رسالة إلى الأصوات بداخلي

الشركاء: اختيار

كتابة:

رسالة إلى الأصوات بداخلي

أنهيت للتو قراءة رسالة غلوريا أنزالديوا لنساء العالم الثالث من الكتابة. قرأتها على الكمبيوتر أمامي ومررت على الجمل التي أعجبتني بالتظليل الأصفر. كالشمس النادرة اليوم, تجيء هذه الكلمات لتدفء جلدي الناشف في هذا البرد الزمهرير. البرد في الخارج وفي الداخل كذلك. أفكر بكم في الغرفة الباردة، هل تتسلل الشمس إليكم أيضًا؟ أشعر بالرغبة لأن أتكوّر تماماً بعد أن مسّتني الكلمات. معدتي تنكمش. لو كنت معكم في الغرفة، ربما كان الحديث المرتقب بعد القراءة والكتابة سيُشعرني ببعض الراحة، سيخفف من نقل الأصوات بداخلي.

سأعترف بأني خفت كثيراً حين قرأت كيف تصف غلوريا الخوفو المقاومةوفعل الكتابة“. خفت ليس لأنها لمست موضعاً حساسا بالنسبة لي, بل لأني منذ فترةٍ أكتب نصًا عن هذا الأمر بالتحديد. الصوت بداخلي الآن يخبرني بأنّ ما كتبته زائدٌ عن الحاجة، بأنني لن أقدم أي مزيد أو جديد.

الصوت يقول: “من أنت لتكتبي من وسع من الخوف وغيرك قد كتب كثيراً؟ ليس ذلك فقط, هناك من كتب ذلك مسبقاً! وربما بشكلٍ أجمل, أوعى, أكثر تعقيداً, أكثر فلسفةً“.

الصوت يقول: “من أنت لتكتبي عن الحب؟ والكثير كتب قبلاً. كثيرٌ من الشعر كتب عن الفقد, كثيرٌ من الشعر عن البدء من جديد, من سيعطيك منحةً لتنتجي كتابك الأول؟

الصوت يقول: “لتكتبي عن حياتك, لا بد أن تكون حياتك مهمة أولاً, لا بد أن تكوني ذات قيمةٍ أولاً

العالم الذي نعيش فيه قاسٍ, يطالبنا بالخروج عن جلدنا لنكون ونُسمع. هذه الأصوات, أصواتنا الداخلية, لم تأت من لا شيء. الأصوات هذه أستطيع أن أمنحها أسماءً: أبي, أمي أحياناً, جاري الذي يسكن إحدى الطوابق فوقي، وصديقتي التي ترى ما أكتبه بسيطاً لا يرقى ليكون شعراً, وأصوات الكثيرين من الجلادين التي نسمعها بشكل أوضح كل يوم.

أقاوم هذه الأصوات بشراسة, حرب استنزافٍ يومية. أكتب في المطبخ وأنا أعد طعامي بنفسي, وأعود لأكرر فعل المقاومة هذا كل يوم، أشد ذراعي من السرير صباحاً لأجل الكتابة. أتقهقر بعض الأيام، بعض الأشهر, هائنذا مشلولةٌ منذ أسابيع، عبدةً للـالإلهاءاتكما تسميها غلوريا.

أكتب عن حياتي, وأكتب مطولاً، ودون خجل. لأنها ذات قيمةٍ لي على الأقل, ولأنني أرغب بالتواصل مع الأخريات والآخرين. لأنني أرغب أن يفهمني الآخر, وأرغبُ في أن أسمّى الأوجاع والتفاصيل والألوان التي تغزوني وتحيط بي بأسمائها. تُدهشني الكلمات بداخلي. تُدهشني المشاعر التي تصيبني حين أشاهد فيلماً أو حين تلمع في ذهني فكرة, حين يتحوّلُ طعمُ أكلةٍ جديدةٍ إلى نظريةٍ عن الغربة. أشعر بيوفوريا أود مشاركتها, أود أن أهزك من كتفك أنت الذي يقرؤني, أود أن أسألك هل أحسست مثلي بهذا السحر وأنت جالسةٌ على مقعد الحمام تودعين الخراء بداخلك؟

أيتها الأصواتُ بداخلي, اكتب لكي أُحرجك واكشف على الملأ افتقارك للمعنى.

لأن حياتي ومحاولاتي تستحق أن تُعاش مجدداً عبر الكلمات.

لأني لا أعرف لوني تماماً, ولا امتيازاتي تماماً, ولا حرماني تماماً, لكني أعرف أنني موجودةٌ.

لأن الكتابة تساعدني على الفهم، ولأنها تستدعي كتابةً أخرى.

لأن الكلمات هي أمتع ما يُفاجئُني, لأنها أشجع من يتحداني ويسير عكس مُخططي.

لأنها تساعدني على لملمة أشلائي، على التماسك, أنا التي تمزقت وأعدت بنائي لغةً وهويةً في ست مدن وعدة علاقاتٍ ووظائف وقراءاتٍ وشجاراتٍ ونجاحاتٍ وانهزاماتٍ وكتاباتٍ أيضاً، وحدها الكتابة حقاً من تساعدني على فهم اللهجات التي تتلعثم على لساني, وتساعدني من جديدٍ ومرةً بعد مرةٍ على التقاط الأصوات الجلادة بداخلي – أنتم والضحك عليها بصوتٍ مرتفع.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات