ضحكة سارة كيف تتعامل النساء مع العقم

ترجمة:

كتابة:

ضحكة سارة

كيف تتعامل النساء مع العقم

بعد ثلاث محاولات فاشلة للتخصيب باستعمال حيوانات منوية من بنك الحيوانات المنوية، أصبحت لا أقول عندما أُرزق بطفل…….. “بللو رُزقت بطفل …… لقد أوصى طبيبي بأن أجرى عملية تخصيب معملى، وأشعر بالرعب من النتائج المحتملة . فأنا لا أعرف امرأة أخرى خاضت تلك التجربة, وأنى فى حاجة شديدة إلى التحدث مع أشخاص مروا بها . ومع أنه لم يسبق لى الانضمام إلى أى من مجموعات الدعم، فقد قررت تجربة الانضمام إلى إحداها . غير أنه في تلك المجموعة التى ضمت عشر نساء, بدا أنه لا أهمية لمحنتى مقارنة بمأساة إحدى النساء, وليس في قلبي الصغير مكان للقصص شديدة الصعوبة التي تعاقبت الواحدة تلو الأخرى. أني أفكر في سارة وهي في عمر التسعين من عمرها حين سمعت نبوءة أنه سيكون لها إبن بعد عام، فأخذت تضحك. وأني لسعيدة أيما سعادة بتلك الضحكة. ذلك أن من تضحك هي امرأة عصرية تموج بالتمرد الأنثوى والشك الوجودى. فهى عندما تضحك على ما هو محال تمارس حرية من هو خارج الموضوع. أنها تضحك فرحةً فهى سوف تلد إسحاق وهى في الواحدة والتسعين.

تشعر النساء العاقرات فى التوراة بحزن عميق. فها هي راحيل تصرخ هب لى بنين وإلا فأنا أموت*. وتقول حنة عن نفسها أنى امرأة حزينة الروحوحين يراها إليا الكاهن تصلى فى معبد شيلوه تبدو مضطربة يظن خطأ أنها سَكْرَى، فتقول له لأنى من كثرة كربتي وغيظى قد تكلمت الآن” . ولكن كيف تأسو النساء العاقرات وتحزن في الوقت الراهن؟ فى كل شهر تخفق المرأة في الحمل تكون هناك خسارة . وكل إجهاض صورة مصغرة من الموت.

بعد ثلاث محاولات للتخصيب بحيوانات منوية من أحد المتطوعين صارت لى تجربة مع ذلك الأسى والحزن . لقد استعضت عن عبارة حين أًزرق بطفل ….” بعبارة لو رُزقت بطفل …..” والآن يوصى طبيبي بإجراء تخصيب فى الأنابيب. ولكن ترعبني صورة الحقن التي تؤخذ تحت الجلد، والعقاقير الهرمونية، وغرف العمليات. لا أعرف امرأة خاضت تجربة التخصيب المعملى، ولدى رغبة شديدة في التحدث إلى نساء مررن بهذه التجربة ومع أننى لم أنضم إلى إحدى مجموعات الدعم . حيث أرى أنها مقززة وقمعية، كما أنى أرتبك بسبب ما تفرضه تلك المجموعات من إشراك الآخرين في حياتي الخاصة فقد قررت تجربة الانضمام إلى إحداها عساي أقيم علاقة صداقة مع امرأة أو اثنتين فيها .

في إحدى أمسيات شهر يونيو حيث يطول النهار وينتشر عبير الأزهار، خرجت لحضور لقائى الأول، سرت بالدراجة في الطريق الموازى للنهر . كنت للحظة, واحدة من كثيرين سعداء بخروجهم من البيت يلهون أو يسيرون أو يستلقون فى استرخاء تلك الليلة. ثم دخلت أحد الشوارع الجانبية اللطيفة المرصوفة بالحصى القريبة من ميدان هارفارد، ووجدت العنوان : منزل بُني حديثًا مسقوف بالخشب الأحمر، وله نوافذ صغيرة. كانت المرأة التي فتحت الباب ذات قوام رشيق وقد لوَّحت الشمس وجهها . قادتنى إلى الداخل وصعدنا الدرج إلى غرفة المعيشة حيث جلس عدد من النساء الأخريات حول مائدة صغيرة محملة بالعنب والبسكويت والعصير . “مرحبًا أنا كارينز .. تشيريل .. مارا …..”

كانت الأخصائية الاجتماعية التي ستقود المجموعة جالسة على كرسى لين له مساند وقد ربطت شعرها على هيئة ذيل الحصان . كانت ترتدى صندلاً لتقويم القدم. وها هى تنحنى كى تستمع إلى المرأة التى بجانبها .

الحديث حول أمور تافهة مسألة تبعث على الحرج؛ فقد كان ذلك هو اللقاء الأول للمجموعة ونحن جميعًا غريبات عن بعض، ومع ذلك كانت كل منا تشعر بقدر كبير من الامتنان لوجودها هنا بين أخريات سوف يتفهمن تجربة العقم، والتى غالبًا ما تؤدى للعزلة . جلت ببصرى حول الدائرة كي أرى من نحن؛ فى أوائل الثلاثينيات أو أوائل الأربعينيات, بيضاوات من الطبقة الوسطى العليا، يعلو وجوهنا تعبير الابتلاء والكرب الذي لا يمكن أن يخفيه أى قدر من المساحيق أو الابتسامات المضطربة. كنا نتحدث بصوت مرتفع، أو بصوت منخفض، أو بلا صوت بالمرة. لقد كنا مضطربات.

ما إن انتظم اللقاء حتى دخل زوج مضيفتنا، وكان في العشرينيات من عمره، فى طريقه إلى جزء آخر من المنزل حيث وجه ابتسامة خجولة تجاه غرفة المعيشة الممتلئة بالنساء. فليس هذا الاجتماع له، فنحن الجنس الآخر، وليست مشكلته الليلة على الأقل، هي إنجاب الأطفال . كان يبدو وسيمًا فى ملابس رياضية ويمسك بمضرب التنس وقد غطاه العرق . كان الشاب الأمريكي بمعناه الكامل من ذلك النوع الذى من الأرجح أن يحقق نجاحًا .

سمعنا ما بعد قليل حكاية ذلك الزوج المثالي فهو يعاني من وجود أجسام مضادة للحيوانات المنوية، وهو يعنى أن جسمه يهاجم حيواناته المنوية ويقضى عليها . وربما فسر ذلك تلك الابتسامة الخجولة. الليلة سوف تتحدث زوجته . ومع أنه من المفترض أن حالته هي التي تسبب عقمهما ، فهى نفسها لم تستجب استجابة جيدة للعلاج حتى الآن. فقد أخفقتمرة في دورة التخصيب داخل الأنابيب. وقالت، وقد عقدت ذراعيها فوق صدرها وكأنها تثبت ضرباته، ولكنى أنتجت ٢٢ جريب بويضات” .

أعرف من قراءاتى أن ۲۲ بويضة رقم أعلى بكثير من المعتاد ، فالمرأة تنتج بويضة واحدة أثناء الدورة الشهرية غير الخاضعة للعلاج الطبي، وفي حال تناول عقاقير الخصوبة فى محاولة لزيادة احتمالات الحمل عادة ما تحفز تلك العقاقير المرأة على إنتاج ٦ أو ١٠ أو حتى ١٤ بويضة . ولكن ۲۲؟ أن الجسم ينهار بالمعنى الحرفي للكلمة وهو ما حدث لها بالفعل، حيث تعرضت لقيء شديد وألم حاد فى الحوض، وانتهى بها الأمر إلى غرفة الطوارئ. وأضافت هذه المرأة ذات الثلاثين عامًا : الخبر السار هو أنه نظرًا لوجود كل هذه البويضات فقد خصب الأطباء ما يكفى من الأجنة وتم تجميدها لاستخدامها في دورات أخرى“.

تطلعت إلى وجوهنا المنصتة إليها ثم واصلت الكلام: “ذهبنا في إحدى العطلات لحضور لقاء عائلي في بيت والدي في الريف. ومع أن الجميع كانوا يتسمون باللطف. فقد كان الموقف صعبًا فى واقع الأمر، كانت أختى هناك مع طفليها الصغيرين, وكنت أبكي في كل ليلة” . ومسحت بيدها الدموع التي فجرتها الذكرى مجددًا.

قالت المرأة الجالسة بجوارها, وكانت صغيرة الجسم وشعرها أسود: “أعرف ما تعنينه. يقيم اتحاد الملاك في المنطقة التي نسكنها الكثير من المناسبات الدينية في مثل هذا الوقت من العام. ولم نعد نحضر تلك المناسبات لأنها مثيرة للشجون إلى حد كبير؛ فالكل يأتي بأطفاله. وفى دليل اتحاد الملاك نحن فقط الذين يرد اسمنا تحت عنوان من هم بلا أطفال“.

اهتزت رءوس عدة حول الدائرة تعاطفًا معها. ولم أكن واحدة منهن. فقد بدا لى فجأة أن تلك النسوة يبكين على كونهن بلا أطفال أكثر مما يبكين على نهن وجدن أنفسهن فجأة ذلك الـ آخرالمختلف عن كل من يعرفنهم. وباعتبارى كاتبة وبصفتى إنسانة عشت على دخل محدود لسنوات، وباعتبارى امرأة تزوجت في فترة متأخرة من حياتى، وأضيف إلى ذلك كونى يهودية، فإن لي تجربة لا بأس بها مع كونى إنسانًا من الخارج، فأنا معتادة على الرؤية الفريدة التي يتيحها لي وضعى المختلف.. “الآخر“. وقد سمعت مرات ومرات أخرى في ذلك اللقاء هؤلاء النسوة جميعهن لديهن وظائف جيدة، ومنازل كبيرة، وأزواج متفهمون، وسيارات جديدة . وهن يروين حكاياتهن باكيات على ذلك الجزء من الحلم الأمريكي الذي حُرمن منه .

ومع ذلك، أليس هذا حلمًا شديد الإنسانية حُرمن منه؟ قد أكون أنا الكاتبة المستقلة صاحبة المنزل الصغير والسيارة القديمة. المدعى الدفاعي في هذه المجموعة. فمن أكون أنا حتى أحكم على ألم غيري؟ في التوراة ازداد حزن راحيل بسبب غيرتها الشديدة من أختها وضرتها ليئة التي أنجبت أربعة صبيان في تتابع سريع وتولدت الكراهية فى نفس سارة زوجة إبراهيم العاقر تجاه أمتها هاجر التي أنجب منها إبراهيم ابنه إسماعيل. والنساء الحوامل كلهن ليئَة وهاجر في نظرنا نحن من نجد صعوبة في الحمل.

يبدو أن التعاطف مع اليأس الناجم عن الدعوات غير المستجابة، والأرحام التى لن تفتح في كنعان, أسهل من التعاطف مع الشعور بالاستبعاد في الحفلات التي تقام حول حمامات السباحة, أو التجمعات أثناء الأجازات, في سفر التكوين إنجاب الأطفال أمر يتعلق بإعمار أمة وليس بإعمار سيارة فولفو . فالأطفال ضروريون للمحافظة على امتداد النسل. والأهم هو أن الحمل والولادة جزء لا يتجزأ من علاقة المرء بالرب. فهؤلاء اللائي يعانين من العقم والعناء بينهن وبين (الرب) يهوه حوار عميق ومؤلم. والأطفال الذين يحملنهم في النهاية علامات على أن الرب يسمع ويتذكر، والولادات أحداث عظام تقع فى الكون . واليوم تقضى العلوم الطبية على الأبعاد الروحية والكونية للإنجاب، وتجعل سحرالحمل مسألة إحصاءات وعمليات . وحتى إذا كانت النسوة في التوراة لم يفعلن شيئًا سوى الصراخ والاحتجاج للرب بسبب حرمانهن من الأطفال، فإنى أظن أننا الأكثر فقرًا ، بسبب فقداننا الصلة بذلك الوجود الأكبر. فإلى من نوجه صراخنا واحتجاجاتنا ؟ للزوج؟ أم للطبيبة؟ أم لأجهزتنا التناسلية؟ من الواضح أن هذا الغضب ليس الاتجاه الصحيح.

