المواطنة
حينما طلب مني المساهمة في هذا العدد الذي يتناول موضوع المواطنة ، تساءلت قليلاً عما أكتب ، فوجدتني أفكر في تفاصيل يومي أو يوم أي امرأة لأستكشف مدى استمتاعنا بالمواطنة، عادة ما يبدأ اليوم بالاستيقاظ من النوم ، في ما عدا حالة عدم النوم أصلاً لأسباب أو لأخرى ، وفي كثير من الأحوال تصاحب هذا الاستيقاظ سلسلة من الواجبات المنزلية والأسرية، منها إعداد الفطور ، وجمع الغسيل وتطبيقه ، وترتيب بعض الأغراض في الغرف، وإعداد سندوتشات المدرسة للأطفال إن وجدوا ، ثم إيقاظ بقية أفراد الأسرة وتقديم وجبة الصباح ثم غسل الأطباق ، وبعد ذلك توديع الجميع الذين يذهبون إما إلى مدارسهم أو أعمالهم ، فإذا كنت سيدة تعمل ، فإنما أقوم بارتداء ملابسي على عجل, واتجه إلى الشارع قاصدة مكتبي ، أو مصنعي ، أو عيادتي ، هناك احتمالان : إما أن يكون لدي سيارة أركبها لأجد نفسي عرضة لجميع أشكال الشتائم والبذاءات المتخيلة وغير المتخيلة نظرًا لأنني امرأة تقود سيارة ، وبالتالي فإنني حتمًا امرأة سيئة حصلت على هذه السيارة بطرق معيبة، كما أنني بذلك أزاحم الرجال الآخرين الذين يقودون السيارات مثلی, وأسبب لهم الضيق لعدم قدرتي على القيادة التي أطلق عليها مسمى (الثعبانية) نسبة إلى حركة جسد الثعبان والتي تحول الشوارع إلى مشهد أقرب إلى السيرك ، أما الاحتمال الآخر فهو أننى أرتاد المواصلات العامة حيث تلتصق بك الأجساد وحينما تطالب أحدهم بالإبتعاد عنك يكون الرد أن تبقي في منزلك أفضل ، وفي جميع الأحوال ، استمع إلى المواعظ المتعلقة بعفة النساء، وحفاظهن على أنفسهن وتبعيتهن للرجال ، وما إلى ذلك من الأقوال الشائعة، خاصة في عربة المترو المكرسة للنساء .
عندما أصل إلى مكان عملي أيًا ما كان أسعى إلى تقديم أفضل أداء حتى أثبت أنني جديرة بهذا العمل الذي يعرض وكأنه هبة منحت لي ، ولكن هذه الجهود التي أبذلها لا تؤتي بالثمار التي أتمناها ، فها هو زميلي الذي تخطاني لأنه لم يخرج في إجازة وضع وهناك المشرف الذي يصد محاولاتي على الابتكار ولا يقدم ولو كلمة ثناء لما أبذله ، وآخر يقتنص لمسة يتقزز لها جسدي ولكنني لا أجرؤ أن أتكلم لأنني سوف أتهم غالبًا بأنني السبب في ذلك من جهة العمل من ناحية، ومن أهلي والمجتمع ككل من ناحية أخرى ، أما إذا كنت ربة منزل فالأمر لا يختلف كثيرًا، حيث إنني مضطرة إلى الذهاب للسوق حيث ألقى أنواع التحرش والاستعلاء والنصب والإهانات الموجهة بصفة عامة ضد النساء خاصة السافرات منهن ، وأعود إلى منزلي في جميع الأحوال (سواء كنت أعمل بالخارج أم لا) حامدة الرب على أنني رجعت سليمة ، راضية بالأعباء اللانهائية التي تنتظرني هناك.
وإذا أردت أن تكون لي مساهمة في حياة هذا الوطن تكون على هيئة الانضمام إلى حزب أو منظمة غير حكومية ، أو ترشيح نفسي لأي شكل من أشكال الانتخابات، أو حتى مجرد الإدلاء بصوتي ، فإنني لن أحكي لكم ما ألقاه، ذلك أن الإقصاء والتهميش من السمات التي تصطحب حياة النساء أينما وجدن ، أي في المجالين العام والخاص، وأصبحت مساهمة النساء في الحياة العامة مصحوبة بانتهاكات عدة، مما يمثل عامل طرد بالنسبة لجموع النساء، كما أكون محظوظة حقًا لو لم يصبني ضرر من وراء سعيي إلى تلك المشاركة وعدت مرة أخرى سالمة إلى داري التي تحيطني أسوارها بحمايتها .
كانت تلك بعض الخواطر في إطار الحديث عن المواطنة !
في ظل ظروف اجتماعية وسياسية أدت إلى انحسار المشاركة السياسية للنساء بل وهبوط نسب مشاركتها عن سنوات مضت في ظل هذا الغياب أو التغييب ، طالبت الحركة النسائية بتخصيص نسبة من المقاعد فى المجالس النيابية والتشريعية ، ويبدو أن المطالبة بتخصيص “كوتا” للنساء قضية ستظل قائمة حتى بعد قرار الحزب الوطنى الصادر خلال انعقاد مؤتمر العام الخامس بزيادة نسبة وتمثيل المرأة في المجالس النيابية إلى ٥٦ مقعدًا ، ويظل الرقم حاملاً للأسئلة التي تبحث عن إجابات حول تمكين النساء من حقهن كمواطنات فى المشاركة السياسية.