شمال أفريقيا بدايات القرن العشرين إلى الحاضر
ترجمة:
بقلم:
المنهجيات والمنظومات والمصادر
لدراسة النساء والثقافات الإسلامية المداخلات تبعا للموضوع
شمال أفريقيا
بدايات القرن العشرين إلى الحاضر
شهدت العقود الأخيرة من القرن العشرين ازدهار الأعمال البحثية حول النساء في بلدان شمال أفريقيا، ليبيا وتونس والجزائر والمغرب. وقد سعت تلك البحوث إلى جمع وتحليل البيانات عن حيوات النساء وأوضاعهن من خلال رؤى الأفرع المعرفية المتنوعة: التاريخ والأدب والعلوم السياسة والعلوم السكانية والصحة والتنمية والأنثروبولوجيا والدراسات الدينية وعلم الاجتماع والقانون ودراسات الجندر، وقد لعبت الأجندة السياسية للدولة، فيما يتعلق بكل من الاستعمار واستراتيجيات التنمية، دوراً شديد التأثير في البيانات المجموعة والأدوات المستخدمة في البحوث حول النساء.
وقد كان للحروب التي شنت لتأسيس الحكم الأجنبي أي الاستعمار الأجنبي السياسي والثقافي والاقتصادي، وكذلك الشروط المتباينة لكفاح كل أمة من أجل الاستقلال، تأثير ملموس على وضعية النساء. فقد احتلت فرنسا منطقة شمال أفريقيا بداية بالجزائر عام ۱۸۳۰م، وتونس عام ۱۸۸۱م، والمغرب عام ۱۹۱۲م) (واحتلت أسبانيا شمال المغرب والصحراء الغربية). أما ليبيا فهي الاستثناء الوحيد للهيمنة الفرنسية، فقد غزتها إيطاليا عام ١٩١١م ومنحتها الاستقلال عام ١٩٥١م. وقد حصلت كل من هذه البلدان على استقلالها في فترة الخمسينات والستينات، وإن تباينت الشروط في كل منها. فبينما خاضت الجزائر (١٩٦٢) حربًا أهلية دموية، فإن تونس والمغرب اتخذتا طريق النضال السياسي من أجل الاستقلال، وحصلت كل منهما على الاستقلال في عام ١٩٥٦م. وتتشارك الدول في شمال أفريقيا في سمات شديدة التشابه من حيث التاريخ والوضع الديني والتأثيرات الثقافية والعلاقة بالغرب. إلا أن مسارات تلك الدول شهدت تباينا ليس فقط في التصدي للأوضاع الاستعمارية لديها ولكن أيضًا في وسائلها لتحقيق الاستقلال وفي نظم الحكم التي أسستها كل منها وفي سياساتها الوطنية تجاه النساء كمواطنات. وقد انعكست تلك الاختلافات على البحوث التي تمت حول النساء في الدول الثلاث التي استعمرتها فرنسا وأيضًا في أدوات البحث المستخدمة في تلك البحوث.
أكدت الولايات المتحدة وأوروبا في العقود الماضية على القضايا المتعلقة بوضع النساء وحقوق الإنسان، وتصديا معًا لوضعية النساء في الدول الإسلامية وفي دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ويشير هذا المقال بدرجة كبيرة إلى الأدبيات المنشورة والمنتشرة في الولايات المتحدة وغرب أوروبا، ومن خلال دور النشر الكبرى في شمال أفريقيا، أما المقالات المنشورة في وسائل الإعلام الشعبية فلم تتعرض لها هذه الدراسة.
خلال الفترة الاستعمارية الكولونيالية صدرت دراسات حول النساء، والتي أجراها أساسًا الدارسون والدارسات الفرنسيون الذين اهتموا بدراسة النساء في إطار الأسرة. ونجد في قائمة بيبليوغرافية شاملة عن النساء المغربيات أن معظم البحوث ركزت على دور النساء في أسرهن بما في ذلك الولادة والرضاعة، وبنفس القدر اهتمت الدراسات بالجوانب المثيرة عن النساء: الدعارة والسحر والوشم والأزياء والحريم وتعدد الزوجات. وفي نهاية فترة الحماية، تم طرح موضوع آخر يثير التساؤلات حول النساء في القانون الإسلامي والدين (Belarabi 1984, 75 – 78).أما المصادر الرئيسية لمثل تلك البحوث فتشمل الدراسات الإثنوغرافية وأدب الرحلات والأدبيات التاريخية والدينية باللغة العربية، والإحصاءات الفرنسية، والبيانات الصادرة عن الوزارات الحكومية. وكانت البحوث الفرنسية مصممة بهدف استخدام المعرفة حول المجتمعات المستعمرة حديثًا لتسهيل حكمها بطريقة فعالة، وكذلك لإضعاف المجموعات القومية. وفي غالبية الأحوال كان يتم دمج التعامل مع النساء في إطار مجموعاتهن الأسرية. ومثلت البحوث عن الأوضاع التعليمية والقانونية للنساء الأساس الذي بنى عليه الفرنسيون دعواتهم الإصلاحية للنساء المغربيات بغرض تغريبهن وإضعاف الروابط الوطنية، وقد قادت التصورات النمطية عن سلبية النساء الباحثين إلى التهوين من شأن نشاط النساء في الحركات الوطنية. وقد تم توثيق دور النساء الجزائريات في مساندة الحركة الوطنية وانخراطهن في حرب الاستقلال (Lazreg 1994)، أما دور النساء في تونس والمغرب في النضال الوطني فما زال في انتظار التوثيق الجيد.
وتعكس البحوث التي أجريت على حياة ووضع النساء في شمال أفريقيا الأولويات الوطنية والاعتبارات السياسية، حيث ارتبطت الطرق التي يتم بها فهم حياة النساء والعوامل المؤثرة على دورهن في الأسرة والمجتمع والوطن بالتوجهات السياسية لكل دولة، لتعكس تلك البحوث من حيث الأساس اهتمامات النظم الحاكمة وهيئات التمويل والتنمية سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف. أما صوت النساء أنفسهن وإدراكهن لاحتياجاتهن فيغيب في المواد المكتوبة عنهن من منظور أولويات الدولة والأولويات الدولية.
ومنذ الاستقلال كانت هناك ثلاثة اتجاهات للبحوث. أولاً، مناقشة أدوار النساء في المجتمع في أواخر القرن العشرين، بما في ذلك عدد متزايد من الدراسات عن السياسة والقوانين والمسؤوليات الأسرية. وتشمل مصادر هذه الأبحاث كلا من التعدادات السكانية، والقوانين، والكتب والتصريحات والبيانات الصادرة عن الشخصيات الدينية والأكاديمية، ووثائق المحاكم، وسجلات الأسر، والمقابلات الشخصية. ثانيًا، الدراسات التي تتناول أبعاد التغير الاجتماعي التي تؤثر بشكل أساسي على النساء وعلى مكانتهن، بما في ذلك التطور الحضري ومحو الأمية، والتعليم، والقضايا المتعلقة بالصحة وتنظيم الأسرة والتوظيف. وتعتمد تلك البحوث، بالإضافة إلى المصادر السابقة، على الدراسات الديموغرافية السكانية والإحصاءات الحكومية والبيانات من الوزارات، والخرائط، ومن النقابات العمالية والغرف التجارية ومن سجلات أرباب العمل في القطاع الخاص. ثالثًا، كتابات النساء حول حياتهن والأحداث التي تؤثر عليهن، وتقوم تلك المصادر في غالبيتها على الكتابات الأدبية وسير الحياة والسير الذاتية كما تتضمن الرسائل والخطابات.
ينطلق البحث عن أدوار النساء عمومًا من تعريف النساء كمواطنات في الدولة، بما تمليه المواطنة من توقعات والتزامات. وتوضح الأعمال حول القانون والوضع القانوني (Abderrazak 1985, 1991) أن التوقعات الأساسية من المواطنات تتركز داخل الأسرة من خلال دورهن في ولادة مواطنين ومواطنات جدد وعملهن الإنجابي، والعناية بالمواطنين والمواطنات من أفراد الأسرة. وتتقيد فعالية النساء كمواطنات، أولا بالقوانين التي تضع حقوقهن في موقع أدنى مقارنة بالذكور في عائلاتهن، وثانيًا من خلال وضع حدود لأدوارهن في الشؤون العامة. وقد تم استبعاد وصول النساء إلى مواقع اتخاذ القرار سواء في الحيز الخاص أو الحيز العام باستمرار (Daoud 1993, Brand 1998). وتربط مارنيا لازرق في كتاباتها (Mania Lazreg 1994) بين التأثيرات السياسية والدينية والعائلية في تجربة النساء الجزائريات. وهي تضع النسوية الجزائرية في سياق مقاومة النساء للاستعمار وخضوعهن لاشتراكية الدولة. كما تدمج التأثيرات الدينية في دراستها باعتبارها واحدة من المؤثرات التي تحدد وضعية المرأة الجزائرية.
ورغم اشتراك دول شمال أفريقيا في التاريخ والوضع الاستعماري المتشابه فقد تم تطوير قوانين مختلفة للأحوال الشخصية، كما تتباين أنماط مشاركة النساء الاجتماعية والسياسية في كل منها. والدول الأربعة كلها تسودها غالبية مسلمة، وتقوم فيها نظم سياسية أبوية، ولا تتمتع بحكومات تمثيلية يمكن محاسبتها، ومع ذلك تختلف النساء في كل بلد من حيث مدى حصولهن على الحقوق القانونية والحريات الاجتماعية، وفي تمثيلهن في الحكومات المختلفة. على سبيل المثال تتمتع النساء التونسيات بحريات أكبر في مجالات التوظيف وفرص أكبر في التعليم، وتوفر أوسع لموانع الحمل وطرق الإجهاض منذ فترات مبكرة، علاوة على درجة أعلى من الانخراط في الشؤون السياسية بالمقارنة مع الجزائر أو المغرب (Charrad 2001). وتلعب الدولة دورًا حاسمًا في تعريف كل من وضعية النساء وأدوارهن داخل الأسرة والمجتمع، ونجد أن الاختلافات بين قوانين الأحوال الشخصية في دول شمال أفريقيا تؤكد على الدور الذي تلعبه الدولة في تحديد وضعية النساء من خلال تحديد أدوارهن وحقوقهن داخل الأسرة.
وقد أصدرت تونس فور استقلالها قانونًا ليبراليًا للأحوال الشخصية، قام بتجريم تعدد الزوجات وسمح للنساء بالمبادرة بطلب الطلاق، كما أكد على حقوقهن في الإرث وفي حضانة الأطفال. أما في المغرب والجزائر فإن قوانين الأحوال الشخصية فتعكس القيم الإسلامية التقليدية، وتؤثر تلك القوانين المختلفة من خلال تحديدها لأوضاع النساء على المناخ الذي تجري فيه البحوث في كل بلد. إلا أن إشراف الدولة من خلال المجموعات النسائية الرسمية، جنبًا إلى جنب مع الأنماط الأبوية التي تحكم التوقعات الثقافية وعدم الاستعداد الدولة لإغضاب القطاعات المحافظة في المجتمع، أدى إلى وجود قلة نسبية في المطبوعات حول قضايا النساء. وعلى مدار العقود الثلاثة الماضية مثلت جهود الأساتذة الأكاديميين والمسؤولين المدربين جيدًا في الوزارات والباحثين والدارسين المستقلين، رجالاً ونساءً، إضافة كبيرة إلى العمل البحثي حول النساء.
وبالنسبة للمسلمين والمسلمات، فلا يمكن فصل دور النساء في الإسلام عن سياسة الدولة، في كل دول شمال أفريقيا تمثل الشريعة الإسلامية المرجع الرئيسي لصياغة قانون الأحوال الشخصية. ورغم أن القضاة هم المسؤولون عن صياغة القوانين، إلا أنهم هم أنفسهم يعتمدون على الفقه الإسلامي ويدعمهم في ذلك العلماء المسلمون في كل دولة. ويسود المذهب المالكي المحافظ في غالبية الأحوال في دول شمال أفريقيا، إلا أن المذهب الحنفي ممثل أيضًا في تونس. وتمثل تلك القواعد الفقهية الإسلامية المصادر الرئيسية لقوانين الأحوال الشخصية، على أن تفسيراتها تتأثر بالتوجهات السياسية في كل بلد، وبالإصلاحات التي تمت في الهند ومصر، وكذلك بالتشريعات القانونية الغربية. ولقد قامت الدراسات النسوية المعاصرة في شمال أفريقيا بإثارة التساؤلات حول المناهج والفرضيات التي يستخدمها المتخصصون في التاريخ الإسلامي والقانون في تفسيرهم القرآن والسنة والحديث حول قضايا النساء (Mernissi 1987). وقد تزايدت أهمية هذه المسألة مع صعود حزب المعارضة الإسلامية الجزائري (الجبهة الإسلامية للإنقاذ)، وبدرجة أقل المجموعات الإسلامية في تونس والمغرب التي تتبنى رؤى محافظة تتمركز فيها أدوار النساء داخل الأسرة. ومع تزايد قوة المجموعات الإسلامية تتزايد الضغوط لتحديد حريات النساء وخاصة الحق في الطلاق والإرث المتساوي، والقيود على تعدد الزوجات وكذلك مشاركتهن في العمل العام. هكذا كان الحال خاصة في الجزائر. وتقوم فاطمة مرئيسي وغيرها من الأكاديميات في شمال أفريقيا بالتصدي بشكل نقدي لقضايا الإسلام والنساء باستخدام الأدوات البحثية للعلوم الاجتماعية المعاصرة وللدراسات القانونية والنقد الأدبي. وحتى الآن لا يوجد نموذج بارز للكتابات التسوية الإسلامية المغربية التي تتطلق حججها من قلب تراث الدراسات الإسلامية وتستخدم المناهج التقليدية للعلوم الشرعية.
وفي رد فعل للبحوث التي توثق القيود الاجتماعية على النساء، كتبت النساء أبحاثًا تعاملت مع الحياة الجنسية للنساء في شمال أفريقيا. ويعتبر كتاب سمية نعمان غوسوس عن تجاوز الحياء (Soumaya Naamane- Guessous, Au-dela de toute pudeur) من أفضل الدراسات الاجتماعية المعروفة، والتي كانت أول محاولة لتطبيق أداة المسح على قضايا الجندر. وقد نجحت دراستها في توثيق الممارسات الفعلية بدلاً من تكريس القيم المعتادة عن النساء. وتكشف البيانات التي تم جمعها التفاصيل اليومية للحياة الجنسية للنساء والفتيات المغربيات، والتي تحدها القيود الاجتماعية بالإضافة إلى جهل النساء بأجسادهن. كما توضح الدراسة أن الممارسات الشعبية والخرافات التي ترددها النساء تحظى بانتشار أوسع وقبول أكثر مقارنة بالعلم والطب. إن النجاح الشعبي لهذا الكتاب وانتشاره قد وضع الأساس لاعتبار تلك الأمور جزءًا مشروعًا من الدراسات النسوية. وتتعرض دراسة منشورة في عام ١٩٧٥م عن الحياة الجنسية في الإسلام لعبد الوهاب بوحديبة (Abdelwahab Bouhdiba, La sexualité en islam) إلى الحياة الجنسية من منظور المصادر الإسلامية الدينية (القرآن والحديث والتفسير) جنبًا إلى جنب مع النصوص الدينية الإسلامية والفقه وعلم اجتماع الدين وعلم النفس وعلم الاجتماع والدراسات العرقية في شمال أفريقيا. كذلك يتناول عبد الصمد ديالمي (Abdessamad Dialmy 1998)، وهو عالم اجتماع مغربي، قضايا النساء من منظور ديني، ويقوم بتقييم الممارسات الجنسية المعاصرة عبر المقابلة بين الدراسات الإحصائية والمقابلات مع الشباب وأساتذة الدراسات الإسلامية لتقييم تأثير القيم المعيارية على الممارسات المعاصرة.