قالت المرأة ذات الشعر الأسود الجالسة قبالتي، بعد أن أخذت نفسًا عميقًا وأمسكت إحدى قبضتيها باليد الأخرى: “حسنًا. لقد تزوجنا منذ ست سنوات. في العام الأول لم نتعامل مع موانع الحمل بشكل صارم، لكننا لم نكن نحاول بجدية . فى العام الثاني توقفنا عن استعمال أي موانع؛ ولم يحدث شئ. بدأت أتابع درجة حرارة جسمي. لا شئ. تحدثت مع طبيبة أمراض النساء والتوليد التي وصفت لى عقار كلوميد لتحفيز التبويض. ولم يحدث أى شئ رغم ذلك. وقد أجروا فحص خصوبة لى ولزوجى ولم يجدوا شيئًا ، ولذلك ظللنا نجرب. وأخيرًا حملت، ولا أدرى كيف” . ثم اعتدلت في جلستها وأضافت: “أجهضت في الأسبوع الثامن” .

واصلت المرأة حديثها بصوت منخفض: “منذ ذلك الوقت، منذ ذلك الوقت وهناك المزيد من الكلوميد, والتلقيح الاصطناعى، وإجهاضان آخران . وما أدرى متى ينتهى ذلك“.

وهنا قالت المرأة الجالسة على الأريكة الجلدية: “هل يمكنني الكلام؟من المفترض أن يكون الكلام بالترتيب حسب الجلوس فى الدائرة، حيث تروى كل واحدة حكايتها لبقية أفراد المجموعة ، وكانت هي خارج الدور. “لأبد أن أتكلم” . ولكن بدلاً من تتكلم أخذت تبكي؛ كانت تنتحب وكانت عيناها تذرفان دموعًا كبيرة الحجم أدت إلى احمرار وجهها وتلطيخه . انتظرنا نحن سائر الحاضرات. وقد طأطانا رءوسنا متشاغلات بالنظر إلى الكليم الأحمر.

أخيرًا تحدثت فيما بين تنهداتها قائلة: “اليوم, اليوم ذكرى وفاة جيريمي” . وأعقب ذلك المزيد من البكاء، مع التنهد المكتوم. “أنتن جميعًا مدعوات إلى إزاحة الستار عن شاهد قبره يوم الأحد. أقصد اننا أقمنا الجنازة وكل شيء” . ومع أن أحدًا لم يحرك ساكنًا أو يرد, فمن الواضح أن ذلك هدأها في ذلك الوقت.

بعد ذلك قالت: “أنا في الثالثة والأربعين منذ حوالى عامين التقيت برجل وتزوجنا . لم نكن نعرف إن كنت أكبر من أن أنجب أطفالاً أم لا ، ولذلك بدأنا على الفور وحملت“. أذهلتها تلك الحقيقة. حملت على الفور. اشترينا منزلاً . أعددنا ديكور إحدى الغرف باعتبارها غرفة الأطفال. أقام أصدقاؤنا حفلاً لتقديم الهدايا للمولود وأجريت اختبارًا لمعرفة نوع الجنين وعرفنا انه صبى واخترنا له اسم جيريمي. كان اسمه جيريمي“.

