سياسات التشغيل من منظور النوع الاجتماعي المرأة والتشغيل في القطاع الرسمي
اعداد بواسطة:
سياسات التشغيل من منظور النوع الاجتماعي المرأة والتشغيل في القطاع الرسمي
تقریر ورش خبراء لمناقشة ورقة سياسات التشغيل من منظور النوع الاجتماعي
في إطار المشروع المشترك بين مركز التضامن العمالي ومؤسسة المرأة الجديدة الخاص بإعداد ورقة عن “سياسات التشغيل من منظور النوع الاجتماعي“، عقدت خمس ورش عمل للخبراء من مجالات مختلفة ممثلي أحزاب ومنظمات غير حكومية ونقابيين ونقابيات وأكاديميين وباحثين في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وممثلين عن جهات حكومية ومنظمات دولية كان الهدف من هذه الورش إعداد الورقة بطريقة تفاعلية تضمن الاستفادة من هذه الخبرات المتنوعة.
ورشتين عقدنا في القاهرة خلال شهري سبتمبر وأكتوبر 2013 ضمتا أكاديميين وباحثين في المجال الاقتصادي والاجتماعي وممثلين عن منظمات غير حكومية تعمل على القضايا الاقتصادية والاجتماعية والنساء، وتركزت المناقشات حول ضرورة أن تتضمن مقدمة الورقة توضيحًا للسياسات الحالية التي تتبعها الحكومة فيما يتعلق بتشغيل النساء وضمان حصول النساء على حقوقهن في العمل وفي حالة عدم وجود سياسات محددة يتم توضيح ذلك، فضلاً عن تقديم رؤية نقدية للسياسات الاقتصادية وعلاقتها بتدهور بيئة وشروط وعلاقات العمل، من حيث اللغة المستخدمة في إعداد الورقة يجب التأكيد على البعد النسوى، كما يجب أن تحدد الورقة الأطراف المعنية بتنفيذ هذه السياسات ودور كل طرف، مع الإشارة إلى ضرورة التعاون بين النقابات والحكومة ومنظمات غير الحكومية المعنية بقضايا العمل.
أما الورشة الثالثة عقدت في نوفمبر بمحافظة الإسكندرية ضمت نقابيين ونقابيات من مجالات عمل مختلفة وممثلي أحزاب سياسية.
عقدت الورشة الرابعة في ديسمبر بمحافظة أسيوط ضمت نقابيين ونقابيات من مجالات عمل مختلفة ومن محافظات المنيا وأسيوط وسوهاج، ومن أهم مخرجات هاتان الورشتان طرح قضيتين هما التمييز بين الرجال والنساء في العلاوة الاجتماعية التي يستحقها العامل أو العاملة عند الزواج وعند إنجاب الأبناء فتخصص هذه العلاوة للرجال فحسب عندما يصبح لديه أبناء واقتراح عدد من المشاركات بأن يتضمن التأمين الصحي رعاية النساء أثناء فترة الحمل والولادة.
عقدت الورشة الخامسة في يناير من الخبراء وصناع القرار فحضر أربعة ممثلين عن وزارة القوى العاملة من بينهن مديرة إدارة المرأة بالوزارة، وممثلين عن المجلس القومي لحقوق الإنسان ومنظمة العمل الدولية، والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة – المكتب الإقليمي مصر وبرنامج المرأة بالأمم المتحدة – المكتب الإقليمي مصر، وتركز النقاش حول طبيعة البنية الاقتصادية في مصر وخلق فرص العمل، وتم مناقشة دور وحدات تكافؤ الفرص التي يشكلها المجلس القومي للمرأة في الوزارات والدور الذي تقوم به إدارة المرأة بوزارة القوى العاملة.
تأتي هذه الورقة في إطار أنشطة برنامج “النساء والعمل” بالمؤسسة، وسوف ينظم البرنامج عددًا من الندوات في المحافظات مع النقابيين والنقابات، وممثلي وزارة القوى العاملة والأحزاب ووسائل الإعلام في المحافظات من أجل إدارة حوار مجتمعي واسع حول سياسات التشغيل من منظور النوعي الاجتماعى وكيف يمكن تنفيذ هذه السياسات.
تحت شعار “عيش حرية عدالة اجتماعية كرامة إنسانية” قامت ثورة يناير المجيدة في مصر لتحقيق المساواة وعدم الإقصاء، وشاركت النساء كفاعل مؤثر ونشط في المجال العام السياسي والاجتماعى فى هذه الثورة وكان الصوت النسائي حاضرًا وبقوة في المشهد السياسي والاجتماعي. وعلى الرغم من هذا الحضور القوى للنساء في الساحة المجتمعية منذ 25 يناير وما قبلها في مسيرة الحركة الوطنية المصرية، لم تنل النساء المصريات كثيرًا من الحقوق، وعانت فى كثير من الأحيان التهميش والاستبعاد، ولم تحظ بالمكانة التى تستحقها بسبب الواقع الثقافي والمجتمعي الذي يكرس للأدوار النمطية والتقليدية من جانب، ويحصر النساء في مهمة أساسية ورئيسية هي الدور الإنجابي، وأى أدوار أخرى هى استثنائية وثانوية بما في ذلك الدور الإنتاجي والعمل العام.
وقد تخوف البعض منذ ثورة 25 يناير من أن التحول السياسي الذي شاركت فيه النساء بقوة، ربما لن يحقق نتائج إيجابية تعطيها بعضًا من حقوقها الأساسية، بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك بقوله إن مرحلة ما بعد الثورة في مصر قد تشهد تراجعًا لحقوق النساء عما كانت قد حققته في السابق. وتعرضت النساء في مصر لهجمة شرسة مع تولى الحكم الدينى المتشدد شئون البلاد وتمثل ذلك في خطاب ديني ينتقص من حقوق النساء، كما تم إهمال كافة القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تدعم تمكين المرأة المصرية. ويرصد التقرير الصادر عن الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات عام 2012 “تقرير حالة المرأة المصرية بعد ثورة 25 يناير أن النساء المصريات يتعرضن لمزيد من التهميش والانتهاك” كما تم التراجع عن مكتسبات كثيرة حققتها النساء عبر مسار طويل من النضال في المجال السياسى والتشريعي والاجتماعي والإعلامي. (1)
وفى هذا الإطار تهدف هذه الدراسة إلى تناول سياسات التشغيل في مصر من منظور النوع الاجتماعى، والتعرف على الوضع الراهن للنساء العاملات في القطاع الرسمى بالحكومة وقطاع الأعمال العام والقطاع الخاص، بهدف التوصل إلى تقديم أفضل السياسات التى تعطى النساء حقوقهن المنقوصة فى مجال العمل، وكيف يمكن زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل الرسمى من خلال إزالة جميع العقبات التي تحول دون اندماج المرأة في سوق العمل.
ولكي تحقق الدراسة هذا الهدف نحاول عرض السياق الاجتماعي الاقتصادي للسياسات الاجتماعية والاقتصادية وخاصة ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية التي تعتمد على آليات السوق وبرنامج التكيف الهيكلى والسياسات النيوليبرالية وإدماج الاقتصاد المصرى ضمن المنظومة العالمية، والتي حالت دون إدماج النساء ومشاركتهن الاقتصادية، حيث اعتمدت هذه السياسات على سياسات الإصلاح الكلى مثل السياسات المالية والنقدية وسياسات الاستثمار، ولم تهتم بسياسات الإصلاح الجزئي المتعلقة بسوق العمل. وترصد الدراسة الوضع الراهن لمشاركة النساء في في قوة العمل، ثم تحاول بعد ذلك تناول الإطار التشريعي الحاكم لعلاقات العمل والتي تميل إلى التقليل من حقوق النساء خاصة في القطاع الخاص. وتطرح الدراسة بعد ذلك للسياسات التي يجب على صانع القرار لضمان تحقيق المساواة الكاملة في التشغيل. كما تعرض للأطراف التى تتوجه إليها هذه الدراسة والتي تتمثل في الأطراف الحكومية والمجتمع المدنى والإعلام كأطراف مؤثرة يمكن أن تساهم وتلعب دورًا فى صياغة سياسات عامة تستجيب لكل قضايا تمكين النساء.
وتواجه الدراسة صعوبات متعددة منها أنها تكتب فى مرحلة دقيقة وحاسمة من مراحل التطور السياسي والاجتماعى فى مصر، فالمجتمع لم يشهد منذ 25 يناير 2011 أي درجة من درجات الاستقرار، حيث تغيرت نظم الحكم بين حكم المجلس العسكرى والحكم اليمينى الدينى المتشدد وأخيرًا بالسلطة المدنية المؤقتة، هذا من ناحية واحتلت قضايا الأمن وتحقيق الاستقرار مكان الصدارة في اهتمامات الحكومات المتعاقبة من جانب آخر، وعلى صعيد آخر تراجعت كثير من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وواجه المجتمع تحديات كبيرة على مستوى البيئة الاجتماعية الاقتصادية تمثلت في تراجع مؤشرات التنمية. وساعدت كل هذه التغيرات في خلق مناخ عام غير مستقر يصعب معه تحديد مؤشرات وتوفر بيانات يمكن الاعتماد عليها عند طرح سياسات بديلة، خاصة وأن الصراع السياسي والاجتماعي حتى كتابة هذه الورقة مازال مشتعلاً ولم يحقق المجتمع درجة من التوافق المجتمعى التى تساعده على طرح رؤى تنموية مستقبلية، كما أن المرحلة الراهنة توسم بأنها مرحلة انتقالية ولها استحقاقات يجب الالتزام بها والدفاع عنها وهو التحدى الذي يواجه المجتمع المصري خلال الحقبة الراهنة.
أولاً: الإطار المفاهيمي والمرجعي
حظيت قضية تمكين المرأة بالاهتمام الدولى والمحلى خلال العقدين الأخيرين، وعقدت كثير من المؤتمرات الدولية التى حددت بموجبها أولويات العمل لدعم قضايا النساء والتمييز ضدها. ونستعرض باختصار شديد أهم ما أفرزته هذه المؤتمرات الدولية كإطار مفاهيمى لتناول مجال السياسات العامة وإدماج النساء وعدم التمييز ضدهن. وتمثل النساء اليوم نحو 70% من فقراء العالم البالغ عددهم 1.2 بليون نسمة. ويتمثل عدم المساواة فيما يتعلق بتمتعها بالحقوق الاقتصادية، والاجتماعية حقيقة مركزية في حياة النساء في كل منطقة من مناطق العالم، وهي حقيقة نتجت عن التمييز ضد النساء ووضعها الأدنى في المجتمعات الذكورية. وتساهم المرأة، في جميع أنحاء العالم، مساهمة كبيرة في الاقتصاد وسوق العمل من خلال عملها المأجور وغير المأجور، وفي المحيطين العام والخاص. بيد أن عدم المساواة المستمر في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية يساهم في إدامة تبعية النساء وجعلهن أكثر عرضة للتهميش والاستبعاد، وغيرهما من أشكال الانتهاكات. ويمكن أن يُفضي إنفاذ حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية، في حد ذاته إلى تحول، ليس فحسب من حيث ضمان الوفاء باحتياجات المرأة المادية المباشرة، ولكن أيضاً من حيث إعادة التشكيل الجذرية لعلاقات القوى غير المتساوية بين الجنسين. ويمثل الوفاء بحقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية، استراتيجية ذات أولوية في التعامل مع، ومعالجة، عدم المساواة الاجتماعية التي تعانيها المرأة (2).
تؤكد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) بأن التمييز ضد المرأة يشكل انتهاكاً لمبدأي المساواة في الحقوق واحترام كرامة الإنسان، ويعد عقبة أمام مشاركة المرأة، على قدم المساواة مع الرجل، في حياة بلدهما السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويعوق نمو رخاء المجتمع والأسرة، ويزيد من صعوبة التنمية الكاملة لإمكانات المرأة في خدمة بلدها والبشرية. وتتعامل الاتفاقية بشكل شمولي مع الحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الحقوق الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وتعترف بأن التمتع بكل حق من هذه الحقوق مرتبط بالتمتع بالحقوق الأخرى على نحو لا انفصام له. وترى الاتفاقية أن التمييز في ميدان من ميادين الحياة ضد المرأة يمكن أن يؤدي إلى التمييز في مجالات أخرى.
وتلتزم الحكومات تحت بند اتفاقية سيداو بضمان المساواة في النوع الاجتماعي في جميع مستويات التعليم الأساسي والثانوى والجامعي، إضافة إلى التدريب التقنى ومتابعة البرامج التعليمية ومحو الأمية، وأهمية تبنى سياسات دعم للفتيات والنساء لتتمكن من إكمال تعليمهن على أساس المساواة بين الذكور والإناث، مع أخذ الحكومات بعين الاعتبار المعوقات التي تمنع الفتيات والنساء من الحصول على التعليم. ولا يمكن للجهود الرامية إلى تحسين دخل النساء أن تركز على القوانين والسياسات المتعلقة بأماكن العمل والأسواق، بل يجب أن تعالج المشاكل الأساسية من حيث عدم المساواة فى النوع الاجتماعي في مجال التعليم والقدرة القانونية والتعرض للعنف القائم على أساس النوع الاجتماعي والصورة النمطية الثقافية وتقسيم العمل القائم على أساس النوع الاجتماعي (3).
وينص منهاج عمل بكين فى إعلانه السياسي ووثيقته الختامية على ضرورة تعاون الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص والقطاع المدني على عدة محاور رئيسية لتمكين المرأة اقتصاديًا لتحقيق ما يلي:
-
تعزيز حقوق المرأة الاقتصادية واستقلالها الاقتصادي بما في ذلك حصولها على فرص العمالة وظروف الاستخدام الملائمة والسيطرة على الموارد الاقتصادية.
-
تسهيل وصول المرأة على قدم المساواة مع الرجل إلى الموارد والعمالة والأسواق والتجارة.
-
توفير الخدمات التجارية والتدريب وسبل الوصول إلى الأسواق والمعلومات التكنولوجية وبخاصة المرأة منخفضة الدخل.
-
تعزيز القدرة الاقتصادية للمرأة من خلال الشبكات التجارية للمرأة.
-
القضاء على التفرقة الوظيفية وجميع أشكال التمييز في العمل.
-
تعزيز المواءمة بين مسئوليات العمل والأسرة للنساء والرجال.
لقد شكلت مبادئ عدم التمييز وتعزيز المساواة الركن الأساسي لنشاط منظمة العمل الدولية منذ نشأتها عام 1919، وهى تمثل جزءًا لا يتجزأ من برنامج العمل اللائق الذي اعتمدته المنظمة. والذى يعنى تعزيز العمل اللائق والمنتج في جو من الحرية والمساوة والأمن والكرامة البشرية. وبدأ اهتمام منظمة العمل الدولية بقضية المساواة بين الجنسين من خلال موضوع تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة بين الرجال والنساء في الاستخدام. وطرحت المنظمة منذ مؤتمر بكين أهمية إدماج النوع الاجتماعي ضمن كل السياسات والخطط والبرامج وتقييم السياسات بهدف القضاء على كافة أشكال اللامساواة بين الجنسين. وطرحت المنظمة منذ عام 2003 اهتمامًا بقضية التمييز فى العمل، ووضعت إطارًا منهجيًا واستراتيجية للعمل اللائق منذ عام 2008. حيث ترى المنظمة أن التمييز فى العمل هو انتهاك لحق من حقوق الإنسان، يترتب عليه مضيعة للمواهب البشرية مع آثار مضرة على الإنتاجية والنمو الاقتصادى، كما يؤدى إلى التفاوت الاجتماعي الذي يقوض التضامن والتماسك الاجتماعي ويوقف عجلة الحد من الفقر. وأن تعزيز التكافؤ في الفرص والمساواة فى المعاملة هو أمر ضروري للمضي قدمًا تجاه القضاء على التمييز سواء في القوانين أو الواقع الفعلي. (4)
ويشكل إلغاء التمييز وتحقيق المساواة الفعلية قوام مفهوم العمل اللائق الذي يرمى إلى تحقيق العمل المنتج للرجال والنساء في جو من الحرية والمساواة والأمن والكرامة الإنسانية فالعمل اللائق يُبنى على احترام المبادئ والحقوق الأساسية في العمل. ويمثل العمل اللائق عددًا من الأبعاد تشمل تأمين الدخل وفرص اكتساب المهارات وأمن الوظيفة وسلامة الوظيفة وانتظام العمل. ويكمن الهدف النهائى للعمل اللائق هو إحداث تغيير إيجابى فى حياة الناس على المستويين الوطنى والمحلى. أفضل طريقة لتنفيذ برنامج العمل اللائق من خلال سياسة متكاملة ومتسقة وتدخلات مؤسسية تغطى خلق فرص عمل والحماية الاجتماعية والهيكل الثلاثى والحوار الاجتماعى وأخيرًا المبادئ والحقوق، ويتم تنفيذ هذه الاستراتيجية بشكل شمولي بشأن المساواة بين الجنسين وجزءًا أساسيًا من برنامج العمل. وتطرح منظمة العمل الدولية عددًا من الاستراتيجيات التى تحقق العمل اللائق وتتضمن:
-
الحصول على العمل وأهمية التنمية المستدامة.
-
سبل الحصول على الحماية الاجتماعية.
-
سبل الوصول إلى الحوار الاجتماعي.
-
سبل الحصول على المبادئ والحقوق (5).
وتتضمن كل استراتيجية العديد من الالتزامات التي يتعين على الحكومات الوطنية مراعاتها وتطبيقها عند وضع استراتيجيتها التنموية. ونستخلص مما سبق أن أي سياسات داعمة للنساء والتمييز ضدهن، لابد وأن تستند إلى أربعة مداخل أساسية تؤخذ بعين الاعتبار عندما يتعلق الأمر بالإشكاليات المرتبطة بعمالة النساء وطرح سياسات بديلة:
المدخل الحقوقي، باعتبار العمل حق من الحقوق الأساسية للنساء والرجال يضمنه الدستور والمواثيق الدولية.
المدخل التشريعي، والمتعلق بأهمية وضع ميكانيزمات مصاحبة لتفعيل كل المقتضيات التشريعية المنظمة لعمل النساء والحامية لحقوقهن.
المدخل الاجتماعي، باعتبار عمالة النساء تكتسي طابعًا خاصًا بالنظر للظروف والاحتياجات والأدوار الاجتماعية الخاصة للنساء التي يستوجب أخذها بعين الاعتبار عند وضع تدابير وإجراءات النهوض بالعمل.
المدخل التدبيري، والمتعلق بأهمية مواءمة مجال الشغل للظروف المتعلقة بعمالة النساء وتحسين جودتها، مع العمل على تثمين هذه الظروف في سبيل تطوير جودة العمل وجودة إنتاجيته.
ثانيا السياسات الاقتصادية الحاكمة لقضية التشغيل.
يمر الاقتصاد المصري فى المرحلة الراهنة بأزمة طاحنة تمتد جذورها إلى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وخاصة بعد سياسات الانفتاح الاقتصادي التي بدأها الرئيس الراحل “أنور السادات” عام 1974 مروراً ببرامج الإصلاح الهيكلى المتعاقبة والسياسات النيوليبرالية. ومن الثابت كما أثبتت كثير من الدراسات أن هذه السياسات وضعت جل اهتمامها للإصلاحات الاقتصادية الكلية سواء المالية والنقدية وسياسات الاستثمار، ولم تعط اهتمامًا للإصلاحات الاقتصادية الجزئية وخاصة ما يتعلق بسياسات سوق العمل والتشغيل. وكان حصاد هذه السياسات تردى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية حيث تأثرت قطاعات واسعة في المجتمع من هذه السياسات ولعل أبرزها تفشي الفقر والبطالة. وتسببت السياسات النيوليبرالية مع عجز الدولة مع تحقيق المساواة الكاملة بين المواطنين وغياب العدالة الاجتماعية إلى فشل الدولة في تحقيق معدلات للتنمية وخلق حالة من الاستقطاب الاجتماعي والتوتر السياسي، كان من أبرز ملامحه التداعيات السياسية والاقتصادية لثورة 25 يناير 2011.
طبقت مصر منذ أوائل التسعينيات فى القرن الماضى سياسات التكيف الهيكلي، حيث كانت مصر تعانى من عدم توازن مالى وتنامى عجز الميزانية وميزان المدفوعات مما أسفر عن تراكم الديون الخارجية، وقد طبق برنامج التكيف الهيكلي لتصحيح كافة أشكال عدم التوازن فى السياسات المالية والنقدية. وقد أثرت برامج التكيف الهيكلي على وضع التشغيل فى مصر حيث تم تقليص حجم القطاع العام والذي أثر بدوره على معدلات التشغيل ومشاركة النساء. وتؤكد أغلب الدراسات أن هذا التوجه بطبيعته توجه انكماشي يبدأ بالتحكم في الطلب وبالتالي يقلل من فرص الاستثمار ثم من فرص العمل، كما أن غاية هذه البرامج موجهة لرأس المال في إهمال متعمد لعنصر العمل. وقد قصدت البرامج تخفيف عبء الأجور والرواتب بخفضها المباشر أو خفض القيمة الحقيقية لها أو زيادة عرض قوة العمل وبالتالى زيادة معدلات البطالة، وذلك رغبة في تقليص عجز الميزانيات العامة. والتخلص من الدعم الاقتصادي الذي تتحمله موازنة الدولة من جراء وجود وحدات إنتاجية في القطاع العام تحقق خسارة. ويكون ذلك من خلال تصفية هذه الوحدات أصلاً أو بيعها إلى القطاع الخاص، ويكون ذلك من خلال زيادة أسعار منتجاتها النهائية التي تقدم إلى السكان. وزيادة أسعار مواد الطاقة وتغيير سياسة الدولة تجاه التوظيف ويكون ذلك برفع يدها تدريجيًا من الالتزام بتعيين الخريجين الجدد. وضرورة أن تكف الدولة عن التدخل في المجالات التي يمكن للقطاع الخاص أن يقوم بها، مثل مشروعات الصناعات التحويلية. مع المطالبة برفع فئات الضرائب غير المباشرة وتجميد الأجور والرواتب والحوافز للعمال والموظفين في الحكومة والقطاع العام.
ولبرامج الإصلاح الهيكلي تأثيرات ملموسة على سوق العمل نجملها في النقاط التالية:
1- تزايد معدلات البطالة وخاصة بين النساء وسوء واختلال سياسات التشغيل.
2 – نقص فرص التشغيل أمام الداخلين الجدد لسوق العمل.
3 – أدى خفض معدل نمو الإنفاق العام الموجه إلى الخدمات الاجتماعية الضرورية كالتعليم والصحة…الخ إلى خفض مواز في طلب الحكومة على العمالة المشتغلة في هذه الخدمات، الأمر الذي أدى إلى تدني مستوى نوعية الخدمات المقدمة وخاصة في قطاع التعليم.
4- تقلص دور الدولة والقطاع العام في النشاط الاقتصادي أدى إلى تراخي في الاستثمار الحكومي وفي خلق طاقات إنتاجية جديدة تستوعب الأيدي العاملة العاطلة.
5- تأثير السياسة النقدية الجديدة التي استهدفت الحد من نمو عرض النقود وكان لها تأثير واضح في زيادة البطالة، فبدلاً من أن تتحول المدخرات الموجودة في الأوعية الادخارية (البنوك) إلى إستثمارات تخلق طاقات إنتاجية جديدة وطلباً إضافياً على العمالة، تحولت تلك المدخرات إلى التمويل الحكومي.
6 – مثلت البطالة حرماناً من فرص الدخل وإشباع الحاجات الأساسية وأصبحت السبب الرئيس لانتشار الفقر وتهميشاً اجتماعياً لقطاعات واسعة من المجتمع مما يهدد السلام الاجتماعي، كما أثرت هذه البرامج على إعادة توزيع القوى العاملة على الأنشطة الاقتصادية،
7 – أثرت هذه البرامج على مستوى التنمية البشرية عموماً وذلك بتقليص بند الإنفاق العام على الخدمات الضرورية كالتعليم والتدريب والصحة والتأمينات الاجتماعية والأجور إضافة إلى توسع القطاع غير المنظم.
ويعاني الاقتصاد المصرى الآن من توسيع حجم الإنفاق الحكومي لتلبية المطالب الفئوية في ظل عجز شديد في الموازنة العامة وارتفاع حجم الدين الداخلي، مع تقليص الاعتماد على المجتمع الدولي لدواع أمنية وسياسية. وهو ما يعكس حالة من التخبط حول مدى قدرة الاقتصاد المصري على الصمود ومواجهة التحديات، وقدرة السلطة التنفيذية في المرحلة الانتقالية التي تمر بها على تدارك الوضع الحالي والمضي قدماً في عملية الإصلاح بشقيه السياسي والاقتصادي.
كما يتسم الوضع الاقتصادي منذ أن بدأت الثورة المصرية في يناير 2011 بالتباطؤ، حيث انخفض الناتج المحلي وانهارت عائدات السياحة؛ الأمر الذي أدى بدوره لانخفاض الاحتياطات الرسمية من العملات الأجنبية ويُتوقع أن تواجه مصر فجوة في التمويل الخارجي وهو ما يثبت أن الإجراءات التي نفذتها الحكومات المتتالية من زيادة الإنفاق العام هو مجرد رد فعل على المطالب الشعبية.
وسوف يكون لهذه الإجراءات نتائج خطيرة طويلة المدى على الميزانية وعلى الموقف المالي للحكومة المصرية؛ إذ يتطلب الإنفاق الزائد عن الإيرادات من الدولة الاقتراض إما من مصادر محلية أو أجنبية. فحتى وقت قريب، كانت الحكومة تقترض من السوق المحلية. وقد سجل الدين العام المحلي في العام 2011 زيادة قدرها 19،6 في المائة عما كان عليه في العام 2010 وما نسبته 1،7 في المائة بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي. علاوة على ذلك، ارتفع الدين الخارجي بنسبة 6،9 في المائة، في حين تراجعت نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي؛ لأن نمو الناتج المحلي الإجمالي فاق نمو الدين على مدى الفترة ذاتها. (6) ولا يزال الاقتصاد المصرى في حالة تراجع منذ ثورة 25 يناير ويعود ذلك جزئيًا إلى حالة عدم الاستقرار التي تتسم بها المراحل الانتقالية، وتفاقم الأمر بسبب تزامن مرحلة التحول مع الانكماش فى الاقتصاد العالمي، وتبدو الآثار المترتبة على التباطؤ الحالي أكثر وضوحًا فى مجالات الاستهلاك المحلى والاستثمار المباشر والسياحة. كما يواجه الاقتصاد المصرى تحديًا كبيرًا وفقاً لتقرير التنمية البشرية للعام 2010، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، حيث لا يزال العمل غير الرسمي يشكل أحد المصادر الرئيسية (40% من حجم النشاط الاقتصادى)، وقد يعمل بعض رجال الأعمال الشباب تحت مظلة الاقتصاد غير الرسمي ويتهربون من الضرائب وغيرها من القيود، لكنهم غير قادرين على النمو نظرًا إلى عدم وصولهم إلى مصادر التمويل المعقولة والخوف من اللوائح والضرائب. وعلى الرغم من مزايا القطاع غير الرسمي، مثل غياب الضرائب والتحايل على الفساد الحكومي والبيروقراطية، فإن هذا القطاع عرضة إلى الهزات الكبيرة. ويتطلب الحد من العمل غير الرسمي مجموعة من السياسات المتماسكة التي تتراوح بين الإنفاق العام والضرائب والسياسة النقدية. ويكمن الحل الأساسي في كيفية إصلاح النظام التعليمي لإعداد الطلاب لسوق العمل، ومن خلال تشجيع الطلاب على المشاركة في القطاع الرسمي والاعتماد عليه لتأمين فرص العمل وتحسين ظروف المعيشة، وسيتم تدريجيًا تحقيق الاعتماد والثقة في فائدة الانخراط في القطاع الرسمي. بالإضافة إلى تحسين الأجور والإنتاجية والدفاع عن أنظمة العمل المرئة. فتحسين الإنتاجية، الذي يزيد في نهاية المطاف مكاسب العامل الإجمالية، أمر ضروري لتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري. وهذا يستلزم بناء القدرات داخل مؤسسات العمال للتفاوض بشكل أفضل على تحسين أجورهم.
ومن الأهمية اعتماد قوانين عمل ولوائح أكثر مرونة من وجهة نظر أرباب العمل. حيث تحتل مصر مركزاً متواضعاً في مؤشرات الحوكمة مقارنة بالأسواق الناشئة الأخرى. فمصر لديها واحد من أسوا مستويات الفعالية الحكومية المتصلة بكفاءة المؤسسات الحكومية ودورها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، مما يستلزم تحسين هذا التصنيف إذا كانت مصر تريد المضي قدمًا في الإصلاح الاقتصادي وتحقيق أهدافها المرجوة. وبشكل تعانى السياسة الاقتصادية من الركود والانكماش ومن انخفاض الطاقات الإنتاجية وارتفاع معدل البطالة وارتفاع عدد الإفلاسات وارتفاع معدل التضخم. (7)
وبتوصيف وضع السياسات القائمة تشير إلى معاناة قطاعات واسعة من المجتمع من جراء التحيز الواضح لآلية عمل السوق، والغياب الواضح لدور الدولة في عملية التنظيم والتوجيه. وعجز القطاع الخاص عن حل كثير من المشكلات خاصة ما يتعلق بتزايد معدلات البطالة وخلق فرص عمل. وضمن هذا الإطار من السياسات تعانى النساء في مصر أكثر من غيرهن من فئات المجتمع من الاستبعاد في مجالات عدة سواء على المستوى التعليم أو العمل، وتظل نظرة المجتمع لها كربة منزل أكثر من كونها منتجة وشريكة في المجال العام هى النظرة الغالبة والسائدة عبر قطاعات واسعة في المجتمع.
ثالثًا: سياسات التشغيل فى مصر (الوضع الراهن)
تراكمت عبر سنوات عديدة سياسات اجتماعية اقتصادية اتسمت بالقهر السياسي وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، وقد أدت تلك السياسات إلى تزايد معدلات الفقر والبطالة وتدنى مؤشرات التنمية البشرية. وعانت النساء المصريات معاناة شديدة من جراء تلك السياسات التميزية، ويواجه المجتمع المصرى الآن تحديات كبيرة تتعلق بالحاجة إلى عقد اجتماعي جديد يعتمد على تحديات تنموية جديدة، يقلل من معدلات الفقر وخلق فرص العمل اللائق والنظر إلى الإنفاق الحكومي على أنه استثمار حقيقي في البشر.
فقد كشف تقرير حديث صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي بعنوان فجوة النوع الاجتماعي على مستوى العالم، أن وضع مصر منخفض في كافة المؤشرات التي اعتمد عليها التقرير. فالتقرير يحدد عددًا من المؤشرات للمشاركة الاقتصادية للمرأة والالتحاق بالتعليم والتمكين السياسي، كما يضع ترتيبًا للدول المشاركة في تقييم فجوة النوع. ويحدد التقرير مؤشرًا لقياس فجوة النوع على النحو التالي (1= مساواة 0 = تمييز). وخلال الفترة من 2006 وحتى 2012 تحسنت أوضاع مؤشرات تعليم الإناث واقتربت من عدم التمييز مع الأخذ بعين الاعتبار أن المؤشرات كلها كمية. وخلال تلك الفترة حدث تحسن طفيف في مؤشرات المشاركة الاقتصادية، ولكن هذا التحسن الطفيف غير مؤثر في إزالة فجوة النوع. وتنخفض بشكل ملموس فجوة النوع فيما يتعلق بالتمكين السياسي.
