شهادات ثلاث نساء
وداد متری– زينب الأتربى– عايدة فهمي
مساء الخير، جلستنا مختلفة عن الجلسات السابقة من ناحية تمركزها أو من ناحية تمحورها حول شخصية نبوية موسى. الندوة على مدى اليومين كانت تحاول أن تقدم لنا نبوية موسى من خلال محاور المرأة، والتعليم، والعمل، وأفردنا جلسات مختلفة للمحاور المختلفة. جلسة اليوم تختلف عن السابقات لها، لكن تتكامل معهم.
اليـوم لا نتحدث عن نبـويـة مـوسى في هذه الجلسة، وإنما سنطرح ثلاث تجارب مختلفة، ومتتابعة توالت في تجربة نبوية موسى. بمعنى أنه إذا كانت نبوية مؤسس إحدى المنجزات اللاتي ظهرن في بداية القرن الحالي العشرين، نحن اليوم في أواخر القرن ونحاول طرح سؤال مدى استمرارية عمل وتعلم المرأة؟ وأيضا محورنا المرأة والتعليم، والعمل، هل يوجد استمرارية أو هل توقف العمل؟ هل نبوية موسى بطرحها الحالي من خلال الندوة، هل نحن نحتفى بها بوصفها امرأة شذت عن القاعدة كما يرد في بعض النظريات، النظريات التي تحـاول احـتـواء إنجازات المرأة، وتأتي عند المرأة الناجحة وتقول إن هذا شذوذ على القاعدة. هل هو فعلا شذوذ عن القاعدة أم أن القاعدة نفسها بدأت تتغير؟ وربما كانت متغيرة ولكن ليس معترفاً بها.
الهدف الثالث، أو الإطار الثالث، أو البعد الثالث لهذه الجلسة هو التعريف بإنجازات أخريات. لدينا اليوم ثلاث شخصيات مثلما قلت يمثلن جيل ما بعد نبوية موسى، وتجربة مستمرة معها من ناحية أنهن تعلمن، وعملن، لكن عملت كل واحدة في مجال مختلف عن الأخرى. وبالتالي نحاول أن نعرض تجارب متباينة ومختلفة في مجالات عمل المرأة.
معنا اليوم الأستاذة وداد مترى، الإعلامية وأستاذة التربية والتعليم. ومن الطريف أنها تشترك مع نبوية موسى في ازدواجية العمل، من ناحية، فقد بدأت فعلا مدرسة مثل نبوية موسى وبعد ذلك استمرت في العمل الصحفي، وطبعا نحن تعرف ان نبوية موسي انشأت جريدة، وأيضا عملت في الصحافة، فاليوم لدينا نفس تجربة العمل، وبعد ذلك سنتكلم مع الأستاذة عايدة فهمي وهي ستطرح لنا تجربتها الشخصية في الحياة، وهي قد اشتغلت بالعمل النقابي وكان لها إنجازات كثيرة في مجال مختلف عن مجال الأستاذة وداد. وبعد ذلك نقابل الأستاذة زينب الإتربي وهي من أوائل خريجات جامعة فؤاد الأول، تخرجت سنة 35، وعملت بالتدريس ولها إنجازاتها على المستوى البشري.
الأستاذة وداد مترى حصلت على ليسانس الفلسفة سنة ٥٢، ثم دبلوم معهد التحرير والترجمة والصحافة وهو يعادل الماجستير سنة 56، ثم دبلوم دراسات تربوية سنة ٦٢. وعملت مدرسة ثم أُبعدت عن التدريس، ونقلت إلى وظيفة إدارية فاتجهت إلى الصحافة، وعملت بالعمل الصحفي، هذه بدايات حياتها. مؤخرا تم تكريمها من جامعة القاهرة بمناسبة احتفال الجامعة بمرور 90سنة على إنشائها، واحتفال كلية الإعلام بمرور 60سنة على إنشاء الدراسات الإعلامية، وحصلت على درع الجامعة ودرع كلية الإعلام وشهادات تقدير من المؤسستين. وأنا أقرأ من الشهادة نفسها وهي تقـول “اعترافا بإسهامها المتميز في تطوير الإعلام المصرى على مدى سنوات عملها الطويلة، وما قدمته من جهد صادق من أجل مصر الحبيبة“. وسأذكر أيضاً بعض النقاط الوجيزة عن إنجازاتها، هي أول من أسهمت في تأسيس الصحافة المدرسية، وقدمت أول برنامج تدريس في الصحافة المدرسية سنة 61، وحصلت بها على المركز الأول على مستوى الجمهورية. سنة 59 عملت مسئولة الصحافة بمنطقة شرق القاهرة، ثم موجهة أولى للصحافة المدرسية، كما تولت إعداد مجلة أسبوعية وسنوية للمنطقة إضافة إلى إشرافها على الصحافة المدرسية. وهي أيضا عضو لجنة أوضاع المرأة باتحاد المحامين العرب، وعضو اللجنة المصرية لمنظمة تضامن الشعوب الأفروآسيوية، وعضو مؤسس بجمعية خريجات الجامعة، وحاليا عضو في مجلس إدارتها. بالإضافة إلى عضويتها في جمعيات هدى شعراوي وجمعيات سيدات مصر.
هذا التقديم هو التـقـديم الرسمي لكنني أعترف أنه قاصر بشدة لأنه لا يغطى الجانب الأهم في حياة الأستاذة وداد، فنحن تعرفها أكثر من خلال نشاطها السياسي الذي لم ترد أن تذكره لي لكني عرفته، فلقد كانت نشيطة جداً، نشطت سياسياً خاصة خلال سنوات ٥٦ و ٦٧، حيث اهتمت بقضايا العمل الوطني، وقامت بدور مهم في توعية التلميذات. حيث كانت تلقى المحاضرات من أجل التوعية والتثقيف مثل محاضراتها سنة 56 بعنوان “كيف نواجه العدوان؟“، ومحاضراتها عن “التصنيع وسياسة مصر” وكذا محاضراتها الكثيرة سنة 67.
كانت محاضرة التصنيع في مصر سنة ٥٧، لكن في 67 قامت بإلقاء مجموعة وفيرة من المحاضرات، لا تستطيع أن نجمع كل عناوينها الآن أو نسردها، وكانت من أشـد المناصرات للقضية الفلسطينية. لقد ذكرت أنها عملت مدرسة، ومعى شهادة قدمتها لي تلميذاتها لو أحببتم أقرأها عليكم.
تقول تلميذاتها عنها: ” لم تكن مجرد أستاذة ومعلمة قديرة وإنما كانت قدوة ومثلا. فقد حولت المدرسة التي كانت تديرها ناظرة شديدة السطوة والجبروت من مدرسة تكرهها التلميذات إلى مدرسة يتقن إلى الذهاب إليها ليلتقين بمدرستهم التي أحبوها. أبله وداد، واتسمت علاقة تلميذاتها بها بصداقة حميمة، فأضحت لهم أختاً يستشيرنها في كل أمور حياتهن الأسرية والعاطفية. سعت إلى إنشاء مركز للخدمة العامة بالمدرسة وكان لهذا المركز دورا بارزا في إشاعة نشاط ثقافي، وسياسي، وفني، ليس في نطاق المدرسة فقط وإنما على امتداد مدينة شبين الكوم كلها. وقد احتل الجانب الثقافي والسياسي مكانا خاصا من نشاط هذا المركز، وذلك بفضل سعى الأستاذة وداد إلى استضافة شخصيات ثقافية وسياسية وأدبية من العاصمة، لعمل الندوات وإلقاء المحاضرات، وإثارة النقاشات، وكان ذلك نافذة أطلت تلميذاتها منها على عالم رحب واسع من الثقافة والعلم والمعرفة. وقد جندت تلميذاتها للاشتراك في حملة قيد الناخبات في الجداول الانتخابية. وكانت محافظة المنوفية بفضل ذلك الجهد في أعلى محافظة في نسبة قيد النساء. وقادت كتيبة من تلميذاتها للتدريب على السلاح والتمريض، إبان العدوان الثلاثي على مصر، وكذا حملة التبرع بالدم وأيضا سجلت محافظة المنوفية أعلى نسبة للتبرع بالدم. ودخلت معترك العمل النقابي ونالث ثقة زملائها وزميلاتها وكانت تحصل دائما على أعلى النسب في الأصوات“.
هذه شهادة من صوت آخـر، والآن نتوجه للأستاذة وداد لتحدثنا هي عن مشـوار حياتها.
أ. وداد متری:
أشكرك جدا لتقديمي، وأنا أشعر أنني في موقف صعب جدا، لأن من أصعب الأمور على الإنسان أنه يتكلم عن نفسه. وشهادة معناها لابد للإنسان أن يتحدث عن نفسه، فبالنسبة لي أشعر أن هذه مهمة صعبة جدا. المهمة الصعبة الثانية أنكم منذ يومين تسمعون دراسات أكاديمية، وعلمية.
من أشق الأمور على الإنسان أن يتحدث عن نفسه، وبما انتى الآن محاصرة وفي موقف لا أحسد عليه فلا مفر من الكلام. وسيكون كلامي قاصرا على مراحل معينة من حياتي الطويلة التي اتبعت لي فيها فرصة أن أكون مفيدة بشكل ما، وأن يكون عطائی بقدر ما سمعت به الظروف والإمكانيات، وخلال المسيرة الطويلة استمتعت بالنجاح، وآلمني الفشل، وارتكبت الكثير من الأخطاء في مراحل من حياتي، افتتدت فيها الخبرة والنظرة الموضوعية للأمور، وكل ما أرجوه أن يتسع صدركم الآن للوقوف على خبراتي المتواضعة، خلال مرحلة من تاريخ مصر بدأت قبل ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢ وامتدت حتى الآن. ولما كان لابد لكل نشاط من مجال، فقد كان المجال الأساسي هو العمل الوظيفي، وإلى جانب العمل الرسمي كان هناك النشاط النقابي والنشاط السياسي من خلال الاتحاد الاشتراكي، كنت الأمينة المساعدة لمنطقة شرق القاهرة التعليمية بالانتخاب طبعاً. ثم كانت هناك الجمعيات النسائية والجامعة الشعبية، والهلال الأحمر، واللجنة النسائية للمقاومة الشعبية، وجمعية المرشدات المصرية. وكان دستوري دائما أن العمل الوظيفي والاجتماعي والسياسي ليس تجهمًا ولا افتعالاً للأهمية الشخصية بل هو جزء من الحياة الاجتماعية، تدعمه العلاقات الإنسانية وتزيد من فاعلية لحظات المرح والانطلاق، ومخاطبة كل فئة من الناس تبعا لظروفها وتكوينها النفسي.
بالنسبة لمرحلة الدراسة، كان لي نشاط أثناء الدراسة، نشامل رياضی، ثقافي، فني، نشاط وطني من ناحية الاشتراك في المظاهرات في الفترة التي سبقت الثورة. وكان لي الشرف أن أفوز بعضوية اتحاد الطلبة سنة 51. أنا أقول غالباً يمكن كنت أول طالبة تدخل الاتحاد، لكن أنا لست متأكدة من هذه المعلومة، ممكن أن تكون هناك من سبقتني ولكن أنا لا أعرف، ويوجد اشياء كثيرة بالصدفة كنت أنا أول شخصية فيها، كنت أول طالبة تدخل بوفيه الآداب، بوفيه كلية الآداب كان مشهوراً جدا ولكن بالنسبة للطالبات كان هناك فقط طرقة لا تتعداها، لكن لا تقـدر أبدا أن تدخل البـوفـيـه، لأن البوفيه بالداخل كان يوجد فيه طلبة وأساتذة، وفيه ضوضاء ومستمتعين. لكن لا تتعدى هذه الحدود، كانوا يخرجون لنا السندوتشات والمشروبات بالخارج. فأنا في الحقيقة كنت غاضبة جدا ومستفزة، فقررت أنا وزميلة لي هي الأستاذة سعدية غنيم، كانت مخرجة في التليفزيون المصري، قررنا أن نقتحم النادي وندخل. قطعا هذه كانت مثل عمل ثوری بالنسبة لهذه المرحلة وفي هذا الوقت. لكن الحقيقة يوجد أساتذة كثيرون شجعونا ودخلوا معنا وأذكر منهم أستاذاً لأن الجرائد أخذت لنا صور، وصورت هذا الاقتحام الفظيع، فيوجد صور في الصحف؛ فقد كان يجلس معنا المرحوم الدكتور محمد محمود الصياد، وكان أستاذ الجغرافيا، وكان هذا شيئاً غريباً جداً.
