رحيل الملائكة
رحلت شاعرة العراق الأولى في القرن العشرين – نازك الملائكة – في القاهرة 20 يونيو 2007 عن 85 عامًا وترجع أهميتها إلى أنها أول شاعرة عربية تكتب الشعر الحر (غير العمودى) وهى تعتبر من رواد الشعر الحديث الذين تمردوا على الشعر العمودي التقليدي وجددوا في شكل القصيدة ويعتبر البعض قصيدتها “الكوليرا” من أوائل الشعر الحر في الأدب العربي وقد كتبتها عام 1947
ولدت نازك عام 1922 لأم شاعرة وأب يعمل أستاذًا وكتبت أول أشعارها في العاشرة من عمرها. تخرجت من كلية الآداب جامعة بغداد عام 1944 حيث درست الموسيقى إلى جانب الآداب وكانت من أوائل العراقيات اللاتي سافرن للخارج للتحصيل حيث حصلت على الماجستير في الأدب المقارن من جامعة سكنس بالولايات المتحدة عام 1954. درست اللغة اللاتينية والفرنسية والإنجليزية التي ترجمت عنها بعض الأعمال الأدبية.
صدر أول ديوان لها باسم “عاشقة الليل” عام 1947 ثم “شظايا ورماد“، و “قرارة الموجة“، و“شجرة القمر“. “مأساة الحياة وأغنية الإنسان“، “ملحمة شعرية“، و“يغير ألوانه البحر“، و “للصلاة والثورة“. كما أصدرت مجموعة قصصية بعنوان “الشمس التي وراء القمة” 1970 توقفت نازك عن كتابة الشعر فى مطلع السبعينيات وبدأت تكتب في القضايا السياسية، إلى جانب النقد الأدبي ومن بين دراستها الأدبية “قضايا الشعر الحديث” عام 1962 و “سيكولوجية الشعر” فضلاً عن دراسة في علم الاجتماع عنوانها ” التجزئة في المجتمع العربي ” عام 1947. ولقد قيل أنها وزوجها قد تمت إقالتهما من الجامعة بعد تولى صدام حسين السلطة بعامين وأن هذا كان سببًا في انتقالها مع ابنهما الوحيد إلى الكويت عام 1970 وظلا هناك حتى عام 1990 حين غزا صدام الكويت انتقلت إلى مصر حيث عاشت إلى أن وافتها المنية. قضت نازك الملائكة حوالي 40 عامًا في تدريس اللغة العربية والآداب في جامعات بغداد والبصرة والكويت.
ومن قصيدة “أنا “
الليل يسأل من أنا
أنا سرة القلق العميق الأسود
أنا صمته المتمرد
قنعت كنهي بالسكون
لففت قلبي بالظنون
وبقيت ساهمة هنا
أرنو وتسألني القرون
أنا من أكون ؟
والريح تسأل من أنا
أنا روحها الحيران أنكرني الزمان
أنا مثلها في لا مكان
نبقى نسير ولا انتهاء
نبقى نمر ولا بقاء
فإذا بلغنا المنحنى
خلناه خاتمة الشقاء
فإذا فضاء
ومن ديوان “شجرة القمر“
على قمة من جبال الشمال كساها الصَّنَوْبَرُ
وغلّفها أفق مخملي وجو مُعنبر
وترسو الفراشات عند ذُرَاها لتقضي المَسَاء
وعند ينابيعها تستحم نجومُ السَّمَاء
هنالك كان يعيشُ غلامٌ بعيد الخيال
إذا جاع يأكلُ ضوء النجوم ولونَ الجبال
ويشرب عطر الصنوبر والياسمين الخضِلْ
ويملأ أفكارَهُ مِن شَذَى الزنبق المنفعل
وكان غلامًا غريب الرؤى غامض الذكريات
وكان يطارد عطر الرُّبَى وصَدَى الأغنيات
وكانت خلاصة أحلامه أن يصيدَ القَمَرْ
ويودعه قفصًا من ندى وشذى وزَهَرْ
وكان يقضي المساء يحوك الشباكَ ويَحْلُمْ
يوسَدُهُ عُشب باردٌ عند نبع مغمغم
ويسهر يرمق وادي المساء ووجه القَمَرُ
وقد عكسته مياه غديرٍ بَرُودٍ عَطِرْ
وما كان يغفو إذا لم يمر الضياء اللذيذ
على شَفَتِيهِ ويسقيه إغماء كأس نبيذ
وما كان يشرب من منبع الماء إلا إذا
أراق الهلالُ عليه غلائل سكرى الشَّذَى