عبر العشرين عامًا الماضية أدى الاهتمام بقضايا التنمية وحصول النساء على الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية والتوظيف إلى صدور كم واسع من الأدبيات، ينبع الكثير منها من البرامج التنموية الثنائية ومتعددة الأطراف المهتمة بترويج التنمية الاقتصادية. إن التحولات الاجتماعية السريعة للدول المستقلة حديثًا – زيادة الهجرة إلى المناطق الحضرية وزيادة فرص التعليم وتحسين الصحة العامة وزيادة الخدمات الصحية والعلمانية والتصنيع – أدت إلى تغيرات كبرى في حياة النساء بمرور الوقت. على أن معظم البحوث التي أجريت على هذه القضايا لم تكن وصفية بل توجيهية تهدف إلى تحسين الإنتاج الاقتصادي للدولة.
ويتعلق القسم الأكبر من البحوث في تلك المنطقة بالصحة الإنجابية للنساء وجوانب تنظيم الأسرة. وقد تعامل المسؤولون الغربيون في مجال التنمية مع التغيرات الديموغرافية السكانية فيما بعد الحرب العالمية الثانية، كارتفاع معدلات النمو السكاني وارتفاع توقعات الحياة، باعتبارها تهديدًا للتنمية الاقتصادية، وركزت محاولات خفض معدلات النمو السكاني على إقناع النساء باستخدام وسائل منع الحمل. يتعلق ما يزيد عن ١٠% من البحوث عن شمال أفريقيا بمجالات الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، حيث تركز غالبيتها على المغرب وتونس وهما الدولتان اللتان تعاونتا مع وكالات ثنائية ومتعددة الأطراف في تطوير برامج تنظيم الأسرة. وتوضح الدراسات عن هذه البرامج أن التأكيد على تنظيم الأسرة كان له الأولوية مقارنة بالاعتبارات المتعلقة بصحة النساء والأطفال ويتعليم النساء. وتتماشى تلك البيانات جيدًا مع الأهمية الوطنية المعطاة للحاجة إلى تقليص النمو السكاني وللتأكيد على النمو الاقتصادي. إن أولويات الدولة كما تظهر من خلال قضايا تنظيم الأسرة اعتبرت وضعية النساء ورفاهتهن أمرًا ثانويًا بالمقارنة مع تخفيض عدد السكان. وتؤسس الأبحاث التي تمت في العقدين الماضيين لفكرة أن التأكيد على مؤشرات وضع النساء سوف ينتج عنه انخفاض في معدل النمو السكاني في البلد، وتقدم تجربة شمال أفريقيا البيانات المؤكدة لهذا الاستنتاج.
