ظهور توربيني جديد وإلقاء القبض على ١٨ طفلاً، وداران للرعاية تضمان ٢٠٠ فتاة… والشارع يضم الآلاف!
جاء الخبر منذ أيام في صفحات الحوادث كالمعتاد “ظهور توربيني جديد، في منطقة الأزبكية” وفي تفاصيله تكرار لما سبق فعله ونشر وهو ظهور أحد أبناء الشوارع، وقام بالاعتداء الجنسي والسرقة والخطف على اثنتي عشرة ضحية في مكان مهجور يقع في دائرة قسم الأزبكية – أي في وسط عاصمة البلاد – وفي يوم تالٍ للقبض على التوربيني الجديد نشرت الصحف خبرًا بالقبض على مائة وثمانين طفلاً من أبناء الشوارع تتراوح أعمارهم ما بين ثمانية وخمسة عشر عامًا وألقي القبض عليهم من شوارع وحدائق وميادين القاهرة وما بين الخبر والآخر هناك كارثة تتوالد اسمها أطفال الشوارع تعيد إنتاج المزيد من أطفال الشوارع تنجبهن أمهات هن في الحقيقة طفلات بلا مأوى يتم اغتصابهن واستغلالهن جنسيًا ويأتين بأطفال بلا آباء ولا نسب ولا مستقبل. القضية خطيرة وتحتاج لكل الجهود، ولا تحتمل الاستمرار في تبادل الاتهامات.
ومع استمرار “المرأة الجديدة” في متابعة هذه القضية فإننا نعرض لأبرز ما أثير حولها من آراء واقتراحات في ندوة عقدها المجلس العربي للطفولة والتنمية في شهر سبتمبر الماضي.
فقد اتهمت الحكومة المنظمات الأهلية بالتقصير في أداء دورها تجاه هذه الظاهرة وطالب د. زكريا عزمي – عضو مجلس الشعب – بمحاسبة هذه المنظمات التي تحصل على المنحة ولا تفعل شيئًا!
وعلى الجانب الآخر اتهمت المنظمات أيضًا الحكومة بالكثير وبتقصيرها في تنفيذ استراتيجيتها الوطنية التي أعلنت عام ٢٠٠٣.
توضح د. شهيدة الباز – المستشارة الدولية في الاقتصاد السياسي للتنمية – التي ساهمت في وضع الاستراتيجية اليمنية ثم المصرية لحماية أطفال الشوارع – أن ظاهرة أطفال الشوارع ارتبطت بسياسات التكييف الهيكلي والإصلاح الإقتصادي، وما تبعها من سوء توزيع الثروة في المجتمع، والتنمية غير المتكافئة بين الريف والحضر، وزيادة نسبة الأسر الفقيرة، وتقسيم المجتمع إلى أقلية تزداد غنى، وأغلبية تزداد فقرًا، إلى جانب انهيار نظام التعليم، أما باقي العوامل المساعدة مثل التفكك الأسري فلا تدفع وحدها الطفل إلى البقاء في الشارع، بدليل أن أبناء الأسر المفككة الغنية لا يصبحون أطفال شوارع، لكن الأمر لم يتطور ليصبح ظاهرة متوحشة لها سماتها إلا بعد انتهاج سياسات الإصلاح الإقتصادي، ولهذا لن تحل هذه المشكلة، ما لم تتم إعادة النظر في هذه السياسات أو على الأقل عمل شبكات أمان للأسر كلها تتبناها الدولة. واتهمت شهيدة الباز عدم تحرك الحكومة المصرية بشكل جدي لمواجهة هذه المشكلة إلا بعد حادثة التوربيني الشهيرة هذا العام، رغم أن الإستراتيجية الوطنية التي أعلنتها السيدة سوزان مبارك عام ۲۰۰۳ قد شارك في وضعها الجهات الحكومية والمنظمات الأهلية والجهات الدولية أيضًا، والمجلس القومي للطفولة والأمومة الذي يفترض أن يرصد ويتابع ويقيم ليس لديه سلطة حقيقية.
وانتقدت العلاقة بين الدولة والمنظمات غير الحكومية، فرغم ما تؤكد الحكومات العربية عن أهمية الشراكة بين الجهتين، فالدولة مازالت لها اليد العليا في هذه العلاقة، فالتشريعات تمنح الحكومة سلطة واسعة على إنشاء وممارسة النشاط وإنهاء وجود المنظمة، والحكومة هي التي ترسم السياسات الاجتماعية الملائمة، بحيث تعتبر النشاط الأهلي مكملاً لعملها من الناحية الوظيفية.
وتمنت الباز أن يحل القطاع الخاص الوطني محل الجهات المانحة الأجنبية في تمويل عمل المنظمات الأهلية غير الحكومية.
الإصلاح والإفساد
هانی هلال: مراكز الاستقبال النهاري لأطفال الشوارع تشجع الأطفال على البقاء في الشارع
من جانبه يطالب هاني هلال – الناشط في مجال العمل الأهلي لحقوق الطفل – بتشكيل لجنة وطنية من الشخصيات العامة والمهتمين لتقييم عمل الجمعيات الأهلية في مجال مواجهة ظاهرة أطفال الشوارع، واتهم مراكز الإستقبال النهاري التي توفر الطعام والملبس والأمور الأخرى لطفل الشارع بأنها تساهم في تثبيت الظاهرة لأنها لا تسمح للطفل بالمبيت فيها ، وأكد أنه إذا لم تختص وزارة حكومية بإصلاح ما أفسد الإصلاح الاقتصادي، فسيظل عمل المنظمات الأهلية مجرد مسكنات. أما سهام إبراهيم – رئيس مجلس إدارة جمعية طفولتي – فقالت: “كفانا دراسات وأبحاث من مجالس الطفولة، ألا يجب تنتظر الحكومة مزيدًا من الدراسات لقياس حجم الظاهرة، بل المفروض البدء بالحلول والمواجهة.
من جهة أخرى قالت وفاء المستكاوي – مدير عام الإدارة العامة للدفاع الإجتماعي بوزارة التضامن الاجتماعي – : “كلنا نعرف أسباب الظاهرة وطرق مواجهتها، لكن لا توجد جهة للتنسيق“؟!!
د. هالة أبو طالب: الهيئات المانحة تساهم في إفساد بعض العمل الأهلى للقضاء على هذه الظاهرة
أما د. هالة أبو طالب – منظمة الصحة العالمية – فاتهمت الجهات المانحة بإفساد عمل المنظمات الأهلية وأشارت إلى عدم وجود ثقة بين الحكومة والمنظمات الأهلية، ولهذا لابد من وجود جهة تنسيقية محايدة تحدد (من سيعمل ماذا بكم ومتى).
واتفق معها فتحي عبد الوهاب – نائب مدير المنظمة الكشفية العربية – مؤكدًا ضرورة اجتماع كل الجهات الفاعلة في نفس المجال سنويًا لمحاسبة بعضها البعض وتوزيع المسئوليات.
وأخيرًا أكدت ثائرة شعلان – مدير إدارة البرامج بالمجلس العربي للطفولة والتنمية – أنه لن تحل مشكلة أطفال الشوارع إذا لم تربط الحكومات بين حقوق هؤلاء الأطفال – مثل باقي الأطفال – وبين التزام الدول نحو جميع المواطنين، لكي نمنع نزول المزيد من الأطفال إلى الشارع، ليس المهم توفير المأكل والمشرب لأطفال الشوارع فلم نسمع عن طفل شارع مات من الجوع، لكنهم يموتون من أشياء أخرى ويرون الخطر في ضباط البوليس، الموضوع يحتاج إلى تفكير مختلف، إلى استراتيجية مجتمعية للتعاون القومي وهذه غير موجودة حتى الآن.
أما الفنان خالد أبو النجا – سفير اليونيسيف للنوايا الحسنة – فرأي في مسرح الشارع – منفذًا ليخرج طفل الشارع ما بداخله ويتحدث إلينا دون خوف، ويسمح أيضًا للباقين من الإقتراب من طفل الشارع.