صورة المرأة العربية في الإعلام العربي
المرأة العربية في تاريخها كانت عظيمة وفعالة في التاريخ والعمل ويشهد التاريخ على الكثير من عظيمات المنطقة ملكات وكاتبات وشاعرات ومقاتلات، فالواقع العربي اليوم يشهد بأن المرأة العربية قدمت الكثير والكثير وما زالت تقدم.. فلم تعد تلك المرأة التى تشكي وتبكي على الهجر والغياب المتكرر للحبيب أو الزوج ، ولا الأنثى التي تحب أن تستعرض مفاتنها حتى تلفت أنظار الرجال إليها… ولكنها تحولت إلى المرأة التى هى على دراية كفاية بما يدور حولها من أحداث وقضايا سواء على المستوى المحلى أو العربى أو العالمي فهى لم تعبر عن آلامها وأحزانها فحسب بل أصبحت تعبر عما يجول بمجتمعها ووطنها ككل وعما يدور بداخله بل استطاعت المشاركة فى كل ما يحدث.. فالمرأة بدأت تخطو خطوات قوية باتجاه تمكينها في المجتمع وقد بدأت اليوم نضالاً مختلفًا عن نضالها بالأمس البعيد.. هذا رغم وجود الكثير من التحديات التى مازالت تواجهها سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو تنمويه أو إعلامية.. فمازال الإعلام العربي وللأسف مُصر على تشويه الصورة الفعالة للمرأة العربية.. ومازال يرتاح لإعطائها النموذج النمطى السلبى غير الفاعل بالمجتمع.. فحتى الآن لم تتطابق صورة المرأة فى الإعلام العربي مع حركة الواقع العربي نفسه ، فخلال الآونة الأخيرة أفرز تطور المجتمعات العربية نماذج من المرأة الجديدة لا أثر لها في الإعلام الذي لا يزال يركز في برامجه وأعماله الإبداعية على الصورة المتخلفة والتقليدية للمرأة ، بدلاً من تركيزه على هذه النماذج الواعدة المتقدمة….
ومن هذا المنطلق ، فقد طالب نخبة من الإعلاميين العرب بضرورة تغيير“الصورة النمطية السيئة للمرأة فى مختلف وسائل الأعلام العربية” ، وذلك خلال ندوة (صورة المرأة العربية فى وسائل الإعلام العربية) التي كانت من ضمن فعاليات البرنامج الثقافى للدورة الـــ ٣٧ لمعرض القاهرة الدولي للكتاب ، والذى شارك فيها الكاتب الكبير عباس الطرابيلى رئيس تحرير جريدة الوفد، والدكتور عصام عبد الله أستاذ الفلسفة بكلية الآداب جامعة عين شمس، والدكتورة سحر سامى المذيعة بالتليفزيون المصرى ، وأدارها الكاتب محمد صلاح مدير مكتب جريدة الحياة بالقاهرة.. والذى أشار إلى أن العالم مازال يشهد ثورة معلوماتية هائلة وشبكة إنترنت عملاقة جعلت الاتصال بين الأفراد والجماعات يتم في دقائق معدودة ، لذلك فإن صورة المرأة في الإعلام العربي سواء عبر الدراما أو غيرها من الوسائط المختلفة الأخرى تجعلنا نتساءل: هل المرأة لم تحصل على حقوقها الكاملة بعد ؟! وهل استطاعت الدراما المسموعة والمرئية أن تقدمها بصورة صحيحة ؟.
وخلال فعاليات الندوة ، انتقد الطرابيلى استغلال المرأة في الإعلانات، وتوظيف صورتها بطريقة مسيئة لتحفيز رغبة الشراء ، مطالباً من جهة أخرى بأن تكثف وسائل الإعلام جهودها لتمكين المرأة من ممارسة حقوقها التي ما زالت مفتقدة بالرغم من إثارتها بقوة في أدبيات الإصلاح السياسي الحالية.
ومن جهتها، قامت المذيعة سحر سامي بانتقاد هذه الصورة النمطية للمرأة التي توظفها وسائل الإعلام المرئى فى السينما والتليفزيون في الفترة الحالية بعكس فترة الستينات والسبعينات التى صورتها كفرد مهتم بقضايا الوطن والثورة لكنه مهمل ومهمش فى الأسرة والمجتمع، موضحة أن الصورة خلال هذه الفترة مقلقة لأنها تقدم واقعًا مشوهًا للمرأة ينفصل عن الواقع ، ويصور الفتاة بلا هوية سواء فى الزى أو الكلام أو الثقافة وذات هموم سطحية ، أما المرأة الأكبر سنًا فهي غارقة فى مشاكل عاطفية وصراع من أجل الزوج أو الرجل ، ويعطينا الإعلام نموذج آخر للمرأة ربة البيت ومعيلة على الرغم من إيجابية هذا النموذج ، إلا أن الدراما تصورها مهملة فى مظهرها وفى صورة منفرة دائماً على الرغم من إيجابية هذه المرأة في مواجهة الحياة، مشيرة إلى أن حتى البرامج التي توجه للمرأة لا تتناسب مع بيئتنا وحضارتنا لأنها تهتم بتقديم طريقة عمل المأكولات وأحدث أنواع الموضة دون الاهتمام بمشاكل وقضايا المرأة الحقيقية ، منوهة إلى أن الأمر يحتاج إلى إعادة النظر فى كتابة ما يكتب عن المرأة أو يقدم دراميًا وتفعيل أكبر للمرأة المتواجدة فى البيت والتى تقوم بتقليد أعمى لكل ما يقدم لها.
هذا وقد أشار الدكتور عصام عبد الله إلى70% من المشاركين على شبكة الإنترنت من النساء فى العالم العربي ، مشيرًا إلى أن من يريد أن يتعرف على صورة المرأة العربية عليه أن يلجأ إلى“الإنترنت” الذى يسمى الآن بالسلطة الخامسة ، فلا شك أن للإعلام التأثير الأكبر في صناعة الرأي العام.. وهو بالتالي عقرب الساعة الكبير في إعادة صياغة مفاهيم المجتمع في مراحل تطوره، الأمر الذي يؤثر في الجمهور رجالاً ونساءً. فالإعلام يعد بمثابة مرآة عاكسة للمجتمع ولا يمكنه أن يكون مغترباً عن مجتمعه ، وعليه فإن نظرة المجتمع للمرأة بهذه الصورة النمطية التقليدية يعتبر ظلمًا كبيراً لها ، فالمرأة لم تعد رهينة الأفكار الموجهة ذات الأهداف المرسومة التي تتلقاها من خلال شاشة التليفزيون أو الراديو دون المقدرة على التحكم في محتواها أو انتقاء ما تشاء ، ففي عصر الإنترنت أصبحت المرأة أمام بحر من المعلومات تخوضه عبر أمواج الشبكة العنكبوتية.
والجدير بالذكر ، أن نشير إلى أن الفضائيات بالإضافة إلى الإعلام قامت بتشويه صورة المرأة العربية وقضاياها بصورة مقصودة أو غير مقصودة حتى أصبحت مصدر تنفير لمكونات المجتمعات العربية، حيث استغلت جسد المرأة لأغراض تجارية ترويجية وأساءت لصورتها، الأمر الذي أطاح بإنجازات النساء الجادات في مختلف مناحي فعاليات المجتمع.
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد فحتى الصحافة ساهمت في تشويه صورة المرأة ، فالمجلات العربية تقوم بوضع صور الغلاف دائمًا لفتاة تقف بصورة مثيرة لجذب أنظار الناس إلى غلاف المجلة ، وليس هذا فحسب فالصحفى عندما يتناول موضوعًا خاصًا بالمرأة تكون لديه الصورة النمطية جاهزة في ذهنه فيستعرضها بالشكل المسبق..
هكذا نجد أن التحديات التى تعوق المرأة لتصحيح صورتها إعلاميًا مازالت كبيرة وتحتاج إلى جهد كبير للتصدى والقضاء عليها.
وقد أشار الدكتور جابر عصفور أمين المجلس الأعلى للثقافة في هذا الصدد إلى أن الإعلان لن ينجح في تغيير صياغة صورة المرأة المقدمة إلى الخارج إلا إذا نجح في تغيير صورة المرأة التي يبثها في الداخل ، والتي لا تزال غير بعيدة عن النموذج النمطي السلبي غير الفاعل. وإذا كانت الثقافة التقليدية هي الغالبة، بدرجات مختلفة عبر الأقطار العربية ، فإن مسئولية الإعلام العربي في هذه المرحلة هي الانحياز إلى التيارات الجديدة الواعدة ثقافيًا واجتماعيًا وسياسيًا على امتداد العالم العربي. وتحويل هذه التيارات إلى رسائل إعلامية تسهم في تقديم المجتمعات العربية وتنميتها بوجه عام ، ومن ثم تسهم في تغيير الصورة السائدة إعلاميًا للمرأة العربية، وإحلال صورة جديدة واعدة مكانها، سواء على مستوى التكرار، أو مستوى الشيوع والغلبة. والخطوة الأولى في ذلك هي استبدال السائد ثقافيًا بالهامشي، والنماذج المتقدمة الواعدة بالنماذج المتخلفة الجامدة، وذلك ضمن استراتيجية إعلامية شاملة تعمل على دفعها المجتمعات العربية إلى أقصى درجات التقدم، كما تعمل على إلحاق إعلامنا القومي بالإعلام المتطور في العالم كله، خصوصًا بعد أن تسارع إيقاع التقدم الذي لم يعد يسمح بالتباطؤ في الحركة إلى الأمام أو التخلي عنها.