عندما مررت بالمراهقة والبلوغ لم يكن عند أمي الوقت كي توضح لي ما يحدث في جسدي، وعندما توج بلوغي بنزول الحيض لأول مرة أصابني الفزع، والخوف وبحثت عن أحد أشكو له ما أصابني، لكن أمي التي ترعى سبعة من الأبناء والزوج مشغولة دائمًا إما بإعداد الطعام أو غسيل الثياب وتنظيم وتنظيف المنزل وأشياء كثيرة. وأول مرة أحسست بفوران في جسدي وسخونة تنبعث من وجهي جعلتني أتصبب عرقًا ودق معها قلبي كثيرًا، لم أدرك فورًا ما أصابني، وعندما أخذت أفكر هل فعلاً ما حدث هو أول أعراض وصولي إلى سن ما بعد الخصوبة؟ ولم لا؟ وأنا وقتها كنت أقترب من الثالثة والأربعين عاما، لم يكن ينقصني الوعي لما يحدث في جسدي هذه المرة، وأدركت إن مبيضي توشكان على أن تنهيا قدرتهما على العمل، آه… يا سلام يعني قريبًا لن يأتي الحيض مرة أخرى، وسأرتاح خالص من الفوط الصحية والألم الشهري والتوتر النفسي المصاحب للحيض، والأهم أنني سأتوقف عن استعمال أي وسيلة لمنع الحمل… تبدو الفكرة جميلة. أخيرًا سأرتاح، ولكن سعادتي بانقطاع الدورة لم تدم واستمرت الهبات الساخنة بالاستمرار والعرق الشديد المصاحب لها وهذا تغير فسيولوجي، ولأن هذه الزيارات المتكررة للهبات الساخنة ممكن أن تأتي فيما بعد منتصف الليل كانت تأتي وتأخذ معها النوم وأظل بعدها أعاني الأرق، فعدت إلى كتبي ووجدت أن هذا أيضًا طبيعي جدًا.
ولكن الذي أزعجني جدًا ألم مفاصلي فكلها تؤلمني، وكطبيبة نساء وتوليد أخذت أطمئن نفسي بأن الهبات الساخنة المتكررة والأرق وألم المفاصل وضعف الذاكرة الذي بدأت أعاني منه في الفترة الأخيرة كلها طبيعية وعادية للغاية نتيجة أن مبايضي في آخر أيام نشاطها وسوف تتوقف عن عملها في إفراز الهرمونات الأنثوية الاستروجين والبروجستيرون وكذلك ستكف عن التبويض وأي امرأة سوف تبحث عن الحمل في هذا العمر سوف تصاب باليأس من الحمل لأنه لا بويضات بعد اليوم، ومن هنا جاءت التسمية غير الدقيقة “سن اليأس” والتي ينقصها أن نقول اليأس من الحمل.
ومرت السنون وبلغت الخمسين وانقطع الحيض تمامًا وانخفض عدد مرات الهبات الساخنة وأنا الآن لا أستعمل أي وسيلة لمنع الحمل، وتدريب على بعض التمارين الرياضية حتى أتخلص من ألم مفاصلي، وأحرص على شرب اللبن والتعرض للشمس يوميًا ولو قليلاً حتى أحافظ على صحة عظامي التي قد تصاب بالهشاشة نتيجة لنقص الهرمون الأنثوى الاستروجين الذي كان يفرزه المبيضان وكان يساعد على بناء العظام، ودربت نفسي أيضًا على تمارين تساعد على التحكم في البول !! فعلاً لا أخفي عليكم هناك بعض نقاط البول أفقد السيطرة عليها وتنزل عندما أضحك كثيرًا كعادتي أو حتى عندما أصاب بكحة ولو بسيطة، اللعنة هذا ليس ظريفًا.
ولم أنس، لقد نصحت بعض صديقاتي اللاتي بنفس عمري أن يستعملن بعض الكريمات المهبلية إذا كن يعانين مثلي من بعض الجفاف أثناء علاقتهم الحميمة مع الزوج. وحمدت الله على أنني أنثى ولن أصاب بالصلع مثل الرجال بل فقط زاد اهتمامي بتغذية شعري حتى أحافظ عليه من عوامل السن التي تصيب كل الكائنات والنساء والرجال.
فكرت كثيرًا أن آخذ هرمونات بديلة، نعم تلك الهرمونات التي كانت تفرزها مبیضای، ولكن مرة أخرى عدت لكل الأبحاث والتي تمت على آلاف من النساء وكانت النتيجة مخيبة لآمالي فكل الدراسات تنصح النساء بالتأقلم مع هذه المرحلة العمرية وأن المشاكل الشديدة التي قد تؤدي لها الهرمونات البديلة أكبر بكثير من المشاكل الفسيولوجية العادية.
العمر جمالها وروعتها وبريقها، وفي مرحلة ما بعد الخصوبة، تتمتع النساء باحترام عائلي واجتماعي، ويؤخذ برأيهن في المشاكل الاجتماعية نظرًا لخبرة العمر التي مررن بها، كما يسمح لهن بهامش (!!!) أكبر من الحركة الاجتماعية.
إنها مرحلة نصل إليها لنرى أولادنا وقد كبروا وأصبحوا شبابًا واقتربوا من الزواج ونراهم وهم يعيدون مرة أخرى طريق العائلة من العمل والنضال كل على شاكلته. المهم أن نتعلم أن نستمتع بكل مراحل العمر ونتسلح بالوعي الفسيولوجي لما يحدث في أجسادنا حتى نحيا لحياة أفضل.