العمل الوظيفي: بدأت العمل الوظيفي مدرسة عام ١٩٥٢، ولم تكن العملية التعليمية قاصرة على التلقين والحفظ في إطار منهج معين بهدف النجاح والحصول على مؤهل علمي ثم وظيفة، بل كانت الطموحات أبعد من ذلك، وقد تمثلت في معرفة الواقع وتطويره لصالح الإنسان بأسلحة الوعي الموضوعي بكل ما يعاني منه المجتمع. ودفع الطلبة الإحساس المستمر بالمسئولية تجاه هذا المجتمع. ولما كانت ظروف المدارس في تلك الفترة تسمح بالأنشطة التي تمثلت في جمعيات النشاط المدرسي، كان هناك جمعيات للأدب، والموسيقى، والإعلام، والتصوير، والصحافة، فقد استغلت هذه الأنشطة في تحقيق الاتجاهات السليمة لأبناء وبنات الجيل، طبعا للذي يريد أن يستغلها وذلك كان متاحاً، وكان يمكن ربط هذه الأنشطة بالمشروعات الإنتاجية والأهداف الوطنية الكبرى. وقد ساعد على ذلك اتساع الفصول وقلة عدد التلاميذ ووجود الملاعب الرياضية، وطول اليوم الدراسي، فكان الوقت طويلاً جداً. وهذا كان يتيح الفرصة لمعرفة كل تلميذ على حدة، والوقوف على مواهبه ومشاكله، وكم من مساعدات قدمت للتلاميذ من ناحية تذليل المشاكل بينه وبين أسرته، وكم من مساعدات مادية أعانته على استكمال دراسته في سرية تامة.
النشاط النقابي والوطني: اتاح التدريس ايضا فرصة للعمل النقابي في صفوف المعلمين عن طريق نقابة المعلمين، وعن طريق اللجنة النقابية الخدمات التعليمية، وكانت كل هذه المواقع بالانتخاب. طبعا يوجد معارك وملابسات كثيرة كانت تصاحب كل عملية انتخابية لكن هذا ليس الوقت المناسب لسردها، عام ١٩٥٦، هذا عام مهم في تاریخ مصر، في هذا العام تم حصول المرأة على حق الترشيح والانتخاب وحدوث العدوان الثلاثي على مصر. في هذه الفترة كنت أعمل في شبين الكوم مدرسة، وفي هذه الفترة تمت أكبر حملة لتشجيع المرأة على قيد اسمها في جداول الانتخاب في بندر شبين الكوم والبلاد المحيطة مثل مليج وقوسنا وكفر المصيلحة وسرس الليان. ونجاح فكرة اختيار مقر للقيد غير القسم أو نقطة البوليس، وقد أمكن أن يتم ذلك في المدارس. ومعى الآن نماذج، قبل أن نخرج لكي نحث الناس على أن يقيدوا أسماءهم، هذا شئ جديد بالتأكيد، فكنا نطبع بيانات للمرأة المتعلمة والتي تعمل مدرسة أو في المنزل أيضا، وبالنسبة للمعلمة نعمل أولا بياناً تمهيدياً نبرر لها لماذا نحن نريد أن تقيد اسمها. بالنسبة للسيدات الأخريات كنا نأخذهم إلى نقطة البوليس بالاتفاق طبعا، نأخذ إذن ونأخذهم إلى إحدى المدارس ونسهل لهم العملية. ومعى أيضا نموذج من البيانات التي كنا تقدمها أولاً، ومعى نموذج لصيغة انتخابية. السيدة التي نأخذها نكتب اسمها وتختم أو تمضي في المدرسة وبكل سهولة. الحقيقة هذه المطبوعات لفت نظری أنها كانت على حساب المدرسة، أي أن المدرسة هي التي كانت تدفع مـصـاريف الإعلانات، وهذا أيضا ببين أن العلاقة عندما تكون جيدة بين العاملين وبين الإدارة مهما كانت هذه الإدارة فإن هذا يذلل الكثير من المصاعب، أقصد أن هذه المدرسة أعطت لنا فرص كثيرة جدا، وفي الوقت نفسه كانت مقتنعة أن ذلك لصالح المدرسة، وأنه نشاط على مستوى البلد كلها.
حدث أيضا إنشاء مركز الخدمة العامة الذي تحدثت عنه الأستاذة سحر بالمدرسة وهذا أيضا كان إنجازاً كبيراً جداً، أنشأنا مركز الخدمة العامة، وكان يوجد أقسام لتفصيل الملابس للمجندين والمهجرين من التبرعات بالأقمشة والنقود. وكانت لافتة هذا المركز موجودة إلى عهد قريب. جاءت فرصة أن أذهب مع شاهنده مقلد إلى شبين الكوم ووجدت اللافتة موجودة على المدرسة “مركز الخدمة العامة” وأنا سعيدة جدا، والمدرسة كانت متسعة جدا، وكانت لافتة المركز موجودة إلى وقت قريب. ويوجد معى إعلان عن إنشاء المركز. إننا سننشئ مركزاً للخدمة العامة في مدرسة شبين الكوم الثانوية للبنات، وعلى كل سيدة تجد عندها الوقت الكافي أن تتـوجـه للـمـركـز، كنا نجعلهن يأتين بعد الظهر، ابتدأ من بعد الظهر– الحقيقة وشاهنده شاهدة– كان لا يوجد سيدة جالسة في المنزل فكلهن يأتين جميعا للمركز، فنحن نقدم لهن وسائل إغراء ونشاط، فيمكن أن نقيم لهن سهرة مثلاً، في نادي يوجد فيه مناضد وشماسي وكان شيئاً جميلاً جداً.
كان هناك أيضا حملة تبرعات على مستوى تجار وأغنياء شبين الكوم، حملات للتبرع بالدم وتمريض وإسعاف من خلال الهلال الأحمر، والتدريب العسكري. هناك أيضاً احداث طريفة أذكرها في تلك الفترة لكن لن يتسع الوقت لذكرها. أنا انتقلت من شبين الكوم وذهبت إلى القاهرة وفي هذا الوقت كانت معركة الجزائر، حرب تحرير الجزائر، فمصر قامت بدور كبير جدا في مساندة حركة التحرير حتى استقلت الجزائر، ونحن كنا نقوم بنشاط، بالنسبة لي كنت عضو للجنة الجزائر بمجلس السلام العالمي، فبالتأكيد هذه مدرسة ونستطيع أن نستغلها في أنشطة كثيرة، وكان هناك محاضرات، وكنا نصنع كتيبات، وصور، ومجلات حائط. وأنا لدى نماذج من مجلات الحائط الخاصة بتلميذاتي في هذه الفترة، واي شخص يود أن يشاهد هذه المجلات سوف أرحب به، وأحب أن يأتي ويشرفني ويشـاهـد نماذج من عمل البنات في هذه الفترة لتدعيم ثورة الجزائر.
تم تنظيم أكبر مظاهر نسائية شعبية من أجل إنقاذ جميلة أبو حريد، وقد توجهت المظاهرة إلى مبنى الأمم المتحدة، وفي المقر أرسل المتظاهرات برقية إلى داج هامـر شولد سكرتير عام الأمم المتحدة، أنا لدي نصها لكن لن أذكره لضيق الوقت. وقد شاركت في هذه المظاهرة تلميذاتي من مدرسة التوفيق الثانوية بالقاهرة التي كنت نقلت إليها من شبين الكوم. كما شاركت فيها تلميذتي الحبيبة شاهنده مقلد، والتي حضرت خصيصا من شبين الكوم للمشاركة، والتي تعلمت منها بعد ذلك دروساً في النضال والصمود أضافت لي الكثير. شاركت أيضا في معسكر اسمه معسكر البراجيل، وطبعا أنا شاركت في معسكرات كثيرة ولكن هذا المعسكر اذكره بالأخص لأنه له دلالة معينة، فقد كان عن طريق جمعية المرشدات المصرية، والخبرات المكتسبة من المعيشة الكاملة للفلاحين ومشاكلهم. والبراجيل قرية قريبة من إمبابة، وعشنا فيها لمدة أسبوعين، في إحدى القرى المصرية، كان معي هذا الوقت طالبات من معهد الخدمة الاجتماعية، ومن كلية الآداب قسم اجتماع، ومن معهد التربية الرياضية، ونظمته جمعية المرشدات المصرية برئاسة سيدة عظيمة اسمها زهرة رجب، والحقيقة قامت هذه السيدة بنشاط عظيم جدا. ويوجد لدى سجل كامل لكل ما كتبته الصحف والمجلات بالصور تسجل ما حدث في هذه القرية بعناوين معبرة مثل “ثورة في قرية مصرية“، ولدى ملف كامل، معظم الجرائد والمجلات كتبت عن المعسكر، لأن فعلا خلال الأسبوعين تم تحقيق إنجاز كبير جدا لدرجة أننى كنت سأقوم بعمل يمكن أن يكون فيه قليل من الحماقة من كثرة النجاح الذي حققناه في هذه القرية. فأنا كنت مدرسة ثانوى لكني ذهبت أطلب من الوزارة أن أعمل في مدرسة هذه القرية. فطبعا لم يوافقوني وقالوا إن الناس تكافح لكي ترقى من درجة لدرجة، ولكن أنا سعيدة جداً بالإنجازات التي حدثت في هذه القرية المصرية.
ويوجد مرحلة أخرى، وهي مرحلة السجن والإبعاد عن التدريس وكان هذا الإبعاد هو إحدى الصدمات الكبرى في حياتي. أنا طوال مدة خدمتي عملت في التدريس فقط ۷ سنين، بعد الإفراج عنى في نهاية عام 59 عدت إلى العمل، ولكن نقلت من التدريس إلى عمل إداري بالمنطقة التعليمية حتى لا تتأثر الطالبات بالمبادئ الهدامة. وفي تأشيرة جانبية على أمر النقل عبارة أتاحت الظروف أن أطلع عليها وهي “مع إفادتنا عن مدى إمكان مراقبتها“، وذلك حتى لا تخرب الدنيا. وكان هذا العمل الإداري لا يتعدى تسلم وتسليم خطة عمل الموجهين والموجهات بالمنطقة. وقد بذلت الجهد لتغيير هذا الواقع ونجحت في العمل بالعلاقات العامة بالمنطقة. ولما كنت أثناء عملي قد درست صحافة وحصلت على دبلوم معهد الصحافة الذي كان يتبع جامعة القاهرة في ذلك الوقت قبل إنشاء كلية الإعلام، وبالتدريج، وبالعلاقات الطبية استطعت أن أقنع مدير العلاقات العامة بعمل نشرة أسبوعية للمنطقة. وتطورت هذه النشرة من صفحة واحدة إلى مجلة أسبوعية منتظمة أصبح لها كيان ووجود على مستوى الوزارة كلها، وكانت ترسل لجميع المناطق التعليمية من الإسكندرية إلى أسوان، وقد أتاحت لي هذه المجلة فرصة لم أكن أحلم بها، وعن طريقها تابعت نشاط جميع المدارس، وكنت أدخل المدارس واحضر كل شئ في جميع مدارس المنطقة. والقيت الضوء على كل الأحداث المهمة في تاريخ الوطن ولدي العديد من خطابات الشكر والتقدير من رؤساء ومديري المناطق الأخرى. وأنا لدى جميع أعداد هذه المجلة منذ أن كانت صفحة واحدة وحتى أصبحت مجلة أسبوعية تصدر كل أسبوع بانتظام. وكان مدير المنطقة يوم السبت عندما يدخل يجد هذه المجلة أمامه، كان يقول أنا أعرف أن اليوم يوم السبت عندما أحد هذه المجلة أمامي. وأنا كنت أكلفها مبالغ قليلة جدا، ولكن طبعا كنت أبذل جهداً كبيراً كي لا تتوقف.
المرحلة الثانية هي نقابة المعلمين: بعد أن تدعم موقفي من خلال عملي، ومن خلال العلاقات مع العاملين تقدمت لانتخابات نقابة المعلمين وكان فوزي مساعدا لي على تبني مطالب المعلمين بشكل شرعي. ومعى أيضا نموذج لبيانات انتخابية، كنت أعطيها للناس، بعد ذلك أصبح مـركـزي جيداً ولى نشاط، والناس تثق بي، لكن فوجئت أننى فقدت هذه الشرعية عندما تم عزلى من الاتحاد الاشتراكي عام 1963. ونتيجة لذلك العزل وصلني خطاب فصل من النقابة لأنه لا يوجد موقع قيادي لا يكون صاحبه عضواً في الاتحاد الاشتراكي. أخذوا منى العضوية وبالتالي جاءني فصل من نقابة المعلمين. بذلت الجهد وتعرضت للمعاناة حتى تم رفع العزل، وقد كان لرؤسائي في العمل الجهد الأكبر في المساندة، ورفع التقارير التي تشهد بإخلاصي في عملي ووطنيتي للمسئولين. بعد ذلك في 68جاءت انتخابات الاتحاد الاشتراكي، تقدمت إلى انتخابات الاتحاد الاشتراكي عن وحدة منطقة شرق القاهرة التعليمية، وقد فزت في الانتخابات بأغلبية كبيرة، ثم فزت أيضا بموقع الأمينة المساعدة للوحدة بالانتخاب. وهنا حدثت أشياء أثرت في مجرى مسيرتي، في ذلك الوقت كان لى وضع شرعي في نقابة المعلمين وكنت الأمينة المساعدة للوحدة في الاتحاد الاشتراكي، وأعمل في العلاقات العامة. فجاء شهر رمضان وفكرت أن أقوم بنشاط في النادي الفرعي للمعلمين وكان في العباسية هذا النادي كان فارغاً لا أحد يذهب إليه، وفكرت أن أقوم بحركة تنشيط لهذا النادي، واخترت شهر رمضان بالذات. فأعددت مجموعة ندوات بحيث يكون هناك ندوة كل أسبوع. ففي الأسبوع الأول الذي وافق 23/11/68 كـان يوافق ۲ رمـضـان، كانت أول ندوة عن التعبئة القومية في القرآن الكريم وتكلم فيها الأستاذ الشاعر على الجمبلاطي كبير مفتشى اللغة العربية بالوزارة. في الأسبوع الثاني نظمت ندوة عن حرب الشعب تكلم فيها الأستاذ طاهر عبد الحكيم المعلق السياسي بجريدة الجمهورية والخبير في حرب فيتنام، وأعقب المحاضرة فيلم سينمائي عن حرب الشعب في فيتنام، وهكذا بدأ النادي ينشط وتأتى إليه الناس. ثالث ندوة كانت المقاومة الفسطينية ودورنا نحـو تدعيمها، تكلمت فيها الأستاذة سميرة أبو غزالة رئيسة رابطة المرأة الفلسطينية وإحدى المقاتلات من حركة فتح. وهذه الندوة بالذات كان لها أهمية خاصة لأنه قد اتخذت فيها قرارات مهمة لمساندة المقاومة الفلسطينية، وتم تنفيذها على مستوى جميع مدارس المنطقة والعاملين فيها.
وخلال المسيرة الطويلة هناك مكاسب كثيرة تحققت، وهناك أخطاء كثيرة وقعت فيها. ممكن أن أقول لكم فق نموذج من المكاسب التي تحققت، وباختصار شديد بعض الأخطاء لكي لا يقع أحد فيها.
في البداية تحقق مشروع مثل التأمين الصحي الذي وضعته وتبنته اللجنة النقابية للعاملين بمنطقة شرق القاهرة التعليمية، وكنت إحدى أعضاء اللجنة بالانتخاب. هذا المشروع يعتبر النواة لمشروع التأمين الصحي على مستوى الجمهورية، هناك مثل آخر: مشروع دور النصر العلاجية، هذا من خلال برلمان مصر الجديدة الصغير. أنا كنت أسكن في مصر الجديدة، وكان لدينا نشاط مع عضو مجلس الشعب في هذا الوقت، أتاح لنا فرصة العمل، وأعطى لنا حجرة في مقره، فعملنا برلمان مصر الجديدة الصغير، وكانت رئيسة هذا البرلمان سيدة فاضلة هي السيدة نادر صبور، وهذه السيدة كانت أول أم مثالية لمصر، من خلالها تمت إنجازات كبيرة جدا للحي، وكان أهمها مشروعاً لمحو الأمية. دور النصر العلاجية كانت مشروعاً علاجياً ينتفع به سكان مصر الجديدة للآن. والشئ الذي يضايقني أنا شخصيا أننا ذهبنا إلى معظم بيوت مصر الجديدة، وعملنا لهم الاشتراكات والاستمارات ونسيت أن أعمل لنفسي، هم الآن مستفيدون من هذا المشروع .
هناك نقطة أخرى كانت مهمة جداً بالنسبة للموظفات، وهي تبني مشروع تعديل قوانين المعاشات والتأمينات الاجتماعية للمرأة، والمطالبة بالجمع بين مرتب المرأة ومعاشها عن زوجها أو أبيها، وهذا لم يكن موجوداً من قبل. فقد كان هذا القانون يضطر المرأة أحيانا إلى أن تترك عملها نهائياً حتى تحتفظ بالمعاش الأكبر. تعدل هذا القانون وأصبح الآن الجمع بين المعاش والمرتب بدون حدود.
النجاح في إلغاء التفرقة بين المعلمين التي كانت تقسمهم إلى فئات حسب مؤهلاتهم، فئة أ، وفئة أ، وفئة أ. طبعا المعلمون يمثلون تكتلاً كبيراً، وقوة ضغط كبيرة، وهذا كان يفوق نشاطنا، لأن كل فئة كانت تحاول أن تأخذ مكاسب للفئة الخاصة بها، الآن اعتقد أن المعلمين كلهم أصبحوا شيئاً واحداً.
نجاح الخطة الشعبية لمحو الأمية التي وضعتها وحدة الاتحاد الاشتراكي بمنطقة شرق القاهرة التعليمية وحددت لها زمناً محدداً، واستغلت في ذلك المصانع، والمدارس، والمؤسسات في محيط المنطقة. وقد نجحت في مـحـو أمـيـة المئات من العاملين والعاملات، وربات البيوت، وتم رصد مكافآت تشجيعية للقائمين بهذا العمل، وتم إلقاء الضوء على مجهوداتهم في مجلة المنطقة. ولما كانت الأمية من أكبر همومي ودائما في دائرة اهتماماتي، فقد قمت بمحو أمية بعض السجينات في سجن النساء بالقناطر الخيرية، حيث كنت مسجونة معهم وهذه القصة طويلة تحتاج لمحاضرة خاصة.
من الإنجازات التي تمت أيضا إنشاء الجمعية الفلسفية، وتسجيلها في وزارة الشئون الاجتماعية عام 58، هذه الجمعية ما زالت قائمة للآن، استولى عليها أساتذة كلية الآداب وأصبح لا علاقة لنا بها. وأحب أسجل هنا للتاريخ أن الفضل في هذه الجمعية يرجع إلى اثنين من زملائي كانوا معي. الله يرحمه الأستاذ إسماعيل المهداوي، وزميل آخر لنا اسمه الأستاذ عيسي جبران، نحن الثلاثة اجتمعنا وجلسنا في حديقة الأزبكية وكان يوجد كازينو اسمه الجبلاية، وفكرنا في الجمعية وعملنا خطتها، وكان لنا صديقة لها علاقة بوزارة الشئون الاجتماعية وسجلناها، وهذه الجمعية قامت بنشاط جيد جدا، وكان يجب أن يكون لها مقر. كان يوجد في ميدان الأوبرا جمعية اسمها جمعية المعلمين، وأنا ذهبت واشتركت في الجمعية واعطوا لنا حجرة، لأن التسجيل يجب أن نقول فيه مقرها كذا. وبدأنا في عمل ندوة كل أسبوع، وترجمنا كتباً وفي يوم نظمنا ندوة مناظرة بين الماركسية والوجودية، ودعونا الأستاذ محمود أمين العالم عن الماركسية، والأستاذ أنيس منصور عن الوجودية، وقبل أن ما تبدأ الندوة جاءت المباحث وألغت هذه الندوة، وبعد ذلك قبض علينا. وأيضا من الشخصيات العظيمة التي أذكرها وكان لها فضل في أن تسجل هذه الجمعية، كان لنا أستاذ محمد حسن ظاظا مفتش الفلسفة، اقنعناه أن يتولى رئاسة الجمعية، فوافق وطبعا اسمه كان له احترام وله ثقل كبير فتمت الموافقة لنا على الجمعية. والجمعية تعمل حتى الآن. وقرأت هذا الأسبوع أنها تعد احتفالية للدكتور حسن حنفي، هذه الإنجازات تمت بجهد جماعي من أناس يحبون هذا الوطن. وإذا كانت المعوقات كثيرة، والجهود مضنية فقد فاقت المكاسب كل التضحيات.
هناك بعض الأخطاء، لعل أكبر خطأ وقعت فيه، هو أنني وصفت انقلاب 15 مايو عام ٧١ بعد وفاة جمال عبد الناصر بأنه ثورة. وقد كان هذا الحكم من منطلق وضع شخصي وقصور في الرؤية والتحليل العلمي السليم. معظم المعاناة التي تعرضت لها كانت في الفتـرة قبل 15 مايو. أنا أسجل أن هذا خطأ لأني سجلته في بيان، بيـان محسوب على وأنا أعترف أن هذا كان خطأ وقعت فـيـه، وأقـول للناس لا تصـدروا أحكاماً من منطلقات شخصية لابد أن تكون موضوعية أكثر.
من خبرتي في العمل الجماهيري اكتشفت أنني وقعت في أخطاء سببت لي إحراجاً وارتباكاً كبيرين، ومن هذه الأخطاء توعية الجماهير البسيطة بقضايا كبيرة بعيدة عن مصالحهم المباشرة، واستغلال ثقتهم الزائدة في طلب ما يفوق قدراتهم، وعندي أمثلة كثيرة.
هناك مواقف متعلقة ببعض تلميذاتي وأهمهم شاهنده مقلد، ولا أدري إذا كانت ضمن أخطائي أم ماذا؟ منها أنني استغليت حماسها الزائد وحسها الوطني العالي في أنشطة متعددة وفي الطواف على المنازل لإقناع المرأة بقيـد اسـمـهـا فـي جـداول الانتخابات، مما استدعى أننا كنا نعود من جولاتنا في وقت متأخر من الليل ونحن في بلد صغير، ولم انته من ذلك إلا عندما فوجئت بوالدتها تأتى إلى سكن المدرسات في ساعة متأخرة لتسأل عن ابنتها، وتوجه لي نقداً شديداً أمام كل من في السكن ومعها حق في ذلك.
هناك موقف آخر أخذته شاهنده على مسئولياتها وكان ضد رغبتي ولكني اعتبرت في النهاية المحرضة عليـه لأنها كان تلازمني معظم الوقت وتشارك في كل الأنشطة. هذا الموقف هو قصة زواج شاهنده عندما أحبت الشهيد صلاح حسين وكان ابن عمتها، وكانت تحبه وهو يحبها ويريدون أن يتـزوجـوا. وعندما ذهبت عمتها إلى والدتها لخطبتها قالت والدتها أنا أقطع شاهنده وأعطى جزءاً لكل شخص إلا صلاح، لأنه كان غير مستقر في دراسته وعمله فكانت الأسرة رافضة، وشاهنده معجبة بابن عمتها وهو مناصل وهي تحبه وتريد أن تتزوجه، فجاءت لي في مصر وقالت لي يا أبله وداد أنا قررت أهرب أنا وصلاح من شبين، قلت لها يا شاهنده بهذا الشكل سوف تفسدين كل ما قمت به، أنت الآن لديك صورة جميلة بين الناس، وأصبحت قدوة للبنات اللاتي في سنك، لأنها كانت صغيرة، وعندما تقومين بعمل مثل هذا العمل في بلدة صغيرة، فأنت تضيعين كل المكاسب التي حصلت عليها. وحاولت أن أعظها، وكنت أعي الكلام الذي قلته لها، فقالت لي أنها توافق على كلامي وذهبت إلى منزلها، وبعد ذلك وجدت أنها تروجت. هربت من شبين، وأنا متحفظة في هذه النقطة. بعد الزواج والضصال المشترك والمكاسب التي تحققت قبل الاستشهاد وبعده، لا أدري إذا كانت نصيحتي لها قبل الزواج خطأ أم صواباً خاصة وهي للآن لا تنسى لى هذا الموقف.
بعد نقلى من شبين الكوم وعملي في مدرسة بالقاهرة أقنعت طالباتي في الثانوية العامة بالمشاركة في المظاهرة النسائية لإنقاذ جميلة أبو حريد من الإعدام، وكان حماس الطالبات كبيراً جداً. وكانت هناك ظروف وملابسات تعرضت لها الطالبات وكان هناك غضب من الأهالي وإدارة المدرسة تحملت تبعاته لفترة طويلة.
في العيد السادس لثورة ٥٢ سنة ١٩٥٨ خصص الاتحاد القومي مقصورة للسيدات أمام المنصة في الاحتفال بعيد الثورة وهذا كان في ميدان الجمهورية، وحاولنا أن يكون لنا استعداد خاص للاحتفال خاصة عندما عرفنا أننا سوف نجلس في مقصورة خاصة للسيدات أمام الرئيس جمال عبد الناصر. وكان لنا مطالب وحاولنا ترتيب هذه المطالب وحاولنا أن نجهز هتافات معينة لمطالبنا نقولها مباشرة لعبد الناصر بدون أي واسطة من أحد. هذا ما رتبناه، وكان لنا استعداد خاص لهذا الاحتفال من حيث حشد أكبر عدد ممكن من السيدات ومن الالتزام بهتافات معينة أردنا توصيلها مباشرة للرئيس عبد الناصر، وبجهد شخصي تمكنت من دعوة مجموعة من الطالبات الإندونيسيات بملابسهم الوطنية، ومن العراقيات والسوريات ومن البحرين، ومنهم الفتاة التي قطعت أنابيب البترول أثناء العدوان الثلاثي على مصر (كنا نذهب لهن أنا وشاهنده في بيت الطالبات المغتربات) ومن بلاد عربية أخرى وقد كان كل أملهن رؤية الزعيم عبد الناصـر وجهاً لوجه. وتكلفت أنا بمفـردي بنقل كل هؤلاء الطالبات بتاكسيات من بيت الطالبات بالدقى إلى مقر الاجتماع ثم توصيلهم بعد انتهاء المؤتمر بتاكسيات أيضاً إلى بيت الطالبات، وكانت مهمة شاقة، وقالت لي وقتها إنجى أفلاطون في تلك الليلة (أنت مجنونة). بعد ذلك حدثت مشكلة كبيرة من إدارة بيت الطالبات ومن بعض السفارات ومن الجامعة العربية، ليس لأنهن حضرن المؤتمر لكن لإجراءات إدارية كثيرة يجب أن تتبع في مثل هذه الظروف. ليس لدي الآن سوى أن أشكركم لإتاحة الفرصة لي للكلام.
د. سحر صبحی:
نحن الذين نشكر الأستاذة وداد شكراً جزيلاً جداً على قيمة التجربة وصراحة العرض، لكن الأستاذة شاهندة وردت ضمن أخطاء الأستاذة وداد فقط، ونريد أن نضيف إلى هذا الموضوع أن الأستاذة شاهندة كانت تلميذة للأستاذة وداد ورفيقة وصديقة ونطلب من الأستادة شاهندة أن تعطينا شهادة قصيرة عن الأستاذة وداد لتكمل لها الصورة ولو دقيقة واحدة.
أ. شاهندة مقلد:
أهلا بكم وأشكركم على استقبال وداد هذا الاستقبال الجميل لأنها إنسانة جميلة وتستحق كل تحية وتقدير، وداد أستاذتي وأنا سنة 53 – 54 على امتداد كل هذه السنوات أنا تتلمذت على يديها سياسياً ووطنيا وأخلاقياً وإنسانياً وكل شئ. وداد كانت أستاذتي عندما كنت تلميذة. تعلمت منها كيف أحب وطني وبلدي، وكيف أضحى من أجل الناس وكيف أكون قريبة منهم، ولا أتعالى عليهم ولا أقلل من وعيهم. وإذا كانت هي تنتقد نفسها، فهي لم تكن تفرض على الناس موقفاً أكبر منهم، بالعكس ميزة وداد أنها كانت تستطيع أن تأخذ من الناس مثلما تعطى. المرحلة التي ربتني فيها وأنا صغيرة في وسط شبين الكوم ووسط العمل الوطني في 56 اعتقد أن هي التي نقلتني إلى مستوى الوعي الأكبر ومكنتني أن أستمر حتى هذا العمر الطويل كواحدة منتمية لجماهير الشعب المصري، منتمية للفقراء.
وأنا أريد أن أقول إنني كنت مشكلة لوداد، أنا كنت أكره المدرسة جداً، وكنت أود أن تأتي قنبلة تكسر جميع المدارس في العالم ولا أدخل المدرسة، لكن عندما التقيت بوداد بدأت أحب الذهاب إلى المدرسة لأتعلم منها، لأني كنت أريد أن أصبح مثل وداد، فهي جعلتني أحب المدرسة كمدرسة، وأعطتني إحساساً بأن المرأة لابد أن تتعلم وتتثقف وتستقل وهذا ما قلته لكل زميلاتي، وعندما تركتني وداد وانتقلت إلى القاهرة وأنا انتقلت لقنا كان كثير جداً من زميلاتي لا يريدون إكمال تعليمهم، ومنهم فريال صالح وهي في التلفزيون الآن.
أريد أن أذكر الجانب الإنساني في علاقتنا، علاقتي مع وداد علاقة حميمة لأنها تحولت إلى أسرتي وأصبحت الأم والأخت والصديقة سوف أذكر بعض الأشياء عندما كنت أذهب لها في منزلها، فكانت هي سيدة مرتبة ومنظمة وأنا سيدة فوضوية، فأنا أحب أن أمشي حافية (فكانت تجيب لي الشبشب أقلعه وأمشي، فتروح جايبة الشبشب ومديهولي ثاني فبقت تخجلني، وبعدين في الآخر قلت لها يا أبلة وداد أنا مش عايزه ألبس الشبشب، ولا أبلة وداد قدرت تخليني أتعلم ألبس الشبشب ولا أنا قدرت أخليها تتنازل عن ده) ولن أنسى دور وداد والدكتور سعد وأسرتها كلها في أيام استشهاد الشهيد صلاح حسين لأن الدكتور سعد كان أستاذاً في جامعة عين شمس في كلية الهندسة، ووداد في مكانها، برغم ذلك كان هناك تضييقاً على مؤتمرات ذكرى الشهيد صلاح حسين باعتبارها تأخذ جانباً أكثر ثورية في هذه المرحلة، والدكتور سعد كان موجوداً دائماً في البلد وموجوداً بين الناس. وسيارته دائماً مليئة بالفلاحين، ليذهبوا للمؤتمر ويحضرهم ويتركها تماماً للفلاحين ليقودونها، لدرجة أن السيد شعراوي جمعة استدعاه للتحقيق معه، رغم أنه لم يكن له علاقة بالسياسة، وداد طبعاً كان لها علاقة بالسياسة.
الحديث عن وداد لا ينتهي ومن ضمن الأشياء التي سببت لها فيها متاعب – وحتى اليوم وأنا أسبب لها المتاعب – أنها قد انتظرتني اليوم ولم أحضر في الموعد، فطوال عمرها تنتظرني وأنا أتأخر. وأنا أقول لوداد أنتى أستاذتي، وسوف تبقين أستاذتي وأنا تلميذتك وأتمنى أن أكون نجيبة.
د. سحر صبحي:
سوف تقدم الآن الأستاذة زينب الإتربي، وسأكون موجزة جداً في تقديمها، وهي من أوائل المتعلمات، ومن أوائل العاملات في مصر حصلت على الشهادة الابتدائية سنة ١٩٢٥، وحصلت على ليسانس الآداب قسم جغرافيا جامعة القاهرة سنة 35، ودبلوم معهد التربية سنة 37، عملت مدرسة في مدرسة حلوان الثانوية وكانت من أوائل المدرسات المصريات، ثم في مدرسة السنية، وبعد هذا عملت في المعهد العالي للتربية مدرسة في جامعة عين شمس، أي أن حياتها كلها في مجال التدريس. وأنا لن استفيض أكثر من ذلك لكن أريد أن أعرض عليكم آثارها كإنسانة وكمدرسة من خلال وضعها الوظيفي، أثرها الذي تركته على تلميذاتها، فهي قد ريت جيلاً من التلميذات ومعى شهادات من مجموعة من تلميذاتها، أحب ان اقراها على حضراتكم من باب عرض أثرها. ومعنا هنا واحدة من تلميذاتها، الأستاذة معالي كيرة ناظرة مدرسة بورسعيد، وهذه هي شهادتها التي تقول فيها: “المربية الفاضلة والأم الحنون الأستاذة زينب الإتربي علمتنا في المرحلة الثانوية مادة الجغرافيا فكان شغفنا بها عظيماً، حيث فتحت علينا النوافذ على العالم كأننا نجوب أرجاءه معها، فاستمتعنا بمادة الجغرافيا استمتاعاً لا حدود له، ولم تكن أبلة زينب الإتربي أستاذة جغرافيا فقط بل تعلمنا منها المبادئ والخلق السليم، تعلمنا تحمل المسئولية واحترام الصغير للكبير، فقد كانت هي قمة الاحترام، متألقة في ملابسها وسلوكها وعملها ومعاملتها للكبير والصغير، جازاها الله كل الخير وأطال عمرها بالصحة والسعادة .
ومعى أيضاً شهادة الكاتبة الكبيرة الدكتورة نعمات فؤاد: “درست لي أبلة زينب في عام 39، ورغم أن الجغرافيا مادة مخيفة إلا أنها جعلتها علماً جميلاً، كانت تتناوله بفكاهة، فحين كانت تناقش معنا الامتحانات برقة كانت تقول لزميلة لنا: أنت راسمة استراليا زي البسكوته بتحبى البسكوت، فتعلمنا منها الرقة في المعاملة، وكانت أنيقة جداً، فكان عندها أفرول تلبسه أثناء التدريس، وكانت تخيط وترسم خرائط وتستعمل الطباشير، تعلمنا منها الأسلوب الراقي في الحديث، لم نسمع منها لفظاً خارجاً أو لفظاً جارحاً أو صوتاً عالياً، تعلمنا في مدرسة حلوان الثانوية الانضباط ونشأنا على هذا، لأن كان أمامنا نماذج مثل أبلة زينب، نماذج رقيقة مرسومة، كأن الخالق الأعظم رسمها وتفنن فيها. فهي شخصية أثرت ودخلت في تكويننا، كانت طول حياتنا نبراساً أمامنا، نغوص في قضايا سياسية ونتعرض لوعد ووعيد، كنا نستلهم النموذج الرفيع ونسترشد بخطاها، تعلمنا منها كيف تتصرف كيف نتكلم، رقة الصوت نوع الألفاظ، لقد نسجتنا خيطاً خيطاً بدون عشوائية في التشكيل، كنا كالأهل، ففي الداخلية تصبح المدرسة هي كل شئ. المدرسة والبيت والمدرسين والزميلات هم الأهل، كان لدينا انتماء شديد لمدرستنا حلوان الثانوية، كان يظهر في مباريات الكرة في المدرسة السنية مثلاً، وكان يظهر بعد فترة من الإجازة الصيفية، فنشعر بعدها بالشوق للعودة للمدرسة ثانية. وفي النهاية أبلة زينب علمتنا كل ما هو جميل، فكانت الدماثة الشخصية الراقية الألفاظ الراقية الأناقة والشفافية. والشعب المصرى قمة المدح عنده أن يقول فلان من بيت وأنا أقول إن أبلة زينب الإتربي أستادة من بيت“.
الدكتورة نعمات فؤاد ستصدر قريباً كتاباً عن حياتها وتجربتها يتضمن جزءاً كبيراً عن مدرسة حلوان الثانوية وعن دور الأستاذة زينب في حياتها.
معى شهادة أخرى للأستاذة إجلال السباعي مدير المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية: “فتحت عيناي على العالم من الناحية العلمية والعملية معاً، فربطت بين الجغرافيا الطبيعية والفلكية والمعارف والممارسات اليومية. أنشأت الجمعية الجغرافية بالمدرسة فعشنا فيها على خريطة أفسح، نقلتنا نحن الصغار بين الأقاليم المناخية والطبيعة والأفلاك فنمت فينا الخيال والعلم معاً. علمتنا أن المادة المدروسة هي معرفية وخيالية وفنية في آن، ففي الجمعية الجغرافية وتحت إشرافها تعلمنا رسم الخرائط وعمل المجسمات، وبذلك نمت فينا مهارات عقلية ويدوية أكدت وثبتت معارفنا، فربطت بين العلم والحياة. كانت مدرسة قديرة متمكنة من أدواتها محبة لتلميذاتها عوضتنا نحن طالبات القسم الداخلي عن غياب الأسرة باهتمامها بالجوانب الشخصية لحياتنا وإشرافها الصارم على نظافتها وحرصها على توجيهنا ومشاركتنا وجدانياً. أحببتها فحـدوت حذوها، وعندما تركت المدرسة لألتحق بالجـامـعـة أخـتـرت التخصص في الجغرافيا آملة أن أكون يوماً مثلها“.
أريد ان أوضح أنني كان عندي صعوبة شديدة في الحصول على شهادات من التلميذات، لكن أود أن أتوجه بالشكر لأسرتها والتي حاولنا معها أن نتتبع تلميذاتها بصعوبة. معى شهادة الأستاذة ملكة عليشة، وكانت تلميذة في مدرسة حلوان الثانوية وعملت بالتدريس وأصبحت ناظرة في مدرسة حلوان الثانوية أيضاً وتقول: “إن الحديث عن أستاذتنا الجليلة زينب الإتربي لابد وأن يكون مزيجاً من الأحاسيس والمشاعر، فقد كنا نكن لها تقدير المعلم وحب الأم واحـتـرامـهـا، رغم أنها لم تكن تكبـرنا كثيراً، لقد أمتعتنا بألفة خففت عنا معاناة الغربة وحببتنا في الجغرافيا. شعرنا أننا نطوف العالم معها نعبر قاراته ونحلق فوق بحاره ومحيطاته حتى أحببت الجغرافيا وتمنيت أن أدرسها، ورغم إصرار أبي على أن التحق بكلية الطب، بدأت أعيد التفكير ثانية ولكني لم أستطع التخلص من حلمي في دراسة الجـغـرافـيـا فالتحقت بكلية البنات حيث تخصصت في الجغرافيا، وكانت طريقة أبلة زينب وأسلوبها في التدريس في المثل الأعلى لى دائماً أملاً وهدفاً سعيت إليه، منعها الله بالصحة والعافية جزاء لما تعلمناه منها من علم وما أسعدتنا به أثناء تتلمذنا على يديها الحانيتين“.
أريد أن أشكر الأستاذة زينب على تشـريفـها لنا اليوم، أشكرك شكراً جزيلاً لأننا الحقيقة أثقلنا عليها في الطلب، وكتبت لنا ورقة عن تجربتها وسوف تقرأها الأستاذة آية كامل عن والدتها:
الأستاذة زينب الإتربي:
اسمحوا لي في البداية أن أشكر وأهنئ ملتقى المرأة والذاكرة على فكرة تقديم أوائل السيدات الرائدات في التعليم والعمل، وسأقـرأ بعض الخواطر التي كتبتها والدتي: ولدت وعشت طفولتي مع أسرتي وأخواتي البنات بقرية إخطاب بمحافظة الدقهلية، وكانت القرية كلها تتكون فقط من بيوت العائلة أعمامي وعماتي وأخوالي وخالاتي وأسرهم. تخرج والدي من الأزهر الشريف وكان حاصلاً على إجازة العالمية، فكان رجلا مستنيراً يحب العلم ويحترم المثقفين، وكانت والدتي وهي قريبة والدي سيدة رزينة وقورة قوية الشخصية. كان بيتنا في القرية مركز التقاء سيدات العائلة كل يوم بعد صلاة المغرب، فالتزاور كان هو التسلية الوحيدة في ذلك الوقت، أرسل أبي أخواتي الكبار للتعلم في مدينة المنصورة فألحقنا بالقسم الداخلي لمدرسة المنصورة الابتدائية، وحصلت أختى الكبرى على الشهادة الابتدائية وتوقفت عند هذا الحد من التعليم، بعد أن حصلت على قسط كبير من مهارات الأشغال اليدوية كالخياطة والبرودريه والكروشيه، وكذلك بعد أن أجادت اللغة الإنجليزية إجادة تامة كتابة وحديثاً، حيث كان معظم المدرسات من الإنجليز في ذلك الوقت. أما أختى الثانية صفية فقد حصلت على الشهادة الابتدائية من المنصورة الابتدائية، ثم أرسلت للالتحاق بالمدرسة السنية بالقاهرة، وبعد حصولها على دبلوم السنية عينت مدرسة بإحدى المدارس الحكومية في ذلك الوقت. أما أنا وكنت أصـغرهن، فحينما بلغت سن التعليم بدأت أختي الكبرى بتعليمي اللغة الإنجليزية، والتحقت بمدرسة القرية لأتعلم اللغة العربية والحساب، وكانت المدرسة خاضعة لإشراف مجلس المديرية التعليمي. وبعد أن أديت امتحاناً في مادة العلوم ألحقت بالصف الرابع الابتدائي بالمنصورة الابتدائية لألحق بأخواتي بالقسم الداخلي، كنا نقضي طول الوقت بالمدرسة ونعود لبلدتنا في الأعياد والإجازات فقط، وكنا ننشغل في الإجازة الصيفية بخياطة ملابسنا وبالأشغال اليدوية والفنية، وكان أبي يشجعنا على ذلك بشراء الباترونات الجاهزة كالفوج وكتالوجات الأزياء والخشب وعمل الأركت، كذلك اشترى لنا بيـانـو لنـتـدرب عليه أثناء الإجازة الصيفية، ومن مدرساتي التي أحببتهن في المنصورة الابتدائية أذكر مس هاندلی مدرسة الرسم والسيدة كاترين لولى مدرسة البيانو وقد حببوني في الرسم والموسيقى منذ الصغر.
حصلت على الابتدائية من مدرسة المنصورة الابتدائية عام ١٩٢٤، وفي عام ١٩٢٥ قرر والدي إرسالي إلى القاهرة للالتحاق بالتعليم الثانوي، وكان قد بدأ في ذلك العام التعليم بمدارس البنات على نسق مدارس البنين الثانوية، فالتحقت بمدرسة شبرا الثانوية للبنات، وأمضيت بها 5 سنوات هي مدة التعليم الثانوى وكنت بالقسم الداخلي حينئذ. وكانت مصاريف الداخلية 40 جنيهاً في السنة، وكانت الناظرة السيدة الفاضلة إنصاف سرى، وكانت من أوائل السيدات اللاتي أرسلتهن الوزارة في بعثات دراسية للخارج وعدن للعمل في تعليم البنات. اشتهرت في المدرسة بحسن الخط وبحبي للرسم، وكانت أبلة زينب عبده مدرسة الرسم حينئذ هي مثلي الأعلى، وقد شجعتني أبلة إنصاف سرى على تنمية قدراتي في الرسم، بل رشحتنی ۳ مرات على التوالي للسفر في بعثة للخارج على نفقة الوزارة لدراسة الرسم ولكني رفضت. كنت أحب الألعاب الرياضية وخاصة الجمباز، وما زالت أذكر جائزتي في أولى ثانوي وكانت علبة قطيفة خضراء تصدر موسيقي، ولا أنسى كذلك مدرسي الجليل الشيخ عبد اللطيف المغربي مدرس اللغة العربية في مدرسة شبرا الثانوية، وكان شيخاً معمماً وكان يشجعني لتميزي في التعبير، وكان يقول لي ولصديقة عمري رحمها الله جملة شهيرة وهي أنت تغرفين من بحر وأنت تقدين من صخر، وكانت صديقتي عبقرية في الرياضة والعلوم ولا تحب الفروع الأدبية. أما في القسم الداخلي فقد كانت المسئولة عنه سيدة إنجليزية تدعى مس هوفمان، غرست فينا الكثير من العادات الحميدة التي لازمتنا طول عمرنا، علمتنا النظام والانضباط والمحافظة على المواعيد وتنظيم الوقت.
كنت أسافر إلى القرية لأقضى الإجازات مع أسرتي وكان السفر وقتها مشقة، فكنت أستقل سيارات تاكسى الأقاليم وأذكر أنه في إحدى المرات انقلبت بي السيارة وكدت اقع في النيل، كما أن الحياة بعيدة عن الأهل كانت مشقة كذلك، وأذكر أنني اضطررت للسفر من بلدتي إلى القاهرة ليلة امتحان البكالوريا وكنت مريضة بالبراتيفود مرضاً شديداً أعقبـه هبوط في القلب، وأديت الامتحان وأنا أعاني من ارتفاع في الحرارة والقشعريرة وزرقة الأظافر. كنت أول فتاة في العائلة تواصل تعليمها للمرحلة الثانوية، وكان موضوع تعليمي وما أعانيه من مشقة هو الحديث الرئيسي في اللقاءات اليومية لسيدات العائلة بمنزلنا بالقرية، وكان الأقارب تتنازعهم المشاعر المتعارضة، الرغبة في تعليم بناتهن والخوف والشفقة عليهن من مشقة رحلة التعليم. وبالرغم من هذا فقد ظلت لفترة طويلة الوحيدة من بنات العائلة التي استمرت في التعليم، ففي الوقت الذي كنت أستعد فيه لدخول الثانوي عام ١٩٣٥ كانت ابنة عمي تستعد للزواج، أما بقية العائلة فقد تعلموا حتى الثالثة الابتدائية وما دونها.
ظهرت نتيجة البكالوريا وكان ترتيبي الـ 66 على مجموع الناجحين، وتوفي والدي في ذلك الصيف، وشجعتني والدتي على المضي في طريقي والسفر إلى القاهرة لدخول الجامعة. وفعلاً قدمت أوراقي للجامعة وبقيت مشكلة الإقامة بالقاهرة، ذهبت إلى الأستاذ عوض إبراهيم وكـان وكيلاً لوزارة المعارف حينئد، وقد سمح لي وبعض الزميلات من الأقاليم بالإقامة في القسم الداخلي بمدرسة الأميرة فوزية (التي هي شبرا الثانوية سابقاً)، والتي كانت قد نقلت إلى بولاق. دخلت الجامعة سنة 1930 وكنت ضمن ثانی دفعة من السيدات تدخل كلية الآداب، وكان عددنا 4 سيدات. في السنة الأولى نجحت ثم انتقلت للسنة التالية، وفي بداية العام الدراسي وهو عام التخصص جائنی مسیو کاميل وكان مديراً لمكتب الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب في ذلك الوقت، وأبلغني أن الدكتور طه ينتظرني في مكتبه، ولما ذهبت لمقابلته أبلغني أنه قد استعرض النتائج، وأنني قد حصلت على أعلى درجات في اللغة العربية في السنة الأولى، وأنه يرى أنه من الأفضل أن التحق بقسم اللغة العربية، ولما كنت قد عقدت العزم على الالتحاق بقسم الجغرافيا التي كنت أعشقها لذلك قد أعتذرت له وقلت له إننى أحب الجغرافيا وأرغب في دراستها فقال لي وقتها كما تشائين.
لم أتمكن من الدخول مع دفعتي في أمتحان الليسانس عام ٣٤ حيث فاجأني مغص كلوي حاد منعني من أداء الامتحان، وتخرجت في العام التالي عام 35 في جامعة فؤاد الأول، والتحقت في نفس العام بمعهد التربية العالي للمعلمات بالزمالك بعد حصولي على الليسانس قسم جغرافيا، وحصلت على دبلوم معهد التربية الذي يؤهلني للتدريس، في عام ١٩٣٧. كـان مـرتب أول التعيين حينئذ 15 جنيه، عينت في مدرسة حلوان الثانوية للبنات وكانت هيئة التدريس بها خليطاً بين الإنجليز والفرنسيين والمصريين، كانت المشكلة أمامي أنه لم تكن هناك كتب مقررة، كان يجب علىَّ إعداد كراسة تحضير وجمع مذكرات أدرسها، فالتجأت إلى أساتذتي بالجامعة، وعاونني كل منهم في البداية، عوض بك في الجغرافيا الطبيعية والدكتور حزين في جغرافية المناخ ومصطفى بك عامر في الجغرافيا الاقتصادية، كذلك كنت أجمع المراجع الإنجليزية والفرنسية كالجيوجرافي ينيفرسال، ودأبت على مدى عام كامل على إعداد مـادة كـراسـات التحضير.
كنت أسهر كل يوم لأحضر دروس اليوم التالي من المراجع والكتب التي كان يصل عددها في بعض الأحيان إلى أحد عشر مرجعاً في وقت واحد، وأصبح لدى سبع كراسات تحضير أشاد بها يوسف بك مجلي المفتش القدير المشهود له بالدقة في ذلك الوقت. أقمت بالقسم الداخلي بحلوان الثانوية واخترت حجرتي بالدور الثاني بجوار حجرة الجغرافيا، أخرجت من مخزن المدرسة الخرائط ووسائل الإيضاح اللازمة لترتيب حجرة الجغرافيا وانشأت بها مرصداً به دوارة للريح لحساب اتجاه وسرعة الريح، وساعدني فني المعمل في توصيل الأجـهـزة لسطح المدرسة، ووضعت جهاز الباروميتر وباروجراف لتسجيل الضغط الجوى وهايدروميتر لقياس الرطوبة، وكنت أشرك الطالبات في إصدار نشرة أسبوعية لقراءات الضغط والرياح والتنبؤ بحالة الجو. أتذكر أنني في العام الأول من التدريس لم أتمكن من رؤية الحديقة اليابانية بحلوان، وهي على بعد دقائق من المدرسة إلا في آخر يوم من العام الدراسي وذلك لشدة انشغالي بالتحضير والتدريس. حضرت الدرس الأخير وكان جزر الهند الشرقية ونزلت للفرجة على الحديقة. في الفصل كنت أحب التدريس واستمتع به، وكنت أرسم 4 خرائط على السبورة قبل بداية كل حصة للشغل عليها مع البنات، ولما كانت معظم الطالبات من سكان حلوان والباقي بالقسم الداخلي، فكنت أجمعهن لإعطائهن دروساً إضافية، وكانت نتيجتى دائماً مائة بالمائة.
لم يقتصر دوري في الفصل على التدريس، ولكني كنت أتدخل في طريقة اللبس والتسريحة، فكنت أحب تلميذاتي كثيراً، وأتبرع بنصحهن، ورغم التعب في التدريس إلا أن كل هذا كان يزول مع ظهور النتائج، فنجاح الطالبات كان أكبر مكافأة لى على التعب طول العام. عملت بحلوان الثانوية خلال 5 سنوات، ثم نقلت إلى المدرسة السنية فعملت بها 4 سنوات، وكنت قد تزوجت في هذه الأثناء ورزقت اثنتان من بناتي، وتدخلت أمي في ذلك الوقت لإثنائي عن العمل وعرضت علىَّ أن تعوضني إذا ما تركت التدريس فكانت تعتقد أن التدريس مع أعباء الأسرة الجديدة سيرهقني، فقلت لها في ذلك الوقت “يا نينتي أنا أحب التدريس ولا أتصور حياتي بدون تدريس“. عينت بعد ذلك أستاذة بمعهد التربية العالي للبنات بجامعة عين شمس، وبقيت به إلى أن أحلت على المعاش. أنا راضية والحمد لله وسعيدة بما أنجزت في حياتي خاصة حينما أسعد واستمتع بنجاح تلميذاتي في شتى مجالات العمل، خاصة وأن الكثيرات منهن قد شغلن مناصب كبيرة وبرزن في تخصصاتهن، ولكم جزيل الشكر.
د. سحر صبحي:
ننتقل الآن إلى الأستاذة عايدة فهمي النقابية المعروفة، فهي حصلت على ليسانس الآداب في التاريخ من جامعة القاهرة، وليسانس ثان في الحقوق، وماجستير في التاريخ، ودبلوم في القانون المدني والجنائي والعـام. عملت في وزارة المواصلات ثم شركة شل حيث اهتمت بالعمل النقابي وانخرطت فيه حتى أصبحت عضواً في المجلس الاستشاري الأعلى للعمل، ومن خلال عضويتها في المجلس استطاعت أن تؤثر في طرح بعض القضايا، وإجازة بعض القوانين، وأذكر منها على سبيل المثال فقط أنها نادت بالاعتراف بحق المرأة العاملة في الزواج مع العمل، وعملت على مد سن التقاعد للمرأة إلى ستين سنة أسوة بالرجل، وكان خمسين سنة قبل ذلك، نادت بحق المرأة في أن تمثل وتتمثل في المؤتمرات العالمية، على أن تخرج بجواز سفر دبلوماسي لتعطيل تدخل الزوج لمنعها من السفر أثناء أدائها عملها وخدمتها لوطنها. قامت بإنشاء نظام التأمين الصحى وبفضلها تم إصدار قانون التشغيل الليلي، حيث كان القانون السابق على ذلك يمنع المرأة من العمل الليلي، في الوقت الذي كانت فيه ٢٨ فئة من الأعمال تستخدم النساء ليلاً، فتم تقنين ذلك واستصدر القانون الذي سوى بين الرجال والنساء العاملين والعاملات ليلاً، كما دفعت بقانون تحديد حق صاحب العمل في طرد العمال وإلزام أصحاب الأعمال بالإخطار عن المحال الخالية بصفة مستمرة، وأيضاً أسهمت في دفع قانون حق العمال في إجازة لمدة ٢١ يوم في السنة على أن يكون منها أسبوع متواصل. وهي حاصلة على شهادات تقدير وسجلها حافل بالإنجازات.
عايدة فهمي:
أشكر أولاً لجنة تنظيم المؤتمر والدكتورة هدى الصدة والدكتورة سحر صبحى، كما أشكر كل الحضور. أنا عملت في سن 18 سنة ونصف، السن القانوني ۱۸، لكنها كانت مرحلة مشرقة بالنسبة للمرأة وضيقة بالنسبة للمرأة، ففي الثلاثينيات بدأت عملية تمصير تحت ضغط القوة الوطنية بأنه يجب أن تعود كل الأشياء لمصر، ومصر هي التي تدير شئونها.
كان التعليم هو المهنة الأساسية للمرأة، ولكنه كان فيه مأساة، حيث كان التعليم الإلزامي بأمر من السيد دانلوب – وهو مستشار التعليم – وقد منع في سنة 24 زواج المرأة المدرسة مع استمرارها في العمل، ويقتصر أجرها على ٢ جنيه، أما المدرسات فكن يتخرجن من الجامعة ويلتحقن بالوظيفة، لم يستطع أحد أن يقول لها إن هناك تشغيل للمرأة وتشغيل للرجل، فهي كانت تعمل في نفس الظروف المتساوية مع الرجل طبقاً لقوانين العمل بالحكومة. في هذا الوقت بدأت الحكومة المصرية تحت ضغط المواطنين في تشغيل المصريات، وهذا بدأ يحدث في الإسكندرية حيث تمت عملية نقل السنترال من الإيطاليين إلى المصريين، وكان هناك شئ غريب، أن البنات طبعاً كن يدخلن الجامعة، إنما يبدو أن من كانوا في الجامعة على قدر ما فتحوا الأبواب كانوا لا يضمنون أنها تنجح وتتخرج، فكانت نسبة السقوط مرتفعة جداً في سنة أولى، فبعد الثانوية العامة تدخل البنت أول سنة، وتنتهي بأن يسقط معظمهن. وتعليم المرأة كان وقتها مجانياً، ومعنى أن الفتاة تعيد السنة أي أنها تدفع مصاريف السنة الثانية والأسرة المصرية من الطبقة المتوسطة، والطبقة الوسطى كلها كانت في هم شديد من مصاريف التعليم، فتعليم البنين كان في الحكومة ٢٠ جنيهاً ولم يكن التعليم الأهلي قد ظهـر، كان هناك التعليم الأزهري، إنما كان الذين يذهبون إلى المدارس الحكومية يدفعون المصاريف، فكيف يدفع الأب للولد والبنت أيضاً، إذن تتزوج البنت، فظهرت فكرة أن الحكومة تحتاج إلى موظفات مصريات، فكانت المسألة سهلة، وجاء التعيين في الإسكندرية، فعملت البنات في الإسكندرية ابتداء بـ ۸، 3 منهم من قسم إنجليزي سنة أولى، و٢ من حقوق سنة أولى، ومن قسم التاريخ، المهم ذهبنا إلى الإسكندرية، ففكرنا أين سنعيش؟ فالإسكندرية مصيف يدفع له أجره، وهو يختلف عن الأجر الذي سنقبض به، فهناك سيدة فاضلة لها مدرسة في الإسكندرية وهي مدرسة الأشراف، السيدة نبوية موسى. قالت واحدة ممن لهن اتصال بها أننا سنقيم عندها في القسم الداخلي. وقد أعطت الفرصة للموظفات في أن يقيمن عندها، وكنا نقابلها كل شهر لأنها كانت تأتي للإسكندرية في زيارة للتفتيش على المدرسة وتسهر معها في هذه الليلة، وكانت تأتي في ليلة حفلة أم كلثوم التي كانت تقام في أول خميس من كل شهر، فننزل عندها، نبدأ الليلة بالشجار على الطعام الذي تقدمه لنا، والخبز كان في الإسكندرية وقتها يصنع من الأرز، كان الأرز كثيراً جداً هناك، والإنتاج الزراعي كبير جداً بحيث إنه ممكن أن يستعمل في أشكال كثيرة، فكنا نأخذ وجه العيش ونرمي الباقي. قلنا لها هل هذا ما تقدمينه لنا؟ وتنتهى السهرة بأن نجلس عندها حتى الساعة الواحدة والنصف صباحاً نسمع أم كلثوم ونستمع إلى حديثها الشيق.
حقيقة أنا تعلمت حرية الفكر منها، لأنها سيدة منطلقة، ولو عادت ليلة من الليالي التي كنا نسهرها يمكن أن تنير المرحلة التي نعيش فيها في الوقت الراهن، الشق الآخر أنها أعطت صورة للبنات اللاتي كن في المدرسة (تقول بعد ما تتعلمي حتروحي فين حتتجوزی طب ليه متشتغليش) عملت دعاية لتشغيل المرأة من خلال الموظفات. أقمنا عندها حوالي 3 سنوات كانت ممتعة، وبعد هذا انتقلت للقاهرة في نوفمبر ۳۹ مرحلة الحرب، ولم نرجع بإرادتنا إنما بسبب ظروف الحرب وإعلان الحرب في أوروبا، وجدت الحكومة أن هناك أشخاصاً مهيأة لأن تعمل بالإسكندرية، من خلال ما قمنا به هناك. الناس كانت تندهش عندما تسمع كلمة عربية، لأن في الإسكندرية وقتها كان عندما تنادي على بائع الجرجير تتكلم معه بالإيطالية وعندما تذهب لشراء جبنة من محلات البقال تتحدث باليونانية، وكل الإسكندرية كانتذ بهذا الشكل، فالكلام باللغة العربية الموجودة في القاهرة شئ غير معروف وغير متداول والناس لا علم لهم به، لكن أنا أعيب على بعض الأجهزة الإدارية، لأنها كانت تعطى الأعمال المرموقة والتي تتسم بالسرية للأجانب، وتمنع المصريات منها على الرغم من كل ما قمنا بعمله. كان الطبيب الموجود في الإسكندرية لبنانياً، وكان المجتمع لا يقبل أن يكون للفتاة صديق، فلابد أن تتزوج، والحمل نتيجة للزواج، فكان ممنوعاً أن تعمل المرأة وتتزوج وتنجب أطفالاً، فكان الزواج يتم سراً كله، طبعاً ليس زواجاً عرفياً إنما زواجاً قانونياً، فكانت تتزوج وعندما تحمل تأخذ إجازات مرضية، ومما سهل هذه العملية أن الطبيب اللبناني كان يتمتع بالجنسية الفرنسية، وعندما نتحدث في هذه النواحي كأننا أخطأنا في الإنجيل والتوراة والقرآن وما يمكن أن يكون من مقدسات، لأن هذا تعدى على الإدارة.
عندما انتقلنا إلى القاهرة وحلت أماكننا البنات اللاتي تعملن في مدرسة الأشراف كانت هناك مدرسة أخرى حكومية هي مدرسة الأميرة فايزة، وهي مجتمع مغلق، وقد تكون واحدة أو اثنتان عملن بعد ذلك، لكن هذا أعطى الفرصة للفتاة أن تتخطى القيد الحديدي وهو أن المرأة لا تعمل، وأتينا نحن إلى القاهرة. في القاهرة رأيت الموظفات يعملن، المرأة تعمل لكن الشغل عيب، وعندما تقبضين المرتب عيب، وكانت المرأة لكي تذهب إلى عملها تلبس البرنيطة، وتضع الفيلو الكحلى على وجهها وتمشي به، فلماذا لا يكون وجهها مكشوفاً؟ أنا أمام كل هذه المواقف لكي أغير شيئاً أو اعترض على موقف، كان لابد أن يكون وجهي مكشوفاً ورأسي مكشوفة ومواجهة للإنسان، لكن لا يمكن الوصول للحق بالطريق الجانبي. فبدأت المواجهة والصدام، ولم أستطع أن أخذ حقاً أو باطلاً، وبدأت أبحث عن فرصة عمل بالخارج لكي أرفع أجرى. لأن الأجور في الحكومة أجور حديدية، فبدأت أبحث عن عمل، عن طريق أحد أقاربي وسيدة مديرة إنجليزية أعطتني فرصة أن أعمل في شركة Boc بمرتب ۱۲۰ جنيه، شـئ جـمـيل فقالت السيدة لقريبي هل هذه الموظفة تهمك، قال لها تهمني جداً، فقالت له لا تجعلها تأتي، فكانت صدمة بالنسبة لي.
وحاولت أن آخذ وظائف في شركات أخرى، وفي سنة 47 أو 48 جاءتي الفرصة أن أعمل في شركة “شل“، وكان معنى هذا أن هناك فرصة لأن آخذ أجراً جيداً وأنطلق في العمل وأطرح آرائي، فما اعترضت عليه في الحكومة لن أجده هناك، فأخذت فترة الاختبار وبعد ذلك كتبت العقد وعملت، بعد ذلك وجدت أن هناك شيئاً يسمى مجمعات بنات وهي حكومية، فلقد نسيت أن من يحكم مصر في الأماكن الحساسة هو مدير إنجليزي، وهذه الشركة مديرها إنجليزي، أي أن الإنجليز يحكمون هنا ويحكمون هنا، فهل هو سيقوم بعمل قانون خاص به وحده، أو خاص بي أنا وحـدى، فكانت عملية شاقة جداً. وحاولنا أن تأتى فرصة للترقية، لكن كانت مهمتنا وقتها أن نقوم بعملية محددة وهي إعداد الأوراق كلها لكي تختزل وتصبح حدود الشركة مصر فقط. ففي البداية كانت حدود الشركة من اليونان إلى أوغندا ومن إيران إلى المحيط الأطلسي وأذكر أن هذا كان الإعلان، الذي جاءت قيادة مصرية بعد ذلك لتعلن أن العروبة من المحيط إلى الخليج. المهم لم تكن هناك فرص طيبة، وكانت هناك مشكلة محددة تناقش في هذا الوقت. النقابة بدأت تتكون، ومن النقاط الخاصة بها عقد عمل مشترك يضم الوظائف ولائحة الأجور. وهناك نقطة مهمة أخرى وهي نظام المعاش صندوق المعاش كان فيه 5 مليون جنيهاً ولم يكن معاشاً، الشركة كانت تسعى وقتها لتطبيق النظام المطبق الآن في الشركات الحالية، شركات نقل الملكية، أن يكون هناك معاش مبكر، نصفه معاش والنصف الآخر مكافأة. فقالوا لي لماذا تهتمين بهذا المشروع، هذا مشروع للرجال فقط، لكن أنت امرأة ستتزوجين وتتركين الوظيفة، فمن الذي أخبرهم أنني سأتزوج؟ ومن الذي أخبرهم أنتى إذا تزوجت لن أستمر هنا؟
أثناء كل هذه المباحثات عرفنا المشروع الذي يجري وراءه الأجنبي، وهو أن صندوق المعاشات وفـيـه 5 مليون جنيهاً، هذا المشروع يكتب باسم المدير العام وهـو مـسـتـر سيرايت، هذا الكلام كان في حدود سنة 1950 وفي ذلك الوقت بالتحديد، كتبت الصحافة المصرية أنه كان في السويد شركة كبريت يملكها شخص اسمه مستر کروجر وضع يده على معاشات العمال وكتب بها شيكا ومشي، وكانت نتيجة ملاحقة القضاء له والعمال أيضاً أنه ضرب نفسه بالرصاص عندما اكتشف أمره. فأنا جلست في مناقشة عامة وقلت هذا الكلام يا جماعة هل نكرر عملية السويد ويأتي السيد الذي يملك – المدير العام – ويضع إمضاءه على صندوق المعاشات ويمشي، ببقي نوصل لحد فين، هذه الكلمة أو هذه المناقشة هي التي أدخلتني إلى مجلس إدارة النقابة بالانتخاب. جاء الزميل صلاح التهامي الله يرحمه، كان في قسم الإعلان وقال لي ستدخلين الانتخابات وتصبحين معنا، لأن هذا الموضوع أنتم لكم فيه حق. هناك نقتطان وهما حق المرأة في أخذ المعاش، وصندوق المعاشات لن يكون باسم المدير. وقد كان، وكان أول دخـولي النقابة، دخلت بصندوق المعاشات، بعد دخولي قالوا لي ستكونين معنا في عقد العمل المشترك للمفاوضة مع الشركة، فعقد العمل المشترك كان ينص وقتها على أن الجنيه يدفع عليه غلاء معيشة ١٤٠ قرشاً، فسرت إشاعة بين الناس أن غلاء المعيشة سيلغى، ومعنى هذا أن الأجور ستنزل إلى الحضيض، وبالتالي سيخفض غلاء المعيشة بالنسبة للمستقبل العلاوة السنوية ستكون بنفس الطريقة، تأخذ العلاوة الثانوية الأساسية وعليها غلاء معيشة منخفض، فمعنى ذلك أن الأجور ستخفض في المستقبل باستمرار. أنا آسفة التي أدخل في تفاصيل، لكن في تصوري هذا من الأشياء المريرة التي واجهتها مصر نتيجة وجود أجنبي يتدخل في أشياء لابد أن يتدخل فيها جميع المصريين والمرأة خصيصاً.
كان في علمي أنني أتحدث مع زملائي داخل المجلس ولا يخصني ما يحدث، لأن رئيس النقابة والسكرتير ووكيل النقابة يذهبون لمفاوضة الشركة، واثناء كل هذه العمليات حدثت ثلاثة أشياء. هناك زميلة متزوجة من أجنبي، وكان ممنوعاً أن تتزوج الموظفة زميلها الموظف، تحبه تمشى معه لكن لا تتزوجه، لكن من الممكن أن تتزوج أجنبياً وتنجب منه أولاداً، لكن لكي تأخذ إجازة الوضع تأخذ 15 يوماً بنصف أجر، فأنا كتبت مذكرة قلت فيها “الزواج والولادة عقوبة ضد الموظف، فعندما تعود الموظفة إلى المكتب ومعها طفلها يقتطع منها سبعة أيام ونصف. الشئ الثاني كان هناك عشر موظفات وهم حاصلات على شهادات عليا ويعملن، لكن في قطاع الوظائف، وبعيداً عن أي عملية، ولا يمكن أن ترقين ولا يمكن أن تصلن لأى شئ بالمرة. فأنا كتبت أسماء الزميلات والشهادات التي حصلن عليها ولكن لم اكتب اسمي. بعد ذلك عندما دخلت في لجنة المفاوضات لعقد العمل المشترك لاحظت شيئاً يخص المرأة الأجنبية، وللعلم انني أعمل في مكان 60٪ من الموظفات أو الموظفين فيه إما من أوروبا الشرقية أو من بولندا أو من دول البحر الأبيض المتوسط التي كانت تخضع وقتها للحكم الفرنسي وتأخذ الجنسية الفرنسية، إنما الجنسية المصرية لم يكن وضعها مستقراً، استقرار الجنسية المصرية لم يحدث إلا سنة 56 في خلال حرب السويس، فهي التي أكدت هذا الوضع للمصريين. أنت مـصـرية وتعملين في هذه الجهة، ما حدث أنني كتبت هذه البيانات فوجدت أن الأجور المالية للمرأة حتى الأجنبية أقل 3 سنوات من الرجل، لماذا؟ هي تعمل وهذه لائحة مالية لماذا لا تأخذ حقها وتصل إلى قمتها؟ فكتبت هذه المذكرة وحدث الآتي: أجور الموظفات الأجنبيات أصبحت مثل الرجال، والسيدة التي ذهبت لتلد أعطوها إجازة بأجر 15 يوماً، والموظفات اللاتي كن في وظائف متدنية بدأ نقلهن إلى وظائف أخرى في علاقات إنسانية أو علاقات عامة إلى آخره، فأعطوهن فرصة الترقية، فأنا قلت إن هناك أملاً في النقابة، وأن ما يحدث شئ جميل جداً، ومعنى هذا ان الكفاح سيوصل إلى الهدف، لكن لم تكن هذه هي الحقيقة بالنسبة لى على الأقل، فثارت الأمور وحدثت مشاكل كثيرة جداً وصدمات وصلت إلى الإدارة أو وصلت للحكومة أيضاً. أنا لم أكن أتحرك وحدي في الحقيقة، إنما دائماً كان لي صديقات في مصلحة العمل، ومصلحة العمل للعلم هي مصلحة طبقية ثلثيها من الملاك أقارب اتحاد الصناعات، أي أنهم إما لهم مصانع أو لهم شركاء فيها في العمليات التجارية، والثلث الآخر مهنى، هذا الكلام كان في حدود سنة 53، وكانوا هم من يشيرون علىَّ، والجأ لهم في كل المشكلات، ثم قال لي موظف في العلاقات الدولية هنالك لا تأخذى الأمور بهذا العنف لأنك سوف تخسرين، لأنك تعملين في شركة أجنبية، هل هذا أفضل أم عملك في الحكومة؟
الحقيقة وأنا بمؤهلى داخل الشركة على الرغم من أني لا أخذ نفس فرصة زملائي، لكنني كنت أفضل من الزميلات اللاتي يعملن في الحكومة. حدث بعد ذلك تضييق واصطدام وحدثت معارك شديدة داخل المجلس، وقال لي أحد الزملاء “إشمعنى أنتى اللي قالبة الدنيا كلها، هو ما فيش غيرك ما الشركات بره أهي في البنوك“، هذا حقيقي لكن البنك الإيطالي موظفاته معظمهن إيطاليات وواحدة أو اثنتين مصريات فقط. شركة السكر معظمهم أجنبيات إنما المصريات واحدة أو اثنتين. البنك الأهلى كان في وقتها بنكاً معظمه إنجليز، المهم أنني ذهبت لمن أعرفهم ليـقـومـوا بتشيط الزملاء لكي يتقـدمـوا للنشاط النقابي، وفعلاً بكل قوة سواء كان بالمعرفة المباشرة أو غير المباشرة تقدم كثير من السيدات العاملات، وأذكر منهم علية عزمي، دخلت البنك الأهلي ومادلين عزيز في المحلات التجارية، وامتدت المسألة، وكان هناك خيرية في النسيج، لكن ما يسعد أكثر أن المرأة خريجة الجامعة التي تعمل وجدت فرصة للعمل في النقابات المهنية، فتقدمت أمينة الحفني ورشحت في نقابة المهندسين، ودخلت علية إسماعيل نقابة التجاريين، وعايدة العمروسي دخلت نقابة المهن الطبية، وتقرر انتخابها، وأمينة السعيد دخلت نقابة الصحافة، وهذا أعطى فرصة ودفع لأنني لم أصبح وحدى، هناك قوة تسندني وهذا شئ مهم جداً، فالذي كان يدعم الموقف أن الانتخابات تحدث كل سنة، أي أن العملية الديمقراطية تتم سنوياً. لا يوجد شئ مؤجل بعد سنتين أو ثلاثة أو أربعة مثلما يحدث الآن. حيث أصبحت مدة الدورة النقابية 5 سنوات، هذه عملية خطيرة جداً، إنما سنوياً نحن نقـدم حـسـاباً سنوياً، من خلال الـقـوة الوطنيـة ولهذا استطعنا أن نؤثر في الأوضاع.
أنا مولودة سنة 18 وعندي 80 سنة، والذي كان صاحب مكتبة ومطبعة، والمكتبة كانت تقوم بتوريد الكتب الدراسية لمدارس مجالس المديريات، وكانت في الوجه البحرى والوجه القبلي، وكنا نستورد الكتب من مـاكـمـلان في إنجلترا، وأدوات الرسم من الدانمارك وهولندا، والأقلام والريش من المجر، حيث لا توجد صناعة وطنية، نحن نتعلم بالأجنبي وعندما يكون لك في منتصف العام مطالبة زائدة تكتب بها طلبية وتأتي بالبريد من الشمال. أنا أذكر هذا لسبب مهم جداً، أننا في يوم من الأيام أوجدنا شركة النصر لتقوم بعمل الأقلام الرصاص، ولقد قامت بعملية خطيرة جداً للتعليم في مصر ولا أدرى لماذا أغلقت. المهم في سنة 53 أرسلت خطاباً لوزير الشئون على أثر واقـعـة حدثت، جائنی زمـيـل يعمل ليـلاً في نهاية خطوط الأنابيب سنه 50 عاماً، جاءني في المجلس، المجلس أحاله لي، وجدت من التحقيق أنه يعمل ليلاً وهو مريض بالقلب وعنده ثلاثة أولاد، فقالوا لي كلمي الإدارة بما أثنى عضو لجنة الشكاوى، فتحدثت إلى مدير الإدارة وهو من خريجي قسم الإنجليزي وكان قبل ذلك في إذاعة BBC وهـو رجـل مرموق جداً، فذهبت وتحدثت معه فقال لي يا سيدتي الفاضلة هناك تعاقد بينك وبين الإدارة يقول إن الإدارة حرة في أنها تضعك في المكان الذي تراه بنفسها، أما مسألة أنه يعترض على العمل الليلي، فأمامك القانون، إذا غيرتي القانون أنا مستعد للتغيير، أنا أنفذ القانون، القانون يقول إننى أجعل الموظف يقوم بعدد ساعات معينة، وأنا لم أخرج عن ذلك، لكنه يعمل ليلاً لأن العمل يحتاج وجوده ليلاً. لكن الرجل عمره 50 سنة، أي أن المفروض أن الشباب هو الذي يأتي في هذا الوقت، فـقـال لي غـيـري الـقـانون. الحقيقة فكرة جيدة، لكن مجلس النواب مكون من الملاك الزراعيين وأصحاب المصانع، فكيف سيتفاعل هؤلاء معي إذا ذهبت وقدمت طلب للمجلس.
كتبت الجواب وكان هناك مجلس يسمى المجلس الأعلى للعمل مهمته أن يناقش قوانين العمل ومشاكله، كتبت الطلب وهو لا يتجاوز أربعة سطور، وقلت له إذا كنت تريد أي بيانات أخرى أنا مستعدة، ووضعت طابع بقرش صاغ ووضعته في صندوق البوستة، ولم أكن أتخيل أنه سيرد على طلبي، من الوزير الذي سيسأل عنى؟ وفجأة بعد ثلاثة أيام وجدت مكتب الوزير على التليفون وقالوا لي أن الوزير حدد لي موعداً الساعة التاسعة صباحاً بشأن الخطاب. الحقيقة أنا شعرت بخوف شديد، كان الوزير اسمه عباس عمار، فسألته هل أحضر أحداً معي، قال لي لو أردت أحضرى المجلس كله، ذهبت إلى رئيس النقابة فـقـال لي أن الوزير كان زميلي في الكلية، قلت له هل سنأخذ أحد من المجلس معنا، قال لى هؤلاء لا يفهمون أى شئ. كان رئيس مجلس الإدارة يشعر بفخر شديد لأنه سيذهب عند الوزير. ذهبنا إلى الوزير، المفاجأة أنني عندما دخلت سألت مدير المكتب ما هي المدة الممنوحة لي؟ قال: لي خمسة عشر دقيقة أقصى مدة لك. كانت قبلنا د. درية شفيق تعرض قضية زواج أو طلاق، لا أذكر، المهم أنني دخلت وجلسنا معه ساعة ونصف، تحدث في موضوعات كثيرة، وفي النهاية قال لى: “اسمعي يا عايدة إنتى حاتوصلي للمجلس بس مش الدورة دي وعليكي أن تستمری وبنفس المنطق الذي تدافعين به عن هذه القضية“. بعد خمسة أيام ظهرت صحيفة أخبار اليوم وفيها خبر أن عايدة فهمي ذهبت وحدها عند وزير الشئون الاجتماعية، انقلب علىَّ المجلس، كيف أذهب عند الوزير وأنا سكرتير عام النقابة، لم يسألني أحد لماذا ذهبت؟ وقالوا لي أنت تستغلين الأوضاع وتستغلين المظاهر، وكانت قضية كبيرة، وهرب رئيس النقابة ولم يحضر الجلسة، حكيت لهم القصة. وكانت هناك قضية أخرى فصل فيها رئيس النقابة، وبعدها بأربعة شهور قرروا أن أفصل من النقابة، لأننى أستغل الأوضاع. فصلت وجاء السكرتير المساعد الذي أصبح بعد ذلك رئيساً للنقابة.
وأنا أحكى هذه القصة لأنها نموذج لتجربة المرأة في العمل العام، فهناك من يقول لى أنت كنت تأخذين شهرة، أنا أقول ما هي المشقة التي كنت أواجهها ليلاً ونهاراً في هذا المجلس. المهم أنني خرجت من المجلس، خرجت من السكرتارية العـامـة وظللت عضواً في المجلس، وقرروا أنني لن أترك عقد العمل المشترك واسـتـمـر في عمل المفاوضات مع الشركة، لأنهم لو أبلغوا الشركة بأنها تركت لجنة المفاوضات سيحدث انقسام في الداخل والانقسام ضدنا، لذلك قرروا أن أبقى في اللجنة. في آخر السنة انتهينا من الاتفاقية ووقعنا عليها، وقد فاجأني بعد الانتهاء من الاتفاقية أننا أخذنا ما استطعنا الحصول إليه من المكاسب، كانت هناك أشياء مهمة جدًا أعطتها لنا الشركة باسمي أنا ورئيس النقابة، من بين هذه الأشياء أن يرفع من الوظائف العـامـة وصف وظائف البنات وتصبح الوظائف كلها عامة. وأن لا يصبح هناك تخصيص للفتيات. وتفتح الدرجات المالية للجميع. ثم قال وجيه قطب إنك أنت التي قمت بهذه العملية، في آخر العام ونحن نوقع على الاتفاقية في احتفال كبير في قاعة رئيس مجلس الإدارة. قالوا لي إن رؤساء مجلس الإدارة يريدون أن يسلموا علىَّ، وعادة في يوم 31 ديسمبر يكون هناك حفلات في الشركات الأجنبية، فاجأني أن رئيس مجلس الإدارة يقول لي، أنسة عايدة نحن نقدر نشاطك، أنا كيف؟ لقد اتهمتموني بالشيوعية؟ نظرت لمدير العلاقات العامة المصرى وقلت له: هل هذا حفل تكريم أم حفل تأبين. فكانت عملية مريعة جداً، وسألت مدير العلاقات العامة وقلت له كلام المدير هل هو تكريم أم تأبين؟ فقال لي يا عايدة لماذا تقلبين الأوضاع؟ الناس تحتفل بمجهوداتك، لكنه قال لي ما الذي كسبناه من الشركة الإنجليزية بعد ٢٨ عاماً.
وأنا أعرض هذه الواقعة لأننا اليوم في مرحلة نطلب فيها من الاستثمار الأجنبي أن يأتي، وهناك نسبة كبيرة من الأجانب تعمل، في عام 56 لم ينقصهم إلا أن يمشوا في الشوارع يقولون الحاصل على شهادة إعدادية يأتي لكي يعمل، كانت الأشغال كثيرة، اليـوم هناك بطالة من أبشع ما يمكن، وأنا أحكي حكاية صندوق المعاشات لأن هناك أشخاصاً اليوم يحاولون استغلال معاشات العاملين باللعب، بها في البورصة من أجل إنعاش البورصة، وليس انتعاش البورصة لكي تستفيد منه وهذا ذكر في الأهرام. وأنا انتهز فرصة وجودي في هذا المكان لأن هذا الكلام لا ينصب علىَّ وحدى، لكنه يخص المجتمع ككل والقضية كلها متصلة بعضها ببعض، وأرجو الاعتذار لإطالتي وشكراً.
د. سحر صبحی:
أشكر الأستاذة عايدة وكل ضيوفنا اليـوم، لقد تمتعت بشدة بشهادات وتجارب ممثلات عن بعض النساء المصريات، وشعرت أن المرأة المصرية ليست فقط التي يركز عليها الإعلام مثل سهير القلماوي أو أمينة السعيد أو نوال السعداوي على سبيل المثال، وكنت أود أن أسأل الأستاذة وداد عن الأسباب التي جعلتها تدخل السجن أكثر من مرة، وبصراحة أحييها جداً لأنها قصة نجاح، وكيف كان لديها إصرار ولم تخشى شيئاً وحاولت مرة واثنتين، أحييها وأحسدها على هذا، لأننا شباب الجيل الجديد محبطين وليس لدينا جزء صغير من الإصرار الذي لديها.
وداد متری:
الحقيقة السبب المباشر لدخولي السجن هو نشاطي في نقابة المعلمين، وأن هذا النشاط كان مؤثراً فعلاً، وأذكر آخر جلسة حضرتها في نقابة المعلمين، كان في هذا الوقت المرحوم كمال الدين حسين وزيراً للتربية والتعليم ونقيباً للمعلمين، وكنا في هذا اليوم أصدرنا بيان احتجاج وكان لنا مطالب معينة، فأنا أعطيته البيان في يده، ووزعنا هذا البيان في الجمعية العمومية، كنا نجتمع في الجزيرة في النقابة، وهذا البيان تسبب في إثارة كبيرة وضجة كبيرة وكان هذا يوم 8 يوليو، وأنا قبض علىَّ يوم 10 يوليو 59، فكان هذا هو السبب المباشر، الوضع كان ضد أي نشاط جماهيري يكون من وجهة نظرهم فيه نوع من الإثارة أو حشد الجماهير، لأن الجماهير عندما تحشد ممكن بعد هذا أن نجعلهم يفعلون أي شئ.