توفر التعدادات السكانية المنتظمة التي أجرتها دول شمال أفريقيا بيانات موثوقة. كذلك نجد أن تحليلات الديموغرافين التونسيين والمغاربة والجزائريين لبيانات الإحصاءات حول وضع النساء يتم نشرها بانتظام (على سبيل المثال: Royaume de Maroc 1990, 1994 ). وتتضمن المسوح الصحبة والديموغرافية التي تمت بالتعاون بين الديموغرافيين التونسيين والمغاربة ثروة من البيانات عن النساء وصحة الأسرة وعن مؤشرات الوضع الاجتماعي (Azelmat 1996)، وهذه الوثائق التي تنشر بانتظام توفر بيانات هامة عن وضع النساء في المغرب بشكل خاص.
النساء يكتبن عن أنفسهن
تتضمن الفئة الثالثة الأدب وسير الحياة، وهو النوع الأدبي الذي يتيح للنساء التحدث عن أنفسهن، والتصدي للقيود التي يفرضها على حياتهن وضع المواطنة الأدنى. وتتراوح تلك الموضوعات بين الأعمال الروائية المعتمدة على حياة النساء (Abouzeid 1989)، والسرديات التي تم إملاؤها على الباحثين والباحثات، والسير الذاتية والنصوص التاريخية. إن مذكرات السجن الخاصة بكل من مليكة أوفقير وفاتنة البويه (Fatna El Bouih 2002) تحكي عن انتهاكات حقوق الإنسان، وقد كان للأولى بشكل خاص دور حاسم في إقناع مواطني كل من المغرب وباقي الشرق الأوسط بالتعامل مع حقوق الإنسان كأمر محوري.
لقد بدأت فاطمة مرنيسي في جمع حكايات النساء، ثم استمرت في ذلك من خلال العمل مع طلابها وطالباتها. وبدأت هذه المنهجية البحثية بكتابها عن المغرب عبر نسائه (Fatima Mermissi, Le Maroc reconté par ses femmes)، وهو منهج استمر في أعمال إيفلين عقاد وإليسون بيكر وأخريات. وتعتبر سيرة فاطمة مرنيسي الذاتية عن أحلام النساء الحريم (Mernissi, Dreams of Trespass)، والتي ترويها من منظور طفولتها في الأسرة، سردا رفيع المستوى يكشف عبر الحكايات الجذابة عن تأثير المستعمرين وحركة الاستقلال عليها وعلى النساء المغربيات الأخريات. ويدرك القراء تأثير الأسرة – ذكورًا وإناثًا – على تشكيل وعي أنثى صغيرة محاصرة بين قيود المستعمرين الفرنسيين والقوميين المغاربة، وبين الرجال ذوي السلطة في أسرتها والنساء اللاتي تمتعن بسلطة غير رسمية. وتعرض دراسة عن إحدى الحركات الاحتجاجية ضد الوجود استعماري في القرن التاسع عشر (Clancy –Smith 1994) لامرأة جزائرية ذات سمعة نقية ودورها السياسي من خلال الرسائل التي كتبتها. ويتيح هذا الأسلوب التاريخي المجال أمام زينب كي تبرز كثائرة وقائدة واستراتيجية تعمل من أجل مجتمعها. وعادة ما تعكس تلك الكتب وتبرز القيود المفروضة على النساء، لكنها أيضًا تسمح لهن بحرية عرض آرائهن الذاتية في حياتهن. وهذا النوع البحثي يعكس تأثير الدولة على صورة النساء، فمشاركة النساء في الحركة الوطنية (Abouzeid 1989)، ورغبتهن في التعليم والعمل المحترم (Mernissi 1984) تعكس الأجندة التنموية للدولة. ومن جانب آخر يقوم هذا الأدب أيضًا بنقد الدولة وبوضع أجندتها رأسًا على عقب بالحديث من منظور شديد الخصوصية ومن خلال الصوت الفردي. فمن خلال التعبير عن أفكار النساء وشكوكهن وطموحاتهن وآمالهن يتم تقويض الصورة التي ترسمها الدولة لاحتياجات النساء وهويتهن الاجتماعية وحقوقهن السياسية، كما يتم توثيق الهموم الفردية.
وتعكس البحوث الراهنة استعدادًا لتناول موضوعات تم تجنبها سابقًا لأسباب سياسية أو أخلاقية، فتهميش النساء سواء بسبب السجن أو النشاط السياسي (Slyomovies 2001) أو بسبب الفقر (Royaume de Maroc 1992, 1994) أو بسبب انتمائهن الطبقي الاقتصادي والاجتماعي (Mernissi 1984), يفتح مجالاً مهمًا لبحوث جديدة. والدراسات التي أجراها ديالمي (Dialmy 1998) من الأمراض المنقولة جنسيًا، ودراسة بووين (Bowen 1997) عن الإجهاض، هي دراسات تربط بين الفتاوى الدينية المعيارية وخصوبة النساء والرجال وممارساتهم الصحية وبين المصادر الإسلامية القانونية والشرعية والبيانات الإحصائية والمقابلات. كما أن البحث التاريخي لكل من د. لارغيش و أ. لارغيش (D. Larguéche and A. Larguéche 1992) يتناول مسألة الدعارة والسجينات وضحايا الجرائم. وتستخدم مصادر هذا البحث الحكايات الشخصية والتاريخ الشفوي والبحث المسحي والتعداد السكاني وإحصائيات الوزارات وملفات الحكومة وأرشيفات الحكومة والتشريعات القانونية والتصريحات الحكومية والدراسات التاريخية والإثنوغرافية وسجلات السجون. ويبني بحث سوزان سليموفيتش (Slymovies 2001) عن النساء المسجونات بسبب التنظيم النقابي والجرائم الأخرى على الحكايات الفردية وأيضًا على وثائق الحكومة. وتعرض البحوث الحالية استعدادًا لدراسة مجمل حياة النساء وتضمين عوامل مثل السياسة والدين والتوظيف بالإضافة إلى وضعهن داخل الأسرة. إن هذا الاستخدام لأدوات ومصادر بحثية متعددة يعكس استعداد الدارسات والدارسين لتناول مختلف جوانب تجارب النساء: الجنسية والدينية والأسرية والقانونية والمهنية والسياسية من خلال أبعاد مختلفة عبر استخدام مناهج بحثية متعددة.
تضم الأرشيفات الوطنية لكل بلد من بلدان المغرب العربي مجموعات ضخمة من المواد التاريخية. ففي تونس يتضمن الأرشيف ممتلكات قيمة عن تاريخ تونس من القرن السادس عشر حتى عام ۱۸۸۱م، وبعض المواد عن الفترة الفرنسية. أما الأرشيف المتعلق بفترة الحماية والفترة الاستعمارية (۱۸۸۱ – ۱۹٥٦م) للدول الواقعة تحت الحماية الفرنسية والتي شملت تونس والمغرب فهو موجود في فرنسا (Archives d’outre mer, Nantes, France). أما المواد التي تتناول الجزائر فموجودة في الأرشيف الوطني في مدينة الجزائر، بينما المواد المتعلقة بفترة الاستعمار موجودة في الأرشيف الفرنسي الاستعماري في مقاطعة أيكسين – بروفانس في فرنسا. كذلك توجد المواد المغربية في الأرشيفات الوطنية في مدينتي الرباط المغربية ونانت الفرنسية. وتعتبر مكتبة “المورد” (La Source) في الرباط مصدرًا ممتازًا للمطبوعات حول التاريخ المغربي والدراسات الإثنوغرافية المغربية، كما يضم متحف البعثة الأمريكية في طنجة مجموعات كبيرة عن الفترة الاستعمارية الكولونيالية وما بعد الكولونيالية. وتضم الأرشيفات العائلية والمكتبات الخاصة في المراكز الإقليمية، مثل تطوان، محفوظات مهمة. وفي تونس يمثل معهد الآداب العربية (IBLA: Institut des belles lettres arabes) مصدرًا مهمًا للتاريخ وعلم الاجتماع التونسي.
كما توجد مواد عن النساء في تونس في مركز البحوث والتوثيق والمعلومات عن النساء (CREDIF) وكذلك في مركز التوثيق الذي يديره مكتب الأسرة والسكان. ويضم كل من مركز المغرب للبحوث الديموغرافية (CERED) وإدارة الإحصاء، وكلاهما في الرباط، مكتبات مفيدة عن الدراسات الحكومية المنشورة، بما في ذلك الدراسات عن النساء. وتوجد وثائق “الحبوس” (الأوقاف) في الأرشيفات الوطنية، ويمكن الحصول عليها من خلال المشاورة مع وزارة الشؤون الإسلامية.
M. R. Abderrazak, La condition de la femme au Maroc, Rabat 1985.
-, La femme et la loi au Maroc, Casablanca 1991.
L. Abouzeid, The year of the elephant. A Moroccan woman’s journey toward independence and other stories, Austin, Tex. 1989.
M. Azelmat, M. Ayad, and El Arbi Housni, Enquête de panel sur la population et la santé (EPPS) 1995, Rabat 1996.
A. Baffoun, Research in the social sciences on North African women. Problems, trends, and needs, in Social science research and women In the Arab world, London 1984, 41- 58.
A. Belarbi, Research In the social sciences on women In Morocco, in Unesco, Social science research and women in the Arab world, London 1984, 59-81.
A. Bouhdiba, La sexualité en Islam, Paris 1975.
R. Bourquia, M. Charrad, and N. Gallagher (eds.), Femmes, culture et société au Maghreb, Casablanca 1996
D. L. Bowen, Islam, abortion and the 1994 Cairo population conference, in International Journal of Middle East Studies 29: 2 (May 1997), 161-84.
L. Brand, Women, the state, and political liberalization. Middle Eastern and North African experiences, New York 1998.
M. Charrad, States and women’s rights. The making of postcolonial Tunisia, Algeria, and Morocco, Berkeley 2001.
J. Clancy-Smith, Rebel and saint. Muslim notables, populist protest, colonial encounters, Berkeley 1994.
Z. Daoud, Féminisme et politique au Maghreb Sept décennies de lutte, Paris 1993.
A. Dialmy, Féminisme, islamisme, soufisme, Paris 1997.
-, Moroccan youth, sex and Islam, in Middle East Report 206 (Spring 1998), 16- 17.
F. El Bouih, Une femme nommée Rachid, Casablanca 2002.
F. Hakiki and C. Talahite, Human sciences research on Algerian women, in Unesco, Social science research and women in the Arab world, London 1984, 82- 93.
D. Larguèche and A. Larguéche, Marginales en terre d’Islam, Tunis 1992.
M. Lazreg. The eloquence of silence. Algerian women In question, New York 1994.
F. Mernissi, Le Maroc raconté par ses femmes, Rabat 1984, published as Doing daily battle, trans. Mary Jo Lakeland, New Brunswick, N. J. 1989.
-, The veil and the male elite. A feminist interpretation of women’s rights in Islam, trans. Mary Jo Lakeland, Reading, Mass., 1987.
-, Dreams of trespass. Tales of a harem girlhood, Reading, Mass., 1994.
S. Naamane-Guessous, Au-delà de toute pudeur, Casablanca 1992.
M. Oufkir, Stolen lives. Twenty years in a desert jail, trans. Ros Schwartz, New York 2001.
Royaume de Maroc, Statut économique et social de la femme au Maroc, Rabat 1990.
-, Femmes et condition feminine au Maroc, Rabat 1994.
S. Slyomovics, Hassiba Ben Bouali, If you could see our Algeria .. ., In Middle East Report 192 (January-February 1995), 8- 13.
-, This time I choose when to leave. An Interview with Fatna El Bouih, In Middle East Report 218 (Spring 2001), 42 – 3.