انهارت من جديد ووضعت النسوة الجالسات بجانبها أيديهن على كتفيها . لقد وُلد ميتًا“.

شعرت فى داخلى بالرعب والاشمئزاز يتصارع كل منهما مع الآخر. فالواقع أن الرعب من مأساة الطفل المولود ميتًا جعلتنى أرتد مذعورة خوفًا من أن يحدث لى ذلك في يوم من الأيام، أما الاشمئزاز فكان من الفجاجة التي عرضت بها تلك المرأة مشاكلها. تسألون لماذا لم يحركني حزنها؟ ربما لأننى كنت مهددة أيضًا وكان لابد أن انأى بنفسى عنها .

لكني رأيت كم كانت عاقدة العزم على أن تسيطر على المجموعة, حتى قبل أن يبدأ اللقاء. كانت تقاطع الحاضرات, وكانت تتحدث بصوت أعلى من أى أحد غيرها، وكانت تحتل نصف الأريكة. أنها لم تعجبني من أول لحظة. والآن أشعر بأنها تحاول التأثير علىَّ كي أتعاطف معها . حملقت في تلك البثرة الكبيرة إلى حد ما على أنفها . من الواضح أنها فازت بجائزة المجموعة الخاصة بالأسوأ حظًا” . لا بأس, أظن أنها كانت تستحق القدر الكبير من الحزن والحداد والغضب؛ ولكن ليس هنا، وليس الآن . فاللقاء كان مقدرًا له أن يستمر ساعتين ، وها هي تلك المرأة تأخذ نصف ساعة تقريبًا. حتى هي المآسى لها الآداب الخاصة بها .

استرسلت أم جيريمى فى الكلام، فقالت: “أنا الآن في دورتي الثالثة والأخيرة للـ ت. م (تقصد التخصيب المعملي). جعلتنى الطريقة التى قالت بها تلك المرأة ذلك أشعر أنه ليس لديها الوقت أو الصبر كي تنطق المصطلحات الطبية الطويلة، وعادت لتقول: “هذا هو السبب. بسبب سنى اتجهت مباشرة إلى ت . م . وحتى الآن ليست بويضاتي من نوعية جيدة جدًا.

ضاق صدرى وشعرت بالغثيان. فقد جئت إلى هذه المجموعة لتخفيف متاعبى . وخلال شهر أو نحو ذلك سوف أجرى أول دورة للتخصيب المعملي، فأنا الآن في التاسعة والثلاثين وأشك فى احتمالات حدوث الحمل, وأخاف من الحقن, وأشعر بالقلق من التقلبات المزاجية الناجمة عن الهرمونات. منذ خمس سنوات كان زوجي يعالج بالإشعاع من سرطان البروستاتا. وقد قتل الإشعاع السرطان ولكنه جعل زوجى عقيمًا؛ وها نحن نسعى إلى أن أحمل من خلال بنك الحيوانات المنوية. ومع أن السرطان قد قُضى عليه فإنه يظل باستمرار يحوم على حافة حياتنا.

لكن الليلة، ومقارنة بمأساة الجنين الميت الخاصة بتلك المرأة, تبدو محنتى أقل حجمًا وغير ذات أهمية.

كما أنه ليس لدى الليلة مكان فى قلبى الصغير للحكايات المأساوية التي تلت ذلك. ذلك أنه بينما كان الدور يلف على الجالسات فى الدائرة سمعت عن المبيضين اللذين انفجرا ، والأنابيب التى تمزقت والورم الليفي الرحمى الذي ينمو بسرعة . فالمرأة التى جاءت من نيوهامبشاير, حيث لا يقدم التأمين أية تغطية قد باعت منزلها لتمويل ما لم يكن حتى الآن سوى علاج فاشل للخصوبة، وظلت امرأة أخرى تنزف لمدة مائة يوم. كان من الواضح أن كل حادث من الحوادث المؤسفة التي يمكن تخيلها, وتقول الكتب أنها تقع لنسبة صغيرة من النساء، قد وقع لواحدة ممن كن فى الغرفة. ليست هذه هي المجموعة التي أريد الانضمام إليها. كما أنها لا تتسم بالتناسب والانسجام . فأنا في بداية رحلتى مع العقم بينما الكثير من أولئك النساء يستعد للتقاعد.

أفكر مرة أخرى فى سارة. فعندما سمعت نبوءة أنه سيكون لها ولد بعد عام، أخذت تضحك. ولم لا وهى امرأة في التسعين من عمرها، ويقول كتاب التوراة أن دورتها الشهرية كانت قد توقفت منذ زمن بعيد . لقد استاء الرب يهوه من ضحكة سارة واتهمها بالشك في قدراته, ولكني سعيدة أيما سعادة بتلك الضحكة, فهى تخبرني بأن سارة قطعت شوطًا طويلاً جدًا في الحزن حتى باتت لا تجد منه نفعًا . لقد صارت عجوزًا حكيمة يمكن أن تسخر من نفسها . فتلك ضحكة حديثة ملؤها التمرد النسائى والشك الوجودى . وهي بسخريتها مما هو محال تمارس حرية من هو خارج الموضوع.. أنها تضحك فَرحَةً فهى سوف تلد إسحاق في سن الحادية والتسعين.

الليلة في هذا اللقاء، ليست هناك روح الدعابة التي قد تدعمنا. إذ لا تسمو امرأة بنفسها فوق المصيبة, ولو للحظة كى تنكت على استعباد أرحامنا أو على تلك المغامرات المعقدة التى تجرى خارج الأجسام كي تلتحم البويضة والحيوان المنوى . ولا يتحدث أحد عن التبنى.

مع اقتراب الجلسة من نهايتها شرحت الأخصائية الاجتماعية القواعد الخاصة بإعلان الحمل. فإذا تم الحمل, من المفترض أن نتصل بها قبل الاجتماع الأسبوعي، وسوف تستدعى هى أفراد المجموعة كي تتيح لكل واحدة منهن الفرصة كى تعبر عن رد فعلها تجاه هذا الخبر سرًا . وأنا أتفهم كيف يكون المرء حساسًا تجاه مشاعر الآخرين. وقد شعرت أنا نفسى بالحسد تجاه حالة حمل بعض من أعرفهن, ولكني صدمت فكم هو سخيف ومثير للسخرية أن يكون حمل واحدة من مجموعة من النساء العاقرات هو الأشد وطأة على باقي المجموعة. فى تلك الغرفة التى يشتد فيها الحزن فكرت في سارة وقررت تجربة ضحكة صغيرة. استدارت النسوة الأخريات ناحيتى بوجوه طويلة متجهمة . سمعت ضحكتى وهى ترتد من على الحائط الذي طُلى حديثًا خشنةً وفي غير أوانها .

ربما كان أشد ما يقلقني بشأن مجموعة دعم العقم هو أن الأطفال الموضوع الذي يثير العاطفة الجياشة قد جرى تحاشيهم باعتبارهم موضوعًا مؤلمًا . وبدلاً من ذلك جرى تقبل مصائب أعظم وأعظم باعتبارها أمرًا واقعًا . وإنى أتساءل كيف يمكن للمرء أن يحزن دون أن يفقد الاتصال مع المباهج التى ما زالت الحياة تقدمها ؟

كان ينتظرنى خارج غرفة المعيشة تلك المؤثثة تأثيثًا رائعًا وانيقًا مساء صيفى على قدر كبير من الاعتدال حيث كان الهواء أشبه بطبقة ثانية من الجلد أكثر رقة . أود أن يلمسنى الهواء . أريد ذلك الهواء بين ثديي, قريبًا من المكان الذي قد يكون فيه اللبن.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات