سرد هند
كتابة:
سرد هند
حلمت بجوزي بياخدني من ايدي وبيشاور علي حته تحت الكنبة في بيتنا، وبيحاول يقنعني إن تحتها في أرض ممكن أزرع فيها. ببص علي الأرض لقيتها صخر وقلتله الأرض ده بور مش حتطلع حاجة. فضل يزقني لتحت ويقولي جربي بس وأنا أقوله صدقني الأرض دي بور مش حينفع أزرع فيها حاجة مافيش منها أمل صدقني. فتحت عيني في بيتي على سريري وكنت لسه حاسه بالتقل على ضهري ورقبتي. حسيت بضهري واجعني كأنه مكانش حلم … التقل ده مش حلم.
اتجوزت قبل ما أكمل ثانوي. كنت طفلة ١٧ سنة، معرفش الصح من الغلط. بعد ما اتجوزت وقعدت معاه ۱۰ سنيين, حسيت إنه لا دا هو جوزي اللي أنا عوزاه، ولا دي الحياة اللي أنا عوزاها, لحد ما تعبت ورحت طلبت من جوزي الرجوع لمصر. ورده كان: “لأ احنا بنعمل فلوس كويسة هنا في السعودية“. فقررت أرجع مصر بحجة إن أنا مريضة. شلت المرارة هنا في مصر وأنا عندي ۲۸ سنة، وكان معايا ۳ عيال. فلما بقيت في وسط أهلي حسيت إن أنا قوية وقولت مش راجعة السعودية تاني. ف الكل قال: “يا” بنتي وجوزك!” قولت لهم “والله مش هرجع السعودية. واستحالة هكمل برا تاني“.
جارتي جت تعزمني على خطوبة بنتها اللي كانت في تانية إعدادي! أنا طول الوقت في الخطوبة دي عمالة أعيط. عايزة أقول لها إنتي بترميها، يعني عيلة صغيرة تفهم إيه في الجواز دي!
قلت لها “طب ممكن أطلب منك طلب؟ متجوزيش بنتك دلوقت“. قالت لي: “يا أبلة دول خمسة على قلبي، ده أنا ما حصدق أطلع منهم واحدة“. قلت لها “والله العظيم لو هتموت من الجوع عندك أحسن ما تموت من الجوع مع حد هي مش هتقبله أصلاً لما تكبر“، وبدأت أكلمهم.. “ياجماعة يوم الجمعة بعد ما تخلصوا شغلكوا، أنا عاملة في البيت قعدة، تعالوا اقعدوا معايا“. وقعدت أحكي لهم أنه ما تطهروش البنات، الطهارة دي أصلاً عادة ضارة جدًا ، هتؤذي البنت مش حتفيدها زي ما انتوا متخيلين إن هي عفة ونضافة والحوارات دي خالص. وبدأت مجموعة منهم تسمعني.
كان في بنتين رايحين يختنوهم. وهم رايحين الدكتور وأنا وراهم أجري. قلتلهم “طب تعالوا نتكلم سوا. البنات خايفة… أحسن واحدة منهم تنزف من الخوف“. المهم أخدتهم على جنب كده ووقفنا في محل واحدة بتبيع هدوم. قلت لهم:
“طب ايه المشكلة ان انتوا تسيبوها زي ما ربنا خلقها؟“
“لا يا أبلة انتي عاوزة بناتنا لما يكبروا يمشوا في البطال!”
قلت لهم: “بصوا طب في دكتورة صديقتي، كانت راجعة من برة وهي كانت زميلتي أصلاً في ثانوي. ومن ساعة ما اتجوزنا وكل واحد فينا راح لحاله من ساعتها ما شفناش بعض. جيت قابلتها مرة في المترو، عرفنا بعض وسلمنا، والمهم انتي فين، قالت لي أنا في مركز بتاع تنظيم أسرة. بدأت أنا وهي ننفذ ندوات للسيدات, نعرفهم ان الختان ده مش الحاجة اللي هتعف بنتك ولا الكلام ده كله. بدأنا نجمع البنات اللي خلاص هيتجوزوا مثلاً وهيخلفوا، أو اللي معاهم بنات صغيرين وقربوا يعملوا لهم الموضوع ده. لأن احنا عندنا في المنطقة البنات من تانية ابتدائي لحد رابعة ييجي فصل الصيف وياخدوهم طابور ويروحوا يطهروهم عند واحدة دكتورة. فأنا عرفتها الموضوع ده وبدأنا نروح نزور الستات اللي معاهم ولاد قربوا يعملوا الموضوع ده ونوعيهم. خليت الدكتورة تقنع عدد كبير منهم, بس كنا بنلاقي حد يصدنا، والناس بتضايقنا. راحت الدكتورة صديقتي قالت لي: “أنا كان نفسي أكمل معاكي بس الناس هنا دماغها صعبة“.
سافرت برا مصر وأنا عمالة أفكر؛ طب أنا هفضل كده! هسيب الناس دي تدمر نفسها وعيالها؟! رحت بقول لقريبتي في مرة قاعدين سوا: “ما تيجي نعمل جمعية؟“
قالت لي “هو حد فينا فاضي؟ جمعية ايه اللي هنعملها!”
قلت لها “لا أنا اللي همسكها، بس أنا عاوزة أعضاء معايا. ناس أثق فيهم“.
وفعلاً جمعنا ٥ بطايق بتاعتنا ورحت عاملة ورق الجمعية … دا كان بعد الثورة بشوية.
كان في مجموعة دينية مسيسة جولي الأول بالحسنى، قالوا لي: “هنحط صورتك, وهتبقي معانا في “الحزب” وناخد لك مكان ٥ أدوار وهنأسسهولك وتبقي تبعنا” .
وأنا أصلا اكمني كنت عايشة في السعودية كنت لابسة نقاب، بس أنا النقاب على مش على عقلي.
وبقى يجولي شيوخ وستات منتقبات يقولوا لي:
طب انتي ليه بتعملي كده؟
طب انتي مصلحتك ايه؟
انتي مين مديكي فلوس عشان تعملي فينا كده؟
قلت لهم: “أنا محدش مديني فلوس“.
أنا مش عايزة أقول لها إن دي تجربة وأنا عشت مأساة، بس قولت لهم احنا عارفين إن الحاجة دي ضارة ازاي هنسيب الناس تعملها؟
قالوا: لا بس حرام عليكي. الستات اللي انتي منعتيهم دول الدكتور عامل لهم تخفيض يجيبوا بنتين والتالتة ببلاش.
فجأة وأنا مروحة كانت عربية هـ تخبطني. بس أنا الحمد لله كنت رشيقة نطيت محصليش حاجة. بس عرفنا بقى ان ده كان حد مسلط “اخبطوها بعربية وهي ماشية” عايزين يخلصوا من البومة اللي عمالة تأدن في ودن الستات.
لحد ما حصلت حادثة شهيرة في ۲۰۱۲، بنت كانت طالعة رابعة ابتدائي راحت عند الدكتور ونزفت كمية هائلة من الدم، وصلت لمرحلة الموت. وقسم الشرطة جه وعمل معاينة لقى العيادة مليانة دم ومبهدلة خالص. أبو البنت اشتكي لكن الدكتور متعاقبش. كان ليه حد في وزارة الصحة وراحوا خدوا أبو البنت واتصالحوا، وقالوا عادي ما دام البنت لسة عايشة … البنت لحد دلوقتي ضعفانة جدًا وقطفوها يا عيني.
أنا مريت بتجربة شخصية، ومش عاوزة غيري يتعرض لها. وقعدت أعمل ده بكل الوسائل اللي عندي. لو مش هعرف اتكلم مع الستات بالطريقة اللي هم عاوزينها, هجيب لهم حد يقول لهم الكلام ده. جبت شيوخ وجبت دكاترة عشان يقنعوا السيدات ان الختان عادة ضارة… حاولت على قد ما أقدر .
حاليًا مفيش دكاترة في المنطقة بتعمل ده لأن احنا واقفين بالمرصاد. في الموسم بتاع الختان ده بنكرس يمكن كل أسبوع ندوة، وأجيب ناس يتكلموا مع البنات في المدارس وعرفناهم نجدة الطفل، وطريقة التصرف لو في أي حد فيهم اتعرض لحاجة.
في منطقة مش قادرة اقتحمها وهي جواز البنات في الجزيرة. الجزيرة دي أهلها منعزلين جوا المياه, حتى في الجواز مبيكتبوش بـ مأذون, ده جواز كده زي زمان بس يعزموا أهل المنطقة ويفرحوا والبنت تتجوز وخلاص. البنت بتكون مواليد ۲۰۰۳ ومعاها بيبي عنده سنة ونص!
أنا عاوزة أجيلهم من حتة قانونية. دلوقتي هي مش معاها وثيقة زواج والبيبي ده اتولد، هتكتبوه فين, هتسجلوه؟ يعني انتي طالما بنتك لسه مكملتش من الجواز يبقى مش هيطلع لها قسيمة جواز. المأذون مش هيعرف يطلعها لو اتنطط حتى. العيلة دي بعد ۱۰ سنيين بالظبط لا هتبقى عاوزة وجوزها ولا ولادها. هتبقى اتغيرت ومفاهيمها اختلفت.
في المنطقة هنا في مشاكل أسرية، جاية من ان الراجل قاعد في البيت ومفيش لا شغلة ولا مشغلة. والستات ينزلوا يشتغلوا ويمسحوا في البيوت والرجالة تضرب فيها ليل نهار، وياخدوا منهم عشان يجيبوا سجاير … بيأنتخوا في البيت والست تشتغل!
فبدأنا نعمل لهم حرف يدوية ييجوا يتدربوا عندنا. وبعد ما يخلصوا نقعد نحكي؛ عملتوا ايه؟ طب انتي لما روحتي وانتي واخداله لحمة مثلاً، اشترتيها بعد ما اشتغلتي، عمل ايه؟
منهم اللي ترد تقول: “والله يا أبلة طفح وضربني. والله يا أبلة شد شعري وأنا بطبخ وحطهولي في بقي“.
الرجالة هنا كلها بتستعطى مخدرات. والستات يا عيني لا حول لها ولا قوة. وكمان لو عملوا تحليل فيروسات هيلاقوا عندهم بلاوي زرقة. يعني أنا حتى لما واحدة تيجي تشتغل في بيت تقولي دا صاحب البيت اغتصبها ونام معاها. دا بيحصل في أبراج عالية بتبص على النيل. بياخدوا الخدم من المنطقة هنا. لازم اللي بياخدوها يغتصبوها وينامو معاها ويبتزوها. توصل الواحدة لمرحلة ان يتعمل كل ده فيها عشان خاطر لقمة العيش. في أوقات نقفل علينا الجمعية هنا ويبقوا ٥ – ٦ ستات عمالين يعيطوا وحزنانين. فأروح مشغلة لهم أغاني “يالا نرقص يا بنات“, ما أنا جه عليا وقت مريت بالظروف دي وملقتش حد للأسف لا شغللي تسجيل يقولي تعالي ارقصي، ولا لقيت حد يطبطب عليا في الغربة وأنا لوحدي وبطولي.
الستات بيصعبوا عليا اوي وببقى حاسة ان هم عملوا ايه عشان يتعمل فيهم كل ده! نفسي أعمل حاجة خاصة بالمرأة وبالحقوق الجنسية. جلسات أو ندوات بشكل مصغر لمجموعة من السيدات اللي حاصل معاهم مشاكل. والكلام اللي احنا بنقوله هيكون أكثر سرية. ونحاول نساعدهم.
مجموعة منهم لما قعدنا نتكلم عن هل بتاخدوا حقكوا وانتوا نايمين؟ في ناس كتير ميعرفوش ان ليهم حق ياخدوه…. ان هي تنبسط. لو الست واخدة حقها في السرير مع جوزها، أعتقد كانت الدنيا هتهون شوية. لكن لا واخدة حقي في الدنيا ولا مبسوطة. وبعدين احنا المجتمعات الفقيرة دي الحاجة اللي بتعمل سعادة العلاقة الزوجية. فان هي مش عارفة تتبسط بيها. مش عارفة تاخدها, دي بتحز أوي في نفس الواحدة يعني. طب أروح فين وآجي منين ! يعني معلش يبقى مبهدلها وضاربها، وييجي بالليل يروح ينام معاها!
مبحطش حاجة في دماغي غير لما تتعمل. يعني مثلاً في مقلب زبالة. مقلب الزبالة ده أنا بعون الله قبل ما ييجي نص ۲۰۱۹ هكون عملاه جنينة. المكان ده عبارة عن دايرة ينفع تتعمل ميدان. لو اتعملت میدان هتحيي المكان كويس جدًا. عاوزة أعمله جنينة عشان الناس الغلابة تقعد في مكان حلو. دي واحدة قالت لي إن بنتها خطوبتها اتفسخت عشان مقلب الزبالة ده!
بعد ما عملوا الخطوبة وجاي العريس وجايب أهله، وهو داخل في مقلب زبالة كبير، فقال لها “ايه ده! انتي مخلياني أجيب أبويا مدير المدرسة (هو من حتة برة المنطقة) ييجوا يخشوا المكان ده؟” بنتها اتفسخت خطوبتها بعد أسبوع. الناس غلابة ومن حقها تشوف منظر جمالي.
أنا زي أي أم بتمنى ولادي يتعلموا كويس – بالذات البنات – وياخدوا فرص حلوة. يسافروا برة يحضروا حاجات تخليهم أكثر ثقة في نفسهم، وميخافوش من حاجة. واللي أنا عملته في طفولتهم هو اني حبيتهم واحتويتهم ومعملتش أي حاجة من اللي اتعملت فيّا. مش معقولة أخليهم يمروا بالتجارب السيئة اللي مريت بيها. وحاولت أعوضهم عن حاجات كتير مخدوهاش زي ماهم عايزين.
الصبيان بحاول أقرب منهم، وبحاول أحتويهم على قد ما أقدر.
دلوقتي مركزة مع بنتي اللي في ثانوية عامة عشان تجيب مجموع وتدخل كلية تسهل لها الشغل بعدين. وبشجعها انها تشتغل. وموضوع الجواز والارتباط بقولها زي ما يجي, ان شا الله يجي وانتي عندك أربعين سنة، المهم انك تعيشي حياتك صح. الحياة مش بس جواز وارتباط, الحياة نجاح في الشغل ونجاح في علاقات كويسة في المجتمع المحيط بيها. بتمني انها تسافر برة حتي لو هي بتدرس طالما فرصة كويسة. بتمني تخرج من القالب التقليدي للبنت, مش هتدخل طالما هي راضية.
أما بنتي الصغيرة فهي موهوبة. بتمني اني أعرف اخليها تستثمر مواهبها. أنا استحملت حياتي عشان خاطرهم وعشان يعيشوا في جو أكثر ألفه ومحبة، ويروحوا لحتت كويسة في التعليم, بالذات البنات. نفسي أتطلق. نفسي أموت وأنا منفصلة. مش عاوزة أموت وأنا على ذمته. الموضوع ده عامل لي غصة في قلبي. أنا حاسة اني لو انفصلت هبقى أخدت حقي. دي أمنيتي الشخصية، بطلبها من ربنا دايما.
كنت متخيلة انه لما يرجع يعيش في مصر الدنيا هتختلف. مفيش تفاهم بيننا. فرق بيني وبينه ۱۰ سنين. أنا عندي ٤٠ سنة وهو عنده ٥٠ سنة دلوقتي. عمرنا ما أكلنا مع بعض ولا شربنا، يعني طول الوقت أنا هنا في الشغل, بروح البيت أخش أوضتي. لو أنا عايزة آكل هآكل, لو مش عاوزة هنام وهو مبيكلمنيش.. طب ايه لزوم الحياة دي! الواحد يا يعيش صح يا ما يعيشهاش.