صفحات من نضال النساء المصريات
مركز دراسات المرأة الجديدة
مقدمة
يسعى هذا البحث إلي دراسة وضع النساء المصريات وتواجدهن في العمل الأهلي. ولما كان هذا الوضع قد اصطبغ بآثار البدايات التاريخية، وكذلك التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، علاوة بالطبع علي مسيرة نضالات المرأة نفسها، فقد حاولنا أن نقدم تحليلاً لتلك المؤثرات لما لها من أهمية في الإحاطة بوضع المرأة الراهن وتنظيماتها. وعن طريق تقديم ما نود أن تكون صورة شمولية للمرأة في العمل الأهلي عبر القرن الأخير، نطمح في إحياء الالتزام بهذه القضية مرة أخرى والمساهمة الجادة فيها وطرح التحولات التي تمر بها، وهذا علي مستوي النظرية وعلي مستوي السرد الحياتي للنساء. وفي القيام بهذا البحث، اعتمدنا أسلوبا ينبع من عدد من التخصصات، كالعلوم التاريخية والاجتماعية والأنثروبولوجية ودراسات النوع في محاولة لتقديم رؤية متكاملة في تحليلنا لهذا الواقع.
يتناول البحث دراسة ثلاث فترات تاريخية: من عام 1879 إلي عام ١٩٥٢، ومن عام ١٩٥٢ إلي فترة السبعينيات، ومن الثمانينيات حتى نهايات القرن العشرين. لقد اخترنا تحديد البداية التاريخية بعام 1879 إيمانًا منا بأن اللغة والكلمة انعكاس لدرجة الوعي وبالتالي يمكن التأريخ لبداية ظهور إرهاصات الوعي النسوي بهذا العام، أي عام ظهور قاموس السير الذاتية للنساء للكاتبة مريم النحاس المعنون “معارض الحسناء في تراجم مشاهير النساء“. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل التواريخ الخاصة بالنساء – عندنا– لم تحظ بقدر من الاتفاق العام.. ربما لأن نشاط المرأة – علي مدار الزمن لم يجد مكانه في التأريخ للأحداث الرئيسية، بل كان باتفاق المؤرخين لا يبتعد عن المكانة الثانوية! ومن ثم كان علي الحركة النسوية أن تؤرخ لنفسها.
وقد حاولنا في سياق دراسة تلك المراحل التاريخية المختلفة، بلورة بعض القضايا والعناصر المشتركة المتعلقة بتطور أو انحصار الحركة النسوية ومبادراتها داخل المجتمع، واضعين في الاعتبار مختلف أنماط التحول والاستمرارية والتي تعكس بدورها الأوزان المختلفة لهذه المؤثرات – كدور الدولة والحركات الاجتماعية والعامل الدولي– عبر الحقب التاريخية المختلفة.
ويمكن تقسيم القضايا/ الموضوعات محل البحث بوجه عام علي النحو التالي:
-
دور الدولة وتأثيره علي المرأة والمبادرات الأهلية.
-
أثر الحركات الاجتماعية علي منظمات المرأة وبرامجها.
-
الخطاب السائد وأثره علي حركة المرأة وأدوارها التقليدية.
ومن نافل القول، أن الاهتمام بتقديم ذلك العرض التاريخي الموجز يعود لإدراكنا أن الواقع الراهن للحركة النسوية ومبادراتها أي تلك التي تسعي إلى تغيير واقع المرأة ضمن رؤية شاملة للمجتمع لا يمكن النظر إليه بمعزل عن تاريخه السابق، علاوة علي أن إعادة قراءة ذلك التاريخ بدرجة أعلي من الدقة كفيلة بتصحيح بعض المفاهيم المغلوطة السائدة عن الحركة النسوية مثل الزعم بأن قاسم أمين هو مؤسس هذه الحركة.. وما إلى ذلك.
كما تطرح الدراسة بعض التساؤلات حول محدودية التعريف الخاص “بالمجتمع المدني” لكونه يستبعد أحد أهم مكونات الحركة النسوية (ألا وهو الدور الذي لعبته أدوات النشر والصحافة في فترة تاريخية محددة) والتي كانت بمثابة همزة الوصل بالنسبة للنساء يعبرن خلالها من المجال الخاص (الأسرة) المفروض عليهن إلى المجال العام (المجتمع). كما يمكننا أن نستخلص من عرضنا ومن العروض والدراسات التاريخية الأخرى أنه لم يحدث أن وضعت الخطاب الاجتماعي الرسمي أو الخطاب التاريخي والسياسي إلا في إطار الأدوار الأسرية والتربوية، عدا لحظات نادرة (أي في إبان الثورات والتحولات الاجتماعية الكبرى مثل ثورة 1919 و١٩٥٢ – إلى حد ما – وثورة إيران الإسلامية) تعود المرأة بعدها حبيسة الأطر التقليدية ذاتها.. بل لترتفع الأصوات مطالبة المرأة بالعودة لهذه الأدوار التي طالما حاربتها. علي أن سرعان ما يتم تجاوز فترات الإحباط لتجدد النساء أساليب مشاركتهن في المجتمع المرأة وتتحول إلى عنصر أساسي في التحضير والتمهيد والتنظيم للتحولات الاجتماعية المطلوبة.
وأخيرًا تجدر الملاحظة أنه بالرغم من حرصنا على الاستعانة بأكبر قدر من المصادر المتاحة لدينا إلا أن معظم المصادر التي قامت بالتأريخ لهذه الفترة لم تكن مصادر عربية، بالإضافة إلى أنه أمام صعوبة التوثيق للنشاط النسائي خلال فترة الخمسينات، رأينا ضرورة الاستعانة ببعض المقابلات الشخصية مع عدد من النساء النشيطات خلال تلك الفترة. ويدفعنا هذا لطرح أهمية الاستمرار في التوثيق من قبلنا ومن قبل غيرنا للحركة النسائية عبر تاريخنا المعًاصر – بمختلف تنظيماتها ومبادراتها – وهذا في إطار تدعيم انطلاقة جديدة لها عن طريق نقل دروس التاريخ وعنفوانه وحيوية الأفراد وشجاعتهم لتكون دعامة لمن يعملون لتغيير واقع النساء في مجتمعنا ولتحقيق المطالب التي نادت بها المصريات منذ قرابة قرن.
بحكم موقعها الإستراتيجي بين أوروبا وآسيا، وتعرضها لحركات التغيير الراديكالية مثل الثورة الفرنسية، صارت القاهرة مركزاً عالمياً للأفكار والحركات الجديدة.. وقد ارتبطت فورات الحركات الإصلاحية والنسوية في مصر بمحاولات الحكام المتتاليين تحديث الأبنية التعليمية والثقافية والإدارية للبلاد، وكذلك بنمو الروح الوطنية وتصاعد العداء للإمبريالية في ظل الاحتلال البريطاني خلال فترة ما بعد ١٨٨٢. إن السجالات المبكرة حول حقوق المرأة في مصر، وظهور الإصلاحيين الذكور من دعاة حقوق المرأة ودور “النساء الجدد” من رائدات أفكار المساواة بين الجنسين هي أمور ينبغي تقييمها على خلفية تلك الأحداث التاريخية (1).
ارتبطت مشاركة المرأة في صياغة المجتمع المدني في مصر بقوى التغيير على الأصعدة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، كما ارتبطت أيضًا بالنزوع نحو التحرر الذي انعكس في الصعود المتزامن للحركات الوطنية والنسوية. إن خلق هوية وطنية كان حيويًا من أجل تعبئة الناس، وكذلك كانت الرغبة في القيام بإصلاحات داخلية لتحديث البلاد وتخليصها من نير الاستعمار. وعلي أثر هذا تقاطعت الحركتان النسوية والوطنية. وتعد أوضح الأمثلة الملموسة على ذلك ما حدث خلال ثورة 1919 حيث تقاطعت الطرق مما أسفر عن مسارات مختلفة. وكان لذلك تأثير شديد الفعالية على المنظمات النسائية. فالصدمة المريرة وخيبة الأمل التي تعرضت لها النساء بعد وصول الوفد للسلطة وتراجعه عن كافة وعوده للنساء، أجبرتهن على شق طريقهن الخاص وخلق منتداهن الخاص الذي يستطعن من خلاله تلبية احتياجاتهن. حدث مرارًا أن تشكل حركتان قوة مشتركة ثم يؤول الأمر إلى خضوع إحداهما للأخرى وذوبانها داخلها وفي حالة الحركة النسائية في أوائل هذا القرن، فان الحركة لم تعد توحد أنشطتها ومبادراتها مع الفصائل الوطنية الأخرى، وإن ظل الخطاب الوطني يشكل أحد عناصرها الأساسية الذي يدعم نشاطها ويضفي صفة الشرعية علي وجودها.
يستعرض القسم التالي صعود المجموعات / المنظمات النسائية في علاقته بالتغييرات المتوالية في البلاد. وعلى امتداد هذا النقاش، ستظل القضايا الطبقية وعلاقة المجموعات النسائية بالهيئات الحاكمة والمؤسسات الدينية موضوعات أساسية، بالإضافة لرصد التحولات التي طرأت علي دور وطبيعة أنشطة هذه المنظمات والمظلات التي نشأت في إطارها.
تزامن ظهور وعى نسوى في نهاية القرن التاسع عشر مع تغيرات اجتماعية واقتصادية وسياسية. ويمكن تقسيم حكم محمد على إلى مرحلتين، المرحلة الأولى التي شهدت تعزيز سلطته وهو ما انعكس في مصادرة الأوقاف الكبيرة الأمر الذي لم يحل دون استمرار الناس في إقامة الأوقاف. أن التأثير الكبير لهذه الأوقاف في ميدان التنشئة الاجتماعية، فضلاً عن القوة الإنتاجية والمالية الهائلة التي توفرها لمن يسيطر عليها كانت الدافع لنزوع محمد على نحو السيطرة عليها. ومن ثم فإن علاقة الحكومة التي كان مقدرًا لها أن تدعم وجودها اعتمادًا علي المبادرات المدنية – وإن كانت محكومة بمنطق ديني في ذلك الوقت – اتسمت هذه العلاقة منذ البداية بالتوتر(٢).
وتميزت المرحلة الثانية من حكم محمد على “بالتوسع الاقتصادي والعسكري (3). وتم ترجمة ذلك إلى سياسات التحول الزراعي والتصنيع الكثيف والتركيز على التجارة والاعتماد الكبير على التكنولوجيا، وخلق طبقات جديدة واستيراد نظم أجنبية في التعليم والصحة والقانون، فضلاً عن تحول سكاني مكثف.
نحو نهاية القرن التاسع عشر كانت المرأة تعبر عن أفكارها وتطرح قضاياها بأشكال متنوعة: الشعر، والنثر، معاجم للسير الذاتية للنساء، ومقالات الصحف، وقد ظهر العديد من النصوص الرائدة التي أنتجتها نساء على مدى خمسة عشر عامًا قبل الجدل حول قضية المرأة المنسوب إلى قاسم أمين. وفيما يلي نذكر القليل فقط من بين تلك الأعمال. في 1879 نشرت مريم النحاس معرض الحسناء في تراجم مشاهير النساء؛ وفي عام ١٨٨٧ نشرت عائشة التيمورية “نتائج الأحوال في الأقوال والأفعال“؛ وفي ۱۸۹۳ نشرت زينب فواز قصتها “حسن العواقب” ونشرت في العام التالي معجمًا حول سير النساء وإنجازاتهن بعنوان “الدر المنثور في طبقات ربات الخدور“. ومن المهم ملاحظة أنه خلال العقود الأولى من القرن العشرين كانت النساء تكتب مخطوطات وكتب ومقالات بلغة أبسط كثيرًا مما يشير إلى تحول ثقافي في اتجاه تحديث اللغة العربية.
عند الحديث عن ظهور وعي نسوى نحتاج أيضًا للنظر إلى ما كان متوقعًا من مختلف أنماط النساء وما كان يتم لتحقيق تلك التوقعات. “بالنسبة للرأسمالية وملاك الأراضي الأجانب والمحليين، كانت النساء تمثل العمالة الأرخص في المزارع والزراعة والصناعة. وبالنسبة للسلطات الكولونيالية والإرساليات كان يتعين تعليم النساء المحليات بحيث يصبحن زوجات وأمهات صالحات (والأفضل مسيحيات) لكوادر المهنيين والموظفين الذين كانوا يتدربون لتشغيل الاقتصاد الكولونيالي. أما بالنسبة للإصلاحيين الذكور من البرجوازية المحلية، فقد احتاجت النساء لقدر مناسب من التشبه بالغرب والتعليم من أجل تحسين الصورة الحديثة والمتحضرة لبلادهن وأنفسهن، ولكي يمارسن تأثيرًا جيدًا على الجيل التالي، هكذا نمت المطالبة “بربات بيوت متحضرات“.(4) من بين التبعات الناتجة عن التغيير الاجتماعي نشير إلى أن النساء من خارج الطبقات العليا (احتلت هذه العناصر – مع الأسف – مركز الكتابة أثناء تلك الفترة ولم يتم توثيق حياة وواقع النساء الريفيات و نساء الطبقات الفقيرة) صار لهن فرص أكبر للحصول على التعليم. فقد تم إنشاء مدارس للذكور والإناث بواسطة الدولة (كجزء من مخططها التحديثي) وكذلك الإرساليات التبشيرية (5).
وقد سمح التعليم الأوسع لنساء مختلف الطبقات بالانخراط في الجدل الذي لم يعد بالتالي حبيس نساء الطبقات العليا اللاتي تعلمن العربية والفرنسية والتركية في منازلهن تحت إشراف معلمين خصوصيين. والفهم الشائع عن المنظمات النسائية هو أنها بدأت أساسًا على يد نساء الطبقة العليا وخاصة المرتبطات منهن بالقصر. تنوي التشكيك في هذا الافتراض في نقاشنا الذي يتعامل مع منظمات لاحقة سوف تأتى في فترة 1910 وتدريجًا راحت الحركة تتوسع بحيث تضم نساء من الطبقات الوسطى. وحصلت نساء الطبقتين العليا والوسطى على الشهرة والدعم المالي والاعتراف بواسطة رعاية القصر. وقد كان هناك بالفعل تقليد طويل لتبرع النساء بالوقت والمال من أجل تحقيق الرفاهية الاجتماعية، وهو تقليد يعود إلى العصر المملوكي(6)، ولعل أحد أهم الإسهامات في هذا القرن هو ذلك الخاص بالأميرة فاطمة إسماعيل (ابنة الخديوي إسماعيل وشقيقة الملك فؤاد) التي تبرعت بأرض وأموال لبناء الجامعة المصرية المعروفة آنذاك باسم جامعة فؤاد الأول. وقد وثقت المجلة النسوية لهدى شعراوي “المصرية” التي كانت تصدر بالفرنسية هذا الكرم في أحد أعدادها بالكلمات التالية: “لقد تبرعت بأرض تزيد مساحتها على 15000 متر لبناء المبنى المهيب لهذه المؤسسة الكبرى عليها. وفي إيماءة مؤثرة ومفعمة بالمعاني تبرعت بجزء من مجوهراتها الشخصية للإسهام في هذا البناء. وفضلاً عن ذلك ومن أجل ضمان استمرار وازدهار هذه الجامعة، فقد كرست وقفًا مقداره 661 فدانًا تم تخصيص جزء من عوائده سنويًا لإرسال أربعه طلاب في بعثة لأوروبا لاستكمال تعليمهم” (۷). وتمثلت المفارقة الصارخة في أن الجامعة ذاتها التي ساهمت في تأسيسها حظرت دخول النساء ومشاركتهن في حياتها الثقافية، بل ومنعت النساء بالقوة من عقد اللقاءات وتنظيم المحاضرات بها أيام الجمع، ولم يتم السماح للنساء بدخول جامعة فؤاد الأول إلا في أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات.
لقد أثر التحديث على العلاقات والهياكل الاجتماعية وأدى إلى خلق وعي نسوي وحركة اجتماعية للنساء. وكان لتقاطع الواقع الطبقي مع الوجود الجماعي للنساء ورؤيتهن – ولا يزال – تأثير شديد الفعالية؛ فتحدد (الانتماءات الطبقية المختلفة) جزئيًا مستوي حصول النساء على الشرعية وتأثير الضغوط الثقافية على حركتهن وينعكس ذلك بدورة على طريقة تفاعلهن مع كل من المجال الخاص والعام ومدى وصولهن للساحات والمنتديات السياسية (8) وتعد شخصية وحركة هدى شعراوى مثالاً على ذلك، فكان لديها روابط بالقصر والوفديين (حيث كان زوجها من أعضاء الوفد المؤسسيين) وهو ما وفر لها اتصالاً أقوى بهم وقدرة على طرح مطالبها لم تكن متاحة لنساء الطبقات الأخرى. وبعد ذلك بثلاثين سنة، كان على درية شفيق، التي كانت لها روابط بالقصر قبل الثورة، أن تعبر عن مقاومتها بشكل مختلف مع حكومة ما بعد الثورة. ومن القضايا الجديرة بالملاحظة في هذا السياق الفصل الدائم بين المجالين العام والخاص وهي قضية مستمرة حتى يومنا هذا، خاصة فيما يتعلق بالنشاط النسوي.
إن الدافع وراء تلك المنظمات المبكرة (التي يمكن أن نسميها منظمات طوعيه خاصة) قد عكس رغبة النساء في دخول المجال العام باستخدام طريقة مشروعة ومقبولة اجتماعيًا – أي العمل التطوعي– لمساعدة الفقراء والمحرومين. وعلى سبيل المثال، أصدرت منظمات عديدة دوريات أو جرائد تتناول أنشطتها وتثير قضايا مهمة أخرى. وبهذه الطريقة عملت النساء ككاتبات وصحفيات، وتعلمن انتخاب المسئولين وصياغة اللوائح ومسك الدفاتر (9). وقد مثلت الثقافة الصحفية امتدادًا لتلك المنظمات وأنشطتها وجمعت بين المجالين العام والخاص، مما يدفعنا إلى طرح تساؤل حول مفهوم “المجتمع المدني” الذي استبعد مثل هذه الأنشطة من تعريفه في حين يحتوي علي المنظمات النسائية فقط. فبينما كانت تخلق في المجال الخاص كانت تمتد إلى المجال العام حيث تدخل إليه أسماء النساء وكلماتهن وصورهن. ومنذ ۱۸۹۲, العام الذي شهد صدور مجلة الفتاة بالإسكندرية على يد هند نوفل وحتى عام 1919، ظهرت حوالي ثلاثين نشرة نسائية (10). وتعد هذه المعلومات نفيا لمقولة أن قاسم أمين وغيره من الرجال “التقدميين” بدأوا الجدال في المجتمع حول “قضية المرأة” بينما كان للنساء كملاك هذه ومحررين للمجلات دور فعال في هذه العملية وفي تمكين أنفسهن.
وكان لخلق المنظمات النسائية العاملة في ميدان الرعاية الاجتماعية والعمل الخيري دافع آخر هو رد الفعل إزاء النساء البريطانيات الفاعلات هذا المجال. فتقص علينا هدى شعراوي في مذكراتها إحدى روايات تلك الفترة عندما شعرت الأميرة عين الحياة بالحرج إزاء مبادرات النساء البريطانيات اللاتي أقمن مستوصف الليدى كرومر. وفي لقاء مع هدى شعراوى قالت “الحقيقة أنني أشعر بالخجل من عدم قيامنا نحن المصريات بمشروع جليل كهذا وكان الواجب علينا أن نكون سابقات في هذا الميدان وقد سيطرت النساء المصريات في آخر الأمر على هذا المجال حتى منتصف القرن العشرين.
بدأت الأحزاب السياسية تلاحظ دور هذه المنظمات والقوة التي توفرها من خلال قدرتها على اكتساب ولاء المجتمعات التي تخدمها؛ فقد كانت تتخذ مبادرات في مجالات مهملة تمامًا من جانب الحكومة بسبب نقص الإمكانات البشرية والمادية. وبالإضافة إلى الصلة بالناس والامتداد الأوسع الذي تمتعت به تلك المنظمات، فإنها حظيت كذلك بالموارد المالية الكبيرة بفضل التبرعات والرعاية. وحاولت الأحزاب السياسية والدولة في نهاية المطاف احتكار هذا المجال أو على الأقل استخدامه لصالحها لاكتساب التأييد لها (١٢) وقد أشارت بث بارون إلى التوازي بين مبادرات النساء في مجال خدمة المجتمع والرعاية الصحية في نهاية القرن الماضي والجهود اللاحقة للمنظمات الإسلامية خلال هذا القرن. في الحالتين كانت هناك محاولة لسد فجوة لم تكن الحكومة قادرة على التعامل معها لأسباب مختلفة في تلك اللحظات التاريخية المختلفة (١٣).
عند تكوين المنظمات والشروع في الأنشطة، كانت النساء تجتمع في منازلهن. ولا تزال هذه سمة للمنظمات النسائية إلى يومنا هذا، فمثلاً بدأ نشاط عضوات مركز دراسات المرأة الجديدة بهذا الشكل أي كحلقة دراسية تجتمع في بيوت العضوات لتناقش وثائق وقضايا مرتبطة بتاريخ وحقوق المرأة. ونعتقد أن هذا الميل لم يقتصر علي منظمتنا. ربما كان ينظر لهذا النوع من العمل “كعمل نسائي” أو أنه كان أحد عناصر شغل وقتهن ومرة أخرى فأنه يقع بحزم داخل المجال الخاص المصطنع في انفصال تام عن المجال العام / السياسي. إن هذا الفصل المفتعل يدعم الاتجاه إلى استبعاد المرأة من التأثير علي المجتمع، إلا أن مقولة أن نشاط النساء أو انخراطهن في المجتمع المدني هو عمل غير سياسي لا تزال قائمة إلى اليوم وتجد جذورها في الماضي، فعلي سبيل المثال، عندما بدأت هند نوفل إصدار مجلة الفتاة (١٨٩٢) أكدت أنها ليس لها “أهداف في ميدان السياسة“. ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه حتى يومنا هذا لا تزال منظمات نسائية عديدة، كما لا يزال المجتمع الأوسع لا ينظر لانخراط تلك المنظمات في العمل على تحسين ظروف حياة النساء أو النضال من أجل حقوقهن على أنه نشاط سياسي.
غير أن تكوين الجمعيات أو المنظمات وإصدار الجرائد وصياغة البرامج للارتقاء بالمجتمع هو عمل سياسي من الدرجة الأولى. وخلال القرن الماضي، عندما بدأت النساء الكتابة في المجلات النسائية بل والإسهام في الصحافة السائدة، كان هذا نوعًا من النشاط السياسي بل ويمكن اعتباره – وهذا هو الأهم – نوعًا من خلع الحجاب سبق الجدل حول النزع المادي لحجاب الوجه. وبالرغم من ذلك وحتى اليوم لا تؤمن نشطات عديدات بأن عملهن ذو طبيعة سياسية في الأساس(١٤).
قامت المنظمات الخيرية النسائية في نهاية القرن الماضي على أسس طائفية ودينية، مثل الجمعية الخيرية للسيدات المارونيات، وجمعية يد المساعدة النسائية الخيرية، والجمعية الخيرية النسائية بالإسكندرية، والجمعية الخيرية للسيدات السوريات بطنطا، والجمعية النسائية القبطية بالفيوم، وهذا على سبيل المثال لا الحصر. وكانت الأنشطة التي ركزت تلك المنظمات عليها هي تعليم الفقراء، ورعاية الأيتام، ومساعده الفتيات الصغيرات (15). وللأسف لا توجد معلومات دقيقة تخص تاريخ نشأة تلك الجمعيات أو التجمعات فالمعلومات المتوفرة تأتي من النشرات النسائية الموجودة آنذاك، “كأنيس الجليس” و“فتاة الشرق” و“الجنس اللطيف” – والتي ترجع أعدادها إلى عام 1903، مما يطرح إمكانية أن تكون النشأة سابقة حتى عن هذا التاريخ.
ومن المهم ملاحظة أن أنشطة تلك المجموعات لم تكن قاصرة على المراكز الحضرية وإنما امتدت لتشمل مختلف المناطق الريفية. ولعل ذلك كان راجعًا إلى غلبة الطابع الإقطاعي على الاقتصاد المصري في ذلك الوقت وإقامة كثير من ملاك الأراضي في الريف. ونجد إشارات خلال تلك السنوات إلى الانقسامات الدينية بين النساء، وفي أحيان أخرى كانت الروابط الناجحة بين ديانات مختلفة تتجاوز تلك الانقسامات. إلا أننا نعلم أن تلك كانت قضية حساسة قررت النساء عدم الخوض فيها. وعلى سبيل المثال فقد اتفق في حلقات النقاش النسائية على تجنب المناقشات السياسية والدينية حرصًا على تجانس المجموعة. في ۱۹۰۸ أسست زينب أنيس إحدى تلك المنظمات الخيرية النسائية المبكرة، وهي جمعية الشفقة بالأطفال، وقد ضمت أكثر من خمسين عضوة من بنات البكوات والأفندية (16) وفي نفس العام أيضًا كانت فاطمة رشيد واحدة من النساء اللاتي أسسن جمعية ترقية المرأة التي دعت لحقوق المرأة في إطار إسلامي. واجتمعت عضوات هذه الجمعية في منزل فاطمة وقمن بكتابة المقالات وتنظيم حلقات النقاش كما أصدرن مجلة.
وفي 1911 تأسست منظمتان انطلاقًا من مجلة العفاف وسميت المنظمة المشكلة من الرجال “حزب العفاف النشيط” في حين أطلق اسم “حزب العفاف اللطيف” على المنظمة النسائية التي رأستها زكية الكفراوية (١٧). وفي حالات كهذه، تصبح الصلة بين الثقافة الصحفية والمجموعات النسائية شديدة الوثوق، حيث تكون الواحدة مسئولة عن نشأة الأخرى.
وفي 1909، عقب وباء الكوليرا، كونت الأميرة عين الحياة منظمة طوعية خاصة هي مبرة محمد على (١٨). وكانت قد بدأت نشاطها بمستوصف في شارع محمد على ثم تطورت مع قيام النساء بالتبرع بالأموال وتنظيم مناسبات لجمع التبرعات لتصبح واحدة من أنشط المنظمات الخيرية على امتداد البلاد (١٩)، ويشير نجاح وانتشار عمل المبرة إلى غياب المبادرات الحكومية في مجال الصحة العامة والخدمات الاجتماعية كما يفند مقولة انحصار هذه الأنشطة في المناطق الحضرية. لقد استطاعت النساء ملء الفجوة التي تركتها الحكومة كما أسهمن بطريقتهن في النضال الوطني العام.
وفي عام 1914 تأسست جمعية الاتحاد النسائي التهذيبي التي ضمت بين عضواتها ملك حفني ناصف ومي زيادة كما ضمت هذه المجموعة نساء أجنبيات. وقد ركزن على تنظيم المحاضرات وكن يجتمعن أيام الجمع لعقد النقاشات بالجامعة الأهلية (التي صارت فيما بعد جامعة فؤاد الأول ثم جامعة القاهرة)، وبعد شهرين، في أبريل ١٩١٤، تأسست جمعية الرقي الأدبي للسيدات المصريات. ويبدو ثمة تشابه بين المنظمتين المذكورتين في الأنشطة والعضوية. وشهدت سنوات الحرب العالمية الأولى انخفاضًا في الأنشطة أدى في بعض الحالات إلى الحل إلا أنه سرعان ما تمت استعادة الزخم بعد ذلك (٢٠)، وتأسست جمعية المرأة الجديدة في ۱۹۱۹ بمشاركة عدة مئات من العضوات وكانت من أوائل المنظمات الواسعة التي احتاجت لعمل شاق في التنظيم والتنسيق. وكان التحالف بين النساء المسلمات والمسيحيات في هذه الحالة أيضًا ملفتًا للنظر، ونستطيع أن نزعم بأن منظمات كهذه كانت مسئولة إلى حد كبير عن نجاح ثوره ۱۹۱۹.
كانت ثورة 1919 لحظة محورية في تاريخ مصر والنساء المصريات. للمرة الأولى اندفع الرجال والنساء نحو الشوارع في تمرد نضالي يستهدف تحقيق الاستقلال لأنفسهم وبلدهم. وفي أعقاب نفى سعد زغلول وغيره من زعماء الوفد، لعبت النساء دورًا محوريًا في تعبئة الناس وتنظيمهم في المظاهرات التي شاركن فيها على الرغم من المضايقات التي تعرضن لها نتيجة لكونهن نساء بجانب الأشكال الأخرى من القمع الذي تعرض له زملاؤهن من الرجال. ونتيجة لتمسكهن بالمشاركة الجدية في هذه القضية – أي قضية الوطن – فقد شكلن بعد ذلك لجنة للعمل جنبًا إلى جنب مع الوفد. ويعد ذلك تحولاً عن الإصرار السابق على تجنب كافة الأمور السياسية. اجتمعت اللجنة المركزية للنساء الوفديات بالكنيسة المرقسية في 8 يناير ۱۹۲۰ وانتخبت هدى شعراوي رئيسة. ويشير اختيار الكنيسة كمكان التقاء لهؤلاء النساء إلى غياب التوترات الدينية وتجاوز التمايز سواء كان هذا بشكل واعٍ وقصدي أو بشكل طبيعي. وقد ألزمت النساء أنفسهن “السعي نحو التحرير الكامل، واستمرار الكفاح طالما استمر الوفد في عمله باسم الأمة“. (الحركة النسائية العربية. ص ١٣٥) ومن الملفت إصرارهن على ربط وجودهن بشكل أساسي بوجود الوفد.
لقد قطع الوفد على نفسه عهدًا بإعطاء النساء حق التصويت متى بلغ السلطة تقديرًا لمشاركتهن في النضال من أجل تحرير البلاد. وعندما عاد البرلمان إلى الانعقاد وتمت صياغة دستور جديد، لم يتم فقط حرمان النساء من حق التصويت بل لم تتم أيضًا دعوتهن للافتتاح في حين تم توجيه الدعوة لزوجات المسئولين البريطانيين (٢١). ولعل هذه كانت لحظة تفجر الإدراك بأن احتياجات النساء ومطالبهن يتعين أن تنحو نحو الاعتماد على الذات بمعزل عن الخطاب الوطني المهيمن الذي خذلهن.
تأسس الاتحاد النسائي المصري (٢٢) في 16 مارس ۱۹۲۳، بواسطة العديد من عضوات اللجنة المركزية للنساء الوفديات وذلك في منزل هدى شعراوى.”في هذا الاجتماع، ولد الاتحاد مع المطالبة بحق الاقتراع للنساء…” (٢٣) وفي ذلك ما يعكس اختلافًا عن الشعور السابق بأن النساء غير معنيات بالسياسة أو حق التصويت. وربما أمكن تفسيره بغضب النساء إزاء استمرار حرمانهن من حق التصويت على يد رجال الوفد. ويمكن النظر إلى ذلك كنقطة تحول شهدت توحد المطالب النسائية العامة والخاصة – بالرغم من اختلافنا علي هذا الفصل – على جدول أعمال منظمة واحدة. فالنضال من أجل حق الاقتراع لم يكن أبدا النشاط الأساسي للاتحاد النسائي المصري بل كان واحدًا من مطالب عدة. علي أنه لم يتحقق في حياة هدى شعراوى وكان على الجيل التالي من النشطات رفع هذا المشعل.
شعر الاتحاد النسائي المصري بخذلان الوفد له، إلا أن التحالف بين نشطاء الحركة الوطنية والحركة النسوية لم ينفض عند هذه النقطة فظل الاتحاد يستخدم المطالب الوطنية إطارًا لمواقفه. وكان الاتحاد مكونًا من نساء قبطيات ومسلمات ينتمين إلى الطبقات العليا والوسطى، وفقًا للائحة الاتحاد ضمت العضوات المؤسسات كل من هدي شعراوي وإحسان القوسي وجميلة أبو شنب وسيزا نبراوي وعزيزة فوزي وماري كحيل. وقد انقسمت مطالب الاتحاد إلى ثلاثة أقسام: سياسية (وطنية أساسًا) واجتماعية ونسوية. وبتأجيل المطالب النسوية إلى المؤخرة كن في الواقع يضعن حقوق النساء في وضع هامشي، وفي إطار المطالب الوطنية(٢٤). وكانت ملك حفني ناصف، قد استخدمت هذه الحجة للدعوة لتعليم النساء، كما استخدمتها نبوية موسى في الدفاع عن حق النساء في العمل.
كان الاتحاد فريدًا من جوانب عدة، فكان أول اتحاد نسائي في العالم العربي؛ وأحد أوائل المنظمات النسائية التي استمرت لبضعة عقود؛ وأحد أوائل المنظمات التي كان لها مقر. ويعكس ذلك ميل إلى التحول من منظمات صغيرة أو مجموعات نقاش تلتقي في منزل إحدى العضوات، إلى منظمة أكثر هيكلية لها مقر ومجلس إدارة وجمهور، إلى جانب القيام بصياغة لائحة والتعبير عن المطالب وتشكيل لجان مختلفة معنية ببرامج مختلفة (٢٥). ويعتبر وجود مقر رمز لوجود نسائي رسمي خارج نطاق المنزل وداخل المجال العام / الذكوري. سيطر الاتحاد على الحركة النسائية خلال العشرينات والثلاثينات، وكان غياب هدى شعراوى في 1947 إيذانا بتراجع نشاطه وتولى منظمات أخرى ونساء أخريات قيادة الحركة.
وتراوحت أنشطة الاتحاد بين ممارسة الضغط وتوفير الخدمات. فبخلاف جهوده في الدفاع الاجتماعي والضغط من أجل مطالب النساء (إصلاح قانون الأحوال الشخصية والأجر المتساو وشروط العمل الجيدة والحق في التعليم والحق في الاقتراع)، أدار الاتحاد عدة برامج للنساء في مناطق عديدة من مصر، وهي برامج وفرت الخدمات مع بعض التوجهات الخيرية. ولا نعرف بالضبط مقدار انخراطهن في التعبئة على مستوى القاعدة.
حرصت عضوات الاتحاد على امتداد حياته على تجنب إثارة عداء الحكومة والمؤسسات الدينية، مع إعادة التفاوض باستمرار حول حدود وجودهن المهمش. في عام ١٩٢٣ أصدرت الحكومة المصرية تعميمًا يسمح للوالدين بتزويج بناتهم إذا ما شهدوا ببلوغهن السن القانوني. ويعتبر تحديد السن القانوني للزواج أولى انتصارات الاتحاد، ولكن مع إصدار التعميم وفرت الحكومة ثغرة ينفذ منها من لا يريدون الالتزام بالقانون. فحيث أن شهادات الميلاد لم تكن ذائعة الانتشار كان بوسع الوالدين التحايل على القانون بسهولة بالزعم بأن بناتهم قد بلغن سن السادسة عشر، وفضلاً عن ذلك، كان قانون تحديد الحد الأدنى لسن الزواج يؤثر بأشكال مختلفة على شرائح مختلفة في المجتمع: فهو يساند نساء الشرائح الوسطي والعليا من الطبقة المتوسطة ممن يرغبن في استكمال تعليمهن والعمل، أما بالنسبة لأسر الطبقات الدنيا فإن القانون كان بمثابة مدخل لمن لا يرغبون في تعليم بناتهم ويفضلون تزويجهن بأسرع ما يمكن.
لقد أرادت عضوات الاتحاد التغيير والإصلاح، لكنهن لم يرغبن في اتخاذ مواقف نقدية بوضوح في المسائل المتصلة بالدين. وفي مايو ١٩٢٦ قدمن إلى البرلمان مجموعة من المطالب على عريضة “تم خلال ثلاثة أيام جمع آلاف التوقيعات عليها من القاهرة وحدها. (٢٦)” ولا نعرف إلى أي مدى كانت هناك محاولة للتعبئة وإقامة الروابط مع النساء خارج القاهرة. وتمثلت المطالب في الحد من تعدد الزوجات، والحد من الطلاق دون مبرر معقول، وحماية الزوجات المصريات من بيت الطاعة. وإطالة فترة حضانة الأم لأطفالها، وإلغاء التعميم سابق الذكر. قدمت جميع هذه المطالب مع اقتباسات من القرآن تدعمها استباقاً لقرار من العلماء بأن تلك المطالب مناقضة للدين.
وكان من شأن هذا الموقف وضع قضية المرأة في إطار إشكالي، فوفقًا لكانديوتي كان “الربط القوى بين الأصالة الثقافية والإسلام معناه أن الخطاب النسوي كان بإمكانه أن يواصل مسيرته في أحد طريقين لا ثالث لهما: أما إنكار أن الممارسات الإسلامية قهرية بالضرورة، أو تأكيد أن الممارسات القهرية ليست بالضرورة إسلامية” (٢٧) وفي نهاية المطاف، كان على الاتحاد أن يرضى كل من الحكومة والمؤسسات الدينية. وحول العديد من المطالب المذكورة أعلاه، كانت هناك وعود لم يتم الوفاء بها إلى اليوم. وقد استمرت النساء في ممارسة الضغوط على امتداد العشرينات والثلاثينات. ومع قيام الحرب العالمية الأولى، قررن تشكيل لجان متخصصة في مختلف جوانب قضايا المرأة: لجنة رعاية الطفل، الشئون الصحية، تحسين أوضاع القرى، التعليم، الشئون الدينية والأخلاقية، ولجنة المطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية للنساء(٢٨).
قام الاتحاد أيضًا بتأسيس مؤسسات عديدة ففي عام ١٩٢٤ أنشأ الاتحاد مدرسة أولية صارت مدرسة ابتدائية في ١٩٣٧. وفي كلتا الحالتين كان التعليم مجانيًا. أقام الاتحاد أيضًا مدرسة تطريز في ١٩٤٢ تعلمت البنات فيها خياطة الملابس ومهارات مماثلة أخرى. وبسبب الضغوط المالية اضطرت هذه المدرسة لغلق أبوابها بعد سنة واحدة. وأنشأ الاتحاد كذلك لتقديم ورشة في ١٩٢٤ للتعليم الاقتصادي للنساء المعاقات في منطقة السيدة زينب، وإلى جانب ذلك, أعطوا النساء دروسًا في الدين والصحة العامة واللغات والحساب، وبعد الحصول على دورة في هذه الورشة لمدة عامين، كانت الفتيات المتخرجات تنخرطن في العمل المهني وتحصلن على مقابل مادي لعملهن الذي يباع نتاجه في المعارض الخيرية. وقد ألحق بالورشة مستوصف لتقديم الخدمات الصحية. وبين ١٩٢٧ و۱۹۲۸، قدر أن هذا المستوصف عالج 19 ألف حالة تتراوح بين الأمراض الباطنية وأمراض العيون فضلاً عن حالات النساء الحوامل(۲۹).
على وجه الأجمال لم تتحقق مطالب الاتحاد خلال سنوات نشاطه، إلا أننا لا نستطيع أن نقول أنها قد فشلت، فكثيرًا من القضايا التي أثارها الاتحاد قد تغلغلت وأثرت في مطالب النساء الراهنة. وباستثناء عدد محدود من التنازلات، فان جدول الأعمال النسوي لم يتغير كيفيا، وإنما امتد ليشمل مزيدًا من المطالب، بل نستطيع القول بأن عضواته قد أعددن الجيل التالي من النسويات ممن سرن على الدرب بعدهن. ومن جوانب كثيرة كانت هدى شعراوى معلمة – ومعلمة معصي عليها– بالنسبة للعديد من النساء اللاتي أسهمن في صياغة تاريخ مصر. وخلال العشرينات والثلاثينات، كان الاتحاد هو الساحة الأساسية لأي حركة نسائية حيث لعبت هدى شعراوى دور القوة المحركة. ومع ذلك، فمع نهاية العشرينات وأوائل الثلاثينات نشهد تيارات جديدة تنمو في أوساط جماعات نسائية في ظل شخصيات قيادية جديدة. ويرجع هذا الوضع إلى التحولات الاجتماعية والسياسية التي كانت تموج بالمجتمع آنذاك، وانعكاس الوضع الدولي عليها، فمن ناحية زادت أعداد النساء التي دخلت مجال التعليم والعمل مما خلق الشروط الموضوعية لتواجد أعداد كبيرة من النساء في ساحة الحياة العامة والمهنية ومن ناحية أخري فقد شهد المجتمع تعدد في الاتجاهات السياسية والرؤى الاجتماعية المختلفة وكان من الطبيعي أن ينعكس ذلك علي الحركة النسائية المتنامية. ويمكن استخلاص أيضًا أن أفول عهد الاتحاد النسائي كالقطب الأوحد للحركة النسائية تأثر بجانب – الشروط الموضوعية المحيطة – بما يمكن أن نسميه بكساد داخلي. فقد انصب اهتمام الاتحاد في الأساس علي النشاط الخيري والخدمي وتعمق فيه مما شكل عنصر طارد لكثير من العناصر الجديدة.
تنوعت أنشطة النساء ومبادراتهن خلال الفترة من أواخر الثلاثينات إلى أوائل الخمسينات، حيث عكست بعض التيارات الاستمرارية إزاء العقود السابقة في حين مثلت تيارات أخرى قطعًا مع الماضي. وعلى وجه الإجمال، ارتبطت تلك التيارات بالسياق الأوسع داخل البلاد.
“توازت التطورات داخل صفوف النساء المسيسات، نسويات وغير نسويات، وتناغمت مع المجرى الواسع للتطورات السياسية الوطنية. وشاركت النساء بشكل رسمي وغير رسمي في نطاق واسع من الأنشطة السياسية خلال هذه العقود الوسطى كمحافظات راديكاليات يتبنين الإسلام كقضية وطنية ونسوية على حد سواء، وكوطنيات يناضلن من أجل حقوق المرأة والقضايا الوطنية، وكمثقفات يساريات وشيوعيات” (30).
وعلى الرغم من الانتكاسات التي واجهتها النساء في السابق إزاء الخطاب الوطني، فقد ظللن يستخدمن القضية الوطنية كإطار لأهدافهن. وبهذا الصدد يمكن طرح تساؤل حول قدرتهن على تغيير مفهوم الوطنية، وإلى أي مدى أثر هذا الإطار علي حركتهن؟ وهل كان وسيلة من جانبهن لاسترضاء الحكومة باستخدام خطاب يزعم من الناحية الأساسية أنه في خدمة البلاد؟ أم أنه يعكس قضية جوهرية بالنسبة للنساء ألا وهي محاولتهن للتعبير عن هويتهن المتنازعة بين قضايا “متنافسة” في المجتمع مثل القضية النسوية والقضية الوطنية. وفي آخر المطاف تم النظر للنساء كرمز لتحديث البلاد وتحريرها.
أسست زينب الغزالي جمعية النساء المسلمات في 1937 وهي في الثامنة عشرة من العمر. توجد آراء متناقضة حول تاريخ تأسيس الجمعية. وفي مقابلة في 1989 وصفت زينب الغزالي نفسها على النحو التالي: اسم والدي هو محمد الغزالي الجبيلي ونحن من أصول عربية. وتعود جذور أبي إلى عمر بن الخطاب، وترتد جذور أمه إلى الحسن بن علي.. ولدت في ٢ يناير 1917 لأسرة مسلمة والحمد لله، وكان والدي عالمًا أزهريًا.. غرس داخلي الفضائل الإسلامية (٣١).
لم تذكر زينب الغزالي عند وضعها لنفسها في هذا الإطار الديني الإسلامي أنها كانت قد تقدمت في ١٩٣٤ للاتحاد لنيل منحة للدراسة في فرنسا (حوار مع كلام الناس). ولم يوافق على المنحة لأن والدها تاجر قطن ثري لديه القدرة على إرسالها على نفقته. غير أن هدى شعراوي دعتها للانضمام إلى الاتحاد. وبعد سنتين، في١٩٣٧، تركت الاتحاد لتكوين جمعية السيدات المسلمات.
وهي تلخص خلافها مع حركة هدى شعراوي على أساس أنه “من الخطأ الفادح الحديث عن تحرير المرأة” في مجتمع إسلامي حيث أن “كل شيء، الحرية، الحقوق الاقتصادية، الحقوق السياسية، الحقوق الاجتماعية، والحقوق العامة والخاصة“، كل شيء موجود في الإسلام (32).
وترى زينب الغزالي أن أهمية النساء تعود إلى دورهن في تربية رجال البلد في المستقبل. وتتشابه هذه الرؤية مع رؤية المصلحين الذكور في أوائل هذا القرن الذين اختلفت معهم زينب الغزالي بمرارة.
ووفقًا لزينب الغزالي فإن جمعية السيدات المسلمات” أقامت دارًا للأيتام ووفرت المساعدات للعائلات الفقيرة وساعدت في تسوية الخلافات الأسرية وأرسلت الناس إلى الحج.” (33) كما ركزت أيضًا على جلسات الوعظ والإرشاد التي تم عقدها دوريًا لتنوير النساء حول السلوك الفاضل والوفاء بالواجبات التي يفرضها الله عليهن(34). وكان هذا الفعل الإسلامي الذي يبدوا محافظًا هو في الواقع هدمًا للتقاليد السائدة آنذاك، ففي مركز الوعظ والإرشاد كانت النساء يتلقين الدروس في التفسير والفقه والحديث فضلاً عن الحصول على خلفية في العمل الاجتماعي والتعليم (المرجع السابق). وكان التدريب الديني على هذا المستوى يرتبط بالعلماء، إلا أن هذا المركز كان يتحدى التقاليد بفتحه هذا المجال – المغلق على الذكور– أمام النساء. وقد كتبت زينب الغزالي نفسها تفسيرًا للقرآن، تحت عنوان” نظرات في كتاب الله“.
ويمثل هذا تيارًا جديدًا في تنظيم النساء لأنفسهن من حيث أن صاحبته كانت وثيقة الصلة بالإخوان المسلمين بينما حافظت إلى درجة ما على استقلالها. وكانت منظمات أخرى في السابق قد ذابت في نظرائها من المنظمات الذكورية أو تكونت بطلب منهم (كما كان الحال بالنسبة لحزب العفاف اللطيف واللجنة المركزية لسيدات الوفد). وقد تبنت جمعية السيدات المسلمات الحلقات الدراسية الأولية للنساء التي وجدت لدى المجموعات النسائية المبكرة ذات التوجه الإسلامي (جمعية ترقية المرأة التي أسستها فاطمة رشيد في ١٩٠٨) لكنها وفرت أيضًا نطاقًا واسعًا من الخدمات. ومن نواح عديدة لعبت السيدات المسلمات دور دورًا بديلاً عن الحكومة في الرعاية الاجتماعية مثلما فعل الإخوان المسلمون وهذا ما شكل مصدرًا رئيسيًا لحصولهن على التأييد.
بل إن التشابه هنا قد يمتد أيضًا ليشمل هدى شعراوي والاتحاد. فمثلما فعلت هدى شعراوي تبرعت زينب الغزالي من مالها الخاص للحفاظ على استمرار منظمتها ومشروعاتها. وركزت كلتا المرأتين على تحسين أحوال الأسرة كما رغبتا في التوسع خارج القاهرة نحو المناطق الريفية في مصر. وتذهب الغزالي إلى حد الافتخار بأنه كان للجمعية 119 مركزاً على امتداد البلاد وأن عدد المستفيدين من خدمات الجمعية كان قرابة الثلاثة ملايين (ليست لدينا وسيلة للتأكد من هذه الأرقام. نادية واصف، مقابلة شخصية مع زينب الغزالي، ٢٣ يونيو ١٩٩٧). وأرادت المرأتان كلتاهما تكوين صلات بالبلدان الأخرى لتكوين شبكة خارجية يمكن أن تكون مصدرًا للقوة لهن ولقضيتهن، وقد حضرت هدى شعراوي دوريًا مؤتمرات الحركة النسائية الدولية؛ في حين ذكرت زينب الغزالي أكثر من عشرة بلاد فيما تصفه بأنه العالم الإسلامي وكذلك في أوروبا، ذهبت إليها لنشر الدعوة والتقت فيها بأخوة مجاهدين(35).
في قسم بعنوان “تعديلات على الدستور“، طالب الاتحاد بحق التصويت لجميع المواطنين. واستمر الصراع من أجل التصويت خلال الثلاثينات حيث لم تحقق لجنة المطالبة بالحقوق الاجتماعية والسياسية للنساء التابعة للاتحاد تقدمًا كبيرًا (٣٦). خنقت الحرب العالمية الأولى هذا الجدال وتركت وفاة هدى شعراوي في 1947 الاتحاد بلا قيادة، وظهرت على الساحة قوى جديدة واصلت النضال من أجل حق الاقتراع، مثل درية شفيق (١٩٠٨– ١٩٧٥) واتحاد بنت النيل الذي أنشأته، كما تأسس الحزب النسائي بقيادة فاطمة راشد عام ١٩٤٢ مناديًا بحقوق النساء السياسية. كانت درية شفيق من الجيل الذي تلي هدى شعراوي لكنها كانت معاصرة لزينب الغزالي، وتنتمي مثلها للطبقة الوسطى. ووفقًا لدرية شفيق فإن “حق التصويت، جنبًا إلى جنب مع تغيير النظام الاقتصادي الاجتماعي الذي يمثل أساس قهر النساء كان يتعين أن يكونا هدفي الحركة النسائية. “(37) وقد ركزت رسالة بنت النيل على نقطتين: الأولى: السعي إلى رفع مستوى الأسرة المصرية ثقافيًا واجتماعيًا وصحيًا؛ والثانية: السعي إلى إصدار التشريعات التي تحقق تدعيم الأسرة المصرية وتجنيبها عوامل الأقسام والتفكك وذلك عن طريق تقييد الطلاق وتعدد الزوجات بحيث يقتصر على الضروريات التي تجيزهما. ويصون الأسرة من نتائج سوء استعمال هذه الرخصة وذلك لسبغ الحماية على الأمومة والطفولة معًا. وسيلتها في تحقيق هذه الأهداف تنحصر في السعي لتقرير حق المرأة في الانتخاب والنيابة عن الأمة لتتمكن من الدفاع عن حقوق المرأة المصرية والمساهمة في إصدار التشريع الذي يكفل هذه الأمة الحقوق واستقرارها وتعميمها. (٣٨)
وكانت أنشطة اتحاد بنت النيل موجهة نحو نساء القاهرة من مختلف الطبقات، تم افتتاح كافيتريا وفرت لنساء الطبقة العاملة وجبات ساخنة مدعومة، ومكتب تشغيل حاول البحث عن فرص عمل لخريجي الجامعات. أما بالنسبة للطبقة الوسطى فلقد أدرن ناديا رعى المناسبات الثقافية وشجع التمثيل المسرحي بواسطة طلبة الجامعات ومن أجلهم، كما نظمن المحاضرات للنساء لرفع وعيهن بحقوقهن اجتماعيًا وسياسيًا. ومن الملفت أن بعض هذه المناسبات قد تعرضت للتخريب على يد أعضاء الإخوان المسلمين (٣٩). كما أنشأت درية شفيق مدرسة في بولاق لمحو أمية النساء. وقد استجاب طه حسين – بصفته وزير التعليم في ذلك الوقت – لمناشدات درية شفيق وسمح لهن باستخدام مبنى مدرسة حكومية بعد ساعات الدراسة. وعلى الرغم من التزام الحكومة بالتعليم الإلزامي للجميع، إلا أن 80% من النساء المصريات – خاصة من الطبقات الفقيرة في الريف والحضر– ظللن أميات،(٤٠) أيضًا أنشأت درية مجلتين، وسعت إلى تعبئة الرجال داخل الهيئات التشريعية لدعم مطالب النساء إلا أنها لم تنجح في هذه المحاولة. وقد قالت في مذكراتها أنه “كان بديهيًا بالنسبة لي ضرورة وجود نائبات في البرلمان“. (٤١) ويتلي ذلك ميلاد حركة سياسية تستهدف كفالة حق الاقتراع للنساء والتمثيل السياسي المناسب لهن.
وقد مثلت المبادرات المدنية لاتحاد بنت النيل توجهًا جديدًا، تعكس تحولاً من عقلية العمل الخيري والخدمي كأداة للتغيير إلى عقلية التمكين عن طريق الفعل السياسي المتمثل في مشاركة المرأة في المواقع السياسية في المؤسسات المختلفة بالمجتمع. فإيجاد الوظائف للناس، ومحاولة توفير التعليم لهم، والسعي لرفع وعيهم بحقوقهم اكتسبت الأولوية في فكر درية شفيق بالمقارنة بالوسائل الأكثر تقليدية التي طالما استخدمتها المنظمات النسائية في السابق. بطبيعة الحال تضمن عملها بعض العمل الخيري، إلا أن تركيزها انصب على رفع الوعي وممارسة الضغوط. وتراوحت جهودها من أجل جعل الحكومة أكثر حساسية وتجاوبًا إزاء حقوق المرأة بين فتح الحوار، والتلويح بتصعيد أشكال النضال، واتسم كلا التكتيكان بقدر كبير من الشجاعة، ومثل غيرها من النساء النشيطات، فإن علاقة درية شفيق بالهيئات الحاكمة كثيرًا ما اتسمت بالطابع العاصف إلا أنها نجحت في اكتساب الحلفاء وفي الشروع على الأقل إقامة حوار.
واتسمت هذه الحقبة بتعدد الأصوات النسائية (التي أضحت معظمها مجهولة بالنسبة لنا) المطالبة بالمشاركة السياسية في قضية الوطن والتقدم نحو حسم قضية تحرر المرأة. كانت أحد هذه الأصوات لمنيرة ثابت التي “سمعت.. أن هناك هيئة سياسية تكونت من الرجال لتعاون الحكومة بالبحث وإبداء الرأي في قضية الوطن الكبرى. فلماذا لم تمثل المرأة المصرية في هذه الهيئة السياسية؟ أمصر وطن الرجال وحدهم، وليست وطنًا لنا نحن النساء؟ أليس من حقنا نحن النساء أن نشترك مع الرجال في خدمة مصر، ونتعاون معهم بصفة رسمية في حل قضيتها الكبرى؟ إلى متي يصر الرجال الأنانيون على الاستئثار بهذا الشرف الوطني؟“(42).
النساء العاملات – الاحتياجات المهملة
في نهاية القرن التاسع عشر كان هناك وعيًا محدودًا حول ظروف عمل النساء وأوضاعهن المتدنية من حيث أنهن كن الفئة التي تتلقى أجوراً أقل بالإضافة إلى التعرض للاستغلال، وذلك جنبًا إلى جنب مع عمالة الأطفال. فضمت صناعة السجائر في مصر أعدادًا كبيرة من العمال، وقد احتل قاع السلم اللفافون الذين كانوا يلفون أوراق التبغ، وأغلبهم من النساء.(43) وخلال العشرينات حظيت قضايا العاملات ببعض العناية على صفحات “اتحاد العمال“، وفي حين أن أغلب النساء كن يعملن كعمالة “غير ماهرة” في مصانع السجائر والبناء والنسيج؛ فقد انصب الاهتمام على النساء المتعلمات اللاتي تعملن كمدرسات بالمدارس خارج المنزل. وفي فبراير ١٩٢٥ بدأت جريدة اتحاد العمال تنشر صفحة نسائية حررتها شخصية أشارت إلى نفسها باسم نجاح.(44)
وخلال الثلاثينيات مارس الاتحاد النسائي المصري ضغوطًا من أجل حقوق النساء في أماكن العمل. وفي 1935 اتجهت مجموعة من العاملات إلى مكتب العمل بوزارة الداخلية. وبعد بضعة شهور، حظي الضغط الذي مارسه الاتحاد ببعض النجاح عندما عينت نعيمة الأيوبي مفتشة لعمل المرأة بمكتب العمل(45). وخلال الأربعينيات بدأت النساء في تنظيم أنفسهن على أسس مهنية. ففي 1943 كونت مجموعة من المحاميات اتحاد المحاميات المصريات، الذي لم يستمر سوى بضعة شهور. (٤٦) وفي فبراير 1946 شاركت رابطة العاملات المصرية في تكوين اللجنة الوطنية للعمال والطلبة مع نقابات وجمعيات أخرى (47). وكانت هذه أول منظمة للنساء العاملات في مصر وقادتها حكمت الغزالي، وهي عاملة نسيج من شبرا الخيمة. ومن خلال هذه النقابات والجمعيات بدأت النساء من كل الطبقات في تمكين أنفسهن وحماية مصالحهن، وكذلك مصالح أمتهن من خلال التوحد في جماعات. وربما نستطيع أن نزعم أن دخول النساء من مختلف الطبقات إلى ساحة العمل ساعد على انتشار مبادرات ومنظمات النساء على امتداد البلاد, وكذلك على دمج مختلف الطبقات داخل حركات أوسع. وخلال هذه الفترة كانت السمة الأساسية هي الوجود القوي للشرائح المتوسطة والدنيا من نساء الطبقة الوسطى، بخلاف النمط السائد في أوائل القرن.
وعلي نهاية الأربعينات وأوائل الخمسينات، تقلص نشاط الاتحاد النسائي المصري عما كان عليه في السابق، فبقيت ثلاث لجان تناولت العديد من القضايا التي سبق أن نشط الاتحاد فيها تحت مظلة واحدة. فساعدت لجنة الشئون الاجتماعية والتعليمية الأرامل ماليًا، ووفرت أماكن لأطفالهن في المدارس، ومنحت المساعدات الطبية للعائلات عند الضرورة. كما كان هناك أخصائيون اجتماعيون مكلفون بالبحث عن أفضل سبل التعامل مع مشكلات كل أسرة. وفي ١٩٤٦ تم تأسيس فصول دراسية مسائية لربات البيوت ممن لم يحصلن على التعليم. وشملت هذه الفصول دراسة اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية؛ وأشغال الإبرة والأعمال اليدوية والتطريز، وتولت لجنة الشئون الصحية للنساء والأطفال كافة الأبعاد المتصلة بنمو الأطفال وصولاً إلى توفير الأدوية والملابس لهم بالمجان. كما قامت اللجنة بتعليم الأمهات كيفية رعاية أطفالهن وتم منح الجوائز للمتفوقات. أما لجنة المطالبة بحقوق النساء فقد تركزت جهودها على الضغط من أجل الإصلاحات القانونية. وسعت إلى نشر آرائها بين طلاب المدارس والحصول على تأييدهم، مع تنظيم المناسبات الثقافية لتوسيع دائرة نفوذها(48).
وعملت اللجان المذكورة في إطار خيري قصير المدى بالأساس، وليس من خلال رؤية طويلة المدى تستهدف التمكين والضغط، الذي كان طابع نشاط الاتحاد في نشأته. لذا يمكن القول بأنه بالرغم من الدور الهام الذي لعبه العمل الخدمي الاجتماعي الذي قامت به التجمعات النسائية الأولى من حيث أنه سمح لها بالخروج خارج دائرة المنزل وأعطى لنشاطها شرعية اجتماعية مهَّدت لدور سياسي أوسع نطاقًا، إلا أنه من الواضح أن تطور هذا الدور جاء علي حساب انحسار الدور السياسي للاتحاد في قضية المرأة. علي أن هذا الدور شهد توسعًا ملحوظًا، فعكست هذه الفترة نزوعًا ملموسًا لتلبية احتياجات الناس في الريف. ففي حين كانت الحركة حضرية في البداية راحت تنتشر تدريجيًا في المناطق الريفية ولقد كان ذلك ضروريًا خاصة أثناء وباء الكوليرا في 1947، وربما تأثر الاتحاد في هذا بمبادرات أخرى مثل تلك الخاصة بزينب الغزالي وجمعية النساء المسلمات اللاتي ركزن كثيرًا من جهودهن على المناطق الريفية لتعبئة الناس على المستوى الوطني.
الطالبات: الحركة الوطنية وقضية المرأة:
كان روح التنظيم داخل الجامعات أيضًا شائعًا بين الطلاب الذين مالوا لليسار خلال الأربعينات. وانخرطت الطالبات مثل انجي أفلاطون ولطيفة الزيات في الحياة السياسية والاجتماعية للبلاد، ومثلن تيارًا جديدًا في الحركة النسائية سعى إلى ربط مطالب تحرر المرأة بتحرر المجتمع من كافة أشكال الاستغلال والاستعمار وتحقيق الاشتراكية. وكانت انجي أفلاطون مندوبة رابطة فتيات الجامعة والمعاهد المصرية (وهي منظمة للنساء الشيوعيات) في المؤتمر العالمي للمرأة بباريس في ١٩٤٥. (49) كما أشارت في مذكراتها إلى مشاركة رابطة فتيات الجامعة باثنتي عشر فتاة في اللجنة التنفيذية العليا للجنة الوطنية للعمال والطلبة عن طريق الانتخاب، فتقول “وتحقق لأول مرة في تاريخ الجامعة المصرية وصول المرأة إلى مركز قيادي عن طريق الانتخاب وبعدد ليس بالقليل. فاز من فتيات الرابطة لطيفة الزيات ونجيبة عبد الحميد وعنايات المنيري وآسيا النمر وأخريات(٥٠). وتركزت مطالب الحركة في الجلاء ورفض الأحلاف العسكرية ورفض معاهدة الدفاع المشترك(51)، مما يعكس إخضاع قضيتهن للقضية الأكبر المتعلقة بتحرير الأمة. إلا أن النساء أصبحن أعلى صوتًا خلال الأربعينات كما أصدرن كتابات عدة عن وضع المرأة المصرية المتدني في المجتمع(٥٢). وتتذكر لطيفة الزيات المضايقات التي تعرضت لها على يد الجماعات الإسلامية في الجامعة “حاولوا تشويه سمعتي– وصفوني بأنني داعرة وأشياء من هذا القبيل“(٥٣). علي أن هذا لم يمنع هؤلاء النساء من الانخراط في الحركة الثورية بالمجتمع وأن يصبحن عنصرًا فعالاً في تنظيمها وقد شاركن في المظاهرات الملتهبة التي أعقبت تشكيل اللجنة الوطنية العليا والتي انتهت بمجزرة كوبري عباس وسقوط حكومة النقراشي ومجيء حكومة إسماعيل صدقي عام 1946 الذي اصطدم بالتحركات الشعبية وتنظيماتها وسعي إلى تكبيلها. ووفقًا لانجي أفلاطون لم تنقطع المظاهرات بقيادة اللجنة بل شملت كل أنحاء مصر حتى ألغيت معاهدة 1936 من قبل حكومة الوفد التي جاءت عام 1950 وقد تلا ذلك بدء الكفاح المسلح.
المنظمات النسائية: قضية المرأة والقضية الوطنية
في تلك الحقبة التي اتسمت بزخم النضال الوطني الذي تمحور حول الجلاء والذي احتشدت حوله كافة الفصائل، دخلت العناصر الشابة بالرابطة إلى الاتحاد النسائي – كانت ترأسه آنذاك سيزا نبراوي – وشكلن لجنة الشابات بالاتحاد النسائي وقد سميت فيما بعد “بلجنة المقاومة” (54). وشهدت هذه الحقبة أوسع مشاركة وأضخم تضحيات من النساء المصريات في سبيل الوطن وقضيته. فخرجت ألوف النساء في مظاهرة نسائية كبري في 14 نوفمبر عام 1951 في ذكري يوم الشهداء، تم وصفها في جريدة الأهرام “وكأن جندت مصر نسائها بل دفعتهن الوطنية فتقدمن الصفوف في أروع مظاهرة قومية شاهدتها البلاد” (٥٥). وفي نفس الوقت استمرت الفصائل النسائية المختلفة في المناداة بحقوق المرأة وبلغت هذه الجهود ذروتها في 19 فبراير 1951 عندما نظمت حوالي 1500 امرأة من مختلف المجموعات السياسية ومن أصحاب العقائد المختلفة، بقيادة درية شفيق، مسيرة نحو البرلمان مطالبات بحقوقهن. (٥٦)
ومن الملفت للنظر أن المرة الأخيرة التي شهدت تعبئة النساء جماهيريًا كانت خلال ثورة 1919. وتتذكر جيرمان اركاش، إحدى النساء اللاتي شاركن في هذه اللحظة التاريخية: “ذهبنا أولاً إلى قاعة ايوارت التذكارية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة حيث نظمت درية مؤتمرًا صحفيًا وألقت خطبة. ثم وقفنا جميعًا، حيث كان كل شيء منظمًا. ساعد لطفي الخولي كثيرًا. كان لدينا سيارات وعربات. انطلقت السيارات أولاً، وكانت سيزا نبراوي مع درية شفيق وعدد كبير من النساء المشهورات جدًا(٥٧). ورغم من وعود الحكومة للنساء بأنها سوف تضع مطالبهن موضع تفكير جاد، إلا أنها ظلت صامتة ولم يتم تلبية هذا المطلب إلا بعد عدد من السنوات.
الدولة والمنظمات الأهلية: بداية الصدام
كانت العلاقة بين مختلف الحكومات والمبادرات المدنية المتواصلة غامضة، ففي بعض الحقب بدا أنهما يقفان على نفس الجانب؛ وفي حقب أخرى كان هناك صدام واضح وثارت الاضطرابات بين الطرفين.
في ١٩٣٩ شكلت حكومة أحمد ماهر وزارة الشئون الاجتماعية. وخططت الوزارة لخلق مراکز اجتماعية ريفية على امتداد أراضي مصر تقدم تسهيلات وخدمات صحية واجتماعية. كما قامت الحكومة في محاولة لإحكام السيطرة علي المبادرات المدنية بالاستيلاء على مطاعم الفقراء المدارة بواسطة المنظمات الاجتماعية الخاصة وإقامة مطاعم جديدة. وفي معرض تعليقه على هذه النوايا قال أحمد زاهر زغلول من المعهد العالي للصحة العامة في 1963، “لم ينفذ سوى القليل من البرامج وتعرقل تطورها لأسباب سياسية ومالية“.(٥٨)
وهناك ما يشير إلى أن كثيرًا من النساء اللاتي عملن بالمجال الخدمي الاجتماعي – بحكم خلفيتهن الطبقية وصلاتهن بالقصر– كن منخرطات بكثافة في السياسة والصراعات مع الحكومة الجالسة على سدة الحكم.(59)
تراوحت الحقبات المختلفة للحكومات المصرية قبل ثورة ١٩٥٢ بين التوتر ومحاولة إحكام السيطرة، واستيعاب المبادرات المدنية التي علي أساسها تأسست كافة المؤسسات المصرية الحديثة (تعليمية وصحية وثقافية)، علي أن أكثر الفترات التي احتدم فيها الصدام بين الحكومة والمؤسسات المدنية وفرضت فيها قيود شديدة علي الحركة النسائية كانت أثناء حكومة صدقي 1946 حين حلت كل المنظمات اليسارية بما في ذلك مكاتبها النسائية.(60) عادت التنظيمات لنشاطها السابق بعد سقوط حكومة صدقي ومجيء آخر حكومة للوفد، إلا أنها واجهت أشد تحدياتها علي يد ثورة يوليو وحكومتها التي تأسست ١٩٥٢.
موقف الدولة من المرأة والعمل الأهلي وتأثيره علي حركة المرأة ومنظماتها
تعتبر هذه الحقبة نقطة تحول أساسية في مسار الحركة النسائية ومطالبها، حيث أن الحركة النسائية وتنظيماتها – التي تأسست في الفترة السابقة ودافعت عن القضية الوطنية والقومية كما ناضلت من أجل حقوق المرأة – لم تعد مرغوبًا فيها من قبل الحكومة الجديدة. وبالتالي فان الوقت الذي تعرضت فيه كل التيارات الفكرية والسياسية – الليبرالية والإسلامية واليسارية– إلى الاعتقال والقمع قد شهد أيضًا توقفا في أصوات الحركة النسائية التي تعرضت تنظيماتها الأهلية إلى التجميد والحل (61).
إلا أن عام 1953 كانت نقطة تحول هامة حين أغلقت حكومة الضباط الأحرار مكاتب الاتحاد النسائي المصري واتحاد بنت النيل بدعوى أنهم أحزاب سياسية (المرجع السابق).
وبحلول عام 1954 اتخذت الحكومة الجديدة إجراءات حاسمة لصالح تمركز السلطة ومصادرة المبادرات الأهلية وتم علي أثره حل الاتحاد النسائي عام 1956 وحل محله التنظيم النسائي بالاتحاد القومي، ثم التنظيم النسائي بالاتحاد الاشتراكي وهي التنظيمات التي تشكلت بقرار من السلطة بديلاً لهيئة التحرير (١٩٥٧– ١٩٦١) ولم تكن ذات وجود مستقل متميز عن أجهزة الدولة(٦٢). ومن ناحية أخري فقد تأثرت كافة الأنشطة الأهلية بهذا الوضع الجديد، ففي 1956 صدر قانون رقم ٣٨٤ الذي وضع كافة المؤسسات الخيرية والخاصة تحت الإشراف الحكومي المباشر، وبذلك تم تأميم مبرة محمد علي في أوائل الستينات“، وكانت هداية عفيفي بركات المتطوعة الوحيدة التي استمرت في العمل تحت إدارة الحكومة“. (63) ووفقًا لنفس المصدر السابق، فقد تأثر مستوي الخدمات – خاصة الصحية – بهذه الإجراءات وحل الأسلوب الوظيفي الذي كرسته الحكومة علي هذه الأعمال محل روح التطوع والتفاني.
وعلي مستوي المؤسسات السياسية فسوف يكون – لوقت طويل منذ تلك الفترة وحتى أوائل السبعينات – الحزب الواحد ومكاتبه الشكل التنظيمي الوحيد المطروح للنساء المصريات(64). واتسمت هذه الفترة، وفقًا للأستاذة عايدة الجندي، بالمكاسب الاجتماعية للمرأة بجانب اكتسابها حق التصويت عام 1956، علي أن التنظيمات أصبحت وثيقة الصلة بالحكومة وأخذ نشاطها الطابع الخيري والدعوة لخدمة البلد(65).
ولقد كان لحل الأحزاب أثرًا سلبيًا علي الحركة النسائية المصرية ويرجع ذلك إلى أن نظام التعددية الحزبية كان يسمح باحتضان عددًا من المنظمات النسائية المستقلة تعبيرًا عن الفكر الليبرالي السائد. ورغم أن تلهامي تعتقد أن إغلاق الضباط الأحرار للاتحاد النسائي المصري كان ينبع من ارتباط الأخير بالطبقات التي قامت الثورة في مواجهتها(66), إلا أن تعميم الإغلاق على سائر المنظمات والأحزاب الأخرى– بما فيها اليسارية منها – يشير إلى أن الأصل في القرار هو تحجيم الديمقراطية والعمل التنظيمي المستقل كسمة أساسية من سمات النظام الجديد.
لقد ارتبطت بداية النظام الجمهوري – الذي أطاح بالملكية – في مصر إذن بوضع قيود شديدة على حق التنظيم المستقل ومن ضمنها الحركة النسائية المصرية ومع ذلك فإن النظام لم يكن معاديًا لولوج النساء إلى المحيط العام أو إعطائهن حق المشاركة السياسية في الحدود التي سمح بها بوجه عام، علي أنه يمكن القول بأنه قام بترويض المشاركة النسائية بحيث تنسجم مع البرنامج السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تبناه وتكوين قيادة نسائية جديدة أكثر قبولاً وتأقلما مع الرؤية الاجتماعية والاقتصادية للنظام الجديد(67) وبالتالي أدمج النظام بعضا من الأجندة المطلبية لنساء الطبقة المتوسطة كمكون من برنامجه الاجتماعي التقدمي ونتج عن ذلك مجموعة من الإجراءات الاقتصادية والسياسية توصف في بعض الأحيان – وهذا ما لا نتفق معه – بالأجندة النسوية للدولة، خاصة وأن اثنين من هذه المطالب كانت مستجيبة تمامًا لاحتياجات الدولة من النساء ألا وهما حق العمل وحق المشاركة في الحياة البرلمانية.
ومن أجل تدعيم القوى الإنتاجية بالنساء سعي النظام إلى إجراءين: أولهما خلق قيادة نسائية جديدة، حيث تم استنهاض هذه القيادة الجديدة من بين الجامعيات اللآتي كن ينتمين إلى نفس الأصول الطبقية للضباط الأحرار. وفي عام ١٩٦٢ عينت الدكتورة حكمت أبو زيد أول امرأة تشغل منصب وزيرة للشئون الاجتماعية والذي أصبح منذ ذلك الحين مرتبطًا بالعديد من شئون النساء. وثانيهما تشريع يحمي حقوق النساء العاملات، ففي ١٩٦٣ نظمت حكمت أبو زيد مؤتمرًا نسائيًا واسعًا لبحث أوضاع العمل بالنسبة للمرأة العاملة. وإضافة إلى ذلك تم تجنيد كوادر نسائية في صفوف الاتحاد الاشتراكي العربي كما نجحت بعض من النساء في الوصول إلى مقاعد البرلمان. ومن هنا أصبحت علاقة النظام بالقطاع النسائي وثيقة الصلة بعلاقة النساء بالحزب الحاكم الواحد، مما جعل المبادرات النسائية كلها تصدر من هذا التكوين الحزبي دون أن تكون هناك مساحة تسمح بتشكيلات أخرى سياسية أو اجتماعية.
وحتى في الحالات التي تم فيها تحديد نسبة لتمثيل النساء في المستويات المختلفة من النظامين التشريعي أو الإداري في النظام الناصري فإن النساء كن يفتقدن التنظيمات المستقلة التي قد تتيح لهن الدفاع عن برنامج نسائي بعينه، وبالتالي كان طبيعيًا أن تقتصر كل مكاسب هذه الفترة على المكاسب الاقتصادية والاجتماعية في إطار الخطة الشاملة دون إنجاز خاص بالنساء على المستوي التشريعي إلا فيما يتعلق بقوانين العمل والحق في التعليم والانتخاب (6۸).
لم يقترب النظام الناصري من قوانين الأحوال الشخصية التي تركتها الدولة في يد المؤسسة الدينية. وحين توجهت بعض الشخصيات النسائية إلى عبد الناصر 1967 تطالبه ببعض التعديلات في قوانين الأحوال الشخصية اقترح عليهن التوجه إلى المؤسسة الدينية باعتبار أن هي التي لها الكلمة الأخيرة في هذا المجال. وبهذا وضعت الدولة – وليس لآخر مرة – المؤسسات الدينية وسيط بين النساء وحقوقهن.
من ناحية أخري أسست الحكومة العديد من الجمعيات – تحت إدارتها هذه المرة – وعينت موظفين حكوميين للعمل بها. وكانت إحدى النتائج الأخرى لمنع حق التنظيم هو حرمان الفئات المهمشة من النساء والتي لم تجد تعبيرًا سياسيًا عنها رغم أن كثير من احتياجاتها لم تتضمن في البرنامج السياسي لثورة يوليو التي كانت تخاطب في الأساس الطبقة الوسطى المصرية.. فالإصلاح الزراعي على سبيل المثال لم يخاطب سوى الرجال واستثنيت النساء من الاستفادة منه إلا في حالات نادرة مثل حالات الأرامل اللاتي تعلن أبناء قصر. أما النساء المعيلات لأسر والمطلقات فلم يستفدن من إجراءات توزيع الأرض، بل أن وزارة الزراعة قد حددت في 17 نوفمبر ١٩٥٢ أن أجر الفلاح اليومي هو 18 قرشًا في حين حددت أجر المرأة بعشرة قروش.
إجمالاً يمكننا القول أنه في ذات الوقت الذي كان النظام الجديد يقوض فيه حق التنظيم المستقل، توالت منذ عام ١٩٥٤ التشريعات التي أعطت المرأة حقوقًا متساوية في مجال العمل – باستثناء القطاعات غير الرسمية والزراعية – وفي مجال التعليم، كما كفل لها دستور 1956 حق الترشيح والتصويت في الانتخابات. والملاحظ أنه رغم ما أعطي للنساء من حقوق في المجالات السابقة بقيت قوانين الأحوال الشخصية التي صيغت عام ١٩٢٩ – التي طالبت الحركة النسائية طوال تاريخها ببحثها وتعديلها – بقيت هذه القوانين بدون تعديل وكانت هذه هي الضريبة التي دفعتها النساء نتيجة فقدانهن لاستقلال حركتهن.
في عام 1954 أي بعد عامين من وصول الضباط الأحرار إلى السلطة، دعى الاتحاد النسائي المصري إلى اجتماع لكل المجموعات النسائية لكي يناقشن قضايا النساء واحتياجهن إلى قوانين تحمي مصالحهن في الأسرة والعمل، ونظمت درية شفيق في ذلك الحين اعتصامًا وإضرابًا عن الطعام هي و18 امرأة أخرى في الثاني عشر من مارس من ذلك العام معلنة نفاذ صبر الحركة النسائية من تأخر الاستجابة لمطالب استمرت المطالبة بها نحو ثلاثين عامًا. كما تم تنظيم اعتصام مشابه في الإسكندرية، وقد كان هذا العمل الاحتجاجي الجماعي بمثابة الفعل الجماعي الأخير للحركة النسائية المصرية لفترة طويلة قادمة بعد حل الاتحاد النسائي والمنظمات الأخرى والأحزاب عام 1956. نفس العام الذي منحت فيه النساء حق الاقتراع (69)
وفي عام 1957 أضربت درية شفيق مرة أخرى عن الطعام معربة عن احتجاجها إزاء النظام الجديد الذي قام بتصفية التنظيمات الأهلية، كما طالبت في ذات الوقت بانسحاب القوات الإسرائيلية من أراضي مصر. وقالت إنجي أفلاطون في هذا الصدد، “لقد صعقنا من هذا الموقف الخطير (إضراب درية شفيق) وخصوصًا لأنها كانت تتحدث باسم المرأة المصرية دون أن يفوضها أحد بذلك، وفي الوقت الذي لا يزال العدو يحتل أرضنا… وبعد مشاورات سريعة تمت بيني وبين سيزا نبراوي وجاكلين خوري، بادرنا مشاركة بكتابة بيان جعلنا عنوانه: نساء مصر يستنكرن بيان درية شفيق” (٧٠) وحتى 1959 ظلت بعض الفصائل النسائية تحاول أن تنشط الصعيد السياسي والوطني، ففي عام 1958 حاولت عدد من النساء النشيطات تسجيل جمعية تحت الشئون الاجتماعية ضمت سيزا نبراوي، إنجي أفلاطون، عزيزة رضوان، حكمت أبو زيد، نيرة محمود وأخريات، ولكن تم حظر نشاط الجمعية لأسباب متعلقة بأمن البلد“. (۷۱)
ونستطيع أن نقول أنه بينما شهدت هذه الفترة مشاركة من النساء المصريات في المقاومة إزاء العدوان علي مصر – تم فيه تشكيل اللجنة النسائية العليا للمقاومة الشعبية برئاسة سيزا نبراوي– فقد شهدت أيضًا ارتباكًا واضحًا في صفوف الحركة النسائية المصرية نتيجة التناقض التي شعرن به بين القضية الوطنية وتبني الحكومة الجديدة لها، وبين استقلال حركتهن ومطالبتهن بحقوقهن والعجز الذي واجههن في الجمع بين الاثنين. وهو تناقض (مصطنع في رأينا) ظل قائمًا وضاربًا في وسط الحركة النسائية حتى يومنا هذا.
وارتدت حركة المرأة المستقلة في هذه الحقبة إلى مستوى الجمعيات الخيرية مرة أخرى والتي ينظم عملها القانون رقم 49 لسنة 1945 والذي استبدل عام ١٩٦٤ بالقانون رقم 3۲ الساري المفعول حتى كتابة هذا البحث والذي يعطي لوزارة الشئون الاجتماعية حقوقًا رقابية في التشكيل والإشراف المالي والتفتيش وإعطاء التراخيص وطلب حل الجمعيات.
ووفقًا لعايدة الجندي – إحدى النساء اللآتي اشتركن في الأربعينات في مبرة المرأة الجديدة ثم عملت في وزارة الشئون الاجتماعية ثم مع هيئات الأمم المتحدة لتصبح مسؤولة هيئة اليونيسيف في المنطقة العربية ومستشارة للعديد من الهيئات التنموية – ارتبطت المنظمات غير الحكومية بالدولة مع سيادة الخطاب الوطني بعد ١٩٥٢، وكانت الجمعيات التي نشأت في الفترة ما بين 1950 -1960 ذات طابع خيري في الأساس ولم تسعى للدعاية لنشاطها. كما تضيف أن الحكومة بعد الستينات قامت بإنشاء العديد من الجمعيات وعينت موظفيها لإدارة هذه الجمعيات. و “شهدت هذه الفترة اختفاء القيم الأخلاقية وظهور المصالح المادية والفساد واحتكار الدولة (٧٢).
أما بالنسبة للجمعيات النسائية فبلغت نسبة هذه الجمعيات سنة 1978 4.1% من مجموع الجمعيات في القاهرة وبلغت نسبة الأعضاء الذكور في هذه الجمعيات النسائية 91% من مجموع الأعضاء. (٧٣) وقد تشكل من هذه الجمعيات اتحاد الهيئات النسوية سنة 1957 والذي عنى بمشاكل الأسرة كما تشكلت لجنة المرأة في الاتحاد الإقليمي للجمعيات بالقاهرة سنة ١٩٧٠ والتي قامت بدور خدمي أثناء حرب أكتوبر 1973. (74)
في الفترة ما بين ١٩٦٢ و١٩٧٢ اهتمت الدولة بالأجهزة الشعبية – الحكومية التي تبنت بعض الجهود الاجتماعية لمقابلة احتياجات النساء في المدن المصرية وكذلك الريف والمناطق الصحراوية وذلك من خلال النظم المختلفة. وتصف سامية فهمي هذه الجهود باعتبارها جهودا أهلية وحكومية مشتركة، حيث يلاحظ أن الحكومة لجأت في تلك السنوات إلى منهج جديد فأسندت بعض مشروعاتها إلى جمعيات أهلية بما تضمنه ذلك من حضانات وضمان اجتماعي وتأمينات إضافة إلى الأنشطة الأخرى الأسر المنتجة، ومشروع الرائدات الريفيات، إلخ. التي وإن ارتدت ثوب الجمعيات الأهلية إلا أنها في الأصل مشاريع قامت بمبادرة من الدولة. أما القطاع الرئيسي من هذه المؤسسات الأهلية / الحكومية فيتكون من الجمعيات التي انتشرت في محافظات مصر وقراها باسم جمعيات تنمية المجتمع. (75)
شكلت هزيمة 1967 نقطة تحول ليس علي مستوى الوضع العسكري والسياسي للنظام فحسب، وإنما كانت أيضًا نقطة انطلاق لجملة من التغيرات السياسية والاجتماعية على المستوى الشعبي، فقد بدأت إرهاصات الحركات الطلابية – كرد فعل لهزيمة النظام واحتلال الأراضي– فقامت بالمطالبة أولاً بمحاكمة المسئولين عن هزيمة 1967، وثانيًا بمشاركة المجتمع في القرار السياسي، وفي موقفها هذا سحب صمني للثقة من النظام السياسي الذي أمم نضالها الديمقراطي لفترة طويلة، ورفض لتغييب صوتها. ومن ناحية أخرى فان الهزيمة قد مهدت – بما ترتب عليها من إحباط – الأرض لبذرة صعود التيار الإسلامي والذي لعب نظام السادات في بدايته دورًا هامًا في دعمه لمواجهة الحركات الطلابية والشعبية على مستوى الوطن.
شهدت بداية السبعينات صعود الحركة الطلابية والتي كانت أقوي عناصرها من فئات اليسار المختلفة. ورغم أن عددًا من قوى هذه الحركة وقياداتها كان من النساء، ورغم وجود العديد من الطالبات في كافة المواقع التنظيمية، إلا أن المطالب النسائية لم تشكل ولو جزء ضئيل من برنامج العمل الطلابي ولم تدرج قضايا النساء في أي لحظة ضمن القضايا الديمقراطية أو الاجتماعية أو السياسية المعلنة في مطالب الحركة الطلابية في ذلك الوقت. وفي دراسة تاريخية تتناول الحركة الطلابية والسياسات الوطنية في مصر (76)،بقلم أحد قيادات هذه الحركة في السبعينات لم يذكر، ولو على سبيل المثال، دور العنصر النسائي في هذه الحركات رغم أن الانخراط في الحركة الطلابية كان يستتبع في أغلب الأحيان كسرًا للصورة النمطية للمرأة حتى في الإطار الأكثر استنارة لفترة الستينات. ولم تتضمن الدراسة تحليلاً اجتماعيًا لمغزى أن تشارك النساء في المظاهرات والاعتصامات وأن يتعرضن للسجن والمحاكمات في إطار النضال الطلابي في سبيل المطالب الديمقراطية والوطنية للحركة آنذاك. والملفت للنظر أن هذه العناصر النسائية نفسها لم تطرح مطالب نوعية خاصة بالنساء في إطار حركتها، فجاءت وثائق الحركة الطلابية خالية من أي مطالب برنامجية تخص النساء. بل إن طرح القضايا النسائية ومناقشتها كان يعتبر تضييعا للجهود وتشتيتا لها في تفاصيل سوف تحل من تلقاء ذاتها في ظل تحقيق المجتمع الاشتراكي.
يجدر التنويه هنا إلى وجود أصوات منفردة شديدة الندرة في هذه الفترة طرحت بعض قضايا النساء من منظور نسائي / نسوي، فلا يمكن إنكار الدور الرائد الذي لعبته كتابات نوال السعداوي في تلك المرحلة والتي كانت تتمحور في الأساس حول خصوصية قضايا النساء واقتحام تلك المساحات من حياة النساء التي جرى العرف على توصيفها “بالمساحات الخاصة” لتطرح أن هذه المساحات هي أيضًا من الشأن العام وإنها تتأثر بالفكر السائد والسياسات السائدة.. كانت نوال السعداوي من رائدات الاشتباك مع الفكر الذكوري الأبوي وكانت تتحدى هذا الفكر وتجلياته في الواقع وتطرحه للنقاش والجدل موضحة الأشكال التي يعبر بها عن نفسه على المستوى العام والخاص في حياة النساء.. ورغم أن كتاباتها قد شكلت وجدان الكثير من نساء الحركة الطلابية ولعبت دورًا في تبني البعض منهن قضايا المرأة في العقدين التاليين إلا أن هؤلاء النساء أنفسهن كن يقاومن فكرة النضال النسوي في نفس الوقت الذي كن فيه يتأثرن بكتابات نوال السعداوي حرصًا على البرنامج الاجتماعي العام وعلى الموقف السياسي “الصحيح” في ذلك الوقت. كذلك كانت هناك أصوات مثل أمينة السعيد تكتب في ذلك الوقت في جريدة حواء (١٨ نوفمبر ۱۹۷۲) تهاجم ظاهرة الحجاب ومغزاه للمرأة. إلا أن قلة هذه الأصوات وغياب التنظيمات النسائية المستقلة والقوية التي كان يمكن أن تعبئ النساء من حولها قد جعل مهمتها تقتصر على التنوير المحدود لبعض عناصر المثقفين والأجيال الجديدة من الطلاب.
تؤرخ مرفت حاتم لبداية صعود التيار الإسلامي أو إرهاصات دوره السياسي بعد هزيمة 1967، إلا أن صعود التيار الإسلامي جاء مع أفول وهج الحركة الطلابية بعد حرب أكتوبر 19۷۳ التي ارتبطت في الأساس بالقضية الوطنية والديمقراطية. وقد ارتبط نجاح الجماعة الإسلامية في تحويل نفسها من أسر جامعية صغيرة تتناول الدراسات الثقافية والدينية، بدعم نظام السادات لهم في محاولة لضرب التجمعات الطلابية الماركسية والناصرية. إلا أن قدرة الحركة الإسلامية – خاصة مع صعود الأزمة الاقتصادية – على تقديم خدمات لعضويتها وسائر الطلاب، خاصة الطالبات (الزي المدعوم، وسائل المواصلات الخاصة بالبنات) ساهم في إبراز الجماعة كقوة بارزة في الوسط الجامعي، وقد كان تركيز المنظمات الإسلامية متساو بين التركيز على مظهر الفتاة وعلى دورها في الحياة وعملها واشتراكها في الحياة العامة. وتفسر استجابة الحركة الإسلامية لعدد من المطالب الملحة لبنات الجامعة وطلابها بشكل عام الجاذبية الشديدة لهذه الجماعات، كذلك جاءت دعوة الإسلاميين لعودة المرأة إلى المنزل متواكبة مع بدايات الأزمة الاقتصادية وصعوبات ظروف العمل ومؤشرات انتشار لبطالة فكان خطابهم يتضمن تلاقيًا واضحًا بين الأجندة النسائية الإسلامية وبين الاستجابة للظروف الاقتصادية وتزاحم النساء والرجال في سوق العمل المحدود.
في نفس الفترة، ومع إرهاصات الردة عن المكاسب الاجتماعية والسياسية لثورة يوليو، وارتفاع أصوات الحركة الإسلامية تخاطب النساء بما يجوز ولا يجوز عمله، بدأت قيادات الأربعينات النسائية في التعبير عن قلقها من بوادر هذه الردة، فالثورة لم تخذلها فيما ناضلت من أجله من مكاسب وحقوق، ولم تؤمم حقها الديمقراطي في التنظيم فحسب، ولم تتسبب في هزيمة 67 فحسب، بل أن إحساسًا بدأ ينتاب مجموعات متناثرة من النساء بأنهن خرجن من رومانسية النضالات إلى وضع أكثر تجردًا من أي حقوق سواء كان ذلك على المستوى الخاص أو العام. فبالرغم من النصوص الرسمية وخاصة تلك المتعلقة بالدستور والتي تنص على المساواة بين كافة المواطنين، وبالرغم من أن المرأة قد شاركت في النضالات السياسية الخاصة بالدفاع عن استقلال الوطن وبنائه وتنحت لفترات طويلة عن حقوقها الخاصة بهدف إعلاء الشأن العام على الشأن الخاص إلا أن الممارسات العملية على المستويين العام والخاص ظلت دائمًا بعيدة عن المقولات النظرية.
ولا نكون مبالغين إذا قلنا أن بعضًا من مشكلات الحركة النسائية المعاصرة أنها جاءت كردة فعل للصعود الإسلامي وان كان رد فعل ناقص، فعلى حين كان الإسلاميون يطرحون مشروعًا قوميًا متكاملاً – حتى وإن لم تكن ملامحه واضحة التفاصيل– إلا أن التجمعات النسائية قد بلورت مواقف من تلك القضايا التي رأت فيها مساس بما حصلت عليه من مكاسب.
صحيح أن الحركة الإسلامية لم تمتلك إلى هذا اليوم برنامجًا متماسكًا تفصيليًا لصورة المجتمع الذي يرمون إليه، فيما يتجاوز الشعار الفضفاض حول “الإسلام هو الحل” إلا أنهم نجحوا –حتى وإن بشكل متناثر– أن يكون لهم قول في كافة الموضوعات وأن يصوغوا خطابًا لكل الفئات فلم يتجاهلوا طرفًا اجتماعيًا تحت دعوى أن دوره لاحق وإن كان ذلك في إطار تقنين الفوارق والأدوار الطبقية والجنسية والدينية المختلفة.
وفي هذا الشأن تقول تلهامي لقد انشغلت الحركة الإسلامية بمشاكل المجتمع ككل في حين ركزت الأصوات النسائية التي بدأت ترفع صوتها في بداية السبعينات تجاه القضايا النسائية فقط ولم تبد اهتمامًا كافيًا بالوضع الاقتصادي، في حين اعتبر الإسلاميون أن تردي الوضع الاقتصادي سوف يؤدي بالضرورة إلى تدهور أخلاقي. وفي حين كان موقف هذه الأصوات النسائية لا يتجاوز كونه نقدًا لمعدل إنجاز الحكومة في إصلاح تشريعي يؤثر إيجابيًا على حياة النساء كان الإسلاميون ينتقدون الحكومة برمتها بل وفي أحيان يطالبون بتغييرها. كذلك ففي حين كانت التيارات الإسلامية على درجة عالية من التنظيم سواء الجناح المتطرف أو المعتدل منها، كانت إرهاصات التجمعات النسائية غير منتظمة وتعتمد في خطابها الدفاعي على ما هو ممكن بدلاً مما يجب أن يكون. أما الإسلاميون فكانوا محترفين في التحريض وجر الخطوط الواضحة ما بينهم وما بين النظام السائد (۷۷).
وقد تزامنت هذه الفترة أيضًا مع ظهور عدد من التكوينات السياسية الشرعية عرفت بداية باسم المنابر وسرعان ما تحولت إلى أحزاب اليمين والوسط واليسار. ورغم وجود مكاتب نسائية في كل من هذه الأحزاب إلا أن العمل النسائي في هذه الأحزاب كان يقتصر على ترویج برامج المنبر أو الحزب بين أوساط النساء على أرضية من الخدمات التي تناولت الأمور الصحية ومحو الأمية ومرة أخرى دون التعرض إلى قضايا الفضاء الخاص. وكادت هذه الأحزاب تتفق على المضمون الخجول لبرامجها النسائية والتي لم تتجاوز مطالب الحياة العامة ولم تتجاوز خصوصيتها بعض المطالب المرتبطة بحقوق المرأة العاملة فيما يتعلق بوظيفتها الإنجابية. وظل هناك موقف رافض للتعامل مع قضايا النساء باعتبارها قضايا ذات خصوصية نوعية وظل هناك رفض لتخصيص قضايا نسائية لا يعاني منها الرجال. فكان إرضاء الرجال، – إما في المجتمع بشكل عام، أو في الشكل التنظيمي أو الجمهور المستهدف – مبررًا لتجاهل المطالب النوعية للنساء. وكان ذلك يتم إما بدون تنظير له (منابر الوسط واليمين) أو بتنظير له على أساس من أولويات وتراتبية المشكلات والقضايا (منبر اليسار).
على المستوى الدولي تصاعدت الحركة النسوية حوالي منتصف السبعينات ووصل صوتها إلى دوائر أكثر اتساعًا وأصبح لها تأثيرها على الأجندة السياسية في بلادها ولا يقتصر ذلك على بلاد العالم الأول (أمريكا الشمالية وأوروبا) وإنما بدأت بوادره أيضًا في أمريكا اللاتينية وبلاد آسيا والعالم الثالث بوجه عام حيث تزامنت إلى حد كبير فترات الاستقلال مع فترة الإنجازات التي تلته ثم سقوط الأوهام عن إمكانية تحقيق المكاسب في غياب المؤسسات المدنية المستقلة. ومع تطور الوعي العام بأن المجتمعات لا يمكن أن تتقدم بدون استثمار لكامل طاقاتها البشرية رجالاً ونساء، شهدت مرحلة السبعينات بداية طرح لموضوع المرأة بطريقة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى كما كثرت الأحاديث حول إدراج المرأة في برامج التنمية، ومن أجل ذلك كان لابد من الاهتمام عن قرب بالقضايا التي تعرقل انخراط المرأة في كافة مجالات الحياة ومشاركتها بطريقة فعالة في صنع المستقبل. صحيح أن بروز قضية المرأة على الأجندة الدولية والمحلية جاء مرة أخرى استجابة لاحتياجات تنموية ولكن عشرون سنة من محاولات التنمية كانت قد أبرزت بكثير من الوضوح أنه لا يمكن تعبئة الفئات المختلفة من المجتمع في غياب مشاركة هذه الفئات في وضع برامجها واختيار أسلوب عملها ودفاعها عن حقوقها السياسية والمدنية جنبًا إلى جنب مع حقوقها الاقتصادية والاجتماعية.
لقد تواكب هذا الوعي مع تشكيل دوائر وإدارات متخصصة لقضايا المرأة خاصة في هيئات الأمم المتحدة، التي أعلنت 1975 عامًا للمرأة، وعقد المؤتمر الدولي الأول للمرأة في المكسيك في نفس العام. (كانت هناك دولتان عربيتان هما مصر وتونس من بين الدول السبع التي تقدمت إلى الأمم المتحدة بمشروع قرار يرمي إلى تخصيص سنة كاملة تسلط فيها الأضواء على القضايا النسائية)(٧٨). وما من شك أن هذا الاهتمام الدولي بقضايا المرأة قد أثر بدرجة كبيرة في بعض الدوائر النسائية في مصر. وهذا ما سوف نراه لاحقًا في هذا البحث.
وقد شهدت فترة السبعينات عددًا من المكاسب الرسمية، ففي سبتمبر ۱۹۷۰ أصدر السادات قرارًا بتشكيل سكرتارية للمرأة داخل الاتحاد الاشتراكي العربي برئاسة سعاد أبو السعود، كما تم تشجيع النساء على الترشيح للمجالس المحلية وتم انتخاب جيهان السادات رئيسة المجلس المحلي في المنوفية في أكتوبر 1975 إضافة إلى 30 امرأة أخري نجحن في تسع محافظات. كذلك تم تعيين عائشة راتب وزيرة للشئون الاجتماعية، ونجحت في نفس العام تسع نساء من الحصول على مقاعد في البرلمان. وقد كانت معركة قانون الأحوال الشخصية في عام 1985 كبرى معالم السبعينات فيما يتعلق بالعمل النسائي، كما أنها كانت انعكاسًا لإشكالياته في ذات الوقت. فلم تستطع قوى نسائية أو سياسية واحدة أن تتخذ موقفًا متكاملاً من مشروع القانون الذي ارتبط باسم جيهان السادات وخرج غير دستوريًا في إجراءاته. وكان الموقفان المطروحان على الساحة هما تأييد التغيير لما فيه مصالح النساء وتجاوز الجانب الإجرائي والذي اعتمد على السلطات الاستثنائية لرئيس الدولة (ص ٨٦) – حيث مرر القانون رقم 44 في ٢٠ يونيو 1979 في غيبة البرلمان الذي كان في أجازته الصيفية– أو مهاجمة القانون جملة وتفصيلاً سواء على أساس إسلامي أو على أساس رفض الصلاحيات الاستثنائية لرئيس الجمهورية (ص ١١٤، ٣٣)، وغاب عن الساحة الطرح الذي يجمع بين رفض للسلطات الاستثنائية لرئيس الدولة وبين المطالبة بالحقوق المنصوص عليها في القانون الجديد. وقد سقط القانون حين رفض أحد القضاة الحكم به فرفع الأمر إلى المحكمة الدستورية العليا التي حكمت في 4 مايو 1985 بعدم دستورية القانون لأنه لم يمر بالإجراءات اللازمة لإبرام القوانين والتي تنص عليها المادة 147 من دستور 1971، وحيث إن القانون لم يتناول أمرًا طارئًا فان استخدام رئيس الجمهورية لسلطاته الاستثنائية لم يكن دستوريًا. وقد أكدت المحكمة إلى أن اعتراضها لا يتناول مضمون القانون وإنما الأسلوب الذي أبرم به.
وقد أبدت مجموعات من النساء المصريات اعتراضهن على رفض القانون رقم ٤٤ وشكلن لجنة عرفت باسم لجنة الدفاع عن المرأة والأسرة (نلاحظ إدراج “الأسرة” في عنوان اللجنة تفاديًا للاحتجاج العام ضد المطالبة بحقوق المرأة وهو تحفظ سوف تحمله المنظمات النسائية لسنوات طويلة معها في خطابها وبرنامجها النسائي). لم تكن المقاومة قوية ولم تتجاوز بعض الاحتجاجات التي خاطبت البرلمان ولم يكن هناك مجهود واضح للمطالبة بقانون جديد.
صحيح أن عقد السبعينات قد انتهى بقانون هزيل للأحوال الشخصية لم يحمل بصمات التعبئة النسائية بقدر ما حمل ملامح التوازنات السياسية المفروضة لشراء رضاء القوى الإسلامية، ولكن نهاية العقد وبداية العقد الجديد كانت أيضًا تحمل بشائر ولادة، وإن متعثرة, لوعي نسائي جديد استند إلى فرز لما هو قائم وقراءة فيما سبق وبحث عن أصحاب الهموم المشتركة حول قضية المرأة، وتميز هذا البحث بخروجه عن الدوائر التقليدية التي خرجت منها المنظمات النسائية في العقود السابقة. أيضًا، كان السعي الحكومي للارتباط بالساحة الدولية أثرًا علي الوضع الداخلي ففتح المجال علي كافة المستويات لمزيد من التفاعل مع الحركة الحقوقية التي اتسمت بها السبعينات في العالم والتي تم تقنينها داخل هيئات الأمم المتحدة.
هكذا لم تشهد السبعينات إجمالاً تحركات نسائية تذكر ولا محاولات حقيقية لإعادة تشكيل مجموعات تدافع عن حقوق المرأة أو تتوجه بخدماتها وأنشطتها نحو قطاع النساء اللهم إلا بعض الجمعيات التقليدية التي اتسمت عامة بطابع أقرب إلى العمل الخيري أو مجموعات تنتمي إلى الحزب الرسمي لدولة أي الاتحاد الاشتراكي أو إلى أحزاب سرية أو شبه سرية، تبنت في معظمها فكرة مفادها أن حصول المرأة على حقوقها سوف يتحقق حينما يتم حل مشاكل المجتمع، أو اعتبرت أن نضال المرأة جزء من نضال مقدس من أجل مساندة الرجل في إعلاء كلمة الإسلام. وبصفة عامة لم تظهر حتى تلك اللحظة الحاجة الملحة إلى تشكيل منظمات تعني أساسًا بقضية المرأة من منظور سياسي بمعنى الدفاع عن حقوقها أو البحث في أسباب معاناتها بشكل نوعي بل ظل الأمر في إطار اعتبار هذه المسألة قضية هامشية تعنى بها إما أوساط مرفهة تقضي بعضًا من وقتها في محاولة لتبرير وجودها الاجتماعي من خلال أدائها لبعض الواجبات الخيرية، أو في دوائر معنية بالنضال السياسي العام بما يتضمنه ذلك من إعطاء أولوية للمطالب العامة على حساب المطالب الخاصة بالمرأة ودون إدراك للبعد “السياسي” الذي تحمله هذه القضية أو غيرها من القضايا المرتبطة بتغيير أوضاع المجتمع.
لا يمكن تقسيم العقود التاريخية بطريقة فاصلة، كما أن كل عقد جديد هو امتداد لتراكمات وخبرات وإنجازات العقود السابقة. إلا أنه لدواعي المستجدات والتغييرات على المستويين المحلي والدولي، وكذلك لأسباب عملية رأينا فصل المرحلة المقبلة إلى عقد الثمانينيات وعقد التسعينيات.
واصلت هيئات الأمم المتحدة في الثمانينات طرح موضوع المرأة باعتباره أولوية على جدول أعمالها. ففي عام 1980 عقد بمدينة كوبنهاجن المنتدى الدولي الثاني للمرأة (منتصف عقد المرأة، إلا أن المؤتمر الدولي الثالث للمرأة / نيروبي/١٩٨٥ هو الذي شكل دفعة هائلة في اتجاه تبني أكثر اتساعًا وفي نفس الوقت أكثر شمولاً وعمقًا لقضايا المرأة. كما أصدر هذا لمؤتمر تقريرًا خاصًا عن أوضاع المرأة في مختلف أنحاء العالم. والجدير بالذكر أن تقرير منطقة غرب آسيا الذي أصدرته منظمة الإسكوا – بناءًا على ما جاء بالتقارير الوطنية الصادرة عن ۱۳ حكومة عربية، منها مصر – [ تمثل الأقطار العربية الواقعة في هذه المنطقة تضم منطقة الإسكوا حاليًا ١٢ دولة عربية، إلا أنه في عام 1985 كان هناك اليمن الديمقراطية وجمهورية اليمن الشعبية اللتان اتحدتا فيما بعد] قد تميز عن التقارير الخاصة بباقي مناطق العالم بالتأكيد على أمرين:
أولاً: أهمية الارتكاز على تراث الحضارة العربية الإسلامية وعلى القيم الدينية والروحية للمنطقة.
ثانياً: تخصيص قسم كامل لبحث أمور الأسرة.
ويعكس هذا الموقف منظور الدولة الخاص من المرأة – الآخذ في التنامي خاصة في أواخر السبعينات – ألا وهو وضع المرأة وحقوقها رهينة المؤسسة الدينية والأسرة اللذين وضعوا كحد فاصل بين النساء والمؤسسات المدنية في المجتمع. ومن زاوية أخري كان هذا استمرار لتكريس الإطار التقليدي للأدوار الاجتماعية للمرأة.
وبهذا الصدد، عندما نعود إلى تصنيف أنشطة الجمعيات المسجلة في مصر حتى يومنا هذا تحت مظلة وزارة الشئون الاجتماعية – والتي تمثل حتى الآن الأغلبية العظمى من المنظمات غير الحكومية – نجد أنها لا تتضمن أنشطة مصنفة “نسائية“. بل إن المجالات الثلاثة عشر التي تعترف بها الشئون الاجتماعية هي: رعاية أمومة وطفولة، رعاية أسرة، مساعدات اجتماعية، رعاية شيخوخة، رعاية فئات خاصة ومعوقين، خدمات ثقافية وعلمية ودينية، تنمية مجتمعات محلية، إدارة عامة وتنظيم، رعاية مسجونين، تنظيم أسرة، صداقة بين الشعوب، أصحاب المعاشات، نشاط أدبي. وهكذا يتضح أنه –على الأقل في الذهنية الرسمية – يجب أن يندرج نشاط المرأة في ارتباطه بالأدوار الاجتماعية التقليدية المنوطة بها. في نفس الوقت، لم تحظ المنظمات الأهلية في مصر في هذه المرحلة بالقدر الكافي من حرية الحركة مما يكفل لها إمكانية القيام بدور “الفاعل الاجتماعي” القادر على المشاركة والتأثير في عملية التغيير.
كذلك اتسمت المواقف الرسمية تجاه قضايا المرأة بالتذبذب الشديد في محاولة للتوفيق بين اتجاهين متناقضين، أي المد الإسلامي في الداخل والمناخ الدولي الذي أصبح يشجع بلورة وتطوير المطالب المتعلقة بالمرأة. ومن أمثلة ذلك التأرجح، التراجع عن التعديلات التي أدخلت على قانون الأحوال الشخصية في عام 1979، ثم صدور قانون جديد في نفس وقت انعقاد مؤتمر نيروبي فعلق الساخرون أن الحكومة المصرية لجأت عمدًا إلى اتخاذ هذه الخطوة لتبدو “عصرية” في نظر الغرب خلال المؤتمر.(۷۹)
الأحزاب السياسية والنقابات
استمرت الأحزاب الرسمية وشبه الرسمية – التي بدأت تبرز في السبعينيات – في اعتبار قضية المرأة مسألة هامشية لا تتطلب تدخلاً خاصًا رغم إنشائها لأمانات للمرأة تمشيًا مع التقاليد الحزبية في مصر. والملفت للنظر أن التشكيلات النسائية المرتبطة بأحزاب مثل حزب التجمع، والحزب العربي الناصري، وحزب العمل – على تباين اتجاهات تلك الأحزاب – قد وضعت على رأس قائمة أولوياتها إلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات، كما ارتبطت أهدافها في الأساس بالحقوق السياسية للمرأة الحركة النسائية العربية. وقد مارست بعض الأحزاب السياسية أنشطة نسائية متفرقة ومشتتة من خلال مكاتبها النسائية، مثل تعليم التطريز والتفصيل وتنظيم المعارض، كما تشير المنظمات المذكورة أعلاه إلى قيامها بأنشطة الأمية التي توقفت في بعض الأحيان لعدم نجاحها. وهكذا ظلت أهدافها وأنشطتها – كما هو الحال بالنسبة للسبعينيات– مرتبطة بأهداف الأحزاب التي تنتمي إليها وبنظرة هذه الأحزاب إلى المسألة النسائية. ورغم أن بعض الأجنحة النسائية في الأحزاب – مثل اتحاد المرأة التقدمي بحزب التجمع– ذكرت حقوق المرأة في العمل والزواج، الخ.. إلا أن طرحها ظل يتناول الموضوع في إطار الأدوار التقليدية وفي إطار تحديد دور ومكانة المرأة في علاقتها بالأسرة.
هذا وينخفض عدد النساء المشاركات في الهيئات العليا للأحزاب السياسية بطريقة ملفتة للنظر وكذلك الحال بالنسبة للجان النقابية المختلفة(80). أما فيما تعلق بتناول النقابات لقضية المرأة، فإنه لا يختلف كثيرًا عن تناول الأحزاب السياسية. ولكن ينبغي هنا الإشارة إلى تكوين لجنة المرأة في اتحاد المحاميين العرب التي لعبت دورًا نشيطًا أثناء معركة قانون الأحوال الشخصية في منتصف الثمانيات وهي المعركة التي سنتعرض لبعض تفاصيلها فيما بعد. كذلك فإن نقابة الصحفيين قد أولت اهتمامًا واحترامًا خاصًا لإحدى عضواتها البارزات، وهي الصحفية أمينة شفيق، إلا أن المسألة ظلت مقتصرة على أدوار فردية محدودة الفاعلية فيما يتعلق بقضية المرأة.
المرأة في الخطاب الديني
وعلى صعيد آخر، تناول الدعاة والمفكرون “الإسلاميون في السبعينيات وبداية الثمانينات مسألة المرأة من منظور تعظيم أدوارها الأسرية والمنزلية ودفعها للعودة إلى المنزل وترك مجال العمل. وقد بررت بعض الأصوات مطالبها هذه بأن المرأة قد خلقت لرعاية الرجال المنهكين من العمل وتوفير الراحة والمحبة والدعم لهم.(81) وهي مهمة تستوجب تفرغًا كاملاً. كما يدعو هذا الخطاب النساء إلى الاحتشام من خلال ارتداء الحجاب، وقد أدت هذه الدعوة إلى تحجب أعداد متنامية من النساء المصريات خاصة من الطبقة الوسطى بل إلى احتجابهن عن المجالات العامة.
وقد ساهم في تعميق وتوطيد هذا الاتجاه بعض الوجوه النسائية من أمثال زينب الغزالي وصافيناز كاظم وفي مرحلة لاحقة هبة رؤوف. إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن الخطاب الذي تنتجه هؤلاء النساء يختلف إلى حد ما عن الخطاب “الإسلامي للرجال حيث يتضمن إعلاء لشأن عمل المرأة ولأدوارها الاجتماعية الأخرى(٨٢). فلا ترى كاتبة مثل صافيناز كاظم تناقضًا بين حياة المرأة العامة والخاصة، كما أن زينب الغزالي قد مارست هذه الفكرة بانفصالها عن زوج حاول التدخل في نضالها السياسي(٨٣). ورغم ذلك، لم تتخل هذه الأصوات في أي وقت من الأوقات عن التأكيد على أدوار المرأة التقليدية.
كما بدأت تتشكل في الثمانينات مجموعات نسائية تلتقي في بعض المساجد (مثل جامع مصطفى محمود)، أو في البيوت بهدف تعليم القادمات الجدد طريقة ارتداء الزي الإسلامي، وكذلك تعريفهن بالسلوكيات السليمة للمرأة المسلمة(84) وقد لعبت بعض الفنانات المشهورات دورًا نشيطًا بهذا الصدد بعد الإعلان الرسمي عن “التوبة” والتخلي عن التبرج، فقمن بعقد حلقات في بعض البيوت للترويج لهذه الأفكار مما كان له أثرًا واسعًا وسط جمهور النساء خاصة من الطبقة الوسطى.
الحركة النسائية ومنظماتها – بوادر جديدة
في بداية الثمانينات، نشهد نوعاً من عودة بعض النساء المصريات إلى الاهتمام بقضايا المرأة، باعتبارها قضايا قائمة بحد ذاتها. ورغم أن الوقت قد طال بين نضالات الاتحاد النسائي ومطالبه الموجهة بطريقة مباشرة إلى التعامل مع قضايا النساء باعتبارها ذات خصوصية وتتطلب تدخلاً من نوع خاص(٨٥)، وبين تنحي النساء المصريات لعدة عقود عن طرح همومهن؛ فإن إخفاق المشروع القومي والوطني عن الوفاء بمتطلبات النساء المصريات قد أدى بلا شك إلى محاولتهن إعادة البحث عن التاريخ المفقود، وتطوير الوعي بأن هناك قضية (أو قضايا) يمكن أن تندرج تحت مسمى خاص قائم بحد ذاته ويحتاج إلى إيجاد الحلول الملائمة في إطار مجتمع ينحو أكثر فأكثر منحى إنكار وجود المرأة كعضو كامل الأهلية قادر على المشاركة في بناء المجتمع على قدم وساق مع غيره من البشر.
وشهدت هذه المرحلة بداية تشكيل بعض المجموعات التي تنظر من منظور خاص إلى المسألة النسائية، ونذكر منها على سبيل التخصيص منظمة تضامن المرأة العربية التي تأسست عام ١٩٨٢ عقب مؤتمر كوبنهاجن، والتي قادتها نوال السعداوي واستطاعت أن تستقطب حولها مجموعة من النساء المؤمنات بالطرح النسوي لمسألة المرأة. كذلك تشكلت في نفس الفترة مجموعات أخرى لم تكن قد اتخذت بعد الشكل القانوني الرسمي، ومنها مجموعة المرأة الجديدة[ تبنت المجموعة هذا الاسم محاولة منها إلي إبراز الاستمرارية والتواصل – بعد انقطاع طويل– مع الحركة النسائية القديمة] ومجموعة بنت الأرض. وتصنف بعض الكتابات (86) هذه التشكيلات على أنها تنتمي إلى الشرائح العليا من الطبقة المتوسطة. وقد يكون ذلك صحيحًا إلى حد ما من حيث التوصيف الشكلي للأصل الطبقي، إلا أن النساء اللاتي اندرجن في هذه المجموعات قد انطلقن من مواقع فكرية واجتماعية مختلفة عن تلك التي حركت التجمعات النسائية في مراحل سابقة. فقد انطلقت مؤسسات تلك المجموعات من ارتباط مسبق بحركات ديمقراطية عامة تشكلت من عناصر ذات أصول اجتماعية مختلفة. وكان هناك منذ بداية نشاطها طرحًا يبتعد عن مفهوم العمل الخيري، بل من رفض هذا النمط من العمل. كما طرحت القضية من منظور “نسوي” له بعد اجتماعي يتميز بالوعي بأهمية التعرف والتصدي لمشاكل النساء بصفة عامة والفقيرات والمهمشات بصفة خاصة. فنقرأ على سبيل المثال في أحد إصدارات منظمة تضامن المرأة العربية(87)، “تتمثل تقدمية الدعوة لحركة نسائية عربية سياسية في أنها دعوة تفترضها الديمقراطية الحقيقية وتفترضها القومية العربية الحقيقية وتفترضها الاشتراكية الحقيقية لأنها حركة تمثل نصف المجتمع، وتمثل أشد أنواع القهر الغامض والظاهر وهو قهر الإنسان للإنسان أو قهر الرجل للمرأة وهي تمثل أيضًا القهر الطبقي والفئوي والمهني بحكم أن الأغلبية الساحقة من النساء في بلادنا فلاحات أو عاملات كادحات فقيرات.. “.
إلا أن هذه المجموعات قد عملت في بداياتها بطريقة استطلاعية متسمة بعدم وضوح الرؤية سواء من حيث الأسلوب أو الهدف. فعملت منظمة تضامن المرأة العربية أساسًا في دوائر المثقفين المقتنعين بأحقية المرأة في خوض النضال من أجل حقوقها. وبالرغم من أن منظمة تضامن المرأة العربية تصدت إلى مجموعة من المسائل المتعلقة بالمرأة بشكل جريء سواء من خلال الندوات والمؤتمرات التي نظمتها أو من خلال مجلتها “نون“، إلا أنها عجزت عن لعب دور تجاه المنظمات الأخرى أو التأثير الأوسع في المجتمع نتيجة لأسلوبها “الأبوي“،مما أدى إلى نفور البعض أو التعامل مع طرح هذه المجموعة باعتباره شكلاً من أشكال الرفاهية الفكرية. إلا أنه ينبغي الاعتراف بأن نشاط تضامن المرأة العربية أثر داخلياً في طرح قضية تنظيم النساء علي الساحة بقوة مرة أخري كما أثر خارجيًا بطرح هذه القضية علي المستوي الدولي. وقد ووجهت الرابطة بهجوم واسع من تشكيلات نسائية أخرى بسبب تلقيها دعم مالي من إحدى المؤسسات الأجنبية لتمويل عقد مؤتمر في عام 1985 دون الإعلان عن ذلك مسبقًا. وتجدر أهمية الإشارة إلى هذا الحدث في أنه تزامن مع حدوث جدل واسع حول التمويل الأجنبي والغرض من ورائه وآثاره السلبية، الخ.. ومن جهة أخرى، انتهى الأمر بالنسبة لمنظمة تضامن المرأة العربية في عام 1991 بتوجيه اتهامات رسمية لها اتخذت شكل المسائلة في أمور مالية، وهو ما يخفي في طياته عدم القدرة على قبول مواجهة مباشرة لأمور ظلت طيلة سنوات من الموضوعات المسكوت عنها، خاصة في ظل تصاعد المد الأصولي ومحاولة التوافق الرسمي مع هذا الاتجاه الذي ينبئ بالخطر. هذا بالإضافة إلى تبني منظمة تضامن المرأة العربية في نفس هذه الفترة لمواقف مختلفة عن الموقف الرسمي فيما تعلق بموضوع حرب الخليج. وانتهى الأمر بصدور قرار من المحكمة بالإغلاق وتسليم المقر إلى منظمة إسلامية.
أما المجموعات النسائية غير الرسمية الأخرى، مثل مجموعة المرأة الجديدة وبنت الأرض والتي تنبع نشأتها من ارتباط عضواتها بالحركة الطلابية في فترة السبعينات، فقد ظلت تحاول بلورة رؤية لتحركها الهادف إلى التوجه القصدي نحو قضايا المرأة بصفة عامة والفئات المهمشة والفقيرة من النساء بصفة خاصة. وهكذا اندرجت بعض “عضوات” هذه المجموعات في أنشطة خدمية مثل فصول محو الأمية، ربما للالتحام بجمهور أوسع، ولكن ربما أيضًا للتعرف عن قرب على مشاكل الفئات المحرومة من النساء. إلا أن الأنشطة الأساسية التي تميزت بها بداية الثمانينات بالنسبة للمجموعات “النسوية” القليلة الموجودة على الساحة المصرية هي البحث في التاريخ الحركة النسائية، وتنظيم حلقات نقاش محدودة العدد حول بعض الكتابات النسائية، وإصدار مجلات تتناول موضوعات حول تاريخ الحركة النسائية في مصر, كما تتناول قضايا متعلقة بظروف حياة العاملات والفلاحات، هذا بالإضافة إلى الدفاع عن الحقوق المكتسبة والمطالبة بمزيد من الحقوق. وهكذا نقرأ في افتتاحية أحد أعداد نشرة المرأة الجديدة (88) “أن العمل باعتباره أحد الحقوق الإنسانية والاجتماعية التي يجب أن تتمتع بها المرأة كإنسان، هو أحد أشكال تحرر المرأة وتحقيق ذاتها، وهو ما يمثل الدافع الحقيقي لتكون عنصرًا منتجًا وفعالاً في المجتمع، وأي حديث عن تطور المجتمع وتقدمه الحقيقي لا يستطيع أن يغفل أهمية مشاركة المرأة في مجمل العملية الإنتاجية جنبًا إلى جنب مع الرجل وليس تقليص دورها وتهمیشه لرعاية الأبناء والزوج“. هذا وقد عرفت مجموعة “المرأة الجديدة” ومجموعة “بنت الأرض” باسم المجلات التي أصدرتها.
كما نشهد في نهاية الثمانينات تأسيس رابطة المرأة العربية وجمعية تنمية والنهوض بالمرأة. وقد وضعت رابطة المرأة العربية من ضمن أهدافها تقديم برامج تدريبية وتربوية للنساء تتوجه نحو تطوير أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية ومساعدتهن في مجال العمل (89). كما توجهت جمعية تنمية والنهوض بالمرأة في اتجاه تقديم القروض للنساء المعيلات لأسر في إحدى المجتمعات العشوائية بمدينة القاهرة، مع توفير قدر من التوعية بالحقوق المدنية لهؤلاء النساء.
وفي كل الأحوال السابقة، لا يمكن القول بأن المهتمات بقضايا المرأة قد نجحن فعلاً في الوصول إلى الجماهير العريضة من النساء، سواء من خلال الأفكار، أو من خلال العمل المباشر مع هؤلاء النساء. قد يكون أحد أسباب ذلك استمرار الانغلاق داخل دوائر مقتنعة أصلاً بأحقية قضية ما وربما عدم إيجاد اللغة التي تثار من خلالها هذه القضية. ولكن ما من شك في أن هناك أسباب أخرى وراء هذه العزلة، ومن أهمها عدم تشجيع الدوائر الرسمية لوجود خطاب نسوي قد يؤدي إلى الاشتباك مع المد الأصولي المعادي لتحرر المرأة. وبالتالي، وجدت الكثير من النساء المطالبات بالمساواة بين الجنسين صعوبة كبيرة في إيجاد القنوات المناسبة للوصول إلى القاعدة العريضة من النساء المصريات الفقيرات وخاصة في الريف.
المرأة في المنظمات الأهلية “التقليدية“
تشير هذه التسمية إلى الجمعيات التي اندرجت تحت الأنشطة التي سمحت الشئون الاجتماعية بممارستها – بمبادرة منها في بعض الأحيان – مثل: رعاية أمومة وطفولة، رعاية أسرة، مساعدات اجتماعية، رعاية شيخوخة، رعاية فئات خاصة ومعوقين، تنمية مجتمعات محلية، تنظيم أسرة، الخ، بل والتي التزمت بشروط وأساليب العمل التي تمنع التواصل بينها وبين المجتمع الواسع والتأثير فيه.
رغم بدايات إحياء حركة نسائية في فترة الثمانينات من خلال تجمعات صغيرة من النساء، إلا أن هذه المجموعات لم تستطع التأثير بطريقة فعالة في الأغلبية العظمى من الجمعيات “النسائية” التي ظلت منحصرة في إطار الأنشطة التقليدية التي رسمتها لها وزارة الشئون الاجتماعية، مثل رعاية الطفولة والأمومة وإعانة الأسر، كما إنها لم تمارس مفهومًا شاملاً للتنمية، ولم تعمل على تعزيز قدرات المرأة. اتسمت هذه الجمعيات بعدد من الخصائص الهامة، فهي عنيت فقط بتقديم الخدمات للنساء – في إطار خيري – وليس بتغيير أو بهدف تغيير أو تحسين أوضاعها علي المستوي القومي، بما في ذلك البحث في أسباب تدهور حالات هذه الفئات سياسية كانت أم مجتمعية، أم قانونية. ومن ناحية أخري فحصيلة سنوات الخلط بين المبادرات الأهلية والحكومية في مجال العمل الأهلي أدت إلى أن كثير من الذين عملوا أو رأسوا هذه الجمعيات اعتبروا أنهم مؤسسات تنتمي إلى الحكومة! (90)
وتشير دراسة هامة حول الجمعيات الأهلية في مصر(91) إلى أن تقرير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء الصادر عام 1993 – والذي يتناول أوضاع الجمعيات الأهلية عن عام 1989 – يبين أن ما يمكن تصنيفه بجمعيات نسائية في فترة الثمانينات ينقسم إلى نوعين يحملان السمات التالية:
– جمعيات ترتفع فيها نسبة النساء، وهي تلك التي تعمل أساسًا في مجالات إعانة الأسر وتنظيم الأسرة ورعاية الطفولة والأمومة. في هذه الجمعيات تتراوح العضوية النسائية ما بين ٣٠% و٤٤%، كما تمثل المرأة في مجالس إدارتها بنسبة 37.5% –٤٢%.
– جمعيات خيرية تقليدية وجمعيات المسنين والمسجونين حيث تصل فيها عضوية النساء إلى ٢٦,٥% وتمثيلهن في مجالس الإدارة بنسبة 13%، وكذلك الجمعيات الثقافية والعلمية والدينية التي لا تتجاوز فيها العضوية النسائية نسبة 14% ويصل تمثيلها في مجالس الإدارات إلى 8%.
وخلاصة لهذه الفترة، يمكن القول أن نهاية الثمانينات قد شهدت على المستوى الأهلي تحول مجموعات كثيرة من المنخرطين في العمل العام من المنحى السياسي إلى المنحي الاجتماعي/ التنموي، مما بدأ يضفي علي الأخير نظرة أكثر شمولية تجاه التنمية تحمل في داخلها هدف تغيير المجتمع وعلاقاته نحو الأفضل وتبعدها عن مجرد العمل الخدمي. إلا أنه من اللافت للنظر أن الخلافات الفكرية داخل الحركة السياسية المعًارضة بمختلف فصائلها المنظمة وغير المنظمة – والتي قد تفسر بفترات الإحباط والشك التي أصابتها إزاء الآخرين من وإزاء نفسها علي أثر التحولات الشديدة التي طرأت علي القضية الوطنية والقضايا الاجتماعية الأخرى– قد امتدت إلى داخل المنظمات النسائية ذات التوجه النسوي. ومن أهم القضايا التي اختلفت حولها المنظمات النسائية – ضمن منظمات أخرى ذات توجه اجتماعي – في هذه الفترة قضية التمويل الأجنبي الذي أثار – وما يزال– كثيرًا من الجدل حول مصداقية وشفافية العمل ومدى ارتباطه بالمصالح الحقيقية للناس أو خضوعه إلى أجندة أجنبية متآمرة على مصلحة الوطن، ناهيك عن الاتهامات بالفساد والاسترزاق والتخلي عن المثل العليا، الخ. فانقسمت الآراء إلى وجهتي نظر مفادها بإيجاز شديد ما يلي:
– إن الحصول على تمويل خارجي نوع من أنواع الخنوع والاستسلام لمصالح الغرب الذي يتناول قضايانا بطريقة فوقية ومن منظوره الخاص، بالإضافة إلى النوايا المستترة الخبيثة التي تريد تسطيح القضايا وإفقادنا الرؤية بل وتقليص أدوارنا وتحجيمنا وتجريدنا من مبادئ العدالة الاجتماعية والمطالبة بإلغاء الاستغلال حتى نتحول إلى مجرد أدوات لتنفيذ سياسات الغرب الشرير.
– أهمية التمويل – سواء كان أجنبيًا أم محليًا– لسد حاجات حقيقية لدى المنظمات المتطلعة إلى التغيير، مع الاعتراف بأنه يجب التمييز بين الأشكال المختلفة من التمويل الأجنبي أو المحلي ووضع أجندة خاصة للعمل الأهلي في مصر.
عمومًا، لم يفلح أحد في وضع المعايير التي تحدد الأجندة الخاصة الشاملة لمصر وبالأحرى الأجندة الخاصة للمنظمات المنادية بحقوق المرأة، وبقيت الأمور على ما هي عليه، أي التناحر حول تحديد من هو أكثر حرصًا على سلامة الوطن.
بداية التحركات الجماعية للنساء والإطار السياسي العام
بناءًا على حكم من المحكمة الدستورية العليا، تم في 4 مايو 1985 إلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي سبق الإشارة إليه والصادر في عام 1979. وقد أثار ذلك الإجراء والتراجع ثائرة مجموعة من النساء المعنيات بقضايا المرأة. فتم عقد اجتماع يوم9/ 5/ 1985 ضم مجموعة من النساء ينتمين إلى أحزاب ومجموعات نسائية متباينة الهوية، منهن نساء من حزب الوفد، ومن حزب التجمع، ومن لجنة أوضاع المرأة في اتحاد المحاميين العرب، ومن منظمة تضامن المرأة العربية، ومن جمعية أسرة المستقبل بالقاهرة، ومن مجموعة المرأة الجديدة، وأخريات، لمناقشة كيفية التصدي لهذا الأمر ومحاولة الوصول إلى موقف مشترك. غير أن الاجتماع قد أسفر في بداية الأمر عن إظهار الخلافات الناتجة عن الانتماءات المختلفة، إلا أنه سرعان ما تمكنت بعض النساء من التغلب على هذه الانقسامات وإعادة طرح الموضوع بقوة. وبهذا الصدد، تقول الأستاذة عزيزة حسين، إحدى رائدات العمل الأهلي في مصر: “قبل تحركنا هذا كنتم تسمعون فقط رد الفعل المحافظ. عندها قلنا: على الشعب أن يستمع إلى المناقشات ويشارك فيها. فتجاوبت جميع وسائل الإعلام وعرضت أبحاثا مدهشة تأييدًا للقانون(۹۲)، كما تضيف الدكتورة ملك زعلوك “تعلمنا أن نعمل معًا. عملنا على مدار الساعة لتثقيف الناس. وخلال اجتماع واحد صغنا مسودة قانون وحرصنا على ألا نكون متطرفين جدًا. فقال بعض الرجال وبعض علماء الدين أننا كنا حريصين أكثر من اللزوم(9٣).. وربما يستدعي التصريحان السابقان بعض التوقف. ففيما تعلق بتصريح أ. عزيزة حسين، فإنه إلى جانب وقوف بعض الأقلام الصحفية بطريقة قوية إلى جانب مطالب المرأة، ارتفعت أصوات كثيرة معارضة لهذا الاتجاه سواء بحجة أن الإسلام يعطي للمرأة المحتشمة، المطيعة لزوجها، المتفانية في خدمة أسرتها، كل الحقوق، أو بزعم أن النساء قد فقدن حقوقًا لم يقمن بالنضال من أجل اكتسابها، بل جاءت نتيجة لقرارات فوقية وتحركات فردية. أما بالنسبة لتصريح د. ملك زعلوك، فمن اللافت للانتباه ذلك الخوف من رفع المطالب القصوى، خلافًا للجرأة التي اتسمت بها الحركة النسائية المصرية في بداية هذا القرن.
الدولة وقضية المرأة: اهتمام أكبر نسبيًا يشوبه الحذر
شهدت مرحلة التسعينات على المستوى الدولي تفعيلاً هامًا لدور وقيمة المجتمع المدني. فقد ازدادت الأبحاث والمنظمات التي كشفت أهمية الدور الذي يلعبه وجود مجتمع مدني قوي في الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي خاصة مع تراجع الدول في توفير الخدمات الأساسية للمواطنين. وهكذا أثر الجو العام على الأوضاع الداخلية في مصر، فحظيت بعض المنظمات حديثة الولادة بمساحة أكبر نسبيًا للتحرك، كما تعرضت في الوقت ذاته إلى حملات متكررة من قبل الدوائر الرسمية.
ويتميز هذا العقد بانعقاد سلسلة متتالية من مؤتمرات الأمم المتحدة التي أدرجت موضوع المرأة كأحد النقاط الفاصلة على جدول أعمالها. ففي عام 1993 عقد في فيينا المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الذي تبنى شعار حقوق المرأة حقوق إنسان.
وفي عام 1994 انعقد بالقاهرة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية مما أسهم في دفع المنظمات الأهلية المصرية للمشاركة بطريقة نشطة في فعاليات ذلك المؤتمر، وفي دفع الحكومة المصرية على استثارة هذا الدور رغبة منها في الظهور بمظهر لائق وبوجه ديمقراطي على المستوى الدولي. ويمكن أيضًا – خاصة بعد مؤتمر بكين– ملاحظة إتاحة مساحة أكبر في الصحافة الرسمية للموضوعات والأخبار المتعلقة بإدراج المرأة في عملية التنمية.
“المجتمع المدني وقضية المرأة“
التشكيلات الحزبية والنقابية
ظلت التشكيلات الحزبية والنقابية محتفظة بنظرتها الهامشية للمرأة. وقد تجلى ذلك بوضوح شديد أثناء انتخابات مجلس الشعب لعام 1995 حيث تخلت أحزاب كثيرة عن مساندة عضواتها اللاتي رشحن أنفسهن وذلك لصالح رجال من نفس الحزب. وفي بعض الأحوال، وأمام عدم رضوخ عدد من النساء لرغبة الحزب، اتخذت بعض هذه الأحزاب إجراءات عنيفة ضد هؤلاء المرشحات وصلت إلى حد الفصل(94). كما تلاحظ د. نيفين مسعد تراجع قضايا المرأة في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية عام 1995، مشيرة إلى أنه “من جوانب الاتفاق بين الأحزاب السياسية حكومة ومعارضة حول المرأة ما يتصل منها بصحتها العامة والإنجابية، وتعليمها، وتثقيفها باعتبارها الأداة الرئيسية لتنشئة الأبناء“(95).
المرأة في الخطاب الديني
يستمر الخطاب المعادي لحقوق المرأة في صورته العصرية، أي الذي يقدم المرأة كواحة من الراحة للرجل حيث تتمتع بقدرة عالية على القيام بهذا الدور، كما أنه يشير إلى وظيفة المرأة في تنشئة الصغار، ولا يدين عمل المرأة إذا كان مرجعه الحاجة، وهو بالتالي خطاب استند إلى كل الاستراتيجيات الممكنة من أجل تثبيط همة النساء من الخوض في المجالات العامة (9٦). ويشكل هذا الخطاب – المستند على التفسير الذي يلائمه للشريعة الإسلامية– أحد المؤثرات الرئيسية في المواقف الرسمية التي تستمد منه الحجج لمواقفها المتأرجحة وللتحفظ على بعض بنود اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد النساء. ويمكن القول أن إتاحة الفرصة لداعية مثل المرحوم الشيخ محمد متولي الشعراوي لبث أفكاره عبر أجهزة الإعلام الرسمية قد ساهم كثيرًا في نشر هذا الخطاب ليس فقط في مصر بل على مستوى العالم العربي.
كما تتبلور من خلال هذا الخطاب أطروحات “نسوية” تدعي تحرير المرأة من منظور إسلامي. ومن أبرز المنظرات لهذه الفكرة الباحثة هبة رؤوف التي – رغم الإدعاء بالتطلع إلى تحرير المرأة – ترجع لب المسألة إلى أهمية فهم دور الحركات الاجتماعية في المجتمعات الإسلامية من خلال تحليل الأسرة الممتدة باعتبارها وحدة سياسية واقتصادية لا يمكن أن تسود داخلها علاقات أبوية شمولية.
صعود الحركات النسائية: بداية الاندماج
منظمات الدفاع الاجتماعي والمنظمات التقليدية
تشكلت في مصر – وربما بطريقة فوقية إلى حد ما– بمناسبة انعقاد مؤتمر السكان عدد من مجموعات العمل حول الموضوعات المختلفة المطروحة في المؤتمر. وبهذا الصدد ينبغي ذكر المجموعة المعنية بتعزيز قدرات المرأة Gender Task Force والتي كان لها مساهمات هامة على مستوى هذا المؤتمر، فتضمنت الوثيقة الصادرة عن المنظمات الأهلية المصرية (97) قدرًا لا بأس به من المعلومات والتوصيات حول أوضاع المرأة المصرية. ولكن الأهم هو عملية التحضير نفسها منذ عام 1993 على مستوى العمل الأهلي، والتي مكنت لأول مرة عددًا كبيرًا نسبيًا من الجمعيات الأهلية من الالتقاء معًا وتبادل الخبرات والبدء في التشبيك فيما بينها. ويجدر الإشارة هنا إلى أن الـ 450 جمعية التي شاركت في التحضير لهذا المؤتمر تمثل النسبة النشيطة من الجمعيات في مصر والتي يبلغ عددها اليوم حسب التقديرات الرسمية ما يقرب من 14,000 جمعية.
وقد تواكبت هذه الفترة مع ظهور عدد جديد من الجمعيات المعنية بأمور المرأة، إلا أن تفسير هذه الظاهرة ليس إيجابيًا بطريقة مطلقة. فعلى الرغم من أهمية تعدد الجمعيات التي تتبنى حقوق المرأة، أو التي تقدم خدمات للنساء وخاصة الفقيرات والمهمشات، فإنه ليس هناك ما يشير إلى ارتباط هذه الظاهرة بحاجة فعلية على مستوى المجتمع. بل إن أغلبية العمل الأهلي المصري الموجه نحو المرأة ما زال ينطلق من مفهوم أقرب إلى العمل الخيري. كما ما زالت مفاهيم مثل “التنمية الشاملة” و“تعزيز قدرات المرأة” غير واضحة مما أثر على نوعية المشروعات التي يتم تنفيذها. ومن جهة أخرى، فإن عدد لا بأس به من هذه المنظمات الجديدة قد تأسس استجابة للاتجاهات الدولية خلال مرحلة الثمانينات والتسعينيات. كما أن إمكانية الحصول على دعم أجنبي شكلت – بصفة عامة – حافزًا قويًا لتكوين هذه الجمعيات والتي تزايدت بطريقة ملفتة للنظر في مرحلة ما بين مؤتمر السكان والتنمية والمؤتمر الدولي الرابع للمرأة (بكين، ١٩٩٥). هذا وتشير نتائج دراسة ميدانية(98) أجريت بعد انعقاد مؤتمر السكان والتنمية على عينة من ٢١٦ جمعية أهلية مصرية ذات أنشطة واتجاهات متنوعة إلى أن نسبة 81.5% من العينة المبحوثة ترى أن “المشكلة ذات الأولوية الأولى لتنفيذ مشروعاتها هي التمويل، بينما لا تزيد نسبة الجمعيات التي تعطي أولوية لتوافر الخبرات الفنية أكثر من 4,6%، وتری 3,2% فقط من الجمعيات أن هناك قصور في عمليات تحديث إدارة الجمعية، كما تقل هذه النسبة فيما تعلق بالتدخل الحكومي في أنشطة الجمعيات أو في المشاكل المرتبطة بالموروثات الثقافية. إن دلالة هذه النتائج تكمن في قصور الرؤية لدى الجمعيات وافتقادها للمفاهيم التي تضمن أسس الاستمرارية والمساهمة في التنمية الشاملة.
وكما حدث بالنسبة لمؤتمر السكان والتنمية، فقد عادت الجمعيات الأهلية المصرية إلي الالتقاء بمناسبة التحضير لمؤتمر المرأة. إلا أنها انقسمت هذه المرة ما بين مجموعة تعمل تحت مظلة اللجنة القومية للمنظمات غير الحكومية للسكان والتنمية وهي امتداد للجنة الفرعية للمرأة التي سبق تكوينها في التحضير لمؤتمر السكان، ومجموعة أخرى تعمل تحت مظلة رابطة المرأة العربية حيث كانت رئيستها هي المنسقة الإقليمية للمؤتمر المذكور. وكانت هناك بعض المنظمات التي عملت بالتوازي في المجموعتين مما أحدث نوع من التكرار في بعض الموضوعات التي تم تناولها خلال التحضير للمؤتمر. ويشير تقرير المجموعة التي عملت بالتعاون مع رابطة المرأة العربية(99) إلى اندراج ما يقرب من 900 منظمة مصرية تحت هذه المظلة موزعة على ٢٥ محافظة. وتمثلت أنشطة هذه المجموعة في عقد دورات تدريبية لتنمية مهارات القيادة والتخطيط والتشاور لدى عضوات الجمعيات الأهلية، كما قامت بالإعداد لأنشطة ثقافية للعرض في بكين. وأخيرًا، فقد تشكلت لجنة للدراسات والتقارير مع مجموعة من الجمعيات الأهلية من المحافظات المختلفة بالتعاون مع الجامعات المحلية. هذا وقد تناولت الدراسات المقدمة اثني عشر قضية على الوجه التالي: انتشار الفقر وزيادة أعبائه على النساء، تمكين الإناث من التعليم والتدريب ومشكلة أمية النساء، توفير رعاية صحية وخدمات مناسبة بتكاليف يمكن تحملها للمرأة خلال دورة حياتها، المشاركة في العمالة والتعرض للبطالة، الحقوق القانونية للمرأة في التشريع والممارسة ووعي المرأة بحقوقها، تحقيق أمان المرأة وحمايتها من العنف، الإعلام والمرأة في مصر، مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات الأسرية والقرارات العامة، تأثر المرأة بالنسبة للبيئة ودورها في حمايتها في مصر، اتساع دائرة النشاط الأهلي وبروز دور المرأة، الحقوق الإنسانية للطفلة، الترتيبات المؤسسية: دور الصندوق الاجتماعي في تنمية المرأة. أما المجموعة التي عملت تحت مظلة اللجنة القومية، فقد ضمت ما يقرب من عشرين جمعية مركزة أساسًا في القاهرة. وقد عملت هذه المجموعة في مجال إعداد الدراسات وطرح الحلول والتوصيات، وقد نشرت هذه الدراسات في تقرير صدر عن اللجنة(100)، وتضمنت هذه الدراسات الموضوعات التالية: عرض تحليلي عن التطورات الحادثة فيما بين مؤتمر السكان ومؤتمر المرأة، متابعة تنفيذ برنامج العمل الصادر عن المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، دور المرأة في صنع القرار التشريعي، نحو برنامج انتخابي للمرأة المصرية في انتخابات 1995، المرأة المصرية في الجمعيات الأهلية، صورة المرأة في الإعلام، العنف ضد النساء، حول مشروع تطوير عقد الزواج.
وقد تمكنت المجموعتان من عرض نتائج أبحاثهما على أعداد واسعة من المنظمات الأهلية المصرية من خلال ما اعترف على تسميته بـ “حلقات التشاور” التي عقدت في كل من الوجه القبلي والبحري وفي القاهرة. ورغم ما تشير إليه هذه التسمية من طابع ديمقراطي في تبني التوصيات، فإنه قد ظهر أن هناك اختلافًا بين طرح المنظمات المؤمنة بقضية المرأة وتلك التي جاءت إلى الساحة على أرضية التوائم مع الجو العام. ورغم ذلك تم اعتماد التوصيات المقترحة من قبل المنظمات التي قدمت البحوث.
كذلك قامت السفارتان الدانماركية والهولندية بالقاهرة بتأسيس “صندوق بكين” في أكتوبر 1994، وذلك بهدف توفير الدعم المالي للمنظمات غير الحكومية المصرية للمشاركة والإسهام في الأنشطة التحضيرية لمؤتمر بكين. ونظرًا لحدوث بعض التدخلات الحكومية لعرقلة عمل صندوق بكين، فقد استمر نشاط الصندوق بفضل التعاون مع اللجنة الفرعية للمرأة والعمل من داخلها.
وبالعودة إلى الأبحاث التحضيرية لمؤتمر بكين، فإن أحد الأبحاث المشتركة للمجموعتين آنفتي الذكر يتعلق بوضع المرأة في المنظمات الأهلية المصرية(101) ويشير هذا البحث إلى مجموعة من العوامل تعيق مشاركة المرأة في الجمعيات الأهلية وفي العمل العام، ومنها النظرة التقليدية إلى أدوار المرأة، وعدم الثقة في كفاءتها وقدرتها على أن تلعب أدوارًا عديدة متكاملة وناجحة في نفس الوقت، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحيطة بتنشئة الإناث.
أما التقرير الرسمي للحكومة المصرية المقدم إلى مؤتمر بكين(١٠٢) فإنه رغم الميل الواضح إلى التخفيف من حدة الأوضاع التي تعيشها المرأة المصرية وإبراز بعض الجوانب الإيجابية, اضطر إلى الاعتراف ببعض الأمور الجوهرية ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أن النساء يعانين أكثر من الرجال من آثار الفقر، خاصة النساء المعيلات للأسر حيث يقل دخل هذه الأسر بنسبة ٣٧% عن متوسط دخل الأسر التي يعولها رجل، وأن هناك تفضيل لتشغيل الذكور عند أرباب العمل، وأن نسبة أمية المرأة الحضرية قد بلغت 45% في عام 1986 و76% بالنسبة للمرأة الريفية، وأن أعلى مجال لعمل المرأة المصرية هو الزراعة والصيد وتربية الماشية (36,4%) بينما تنخفض النسبة إلى 1,0% في مجالات الإدارة العليا. إن أهمية الأرقام السابقة تكمن في إلقائها الضوء على أهمية تدخل المنظمات الأهلية المصرية بصدد تطوير أوضاع المرأة، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد تراجع معلن لدور الدولة في تقديم الخدمات للمواطنين. وهذا ما يترك آثارًا مضاعفة في حالة النساء نظرًا للعوامل الثقافية والتاريخية التي لا تعير أهمية متكافئة بالنسبة للجنسين.
وقد قام مركز البحوث الاجتماعية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بإجراء دراسة عام 1996 حول أهم التدخلات الهادفة إلى تطوير الوضع الاقتصادي والاجتماعي للمرأة المصرية(١٠٣)
وقد اعتمدت الدراسة الميدانية على بحث ٣٥٥ تدخل بحثي أو عملي في اتجاه تمكين المرأة المصرية، تضمنت منظمات أجنبية ومحلية وجهات تمويل وجامعات ومراكز بحث منتشرة في المناطق الحضرية (50%) والريفية (٤٩,٧٨%) والبدوية (0.22 %) من الوجه القبلي والوجه البحري. وتشير نتائج هذا البحث إلى أن الجهات المنفذة لتلك التدخلات تنقسم على الوجه التالي: منظمات أهلية مصرية (٢٦,٤٨%)، جامعات ومراكز بحث ( 23,38%) منظمات أمم متحدة (٢,٥٤%)، هيئات تمويل أجنبية (١٠%)، هيئات ومؤسسات تمويل عربية (0,28%) تعاونيات (0.86%). كما أن ٢١.١% من تلك التدخلات لها طبيعة بحثية و47,6% لها طبيعة عملية وتشترك نسبة 31.3% في الجمع بين الجانب البحثي والجانب العملي. أما عن مجالات الأنشطة التي تتناولها هذه التدخلات، فإن أعلى نسبة تتوجه إلى التعليم (17,57%)، يليها الصحة (16,78%) التي يمكن أن تحتل المرتبة الأولى إذا أضفنا إليها تنظيم الأسرة (٩,٢٨%). ومن ناحية أخرى، فإن الأنشطة المتعلقة برفع الوعي وتعزيز قدرات المرأة تحتل أصغر نسبة (1.78%).
وتتميز مرحلة التسعينيات بعدد من الظواهر فيما يخص موضوع المرأة تتمثل فيما يلي:
-
تزايد عدد المنظمات “النسوية” التي تعمل بمنهجية طرح القضايا الساخنة والنضال من أجل اكتساب الحقوق والدفاع الاجتماعي advocacy. فبينما اقتصر العدد في الثمانينات على أقل من خمس مجموعات، برزت على الساحة في السنوات الأخيرة ما لا يقل عن عشر مجموعات إضافية تناضل من أجل الحصول على حقوق المرأة. من ضمن هذه المنظمات الجديدة هناك من يعملن في المجال الثقافي، ومن ينشطن من خلال تقديم الاستشارات القانونية، ومن يقدمن خدمات تدريبية، ومن يقومن بتنظيم الندوات وورش العمل. هذا في الوقت الذي استمرت فيه مجموعات الثمانينات في العمل، بل وامتد نطاق نشاطها بحكم المستجدات التي سمحت بالالتقاء بمجموعات أكبر من المنظمات الأهلية في مصر والتي أتاحت لها فرصة الخروج من القاهرة والتوجه نحو الأقاليم المختلفة. كما أن اهتمامات هذه المجموعات قد اتسعت لتشمل موضوعات متعلقة بصحة المرأة الإنجابية وبالعنف الواقع على المرأة وبأهمية بلورة خطاب نسوي مصري وموضوعات أخرى لم تكن واردة في الماضي على جدول أعمالها.
-
كما يجب الإشارة إلى دور منظمات ليست “نسائية” ولكنها تبنت وأدرجت ضمن برامجها مكون رئيسي خاص بالمرأة. وهذه المنظمات موجودة أساسًا في الصعيد، وتلعب دورًا مهمًا في طرح القضايا التقليدية المرتبطة بتعزيز أدوار المرأة، ونذكر هنا على سبيل المثال الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية وجمعية الصعيد للتربية والتنمية. وكلتا المنظمتان تلعبان أدوارًا مهمة في تطوير أوضاع ذلك الصعيد “المنسي” كما أنهما قادرتان على تجاوز محاولات التمييز على أساس الدين والتي وردت مؤخرًا على الساحة المصرية وبذلك تمكنتا من الارتباط بعدد مهم من المنظمات المسماة بالإسلامية والتي لا تختلف في الواقع عن أي منظمات أخرى تعمل في إطار المحاولات للتخفيف من الفقر والمعاناة لدى القواعد. وقد ساعدت المنظمتان المذكورتان أعلاه، عددًا من عضوات منظمات الدفاع الاجتماعي من أجل حقوق المرأة من الالتقاء بنساء على المستوى القاعدي والمناقشة معهن، بل والمساهمة في رفع الوعي لديهن حتى وإن كان ذلك بنسب محدودة.
-
* إن الاتجاهات الدولية المنادية بالاهتمام بالمرأة وبضرورة حصولها على حقها في المساواة قد أثرت على المواقف المعلنة للحكومة المصرية التي أبدت اهتمامًا أكبر بالمسائل المتعلقة بالنساء المصريات، مما تجلى أساسًا في الخطاب الإعلامي الرسمي الذي خفف بطريقة نسبية من الهجوم على عمل المرأة وعلى حقوقها الأخرى بصفة عامة. كما تم ترجمة هذا “الاهتمام” الحكومي بقضية المرأة في ظهور بعض الإحصاءات الرسمية – ولو على نطاق محدود – المقسمة على أساس الجنس gender disaggregated data وتضمن المسح الصحي الديمغرافي الأخير نتائج متعلقة بموضوع العنف الموجه ضد المرأة. وقد مثل ذلك مؤشرًا لنجاح بعض المجموعات المعنية بالدفاع الاجتماعي عن حقوق المرأة في جذب الاهتمام العام إلى قضايا مثل المرأة والعنف رغم المعارضة الشديدة التي قوبل بها هذا الطرح في الأعمال التحضيرية لمؤتمر بكين بزعم أنه لا ينبغي طرح “غسيلنا القذر” على المجتمع الدولي. ويجب هنا التأكيد على أهمية تبني الدول لمثل هذه المسائل الحساسة المرتبطة بالموروثات الثقافية وبالنظرة الدونية إلى المرأة على امتداد العالم. فحينما تتبنى الدول قضايا كهذه، يصبح الطرح أكثر سهولة وقبولاً. ذلك أن الدول تمتلك إمكانيات ضخمة للوصول إلى عموم مواطنيها وهي الإمكانيات التي لا تمتلكها حتى اليوم المنظمات غير الحكومية في بلادنا، مهما كان حجم ونطاق تواجدها.
-
إن تزايد دور المنظمات الأهلية في مرحلة التسعينيات – سواء كانت منظمات نسائية أو منظمات تعني بقضايا جديدة على جدول أعمال المجتمع المصري، مثل قضايا البيئة – يشارك في زيادة الوعي بقضايا نوعية تسترعي الاهتمام في حد ذاتها. وقد تكونت في الفترة الأخيرة مجموعة من المنظمات على المستوى المحلي – أي على مستوى المحافظات وما دون ذلك – تسمي نفسها بجمعيات الدفاع عن حقوق المرأة. وحتى لو لم تكن هذه الجمعيات واعية بطريقة واضحة بالدور الذي بمقدورها القيام به، أو كانت دوائر اتخاذ القرار في تلك الجمعيات ما زالت شبه مقتصرة على الذكور، إلا أن وجودها في حد ذاته مهم ومفيد. ذلك أنه لا يمكن التفكير في حركة نسائية وفي تغيير على أساس نظرة نسائية – نسوية للواقع بدون مشاركة الرجال وبدون المرور عبر سلسلة وعرة من النضالات الموجهة من وإلى المرأة.
-
اتسم عقد التسعينات –على غرار عقود سابقة – بغياب وجود صحافة نسائية فاعلة ومتواجدة مثلما حدث في بدايات القرن. صحيح أنه قد تواجدت هنا وهناك محاولات مترددة للكتابة النسائية، إلا أنها ما زالت في طور المحاولة ولم تتمكن حتى الآن أي من المجموعات النسائية – النسوية من فرض خطاب يتوجه إلى جموع البشر في مصر. وبهذا الصدد يجب ألا نبالغ في تعظيم الدور المحدود الذي لعبته الصحافة النسائية في بداية القرن والتي توجهت أساسًا إلى النخبة القادرة على القراءة باللغة العربية أو بلغات أجنبية أخرى. وعلى العموم، فإن ما يمكن تسميته اليوم بصحافة نسائية ما زال يتسم بالمحدودية البالغة كما أنه ما زال يفتقر إلى وجود القنوات غير التقليدية للوصول إلى الجمهور الأوسع من النساء المصريات.
-
كذلك فقد تأسست في بداية التسعينيات مجموعة من المنظمات رفضت الاندراج تحت مظلة الشئون الاجتماعية المقيدة لقدر لا بأس به من حرية التحرك، فأشهرت نفسها كشركات مدنية غير تجارية. وقد حظيت هذه المنظمات بقدر وفير من الاتهامات – منذ بداية التسعينيات وحتى اليوم – اندرجت تحت مسميات مختلفة منها الخيانة للوطن، والانتهازية المالية والفكرية، والاسترزاق، والعمل على تطبيق وفرض جدول أعمال الغرب، ومحاولة تمييع القضية الوطنية بل والاجتماعية.(104) وقد ساهم في هذه الحملة كتاب ممن يمكن تصنيفهم “باليسار” كذلك ساهم كتاب من اليمين والوسط وأقلام حكومية في اتهام تلك المنظمات بمحاولة تشويه صورة مصر. ولم تنجو من هذه الحملات – متعددة الجوانب والاتجاهات – المنظمات التي ادعت الدفاع عن حقوق المرأة. فرغم أن بعض هذه الاتهامات قد يكون له أحيانًا أساسًا من الصحة، إلا أنه لا يمكن فصلها بحال من الأحوال عن طبيعة العمل الأهلي في المرحلة الراهنة في مصر، والذي يتسم بصفة عامة بتراجع ملحوظ في القدرة على العطاء وعلى العمل التطوعي، وفي تأثير التمويل الأجنبي “السخي” الذي لا يؤدي عادة إلى تعزيز قدرات تلك المنظمات بسبب عدم قدرتها على استيعاب وتبني مفهوم شامل ومستقل للتنمية. وينطبق هذا القول على مجمل المجتمع المدني وبالأخص على المنظمات الأهلية في مصر، سواء تلك التي أشهرت نفسها تحت مظلة الشئون الاجتماعية، أو تلك التي اختارت شكلاً من أشكال الاستقلالية عن الهيمنة الحكومية فقررت أن تسجل نفسها كشركات مدنية لا تستهدف الربح. وعمومًا، فإن أي شكل من أشكال التسيب أو الانحلال لا يرتبط فقط بأحد أنماط المنظمات غير الحكومية في مصر دون الأخرى. فهي سمة ارتبطت في الأساس بالأداء الرسمي الذي يمثل واجهة لمجمل أداء المجتمع المصري في المرحلة الراهنة. ولا يعني ذلك الدفاع عن مشروعية أي أداء منحرف، بل مجرد محاولة للمساهمة في التحليل وفهم مواطن الضعف.
-
ظهور بوادر للتشبيك والتعاون ما بين المنظمات الأهلية بصفة عامة ومنظمات المرأة بصفة خاصة. فهناك أكثر من مبادرة حدثت في السنوات القليلة الماضية:
– تشكلت “اللجنة الفرعية للمرأة” التي عملت كإحدى المجموعات التحضيرية لمؤتمر القاهرة للسكان والتنمية والتي سبق الإشارة إلى أنشطتها في موضع سابق من هذا البحث. وقد أعيد تشكيل اللجنة بمناسبة التحضير لمؤتمر بكين كما حدثت محاولة لإحيائها خلال ۱۹۹۷ وبدايات ۱۹۹۸ حول متابعة تنفيذ الحكومة المصرية لاتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة، إلا أنها لم تعد تجتمع بطريقة منتظمة. تتكون هذه اللجنة أساسًا من منظمات تتبنى ضمن أنشطتها الدفاع الاجتماعي.
– ومن أول الشبكات التي تم تكوينها “قوة العمل المناهضة لختان الإناث” والتي بدأ تشكليها قبل انعقاد مؤتمر السكان في عام 1994(١٠٥). وتتشكل هذه المجموعة من عدد من الأفراد والمنظمات الموجودة على مستوى المحافظات بالإضافة إلى المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق المرأة. وقد قامت قوة العمل منذ تأسيسها بمحاربة ختان الإناث سواء على المستوى الرسمي أو على مستوى التوعية القاعدية. وهي معنية بتنظيم الندوات وورش العمل كما أصدرت عددًا من المواد المكتوبة والأبحاث لمساعدة المنظمات الأهلية في عملها. واستطاعت هذه المجموعة من خلال نشاطها أن تؤثر على بعض السياسات الحكومية ومنها التراجع عن إباحة عمليات ختان الإناث في المستشفيات. ويجدر الإشارة هنا إلى الدور الرائد الذي تلعبه واحدة من قدامي النشيطات في مجال العمل الأهلي في مصر، وهي الأستاذة ماري أسعد، والتي استطاعت بحكم حماسها وتفانيها وإيمانها بضرورة القضاء على العادات الضارة بصحة المرأة، أن تحشد معها عدداً لا بأس به من النساء والرجال المتحمسين للقضاء على ظاهرة ختان الإناث.
– تشكلت أيضًا “سالمة” لمناهضة العنف الواقع على النساء. وهي شبكة تضم عددًا محدودًا من المنظمات بالإضافة إلى بعض الأفراد المعنيين بهذا الموضوع. وتقوم الشبكة بإصدار نشرة غير دورية تحمل نفس اسم الشبكة وتبث المعلومات والأرقام وبعض التحليلات. كما أنها تتابع الانتهاء من بحث حول إدراك المرأة للعنف الواقع عليها. وقد قامت مؤخرًا بعقد ورشة عمل حول الطلاق كأحد أشكال العنف الواقع على المرأة المصرية.
– هناك أيضًا “ملتقى الهيئات لتنمية المرأة” الذي تشكل من عدد أكبر من المنظمات النسائية والمنظمات التي لها برامج موجهة إلى النساء. ويقوم الملتقى بأنشطة تدريبية تخدم “أعضاء المنظمات الأهلية المشاركة وكذلك المنظمات العاملة في مجال تنمية المرأة في القاهرة والأقاليم” (106) كما ينظم الندوات حول أوضاع ومشكلات النساء، ويعمل على تأسيس مركز للتوثيق والمعلومات، ويصدر مجلة “أنهار” التي تتناول موضوعات مختلفة مرتبطة بهموم المرأة المصرية كما تقدم أخبار المجموعات المشاركة بالإضافة إلى خبرات دولية.
– بمبادرة من منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، تم خلال ۱۹۹۷ تشكیل تجمع للمنظمات غير الحكومية تعمل على ست محاور في إطار “مشروع الدعم المؤسسي والفني للمنظمات غير الحكومية لتنفيذ وثيقة بكين“، والمحاور الست هي: صحة المرأة، التمييز ضد الطفلة، المساواة أمام القانون، التعليم، العنف، رفع العبء عن النساء. يضم التحالف ما يقرب من 105 منظمة أهلية موزعة على محافظات مختلفة. كما يهدف المشروع إلى خلق 6 شبكات من المنظمات التي تعمل على المحاور المذكورة. هذا وتتميز هذه المجموعات بتنوع الخلفيات التي تشكلت على أساسها المنظمات وكذلك باختلاف الرؤى والاقترابات.
وتلك هي أهم الشبكات النسائية التي تكونت في فترة التسعينيات. وحيث أن تجربة تشكيل الشبكات جديدة إلى حد ما في مصر، فإن كل هذه المجموعات ما زالت تتحسس الخطى وتلك لإيجاد الأشكال المناسبة للتعاون والتنسيق والاستمرار والعمل معًا.
من خلال هذا العرض التاريخي استطعنا أن نلاحظ عددًا من السمات المستمرة كما لاحظنا بعض مظاهر للتحول ولكليهما بصماته على حاضرنا الآن، كان الهدف من العرض السابق هو وضع الحركة النسائية في إطار علاقتها التاريخية بالدولة وبالحركات الاجتماعية الأخرى والإشارة إلى التأثير المتبادل فيما بين الأطراف المختلفة لهذه العلاقة. فمن السمات الرئيسية للحركة النسائية سعيها إلى وضع نفسها في إطار الحركات الاجتماعية الأكثر شمولاً. ومنذ نهاية القرن الماضي تم طرح هذه القضية كجزء من حركة التحديث العامة التي ترى أن تطوير المجتمع لا يأتي إلا بتقدم كافة أطرافه نساءًا ورجالاً. على أن هذه العلاقة بين الحركة النسائية – التي نشأت أول ما نشأت عن طريق كسر حاجز الصمت والخروج من وراء الأسوار من خلال الكلمة المكتوبة الموجهة للمجتمع والحركات الاجتماعية الأخرى – ظلت تعاني من التناقضات التي عادة ما انتهت بالمساومة أمام الأطراف الرجعية في المجتمع علي حساب مصالح ونضالات المرأة. ولم تكن القوي اليسارية والتقدمية في فترة الثلاثينات استثناءًا للحركة الليبرالية في مطلع القرن. ونعتقد أن أهم الدروس التي استخلصتها ونقلتها لنا الحركة النسائية الأولى هو الدور الهام التي لعبته تنظيماتها ومبادراتها المستقلة بكل تنوعها واتجاهاتها، ليس علي صعيد حقوقها فحسب بل علي صعيد المجتمع ككل. فقد مثلت فترة الخمسينات – التي شهدت انكسار هذه التجربة رغم كل ما تضمنته هذه الفترة من صعود ومد وطني– إحباطًا لإنجازات الحركة النسائية علي الصعيد الفكري والتنظيمي، وتمهيدًا لضرب مكاسبها في الواقع. ويضع هذا التاريخ تحديًا واضح أمام نساء اليوم ليس فقط لإعادة هذه المسيرة والخبرة في سبيل الدفاع عما تبقي من مكاسب، بل إلى حل قضايا إشكالية ظلت معلقة ومحل إضعاف للحركة النسائية المصرية بل ربما العربية، وتحديد موقعها منها ومن حركة المجتمع بأسره.
وفي معرض ذلك قمنا بالتنويه لتاريخنا المنسي في بعض الأحيان، وناقشنا بعض المفاهيم والمعتقدات الثابتة عن هذه الحركة، إلا أنه يظل هناك احتياج إلى استخلاص بعض النتائج والدروس التاريخية التي نسترشد بها في مواجهة الواقع الحالي، خاصة ونحن علي مشارف قرن جديد.
أولاً: إن نضالات المرأة المصرية التي تعود إرهاصاتها وبداياتها إلى أواخر القرن التاسع عشر، قد سبقت في الحقيقة وربما مهدت بدرجة ما لظهور المشاريع النهضوية والتحررية الليبرالية التي تلتها سواء جاءت عبر نشوء وتطور الجمعيات الأهلية أو عبر تنامي دور الدولة الرسمي الذي تأخر كثيرًا عن المبادرات الأهلية، والذي وإن كان قد تبني قليلاً من مطالبها ظل يحاول مصادرة وجودها المستقل، كما حذف لاعتبارات ومخاوف ومساومات مع قوي رجعية متعددة أغلب البنود المدرجة على برامجها. ويؤكد ذلك علي أهمية فض الاشتباك بين المبادرات الأهلية والحكومية بل ودعم الحكومة لهذه المبادرات من خلال الحفاظ علي استقلالها لصالح تنمية وتطوير المجتمع والنهوض به.
ثانيًا: شاركت المرأة في كافة الحركات السياسية فأثبتت بذلك انتماءها للوطن وقدرتها على العطاء. علي أن قضيتها وحتى وجودها سرعان ما تم تناسيهما وطمسهما من الذاكرة الجماعية مما سهل علي المجتمع في الفترات التي تبعت الثورات ومراحل الإصلاح الاجتماعي الهجوم على، والتراجع عن المكاسب التي حققتها في فترات أخرى. ويؤكد ذلك علي الأهمية القصوى لاستعادة هذه الذاكرة وبثها داخل المجتمع وداخل مؤسساته لا لكي تصبح للجميع وجزءًا من تاريخ هذا الوطن فحسب، بل لتدخل في نسيج تشكيل الوعي المجتمعي وتمكنه من رؤية المرأة وتقدير كفاحها في الحاضر.
ثالثًا: مرت الحركة النسائية المصرية بفترات كثيرة من الضعف والتخبط بالمقارنة بمثيلاتها في بلدان أخري نتيجة لما تعرضت له من ابتزاز وهجوم من قبل الخطاب الوطني / القومي تارة والديني تارة أخرى طوال العقود المختلفة مما شكل شبه حصار علي فاعليتها ومبادراتها وجعلها في موضع الدفاع الدائم عن النفس، مرة لتأكيد الانتماء الوطني ومرة أخري لتأكيد الانتماء الديني. كما لم تحاول الأحزاب والقوي التقدمية فك الالتباس والتشويش المتعمد الذي ربط بين الدعوة لتحرر المرأة وإشاعة النزوع للتغريب والتهديد المزعوم بفقد الهوية. ويشير هذا إلى الاحتياج الماس للاشتباك مع كلا الخطابين المذكورين بهدف دفعهما إلى التصالح مع قضية المرأة وتبنيها كجزء من تقوية وتفعيل هذه الخطابات وليس تقويضها وحصارها ودفعها إلى التراجع والمساومة.
رابعًا: شهدت الثمانينات صحوة جديدة لتنشيط الحركة النسوية كرد فعل للمد الرجعي المتصاعد في السبعينات والذي ركز هجومه علي قضية المرأة، محاولاً إلغاء أي دور يخرج بها عن نطاق الأسرة ويسعى لتجريدها من أي حقوق اجتماعية وسياسية. وترافق ذلك مع اتخاذ قضايا المرأة بعدًا دوليًا، ضمن قضايا حقوق الإنسان، مما أتاح هامش أوسع للعمل الأهلي المسموح به رسميًا وفتح آفاقًا نسبية لتطويره وإخراجه من السبات الذي لازمه طوال العقود التي تلت مصادرته وإلحاقه بالعمل الحكومي. إلا أن هذه المساحة المشتركة مع البعد الدولي تشوبها كثير من المحاذير لما تطرحه من خلط في الأوراق والمصالح أحيانًا قد يؤدي إلى إضعاف الحركة النسائية علي المدى البعيد إذا لم تنتبه إلى ضرورة خلق مساحتها المستقلة المشتركة فيما بينها وتحديد برامج واضحة لها تشتبك فيها مع قضايا المجتمع بأسره.
1 – Kumari Jayawardena, Feminism and Nationalism in the Third World, London. Zed Books, 1986. P. 43.
2 – Beth Baron, The Women’s Awakening in Egypt: Culture, Society, and the Press Yale University Press, 1994. P. 168
3- Afaf Lutfi al-Sayyid Marsot, A Short History of Modern Egypt Cambridge University Press, 1985. P. 54
4 – Kumari Jayawardena, Feminism and Nationalism P. 8.
5 – Leila Ahmed, Women and Gender in Islam: The Roots of a Historical Debate, Yale University Press, 1993. P. 135- 139.
6- Beth Baron, The Women’s Awakening P. 171.
7 – Les Grandes Figures Féminines D’Egypte: S.A. La Princesse Fatma Ismail.” L’ Egyp- tienne Mars.1925
8 – Hala Shukrallah, “Organizational/ Religious Situation of Women in Egypt.” Back ground paper presented to Unicef. 1994. P. 3.
9 – Beth Baron, The Women’s Awakening in Egypt. P. 186.
10 – Beth Baron, The Women’s Awakening in Egypt P. 1.
11 – هدى شعراوی، مذكرات رائدة المرأة العربية الحديثة – دار الهلال – القاهرة 1981
12 – Nancy Gallagher, Egypt’s Other Wars: Epidemics and the Politics of Public Health, Cairo: AUC Press, 1993. P. 56-7.
13 – Beth Baron, The Women’s Awakening, p. 171.
14 – Nadje al-Ali, Standing on Shifting Ground: Women’s Activism in Contemporary Egypt, SOAS: PhD Dissertation, 1998
15 – Beth Baron, The Women’s Awakening in Egypt P. 171.
16 – Beth Baron, The Women’s Awakening in Egypt, P. 172.
17 – Beth Baron, The Women’s Awakening in Egypt, P. 178.
18 – Nancy Gallagher, Egypt’s Other Wars, P.10.
19 – Afaf Lutfi al-Sayyid Marsot, “The Revolutionary Gentlewoman in Egypt” in Women in the Muslim World Lois Beck and Nikki Keddie, eds. Harvard University Press, 1978. P. 273.
۲۰ – (الحركة النسائية العربية: أبحاث ومداخلات من أربع بلدان عربية، تحرير نادية عبد الوهاب وآمال عبد الهادي، القاهرة، مركز دراسات المرأة الجديدة، 1995.)
21 – Margot Badran, Feminists, Islam, and the Nation: Gender and the Making of Modern Egypt Cairo: AUC Press, 1994.
۲۲ – قانون جمعية الاتحاد النسائي المصري، الطبعة الثانية ١٩٤٧، مطبعة بول باربيه، بمصر.
23 – Bahiga Arafa, The Social Activities of the Egyptian Feminist Union, Cairo: Elias Modern Press, 1973. P.4.,
24 – Further information and theory on this issue is in Mervat Hatem, “Toward the De- velopment of Post- Islamist and Post-Nationalist Discoursesin the Middle East”, in Ju -dith Tucker, ed. Arab Women:Old Boundaries New Frontiers Bloomington, Indian 1993.
٢٥ – لمزيد من المعلومات انظر إلى بهيجه عرفه، المصدر السابق.
26 – Bahiga Arafa. TheSocial Activities of the Egyptian Feminist Union, Cairo: Elias Modern Press, 1973. P.13.
27 – Deniz Kandiyoti, Gendering the Middle East Syracuse University Press, 1996. P. 9.
28 – Bahiga Arafa, The Social Activities of the Egyptian Feminist Union P. 25- 27.
29 – Bahiga Arafa, The Social Activities of the Egyptian Feminist Union P. 35.
30 – Leila Ahmed, Women and Gender in Islam, p. 195.
۳۱ – ابن الهاشمي، الداعية زينب الغزالي: مصير الجهاد وحديث من الذكريات من خلال كتابتها – دار الاعتصام– 1989
32 – Leila Ahmed, Women and Gender in Islam, p. 198.
33 – Valerie Hoffman, “Zeinab al-Ghazali,”in Women and the Family in the Middle East: New Voices of Change Ed. Elizabeth Fernea. Austin: University of Texas Press, 1985. P. 235
34 – ابن الهاشمي، ص 200 – 210.
35 – ابن الهاشمي، ص200- 210.
36 – Bahiga Arafa, The Social Activities of the Egyptian Feminist Union p. 27
37 – Akram Khater and Cynthia Nelson “Al-Harakah al-Nisa’iyya: The Women’s Move ment and Political Participation in Modern Egypt” in Women’s Studies International Forum Vol. 2. No. 5. 1988. P. 468.
38- أمل کامل بيومي السبكي، الحركة النسائية في مصر ما بين الثورتين ١٩١٩ و ١٩٥٢ – الهيئة المصرية العامة للكتاب 1986.
39 – Cynthia Nelson, Doria Shafik, Egyptian Feminist: A Woman Apart. Cairo: AUC Press, 1996. P. 163.
40 – المرجع السابق ص 163
41 – Quoted in Khater and Nelson. P. 469.
٤٢ – منيرة ثابت ثورة في البرج العاجي! مذكراتي في عشرين عامًا، دار المعارف للطباعة والنشر بمصر، ص ۸ و۹ (1945)
43 – Joel Benin and Zackary Lockman, Workers on the Nile. P. 50.
44 – المرجع السابق من ١٦٦.
45 – Badran, Feminists, Islam, and Nation P, 175.
46 – المرجع السابق من ۱۸۳.
47 – Benin and Lockman. P. 341.
48 – Bahiga Arafa, The Social Activities of the Egyptian Feminist Union. P. 29- 31
49 – Leila Ahmed. p. 196.
50 – انجي أفلاطون مذكرات، دار سعاد الصباح، 1993، ص 68.
51 – نفس المصدر.
52 – انجي أفلاطون “نحن النساء المصريات“، مطبعة السعادة، (١٩٤٩).
53 – المرجع السابق
54 – المرجع السابق، ص ۱۲۸
55 – مأخوذ عن جريدة الأهرام المرجع السابق.
56 – For a more detailed account refer to the chapter entitled “The Storming of Parliament” in Nelson, Doria Shafik, Egyptian Feminist.
57 – Nadia Wassef. “The Woman, the March, and the Silent History.” Association for Middle Eastern Women’s Studies Review 13 spring 1988, No. 1.
58 – Quoted from Nancy Gallagher, Egypt’s Other Wars. P. 13.
59 – المرجع السابق من ٤١.
60 – Ghada Hashem Talhami, The Mobilization of Muslim Women in Egypt, University Press of Florida, 1996
61 – أماني قنديل العمل الأهلي والتغيير الاجتماعي. منظمات المرأة والدفاع والرأي والتنمية في مصر، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، ١٩٩٨. ٦٢– الحركة النسائية العربية، مرجع سابق.
63 – Nancy Gallagher, Egypt’s Other Wars, p.171.
64 – المرجع السابق.
65 – مقابلة شخصية مع عايدة الجندي – من قبل راجية عمران، أکتوبر ۱۹۹۸.
66 – Yvonne Yazbeck Haddad, John L. Esposito, eds. Islam. Gender and Social Change Oxford University Press, 1998
67 – Ghada Hashem Talhami, The Mobilization of Muslim Women in Egypt, University Press of Florida, 1996, p. 25
68 – المرجع السابق.
69 – Khater and Nelson, p. 472.
۷۰ – انجي أفلاطون مذكرات، دار سعاد الصباح، ۱۹۹ ۳، ص ۱۷۲. )
71 – المرجع السابق، ص۲۰۱.
٧٢ – مقابلة شخصية مع عايدة الجندي، من قبل راجية عمران، أکتوبر ۱۹۹۸.
73 – الحركة النسائية العربية.
٧٤ – لقاء مع السيدة عزيزه حسين رئيسة لجنة تنظيم الأسرة – ديسمبر 1994
75 – سامية محمد فهمي، المرأة في التنمية – دار المعرفة الجامعية – الإسكندرية 1996
76 – Ahmed Abdallah. The Student Movement and National Politics in Egypt, 1923- 1973 London: Al Saqi Books, 1985.
77 – Ghada Hashem Talhami, The Mobilization of Muslim Women in Egypt, University Press of Florida, 1996
۷۸ – نادية حجاب: المرأة العربية، دعوة للتغيير، رياض الريس للكتب والنشر، لندن، المملكة المتحدة، ١٩٨٨).
۷۹ – نادية حجاب، المرأة العربية دعوة إلى التغيير.
۸۰ – المرجع السابق..
81 – Mervat Hatem, “Secularist and Islamist Discourses on Modernity in Egypt in the Evolution of the Postcolonial Nation-State,” in Islam, Gender, and Social Change, edited by Yvonne Yazbeck Haddad and John L. Esposito, Oxford University Press, New York,1998.
82 – Margot Badran, “Gender Activism: Feminists and Islamists in Egypt,” in Valentine M. Moghadam (ed), Identity Politics and Women: Cultural Reassertions and Feminisms in International Perspective Boulder: Westview Press, 1994.
83 – Margot Badran, “Competing Agenda: Feminists, Islam and the State in Nineteenth and Twentieth Century Egypt,” in Deniz Kandiyoti (ed.), Women, Islam and the State London: Macmillan, 1991.
84 – Hala Shukrallah,”Organizational/ Religious Situation of Women in Egypt”, back ground paper presented to UNICEF, 1994.
٨٥ – سعد الدين إبراهيم، المرأة في الحياة العامة المصرية، تحرير عبد المجيد صفوت ونجاح إبراهيم، مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية. جاء في البحث، ص ٢٥ (أن من بين الشعارات التي رفعتها المجموعات النسائية في افتتاح أول برلمان لمصر بعد الاستقلال في عام ١٩٢٤: “نطلب المساواة بين الجنسين في التعليم“، “علموا بناتكم، احترموا حقوق نسائكم، المرأة مقياس رقي الأمة“، “لا لتعدد الزوجات بلا قيود“، الخ..).
86 – Moheb Zaki, Civil Society and Democratization in Egypt, Cairo: Konrad Adenauer Stiftung and the Ibn Khaldoun Center, 1995.
۸۷ – رفع الحجاب عن العقل، تضامن المرأة العربية، القاهرة، ۱۹۸۹).
۸۸ – المرأة الجديدة، مجلة غير دورية تصدر عن مركز دراسات المرأة الجديدة، العدد الرابع، فبراير 1990.
89 – الحركة النسائية العربية، كتاب صادر عن مركز دراسات المرأة الجديدة.
90 – انظر دراسة حول الخدمات الصحية في مصر، صادرة عن جمعية التنمية الصحية والبيئية، ١٩٨٧
۹۱ – أماني قنديل وسارة بن نفيسة، الجمعيات الأهلية في مصر، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام القاهرة 1994.
۹۲ – نادية حجاب، المرأة العربية دعوة إلى التغيير، رياض الريس للكتب والنشر، لندن، المملكة المتحدة، ۱۹۸۸
۹۳ – (المصدر السابق..)
٩٤ – نيفين مسعد, المرأة في انتخابات مجلس الشعب ١٩٩٥، في المرأة وانتخابات مجلس الشعب، تحرير د. ودودة بدران, القاهرة ١٩٩٦).
95 – (المرجع السابق..)
96 – Mervat Hatem, “Secularist and Islamist Discourses on Modernity in Egypt in the Evolution of the Postcolonial Nation-State,” in Islam, Gender, and Social Change, edited by Yvonne Yazbeck Haddad and John L. Esposito, Oxford University Press, 1998.
97 – وثيقة الجمعيات الأهلية المصرية إلى المؤتمر الدولي للسكان والتنمية، القاهرة 5
– 13 سبتمبر ١٩٩٤)، اللجنة القومية للمنظمات غير الحكومية.
98 – أماني قنديل، (العمل الأهلي والتغيير الاجتماعي.. منظمات المرأة والدفاع والرأي والتنمية في مصر، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، القاهرة، ١٩٩٨)
99 – تطور أوضاع المرأة المصرية من نيروبي إلى بكين، تقرير مقدم من الجمعيات الأهلية المصرية للمنتدى العالمي للمرأة بكین ١٩٩٥، القاهرة، ١٩٩٥
100 – (الطريق من القاهرة إلى بكين، اللجنة القومية للمنظمات غير الحكومية للسكان والتنمية، اللجنة الفرعية للمرأة، القاهرة ١٩٩٥)
۱۰۱– شهيدة الباز، أماني قنديل، سمية إبراهيم، إيمان بيبرس، “المرأة في المنظمات الأهلية المصرية“، في تقرير مقدم من الجمعيات الأهلية المصرية للمنتدى العالمي للمرأة بكين ١٩٩٥ وفي الطريق من القاهرة إلى بكين، القاهرة، ١٩٩٥).
102 – The National Council for Childhood and Motherhood, Women in Egypt, summary report presented at the Fourth International Conference on Women, 1995
103 – Heba Nassar et al, Analysis of the Survey of the Main Interventions Enhancing the Scio Economic Status of Women in Egypt, Report No. 2, Cairo: Social Research Center, 1996.
١٠٤ – سناء المصري، تمويل وتطبيع، دار سينا، القاهرة، 1997.
105 – راجية عمران، المسودة الثانية “لتاريخ اللجنة المصرية لمناهضة ختان الإناث ١٩٩٤ – ١٩٩٨” دراسة تصدر عن قوة العمل المناهضة لختان الإناث).
١٠٦ – أنهار، نشرة غير دورية تصدر عن ملتقى الهيئات لتنمية المرأة، العدد الثالث، يناير ١٩٩٨.