق مرتبط ارتباطًا وثيقاً بحقها في جسدها. أما جماعات مناهضة الإجهاض فترى نفسها مناصرة للحياةفي محاولة للإسقاط على الطرف الآخر بوصفه مناهضا للحياة“, والحياة هنا تعني فقط حياة الجنين.

ولكن على الرغم من أن إطار مناصرة الحياةفي مقابل مناصرة الاختيارإطار مهم، فإن هناك خطابات أخرى حول حقوق الإجهاض شكلتها ظروف اجتماعية وتاريخية أخرى. سوف يستعرض مقالنا هذا إطار مناصرة الحياةمقابل مناصرة الاختياركما تطور في الولايات المتحدة ثم يقارنه بخطابات وأطر ظهرت في الفيليبين وإيران, ليوضح كيفية تطور تلك الخطابات تأثيرها على حقوق الإجهاض. وقد اخترنا الولايات المتحدة لأنها البلد الذى مازال فيه خطاب أنصار الحياةفي مقابل أنصار الاختيارهو الإطار الأقوى، رغم أن حجيته أضحت الآن متهافتة . ومن المهم أيضًا أن ننظر في كيف أعيد النظر في الأطر القديمة، حتى بعد إعادة الاستيلاء عليها من خلال عناوين جديدة مثل أنصار الاختيار المحافظين(*)

أما الفيليبين فقد اخترناها نظراً لتاريخها الكولونيالي الخاص، حيث خضعت لإسبانيا منذ القرن السادس عشر وحتى القرن التاسع عشر، ودخلتها الكاثوليكية في تلك الفترة. ولا تزال الكاثوليكية ديانة نحو 85% من السكان, ولا يزال لزعماء الكنيسة نفوذ سياسي هائل، خاصة فيما يتعلق بقضايا الجنوسة. بعد فترة الاستعمار الإسباني احتلت الولايات المتحدة الفيليبين في الفترة بين عامي ١٨٩٨ و ١٩٤٦ . ولا يزال التأثير الأمريكي قويا فيما يتعلق بالمؤسسات والعمليات السياسية. وفيما يتعلق بالجنوسة, فمن المثير للدهشة أن اليمين الديني الأمريكي, المتماهى أساساً مع البروتستانتية الإنجيلية وجد له حلفاء ضد الإجهاض من بين الفيليبينيين الكاثوليك المحافظين. وسوف نتناول في مقالنا أيضًا تأثيرهم على خطاب الإجهاض وسياساته في الفيليبين.

وقد تناولنا إيران أيضًا لأنها تطرح موقفًا مخالفًا فيما يتعلق بالتفاعلات بين النظام القانوني والتقاليد الإسلامية القوية في تأطير خطابات الإجهاض وقوانينه. وهو ما يوفر لنا قاعدة للمقارنة مع حماس اليمين الديني فيما يتعلق بالإجهاض فى الفيليبين والولايات المتحدة.

يعتمد هذا المقال على مقال صحفي كنت قد كتبته لجريدة فيليبين ديلي إنكوايرر” .(۱) وقد استلهمته من أعمال المحامية الإيرانية، والناشطة في حقوق الإنسان, “شيرين عبادي، التي حصلت سنة ٢٠٠٣ على جائزة نوبل للسلام لجهودها في إصلاح قوانين بلادها. وقد تمثل جانب كبير من نشاطها في الكشف عن تناقضات قوانين الأسرة في إيران. وتقدم أعمالها, للنشطاء في العديد من البلدان, نموذجاً مهمًا في تحليل القوانين بهدف تفكيك الثقافة واستخراج جوانبها الإشكالية، ثم اقتراح البدائل.

لقد درست شيرين عباديالقوانين المتعلقة بالجنين وقارنتها بتلك المتعلقة بالطفل، وقد كتبت في عام ١٩٩٧ مقالاً بعنوان حول العقوبة القانونية لقتل الابنوقالت فيه: “لو أن رجلاً ساعد امرأة على الإجهاض الذي قد يؤدى إلى وفاة الجنين يُعاقب بالحبس لفترة لا تقل عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على ستة أشهر. ولكن هذا الجنين نفسه لو لم يُقتل وعاش حتى أصبح صبيًا أو صبية في الرابعة عشرة من العمر ثم قتله الأب، أو قتلها، فسوف يلقى هذا الأب المتوحش عقوبة أقل شدةوهي دفع الدية بالإضافة إلى عقوبة تعتمد على السلطة التقديرية للقاضي والتي قد لا تتجاوز جلدة واحدة. (2)

أما لو تسببت المرأة في إجهاض نفسها، فتدفع الدية ولكن لا تُحبس. وترى شيرينأن هذا الموقف أکثر تعاطفًا مع المرأة. ويتوقف مبلغ الدية على مرحلة الحمل:

  • النطفة (الحيوان المنوي المخصب الذي استقر في الرحم): ٢٠ دينارًا.

  • العلقة (البويضة المخصبة التي بها دم): ٤٠ ديناراً .

  • المُضغة (الجنين في مرحلته المبكرة): ٦٠ دينارًا.

  • الجنين الذي نمت عظامه ولم تنم أنسجته العضلية: ٨٠ دينارًا

  • الجنين الذي تم تكونه ولكن لم تدب فيه الروح بعد: ۱۰۰ دينار.

لم توضح شيرين كيف يتم تحديد دخول الروح في الجنين، ولكن يبدو أنه لو تقرر أن الجنين قد دبت فيه الروح فحينها تتساوى ديته مع دية البالغ. ولكن, كما يحدث مع دية البالغين، فإن قيمة الدية تختلف باختلاف النوع الاجتماعي، فدية الجنين الأنثى مثلها مثل دية المرأة البالغة, تساوى نصف دية الرجل. وعلى ذلك فالقوانين الإيرانية توفر للجنين في مراحله المختلفة حماية أكبر من تلك التي توفرها للطفل الذي وُلد بالفعل.

في منتدى عُقد سنة ۲۰۰۲ حول حقوق الطفل قالت شيرين عبادي: “وفق القانون الجنائي لو اقترفت فتاة في التاسعة من عمرها وصبي في الخامسة عشرة جريمة يعاقبان بعقوبة البالغين.. ولو اشترك الصبي نفسه والفتاة في مسابقة رسم للأطفال وفازا، فعليهما الحصول على موافقة الأب للحصول على جواز سفروفي الوقت نفسه لا يستطيع الصبي نفسه أو الصبية نفسها أن يدليا بصوتيهما في الانتخابات. ومن ناحية أخرى, لو أرادت امرأة في الأربعين من عمرها، وتعمل على سبيل المثال, أستاذة جامعية، أن تتزوج للمرة الأولى، فعليها أن تحصل على إذن أبيها أولاً.” (3)

عدم المساواة أمام القانون هذا ليس مقصورًا على إيران بالطبع. ففي القانون الجنائي الفيليبيني، على سبيل المثال، نستطيع أن نجد أوجه عدم اتساق مشابهة في تعريف الإجهاض والقتل وعقوباتهما. فالمادتان ٢٥٦ و ٢٥٩ من القانون الجنائي الفيليبيني (4) تشتملان على بنود تفصيلية حول عقوبات الإجهاض تصل إلى السجن ما بين ١٣ و ٢٠ سنة لمن يستخدم العنف لإجهاض امرأة. وتنص المادة ٢٤٦ من قانون العقوبات الفيليبيني على أن المرأة أو الرجل الذي يقتل ابنه يحاكم بتهمة قتل الأقارب, والتي قد تصل عقوبتها إلى السجن مدى الحياة. على أن المادة ٢٤٧ توجد استثناءً لو حدثت الوفاة أو الإصابة الجسدية في ظروف استثنائيةحيث تكون العقوبة هي النفى (Destierro) (*) للأب الذي يقتل ابنته (وليس ولده) لو كانت أقل من سن ١٨ سنة، وتعيش مع أهلها وضُبطت متلبسة بممارسة الجنس. وتُطبق العقوبة المخففة نفسها على الأب لو قتل من غوىابنته بعد ضبطهما متلبسين بممارسة الجماع. والواقع أن هذا النفي ما هو إلا إعفاء من العقوبة بسبب الاستفزاز الهائل الذي يعتقد أنه تسبب في الجريمة.

تناقضات مثل تلك القوانين إنما تعكس المعايير الاجتماعية التي ربما حجب الزمن جذورها. فالعقوبات المتدرجة للإجهاض في إيران، على سبيل المثال، تتوقف على مرحلة تطور الجنين, وهي مستقاة من تصور اللاهوت الإسلامي لدخول الروح، وهو خطاب نجد له شبيها في اللاهوت المسيحي، بل ويعود إلى الفلسفة اليونانية القديمة. وقد اعتمد توما الأكويني واللاهوتيون المسيحيون المبكرون الرؤية الأرسطية القائلة بأن الجنين تدب فيه أولاً روح نباتية، ثم تليها روح حيوانية، وفي النهاية روح عاقلة. لذللك لم يكن الإجهاض يعتبر قتلاً إذا حدث قبل دخول الروح العاقلة. كذلك تبنى اللاهوتيون المسيحيون وجهة النظر الأرسطية التي ترى أن الحركة مرتبطة، على نحو ما, بدخول الروح، وأنها لا تحدث إلا بعد مرور ٤٠ يومًا على الحمل في جنين ذكر، و٨٠ يوماً على الحمل في جنين أنثى. (٦, 7)

هذا التناقض بين الحماية القانونية المُحكمة للأجنة من جانب، والمواد القانونية الهزيلة المتعلقة بقتل الأطفال, من جانب آخر، إنما يشي بالأيديولوجيات القوية التي تحكم العلاقات الاجتماعية, خاصة ما يتعق بسلطة الرجل على المرأة. وتتجلى هذه الأيديولوجيات على نحو أكثر وضوحًا في سلطة الأب على أبنائه، خاصة البنات, والحاجة لحماية عفة الإناث وشرف الأسرة، حتى وان كان على حساب قتل ابنته إذا ارتكبت الخطيئة.

في ظل هذه العقوبات القانونية الشديدة المفروضة على الإجهاض مقارنة بالقوانين الأخرى، وخاصة في غیاب عقاب مشدد على قتل الأطفال، تبدو قوانين الإجهاض هذه مرتبطة بالحفاظ على شرف الرحل وسلطته على المرأة والأسرة، أكثر من ارتباطها بحماية الجنين نفسه.

على الرغم من حضور الجنين البارز في الكثير من الخطابات القانونية، فإن حضوره أقل بروزًا في الخطاب الشعبي، وأقل وأقل في الخطاب الناطق بالإنجليزية والفيليبينية. فمصطلح مثل طفليستخدم على نحو أكبر مع ما يحمله من إبحاء عاطفي. وتعي الجماعات المناهضة للإجهاض قوة هذا المصطلح، لذلك فليس من المستغرب أن نجدها توزع ميداليات مفاتيح بها دلاية على شكل جنين، وأحيانًا ما تعطيه حتى اسمًا مثل (Joshua) “يشوع” . والرسالة واضحة؛ هل تريد أن تقتل يشوع؟ وبذلك فإن تأييدك اختيار الإجهاض يعني أن تكون ليس فقط مناهضًا للحياة, بل وبمعنى أكثر ترويعاً, أن تكون مناهضًا للأطفال. هذه الصورة يمكن ربطه بسهولة بقضايا اجتماعية أخرى حساسة، كما يتضح من هذا الاقتباس الذي ورد في فقرة على موقع أنصار الحياة / الفليبين (Pro- Life Philippines).

أولئك يدعون إلى المزيد من, تقليص حجم الأسرة، أو تحديده، أو استبعاد الطفل الثالث أو الرابع أو الخامس تحت قناع، التخطيط, أو المزيد من سوء التعليم الجنسي، أو المزيد من نسوية، أكره كل الرجال, أكره الولادة, أكره الأطفال هم إما يعملون في تجارة وسائل منع الحمل, أو مضللون، أو عنصريون (يرون الشعب الفيليبيني جنساً أقل مرتبةً), أو قامعون طبقيون (يرون أن الفقراء طبقة دنيا لا تستحق التكاثر)، أو متقادون بشكل أعمى للأفكار الدوجمائية عن الزيادة السكانية المفرطة“. (8)

تربط مجموعة أنصار الحياة / الفليبين صور الأجنة بالعديد من القضايا الاجتماعية الأخرى, بما فيها تلك المتعلقة بجسد المرأة. وقد دأب أعضاء هذه المجموعة على الكتابة للصحف، محذرين بشدة من مخاطر الإصابة بالسرطان والآثار الجانبية الأخرى الناجمة عن منع الحمل في حد ذاته. ولهذه التحذيرات خطورة بالغة حيث إن دراسات تخطيط الأسرة كثيراً ما تثبت أن الخوف من الآثار الجانبية لمنع الحمل تأتي على قمة أسباب عدم استخدام وسائله أو التوقف عن استخدامها (9). وقد أجريت دراسة بالاشتراك مع شبكة معلومات العمل الصحي وهي منظمة غير حكومية في الفيليبين عن رؤى الناس لمنع الحمل، وأوضحت الدراسة مدى شدة هذه المخاوف بشكل عام، وأنها مستقاة عادة من القصص التي يرويها العاملون في الكنيسة الكاثوليكية . (10, 11)

لذلك لم يكن من المستغرب, عندما تم إقرار عقار الميفبريستون في الولايات المتحدة بوصفه عقارًا للإجهاض، أن تعبر جماعات فيليبينية عن غضبها من خلال رسومات تتضمن الرحم والجنين. وقد وصف فرانسيسكو تالاد, السيناتور الفيليبيني، العقار بأنه مثل قنبلة كيميائية متناهية الصغر يتم تفجيرها داخل رحم الأم. وهي كفيلة بقتل الجنين في الحال” . (12)

وعلى ذلك. فمن الواضح أن الخطاب المناهض للإجهاض لا يستدعي الجنين فقط، ولكن الرحم أيضاً. بل إن الحركة الكاثوليكية المناهضة للإجهاض, خاصة في الفيليبين, تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك, فتجمع بين الإجهاض وتخطيط الأسرة لترى فيهما معًا مناهضةً للأسرة. وفي يناير ۲۰۰3 استضافت الفيليبين المؤتمر العالمي للأسرة، والذي أتاح للجماعات المناهضة للإجهاض أن تصل بحضورها الإعلامي إلى أقصى مدى مستخدمةً صورًا للجنين, والطفل، وضرب منظمو المؤتمر المثل الصادم بإعلانهم أنهم يمنحون صفة المندوب إلى ٤٢ طفلاً ورضيعًا, كان أحدهم يبلغ من العمر ١٠ شهور . وقد وصف سوكراتيس فيليجاس، مساعد أسقف مانيلا هؤلاء الأطفال بأنهم محطة توليد الكهرباء السرية للمؤتمروقال إنهم جاءوا لتأكيد موقف الكنيسة القوي المناهض للإجهاض ووسائل منع الحمل الاصطناعية” . كذلك نقل عنه أنه قال إن من يتأفف لرؤية طفل إنما هو صاحب عقل مريض . فالعقل الطبيعي ينبهر ويندهش لرؤية طفل، لأن كل طفل بركة ليس هناك طفل يدخل الحياة من رحم أم ويكون لعنة” . كما أبدى الرجل حزنه الشديد لأن بعض الناس يرمون الأجنة المجهضةفي كنيسة العذراء، وهي إحدى الكنائس التي يرعاها. (١٣) (*)

على أن صور الجنين والطفل ليست مقصورة على ما يُطرح منها في الإعلام. فقد استطاعت مجموعة أنصار الحياة/ الفلبين أن تقنع المسئولين الحكوميين المحلييين في العديد من المدن بإقامة نُصُب للأجنة المجهضة. ومن ذلك محراب الذي لم يولدأمام كنيسة جيابو في حي بوسط مانيلا ، ويظهر فيه جنين على كف يد مفتوحة بها جرح صليبي، لتوحي بأنها يد السيد المسيح. وفي طريق شاو المزدحم في مانيلا، هناك مبنى من خمسة طوابق وعلى أحد جدرانه المواجهة للشارع لوحة ضخمة للمسيح حاملاً ما يبدو أنه جنين أو طفل. وتحت الجدارية كُتبت عبارة: “إنه طفل وليس اختياراً .

قد يذهب البعض إلى أن الصور ليست إلا صوراً وربما لا يكون لها إلا تأثير قليل على حياة الناس الفعلية, بيد أن هذه التصويرات التي جاءت بحجم أكبر من الطبيعي ليست سوى جزء من حملة ضخمة تقوم بها مجموعة أنصار الحياة/ الفلبين، وهي حملة نجحت في التأثير عكسياً على سياسات تخطيط الأسرة بتصويرها لوسائل منع الحمل الحديثة على أنها مجهضات.

في عام ١٩٩٥ حولت الحكومة الفيليبينية السلطة على الخدمات والسياسات الصحية إلى الحكومات المحلية, ففتحت بذلك إمكانات جديدة أمام اليمين الديني. كانت النتائج كارثية على تخطيط الأسرة. فمتى ما وصل عمدة مدينة أو حاكم إقليمي من أنصار الحياة إلى السلطة – كانوا دائماً من الرجال عمد إلى منع موانع العمل الاصطناعيةفي الوحدات الصحية المحلية. وفي كل الحالات كانت الحجة الأساسية التي يسوقونها في المقابلات التليفزيونية أن حبوب منع الحمل وغيرها من وسائل اصطناعيةهي كلها مجهضات.

وفي حالة أخرى استطاعت آباي باميليا، وهي جماعة مناهضة للإجهاض تابعة لمجموعة أنصار الحياة/ الفلبين، أن تضغط على وزارة الصحة من أجل سحب عقار بوستينور، وهو حبوب لمنع الحمل في حالات للطوارئ. وقد اتُّخذ هذا الإجراء دون جلسات استماع علنية بحجة أن العقار مجهض. وعقارات منع الحمل التي تستخدم في حالات الطوارئ يبدأ مفعولها. في واقع الأمر، خلال الـ ٧٢ ساعة التالية للجماع دون استخدام مانع للحمل، وهي فترة قد يحدث, أو لا يحدث, فيها التخصيب. وقد احتجت جماعات مناهضة الإجهاض بأنه نظرًا لوجود احتمال لحدوث التخصيب، فإن هذا العقار قد يلعب دور المجهض. وقد طالبت المنظمات غير الحكومية النشطة في مجال الصحة بإعادة طرح عقارات منع الحمل للطوارئ، على أساس أن التعريف الطبي للحمل يبدأ من وقت الزراع البويضة المخصبة في جدار الرحم وليس وقت التخصيب. ومازال الجدل القانوني في جلسات الاستماع العلنية حول وضعية البويضة المخصبة والجنين مستمراً ومن غير المتوقع أن يحسم في المستقبل القريب.

منذ عام ٢٠٠٢ بدأ استخدام مصطلح الذي لم يولد بشكل متزايد, ثم أعلنت الرئيسة الفيليبينية أرويويوم 25 مارس ٢٠٠٤ يوم الذي لم يولد” . ويرتبط اختيار هذا اليوم بيوم عيد البشارة في الكنيسة الكاثوليكية، وهواليوم الذي يقال أن الملائكة بشرت فيه السيدة مريم العذراء بحملها في المسيح. وقد قالت الرئيسة إن هذا اليوم مناسبة لترويج ثقافة الدفاع عن الحياة منذ لحظة الحمل (*), وكان المقصود منه تركيز الاهتمام على الأطفال الذين ماتوا أثناء حمل الأم، مع إشارة مستترة إلى حقيقة أن ٣% من وفياة الأجنة المسجلة ناجمة عن اعتلال صحة المرأة الحامل وعن عوامل متعلقة بالسلوكيات الاجتماعية“. (١٥)

قد نرى في إعلان هذا اليوم قلقًا على صحة الأم. ولكن هذا ما يبدو على السطح فقط . فبعد إعلان أروبو اليوم الذي لم يولد, بفترة قصيرة، صرح كونرادو لوماكاوكو مستشارها للشئون الكنسية والإعلامية (وربط الوظيفتين معًا له دلالته في حد ذاته) – لمندوبي الصحف أنه قرأ عن أحداث مشابهة في بلدان أخرى وذلك في جريدة زينيت وهى هيئة إعلامية كاثوليكية محافظة, وكان منطق ليماكاوكو في تبرير إعلان هذا اليوم: “بما أن الفيليبين هي الدولة الكاثوليكية الرومانية الوحيدة في آسيا ، فمن المهم أن يكون لنا موقف واضح من كرامة الحياة وحماية الذي لم يولد: حيث إنه لا يستطيع حماية نفسه(**). (١٥)

لم يكن من المستغرب أن يظهر إعلان أرويو عن يوم الذي لم يولدعلى مواقع الإنترنت الخاصة بجماعات مناهضة الإجهاض: ومن ذلك احتفاء تحالف حملة الحياة الكندية بهذا الإعلان بوصفه مثالاً آخر على الدفاع عن الذي لم يولد” .(١٦) وقد اختار عمدة مانيلا، خوسيه أتينزا، الذي ترشح لإعادة انتخابه، أن يبدأ حملته الانتخابية في هذا اليوم الذي أطلق عليه يوم الطفل الذي لم يولد” . وقد كان هذا العمدة واضحًا وصريحاً في التعبير عن آرائه المناهضة للإجهاض وتنظيم الأسرة. وقد منع توزيع وسائل الحمل الاصطناعية في كل المكاتب الصحية بالمدينة، وأنشأ فردوس الملائكة، ووصفه في فيلم وثائقي لهيئة الإذاعة البريطانية الجنس والمدينة المقدسةبأنه يضم الأجنة الذين نجدهم في الشوارع, وبين النفايات …”.

كذلك حظى الذي لم يولدبمكان الصدارة في الولايات المتحدة؛ حيث صدق الرئيس بوش في ٢ أبريل ٢٠٠٤ على قانون ضحايا العنف الذين لم يولدوا” . وينص هذا القانون الفيدرالي الجديد على أن الشخص الذي يمارس العنف على امرأة حامل ويؤدي عنفه إلى الإضرار بالأم وبالجنين يمكن أن يحاكم على تهمتين منفصلتين, وهو ما منح الجنين وضعًا قانونيًا ، وقد ساق الرئيس بوش – في خطاب مشابه لخطاب أرويو المنطق التالي مبرراً للقانون الجديد : “إننا بهذه الخطوة، نوسع دائرة التعاطف والتضمين في مجتمعنا، ونعيد التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية تبني ثقافة حياة” . (17)

ليس خطاب الرحم والجنين خطابًا جديدًا، كما اتضح لنا من المواد العقابية المحددة في القانون الإيراني, والمتعلقة بالجنين ومراحل تطوره. وفي السنوات الأخيرة, ومع التقدم الذي شهدته الأبحاث الطبية، خاصة في مجال طب الأجنة والطب الإنجابي، وكذلك في مجال التكنولوجيا الحيوية، بدأت صورة جديدة وأوضح للجنين تتبدى لنا .

حمل غلاف عدد ٩ يونيو ۲۰۰۳ من مجلة النيوزويك صورة جنين. كان موضوع قصة الغلاف هل يجب أن تكون للجنين حقوق؟كيف يغير العلم من النقاش في هذا الموضوع “. وداخل العدد كان هناك مقال يحمل عنوان علاج أصغر المرضى حجماً، ويصف مختلف الإجراءات الطبية، بما فيها الجراحة, التي يمكن أن تُجرى اليوم على الأجنة. وأشار المقال إلى أنه منذ خمس وعشرين سنة لم يكن العلماء يعرفون سوى القليل عن الرحلة الجينية التي تتحول عبرها المضغة إلى جنين كامل. أما اليوم، وبفضل الثورة البيولوجية الطبية فقد أصبحوا على دراية جيدة أوسع بهذا التطور، بل وينتظرون اليوم الذي سوف يستطيع فيه العلاج الجيني إصلاح عيوب الأجنة داخل الرحم“. وترى كاتبة المقال, كلوديا كالب, أن الطب قد منح الأطفال الذين لم يولدوا بعد وضعاً فريداً من أوضاع الشخصية – بوصفهم مرضى“. (18) وقد ركزت كالب على جراحة الأجنة لأنها تؤمن بأنها تعاظم الاحتمالات المتاحة في النقاش السياسي, والأخلاقي:

الوسائل نفسها التي مكنتنا من تشخيص التشوهات في مرحلة مبكرة تحليل السائل الأمنيوسي والموجات فوق الصوتية بما يكفي لتقرير إنهاء الحمل تساعد الأطباء الآن في سعيهم لإنقاذ الحياة. فمع كون جراحة الأجنة لا تزال نادرة وفي مراحلها التجريبية, تأتي إمكانية إنقاذ جنين كان, منذ عشر سنوات، يترك ليموت أو يتم إجهاضه، لتؤثر بشكل شديد على النقاش حول الإجهاض. هذا فضلاً عن أن تلك العمليات تطرح أيضًا سؤالاً جوهريًا: حياة من أكثر أهمية, الأم أم الطفل؟(18)

