تساؤل يراودني دائما حينما أشاهد أحد كليبات التعذيب الشهيرة على الإنترنت أمثال“القفا“، وما يحدث في السجون، مثلما حدث في معتقل“أبو غريب“، أو عندما أسمع عن تعذيب أحد رجال الشرطة أو أمن الدولة لمواطن أو بالأحرى لإنسان مثله. ما الذي يدعو شخصا ما للتفنن في ابتكار ألوان وأشكال من التعذيب ليمارسها على الآخر؟ أنا لا أتساءل عن القوة أو السلطة الآمرة بتلك الممارسات بل أتساءل عن اليد التي تستخدم لتنفيذها.
إن الشخص الذي يقوم بذلك هو مواطن مسلوب الحقوق مثلي ومثلك. أقول لنفسي إن ذلك الشخص بالتأكيد لديه من الأسباب ما يجعله يفعل ذلك دون أن يؤنبه ضميره ولابد أنه مقتنع تماما بما يفعله، فما الذي يجعله يفعل ذلك؟ لا أظن أنها لقمة العيش. أعتقد أنه استخدام جهل هؤلاء الأشخاص في إقناعهم بأن ما يحدث وما يفعلونه هو رد طبيعي لخيانة هؤلاء المجرمين في حق البلد.
أتذكر آخر مشهد من فيلم“إحنا بتوع الأتوبيس” الذي يحكي قصة شاب ورجل مسن حدثت بينهما وبين محصل التذاكر في أحد الأتوبيسات العامة مشادة، وعلى أثرها تم اقتيادهم إلى قسم الشرطة. وهناك اختلطا بالمعتقلين السياسيين وعوملا معاملة واحدة. وهكذا تعرضا لكل أنواع الانتهاكات والتعذيب والإذلال والمهانة على يد رجل الشرطة البسيط الذي ما هو إلا مواطن عادي جدا، ولكنه مقتنع تماما بأن هؤلاء المعتقلين خائنون للبلد وجواسيس، وبالطبع آمن بذلك على يد رؤسائه ونتيجة لجهله. ولكنه يكتشف الحقيقة حين يموت أحد هؤلاء المعتقلين من أثر التعذيب ويطلب منه رئيسه أن يشهد أنه مات إثر مشادة مع أحد زملائه ولكنه يرفض، وأمام اعتراض باقي المعتقلين على ذلك يأمره رئيسه يقتل من يعترض، فيتحول ذلك الرجل ويقتل رئيسه بعد أن اكتشف أن كل ما فعله في الماضي هو تنفيذ لرغبة رئيسه وليس دفاعا عن البلد وحماية أمنه.
ونجد مسألة توظيف جهل الأشخاص لصالح الحكومة في العديد من الأفلام الأخرى مثل“كشف المستور“، والذي أوضح استخدام الفتيات وجهلهن في التجسس لصالح البلد، وهذه المرة عن طريق استخدام أجسادهن. والمشكلة واحدة، فأنا لا أعتقد أن القائمين بالتعذيب ساديون ولكنها قوة الأيديولوجية والفكرة. إن الفكرة هي التي تقف وراء ممارسات التعذيب كما تقف وراء الأعمال والتفجيرات الإرهابية، والأصعب هو أن القائم بالعمل والمستهدف بالعمل كلاهما ضحايا، والمستفيدون هم مروجو الفكرة العاملون من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية.
والسؤال الآن هو: إلى متى سيظل استخدام عقول الناس البسطاء في الترويج لأفكار دخيلة على مجتمعنا وهل استخدام القمع والترهيب ومد قانون الطوارئ سيحد من الظاهرة أم سيساهم بشكل أو بآخر في استفحالها؟ نحتاج بشدة إلى إحياء التفكير النقدي الذي لا يأخذ بالظواهر فقط بل بالتحليل الموضوعي في الوصول إلى فهم لظاهرة التعذيب التي يتعرض لها المواطن بداية من رغيف العيش حتى أقسام الشرطة وذلك حتى لا نجد أنفسنا فجأة زي بتوع الأوتوبيس!