انطلاقًا من حيوية مهمة تطوير الخطاب / الخطابات النسوية المصرية، وفي إطار جهود مركز دراسات المرأة الجديدة لإصدار مجلة نسوية نظرية تتناولُ القضايا المحورية التي تتصدى لها المنظماتُ النسوية في مصر، وكذلك في إطار دور المركز كمنسق لمشروع الخطاب النسوى العربي داخل شبكة عايشة للنساء العربيات عقد المركز في شهر يونيو ٢٠٠١ دائرة حوار مفتوحة حول الموضوع، ضمت عضوات المركز وعضوات بعض المنظمات الأخرى الصديقة.
برزت من خلال المناقشة عدة تساؤلات.. هل هناك خطابٌ أم خطاباتٌ نسوية؟. هل هي خطاباتٌ أم إرهاصات خطابات نسوية؟.. ما هي العلاقة بین الخطابات المختلفة حول المرأة سواء تلك التي تتبناها النسويات، أو التي تتبناها القوى السياسية / الاجتماعية المختلفة (الدولة، اليسار، الإسلاميين، إلخ) وبين واقع النساء وحياتهنَّ اليومية أو الخطاب الشفاهي للنساء؟
أبرزت المناقشة أن أي “خطاب” هو ترجمةٌ لفكر معين، وتعبيرٌ عن مصالح قوى محددة في المجتمع (سياسية، اجتماعية) ، ويعملُ لتغيير (أو تأبيد) علاقات القوى السائدة من خلال الاشتباك مع الخطابات المعبرة عن مصالح وتوجهات القوى الأخرى، وبالتالي فإن هناك خطاباتٌ متعددة تُعبر عن الاتجاهات الفكرية الموجودة في المجتمع (مكتوبةً شفوية). ولأن الخطاب هو نتاج حركة ما (كتابات صراعات) … فهو لا يتعلق فقط بما هو مكتوب ومعلن، بل أيضًا بما هو غير معلن، أى عما يُمكن (أو لا يمكن) مناقشته.
بلورت المناقشة ثلاث فئات عامة من الخطاب:
-
الخطاب النسوي الذي تتبناه النساء النشطات (في الحركة أو المجال الأكاديمي) ينبع من مصالح النساء كما يرينها هن، وينطلق من التحليل النقدي للواقع بهدف تغييره. هذا الخطاب يؤمن بوجود علاقات قوى غير متكافئة وتمييز ضد المرأة داخل المجتمع الأبوى. كما يؤمن بخصوصية قضية المرأة وبأنها لن تحل تلقائيًا مع حل القضايا الكبرى في المجتمع مثلما تعتقد بعض اتجاهات اليسار. يهدف هذا الخطاب إلى تغيير علاقات القوى في المجتمع في علاقتها بتغيير وضع المرأة، أي أنه خطاب حصيلة لكفاحِ النساء.
-
الخطاب النسائي الذي ينبع من واقع النساء ومحاولاتهن للتكيف مع الواقع والالتفاف حوله. هو خطابٌ يعني أساسًا بالدفاع عن الذات عبر التكيف والموائمة. ويختلف هذا الخطاب عن الخطاب النسوي في أنه يهدف إلى تعديل علاقات القهر القائمة، وليس تغييرها جذريًا. وهذا الخطاب يتباين بتباين المواقع الطبقية والسياسية للنساء. وتنتمى إلى هذه الفئة الخطابات الشفاهية للنساء.
-
ثم مجموعة واسعة من الخطابات المجتمعية التي تمثل القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة التي تتناول قضايا المرأة من منظور هذه القوى، وإن تباينت في تعاملها مع علاقات القوى السائدة.
وتشمل هذه المجموعة خطاب الدولة, الخطابات الإسلامية، الخطابات اليسارية، الخطاب الليبرالي.. إلخ، تهدف تلك الخطابات إلى دمج النساء في الخطاب السياسي الأعم لتلك القوى، أي أنها تعبر عن حركة ومصالح تلك القوى وليس عن مصالح النساء، وبعضها يتوجه للمرأة بهدف إعادة تشكيلها سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر، من خلال توجهه لإعادة صياغة المجتمع ووضعية المرأة.
الخطاب الذي يتناول “القضايا النسوية” هو إذن خطابٌ يعكس علاقات القوى في المجتمع المحدد، في لحظة زمنية محددة. ليس فقط علاقات القوى بين النساء والرجال في ظل النظام الأبوى بل أيضًا علاقات القوى بين القوى الاجتماعية المختلفة وتأثيراتها المتبادلة على بعضها البعض. وبالتالي فنحن بصدد عملية مركبة من التحليل والتركيب والبناء التراكمي. هو خطابٌ يسعى لتجاوز الفجوة بين الرؤى الفكرية وبين الإشكاليات التي يطرحها واقع الحياة اليومية للنساء.
تعرضت المناقشات أيضًا للإشكاليات التي لابد للخطاب / للخطابات النسوية أن تتصدى لها، ويأتي في مقدمتها مسألة احترام الرؤى المختلفة والتفاعل معها، وتجاوز الخطابات الشمولية التي تدعي امتلاك الحقيقة وحدها. ثانيًا : مسألة التصدي لقضية تطوير اللغة، وتأسيس لغة جديدة تتجاوز الأطر التقليدية بتحيزاتها النوعية والسلطوية عبر عملية جدلية مستمرة من التفكيك والتركيب للخطابات المهيمنة واللغة السائدة. ثالثًا: مسألة مد جسور لتجاوز الفجوة بين العمل الأكاديمي والحياة اليومية للنساء. كما اتفقت الحاضرات على أنه لا يمكن للخطاب النسوى أن يكتفي بالتركيز على قضية النوع الاجتماعي، حيث لا يمكن معالجة هذه القضية بمعزل عن القضايا الطبقية والعرقية والجنسية.
يشمل أي خطاب كافة أشكال الإنتاج الفكري، من فنون وآداب وسياسة وتاريخ، والتي تعيد نشر وتدوير المعرفة والمعتقدات بشكل منهجي بما في ذلك الأفكار والمعتقدات المغلوطة في عملية مزدوجة من التحريم والتحليل تعيد بذاتها إنتاج وتوزيع السلطة عبر الصراع المستمر بين الخطابات المختلفة، التي تتميز بالتعقيد والتركيب، في عملية من التأثير المتبادل بين الخطابات المختلفة المجتمع في لحظة زمنية محددة.
منذ بداية القرن قدمت النسويات المصريات جهودًا دؤوبة لصياغة خطاب نسوى يعبر عن طموحات المرأة المصرية ويشتبك مع الخطابات السائدة في المجتمع، منها المجلات النسوية المختلفة التي أصدرتها الجمعيات النسوية المصرية والاتحاد النسائي المصري، والكتب مثل “النسائيات” لملك حفني ناصف، “نحن النساء المصريات” لأنجي أفلاطون، وكتابات نوال السعداوي في السبعينيات وما تلاها. ومع الموجة الجديدة في الحركة النسوية المصرية والتي بدأت إرهاصاتها منذ منتصف الثمانينات عاد الطموح مجددًا لصياغة خطاب نسوى يُعبر عن النساء المصريات في فترة ما بعد الاستقلال والحداثة. فشهدت الثمانينات والتسعينيات صدور العديد من المقالات والكتابات غالبيتها العظمى باللغة الإنجليزية. لكن التسعينيات مثلت نقلة نوعية مع تواتر جهود متعددة تتميزُ أولاً بالكتابة باللغة العربية، وثانيًا بالروح الجماعي مثل جهود “ملتقى المرأة والذاكرة” ومجموعة مجلة “هاجر“. ومجموعة مجلة “نور“. على أي حال مازالت الجهود التي تتصدى لهذه المهمة متفرقة وموسمية لا تتناسب مع الحجم الفعلي للحركة النسوية على الساحة المصرية، ولا مع إسهامات النساء في الحركة الوطنية والديموقراطية. واعتقادًا منا بضرورة مناقشة الخطابات النسوية المختلفة والاشتباك معها، وإسهامًا منا في محاولة لملئ الفجوة الواضحة في هذا المجال، قررنا إصدار مجلة نصف سنوية تتناولُ بالعرض والتحليل الخطابات النسوية الموجودة على الساحة المحلية الإقليمية. وبمعونة الصديقة أماني أبو زيد المنسقة المسؤولة للمشروع، وضعنا تصورًا أوليًا للأعداد الأربعة الأولى من هذه المجلة، وشرعنا بالفعل بالإعداد لصدور العدد الأول مع بداية العام الجديد أي يناير ٢٠٠٢.
حاولنا أن يكون العدد الأول من طيبة بمثابة مقدمة لبقية الأعداد نُثير فيه الأسئلة والقضايا، ونفتح باب التحاور حولها، ويُتناول بالعرض والتحليل الموضوعات التالية:
-
قبول منظور تعدد الخطابات في مقابل خطاب نسوی شمولی.
-
تحليل الخطابات النسوية في مصر في الوقت الحالي في علاقاتها بالخطابات النسوية العربية والعالمية.
-
إشكالية الخصوصية الثقافية.
-
إشكاليات الترجمة/ اللغة.
-
إعادة النظر في “قضية المرأة” بما تحمله تلك الصياغة من أحادية تعريف “المرأة” إلى “قضايا النساء” بما تحمله من تعدد الرؤى النسائية لقضاياهن.
أهداف المجلة:
تهدف مجلة “طيبة” إلى خلق آفاق ومساحات للرؤى، ووجهات النظر المختلفة للفكر النسوى، وإلى تعزيز فكرة احترام الرؤى النسوية المختلفة وتجاوز الخطابات الشمولية. كما تهدف المجلة إلى دراسة وتحليل الفجوة القائمة بين النظرية والممارسة في مجالات بحث قضايا النساء، وذلك من خلال تحليل أدوات البحث النسوى وتطويرها، بحيث تنطلق من، وتتواءمُ مع، الحياة اليومية للنساء.
دعوةٌ للمشاركة في الأعداد القادمة
نرحب بمساهماتكم بمقالات أو أبحاث أو عروض للكتب أو ترجمات تناقش أيًا من الموضوعات التالية التي ستناقشها الأعداد الثلاثة القادمة:
-
الخطابات النسوية في مصر والعالم وعلاقتها بمفهوم ما بعد الحداثة.
-
الخطابات النسوية من منظور ما بعد الحداثة وعلاقتها بمفاهيم ونظريات النوع الاجتماعي على المستوى المحلي والإقليمي وأيضًا العالمي.
-
منهجية البحث العلمي من منظور نسوی.
-
تحليل أسباب ظهور مناهج نسوية للبحث العلمي.
-
تحليل وتطوير المناهج النسوية للبحث العلمي.
-
السياسة الدولية من منظور نسوى (عدد خاص عن فلسطين).
قواعد النشر
-
تتراوح الورقة المقدمة من ٣٠٠٠ – 5000 كلمة
-
تقدم الورقة على أقراص مرنة، واستخدام برنامج Microsoft Word
-
مراعاة قواعد الإستعانة والإشارة إلى المراجع المستخدمة.
-
الإفادة عن مرجع نشر البحث أو المقال في حالة نشره سابقًا.