ذاتية ورمزية اللغة

التصنيفات: غير مصنف

ذاتية ورمزية اللغة

تطلق مصطلحات: طهارة، طهور، طهارة السنة، الطهارة السوداني أو، الفرعوني على تقليد الإزالة الجزئية أو الكلية للأعضاء التناسلية الخارجية السليمة للمرأة. إن كلمة الطهارة أو الطهور (بمعنى التطهر) هي المصطلح الذي تستخدمه المجتمعات المتحدثة باللغة العربية وتقوم بممارسة هذا التقليد. ويفيد المصطلح ضمنًا دعم هذه الممارسة، كما يعكس صورة للمرأة باعتبارها ملوثة من حيث الأساس بسبب سلوكها الجنسي، والذي يُفترض أن من المتعذر ضبطه أو التحكم فيه. ويُستخدم هذا المصطلح على مستوى المجتمع المحلى فى مصر، ويعكس التصور الاجتماعي الثقافي للمرأة التي ما تزال أعضاؤها التناسلية دون مساس. أما في السودان، ونظرًا لوجود أنواع أوسع نطاقًا من الطهارة، فإننا نجد مصطلحين مختلفين، الأول هو الطهارة الفرعونية (المعروفة بين النوبيين المصريين باسم الطهارة السوداني). وتعنى إزالة الأعضاء التناسلية الخارجية وخياطة الجُرح. والثانى هو طهارة سُنة، ويشير إلى درجات مختلفة من إزالة البظر والشفرين الصغيرين. ويرتكز المصطلح الثانى على أساس ديني زائف لهذه الممارسة، ومن هنا يأتي استخدام كلمة السُنة، والتي تعنى اتباع سلوك الرسول. وفي محاولة لترجمة المصطلحات العربية إلى كلمات إنجليزية مناسبة وموضوعية إلى أقصى حد ممكن، قام الأطباء الممارسون والباحثون الاجتماعيون بصياغة مجموعة من المصطلحات على النحو التالي: infibulation (التفميم)؛ clitoridectomy (استئصال البظر)؛female genital mutilation (تشويه الجنسي للإناث)؛ sion- exci (الاستئصال)؛ genital cut (بتر الأعضاء التناسلية)؛ female circumcision (ختان الإناث) female surgeries (الجراحات التناسلية). وتتسم اللغة بالذاتية والرمزية في آن واحد، كما تمثل إنحيازات فردية وجماعاتية. ومن ثم، سيأتى إدراك الأفراد المختلفين لهذه المصطلحات المختلفة كمصطلحات دقيقة أو غير دقيقة، تمثيلية أو غير تمثيلية، وفقًا لموقف كل منهم كفاعل اجتماعي. إن انتقادي لمصطلح جراحات الأعضاء التناسلية المُستخدم فى مقال أوبرماير ورينولدز يرتكز على موقفى كناشطة مصرية فى مجال حقوق المرأة، وعضو في مجموعة العمل المصرية حول تشويه الأعضاء التناسلية للإناث. وفى رأيي أن مصطلحي الختان ” (circumcision) وجراحات الأعضاء التناسلية (genital surgeries) يتسمان بطابع إشكالي، لأنهما يستخدمان مصطلحات طبية لوصف أحد التقاليد الاجتماعية. يقوم مصطلح الختان ” (circumcision) على فرضين زائفين. الأول، افتراضه أن تقليد إجراء شق دائري حول القضيب الذكرى لإزالة الغُلفة الذكرية السليمة هو إجراء طبي مُبرر علميًا. ثانيًا. افتراضه أن تقليد إحداث تغيير في الأعضاء التناسلية للإناث هو أيضًا إجراء طبى مُبرر علميًا. ولكن الافتراضين لا يرتكزان على أساس صحيح. إن مصطلح ” genital surgeries ” – جراحات الأعضاء التناسلية يُعد نوعًا من التعديل لمصطلح ” circumcision” – الختان وربما لتجنب محدودية الكلمة؛ ولكنه لا يقل عنه إشكالية، إذ يُعطى ذات الانطباع بأن إزالة الأعضاء التناسلية السليمة للإناث هو إجراء طبي، ويصعب أن يكون ذلك صحيحًا. الجراحون اليوم هم أطباء متخصصون، يجرون جراحات لإزالة الأنسجة المصابة بضرر أو المُعتلة صحيًا. كما أن موافقة أغلب العاملين في المجال الطبي على القيام بعملية تشويه الأعضاء التناسلية للإناث لا يجعل من هذه العملية جراحة “. ونجد حتى في مقال أوبرماير ورینولدز أطروحات ضد استخدام المصطلح، حيث يقولان إن التشويه الجنسي للإناث هو بأي حال ممارسة منفردة منتظمة “. وتجدر الإشارة إلى أن الأشكال المقبولة طبيًا من الجراحة تتميز بخطوات وحدود راسخة. ومن ثم فإن عمليات الإزالة التي تحدثا عنها في بحثهما تجعل هذه الممارسات شيئًا مختلفًا عن الجراحة. وحتى مجتمعاتنا لا تستخدم هذه المصطلحات غير الدقيقة. كما لا يوجد من يتحدث اللغة العربية ويستخدم تعبير الجراحات التناسلية المرادف لتعبير “genital surgeries” لوصف تلك الممارسة التي يجرى تنفيذها على الأعضاء الجنسية للإناث. ومن هنا، فإننى أعتقد أن مصطلح “genital sur geries” – أو الجراحات التناسلية لا يحل مشكلة الحساسية الثقافية. وعلاوة على ذلك، فإنه يضيف إلى سلبية الصورة الثقافية التقليدية للمرأة. فالمرضى فقط هم الذين يحتاجون للجراحة. ومن ثم، فالمرأة التي لم تُقم بإجراء هذه الممارسة تُعتبر ملوثة – (لأن المصطلح القديم، والمفهوم القابع خلفه، لن يموت)- ولن تتمتع بصحة جيدة. ومن الناحية الأخرى، نجد أن علماء الأنثروبولوجيا يرون مصطلح التشويه الجنسي للإناث (female genital mutilation) – الذي تستخدمه المدافعات عن حقوق المرأة مصطلحًا. غير ملائم، بل ويتضمن حُكمًا. لقد اخترنا فى مجموعة العمل المصرية حول التشويه الجنسي الإناث هذا المصطلح لأننا وجدناه مناسبًا ومساعدًا، من زاوية أنه يحمل أفضل توصيف لطبيعة الإجراء. إن كلمة Mutilation – البتر أو التشويه تعني أى تشويه دائم من صُنع الإنسان لأي جزء من أجزاء الجسم. وينطبق هذا التعريف على كافة أنواع ودرجات عملية تشويه الأعضاء الجنسية للإناث. كما أن هذا المصطلح يساعد الناس على التخلص من الإنكار. وهي آلية نفسية تساعدهم على تحمل موقف عصيب ليس بإمكانهم تغييره. إنني اتفق مع المقال المذكور في أن المنهج الطبي المحض قد ثبت أنه غير كافٍ. ومن ثم، ففي مجموعتنا للعمل حول التشويه الجنسي للإناث نقوم بتطبيق منهج اجتماعي شامل التناول هذه العملية على المستوى الشعبي. لقد اعتمدنا على التفاعل مع الناس أكثر من إلقاء المحاضرات التي قدمناها لهم. لقد طرحنا عليهم تفسيرًا مختلفًا لمعتقداتهم وتركناهم يكتشفون المخاطر الصحية المحتملة لعملية التشويه الجنسي للإناث. وقدم الناس أنفسهم العديد من الأوصاف الذكية لهذه الممارسة. كان تعبير اليوم الأسود هو الأكثر تكرارًا في مصر. طرحوا أيضًا تعبيرات مثل الأذيةوالصدمةوالتشويه، وذلك لوصف خبراتهم الخاصة في الطهارة أو الختان (وكلمة الختان ليست مناظرة لكلمة circumci – sion وإنما تدل، بالأحرى، على الإعداد للزواج“). لم تستخدم امرأة واحدة مصطلح الجراحة التناسليةفي هذا السياق. وهكذا، فإن التشويه الجنسي للإناث ليس مصطلحًا غريبًا على النساء الشابات والفتيات اللاتي يعانين منه ويسعين للحصول على مكانة أفضل. إنه مصطلح غريب بالنسبة فقط لأولئك الذين يدافعون عن إجراء الممارسة، وأولئك الذين يمارسونها ويفرضون ممارستها على المرأة. إنه يشجع كل من يعارض هذه الممارسة على أن يجهر باعتراضه بصوت عالٍ ويتبادل الخبرة مع الآخرين من أجل تحطيم جدار الصمت المفروض ودعم الجهود الرامية إلى الارتقاء بمكانة المرأة.

استخدم أوبرماير و رينولدز مقولتي المضاعفات الطبية و الآثار الصحية بصورة مترادفة. إن الصحة، طبقًا لمنظمة الصحة العالمية، لا تعني فحسب الخلو من المضاعفات الطبية، وإنما تعني أيضًا الخلو من أي اعتلال جسدي أو نفسي أو اجتماعي. ويقدم المؤلفان تصنيفًا لمضاعفات ممارسة التشويه الجنسي للإناث على النحو التالي: النزف، الالتهابات، مشكلات الجهاز البولي، مشكلات فى المجال الإنجابي. ومع ذلك، فإنهما يتجاهلان بعض الآثار الصحية الأخرى مثل: الألم والصدمة النفسية، والإجهاد الذهني، والقلق، وانتهاك السلامة الجسدية، والخجل، وغير ذلك من الآثار الصحية البدنية وغير البدنية الأخرى والتى يمكن أو لا يمكن قياسها بسهولة بمعايير موضوعية. ولا يمكن استنباط أغلب هذه الآثار إلا عن طريق الاستماع المثاني الحريص للعبارات الذاتية التي تقولها النساء والفتيات. وعلاوة على ذلك، هناك بعض الأضرار الطبية الموضوعية ، التي لا يظهر تكرارها في الإحصاءات رغم أنها تتكرر كثيرًا في حكايات النساء حول خبراتهن فى هذه الممارسة. فمشكلات الجهاز البولي، على سبيل المثال، تبدو أكثر تكرارًا بين النساء اللاتي خضعن الممارسة، إذا ما قام الباحثون بسؤالهن عن ذكرياتهن حول الأيام والأسابيع الأولى بعد إجراء العملية، حيث تجيب غالبيتهن: عُسر البول، حتى بالنسبة للنساء اللاتي أُجريت لهن العملية على يد طبيب. ومن هنا، فإن الاعتماد على الدلائل الكمية للأضرار المُحتملة لعملية التشويه الجنسي للإناث لا يثبت أنها قضية بسيطة أو تافهة.

وعلى الرغم من أن المرأة تعاني من عديد من المشكلات الاقتصادية الجدية وغيرها من المشكلات، فإن ممارسة تشويه أعضائهم الجنسية يسهم فى الإبقاء على المرأة في وضع خاضع اجتماعيًا، وهو الوضع الذي لا يمكن تصحيحه بتحسين الوضع الاقتصادى وحده؟ إن مجموعة العمل المصرية حول التشويه الجنسي للإناث تعي جيدًا ضرورة مواجهة هذه الممارسة باعتبارها تمثل نوعًا من العنف ضد المرأة، يضر بتطورها الاجتماعي وحقوقها الإنجابية.

الشئون الجنسية والتشويه الجنسي للإناث،

وسياسات القوة في مجال نوع الجنس

يُعد التشويه الجنسي للإناث واحدًا من أقسى الوسائل التقليدية الرامية إلى تعليمالمرأة طبيعة وضعها الخاضع تمشيًا مع الأعراف الأبوية السائدة. وسواء أسفرت هذه العملية أو لم تُسفر عن نزف شديد أو التهابات،…. أو غير ذلك من آثار. فإنها وسيلة لإبلاغ المرأة أنها لا تملك من العقل ما يكفي لاتخاذ قرارات مناسبة حول سلوكها الجنسي. ويُعتبر الزواج أحد العوامل الأساسية وراء استمرار ممارسة التشويه الجنسي للإناث. وهو أمر يبعث المرأة برسالة مفادها أن الرجل من حقه أن يطلب ما يشاء ويتحكم فى المرأة كما يريد، وأن المرأة ليست حرة في قبول أو رفض وضعها الأدنى فى لعبة القوة الاجتماعية، إن تشويه الأعضاء الجنسية للإناث مُناسب كأداة للسيطرة الاجتماعية على المرأة، لأنه يتركها بقدر من الموارد المادية يكفي لتلبية الواجبات الاجتماعية للرجل، وتحديدًا حمل وتربية الأطفال، والقيام بالواجبات المنزلية.

لقد لاحظت المجتمعات المعنية أن أغلبية النسوة يحتفظن بالقدرة على الإنجاب، رغم خضوعهن لممارسة تشويه أعضائهن الجنسية. ومع كل، تعاني النساء، بنسب مئوية مختلفة، من الأضرار الصحية الناجمة عن هذه الممارسة. وتقدم البيانات الميدانية دليلاً على أن هذه الأضرار تصاحبها بعض الآثار النفسية – الاجتماعية. (١ ٦) ومن هنا، يمكن القول بإن من المخاطر الصحية المحتملة والتخصيص غير العادل لنصيب المرأة من القوة في مواجهة نصيب الرجل، إنما يعني أن المرأة في المجتمعات التي تمارس التشويه الجنسي للإناث لديها كل الحق في السعي من أجل الحصول على موارد لجذب الانتباه إلى قضية تشويه أعضائهن الجنسية. وجدير بالذكر أن التقديرات الكمية لا تخبرنا بالكثير في هذا الصدد. فإذا خاضت امرأة واحدة تجربة المعاناة المفرطة وغير الضرورية، فذلك يعني أن تشويه الأعضاء الجنسية للإناث يستحق لأن يكون قضية. وتوضح الدلائل الكيفية من واقع العمل الميداني التي أمكن الحصول عليها من خلال مناقشات مفتوحة بين النساء أن بعض النسوة اللاتي أُجريت لهن عمليات تشويه الأعضاء الجنسية يعانين من مشكلات بدنية ونفسية وجنسية. ونظرًا لأن تشويه الأعضاء التناسلية للإناث ليس جراحة تناسلية ضرورية، يمكننا الجدال بثقة أن هذه الممارسة تُمثل قضية حقيقية على كل المستويات سواء الرمزية، أو الاجتماعية، أو السياسية.

 

 

 

(۱) راجع بهذا الصدد:

Abd el Salam S, 1998, Female sexuality and the discourse of power: the case in Egypt. MA thesis submitted to American University, Cairo.

(۲) راجع بهذا الصدد:

Abuzeid A, 1998. The practice of female genital mutilation in Egypt: a few critical re- marks. MA dissertation submitted to Univer- sity of Manchester.

(۳) راجع بهذا الصدد:

Aldareer A, 1993. Woman, Why do You Weep? London: Zed Books.

(٤) راجع بهذا الصدد:

Assaad B, 1980. Female circumcision in Egypt: social implications, current research, and prospects for change. Studies in Family Planning. 11 (1):3 – 16.

(٥) راجع بهذا الصدد:

el Saadawi N, 1980. The Hidden Face of Eve: Women in the Arab World. Lon – don: Zed Books.

(٦) راجع بهذا الصدد:

Touiba N, 1993. Female Genital Mutilation: A Call For Global Action. New York: Women Ink.

 

شارك:

اصدارات متعلقة

اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6