حتى لا تفقدي أغلى ما لديك
القرار قرارك وأنت قادرة عليه
تستيقظين من نومك في نشاط، ترتدين ملابسك وتتطلعين إلى يوم جديد تستقلين مترو الأنفاق إلى عملك في وسط البلد، وبينما تصعدين السلم وشمس الصباح تنير الطريق تدريجيًا وأنت تتأهبين لاستنشاق الهواء النقي، تمتد يد متحرش من الخلف لتضغط على جسدك، تواصلين الصعود كما لو أن شيئًا لم يحدث وتبتعدين من أمامه أو تستديرين إليه لمواجهته وتجدين نفسك مجبورة أن“توسعي” الطريق ليسير فوج الناس وتستمر الحياة على الرغم من شعورك بالقهر والغضب والاستياء.
هذا مجرد واحد من آلاف السيناريوهات التي تتعرض لها الفتيات والسيدات، والتي قد تختلف حدتها أو مكانها، ولكن سواء كان التحرش في المنزل أو العمل أو كان التحرش لفظيًا أو بدنيًا أو اغتصابًا، فإن النتائج جميعها واحدة من اكتئاب وقلق وأرق وكوابيس، وشعور بالذنب أحيانًا (فربما يكون ما يقولونه صحيحًا وتكونين أنت السبب)، أو شعور بالعار والخجل (فتداري على ما حدث“علشان متعمليش لنفسك فضيحة“) وفقدان الثقة واحترام الذات والانسحاب والعزلة وفقدان الثقة في الناس عمومًا والضغط النفسي المزمن وفي الحالات شديدة الحدة قد يؤدي إلى اضطراب ما بعد الصدمة وأفكار انتحارية أو حتى محاولة الانتحار.
هذه هي النتائج النفسية ولكن هناك أعراض بدنية أخرى ملموسة مثل صعوبة التركيز والصداع والإرهاق وفقدان الهمة واضطرابات المعدة واضطرابات الأكل (فقدان الوزن أو زيادته لكي تحمي نفسك من نظرات الناس أو بسبب الاكتئاب ) وارتفاع ضغط الدم، إلخ.. الخ…
أي من هذه الأعراض ستظهر عليك هو قرارك أنت، فلربما لا نملك أن نتحكم في ما يحدث لنا ولكننا قادرات على الدوام في التحكم في ردة فعلنا تجاهه. وسواء كنت قد آثرت السلامة وعدم مواجهة من يتحرش بك لأي سبب من الأسباب – وهذا قرارك الشخصي ولا لوم عليك فيه – أو كنت ممن أخذن على عاتقهن محاولة تغيير مجتمعنا بالتحلي بالإيجابية وتلقين المتحرشين درسًا – وهو ما تدفعين ثمنه ولا شك غاليًا من اعصابك ونظرة من حولك لك إلخ إلخ– ففيما يلي بعض الخطوات البسيطة التي قد تتخذها لحماية” نفسيتنا” إذا كنا غير قادرات على حماية” أنفسنا“:
– تقبلي ما حدث لك. فما حدث قد حدث ونكرانه أو محاولة الزج به زجًا في عقلك الباطن لن يحل المشكلة. نعم، هذا قد حدث لك، رغم إنك طالما اعتقدت أنه يحدث لغيرك ولن يحدث معك أبدًا..
– احرصي على إقرار الآخرين بجسامة ما تعرضت له، ولا تكتمي غضبك أو انفعالك. تحدثي إلى الناس عما حدث، واحترمى نظرتك إلى الأمر وتقديرك له. لا تسمحي لأي شخص بأن يملي عليك ما يفترض بك أن تشعري به. جربي الكتابة للتنفيس عن شعورك وتحدثي إلى أشخاص حصل لهم ما حصل معكي وانضمي إلى مجموعات علاجية (Group Therapy) إن أمكنك..
– تدبري ما حدث وحاولي تحليله والخروج بتفسير منطقي ، لا تقبلي التحليلات الجاهزة التي لا تتطبق على خبرتك الخاصة في أغلب الأحيان. ولكن في كل الحالات إياك أن ترجعي ما حدث إلى خطأ فيك. كيفما كان ملبسك أو شكلك أو تصرفاتك لا يحق لأي شخص أن ينتهكك بالكلام أو غيره، والدليل على ذلك إن مثل هذه الانتهاكات تحدث لجميع السيدات من جميع الأعمار على اختلاف ملبسهن وشكلهن في مجتمعنا. أنت ضحية اعتاد مجتمع مريض على لومها هي بدلاً من محاسبة الجاني، وهذا خطأ المجتمع لا خطئك. وهذا له مرجوعه النفسي، فإذا كنت غير مخطئة وحدث لك هذا فإنه قد يحدث لي. ونحن جميعًا نخاف من الاعتقاد أن هذا قد يحدث لنا، وهذا متأصل في النفس البشرية. ولكن المشكلة هي إنه رغم كل هذا التقدم لم يفطن الناس بعد إلى حقيقة إن لوم الضحية يزيد من انتشار الظاهرة لأنه يعفي الجاني من العقاب ويزيد من فرصة حدوث ذلك لهم!
– تدبري ما لديك من خيارات وابحثي فيها، لكل خيار ثمن، ولا يعيبك ألا تكونين قادرة على دفع ثمن اختيار صعب. كل ميسر لما خلق له. ولكن تذكري دائمًا أن ردة فعلك هي اختيارك أنت.
– حاولي الخروج إلى ما هو أكبر من نفسك ودائرة اهتماماتك والتواصل مع أخريات ممن حدث لهن ذلك أو ممن قد يحدث لهن ما حدث لك. هذه وسيلة لإضفاء معنى على ما حدث لك، واعرفي أنه إذا ما ظلت كل منا في دائرتها الشخصية فلن نتمكن كمجموعة أبدًا من وقف تكرار حوادث التحرش على اختلاف أنواعها.
أما لأصدقاء من تعرضت لحادثة تحرش أو أقربائها فأقول:
– انصتوا لما حدث دون محاولة إصدار حكم عليه أو عليها.
– كونوا إلى جانبها وشجعوها على التحدث عن خبرتها لا إنكارها أو الشعور بالخجل منها.
– ساعدوها على ألا تنعزل عن الناس مع احترام الحدود التي تضعها من حولها وخصوصيتها.
– شجعوها على طلب المساعدة النفسية إن لزم الأمر. حان الوقت لأن تعرف الناس أن النفس كالجسد تحتاج إلى طبيب لمساعدتها على العلاج.
– صبرًا آل ياسر. الجروح تحتاج وقتًا لتلتئم فلا تستعجلوا تماثل النفسية للشفاء.
– احرصوا على أن ترى الفتاة أو السيدة أن أمامها اختيارات واسعة، فنحن نميل إلى الشعور بضيق الأفق وانعدام الخيارات وقت الأزمات. وأيًا ما كان القرار الذي ستتوصل إليه، وحتى إن كنتم لا توافقون عليه، فهو قرارها، ويجب احترامه. إن الشفاء الحقيقي هو في الشعور بإعادة الإمساك بزمام الأمور من جديد والتحكم في حياتها وقراراتها.
– لا تحاولوا حتى مساعدتها أو الاقتراب منها إذا كانت هناك ذرة لوم لها أو غضب منها في أنفسكم. يكفيها ما هي فيه وما يصل إليها بشكل مباشر أو غير مباشر من لوم المجتمع لها.
ما حدث قد حدث، وقد يحدث غدًا، فلا توجد ضمانات في الحياة بشكل عام، فما بالك بمجتمع تأصل المرض فيه إلى حد اختلاق الأعذار والتبريرات للجاني ولوم الضحية.
لا تمنحى المتحرش بك متعة حرمانك من احترامك لنفسك وثقتك فيها وفي الناس. أنت قادرة على التحكم في ردة فعلك وهذا خيارك.
قد تختارين الانهيار أو الاستسلام أو المقاومة، ولكن اعلمي إذا ما اخترت عدم الاستسلام أن تغيير المجتمع لا يحدث بين عشية وضحاها، وإن المهمة صعبة والمشوار طويل، ولكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
1- Baumeister,Roy F., “Social Psychology and Human Sexuality, Psychology Press” 2001.
2- Ryan, William, “Blaming the Victim,” Vintage, 1976
3- Sexual Harassment Support Group: http://www.sexualharassmentsupport.org/