طريق للعشق والنجاح “أسطورة روز اليوسف”
الإرادة ترى هل للزهور إرادة؟ كانت زهرة، هكذا أطلق عليها وأصبح اسمها روزا بدلاً من فاطمة، ورغم أن من أطلق عليها هذا الاسم لم يكن يعلم ما ينتظرها لكنه كان صادقًا فقد أطلق عليها هذا الاسم، وهي لم تتعد السنوات الأولى من عمرها، ولدت يتيمة الأم وفقدت الأب وهي طفلة لم تتعد الخامسة من عمرها، وتركت مع مربيتها بين أسرة فقيرة عاملتها بقسوة وحاولت التخلص منها بتركها في رعاية صديق لها هريت منه روز إلى الإسكندرية… هذه المقدمة كانت تعني للوهلة الأولى ضياعًا أكيدًا وسط ظلام بلد لا تعرف فيه أحدًا ولا تمتلك شيئًا على الإطلاق.. هكذا دائمًا تكون بداية الأساطير، كثير من الظلام يصبغه التحدي ببريق من الأمل.. هكذا كانت روز التي حملت جمال الزهور وشوكها، واستعانت بهما معًا لتخرج إلى الحياة.
في فيلم ” أسطورة روز اليوسف” يحكي لنا سيرتها عدد ممن أحاطوا بها.. ابنتها أمال طليمات وابنها محمد عبد القدوس، وصديقتها مديحة عزت – وغيرهم يحكون حكاية عنها منذ مولدها إلى أن ماتت وهم يتنقلون في الحكاية، بين محطات أو مراحل أشبه بفصول الكتاب تبدأ بنشأتها الأولى، ثم ظهورها على خشبة المسرح، ثم إنشاء مجلة روز اليوسف، ملامح شخصيتها ، وحياتها الشخصية وفي النهاية موتها، وهم في كل محطة من هذه المحطات يتوقفون طويلاً أمام تحديها للظروف، وإصرارها على النجاح، فهي في المسرح تنتقل بتمثيل دور الجدة، ولم تتعد الحادية عشرة من عمرها، وتواصل المشوار حتى تصبح إحدى رائدات المسرح التعبيري مع عزيز عيد، بعد أن كان المسرح بلاغيًا معتمدًا على الخطابة وتتألق شهرتها، حتى أن الممثلة العالمية سارة برنار ذهبت لمشاهدة عرض من عروض روز المسرحية، ولم تعتزل الفن بسبب الشيخوخة أو الضعف بل تقرر ترك المسرح لخوض ميدان الكلمة المكتوبة ونجحت فهي امرأة يخشاها الفشل ذاته.
روزا تتحدى باسمها:
لأنها كانت متحدية شديدة العناد، اختارت أن تكون المجلة باسمها في زمن لا يعترف باسم النساء.. واختارت أن تكون المجلة فنية في زمن يتعامل فيه المجتمع مع الممثلين والفنانين باعتبارهم وصمة اجتماعية، وهي بداية أيضًا توحي بالفشل ومع ذلك تستطيع هذه السيدة انتزاع النجاح من بين براثن الظروف، وتتطور المجلة وتأخذ بعدًا سياسيًا بتولي العقاد لرئاسة تحريرها، ورغم أن رئيس تحريرها كان وفديًا فقد ملكت روزا الجرأة لتحدي زعماء الوفد، وانتقادهم وانتقاد الحكومة، فانتصرت بذلك سلطة الكلمة وانحازت لمصالح الشعب المصري، ومن مظاهر المقاومة التي ركز عليها الفيلم تحديها المصادرة المتتابعة للمجلة وإعادة إصدارها بعد كل مصادرة لها: العقلية الديمقراطية لروز اليوسف، وإتاحة الفرصة للرأي الآخر حتى لو كان هجومًا على ابنها ورئيس تحرير مجلتها إحسان عبد القدوس، فتمتع ابنتها من مصادرة أحد المقالات التي تكتبها وتتحدى الرد عليها إن كان يمتلك ردًا.. كل هذه التفاصيل وأكثر كثيرًا جاءت في الفيلم: حتى يصل إلى محطتها الأخيرة في الحياة، والتي يقف عندها حفيدها محمد عبد القدوس: داخل دار السينما…. ما استأذنت من الموت كما قال حفيدها محمد عبد القدوس لتستعد له، فخرجت من السينما ورکبت تاكسيًا، ولم تسمح للموت بالاقتراب منها إلا بعد أن خلعت ملابسها واستلقت على فراشها هادئة.. ساعتها فقط سمحت له أن يأتي كما يليق بها.
وقد استطاع المخرج محمد كامل القليوبي أن يقدم فيلمه بشكل إيحائي، استعان فيه بعديد ممن عاصروا روزا وتتلمذوا على يديها، وقد انتقل برشاقة شديدة بينهم.. فلم يشعر المتفرج بالملل.. إلى جانب هذا استخدامه للصور والموسيقى مما أتاح لعين المشاركة في التفاعل الوجداني مع هذه الشخصية الرائدة، لنا في النهاية أن نشكر أفلام مصر العالمية على مشروعها الرائع عن الرائدات، والذي يتبنى تعريف أجيال جديدة بكفاح وخطوات نجاح عديد ممن أناروا المجتمع المصري والعربي بأعمالهم.