فجوة النوع لمؤشرات المشاركة الاقتصادية والالتحاق بالتعليم والتمكين السياسي للنساء المصريات
خلال الفترة (2006 – 2011)
الترتيب |
درجة المؤشر الكلي |
المشاركة الاقتصادية |
الالتحاق بالتعليم |
التمكين السياسي |
|
الفجوة النوعية بين النساء والرجال 115 دولة (2006) |
109 |
0.579 |
0.416 |
0.903 |
0.022 |
الفجوة النوعية بين النساء والرجال 128 دولة (2007) |
120 |
0.581 |
0.421 |
0.909 |
0.22 |
الفجوة النوعية بين النساء والرجال 130 دولة (2008) |
124 |
0.583 |
0.437 |
0.902 |
0.023 |
الفجوة النوعية بين النساء والرجال 134 دولة (2009) |
126 |
0.586 |
0.450 |
0.900 |
0.023 |
الفجوة النوعية بين النساء والرجال 134 دولة (2010) |
125 |
0.590 |
0.453 |
0.899 |
0.031 |
الفجوة النوعية بين النساء والرجال 135 دولة (2011) |
123 |
0.593 |
0.457 |
0.908 |
0.031 |
الفجوة النوعية بين النساء والرجال 135 دولة (2012) |
126 |
0.579 |
0.454 |
0.925 |
0.035 |
Ricaedo،et ul.The Global Gender Gap Report،World Economic Fourm، 2012
وفي ضوء تلك المؤشرات نعرض لوضع النساء المصريات داخل سوق العمل حيث يعانى سوق العمل المصرى من العديد من المشكلات الهيكلية المتراكمة، وهو الأمر الذي ينعكس في مدى الصعوبات التى يواجهها الشباب والنساء والفئات الأكثر تعليمًا سعيًا للانخراط فى سوق العمل وعدم قدرة القطاع الخاص الرسمي على خلق فرص عمل كافية. وعلى الرغم من أن مصر حققت خلال السنوات الماضية خطوات واسعة تجاه إغلاق الفجوة بين النوعين فى التعليم، إلا أن كثيرًا من النساء تواجهن حواجز كبيرة أمام عملها خارج المنزل خاصة في القطاع الخاص. ويضع تقرير حديث للمنتدى الاقتصادى العالمى مصر فى المرتبة 120 من بين 180 دولة من حيث المكون الخاص بفرص المرأة الاقتصادية فى الرقم القياسي للفجوة بين النوعين. كما تحتل مصر المرتبة 101 من حيث التحصيل التعليمي. وتتفق كثير من الأدبيات المعنية بقضية التشغيل والنوع أن الفجوات بين النوعين في سوق العمل يمكن عزوها فى جزء كبير منها إلى حواجز الانضمام التي تواجهها المرأة في سوق العمل، وتسفر هذه الحواجز عن تمثيل غير متناسب للمرأة في عدد من الوظائف والمهن مما يؤدى إلى الاكتظاظ وانخفاض الأجور وبالذات في القطاع الخاص. وتضيف تلك الأدبيات إنه إذا واجهت النساء فجوات كبيرة في الأجور بين النوعين في القطاع الخاص وتعويضًا مناسبًا فى القطاع الحكومي فليس غريبًا أنها تفضل العمل في القطاع الحكومى وترغب في الحصول عليه، وهذا يؤدى بدوره إلى وجود فجوات واسعة بين النوعين في البطالة. (8)
وفي دراسة للبنك الدولي حملت عنوان تقييم النوع الاجتماعي في مصر، اهتمت بالقاء الضوء على الفروق الفاصلة بين حال الرجال وحال النساء في مصر في المجالات المختلفة، ظهر بوضوح هذا الميل العام لتكدس النساء في أقل القطاعات حظًا ودخلاً وحقوقًا، فبالرغم من ارتفاع نسبة مشاركة المرأة المصرية في سوق العمل ووصول هذه النسبة في إحصاء عام 1999 إلى 21،4% من قوة العمل المصرية وتضاعفها عما كانت عليه في منتصف العقد السبعيني كما سوف نعرض لاحقًا، إلا أنها تستمر ضعيفة بالمقارنة بالعدد الكلي للإناث المصريات في الإحصاء العام كما تستمر غير متوازنة في توزيعها بين الريف والحضر وكذلك بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، وبالتالى تستمر المرأة المصرية تحصل على النصيب الأصغر من الأجور والدخول التي تسمح لها بمواجهة أعبائها الأسرية المتزايدة. ولا نتوقع أن تتلاشي حالة عدم التوازن هذه في التوزيع على القطاعات، في الفترة القريبة القادمة، أو حتى في الفترة ما بعد القريبة، ذلك لأن سوق العمل المصرية في حالة عدم ثبات أو بالأصح في حالة تغير وحركة بسبب التغيرات الهيكلية التي تجري الآن على الاقتصاد المصري، فالقطاع العام وهو أحد القطاعات الاقتصادية الصديقة للمرأة، في حالة انكماش فاسحًا مكانه للقطاع الخاص الذي يتعامل مع المرأة بريبة وبحرص شديدين. ويظهر الشكل البياني تطور نسبة مشاركة النساء في قوة العمل خلال الفترة المذكورة (1984 – 2011)، فالنسب توضح أن نسبة مشاركة النساء داخل قوة العمل بلغت 18% وارتفعت عام 1995 لتصل إلى 22% وحافظت هذه النسبة على ثباتها منذ ذلك التاريخ حيث لم تتجاوز نسب مشاركة النساء 22.5% عام 2011.
وبشكل عام كما يتضح من الجدول التالى أن معدلات مشاركة النساء لا تزيد بأى شكل عن ربع قوة العمل المصرية (9). ويشير المسح التتبعى لسوق العمل في مصر عام 2006 إلى ان معدلات مشاركة النساء في قوة العمل حسب مكان الإقامة والنوع بلغت 21.4% و 26.9% بين عامى 1998 و 2006 مقابل 73.2% و 78.5% للذكور لنفس العامين. ونمت قوة العمل فى مصر (2006) من 17.2 مليون عام 1988 إلى 22.3 مليون عام 2006 بمعدل نمو سنوى 3.5%. ويعزو المسح إلى ارتفاع نسبة المشاركة إلى أن كثيرًا من النساء في مصر ينخرطن في أنشطة إنتاج مستلزمات عيش الكفاف فى الزراعة ورعاية الحيوانات ومنتجات الألبان مما يؤثر على زيادة معدلات مشاركة المرأة في قوة العمل الريفية.
الشكل (1-1) تطور معدلات المشاركة داخل قوة العمل
المصدر: الجهاز المركز للتعبئة العامة والإحصاء، بحوث القوى العاملة بالعينة، سنوات مختارة.
ونمت قوة العمل الريفية بمعدلات أسرع من نمو قوة العمل الحضرية مما يعكس جزئيًا النمو الأسرع للسكان فى سن العمل فى الريف. ويبين أيضًا حدوث زيادة سريعة في مشاركة الإناث في قوة العمل الريفية، مع أهمية أخذ معدلات النمو هذه ببعض التحفظ خاصة ما يتعلق ببمارسة النساء ببعض الأنشطة الاقتصادية المنزلية والموجهة إلى السوق. وشهد نمط عمل الإناث تغيرات كبيرة بين 1988 و2006 خاصة لخريجات المدارس الثانوية الفنية ومعاهد ما بعد المرحلة الثانوية ومع تصاعد عدد خريجات المدارس الثانوية الفنية بشكل كبير ومع تضاؤل الفرص المتاحة أمامهن فى الحكومة، وحيث إن عدد الفرص المتاحة أقل تفضل كثيرات من هؤلاء النساء خاصة اللاتي تزوجن الانسحاب من قوة العمل أو يجبرن على ذلك بمرور الوقت.
وبلغت نسبة مشاركة المرأة في قطاع الأعمال العام والقطاع الحكومي 26% ونسبة مشاركة المرأة فى القطاع الخاص 16%. وعلى الرغم من التركيز النسبي الأكبر للإناث في القطاع غير الرسمى إلا أن أعداد التشغيل الإجمالية للذكور بلغت 4.5 مليون مقابل 1.8 مليون للنساء ويترتب على انخفاض مشاركتها في القطاع الرسمى الارتفاع النسبى لمشاركتها في القطاع غير الرسمي. وبشكل عام تؤثر سياسات التكيف الهيكلى على أوضاع إلحاق المرأة بسوق العمل. (10)
معدلات واتجاهات البطالة وحول معدلات واتجاهات البطالة يظهر التالي أن تطور معدلات بطالة الإناث قد تضاعفت خلال الفترة بين 1984 – 2011 حيث بلغت في الأولى 11% والثانية 22.7%. بلغت أعلى معدلاتها عام 2005 حيث بلغت 24.98% وانخفضت النسبة عامي 2007 – 2008 لتصل إلى 18.41% و 19.29% وتعاود الارتفاع في السنوات التالية لتصل إلى 22.97% و 22.57% عامي 2009 – 2010 على التوالي.
الشكل (1-2) تطور معدلات بطالة الإناث خلال الفترة 2005 – 2010
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بحوث القوى العاملة بالعينة، سنوات مختارة.
وحول اتجاهات البطالة بين عامي 1988 و 2006 تشير إلى انخفاض معدل البطالة من 11.7% عام 1988 إلى 8.3% عام 2006. وبدأ الرجال بمعدلات بطالة أدنى كثيرًا من معدلات النساء، وكان الانخفاض متماثلاً بالقيم النسبية لكل من الرجال والنساء وظلت نسبة بطالة الإناث بالنسبة للذكور ثابتة عند نحو 1 : 4 من عام 1988 إلى عام 2006. وكانت نسبة الانخفاض فى البطالة أعلى في المناطق الريفية حيث انخفضت من 12.2% إلى 6.3% مقابل انخفاض من 11% إلى 9.7% في المناطق الحضرية. وفيما يتعلق بالعلاقة بين البطالة والعمر تشير بيانات المسح التتبعى إلى أن معدلات البطالة انخفضت بالنسبة لإناث الحضر دون سن السابعة والعشرين، على الرغم من أن الانخفاضات الأكبر حجمًا كانت بالنسبة للإناث في سن الفئة العمرية من 15 إلى 19 سنة، وهناك مؤشرات على حدوث زيادة في معدلات البطالة الحضرية بالنسبة للنساء بين سن 27 و 34 سنة وفي المناطق الريفية كانت الانخفاضات فى بطالة الإناث أكبر وامتدت لكل الأعمار حتى سن الخامسة والثلاثين.(11)
وتكشف بيانات العلاقة بين اتجاهات البطالة والمستوى التعليمي عن بعض الدلالات خلال الفترة من 1998 – 2006 حيث انخفضت معدلات البطالة لذوى التعليم المنخفض عام 1998 بينما زادت بصورة واضحة بين خريجي المدارس الثانوية الفنية. ثم تراجعت ثانية بالنسبة لخريجي معاهد ما بعد المرحلة الثانوية والجامعات. وفي عام 2006 ظلت معدلات البطالة منخفضة للحاصلين على مستوى أدنى من التعليم وزادت بدرجة كبيرة بين خريجي المعاهد الفنية والجامعات. وانخفضت معدلات المشاركة بين الإناث الحاصلات على الشهادات الدراسية مما يدل على أن بعضهن انقطعن وتوقفن عن محاولة الحصول على وظيفة ويبقين خارج قوة العمل.
وفيما يتعلق بالحالة العملية وخاصة من يعملون بأجر نقدى فالشكل (1 – 3) يشير إلى أن الحالة العملية للنساء المشتغلات تظهر أن 52.8% من النساء المشتغلات يعملن بأجر نقدى وأن 30.1% يعملن لدى الأسرة بدون أجر، وأن 13.9% من النساء يعملن لحسابهن ولا يستخدمن عمالاً والنسبة الباقية 3.2% وهي لأصحاب الأعمال ويستخدمن عمالاً. وتعكس تلك البيانات أن حوالي ثلث العمالة النسائية تقريبًا تعمل بدون أجر مقارنة بنسبة 6.2 للرجال، كما أن نسبة النساء اللاتي يعملن في منشآت تقل عن مثيلاتها بين الرجال بواقع 17.1% مقابل 25.3%، ويعنى مما سبق أن نسبة كبيرة من المشتغلين الذكور يتمتعون بعلاقات عمل على درجة من الحماية القانونية بينما تعانى النساء كما تظهر البيانات من فقد لعلاقات عمل توفر لهن الحماية القانونية.
( 1 – 3) الحالة العملية حسب النوع ( 15 – 64)
المصدر : الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بحث القوى العاملة بالعينة، 2011
وتوضح المؤشرات أن المرحلة القادمة لا تمثل فترة وردية أو مزدهرة بالنسبة لنساء مصر الساعيات إلى العمل، وكما ذكرنا أن السبب الرئيسي لذلك هو تراجع النشاط الاستثماري للدولة والذي كان يتم في القطاع العام القديم. وهو القطاع الذي فتح قديمًا أبوابه واسعة للمرأة وجعلها تنخرط وتعمل في فروع وفنون الصناعة المختلفة، وهو القطاع الذي بات الآن في مراحل تصفيته النهائية حتى انخفضت نسبة النساء المشتغلات فيه إلى 2،8%. وإذا أضفنا إلى ذلك أن القطاع الحكومي يحد من تعييناته بحيث أصبح هو الآخر محدود الفاعلية أمام عمل النساء.
ويمكن القول إن المرأة المصرية تفقد مجالين مهمين من مجالات التوظيف والعمل. فالقطاع الحكومي والقطاع العام هما أكثر القطاعات دنوًا من طبيعة وواقع النساء لأنهما عادة ما يكونان أكثر قبولاً اجتماعيًا لما يوفرانه من حماية ورعاية وحقوق النساء، وكذلك في المناطق غير الحضرية تفضل أسر الطبقة الوسطى الصغيرة أن تعمل بناتها لدى رب عمل عام بدلاً من رب عمل خاص غير مضمون، بالإضافة إلى أن القطاعين معًا، الحكومي والعام، هما أكثر القطاعات الاقتصادية التي تسمح بالنمو وبالترقي المهني والأدبي للنساء العاملات، كجموع عاملة، وبالتالي فهي أنشط القطاعات في إتاحة فرص بناء الكوادر والقيادات النسائية في المجتمع، كما أنهما أنشط القطاعات في تحقيق الاستمرارية في هذا البناء بحيث تتواصل أجيال العاملين فيهما بانتقال الخبرات من جيل سابق إلى آخر لاحق له، وقد اتضح ذلك بشكل واضح في الانتخابات النقابية العمالية الأخيرة عندما تراجع عدد العاملات المنتخبات في مجالس النقابات العمالية وخاصة في وحدات القطاع الخاص.
وعندما نشير إلى الصعوبات التي تواجه عمل المرأة الآن والتي سوف تواجهها في المستقبل القريب. تؤكد كثير من الدراسات والتقارير حول علاقة القطاع الخاص بعمل المرأة، والتى تشير إلى أن القطاع الخاص كقطاع واسع التركيب يضم نسبة 56،5% من مجمل عدد العاملات في مصر، ولكن الخطورة أن 62% من هذه النسبة تعمل في القطاع الخاص غير الرسمي أي القطاع الخاص العامل خارج الإطار القانوني أو المؤسسي، أي القطاع الذي لا يقدم للمرأة الحقوق المكفولة لها في قوانين العمل المختلفة بدءًا من الأجر والأجازات وساعات العمل إلى عضوية النقابات إلى الحقوق التأمينية المتعارف عليها، والأكثر خطورة أن التوزيع الجغرافي للنساء العاملات في القطاع غير الرسمي يميل بكل الثقل نحو الريف والمناطق الزراعية، فإذا كان المعدل القومي لنسبة النساء المصريات العاملات في القطاع غير الرسمي يصل كما ذكرنا إلى 56،5% من مجمل عددهن العامل فإن 74،8% من هذه النسبة القومية تعمل في المناطق الريفية حيث تتعاظم الأمية وتتجسد المشاكل الاجتماعية الأخرى (12). ويقف القطاع الخاص الرسمي والذي هو في حالة نمو ونشاط من عمل النساء موقفا سلبيًا حيث إن نسبتها فيه لا تزيد سنويًا إلا بمعدل 1،6% بالإضافة إلى أنها تتراجع فيه عن مواقعها الصناعية والفنية القديمة التي كانت تحتلها في القديم، لتتمركز مرة أخرى في الخدمات والتجارة. ومن هنا جاء الاستنتاج العام الذي أشرنا إليه سابقًا والذي يؤكد أن المرأة العاملة المصرية تدفع دفعًا إلى الالتحاق بأقل قطاعات العمل دخلاً وحقوقًا واستقرارًا. (12) كما أن نساء مصر مقدمات على مرحلة اقتصادية واجتماعية لا يساعد المناخ العام على فرز الكوادر المهنية والفنية النسائية التي تحتاجها البلاد في الحياة السياسية والاجتماعية والتي نسعى جميعًا إلى زيادة عددها وفاعليتها في هذه الحياة، ولذا فنحن نحتاج إلى جهود كبيرة ومضنية للضغط والدفاع عن حقوق مكتسبة للمرأة. وعلى الرغم من أن قوانين العمل تنص على المساواة بين الرجال والنساء في الأجور النقدية، لكن لا تزال الفجوة النوعية بين الرجال والنساء مرتفعة لصالح الرجال، ويختلف حجم الفجوة النوعية حسب النشاط الاقتصادي، ووفقًا لجدول متوسط الأجور النقدية (بالجنيه) والفجوة النوعية للعاملين في القطاع العام وقطاع الأعمال العام ومنشات القطاع الخاص ( التي يعمل بها عشرة عاملين أو أكثر ) وفقًا للنشاط الاقتصادي والنوع في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 2009 تصل الفجوة النوعية إلى 13،8% لصالح الرجال.
ويقصد بالأجر النقدي بأنه الأجر الأصلي والإضافي والبدلات الدورية وأية استحقاقات دورية أخرى مثل العمولات ومكافآت الإنتاج. وبخلاف الأجر الأصلى فجميع المفردات الأخرى يتحكم فيها الرؤساء في العمل، وبحكم الواقع الثقافي
والاجتماعي فرص الرجال تكون أعلى من النساء للقيام بالمأموريات أو السهر ليلاً، فيتم تقسيم بعض مهام العمل على أساس الجنس، فضلاً عن عدم التزام أغلب أماكن العمل الحكومية وقطاع الأعمال والخاص بتوفير دور الحضانة إعمالاً للقانون، فتضطر الأم العاملة التى لديها أطفال صغار في سن الحضانة عدم قبول أى مأموريات أو ورديات عمل بعد الساعات الرسمية بفعل الأعباء الأسرية الملقاة على عاتقها، أيضًا عدم التزام أغلب أماكن العمل الحكومية وقطاع الأعمال والخاص بإعمال القانون في توفير وسائل مواصلات آمنة ومناسبة فيجعل من الصعب سهر النساء ليلاً، لأن ذلك يعرضها لدرجة من الخطورة، أو صعوبة توفير مواصلات عامة في ساعات متأخرة ليلاً خاصة في المحافظات.
(1 – 4) توزيع المشتغلين (15 – 64 سنة) على أقسام المهن المختلفة
ذكور |
% |
إناث |
% |
الإجمالي |
% |
|
رجال التشريع وكبار المسئولين والمديرين |
11648 |
6.2 |
1820 |
3.9 |
13468 |
5.8 |
الأخصائيون أصحاب المهن العلمية |
20293 |
10.8 |
11162 |
24.1 |
31455 |
13.5 |
الفنيون ومساعدو الأخصائيين |
13248 |
7.1 |
6776 |
14.6 |
20024 |
8.6 |
القائمون بالأعمال الكتابية |
5148 |
2.8 |
1884 |
4.1 |
70.32 |
3.0 |
العاملون في الخدمات ومحلات البيع |
16317 |
8.7 |
1694 |
3.7 |
18011 |
7.7 |
المزارعون وعمال الزراعة والصيد |
46155 |
24.7 |
19928 |
43.1 |
66083 |
28.3 |
الحرفيون ومن إليهم |
38543 |
20.6 |
612 |
1.3 |
39155 |
16.8 |
عمال تشغيل المصانع |
19584 |
10.4 |
851 |
1.8 |
20399 |
8.7 |
عمال المهن العادية |
15928 |
8.5 |
1491 |
3.2 |
17419 |
7.5 |
أفراد لا يمكن تصنيفهم |
360 |
0.2 |
53 |
0.1 |
413 |
0.2 |
الإجمالي |
187188 |
100.0 |
46271 |
100.0 |
233459 |
100.0 |
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بحث القوى العاملة بالعينة، 2011
كما يلاحظ تباين الفجوات النوعية في بعض الأنشطة الاقتصادية مرتبط بمستوى التعليم كما ذكر في ( المصدر : المرأة والرجل في مصر 2011، الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، مصر) بمعنى أن بعض الأنشطة الاقتصادية التي ترتفع فيها الفجوة النوعية لصالح النساء ترجع إلى طبيعة الوظائف التي تشغلها النساء في هذه القطاعات، والتي تتطلب مستويات أعلى في التعليم منها على سبيل المثال الإمداد المائي وشبكات الصرف الصحي (-64،7%) وخدمات الغذاء والإقامة (-54.5%) والعقارات والتأجير (- 51،7%) كما يلاحظ أن إجمالي الفجوة النوعية في القطاع العام والأعمال ترتفع لصالح النساء بنسبة (-11،4%)، بينما تصل في القطاع الخاص إلى (22%) لصالح الرجال، ويرجع ذلك إلى أن قواعد العمل داخل القطاع العام والأعمال تقلل من مساحة تدخل الرؤساء في تقسيم العمل على أساس النوع، فضلاً عن شروط وظروف العمل في الأغلب تمكن النساء من القيام بمهام عملها. ويشير توزيع الجدول التالى إلى تركز العمالة النسائية بين ثلاث مهن رئيسية هي العمالة بالقطاع الزراعى وتبلغ نسبتها 43.1% من إجمالي العمالة النسائية ثم الأخصائيين وأصحاب المهن العلمية بنسبة 24.1% وأخيرًا الفنيين ومساعدي الأخصائيين بنسبة 14.6%.
وحول مشاركة المرأة على مستوى المستوى القطاعى والتي يعرضها الشكل البياني (1 – 5) التالي، فسوف نجد أن القطاع الخاص يستأثر ب 71.2% من إجمالي العمالة النسائية مقابل 58.3% للرجال. كما تفيدنا البيانات أن 23.7% من العمالة النسائية موجودة فى القطاع الحكومى مقابل 39.1% للرجال. وتنخفض مشاركة النساء في القطاع العام والأعمال إلى أدنى مستوياتها حيث تصل إلى 2.8% مقابل 1.2% للرجال. وتفتقد العمالة النسائية فى القطاع الخاص لأشكال كثيرة من الحماية القانونية والاجتماعية. فلا يوجد أى شكل من أشكال التأمين الاجتماعي والصحي، وتعانى النساء من أجور منخفضة ووظائف تقع في أسفل السلم المهني. وتزداد درجة معاناة النساء إذا عرفنا أن 80% من العمالة النسائية التي تعمل بالقطاع الخاص هي بالأساس عمالة بالقطاع غير الرسمى التى يكشفها الشكل البياني (1 – 6)، وما يشوب هذا القطاع من مشكلات قانونية وحمائية.
الشكل (1 – 5) توزيع المشتغلين (15 – 64) على قطاعات النشاط الاقتصادي
المصدر: الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، بحث القوى العاملة بالعينة، 2011
الشكل (1 – 6 ) توزيع العمالة النسائية داخل القطاع الخاص (داخل المنشآت / خارج المنشآت)
المصدر: الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بحث القوى العاملة بالعينة، 2011
وأثبتت كثير من الدراسات وجود فجوة فى الأجور بين الرجال والنساء على الرغم من المساواة الكاملة فى المهارات والخبرات والمستويات التعليمية. وتشير تلك الدراسات إلى تركيز النساء فى المهن التى تقع أسفل السلم الوظيفي خاصة في القطاع الخاص، مما يعطى مبررًا لحصولها على أجور تقل عن تلك التي يحصل عليها الرجل. وأن النساء يحصلن على أجور تقل عن تلك التي يحصل عليها الرجال بسبب التمييز القائم على النوع. ففي عام 2006 بلغ مقدار التمييز ضد المرأة في الأجر 168 جنيهًا مصريًا حقيقيًا فى الشهر في المتوسط. وتمثل هذه القيمة 37% من متوسط الأجور الشهرية التى تسلمتها النساء عام 2006 والتي تقدر بـ 448 جنيهًا مصريًا حقيقيًا. (13)
كما أثبتت دراسة أخرى معتمدة على مسح ميدانى شامل لعدد 3559 جمعية أهلية بمحافظات القاهرة والسويس والشرقية والوادى الجديد وسوهاج وجود تمييز واضح في مستويات الأجور بين الذكور والإناث على الرغم من أن نسبة العمالة النسائية بهذه الجمعيات بلغت 63%. ومع اتساع تطبيق برنامج التكيف الهيكلي وتقلص حجم القطاع العام والحكومي والتأثير السلبي لتنامي دور القطاع الخاص سوف يتم اتساع الفجوة بيم الذكور والإناث فى مستويات الأجور، مما يعنى عدم العدالة النوعية فى مصر فى المدى القصير والمتوسط. (14)
إن التعامل مع النساء داخل مجال العمل حتى في الجهات الحكومية يرتبط بنظرة المجتمع للأدوار التقليدية والنمطية للنساء، وبالثقافة المحافظة التي لا تعترف بقدرة النساء على القيام بأدوار قيادية، ويبرر لذلك بتأويلات مغلوطة باسم الدين أو بالحديث عن طبيعة المرأة وصفاتها، وأن هذه الثقافة السائدة في المجتمع يمتد تأثيرها داخل الجهات الحكومية، فبدلاً من أن تقوم الدولة بوضع آليات واضحة لتكافؤ الفرص وضمان تمثيل النساء فى المناصب القيادية، تمارس الدولة نفس الثقافة التمييزية، ويتأكد ذلك من الإحصائيات الرسمية التى تكشف عن ضعف نسبة النساء في الوظائف الإدارية العليا بالقطاع الحكومى وفقًا للنوع خلال الفترة من 2010 / 2011 ( المصدر : المرأة والرجل في مصر 2011، الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء). ويتبين من الإحصائيات أن نسبة الرجال في المناصب القيادية هى ضعف نسبة النساء، فنسبة الرجال (68،8%) والنساء (31،2% )، وكلما ارتفعت الدرجات العليا كلما قل عدد النساء نجد أن نسبة النساء في مناصب المدير العام أعلى وتقل كلما صعدنا إلى درجة وزير فأعلى على النحو التالي: وزير فأعلى ( نسبة الرجال 96،4% و النساء 3،6% )، نائب وزير (نسبة الرجال 99،4 و النساء 0،6%)، الدرجة الممتازة (نسبة الرجال 86،9% و النساء 13،1%) والدرجة العالية (نسبة الرجال 77،4 % و النساء 2،6 % ) و درجة مدير عام (نسبة الرجال 67،3% و النساء 32،7%)”.
ويمثل القانون 12 سنة 2003 الإطار القانونى لسوق العمل حيث أدخل القانون المزيد من المرونة على القواعد المعنية بالتعيين والفصل، كما نص القانون على تأسيس صندوق قومى للتدريب ويستمد موارده 1% من صافي الأرباح السنوية للشركات والتمويل الحكومي وغيرها من المنح الأخرى. ويهدف إنشاء الصندوق تمويل إقامة مراكز وبرامج التدريب وتحديثها حتى تلبى احتياجات سوق العمل، وحتى الآن الصندوق غير مفعل ولم يلعب أى دور خلال الفترات السابقة. وينص القانون على تأسيس صندوق للطوارئ لتعويض العمال في حالة الغلق الجزئي أو الكلي للمؤسسة التي يعملون بها، وحتى الآن لم يكن هذا الصندوق مفعلاً.
وينص القانون على تأسيس مجلس قومى للأجور، تكون مهمته الأساسية وضع حد أدنى لهيكل الأجور. ويقر القانون بالاعتراف بالحق فى الإضراب السلمي على الرغم من أن هذا الحق كان مقيدًا بشدة.
ويلزم القانون في المادة 91 بإعطاء العاملة التي أمضت عشرة أشهر في الخدمة أو أكثر أجازة وضع مدتها تسعين يومًا بتعويض مساوٍ للأجر الكامل تشمل المدة التي تسبق الوضع والتي تليه بحد أقصى مرتين. كما تنص المادة 93 على تحديد فترات الرضاعة مدفوعة الأجر المقررة خلال الثمانية عشر شهرًا التالية لتاريخ الوضع بواقع نصف ساعة مرتين يوميًا ويمكن فى بعض الأحيان دمجهما معًا. وتنص المادة 94 على أن المنشأة التى يعمل بها أكثر من 50 عاملة للمرأة الحق في الحصول على أجازة بدون أجر لمدة لا تتجاوز سنتين وذلك لرعاية طفلها. ولا تستحق هذه الأجازة لأكثر من مرتين طوال مدة خدمتها. وتنص المادة 96 على أن المنشأة التي تستخدم مائة عاملة فأكثر فى مكان واحد عليها أن تنشئ دارًا للحضانة أو تعهد إلى دار للحضانة برعاية أطفال العاملات. وفى الغالب الأعم يتحايل القطاع الخاص على هذه العلاقات المنظمة بعدم تسجيل العاملات والتأمين عليهن، أو رفض عملهن من البداية حيث إن عمل المرأة مكلف بالنسبة للمنشأة.
في ضوء تحديد المشكلة بأبعادها المختلفة نرى من الأهمية بمكان طرح عدد من السياسات التي تدعم قضية التمييز ضد النساء. ولا شك أن طرح المستوى الدستوري والتشريعي يمثل من وجهة نظرنا التحدى الأكبر. ويتطلب هذا حشد قطاع واسع من المنظمات الحقوقية والأهلية ومؤسسات المجتمع المدني كي يتضمن الدستور الجديد نصوصًا قاطعة للمساواة وتكافؤ الفرص والعدالة بصرف النظر عن الجنس أو الدين. كما تتطلب السياسات المزمع طرحها ضرورة الاهتمام بالنظام التعليمي ومراكز التدريب المهنى والتحويلي وكلها عناصر سوف تساعد على إزالة كافة فجوات النوع الاجتماعى. وأخيرًا العمل بكل جدية لإزالة كافة الصور الذهنية التقليدية عن وضع المرأة وتقديم أطر فكرية واجتماعية تحقق المساواة وعدم التمييز.
في المجال الدستورى :
تمت كتابة دستور مصر ما بعد ثورة 30 يونيو، ومن المفترض أن هذا الدستور هو نتاج ثورة شعبية طالبت بتحقيق أهداف ثورة 25 يناير فى (العيش، والحرية، والعدالة اجتماعية، والكرامة الإنسانية)، ومن هنا يجب أن يحقق هذا الدستور هذه الأهداف وفى القلب منها قضية المرأة والتمييز ضدها، وفي هذا الصدد يجب الضغط وبقوة لوضع نصوص دستورية حاكمة تحمى المرأة من التمييز في كافة المجالات وأن يتم الالتزام لكافة المواثيق الدولية التى وقعت عليها مصر والنصوص الدستورية التى تحمى حقوق المرأة وحريتها، وأن يتضمن الدستور الجديد نصوصًا توفر الحماية الاجتماعية والاقتصادية وبرامج الضمان الاجتماعي والمساواة الكاملة في كافة مجالات الحياة، ونرى أهمية تشكيل مجموعة عمل من منظمات المجتمع المدنى تقوم بتعبئة المجتمع نحو قضية التمييز ضد المرأة. كما تقوم هذه المجموعة بوضع نصوص دستورية تدافع بها عن حق المرأة في العمل اللائق كما نصت عليه المواثيق الدولية، وأن يتضمن الدستور الجديد نصوصاً دستورية لبرامج الحماية الاجتماعية والحد من الفقر وضمان الحقوق المتساوية في العمل للمرأة وللمرأة الحق نفسه كالرجل فى حرية اختيار المهنة والعمل، وضمان الحق في المساواة فى الأجر والأجازات، وتوفير حماية خاصة للمرأة في أثناء الحمل ومنع التمييز بسبب الحمل أو أجازة الأمومة. وتضمن الدستور مواد جيدة ضد التمييز والالتزام بكل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية مما يسمح بترجمة كثير من الحقوق التي حصلت عليها النساء في قوانين جديدة.
في المجال التشريعي :
من الأهمية بمكان مراجعة كافة التشريعات التى تحول دون حصول المرأة على حقوقها خاصة في مجال العمل، وعلى الأخص القوانين المتعلقة بعلاقات العمل والتأمينات الاجتماعية. وهناك الكثير من القوانين التى يجب إعادة النظر بها مثل القانون 12 لسنة 2003، أضر قطاعات واسعة من النساء في الحصول على عمل وعلى مستويات من الأجور ملائمة. وفى هذا الصدد من الأهمية توسيع مظلة الحماية للعاملات بالقطاع الخاص حيث لا يحصلن على الأجر الملائم ولا تخضع الكثير منهن لبرامج التأمينات الاجتماعية والتأمين الصحى. ومن الأهمية بمكان تشكيل فريق من الحقوقيين لمراجعة تلك التشريعات وتقديم البدائل التي تتفق والمعايير الدولية المتعلقة بالعمل اللائق كما نصت عليه مواثيق منظمة العمل الدولية بدءًا من القانون 80 لسنة 1933 وانتهاءً بالقانون 12 لسنة 2003، كما نقترح إجراء دراسة ذات طابع مسحى للتشريعات المنظمة لعلاقات العمل وربطها بالسياق المجتمعى خلال العقود الستة الماضية، للخروج بجملة من التعديلات التشريعية التي تجور على حق المرأة في العمل والأجر المناسب.
سياسات للأجور تحقق العدالة الاجتماعية :
عانى المجتمع المصرى عبر عدة عقود من غياب رؤية متكاملة لإصلاح هيكل الأجور فى مصر، حيث تتعدد القوانين المنظمة للأجور فلدينا القانون 47 لسنة 1978 والمنظم للعاملين بالقطاع الحكومى ويستفيد منه 23% من العاملين، كما يوجد القانون 48 لسنة 1978 والمنظم لأجور العاملين بالقطاع العام والأعمال ويستفيد منه 3% فقط، كما يوجد القانون 12 لسنة 2003 والمنظم للعاملين بالقطاع الخاص ويستفيد منه 25% والاستثمارى ويستفيد منه 2%. وأخيرًا القطاع الخاص خارج إطار المنشأت ويستفيد منه 47%ز لقد أدى تعدد القوانين إلى وجود مشكلات كبيرة بين قطاعات النشاط الاقتصادي، وظلت الحكومات على مدار سنوات طويلة تضع حلولاً مؤقتة سرعان مايزول أثرها. ففى حين ركز برنامج الإصلاح الاقتصادي على سياسات الاقتصاد الكلى، بقيت سياسات الأجور على حالها ولم يواكبها أي عمليات للإصلاح. وضمن هذا الإطار يمكن القول إن إصلاح هيكل الأجور يتطلب إنهاء الخلاف حول تحديد الحد الأدنى للأجور باستخدام المعايير الدولية. مع ضرورة تغيير سياسات الأجور فى القطاعين العام والخاص تغييرًا شاملاً وربطها بالإنتاجية، وأهمية الإصلاح المؤسسى وإيجاد كيان فني لإدارة سوق العمل.