ليس من المستغرب أن يتغير النقاش الأخلاقي – البيولوجي حول الإجهاض بسرعة كبيرة. فمع إمكانية إجراء جراحة الأجنة في الرحم, وإمكانية الإبقاء على حياة المزيد من الأطفال المبتسرين, يذهب المناهضون للإجهاض إلى أن قابلية الجنين للحياة تحدث في مرحلة أكبر من الحمل، ويدعون إلى تقليص عدد أسابيع الحمل التي يسمح فيها بالإجهاض. والواقع أن المحكمة العليا الأمريكية قد أصدرت, مؤخرًا ، رأيًا ينص على أن للولايات الحق في منع الإجهاض بعد دبيب الحياة في الجنين, والتي عرفها الحكم بأنها عند الأسبوع ٢٤ من الحمل. (19) بيد أن الدليل العلمي يثبت أن معدلات البقاء على قيد الحياة حتى الأسبوع ٢٤ أقل من ١٠% وأن أكثر من نصف المواليد الذين يبقون على قيد الحياة يعانون من مشاكل صحية شديدة نوعًا ما ومن صعوبات في التعلم ولا ترتفع احتمالات البقاء على قيد الحياة بدرجة تفوق نسبة ٥٠% إلا بعد الأسبوع ٢٦ ، كما تنخفض أيضًا معدلات الإعاقة بين الباقين على قيد الحياة إلى أقل من 50%. (20)

وتزداد سخونة هذه النقاشات عندما تدخل الى مجال الأبحاث المتعلقة بخطوط إنتاج الخلايا، والتي تُستخدم فيها المضغة البشرية لتطوير مزارع من الخلايا الأساسية (*) التي يمكن استخدامها في علاج أمراض مثل مرض السكر عند الأطفال، الزهايمر، ومرض الشلل الرعاش (مرض باركنسون). وقد وقف الرئيس الأمريكي بوش بقوة في وجه تلك الأبحاث ومنع استخدام الأموال الفيدرالية في تمويل الأبحاث حول استزراع الخلايا الأساسية، وهي خطوة سياسية بالطبع جلبت له ترحيب جماعات مثل التركيز على الأسرة، والتي امتدح رئيسها جيمس دوبسون الرئيس بوش لأنه أوفى, بشجاعة, بوعده بحماية الأطفال الذين لم يولدوا“. (21) قد تبدو محاولة الربط بين الأطفال الذين لم يولدوا واستزراع الخلايا الأساسية مبالغة، ولكنها مع ذلك, مثال واحد على إمكانية تداخل موضوعات من الثقافة مع أخرى من الطب, وثالثة من السياسة, لتجتمع كلها في تحدي المدافعين عن حقوق الإجهاض, و بعبارة النيوزويك – سياسات الرحمبأسرها.

يبدأ مقال كالب عن حقوق الجنين في الولايات المتحدة بقصة تريسي مارسينياك، التي لكمها زوجها العدواني في بطنها قبل خمسة أيام من الميعاد المتوقع لوضع جنينها وعندما ذهبت للمستشفى في مساء اليوم نفسه لم يستطع الطبيب سماع دقات قلب الجنين: وبالطبع أدين زوجها بالإصابة الخطأ وحكم عليه بالسجن ١٢ سنة. لم تكن هناك إمكانية لاتهامه بالقتل لأن القوانين القائمة تنطبق على الأشخاص الذين ولدوافقط. وبالطبع أصبحت مارسينياك شخصية أساسية في الحملة لتمرير قانون ضحية العنف الذي لم يولد ” . كانت الجماعات الداعمة للقانون في الأساس هي جماعات مناهضة الإجهاض. وذلك رغم أن مارسينياك كانت, على الأقل حتى اعتداء زوجها عليها، من مؤيدي حقوق الإجهاض. (18)

وقد أجرت كالب أيضًا مقابلة مع زوجين, بيتر ومونيكا كونترادز، واللذين وصفتهما بأنهما كاثوليكيين متدينين ويعارضان الإجهاض أشد معارضة. ولكن، لأن ابنتهما أصيبت بمتلازمة ريت (*)، فقد أيد آل كوينرادز أبحاث استزراع الخلايا الأساسية التي تجرى على المضغة, والتي يأملون أن يُتوصل من خلالها إلى علاج لمرض ابنتهما.

عندما يكون أعداء الإجهاض على استعداد لتدمير الأجنة من أجل الأبحاث الطبية المنقذة للحياة، ويعمد المؤيدون للحق فى الإجهاض إلى تعريف الجنين بأنه ضحية لعملية قتل، لن يكون من الممكن استمرار الخطاب الذي ظهر في حروب الإجهاض في السبعينيات: والذى كان الحد الفاصل بين الأبيض والأسود شديد الوضوح (18).

هذا فضلاً عن أن استخدام الإنترنت يعتبر تطورًا ذا أهمية خاصة من حيث ما توفره من قدرة على استرجاع معلومات من الماضي القديم بهدف إثارة رؤى جديدة للتعامل مع واقع اليوم، فهناك الآن على سبيل المثال, موقع جديد هو Answering Islam الرد على الإسلام (**), وبه قسم كامل يحلل التقدم الذي يحدث في الطب الإنجابي, خاصة علم الأجنة embryology ، ويعتمد على تفسيرات القرآن, والحديث, والأبحاث الطبية.

ركز هذا المقال على الخطاب الذي نشأ في المجالات الطبية والقانونية وكيفية انتقاء المصطلحات, خاصة من قبل الجماعات المناهضة للإجهاض، من أجل تشكيل الرأي العام. يستوعب الناس هذه الرسائل والصور ويستخدمونها في سياقات مختلفة. فعلى سبيل المثال يستخدم الأمريكان مصطلحي (جنين, ومضغة) الطبيين, وكذلك المصطلحات الشعبية مثل طفلعند الحديث عن الحمل. تلك المصطلحات محملة بالتوتر بسبب تأثر الوعي الشعبي بما يتسرب إليه من أبحاث طب الأجنة.

أما في الفيليبين فالتمييز اللغوي مختلف, على نحو يعكس اختلاف الدراية بمسائل الحمل. فمصطلحا جنين fetus ومضغة embryo لا يألفهما إلا من كانت الإنجليزية لغتهم الأولى، وهم أقلية. وفي الثقافة الشعبية يوصف الحمل على نحو مختلف: حيث يستخدمون مصطلح Dugo (الدم) للإشارة إلى الجنين في الأسابيع القليلة الأولى من الحمل. خلال تلك المرحلة من الحمل توصف الأعشاب الطبية وكذلك العقاقير الغربية مثل الميزوبروستول بأنها pampabalik ng regal (أدوية استرجاع الدورة الشهرية). هذه المرحلة يطلق عليها أيضًا paglilihi, وهي فترة الحمل الممتدة. أما فيما بعد الشهور الثلاثة الأولى من الحمل فإن النساء يسمين الجنين bata (طفل) أو anak (طفل) أو sanggol (رضيع).

