بلاش مغالطة……. تعال بص
عشرة مغالطات حول التحرش الجنسي
تتلخص مشكلة التحرش الجنسي المنتشر في شوارع المحروسة في ما يلي: أولاً هناك مشكلة تأخر سن الزواج بسبب غلاء المعيشة وضعف الاقتصاد. الشباب غير قادر على التزوج ومعذب بسبب هيفاء وهبي والدش، وغريزة الرجل أقوى من غريزة المرأة، والفتيات يستفززن الرجال بارتداء ملابس مكشوفة أو قصيرة و“محزقة” حتى المحجبات منهن فلا يجد الرجال متنفسًا لطاقاتهم الجنسية المكبوتة سوى بالتحرش!
والنساء يحببن المعاكسات لأنها تشعرهن بأنوثتهن ولكنها تشتكيها على الملأ! صحيح… يتمنعن وهن الراغبات! ولكن عمن نتكلم؟ النساء هن اللاتي يتحرشن بالرجال الآن ويرسلن إليهم بأرقام هواتفهن المحمولة في أنصاف الليالي وتجد البنت“من دول” تضغط على يد الشاب وهي تصافحه دون خجل أو حياء. وأما عن حوادث وسط البلد والمهندسين أيام العيد فموجهة لبنات الليل اللاتي يتسكعن في الشوارع، وحتي إن لم يكن فتيات ليل فما الذي يدفعهن إلى النزول في مثل هذه الأوقات؟ تعرف كلنا الآن أن هذا يحدث في الأعياد، فلماذا لا تحترم البنت نفسها وتكن في البيت؟ وفي ما يلي تفنيد لما سبق من مغالطات:
المغالطة الأولي:
إن غلاء المعيشة لا يتسبب في تأخر سن الزواج سوى في الطبقة المتوسطة حيث متطلبات الزواج التقليدية من شقة وعفش وخلافه في حين أن الطبقات العليا والدنيا لا تعانى من ذلك. كما أن التحرش الجنسي كظاهرة نجده في الكثير من البلدان الغنية نسبيًا ولا نجده في الكثير من البلدان الفقيرة كاليمن ولكن بافتراض أن هذا صحيح فالحل ليس في المعاكسات بقدر ما هو في تغيير نظرة المجتمع إلى الزواج ليعود كسابق عهده: شخصان يبدأن الرحلة بأقل ما يمكن ويرقيان بمستواهما مع تقدمهما في العمر.
المغالطة الثانية:
نشاهد جميعًا جورج كلوني وبراد بيت ومهند (بطل تمثيلية نور) وأحمد عز وكاكا لاعب البرازيل الأخير، نقارنهم بالرجال من حولنا ونحلم ونستيقظ على واقع مصري مرير، ولكننا لا نتحرش بالرجال ولا نجد من يشجعنا على ذلك للتنفيس عن أنفسنا، على الرغم من تأخر الزواج الذي تعاني منه الفتيات بشكل أكبر لكثرة عدد من مقارنة بالرجال! أوليست هذه المغالطة الأخيرة – التي تنفيها تقارير التنمية البشرية – هي الأساس الذي تقوم عليه محاولات تبرير تعدد الزوجات والخيانات الزوجية أحيانًا؟!
المغالطة الثالثة: صحيح أن الرغبة (لا الغريزة) الجنسية لدي الرجال أقوى من النساء ولكن المعاكسات أو التحرش الجنسي لا ينفسان إطلاقًا عن طاقة الرجال الجنسية المكبوتة. الأمر يتلخص بيولوجيا في اختلاف الهرمونات. ان هرمون التستوسترون المسئول بالأساس عن الرغبة الجنسية موجود في الرجال بنسبة أكبر من النساء، ٨ – ٩ جرامات في مقابل ما لا يزيد على ٥ جرامات، ولكن ذلك لا يعدو أن يكون ميزة تطورية (نسبة إلى نظرية التطور لداروين). فإن بقاء الفصيلة يتطلب دورين أساسيين: الإنجاب ورعاية الوليدة. وبما أن دورة الإنجاب لدى النساء محددة (بويضة واحدة في الشهر وحوالي ثلاثمائة بويضة على مدار فترة خصوبتهن)، وبما أن التخصيب يتوقف مع بداية الحمل، يكون للرجال فرصة أفضل لتمرير الجينات الخاصة بهم. ولهذا تنخرط النساء في رعاية الأطفال بعد الولادة – حيث إن الإنجاب يكلفهن أكثر بكثير مما يكلف الرجال – بينما ينخرط الرجال في التخصيب لبقاء الفصيلة البشرية. ويطرح سؤالان نفسيهما؟ الأول: هل يمكن أن يشكل هذا التقسيم البيولوجي الأساس للواقع الاجتماعي الحالي حيث النساء يتولين تربية الأطفال والرجال نشر الجينات أو ما يطلق عليه في بعض الأحيان (تقطيع السمكة وذيلها) قبل الزواج وأحيانًا كثيرة فيما بعده ؟؟؟ السؤال الثاني: هل يحتاج الرجال إلى المعاكسات الجنسية أو التحرش للتنفيس عن رغبتهم الجنسية المكبوتة ؟؟
الإجابة عن السؤال الأول قد تستغرقنا مقالات ومقالات ولكن يكفي لأغراض هذا المقال أن نقول إن فهم أصول المشكلة بيولوجيًا يساعد على حل المشكلة ولكن لا يبررها. فالقتل والسرقة والحروب لها أصولها البيولوجية ولكن ما قامت الحضارات والأديان إلا على تقييد الرغبات البدائية والشخصية بما يخدم المجتمع ككل. إن كون أمر ما طبيعيًا لا يعني أنه صحيح من الناحية الأخلاقية.
والإجابة عن السؤال الثاني من الناحية العلمية هي:”بالطبع لا” إن التعرض للنساء باللمس أو النظرات القذرة إنما يعطي إشارة للمخ بأن الخطوة التالية هي ممارسة الجنس ، مما يدفع الخصيتين إلى إفراز أقصى حد من هرمون التستوستيرون تهيئة للجماع، وبالتالي فإن المعاكسات تزيد من إحباط من يقومون بها وتزيد من الكبت الجنسي، إلا بالطبع إذا ما تلاها اعتصاب، وأرجو ألا يفهم من كلامي أني أشجع عليه، كما أنها لا تعطي المتحرش أية راحة نفسية لأنه لم يشبع احتياجه الجنسي. يطرح سؤال آخر نفسه إذا كانت رغبة الرجل الجنسية أقوى حقًا من رغبة المرأة كما يدفع البعض وكما يتضح علميًا، فلماذا إذًا تختن النساء للحد من رغبتهن الجنسية بدعوى الحفاظ على الشرف واحتواء رغبتهن الجامحة؟! أترك للقراء الإجابة عن هذا السؤال.
المغالطة الرابعة: اسأل أمك أو جدتك عن لبس المرأة في الستينيات والسبعينيات أو ابحث في الصور الفوتوغرافية القديمة ستجد أن معظم السيدات لم يكن محجبات وكان يرتدين ملابس قصيرة إلخ إلخ… أسألهن عن أخلاق الشارع؟ لم يكن للتحرش مكان إلا في ما ندر. سافر إلى أوروبا حيث الفتيات يلبسن كل ما يحلو لهن لن تجد معاكسات ولا حتى نظرات. إذا كنا نربط بين الملبس والمعاكسات سنجد في الواقع إن التحرش يزيد في المجتمعات المحافظة لأن الممنوع مرغوب!
المغالطة الخامسة: لا يكاد يفوت يوم جمعة إلا وأسمع خطيب الجامع يذكر كل رجل بمسؤوليته عن“رعيته” ورداء المرأة المسلمة وعقاب الكاسيات العاريات، ولكني لا أسمعه إلا في ما ندر يتحدث عن“غض النظر“. إن الأمر بالحجاب أو غضن النظر لم يكن ليكون له معنى إذا كنا جميعًا محجبات وكان جميع الرجال مهذبين وعلى خلق. هناك من سيلتزم بهذه الأوامر وسيكون له ثوابه وهناك من لن يلتزم بها وله عقابه عند الله. فلو كان مقدرًا لنا جميعًا أن نلتزم بها لكنا في الجنة لا على الأرض. وغض النظر أمر واضح للرجال بغض النظر عما ترتديه النساء ولا أقصد من كلامي دعوة النساء إلى ارتداء ما يحلو لهن ولا دعوة الرجال إلى الانحراف، إنما التأكيد على أن ارتكاب غيري لخطيئة دينية لا يبرر ارتكابي أنا أيضًا لخطيئة أخرى، إن الله فقط هو المخول بحساب العباد ولا يجوز لنا أن نحاسب غيرنا فيما لا يخصنا، ولا أن نستخدم ذلك كمبرر للتحرش الجنسي.
المغالطة السادسة: صحيح أن الكثير من النساء يحببن الإطراء والإشادة بجمالهن، وهو أمر غير مستغرب في ظل ثقافة ذكورية تؤكد على أن جمال المرأة هو رصيدها الأوحد والأهم، بينما لا يعيب الرجل“سوى جيبه” ولكن المقصود بالتحرش كما يجري تعريفه هو“إبداء اهتمام غير مرحب به” وأؤكد على“غير مرحب به“. لا غضاضة عندي في إبداء الإعجاب بنظرات أو كلمات طالما قبلتها المرأة ولكن المشكلة تكمن في افتراض أن كل النساء يحببن المعاكسات وهو تعميم غير صحيح وغير مقبول كمثل قولنا بأن الرجال جميعًا متحرشون! كما أن الكثير من الفتيات قد لا يوقفن المتحرش بهن عند حده خوفًا من الفضيحة ولأنهن يعلمن أن اللوم سيلقى عليهن ولا شك.