وأصبح تحديد الأجر مرتبطًا أكثر بالتضخم وتكلفة قوة العمل، وأصبحت عملية تحديد الأجور أقرب إلى نظرية كفاءة الأجور بمعنى أن الأجر لابد أن يغطى تكاليف معيشة العامل على الأقل. وتكمن جوهر المشكلة الآن بين ما يراه العمال أجراً عادلاً وما يحسبه أصحاب العمل أجراً كافياً. لقد أدى غياب وعدم وجود سياسة متسقة للأجور والتشوهات التي يعاني منها سوق العمل وتعدد مفهوم الأجر نفسه إلى عدم إمكانية استخدام الأجر كأداة من أدوات السياسة الأقتصادية والاجتماعية حيث أصبح مفهوم الأجر مشوهاً مما جعل البعض يصف الموقف الراهن بما يسمى” فوضى الأجور“. (16)
الشكل (1 – 7 ) تعدد القوانين المنظمة للأجور والمستفيدين منها
وتختلف وتتعدد الآراء حول موضع الحد الأدنى للأجور والذي تم إقراره بـ 1200 جنيه. فالبعض يرى ضرورة زيادة الحد الأدنى للأجور بما يتلاءم مع التغيرات في نفقات المعيشة ومعدلات التضخم. والبعض الآخر يرى عدم وجود مبرر لتلك الزيادة من وجهة النظر الاقتصادية طالما إنتاجية العامل المصرى لا تزال منخفضة، مما يجعل زيادة الحد الأدنى للأجور سببًا في ارتفاع تكاليف العمل بالقطاع الرسمى، ومن ثم تقليص قدرته التنافسية وانتقال جزء كبير من العمالة إلى القطاع غير الرسمى (15).
ويتطلب تحديد الحد الأدنى للأجور تحديد المفهوم السليم للأجر والذي يتطلب النظر إلى الأجور فى إطار المتغيرات الاقتصادية الأخرى. ومن الأهمية أن يتركز التحليل الصحيح للأجر على عدة إشكاليات منها علاقة الأجر بالنمو وعلاقة الأجور بالإنتاجية وعلاقة الأجور بالتوزيع، وهذه العلاقات الثلاث بينها علاقات من التشابك بين بعضها البعض.
وتكمن استراتيجية إصلاح هيكل الأجور فى أهمية رسم سياسة متسقة للأجور وذلك لسد الفجوة بين الإصلاح على المستوى الكلى والجزئى وخاصة ما يتعلق بسوق العمل. وتقوم أى عملية للإصلاح على ثلاث ركائز أساسية السياسة الرشيدة للأجور والتي تأخذ بعين الاعتبار الأجور والأسعار والإنتاجية، والثانية إجراء إصلاح تشریعی شامل حتى يتواءم مع أهداف السياسة الرشيدة للأجور، وأخيراً إجراء إصلاح مؤسسى شامل لمؤسسات سوق المال من خلال إنشاء أو تدعيم المؤسسات الخاصة بالمفاوضات الجماعية والمؤسسات المنوط بها إدارة سوق العمل وفض المنازعات. وفي هذا السياق يقترح الأخذ بالمعايير الدولية في تحديد الحد الأدنى للأجور بما يوازى خط الفقر القومى، مع الأخذ بعين الاعتبار عند وضع سياسة الأجور الزيادة فى عبء الميزانية والآثار التضخمية الناجمة عن ارتفاع الأجور.
وتتطلب تلك الاستراتيجية ربط الأجر بالتصنيف المهنى وإعطاء نظرة شاملة لإصلاح الأجور فى القطاع الحكومى والعام، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم العمالة الكبير بهذا القطاع والتى تبلغ 6 ملايين وكذلك انخفاض إنتاجيته مما يستلزم اعتبار الكفاءة هي المعيار الحاكم للتوظيف. كما يتطلب الأمر تحديد الأجور في القطاع الخاص حيث إن حرية السوق هى المبدأ الأساسي، ولكن المعايير الدولية ترهن ذلك بتحقيق توازن بين الأجر العادل ومتطلباته المالية والقدرة التنافسية سواء في الأسواق الداخلية أو الدولية.
سياسات جديدة للتشغيل قائمة على توفير العمل اللائق :
تعتمد التنمية بإطارها الشامل على مدى الخبرة المكتسبة وصناعة المعرفة والمهارات التقنية التي يمتلكها رأس المال البشري من جهة وعلى مدى الحكمة والعقلانية في توظيف الموارد المالية والبشرية من جهة أخرى لتحقيق الغاية النهائية للتنمية المتمثلة في تحسين جودة حياة الإنسان. وأدى التركيز على التعليم العام في مصر إلى زيادة مخرجات التعليم الثانوي العام، وبالتالي زيادة الضغط على مؤسسات التعليم العالى، مما أدى إلى التوسع الكمي في نشر التعليم العالي، وإنشاء الجامعات في القطاعين الرسمي والخاص، ونجم عن ذلك كله زيادة متنامية في مخرجات التعليم العالى وزيادة الضغط على التوظيف وبخاصة في القطاع الرسمي، وبدأت ظاهرة البطالة بين خريجي مؤسسات التعليم العالى في الظهور والتنامي، وبرزت بشكل واضح ظاهرة البطالة الهيكلية. وفي هذا الصدد تبنت منظمة العمل العربية مشروعًا للمواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل، ويقوم هذا المشروع على دراسة الجوانب الاجتماعية التي تسبب عدم الوفاق بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل، وأهمية وضع معايير مهنية وتحديد الكفاءات والمهارات والمعارف الواجب توافرها لدى شاغل العمل بصرف النظر عن نوعه. ونرى أهمية تفعيل أدوار مراكز التدريب المهنى، وإعادة تأهيل العمالة، وإنشاء وحدات للتدريب خاصة بالنوع الاجتماعي، وقد قامت منظمة أهلية بمحافظة المنيا بإنشاء مركز للتدريب بتمويل من المعونة الكندية لإعادة تأهيل العمالة وخاصة الإناث للدخول فى سوق العمل. وهنا نرى أهمية تفعيل دور مراكز التدريب المهنى بوزارة الشئون الاجتماعية وعددها 72 مركزًا على مستوى الجمهورية، كما توجد مراكز للتدريب بوزارة القوى العاملة، وبما يعنى أهمية وضع استراتيجية قومية تساهم الدولة والمجتمع المدنى فى تحديد الاحتياجات والأولويات للتدريب وحل الفجوة الموجودة بين مخرجات التعليم وسوق العمل.
ومن الأهمية تفعيل كثير من المبادرات التى كانت قائمة ولم تأخذ الفرصة الكاملة للتغيرات السياسية التي حدثت فى مصر خلال الفترة الماضية. ومنها على سبيل المثال دعم الخطة القومية لتوظيف الشباب والتى تتلخص فى رفع قدرة الشباب في الحصول على وظائف من خلال تحسين نظام التعليم الفنى والتدريب المهنى، وتحسين المهارات المعرفية الأساسية للشباب. وتوفير المزيد من فرص التوظيف في القطاعات الرئيسية ويتم ذلك من خلال تشجيع ريادة الأعمال وتشجيع المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر. وتحسين سياسات وبرامج سوق العمل من خلال تطوير مكاتب التوظيف العام وخدماتها وتشجيع إنشاء مكاتب التوظيف الخاصة، وتطوير وحدة المعلومات والتوظيف الخاصة بسوق العمل داخل وزارة القوى العاملة، ومراجعة أنظمة السوق من خلال الحد الأدنى للأجور والتأمينات الاجتماعية.
تظهر الحاجة الآن قبل أى وقت مضى إلى تعزيز مساواة المرأة في العمل، وهناك حاجة ماسة إلى زيادة الوعى تجاه النوع الاجتماعي على جميع المستويات بين النساء أنفسهن وداخل مجتمعاتهن المحلية، وبين صناع القرار والسياسة(17).
وفي هذا من الأهمية بمكان توفير برامج تنموية وإعلامية لتعزيز وتشجيع النساء على العمل، وتنفيذ حملات للتوعية بأدوار النوع الاجتماعي على المستوى المحلى والقومي. وجعل قضية التمييز ضد المرأة قضية مجتمعية تتضافر كل مؤسسات الدولة للدفاع عنه ضمن منظومة تنموية داعمة للنهوض والتقدم. وقامت منظمات المجتمع المدنى وخاصة النسائية والحقوقية منها بطرح قضية التمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة، ودافعت عن الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنه وحتى الآن لم يتم إدماج قضية النوع الاجتماعى ضمن فلسفة وخطط الدولة، ولم يتم وضع التباين في الأدوار والاحتياجات والقضايا لدى الرجال والنساء، كما لم يتم توفير بيانات عن فجوات النوع والفرص والخيارات المتاحة أمام المرأة وتحقيق العدالة بين الجنسين في إمكانية الوصول إلى والتحكم فى الموارد وتحقيق الاحتياجات العملية والاستراتيجية للنوع الاجتماعى والقضاء على ظاهرة تهميش المرأة خارج المجرى الرئيسي للتنمية، وتعميق فكرة شركاء التنمية لأن المرأة فاعل رئيسي في التغيير. وفى هذا الصدد من الأهمية بمكان تشكيل لجنة تنسيقية بين منظمات المجتمع المدنى والأطراف الحكومية لطرح قضية النوع الاجتماعي، وإيجاد الصيغ المشتركة لدعم قضية النوع الاجتماعى ضمن المسار العام للدولة.
المشروعات الصغيرة والمتوسطة :
خلق بيئة اقتصادية موائمة لنمو المشروعات الصغيرة والمتوسطة من خلال سياسات مالية ونقدية وضريبية مشجعة للاستثمار، ووضع القوانين التي تساعد على التوسع في هذه المشروعات. نرى أهمية إدماج مكون النوع الاجتماعي ضمن منظومة عمل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير برامج تدريبية لسيدات الأعمال وقيام المؤسسات التنموية كالصندوق الاجتماعي للتنمية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في هذا المجال على إدماج النوع الاجتماعى ضمن برامجها واستهداف النساء المتعطلات والمعيلات لأسر ضمن هذه البرامج، وضرورة وضع الخطط الملائمة لتحقيق هذه البرامج أهدافها فى توفير فرص العمل والقضاء على الفقر.
إنشاء مرصد النوع الاجتماعي :
نقترح إنشاء مرصد للنوع الاجتماعي فى مصر، ويتولى هذا المصدر رصد الواقع الفعلي للنساء فى كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وإصدار تقرير سنوى عن وضع النوع الاجتماعي فى مصر معتمدًا على كافة المؤشرات المحلية والدولية فى التنمية البشرية. وسوف يساهم هذا المصدر فى توفير كافة البيانات عن وضع المرأة، وتقييم مدى التقدم نحو إدماج المرأة ضمن المجال العام. ويهدف هذا المرصد إلى تكوين رأى عام داعم ومساند للنساء. مع ضرورة إنشاء آلية لتكافؤ الفرص وعدم التمييز في مجال العمل تكون من صلاحياتها تلقي الشكاوى، ومتابعة شغل النساء لجميع المناصب القيادية أو حرمان النساء من شغل أى من الوظائف بسبب الجنس مع إضافة صلاحيات للمجلس القومي للأجور تتيح لها متابعة تطبيق التدابير والإجراءات التالية داخل القطاع العام والأعمال والخاص بما يضمن تحقيق
مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة في الأجر :
-
ضمان تحقيق تكافؤ الفرص بين الرجال والنساء في الحصول على الدورات التدريبية المهنية في العمل، وفي حالة تزامن الدورة مع قيام النساء بأجازة الوضع أو رعاية الطفل، يتم توفير فرص بديلة للتدريب بعد انتهاء الأجازة خاصة التدريبات التى يترتب عليها الترقى الوظيفي.
-
اجراء البحوث والدراسات التى تكشف مدى تغيير الواقع الثقافي الذي يتسبب في التمييز في الأجر ومدى فاعلية التدابير والإجراءات التي تقوم بها اللجنة.
-
التأكد من أن أماكن العمل تطبق القانون فيما يتعلق بتوفر دور الحضانة للأمهات لكي تتمكن الأم من القيام بعملها وهى مطمئنه على طفلها.
-
التأكد من أن أماكن العمل تطبق القانون وتوفر وسائل المواصلات الآمنة والمناسبة للعمال والعاملات وبالتالى في حالة السهر ليلاً لأداء مهمات عمل إضافية أو القيام بمهمة خارج مؤسسة العمل تتمكن النساء من القيام بها.
-
تلقى الشكاوى والتحقيق فيها وتنظيم زيارات تفتيشية لأماكن العمل ومخاطبة جهات العمل بضرورة توفير شروط وظروف العمل التي تضمن تحقيق المساواة بين الجنسين في الأجور.
سادسًا: الأطراف المؤثرة فى قضية التشغيل والنساء.
يمر المجتمع المصرى الآن بمرحلة مهمة وكبيرة من مراحل تطوره الاجتماعي والسياسي. وبات من الأهمية طرح قضية الحقوق الاجتماعية والاقتصادية على بساط السياسات العامة. وضمن هذا الإطار تسعى هذه الدراسة إلى التوجه إلى الأطراف المؤثرة فى صوغ السياسات العامة. وتكوين رأى عام داعم للقضية المطروحة حيث تتوجه هذه الدراسة إلى الأطراف الحكومية والمدنية ووسائل الاعلام، كي يقوم كل طرف بدوره فى مساندة وحشد الرأى المساند لصنع سياسات متكافئة وتحقق المطالب المشروعة للنساء كفئة تعانى من التهميش والجور على كثير من حقوقها.
الأطراف الحكومية :
يقع على رأس هذه الأطراف وزارات التعليم والقوى العاملة والشئون والتأمينات الاجتماعية ومن الأهمية بمكان أن تتوفر لهذه الوزارات الخطط والبرامج التدريبية الداعمة للنساء، كما يتعلق الدور الحكومى بالإطار التشريعي وقوانين العمل وضرورة تعديل كثير من القوانين المنظمة لعلاقات العمل وأن تحقق هذه التشريعات التكافؤ وعدم الانحياز وتعطى للمرأة حقوقها كاملة. كما تستطيع هذه الأطراف التصدى لمشكلة البطالة خاصة بطالة الإناث من خلال طرح البرامج التدريبية التي تعيد التأهيل ورفع الكفاءة المهنية بما لديها من إمكانيات وطرح رؤى وسياسات محفزة للنشاط الاقتصادى بالقطاع الخاص تستقطب قطاعًا واسعًا من النساء.
وعلى الرغم من قيام بعض الوزارات بإنشاء وحدات تكافؤ الفرص، إلا أن هذه الوحدات لم تستطع أن تطور من آليات عملها وأن تتفاعل بشكل مقبول مع هيئات ومنظمات مدنية تعمل فى هذا السياق. وغلب على عمل هذه الوحدات الطابع البيروقراطي الحكومي. ولذا وفى هذه المرحلة من مراحل تطورنا الاجتماعي الاقتصادي أن يكون لدى الأطراف الحكومية الرؤية الواضحة والمتكاملة لعمل المرأة ودورها ومشاركتها فى النشاط الاقتصادى وان تقوم فلسفة هذه الخطط على مبدأ المساواة الكاملة بين الذكور والإناث. كما يجب على المجلس القومى للمرأة أن يطور من أدائه وبرامجه التدريبية فى المجال الاقتصادى وأن يضع المجلس الرؤية الاستراتيجية لقضية تمكين المرأة باعتباره جهة حكومية معنية بالمرأة.
المجتمع المدنى
– النقابات العمالية والمهنية
للنقابات العمالية والمهنية دور كبير فى تفعيل قضايا التمييز ضد المرأة خاصة في قضايا التشغيل فمن جانب لابد أن يطرح على أرضية عمل هذه النقابات الدور الذي يجب أن تقوم به النقابات فى الدفاع عن مصالح أعضائها وفى القلب منها المرأة. وأن يكون لدى النقابات الرؤية الاستراتيجية الداعمة لعمل المرأة والدفاع عن حقوقها والضغط بإصدار التشريعات التى تحقق طموحات المرأة. ويجب أن تقوم النقابات بدور مهم في رفع كفاءة أعضائها الذكور والإناث من خلال فرص متكافئة التدريب وبناء القدرات والتفاوض الجماعي.
– الجمعيات الأهلية
لعبت منظمات ومؤسسات وجمعيات المجتمع المدنى دورًا بالغ الأهمية خلال العقدين الأخيرين في دعم قضايا المرأة الحقوقية والتنموية، وكانت الفاعل الرئيسي في المجتمع لدعم هذه القضايا. ونعتقد أن هذا الدور يمكن أن يكون ضاغطًا وشديد التأثير عندما تتكامل أدوار هذه المؤسسات مع بعضها البعض ونقترح تكوين شبكة من الجمعيات المعنية بقضية النوع الاجتماعى وفى القلب منها عمل المرأة، وتقوم هذه الشبكة بطرح رؤيتها وآليات عملها وأن تكون أداة ضغط على الأطراف الحكومية لتعديل بعض التشريعات وطرح برامج عمل وسياسات ومن الممكن أن يتم التنسيق مع الأطراف الحكومية وتقديم الخبرات المتراكمة لدى هذه المؤسسات في التعاطي مع قضايا المرأة. ومن الممكن الاستفادة من الخبرات التي قدمتها الجمعيات في التعامل مع قضايا النوع الاجتماعي وتتمثل في:
-
تقديم خبرة الجمعيات بتطبيق سياسة توظيف متوازنة تراعى النوع الاجتماعي، سواء في التعيين أو فى التدريب الموجه للعاملين في المجتمع.
-
تقديم الخبرة في التخطيط لإتاحة الفرص المتساوية لكل من الرجال والنساء للوصول إلى الموارد المختلفة والاستفادة منها في تنمية المهارات على كافة المستويات، وذلك حتى تتمكن المرأة مثل الرجل من المشاركة في عملية صنع القرار.
-
توفير معلومات دقيقة وكافية ومصنفة طبقًا للنوع الاجتماعي، حيث يجب على المؤسسات أن تقوم بعمل تصنيف إحصائي عن جميع مستويات أدائها، وأن يراعى هذا التصنيف التقسيم بحسب النوع، وذلك حتى يمكن التعرف على مدى وصول الأطراف المختلفة إلى الموارد والخدمات المتاحة.
-
المتابعة والتقييم وقيس الأثر وتكون أيضًا مصنفة طبقًا للنوع، حيث تقوم المؤسسات بقياس الآثار المختلفة لمشروعاتها وبرامجها على قضايا النوع الاجتماعي في المجتمع، وبخاصة فيما يتعلق بمدى التأثير الذي تتركه البرامج التنموية على المرأة عند قيامها بأدوارها المختلفة: الإنجابية.
-
الاستفادة من الخبرات التى قدمتها المؤسسات والجمعيات الأهلية في إنشاء مراكز تدريب نوعية تهتم بتأهيل المرأة وتنمية قدراتها ولعل تجربة جمعية رابطة المرأة العربية بالمنيا فى إنشاء مركز تدريب للنوع الاجتماعى تمثل نواة حقيقية للعمل.
– وسائل الإعلام :
تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا فى تشكيل اتجاهات الرأى العام. وبات من الأهمية أن تلعب وسائل الإعلام دورًا فى إزالة كل أشكال التمييز ضد النساء. ويمكن لنا رصد الواقع الإعلامي في تناوله لقضية التمييز ضد النساء في عدد من المشاهدات، تتمثل في تركيز وسائل الإعلام على الأدوار التقليدية للمرأة كزوجة وأم وربة منزل، بينما تغيب الأدوار الأخرى للمرأة فى مواقع الإنتاج والمشاركة الاجتماعية والسياسية ولا تنل اهتمامًا كبيرًا فى الغالب. كما تركز الدراما بأشكالها المختلفة على ثلاثة أدوار للمرأة فهي إما زوجة خاضعة للزوج، أو الأم المعطاءة والمنحازة للذكور بحكم السيادة للثقافة التقليدية، أو الابنة المطيعة لوالديها، فضلاً عن شيوع نماذج للمرأة الباحثة عن الجاه والثروة أيًا كان مصدرها. كما لوحظ اهتمام وسائل الإعلام بقطاعات محدودة من النساء تتمثل فى الشرائح العليا من سكان المدن وتجاهل النساء العاملات فى الريف والقطاع غير الرسمى. وبات من الأهمية طرح وسائل الإعلام لاستراتيجيات واضحة للدفاع عن المرأة والتمييز ضدها. وتغيير الصورة الذهنية السلبية عن المرأة، ومن الممكن تنفيذ برامج إعلامية داعمة لقضية المرأة والعمل. وتنفيذ حملات إعلامية ذات طابع قومى لطرح القضية وتكوين رأى عام داعم ومساند ومن الأهمية بمكان تقديم وسائل الإعلام لنماذج رائدة في مجال التشغيل لتغيير تلك النظرة نحو المرأة.
المسؤول عن ورش العمل :
منى عزت مسئولة برنامج النساء والعمل بالمؤسسة
(1) الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات، تقرير عن حالة المرأة المصرية بعد ثورة 25 يناير 2012. موقع الجمعية:/http://www.nadrf.com
(2) صندوق الأمم المتحدة الإنمائى للمرأة، الطريق نحو المساواة في النوع الاجتماعي، اتفاقيتا القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو وبيكين والأهداف الإنمائية للألفية).
(3) المرجع السابق، ص 22
(4) منظمة العمل الدولية، زمن المساواة فى العمل، التقرير العالمي بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل، جنيف، 2003.
(5) منظمة العمل الدولية، المساواة بين الجنسين في صميم العمل اللائق، التقرير السادس، جنيف، 2009.
(6) إبراهيم سيف، تحديات التحول الاقتصادى فى مصر، أوراق كارنيجي، مركز كارنيجى للشرق الأوسط، نوفمبر 2011.
(7) مركز المعلومات واتخاذ القرار، الاقتصاد المصرى بعد ثورة 25 يناير، سلسلة أوراق بحثية، العدد 2، 2011.
(8) راجى أسعد (محرر)، سوق العمل فى الألفية الجديدة، مركز الأهرام للنشر والترجمة والتوزيع، القاهرة، 2011.
(9) منى عزت، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية فى مصر، أفكار في ظل ثورات الشعوب، نصوص حول حقوق المرأة والعدالة، شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، 2012.
(10) أميرة الحداد، ضعف مشاركة المرأة في سوق العمل الرسمى والتمييز ضدها في الأجر، ورقة سياسات، مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية، نوفمبر 2009.
(11) راجي أسعد، مرجع سابق.
(12) المرجع السابق.
(13) أميرة الحداد، مرجع سابق.
(14) عادل شعبان، مسح خريطة الجمعيات الأهلية فى مصر، التقرير المجمع، برنامج تنمية المشاركة، القاهرة، 2010
(15) سمير رضوان، سياسات الأجور والإصلاح الاقتصادي في مصر، ورقة بحثية قدمت إلى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الورقة البحثية رقم 8، 2010.
(16) المرجع السابق.
(17) هانية شلقامي، مستقبل تمكين المرأة ووعود العمل، فى النساء والعمل، مجلة غير دورية تصدرها مؤسسة المرأة الجديدة، القاهرة، 2003.