هذه المصطلحات لا تستخدم على النحو نفسه في الولايات المتحدة أو في مجتمعات أخرى. ولذلك، فمن المهم إجراء الدراسات بهدف فهم كامل لسياق استخدامات تلك المصطلحات. وقد قامت ليكهان، وهي منظمة فيليبينية غير حكومية نشطة في مجال رعاية الصحة الإنجابية، مؤخرًا، بنشر النتائج الأولية لمقابلات أجرتها مع نساء مدرن بتجربة الإجهاض. (22) وقد لوحظ أن التعامل مع الجنين باعتباره شخصاًأمر واسع الانتشار؛ حيث قالت النساء إنهن كن تتحدثن فعليًا مع الطفلأو الرضيععندما كن تحاولن اتخاذ القرار بالإجهاض أو عدمه. قصص هؤلاء النساء مثيرة للمشاعر بالفعل, حيث كن تحاولن أن تشرحن للجنين سبب اختيارهن الإجهاض. والمدهش في قصصهن أنهن رغم تعاملهن مع الجنين باعتباره شخصاً، كن في الوقت نفسه يصفنه بأنه عقبة. وفى رواية أخرى، سُجلت سنة ۱۹۹۸ خلال مشروع بحثي في جنوب الفيليبين, كانت الأم تعتذر لجنينها قائلة: أنا آسفة، ولكن علي أن أفعل ذلك حتي يعيش أخوتك وأخواتك“.

وقد توصلت دراسة أجراها معهد السكان بجامعة الفيليبين على مستوى الدولة (23) إلى أن العوز الاقتصادي هو أكثر الأسباب شيوعاً للإجهاض. وقد أشارت المقابلات التي أجرتها منظمة ليكهان كذلك إلى أن العوامل الاقتصادية كانت من أهم أسباب الإجهاض, إلا أن هناك أيضًا أسباباً مهمة أخرى ومنها: عدم القدرة على استكمال التعليم, وهجر الزوج أو شريك الحياة, والاغتصاب, والعنف المنزلي، وكذلك كثرة الأحمال وتواترها. وقد أوضحت قصص النساء استحالة تحديد سبب واحد للإجهاض: فطالبة المدرسة الثانوية غير المتزوجة سوف يدفعها للإجهاض مزيج من الخوف. والشعور بالعار، والزوجة التي تُضرب كثيرًا تتحدث عن كيف أن زوجها يضربها كثيرًا، ولكنها تقول في النهاية إن إدمان الزوج للكحوليات والمخدرات هو ما دفعها إلى اتخاذ قرار الإجهاض، لأنه غير قادر على المساعدة في إعالة الأسرة.

إن قرار الإجهاض ليس لحظة عابرة، فالنساء تتحدثن مع نساء أخريات، ومع شركائهن في الحياة، ومع المضغة / الجنين وتذهبن إلى الكنائس أيضًا وتصلين من أجل علامة تشير إليهن بالإجهاض أو عدم الإجهاض. ومن ذلك ما ذكرته امرأة من أنها ربحت ٨٠٠٠ بيسو (حوالي ۲۰۰ دولار أمريكي) جائزة يانصيب في وقت إجراء المقابلة معها، وذلك بعد أن دعت أن تأتيها علامة، فجاء المال الذي دفعت به تكاليف عملية الإجهاض.

وقد وردت في النتائج التي أعلنتها ليكهان روايات عن تحرش العاملين بالمستشفى بالنساء اللاتي تطلبن الرعاية من مضاعفات الإجهاض، بما في ذلك التهديد باتخاذ إجراءات قانونية ضدهن, أو حتى أمور أسوأ من ذلك. ومن ذلك ما ذكرته امرأة ممن أجرت ليكهان مقابلات معهن من أن طبيبة قالت لها عندما دخلت المستشفى على مقعد متحرك وهي مصابة بنزيف: “ربما ما زلت حية ولكن روحك تحترق الآن في الجحيم“. وحتى لو أجري الإجهاض بنجاح. قد يتعين على المرأة أن تعد الحجج التي ستسوقها عند عودتها إلى مجتمعها، حيث إن الجيران عادةً ما يكونون على دراية بالحمل، وحتى بعد الإجهاض بفترة طويلة, تظل الذكريات والأحداث باقية، بما في ذلك الكثير من الأحداث التي أدت إلى الإجهاض, والأوقات التي كانت المرأة تتحدث فيها إلى الجنين، أحيانًا بعد الإجهاض مباشرةً.

ويكمن التناقض هنا في أنه على الرغم من التعامل مع الجنين باعتباره شخصاً في العديد من الثقافات, إلا إن هناك نُدرة في الآليات الثقافية للتعامل مع هذه الشخصنة. على أن الاستثناء الأبرز في هذا المجال يتمثل في اليابان؛ حيث تقيم المعابد هناك طقوسا دينية لأطفال الماء kuyo miwiko حيث تعود النساء عاماً بعد عام لتقديم البخور والصلوات للأجنة المجهضين, أو الذين سقط حملهم أو الذين ولدوا ميتين. وفي تناقض صارخ مع هذا الوضع لا نجد لدى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، وعلى الرغم من موقفها المناهض بصرامة للإجهاض, أى صلوات رسمية أو طقوس للأجنة، سواء المجهضين أو الذين سقط حملهم. لذلك فليس من المدهش أن تشي دراسة ليكهان بالكثير من المعاناة المتعلقة بالحمل غير المرغوب فيه وعملية اتخاذ قرار الإجهاض المضنية.

ملصق منظمة ليخان

 

إن تفكيك الصورة المحيطة بالإجهاض وفهم سياقها الاجتماعي والتاريخي من الأمور المهمة جداً لتعزيز الدفاع عن حقوق الصحة الإنجابية وخدماتها . على أن ذلك لا يعني أن تقلد جماعات حقوق الإجهاض تكتيكات مناهضي الإجهاض تقليداً أعمى، فتستغل الصور الشعبية وما يقترن بها من مشاعر تجاه الأجنة والأطفال حديثي الولادة. بل يجب أن تعتمد جهود الدفاع على وصف النساء أنفسهن لحياتهن الإنجابية، وحالات الحمل والظروف وجوانب القلق التي أدت بهن إلى اتخاذ قرار الإجهاض. ومن أمثلة ذلك قيام ليكهان بإنتاج مسرحية أسمتها حياتنا، انطلاقًا من المقابلات التي أجرتها . توضح المسرحية كيف يختلف مغزى الإجهاض والتوتر المرتبط به بين شابة غير متزوجة مقارنة بأم لخمسة أبناء في منتصف عمرها. وكانت أقوى قصة في المسرحية قصة شابة غير متزوجة وحامل تواجه أبيها الذي استعر غضبه لفقدان الأسرة لشرفها. وعندما وقفت الأم للدفاع عن ابنتها، حول الأب ثورته إليها، حيث كانت قد أجريت لها عملية إجهاض قبل ذلك بعدة سنوات صائحاً فيها كان ذلك الطفل ابني، فجسد بذلك البنية الأبوية للجنين.

وقد أنتجت ليكهان العديد من البوسترات التي تأمل أن تشجع على المزيد من الانفتاح في مناقشة الإجهاض وتقليص إصدار الأحكام. وظهرت على أحد البوسترات عبارة يمكن أن تكون أمك، أو أختك الكبرى، أو من بنات الأخوال أو الأعمام، أو زميلة في الفصل…… من بين ٤٠٠٠٠٠ امرأة تجرى لها عمليات إجهاض كل سنة“. وفي جزء آخر من البوستر كلمات صريحة واضحة: (آلاف حالات الإجهاضآلاف الأسباب).

البناء على خبرات النساء يمكن ويجب – أن يتضمن صوراً عن الجنين، وإدراك أن النساء, في الثقافة الشعبية, يعشن صراعًا فيما يتعلق بما يعنيه الجنين لهن كجزء مما يعنيه الإجهاض، أمر يساعد على تجاوز ثنائية مناصرة الحياة في مقابل مناصرة الاختيار . وقد ناهضت بعض النسويات, بالفعل، فكرة أن الجنين معدوم القيمة تماماً, على أساس أنها فكرة لا تمثل تجارب العديد من النساء اللاتي مررن بحمل غير مرغوب فيه، وعلى أساس أن قيمة الجنين قد تختلف وتتزايد مع تقدم الحمل“. (٢٤)

سواء أكان الإجهاض مشروعًا أم لا، فإن الخطاب حول هذه القضية خطاب منتشر وعام، نجده في الثقافة الشعبية، كما نجده في النصوص القانونية والطبية. والتركيز على تجارب النساء لا يعني التحول عن سياسات الرحم، فالواقع أن التركيز على الجنين يتيح لنا إثارة التساؤلات الواجبة حول خطاب ما يسمى مناصرة الحياة, وسؤال القساوسة والعُمد المناهضين لوسائل منع الحمل, ما إذا كانوا يدركون العلاقة بين منعهم لاستخدام وسائل منع الحمل والأطفال المجهضين الذين يستقر بهم المقام في سلال نفاياتهم أو كنائسهم. إن الافتقار إلى النفاذ إلى الوسائل هنا يشمل غياب خدمات منع الحمل, ليس فقط في حالات منع تلك الخدمات، ولكن هناك أيضًا عدم القدرة على النفاذ إليها لأسباب اجتماعية – الخوف من وسائل منع الحمل الذي تنشره جماعات مناهضة الإجهاض والذي يمنع النساء من استخدام وسائل منع الحمل.

في أماكن مثل الفيليبين، حيث الإجهاض غير مشروع, تروي النساء قصصاً مروعة عن آلام إدخال القسطرة في الرحم. والآلام الناجمة عن تدليك القابلات التقليديات, وتحرش العاملين بالمستشفيات، وتتحدثن عن مشاعر الخوف, والشعور بالذنب, والإحساس بالعار، وما يستتبعه ذلك من احتياج إلى دعم اجتماعي. (22) وتقوم الجماعات المناهضة للإجهاض بتشويه تلك الاحتياجات واصفةً إياها بأنها أزمة ما بعد الإجهاض. لذلك من المهم فضح السبل التي تتبعها الجماعات المناهضة للإجهاض في التلاعب بالثقافة الشعبية وتجارب النساء وتوضيح كيف أن استدعاء مصطلحات مثل رضيعوطفلو الذي لم يولديمكن ان تقف وراءها أسباب استغلالية وقاسية, لا تراعي الظروف المحيطة بالحاجة إلى الإجهاض.

ويشير ويليام سالينان في كتابه الحق في الحمل (25) إلى أن الجماعات المناهضة للإجهاض قد تبنت وإن بطريقتها حتى خطاب جماعات مناصرة الاختيار الأمريكية الذي يؤكد الخصوصية والحقوق الفردية, فهي تناهض الإجهاض الآن بوصفه تدخلاً حكومياً مبالغًا فيه في شئون ينبغي أن تظل خاصة وداخل الأسرة. وقد استُخدمت هذه الحجة, على سبيل المثال, في الدفاع عن وجوب إخطار الأهل قبل إجراء إجهاض للفتيات القصر، وهو مثال على كيف يمكن أن يتم لى مفاهيم السرية والخصوصية لتخدم غايات تتناقض تماماً مع ما تدافع عنه تلك المفاهيم

بدأ المقال بالإشارة إلى التناقضات في القوانين الإيرانية والفيليبينية، وكيف تبدو مائلة لحماية المُضغة والجنين بينما تهمل حقوق الأطفال الأحياء والأمهات واحتياجاتهم. هذا التحليل الأوسع للقوانين والسياسات والخطابات المحيطة بالإجهاض ينبغي أن يتطور إلى بيئة تسمح بإدخال إصلاحات تقدمية في قوانين الإجهاض, ومن المأمول أن تتحسن فرص الحصول على الحقوق الإنجابية إلى الأفضل.

طُرحت الأفكار الأساسية لهذا المقال في البداية في مقال رأي بعنوان “Fetal rights, children rights” (حقوق الجنين، حقوق الطفل) في الفيليبين ديلي إنكوايرير, ١٦ ديسمبر ٢٠٠٣.

* رئيس قسم الأنثروبولوجيا بكلية العلوم الاجتماعية والفلسفة، جامعة الفيليبين, مدينة كويزن, الفيليبين. البريد الإلكتروني : [email protected]

* يستخدم مصطلح خطابفي هذا المقال بمعناه الأوسع، حيث لا يعني مجرد ما يقال أو يطبع – ما يطلق عليه بعض الباحثين النص” – ولكنه يشمل أيضًا كل الصور التي تُنشأ أو تُستدعى أو تُثار من قبل مختلف الأطراف المعنية في النقاش المتزايد تعقيداً حول الإجهاض. هذه الصور حاضرة في الثقافة الشعبية, من الفولكلور إلى الإعلان، وكذلك في أشكالها الأكثر رسميةً مثل القوانين والسياسات الحكومية.

