دور النساء في الحد من الفساد والآليات النسائية للقضاء على الفساد
بقلم:
مبادرات وتجارب مصرية نسوية في مجال مكافحة الفساد المجتمعي
مقدمة
عادة لا نتحدث عما يسمى المرأة والفساد ولكن تتحدث عما يُطلق علية البعد النوعي في محاربة أو مكافحة الفساد.
مما لا شك فيه وجود علاقة متبادلة بين محاربة الفساد وتطور السياسات النوعية في اتجاه إدماج أكبر للمرأة في الحياة العامة بالإضافة إلى تأثير الإختلالات في السياسات النوعية على زيادة معدلات الفساد.
ولكن قبل البدء في طرح التساؤلات المرتبطة بهذه الورقة
لابد من التساؤل عن أي فساد تتحدث؟
الفساد الإداري الرشوة – المحسوبية – استغلال السلطات – تضارب المصالح – المناقصات)
وهل الحديث الافتراضي عن أن المرأة أقل فساداً من الرجل صحيح في ضوء وجود عدد من المؤشرات التي تقود إلى تدعيم هذه المقولة.
ومنها:
-
ضعف مشاركة المرأة في الحياة العامة
-
عدم إلمام المرأة بكافة القواعد المالية وبالإجراءات والقوانين
-
غياب وجود المرأة في دوائر صناعة القرار مقارنة بالرجل
وفي هذا الصدد يثور تساؤل حول علاقة المرأة بتعريف الفساد
فهل تعريف الفساد المتداول في المحافل الدولية سوء استغلال السلطة لتحقيق منافع خاصة ينطبق على كل النساء؟ المرأة العاملة والمرأة في دوائر صنع القرار والمرأة في المنزل؟ أي المرأة على جانبي الطلب والعرض؟
كما يثور تساؤل ثان حول العلاقة بين درجة مشاركة المرأة في الحياة السياسية ومعدلات الفساد السياسي سلبًا أو إيجابًا ؟
-
فهل تحد مشاركة المرأة في الحياة السياسية من فرص الفساد؟
-
أن الشواهد تشير إلى أن وصول المرأة إلى دوائر صناعة القرار سواء في آسيا أو أفريقيا أو في الدول الغربية لا يعني أن سلوكها قد يكون أقل فساداً من الرجل.
-
إستناد هذه النتائج على الدراسات التي أجريت على دول مرت بإصلاحات في القطاع العام أو ما يطلق علية الخدمة المدنية بالتركيز على قطاعات بيروقراطية تشهد تواجداً مكثفاً للمرأة.
-
أن التوجهات نحو الفساد تلعب دوراً هاماً في مكافحته من قبل الجنسين فالدراسات التي أجريت في استراليا تشير إلى وجود توجهات إيجابية للنساء باتجاه مكافحة الفساد وعدم التسامح معه مقارنة بالرجال. في حين أشارت نتائج ذات الدراسات التي أجريت في كل من الهند وأندونيسيا وسنغافورة إلى عدم وجود اختلاف في توجهات الجنسين نحو مكافحة الفساد.
إذن، وجود المرأة في الحياة العامة والحياة السياسية تحديداً لا يشكل ضمانة للحد من أو زيادة معدلات الفساد ويرتبط الأمر بالسياقات القيمية والاجتماعية وتحديدًا علاقات القوة ووصول المرأة لمراكز ودوائر صناعة القرار، فضلاً عن قوة إنفاذ القوانين في الدول المختلفة.
إذن لماذا تهتم بالعلاقة بين الفساد والمرأة ؟
في الدول التي تواجه فيها المرأة تمييزًا وصعوبة في الحصول على الخدمات الاجتماعية وعدم قدرة على الوصول إلى مراكز صناعة القرار يصبح تأثير الفساد عليها مضاعفًا لأنة يزيد من حدة انعدام تلك الفرص وعدم القدرة على الحصول على الخدمات.
– إذا كانت الأصوات تشترى في الانتخابات من جميع القوى والفصائل السياسية، واذا كانت التفضيلات في التواجد ترتكز على اعتبارات الثقة دون الكفاءة، فستظل قدرة المرأة على اختراق تلك الدوائر محدودة أن لم تكن ضعيفة، وإن كانت هناك عدد من النساء قد اخترقتها بالفعل خاصة في محافظات الصعيد ارتكازًا على العصبية القبلية.
– الفساد يؤثر على تطوير حقوق المرأة المدنية والإنسانية. ففي ظل غياب الكفاءة ومن ثم الرؤية الشاملة لتطوير أوضاع المرأة وتشجيعها على المشاركة في الحياة العامة يصبح من لدية القدرة على الدفع قادرًا على توجيه صناعة القرار والإعلام في اتجاه لا يخدم تطوير حقوق المرأة.
– الفساد يؤثر على توفير حياة كريمة للمرأة والأسرة لأنة يقلل من العائدات، فالعائدات تتقلص بسبب المدفوعات غير المبررة ومن ثم لا يتبق الكثير للإنفاق على أو تحسين الخدمات المقدمة للمرأة والأسرة وتزداد الصورة قتامة في بعض المناطق الفقيرة التي يتعذر فيها الحصول على مياه شرب على سبيل المثال.
– الفساد يحد أيضًا من قدرة المرأة صاحبة المشروع الصغير أو صناعة صغيرة أو المستثمرة (المستثمرون ) من التنافس في السوق، لأنها قد لا تتمكن من دفع الإكراميات المطلوبة أو قد ترفض دفعها.
– عملة الفساد تختلف من الرجل عن المرأة وتتمثل في التحرش الجنسي كمقابل للحصول على الخدمات أو كثمن للحصول على حق ليس لها ( حالات من هذا النوع تم الإخطار عنها في دولة أذربيجان ).
العلاقة بين مكافحة الفساد والمرأة في إطار البعدين النسوي والنسائي
تتقاطع الدراسات النسوية مع حقول معرفية كثيرة مثل علم الاجتماع والدراسات الإنسانية وتوجد علاقة بين الدراسات النسوية والدراسات الثقافية منذ صدور أول مجموعة نسوية من قبل جماعة دراسات المرأة عام ١٩٧٨ والتي ظهرت ونمت في إطار مركز الدراسات الثقافية المعاصر CENTER FOR CONTEMPO RARY CULTURAL STUDIES وذلك في إطار إصرار الكاتبات النسويات على ربط السياسة بالمجال الخاص، ومعالجة توازن القوى داخل المجال الخاص ولفت الانتباة إلى مركزية الجنوسة في إطار مناقشة الهوية، خاصة وأن عدم إستيعاب المفاهيم النسوية أدى إلى وجود تفسيرات ضيقة للثقافة(1) .
كما أكدت دراسة FRANKLIN ET AL OFF – CENTER عام ١٩٩١ علي العلاقة بين النسوية والدراسات الثقافية. رغم أن الدراسة تستخدم مصطلحات الدراسات النسوية ودراسات المرأة بشكل تبادلي. (۲) ورغم أن دراسات المرأة تمتد إلى معظم الحقول المعرفية النظرية الإنسانية والعلمية في حين تمتد جذور الدراسات النسوية إلى العلوم الإنسانية.
لقد أسهمت الناشطات النسويات في انتشار ما يعرف باسم ثقافة المرأة WOMENS CULTURE والثقافة النسوية نفسها جازت نتيجة لأشكال مقاومة المرأة المختلفة للسلطة في المجالين العام والخاص. وهي أعم وأشمل من ثقافة المرأة التي تستند إلى عناصر وقد رأت الباحثات النسويات أن الخبرات الحياتية لها الأولوية ثم يأتي التنظير السياسي لتلك الخبرات ومثل النوع الإطار الرئيسي المؤسس لتلك الدراسات (۲) وقد بدأت الدراسات الأكاديمية النسوية بتعريف مفهوم النسوية FEMINISS بأنها لغة جديدة الفهم وشرح العلاقة بين المرأة والثقافة، (٣) وهي أيضًا ممارسة سياسية عكست حركة تحرر المرأة في مرحلتها الثانية في كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية من خلال لفت الانتباة إلى وجود نوع جديد من المعرفة حول قضايا المرأة كما ساهمت الثقافة النسوية في الولايات المتحدة في حماية الحركات المحافظة على حقوق المرأة في الفترة من ١٩45 – ١٩60 ونشر حركات تحرير المرأة (4).
فالنسوية هي حركة اجتماعية تهدف إلي إنهاء قهر المرأة وهو ما لا يعني وجود حركة نسوية موحدة، فالنسويات منقسمات على صعيد المنهج والأولويات السياسية أما النظرية النسوية فهي الآداة المنهجية بهدف فهم أسباب قهر واستغلال المرأة وإنهاء هذا القهر وطورت كارول كويلين CAROL QUILLEN مفهومًا للنسوية يرتكز على وجود أسس وقدرات إنسانية يجب توافرها واحترامها وتطويرها عالميًا، وهي التزام بالمساواة الاجتماعية والسياسية للمرأة في إطار العدالة العالية المناهضة لكافة أشكال القهر السياسي والاستغلال الاقتصادي.
كما تعطي النسويات قيمة للخبرة الشخصية وتهدف إلى التفرقة التقليدية بين الذاتية والموضوعية في إطار أن كل ما هو خاص فهو سياسي PERSONAL IS POLITICS . فالنظم والبنى الاجتماعية سواء تعلقت بالأسرة أو بالاقتصاد أو بالمرأة لها دلالات سياسية (1) وعند النسويات هناك عدد من القواعد الرئيسية:
1- النساء فئة لا يمكن تجاهلها وحماية حقوق الإنسان تمثل أرضية جيدة لنسوية تركز على المرأة.
2- التركيز على الدين والعرق والثقافة يشكل تهديدًا لوحدة النساء في العالم.
3- الليبرالية هي اللغة السياسية المثالية (3)
4- تعرف النظرية النسوية بماديتها والمادية هي مادة اللغة فاللغة هي أهم وسيلة للمقاومة السياسية وترسيخ الهوية وتأكيد مكانة ودور المرأة في المنظومة الثقافية.
5- ترفض النظرية النسوية أن تتكون نتاجًا تاريخيًا سياسيًا. (4)
6- النسوية هي وعي فكري ومعرفي وهي تختلف عن النسائية التي هي وعي بالجنس وبالبيولوجيا HEMINIST VERSUS WOMAN (5)
7- تعكس الثقافة النسوية عناصر من ثقافة المرأة ومنها التأكيد على الرعاية والتنشئة إلا أنها رفضت الحتمية البيولوجية وأكدت على الجماعية والتعاون ورفض الترابيتة والمنافسة باعتبارها أخلاقيات ذكورية. (6)
وترى النسويات ضرورة مقاومة منظومة النوع، باعتبارها تفرض توجه حتمي في العلاقات بين الجنسين فالحجج والافتراضات التي يقوم عليها النوع عند النسويات خاطئة للأسباب التالية :-
1- البيئة الاجتماعية لا تشرع الفرق بين الجنسين ولا تبحث في المسببات ولا تبحث في التساؤل الرئيسي وهو لماذا تمضي عملية تنشئة الجنسين في اتجاه واحد دائمًا؟ فقد تؤدي التنشئة الاجتماعية إلى وجود اختلافات بين الجنسين ولكنها لا تعدو إلا أن تكون عاملاً وسيطًا حيث تتسبب العوامل النفسية والاقتصادية في ترسيخ الاختلافات بين الجنسين.
2- البيئة الاجتماعية من أعراف وتقاليد وعادات ومؤسسات وتنشئة متغير غير مستقل وليس له نفس وزن البعدين النفسي والاقتصادي اللذين يفسران سلوك الذكر والأنثى (4) فالنوع عند النسوية مجال لقهر المرأة وتعميق الفجوة بين الجنسين. كما أن النوع أصبح مجالاً للجدل السياسي خرج عن نطاق الخاص والشخصي, ورغم ما سبق لم تخل الحركة النسوية من توترات واختلافات داخلية تمحورت حول مطلب الحق الفردي مقابل الحق الجماعي, وبين هؤلاء اللاتي يؤكدن على أهمية التنوع والاختلاف، فالنوع عند النسويات ليس اختلافًا بيولوجيًا بين الرجل والمرأة، ولكنة سوء توزيع في القوة والسلطات وفي ظل الرؤية النسوية للنوع الاجتماعي، يصبح من الصعب فهم تفاعلات المرأة مع ظواهر تنطوي على اختلالات في علاقات القوة وتوزيع السلطات مثل ظاهرة الفساد في إطار التباينات النوعية. وعليه، حاولت النسويات منذ مطلع القرن الماضي إثبات مقولة إمكانية مساهمة المرأة في تحويل السلطة والسياسات استنادًا إلى كفاءة المرأة في مجالات حل الصراعات والتحكيم وإدارة الشئون المالية.
وهو ما حدا بهن إلى المناداة بأهمية دخول المرأة المجال العام بقوة مستخدمات ذات الأسباب التي أعاقت تواجدها في الحياة العامة من عدم ثقة في قدراتها باعتبارها حبيسة المجال الخاص في إمكانية أن تنقل قيم ذات المجال من رعاية وحراسة الأسرة إلى حراسة المجتمع وقيمه. لذا أطلقت عدد من الصفات على أنديرا غاندي بأنها أم الشعب الهندي وعلى المستشارة مارجريت تاتشر بأنها صانعة الشاي في مطبخ الحكومة البريطانية.
واستندت النسويات في دفاعهن عن المرأة المحملة بالقيم إلى عدد من الأسباب منها قدرة المرأة على نقل قيم إيجابية إلى المجال العام نحو مجتمع أكثر تكافلاً وتماسكاً، وأنة بسبب احتدام الصراع بين المرأة والرجل في المجالين العام والخاص فلابد من تواجد المرأة في المجال العام لتعبر عن مصالحها في المجالين أما السبب الأخير فيتعلق بمبدأ العدالة، حيث من الظلم إقصاء المرأة عن المجال العام وأنشطته المركزية التي تتأثر بها . أخذًا في الاعتبار أن تواجد النساء في المجال العام أثبت ميلهن إلى إقرار المساواة في الأجور بين الجنسين وعن نفس العمل ومساندة التشريعات المناصرة لحقوق المرأة مثل تلك المرتبطة بالأسرة وحق التعليم والحماية من العنف ومنع الاغتصاب.
المرأة العاملة في الجهاز البيروقراطي ومكافحة الفساد
في هذا الإطار يثور تساؤل حول إمكانية المرأة العاملة مقارنة بالرجل في التغلب على الصعوبات البيروقراطية والمؤسسية في مجال صناعة القرار وتقديم الخدمات الحكومية. لا توجد دراسات في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن بينها مصر حول قدرة المرأة العاملة على تجاوز الصعوبات والعراقيل المؤسسية. والبيروقراطية، ولكن تشير العديد من الدراسات التي أجريت على دور المرأة العاملة في الجهاز البيروقراطي على التغلب على الصعوبات المؤسسية. خاصة في دول المهاجرين ككندا واستراليا وبعض الدول الأوروبية إلى تجاوزهن لبعض التنظيمات واللوائح التي قد تميز ضد الأقليات التي ينتمين إليها، أو ضد النساء أنفسهن وتشير بعض الدراسات التي أجريت في بنجلادش إلى النساء اللواتي يعملن في مؤسسات حكومية معنية بإعطاء قروض ومنح صغيرة لتمكين المرأة قد ساهمن في تغيير بعض القواعد التي تعوق دون حصول النساء على المنح والقروض الصغيرة، بحيث مثلت النساء العاملات في المؤسسة جماعة ضغط داخل المؤسسة ومناصرة للنساء الفقيرات.
2- البيئة الاجتماعية من أعراف وتقاليد وعادات ومؤسسات وتنشئة متغير غير مستقل وليس له نفس وزن البعدين النفسي والاقتصادي اللذين يفسران سلوك الذكر والأنثى
فالنوع عند النسوية مجال لقهر المرأة وتعميق الفجوة بين الجنسين. كما أن النوع أصبح مجالاً للجدل السياسي خرج عن نطاق الخاص والشخصي ورغم ما سبق لم تخل الحركة النسوية من توترات واختلافات داخلية تمحورت حول مطلب الحق الفردي مقابل الحق الجماعي، وبين هؤلاء اللاتي يؤكدن
على أهمية التنوع والاختلاف فالنوع عند النسويات ليس اختلافًا بيولوجيًا بين الرجل والمرأة, ولكنة سوء توزيع في القوة والسلطات وفي ظل الرؤية النسوية للنوع الاجتماعي، يصبح من الصعب فهم تفاعلات المرأة مع ظواهر تنطوي على اختلالات في علاقات القوة وتوزيع السلطات مثل ظاهرة الفساد في إطار التباينات النوعية. وعليه، حاولت النسويات منذ مطلع القرن الماضي إثبات مقولة إمكانية مساهمة المرأة في تحويل السلطة والسياسات استنادًا إلى كفاءة المرأة في مجالات حل الصراعات والتحكيم وإدارة الشئون المالية.
وهو ما حدا بهن إلى المناداة بأهمية دخول المرأة المجال العام بقوة مستخدمات ذات الأسباب التي أعاقت تواجدها في الحياة العامة من عدم ثقة في قدراتها باعتبارها حبيسة المجال الخاص في إمكانية أن تنقل قيم ذات المجال من رعاية وحراسة الأسرة إلى حراسة المجتمع وقيمه. لذا أطلقت عدد من الصفات على أنديرا غاندي بأنها أم الشعب الهندي وعلى المستشارة مارجريت تاتشر بأنها صانعة الشاي في مطبخ الحكومة البريطانية.
واستندت النسويات في دفاعهن عن المرأة المحملة بالقيم إلى عدد من الأسباب منها قدرة المرأة على نقل قيم إيجابية إلى المجال العام نحو مجتمع أكثر تكافلاً وتماسكاً، وأنة بسبب احتدام الصراع بين المرأة والرجل في المجالين العام والخاص فلابد من تواجد المرأة في المجال العام لتعبر عن مصالحها في المجالين أما السبب الأخير فيتعلق بمبدأ العدالة، حيث من الظلم إقصاء المرأة عن المجال العام وأنشطته المركزية التي تتأثر بها أخذًا في الاعتبار أن تواجد النساء في المجال العام أثبت ميلهن إلى إقرار المساواة في الأجور بين الجنسين وعن نفس العمل ومساندة التشريعات المناصرة لحقوق المرأة مثل تلك المرتبطة بالأسرة وحق التعليم والحماية من العنف ومنع الاغتصاب.
المرأة العاملة في الجهاز البيروقراطي ومكافحة الفساد
في هذا الإطار يثور تساؤل حول إمكانية المرأة العاملة مقارنة بالرجل في التغلب على الصعوبات البيروقراطية والمؤسسية في مجال صناعة القرار وتقديم الخدمات الحكومية لا توجد دراسات في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومن بينها مصر حول قدرة المرأة العاملة على تجاوز الصعوبات والعراقيل المؤسسية والبيروقراطية، ولكن تشير العديد من الدراسات التي أجريت على دور المرأة العاملة في الجهاز البيروقراطي على التغلب على الصعوبات المؤسسية. خاصة في دول المهاجرين ككندا واستراليا وبعض الدول الأوروبية إلى تجاوزهن لبعض التنظيمات واللوائح التي قد تميز ضد الأقليات التي ينتمين إليها، أو ضد النساء أنفسهن وتشير بعض الدراسات التي أجريت في بنجلادش إلى النساء اللواتي يعملن في مؤسسات حكومية معنية بإعطاء قروض ومنح صغيرة لتمكين المرأة قد ساهمن في تغيير بعض القواعد التي تعوق دون حصول النساء على المنح والقروض الصغيرة، بحيث مثلت النساء العاملات في المؤسسة جماعة ضغط داخل المؤسسة ومناصرة للنساء الفقيرات.
كما أثبتت الدراسات الأولى التي قام بها كل من DOLLAR BTS MAN من البنك الدولي حول موضوعات المرأة ومكافحة الفساد أن أداء المرأة في البرلمان أن النساء لديهن بشكل عام ميل نحو احترام الأخلاق ومراعاة الصالح العام. كما أن تحديث المجتمعات من خلال السماح للنساء بالمشاركة في الحياة العامة يؤدي إلى وجود حكومة أكثر شفافية وإقترابات أكثر ديمقراطية في معالجة المشكلات والأزمات.
وقد استخدم الباحثان بيانات من مؤشرات القيم العالمية. حيث طرحت أسئلة حول مدى تقبل النساء والرجال لبعض السلوكيات غير الأخلاقية كالرشوة.
وأظهرت النتائج عدم تقبل الرجال الرشوة ب ٧٢% وعدم تقبل النساء لها ب77%. كما أن المرأة أقل فسادًا ( أخذ في الاعتبار كونها أقل تواجداً ) في المعاملات المالية الكبرى.
وهو الأمر الذي دفع عدد من دول العالم إلى تطبيق سياسة إحلال للنساء محل الرجال في عدد من المهن الأكثر قابلية للإفساد مثل الشرطة ففي عام ١٩٦٨ أعلن رئيس دولة بيرو فوجيموري عن إحلال ٢٥٠٠ شرطية مرور في العاصمة ليما محل الرجال. وفي عام ٢٠٠٣ أعلنت مصلحة الجمارك في المكسيك عن تعيين موظفات مسئولات عن مكافحة الفساد في الجمارك البرية والبحرية كما خطت أوغندا نفس الخطوات في مجال الحكم حيث وضعت النساء في الإدارات المالية ورغم ما سبق. تقلل قدرة المرأة على اختراق شبكات مصالح الرجال للحصول على منصب أو الانتقال إلى منصب آخر أو الدخول إلى عالم السياسة والمال محفوفة بالمخاطر والعراقيل، خاصة في المجتمعات المحافظة، اللهم إلا لو تمت هذة الإجراءات من خلال وسطاء من أقرانهن من الرجال وقريبين من مراكز ودوائر صناعة القرار أو من خلال انضمامهن إلى الأحزاب السياسية ذات الطابع المحافظة أو كونهن بنات أو أخوات أو أرامل لرجال كانوا يشغلن مناصب قيادية سياسية أو في عالم المال والاقتصاد كما هو على سبيل المثال في دول جنوب شرق آسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية.
ولا يتوقف الأمر عند الجانب السياسي. ولكن يمتد إلى مجال الخدمة العامة، حيث اكتسبت الخدمة المدنية في العديد من دول العالم ثقافة ذكورية مرجعها الإلمام بالقوانين واللوائح ومراقبة المال العام والحصول على الدورات التدريبية بشكل منتظم. وهي المزايا المتوفرة للرجل مقارنة بالمرأة الموظفة واستثني من ذلك حصة الترقيات في بعض الدول الآسيوية كبنجلاديش التي تتراوح بين ١٠ – ١٥% من إجمالي الترقيات في الوظيفة العامة كما أنة فيما يتعلق بصغار الموظفات، فإن قدرتهن على ممارسة مخالفات مالية تكون محكومة بقدرتهن على تسوية المنافع مع شبكات الرجال المخالفين واختراق تلك الشبكات على النحو المبين سابقاً.
هل تواجه النساء أشكالاً مختلفة من الممارسات القاعدة مقارنة بالرجال؟
هل لا يُطلب من النساء مدفوعات غير مبررة أو رشاوي باعتبارهن من الفقراء لقد أشارت دراسة قامت بها منظمة الأمم المتحدة للمرأة عام ٢٠٠٨ إلى أن المرأة الفقيرة أكثر عرضة للممارسات الفاسدة خاصة في سعيها للحصول على الخدمات الحكومية الأساسية.
وبصفة خاصة الخدمات الصحية المتعلقة بالإنجاب ورعاية الأطفال، حيث تدفع أمرأة من بين أمرأتين رشوة حتى تضمن تواجد طبيب أثناء الولادة كما أن الفتيات يكن في بعض الأحيان عرضة لفساد من خلال الاستقلال الجنسي حتى ينجحن في المدرسة كما هو الحال في بتسوانا. كما ينطبق نفس الأمر على النساء اللاجئات.
هل يطلب منهن ثمن آخر تتعلق بممارسات جنسية ؟ كما هي بعض الحالات في جورجيا ؟ وهل يكفي الحديث عن قيم وفضائل المرأة في الحياة العامة بدون النظر إلى دورها في إحداث تحولات بنيوية حقيقية في الإدارة والحكم؛ الإجابة بلا خاصة وأن كافة الأبحاث والدراسات المتعلقة بمكافحة الفساد أشارت إلى أن الإدارة غير الرشيدة للموارد وغياب حكم القانون هي العامل الرئيسي في إفقار الدول.
كيف يمكن تعزيز مشاركة المرأة في الحياة العامة وجهود الحد من ومكافحة الفساد؟
– إدماج المرأة في استراتيجيات مكافحة الفساد، فمعظم لجان مكافحة الفساد في الدول النامية؛ باستثناء أفغانستان تكاد تخلو من التمثيل النسائي: لجنة الشفافية والنزاهة ضمت، نساء من إجمالي ١٨ عضوًا، واللجنة الوطنية التنسيقية لمحاربة الفساد تضم ما بين أمرأة وامرأتين من بين ٢٠ عضوًا
– تعزيز تواجد المرأة في الحياة العامة من أجل المراقبة على الإنفاق العام، ونحن نناقش دور المرأة في البرلمان والمحليات وفي إطار توجه الدولة إلى مزيد من اللامركزية الإدارية والمالية، فيمكن للمرأة في المحليات من بناء قدراتها في مجال تحديد احتياجات المحافظة أو المركز أو المدينة أو الحي أو القرية ومن ثم وضع الموازنات ومراقبة إنفاقها وكذلك في مجال تحقيق العدالة الاجتماعية وضمان التوزيع العادل للموارد والخدمات، وتحقيق الكفاءة في تقديم تلك الخدمات ومراقبة ذلك.
تمكين وصول النساء للعدالة، من خلال العمل على التحرك نحو إنفاذ القوانين ومساءلة ومعاقبة من من ارتكب مخالفات. ويمكن أن تستعين النساء في ذلك الأمر بالأجهزة الرسمية أو منظمات المجتمع المدني.
– الاستفادة من التجارب والخبرات الدولية الجيدة في هذا الشأن وهي كثيرة ومنتشرة وبشكل خاص في دول تتشابه ظروفها الاقتصادية والاجتماعية مع مصر مثل ماليزيا وجنوب أفريقيا وبيرو والمكسيك.
*ورقة مقدمة من د. غادة موسى
أستاذ مساعد علوم سياسية – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة
اﻷمين العام السابق للجنة الشفافية والنزاهة بوزارة الدولة للتنمية الادارية