المغالطة السابعة: صحيح أن بعض وليس كل الفتيات يتحرشن بالرجال، إلا أن ذلك لا يبرر تحرش الرجال بالفتيات. كلا الأمرين غير مقبول. ولن نصل أبدًا إلى حل للمشكلة بترديد هذه المقولة، كما أن الرجال أقدر من الناحية الجسمانية على الدفاع عن أنفسهم والحفاظ على شرفهم.
المغالطة الثامنة: إن التحرش بالعاملات لا يكون بالجنس فحسب، نحن جميعًا نتعرض للمعاكسات طوال الوقت، وأقصد بــ“جميعًا” صديقتي جيهان شديدة النحافة وإلهام المحجبة وابنة عمتي المنقبة وإيمان البدينة وخالتي ذات الخمسين عامًا وابنة خالي ذات الإثنى عشر ربيعًا وصديقاتي في العشرينيات والثلاثينيات ولا يسلم من ذلك سوى جدتي بارك الله لي في عمرها!
المغالطة التاسعة: إن بقاء الفتيات في المنازل لن يحل المشكلة، فكثير من الفتيات يتعرضن للتحرش الجنسي في المنزل، هناك العديد من حالات سفاح المحارم التي لا يتم تسليط الضوء عليها بالشكل الكافي، ولاسيما ضد الفتيات الصغيرات اللاتي يخشين من إخبار أبائهن أو أمهاتهن. وإن حدث أن بقيت الفتيات في المنزل، ربما يكون ذلك مبررًا في المستقبل للاغتصاب، ويقول البعض“حرام أصله ما بيشوفش ستات خالص” أعتقد أن فكرة بقاء الرجل في المنزل قد تكون بديلاً أفضل إن جاز لي أن اقترح حلاً! فلا يعقل أن نسجن المجني عليه ويبقى الجاني حرًا طليقا !
المغالطة العاشرة: إن الوقوع في فخ الصد والرد حول مسببات التحرش الجنسي أعلاه إنما هو مغالطة أخرى. ظاهرة التحرش الجنسي لا علاقة لها بالجنس بقدر ما لها علاقة بالعنف وبعلاقات القوى بين الرجل والمرأة في مجتمع ذكوري، وبرجال مقهورين سياسيًا واقتصاديًا راغبين في الشعور بالسلطة والهيمنة. إن ما أراه في عين العامل البسيط الذي ترك بلدته ليعمل كفاعل باليومية أو عساكر الأمن المركزي ليس جنسًا بقدر ما هو محاولة لتخطي طبقتهم ومستواهم الاقتصادي بقهري أنا.
كما أن التغيرات الاجتماعية والسياسية في السنوات الأخيرة قد جعلت بعض الرجال يشعر بالتهديد بسبب التقدم الوظيفي للمرأة أو استقلالها وتأكيد ذاتها في المنزل أو في مكان العمل. وهذا العداء مرتبط ارتباطًا وثيقًا كما تدفع سوزان فالودي ((Susan Faludi صاحبة كتاب“الحرب غير المعلنة ضد نساء أميركا” بموقف الرجل بالنسبة للدور“المناسب” للرجل والمرأة في المجتمع.
إن التحدث عن التحرش الجنسي للفتيات والسيدات في الشارع بوصفه ظاهرة ليس مبالغة من جانبنا كما يدفع الكثيرون ولا هو من قبيل“المعاكسات البسيطة” ، فهو أمر مهين ومخيف، وأضع تحت مخيف أكثر من خط وتجاهل المشكلة لن يجعلها تتوقف من تلقاء نفسها كما يزعم آخرون، والدليل هو أنها قد تفاقمت بسبب سلبية الفتيات ونصائح الأمهات من أمثلة“البنت المؤدية لا ترد على من يوجه لها معاكسة في الشارع” والبنت المؤدبة لا“تفضح نفسها“. فحوادث العيد الأخيرة في مصر كارثة يهددنا التهوين منها بردة إلى همجية ما قبل التاريخ، وترديد مغالطات لا جدوى منها بدلاً من النظر في حلول اجتماعية وثقافية وقانونية للمشكلة، إنما يزيد الطين بلة!
1- R. Browne Kingsley. “Sex, Power, and Dominance: The Evolutionary Psychology of Sexual Harassment.” MANAGERIAL AND DECISION ECONOMICS, 2006. (Published online in Wiley InterScience (www.interscience.wiley.com)
2- Thornhill, Randy & Gangestad Steven W., “The Evolutionary Biology of Human Female Sexuality”. Oxford University Press, 2008.
3- Susan Faludi, “Backlash: The Undeclared War against American Women,” New York: Crown Publishers. 1991.