الدلو أم المغرفة؟

التصنيفات: أرشيف صحفي

بقلم:

الدلو أم المغرفة؟

 

فزورتي المفضلة: “بانيوأو حوض استحمام ممتلىء عن آخره بالماء، والمطلوب إفراغه من الماء، ولك الاختيار بين استخدام دلو أو مغرفة. أي وسيلة تستخدمين؟ الحل: نزع سدادة الحوض. أعشق هذه الفزورة، وأعشق طرحها على الناس. “ولكنك حددت الدلو والمغرفة. كيف لنا أن تفكر في خيار آخر ؟ هذا هو السؤال الذي تتلخص إجابته في ما يطلق عليه التفكير النقدي.

فالتفكير النقدي ببساطة هو الخروج عن الأطر التي اعتاد عقلنا على التفكير في نطاقها أو ما نأخذه على أنه من المسلمات وما يحدده لنا الآخرون من خيارات لنفكر في خيارات أخرى وفي أفكار جديدة. التفكير النقدي هو إعمال العقل والمنطق في تحليل الأمور وتقييم ما يقدم على أنه حقائق غير قابلة للنقاش، هو تجنب التعميم والأحكام التي لا تستند إلى أدلة منطقية، هو التواضع عند تقييم أحكامنا على الأمور والآخرين، والتشكيك طوال الوقت في المنطق الذي تتبعه وإخضاعه للتحليل وفقًا لمعايير الوضوح والعقلانية والمصداقية والدقة والعمق.

وهكذا فإن الشخص الذي يفكر بشكل نقدي لا يقصد به الشخص دائم النقد لأعمال أو أقوال الآخرين، بل هو الشخص الذي لا يصل إلى استنتاجات أو حلول منطقية إلا بعد تفكير عميق وبعد التأكد من خلو الفكر المعروض عليه من أية تحيزات أو افتراضات زائفة أو غير منطقية، وهو الشخص المستعد في نفس الوقت إلى إخضاع نفسه إلى ذات التحليل قبل الخروج باستنتاجاته الشخصية مع تقبله لإمكانية تغيير فكره، إذا ظهرت معلومات أو أدلة جديدة. وهو الشخص الذي يمكنه أن يضع نفسه مكان الآخرين، وأن يتفهم المنطق المخالف، وأن يتنبأ بالحجة المخالفة لحجته.

وكيف نصل إلى أن نفكر بهذه الطريقة؟ أي كيف نفكر بطريقة نقدية؟ الطريقة البسيطة هي طرح الأسئلة على أنفسنا وعلى الأخرين. على سبيل المثال، إذا قال لي أحدهم ما يلي: “جدتي تقول، كلامها حكم، أن أفضل مكان للزوجة هو بيتها لا العمل“. هناك الكثير من الأسئلة التي قد تطرح هنا. كيف أعلم أن ما تقوله صحيح؟ ولماذا يبدو الأمر كأنه لا يمكن الجمع بين العمل والزواج؟ أولاً يوجد خيارات أخرى؟ ولماذا يكون كلام جدتك حكمًا؟ ما هو مفهومك عن الحكم؟ هل كل الحكم بالضرورة صحيحة ؟ هل يكون هذا القول صحيحًا لمجرد أن جدتك قد قالته ؟ هل كل ما ورثناه عن أجدادنا صحيح؟ كيف إذا جاء الإسلام (إذا كان من أخاطبه مسلمًا) على سبيل المثال بما يخالف ما وجد الكفار آباءهم عليه؟ ما هو السياق الزمني الذي خرجت به جدتك بهذا القول؟ هل كانت الظروف الحياتية مماثلة آنذاك للوقت الحالي؟ هل هناك بحوث علمية تثبت ذلك؟ ما هو الدليل على أن أفضل مكان للزوجة بيتها لا العمل ؟ وهل معنى ذلك أن غير المتزوجة أفضل مكان لها العمل؟ هل يتغير ما هو افضل للمرأة وفقًا لحالتها الزوجية ؟ ما هو الافتراض الذي خرجت بناء عليه بهذا الرأي؟ ويمكنني أن أستمر إلى ما لا نهاية. قد يطلق البعض على ذلك سفسطة.وقد يستخدم هذا الأسلوب حقًا من قبيل السفسطة من قبل البعض الذين يرغبون في الكلام والجدال والتشبث برأيهم أكثر من رغبتهم في الوصول إلى الحقيقة، ولكنا يمكننا أن نستخدم هذا الأسلوب أيضًا لأغراضنا النبيلة.

وكيف تتأكد من أن ما تقوله يفي بمعايير التفكير النقدي؟ وكيف تتأكد أننا نفكر بطريقة سليمة؟ في ما يلي بعض المفاهيم الهامة التي ربما يساعدنا أخذها في الاعتبار على التفكير بشكل سليم.

أولاً: العرض والهدف

يجب أن نكون دائمًا على وعي بالغرض الذي نسعى إليه. ما هو بالضبط ما أود إثباته أو نفيه؟ يجب أن نكون محددين في أهدافنا وأن نتأكد دائمًا من أن الحوار لم يأخذ منحنى بعيدًا عن الهدف، وبالطبع يجب أن يكون الغرض واقعيًا، وفي طرحنا للأسئلة، يجب أن يكون السؤال مصاغًا بشكل دقيق. كذلك يجب معرفة شكل الإجابة التي نود الخروج بها. هل هناك إجابة واحدة فقط أم يمكن أن تكون هناك أكثر من إجابة صحيحة؟ هل يمكن التفكير في الأمر من عدة نواح مختلفة؟ أم الأمر مجرد وجهات نظر ؟

ثانيًا: الافتراضات والمفاهيم

نفكر جميعًا بناءً على افتراضات معينة. وهو أمر غير سيئ في حد ذاته. ولكننا يجب أن ننظر دائمًا في افتراضاتنا، وأن ننظر في الكيفية التي تؤثر بها افتراضاتنا على وجهة نظرنا. وعند محاولة إقناع الآخرين بوجه نظرنا، يجب أن نوضح الافتراضات التي يقوم عليها رأينا. كذلك يجب مناقشة المفاهيم الرئيسية المتعلقة بالموضوع وافتراض مفاهيم بديلة إذا استدعت الضرورة ذلك.

ثالثًا: وجهة النظر

يجب أن نحدد وجهة نظرنا مع التعرف على وجهات النظر الأخرى والتعرف على نقاط القوة والضعف فيها جميعًا. كذلك يجب أن نكون عادلين في حكمنا على وجهات نظر الآخرين دون التحيز الأعمى لوجهات نظرنا.

رابعًا: البيانات والمعلومات والأدلة

يجب ألا نجادل لإثبات أمر لا يمكن التدليل عليه ببيانات واضحة أو موثوق منها. وفي بحثنا عن المعلومات، يجب أن نبحث عن معلومات في الاتجاهين، أي لإثبات وجهة نظرنا أو لدحضها، كذلك يجب أن تكون المعلومات كافية وواضحة ودقيقة وذات صلة بالموضوع الذي يجرى بحثه.

خامسًا: الاستنتاجات

يجب بناء الاستنتاجات على معطيات منطقية، وأن تقوم على ما يمكن إثباته بالأدلة مع توضيح الافتراضات التي دعتنا للخروج بهذه الاستنتاجات.

سادسًا: التبعات

إن كل طريقة تفكير لها تبعاتها، ويجب أن نكون واعين بهذه التبعات، وأن نرى السلبي منها والإيجابي، ونفكر في كل الاحتمالات التي قد تخرج عن استخدام المنطق الذي جادلنا به.

هذه هي بعض النقاط المهمة التي يتوجب الأخذ بها في الاعتبار، ولكنها تطرح في الوقت نفسه أسئلة معقدة. كيف نثبت أن هذه المفاهيم هامة؟ لماذا يجب الأخذ بها في الاعتبار ؟ لماذا ندعو إلى التفكير النقدي على أنه شيء جيد؟ وكيف نتأكد أن التفكير بشكل نقدي أكثر إفادة من التفكير بشكل غير نقدي ؟ ومرة أخرى، يمكنني أن أستمر بلا نهاية. فهذه هي إحدى سلبيات التفكير النقدي، ففي بعض الأحيان يقود مثل هذا النوع من التفكير المرء إلى التشكيك في كل شيء وأي شيء. ولكني أفضله من وجهة نظري، وذلك بناء على افتراض بأننا قد وهبنا عقلاً لنشغله، فأنا أرى التفكير النقدي أفضل من التفكير بعقلية القطيع التي أعتقد أنها تقضي على الإبداع والفردية وأعتقد أنني عندما أفكر بهذه الطريقة أصل إلى أقرب ما يكون من الحقيقة مع علمي بأنني قد أكون مخطئة تماما. هذا خياري، وخياركم متروك لكم.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات