روز اليوسف
(لو لم أكن سيدة لوددت أن أكون سيدة)
ولدت روز اليوسف عام ۱۸۹۸ لأسرة لبنانية من مدينة طرابلس اسمها الحقيقي فاطمة اليوسف، عاشت طفولة قاسية، مما أعطاها صلابة أمام أمواج الحياة العاتية.. فقد فارقت والدتها الحياة عقب إنجابها، اضطر والدها محمد محيي الدين اليوسف إلى إرسالها إلى أسرة مسيحية حتى ترتب لها أمرها من تربية وتعليم في مقابل أجر كريم كان يدفعه لهذه الأسرة، وفي الوقت ذاته ترك مربيتها“خديجة” معها.
عندما توفي والدها، تغيرت معاملة الأسرة لفاطمة وتغير اسمها من فاطمة إلى روز لكي يتوافق مع دين الأسرة، ولكن مربيتها أسرت إليها بأن اسمها“فاطمة” وليس“روز” وأن والدتها“جميلة” توفيت عقب ولادتها، وأن والدها قد سافر إلى استانبول والأرجح أنه توفي هناك. لم تشعر روزا بالحزن لفراق أحد إلا مربيتها.
وكانت بدايتها عندما رست بها سفينة الحياة في الاسكندرية وليتغير مسار حياتها، حيث التقت بإسكندر فرج صاحب فرقة“الجوق المصري العربي” المسرحية وبهرته وكانت هذه اللحظة هى نقطة بداية روز اليوسف.
وأصبحت تتردد على المسارح إلى أن قابلت عزيز عيد، الذي كان بمثابة الأب الحنون، وأعطاها دور“الجدة” في رواية“عواطف البنين“، وهنا ظهرت موهبة الفتاة التي مازالت في السادسة عشرة من عمرها، واستمرت رعاية عبد لها، تنفات بعد ذلك روز اليوسف بين الفرق الفنية والتحقت بعد ذلك بفرقة جورج أبيض ثم فرقة عبد الرحمن رشدي وهذا التقت بالفنان محمد عبد الوهاب.
ظهر نجم روز اليوسف في فرقة يوسف وهبي وعزيز عيد“مسرح رمسيس” وكانت بطلة المسرحيات، ونجحت نجاحًا رائعًا وبلغت من المجد أقصاه، عندما قامت بدور مارغريت جوتييه في رواية غادة الكاميليا، وأطلق عليها النقاد والجمهور الاسم الخالد“سارة برنار الشرق” لبلوغها المكانة التي وصلت إليها سارة برنار ممثلة فرنسا الأولى آنذاك.
عندما قرر يوسف بك وهبى النزول إلى مستوى الجمهور وتقديم روايات باللغة العامية، وتحديدًا في مسرحية الذبائح كانت نقطة الخلاف بينهم وتمسك كل طرف برأيه فتركت الفرقة وقالت جملتها الشهيرة: إن الفنان يجب أن يترك المسرح قبل أن يتركه المسرح… وأن من يبني مجده درجة يجب ألا يفرط فيه، ولا يترك نفسه يهبط السلم الذي صعده.
ثم انتقلت روز اليوسف إلى فرقة نجيب الريحاني الذي قرر أن يمثل الروايات التراجيدية، الأمر الذي حال بين روز اليوسف وبين أداء أدوارها على النحو المأثور عنها، لذلك خرجت من الفرقة، ثم خرجت بعدها من مجال الفن بلا رجعة.
تروي روز اليوسف في ذكرياتها قصة دخولها مجال الصحافة قائلة: نبتت فكرة المجلة في محل حلواني اسمه“كساب” كان يوجد في المكان الذي تشغله سينما ديانا، وكنت جالسة ساعة العصر (في أحد أيام شهر أغسطس/ آب ١٩٢٥) مع الأصدقاء محمود عزمي وأحمد حسن وإبراهيم خليل، نتحدث عن الفن.. وتطرق الحديث إلى حاجتنا الشديدة إلى صحافة فنية محترمة ونقد فني سليم يساهم في النهوض بالحياة الفنية ويقف في وجه موجة المجلات التي تعيش على حساب الفن كالنباتات الطفيلية.. ولمع في رأسي خاطر وقفت عنده برهة قصيرة، ثم قلت للزملاء بعد هذه البرهة من الصمت: لماذا لا أصدر مجلة فنية؟. بدأت الاتصال بأول المحررين الذين سيشاركونها في إدارة المجلة، ولم يكن سوى محمد التابعى أقرب الأصدقاء إليها، وأبو الصحافة المصرية الحديثة.
خرج العدد الأول من“روز اليوسف” إلى النور في يوم الاثنين ٢٦ أكتوبر (تشرين الأول) سنة ١٩٢٥، وبصدوره أصبحت“روز اليوسف” كما تقول: حقيقة واقعة.. وكائنا حيا أحرص عليه.. وأقسم على أن يعيش وينمو بأي ثمن.
كانت السنة الثالثة من حياة روز اليوسف الصحفية مرحلة انتقالية في تحولها من صحيفة فنية إلى صحيفة سياسية وطورتها حتى أصبحت أول مجلة أسبوعية شعبية يتولى أمرها كتاب وطنيون من أبناء مصر، في وقت كان الشائع فيه أن تكون العناصر الشامية لها اليد العليا.
ولعل أبرز نشاطاتها السياسية تقاربها مع حزب الوفد الذي قام بضمها إليه هي ومجلتها، وتعرض حزب الوفد في تلك الفترة لحملة انتقادات عنيفة وأطلق عليه خصومه حزب“روزاليوسف” فرد عليهم النحاس باشا بأن الوفد يفخر بأن ينتسب إلى“روز اليوسف“. لم تدم العلاقة الوطيدة بين فاطمة اليوسف وحزب الوفد، فسرعان ما تحولت إلى عداء شديد، بعد إصرارها على انتقاد رئيس الوزراء نسيم باشا ومطالبته بعودة دستور ۱۹۲۳ وإجراء انتخابات نزيهة، فما كان من الوفد إلا أن فصل فاطمة ومجلتها من الحزب.
نجحت حملة روز اليوسف واستقالت حكومة نسيم باشا، وعاد دستور ۱۹۲۳. وعندما عاد الوفد إلى الوزارة من جديد كان أول قرار اتخذه هو إلغاء ترخيص صحيفة“روزاليوسف” اليومية، فكانت الحكومة والحزب ضد فاطمة اليوسف.
أنشأت صحيفة روز اليوسف اليومية التي صدرت في (۱۹ من ذي الحجة ١٣٥٣هـ، ٢٥ من مارس ١٩٣٥م)، والتي رفض باعة الصحف بيعها بعد أزمة مؤسستها مع حزب الوفد فتراكمت الديون عليها وتعرضت لأزمة مالية خانقة.
قامت مؤسسة روز اليوسف العملاقة على أكتاف ثلاثة شخصيات: السيدة فاطمة اليوسف، والصحافي الكبير الأستاذ محمد التابعي مؤسس مدرسة روز اليوسف الصحفية، والأديب الكبير إحسان عبد القدوس واضع الثوابت الرئيسية لاستمرار وتطور صرح روز اليوسف.
فقد كان لهؤلاء الثلاثة دور بارز في نمو وتطور روز اليوسف حتى صارت مؤسسة صحافية عملاقة، وبعد قرار تأميم الصحف الكبرى في عام ١٩٦٠، وإلى جانب مجلة روز اليوسف أصدرت مؤسسة روز اليوسف، العديد من الإصدارات الصحفية، منها صحف صدرت خلال فترات مصادرة روز اليوسف مثل الرقيب، صدي الحق، الشرق الأدنى، مصر الحرة، الصرخة. ومنها إصدارات مستقلة بذاتها مثل روز اليوسف اليومية، مجلة صباح الخير، الكتاب الذهبي (كتاب روز اليوسف).
أما عن حياتها الشخصية فقد تزوجت فاطمة اليوسف ثلاث مرات، الأولى من المهندس محمد عبد القدوس عام ۱۹۱۷، وكان قد ترك وقتها العمل الحكومي واتجه إلى الفن ثم طلقها بعد عامين.
وكانت فاطمة اليوسف حاملاً في ابنهما“إحسان“، ثم تزوجت من المخرج زكي طليمات، حيث رُزقا بابنتهما“آمال“، ولها من الأحفاد خمسة: محمد إحسان محمد عبد القدوس، زكي الجندي، أحمد عبد القدوس، فاطمة أحمد يوسف الجندي، زين أحمد يوسف الجندي، يوسف أحمد يوسف الجندي. تزوجت فاطمة اليوسف بعد ذلك من قاسم أمين وهو حفيد قاسم أمين صاحب كتاب“المرأة الجديدة“.
ولفظت أنفاسها الأخيرة بعد منتصف ليل ١٠ أبريل عام ١٩٥٨