* Destierro (مصطلح أسباني) تعرفه المادة ٨٧ من القانون الجنائي بأنه نوع من الإبعاد أو النفي.

* من الشائع أن يترك الناس الأطفال المجهضين في المقصورة, وأعتقد أن ذلك لأنها أقرب ما تكون للدفنة المسيحية (المترجم).

* تلك إشارة واضحة إلى دستور ١٩٨٧ هي الفيليبين 14 الذي ينص في الباب ١٢, مادة ٢ على أن: الدولة سوف تحمي حياة الأم وحياة الذي لم يولد. بشكل متساو, منذ لحظة الحمل

** في كل النقاشات العامة حول قضايا أخلاقية تتراوح من الإجهاض إلى مناظر العري في الأفلام, يلجأ المحافظون, عادةً, إلى ادعاء أن الفيليبين هي الدولة الكاثوليكية أو المسيحية الوحيدةفي آسيا, متخذين من ذلك سببًا لأهمية دفاعها عن بعض القيم. على أن هذا الادعاء خاطئ. فتيمور الشرقية بها أغلبية كاثوليكية، كما أن العديد من البلدان الآسيوية بها نسبة كبيرة من المسيحيين, ومنها كوريا الجنوبية

* الخلايا الأساسية (stem cells) في خلايا يمكنها تجديد نفسها وزيادة عددها بالانقسام, ويمكنها أيضًا التحول إلى أى من الخلايا المتخصصة (specialized cells) التي تقوم عليها أجهزة الجسم المختلفة. الخلايا الأساسية في البالغين, يمكنها تجديد خلايا العضو المحدد مثل الجلد, أو الجهاز الهضمي, أو الدم,…. الخ. أما الخلايا الأساسية في الجنين، فيمكن استخدامها في تجديد أي عضو من أعضاء الجسد البشري، استخدام الخلاية الأساسية موضع جدل أخلاقى وعلمى واسع، وخاصة ما يتعلق باستخدام الخلايا الأساسية للأجنة بعد الإجهاض. (المحررة)

* متلازمة ريت: متلازمة تحدث للأطفال من الإناث، ويحدث فيها خلل عصبي يؤدي إلى ضعف العضلات ومشاكل في الحبو أو المشي, ومع تقدم المرض تفقد الطفلة قدرتها على استخدام يديها، والوظائف الحركية والقدرة على الكلام. (المحررة)

** يبدو أن كاتب المقال يتصور أن الموقع موقع إسلامي, لكنه موقع مسيحى وفقًا لما جاء على صفحاته (تم الدخول علي الموقع ٦ أكتوبر ٢٠٠٨) المحررة25-Saletan W. Bearing Right : How Conservatives Won the Abortion War . Berkeley : University of California Press , 2003 .

1-Tan ML . Fetal rights , children’s rights . Philippine Daily Inquirer . 16 December 2003. p.7 .

2-Ebadi S. The Legal Punishment for Murdering One’s Child . No date . At : < www.Iranianchildren . org / articles.html > . Accessed 1 December 2003 .

3-Conviction of children under the laws of 78 years ago is better than the current laws . At : www.Iranianchildren.org/ebadiconviction.html > . Accessed 1 December 2003 .

4-Nolledo W , editor . The Revised Penal Code of the Philippines with Related Laws , Mandaluyong City : National Book Store , 1998 .

5-Article 247 , Revised Penal Code . At : < www.abogadomo.com/ lawprof_247.html > . Accessed 12 April 2004 .

6-Malenschein J. Whose View of Life ? Embryos , Cloning and Stem Cells . Cambridge MA : Harvard University Press , 2003 .

7-Ranke – Heinemann U. Eunuchs for the Kingdom of Heaven : Women , Sexuality , and the Catholic Church . New York : Doubleday , 1990 .

8-Religion of overpopulation and contraception exposed . In : Prolife Philippines . At : < www.prolife.org.ph/article/ archive / 64 > . Accessed . 5 April 2004 .

9-National Statistics Office . National Demographic and Health Survey 1998. Manila : National Statistics Office , Department of Health and Calverton MD : Macro International Inc , 1999 .

10- Health Action Information Network . Transcripts of interviews with family planning acceptors , 1997. ( Unpublished )

11-Tan ML . Good Medicines . Amsterdam : Het Spinhuis , University of Amsterdam , 2001 .

12-Javellana JL . Tatad asks DOH to ban abortion pill . Philippine Daily Inquirer . 3 October 2000 , p.3 .

13-Nocum AN . 42 babies ” secret powerhouse of congress ” . Philippine Daily Inquirer . 23 January 2003. p.1 .

14-Nolledo JN . The Family Code of the Philippines Annotated . Mandaluyong City : National Bookstore , 1997 .

15-Torres MT , Ager M. President Arroyo declares March 25 as ” Day of the Unborn ” . Manila Times . 26 March 2004 .

16-Philippine President declares March 25 Day of the Unborn . At : < lifesite.net/ldn/2004/mar/ 04032507.html > . Accessed 5 April 2004 .

17-Goldstein A. Bush signs Unborn Victims Act . Washington Post . 2 April 2004. p.A04 .

18-Kalb C. Treating the tiniest patients . Newsweek . 9 June 2003. p.48-51 .

19-Steinbock B. The pro – choice view : when can it feel pain ? Newsweek . 9 June 2003. p.47 .

20-Schneider H. [ Obstetrical considerations regarding marginal fetal viability of very early premature infants ( in German ) ] . Schweiz Rundsch Med Prax . 2003 ; 92 ( 13 ) : 585-89 . ( From Medline abstract . )

21-Boehlert E. Fighting stem cells , not terror cells . At : < www.salon . com / news / feature / 2004 / 04 / 08 / stem_cells > . Accessed 9 April 2004 .

22-Likhaan . Ibat Ibang Mukha ng Aborsyon [ Different faces of abortion ] . Manila : Likhaan ( Transcripts of interviews with eight women , unpublished ) .

23-Raymundo CM , Zablan ZC , Cabigon JV , et al . Unsafe Abortion in the Philippines : A Threat to Public Health . Quezon City : Demographic Research and Development Foundation , 2001 .

24-Fletcher R. National crisis , supranational opportunity : the Irish construction of abortion as a European service . Reproductive Health Matters 2000 ; 8 ( 16 ) : 35-44 .

25-Saletan W. Bearing Right : How Conservatives Won the Abortion War . Berkeley : University of California Press , 2003 .

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات