رغم الدمار والخراب الذي صنعته القذائف الأمريكية والبريطانية في العراق، فإن إرادة المرأة العراقية قوية فقد احتضنت بلادها وأياديها امتدت بالبناء، ومن قلب العراق تقدم لنا الزميلة عالية سامح من منتدى الشابات نموذجًا يمنحنا الحق في التفاؤل إنها حفيدة المعماريين القدامي والبنائين لحضارة بابل العظيمة المعمارية ” زها حديد“.
لا يوجد معماري لم يسمع باسم ” زها حديد “.. فمن هي زها حديد ؟.
إنها امرأة، عراقية، من مواليد ١٩٤٢، نالت شهادة البكالوريوس في الرياضيات، ثم درست العمارة وهي تعمل مصممة معمارية مقيمة بلندن، وتمارس التدريس للعمارة، وقد اقتحمت مجال المسابقات وحظى عملها باعتراف دولي واسع النطاق رغم أن أول مبنى شيدته كان عام ١٩٩٢ وهو محطة الإطفاء.
أما عن أفكارها كما يظهر من أقوالها فتقول زها حديد : إنه ليس لديها إلا القليل الذي تقوله عن كونها امرأة “لأني لا أعرف ما سيكون عليه الحال عندما أكون شيئًا آخر“.
وبما أنها المرأة الوحيدة التي شقت طريقها لقمة النخبة المعمارية فهي ترفض القول الشائع أن المهندسات يفضلن الأشكال الدائرية والودعية.
وتقول:
” إن المرأة مضطرة دائمًا أن تدافع عن نفسها… لأن الرجال يعتقدون أن البناء قد خلق لهم وحدهم “.
أما عن أعمالها فتقول “إنها تجريدية نسبيًا “… لا يفهمها إلا الخاصة، لأن، العمارة عندها ليست خطوطًا، ولكنها أفكار مجردة نسبيًا تشكلها بأسلوبها الفني المعبر عن شخصيتها، لتنتج مبنى مختلفًا، فالعمارة مزيج من العلم والفن لإنتاج فراغ نتعامل معه.
وتقول عن عملها لأوبرا خليج كاردييف: إنه لم يتح لها فرصة مباشرة لشرح تصميمها المعقد، وإن كان متماسكاً تماماً.
” أنا لا أحاول أن أكون متغطرسة في هذا الشأن، على أن استمر في عملي، ولا أستطيع في الحقيقة أن أبدأ بالقلق بشأن نفسياتهم“.
ويبدو هنا إصرارها على العمل مهما اختلف رد فعل من حولها، وما هذا إلا إيمان منها بشخصيتها وأهمية عملها“.
“أعتقد أنك لا تستطيع إضاءة صورة في التليفزيون ثم تقول : هل تروق لكم ؟.
أعتقد أن فعلت هذا تكون مسئوليتك تعليم الناس في مرحلة مبكرة بحيث يستطيعون قراءتها وفهمها وهذا حقًا ما نعانيه كمعماريين من عدم وجود الوعي الكافي بمعني العمارة، وأسلوب التعبير عنها، وعلاقتها بالمحيط الموجود به، بالإضافة إلى المجتمع الذي يؤثر ويتأثر بها، لذا لابد من توفير وعى بالعمارة في مراحل مبكرة لإدراك أهميتها في حياتنا وفهمها فهمًا صحيحًا.
إننى معلمة شديدة القسوة، وأقول لطلابي دائمًا إنني لم أحضر إلى هنا لأضيع وقتي ولا أريدكم أن تضيعوا وقتكم ” إنها حقًا نموذج للمعماري الذي يحترم عمله، فهي تجرى أبحاثاً حول فكرة محددة وتحث تلاميذها للوصول لها، مع إدراك المدى الذي تستطيع أن تحثهم على الوصول إليه، وكيف يعبرون عن أنفسهم في مبانيهم وأعمالهم “محطة فيترا لمكافحة الحريق ” تقول ” إنها استطاعت تحويل موقع المصنع المهمل الذي يسوده الاختلاط والفوضى أى الامكان – كما أطلقت عليه – إلى منظر طبيعي متسق ومتماسك، عن طريق دراسة كيف يستقر المبنى في البيئة المحيطة به، والصلة بين المبنى والمجال العام، فالمعماري لابد أن يدرك أن عمله الذي يقوم به لا ينفصل عن المحيط، بل هو جزء من نسيجه وهويته، وسيصبح جزءًا من تاريخه القادم، لذا عليه أن يدرك أهمية تأثير بصمته قبل أن يضعها، كما أنها لابد أن تعبر عن عصره وإضافاته الخاصة به.
وتقول عن صلتها بأنصار العمارة التفكيكية : ” أعتقد أنها لم تكن حركة، وما تمخضت عنه هو أنك تستطيع أن تفكر في الفراغ بطريقة مختلفة وتستمتع به عن طريق أنواع مختلفة من علم الهندسة، وهي تدور حول أساليب غير تقليدية للعمل في الفراغ “.
فالعمارة ليست مجرد مسطحات ثنائية الأبعاد ، ولكنها فراغات ثلاثية البعد لها ارتفاع وعروض تشكل بناء على علم مدروس ومن مبدع يتكاملان لإنتاج ما نطلق عليه اسم العمارة. وقد ظهر هذا الاتجاه الجديد الذي يطلق عليه اسم التفكيكية وهو يعتبر أسلوبًا غير تقليدي في العمارة يختلف عن القواعد السابقة في العمارة، فمبنی محطة فيترا يبدو صغيراً ومجنحًا بشكل غريب، كما يلفت النظر السقف المحمول ذاتيًا ويبلغ طول فتحته ۳۰ مترًا ويتجه طرفه الخارجي إلى الأعلى.
كما تقول إن العمارة الحديثة يمكن جعلها قريبة من الجمهور، برغم أن هذه عملية طويلة ولكن أي شخص يسمى الاستديو الخاص به معملاً، ولا يتوقع تحقيق نتائج عاجلة، حتى هي تنظر باستخفاف إلى بقائها وقتًا طويلاً قبل أن تنهض عن لوحة الرسم، وأن أي عمل حقيقي يحتاج لصبر وتأمل وتجارب عديدة حتى يصبح في حيز التنفيذ والواقع.
كان كل هذا العمل محسوسًا جدًا، وكان كثير منه شديد البساطة وأساسيًا جدًا.
ولم يكن عجبًا لو لم يكن مستحيلاً من ناحية تركيبية ولكنه مستحيلاً نفسيًا أو سياسيًا أو اقتصاديًا، ويقيني أن هذه الأمور تستغرق وقتًا “.
إن أعمال “زها حديد” تعرف بتعقيدها وصعوبة تنفيذها، وإن لم تكن مستحيله أن أي عمل لم نعتده وتألفه يقابل بالرفض في البداية، حتى يصبح واقعًا مألوفًا نعتاده بل وقد نحبه ونقلده، وهذا حال كل جديد وليس في العمارة فقط.
وأخيراً تقول “زها حديد” أنا أعتقد دائمًا أن كل شيء ممكن، وأن في استطاعة المرء الاستمرار إذا آمن بإمكانية إنجاز ما يريد ربما ليس بعد عامين ولكن بعد خمسة أو عشرة أعوام “.
ومما سبق نجد أن من أقوال وأفكار ” زها حديد ” أنها نموذج للمرأة الجديدة ذات المنهج المعماري المتجدد. وهي تؤمن بعملها، وتثابر بجد لتحقيق هدفها، مهما طال الوقت، ومهما واجهتها صعوبات البداية.
فكما قال الفيلسوف الصيني: لا يوجد مستحيل أمام الإرادة التي لا تقهر فحتى صغار الطير يمكنها أن تطير لو طارت.