طوعنة النسوية

التصنيفات: التحالفات, الحركات
الشركاء: اختيار

طوعنة النسوية

ميسون النجومي

في الكاتبة الكندية ناومي كلاين كتابها الأخير هذا يغير كل شيء1 تحدثت عن ضرورة خلق: حركة الحركات. ما عنته بذلك أنه لا بد أن تنوجد حركة تضم كافة الحركات, ليس مجرد وعاء كبير. لكن أن تدرك كل حركة عدالة اجتماعية / سياسية / اقتصادية / بيئية حياتها في وجود الحركات الأخرى. على وجه الخصوص الحركة النسوية. في فصل من فصول الكتاب تؤرخ ناومي كلاين لحركة مناصرة البيئة التي صعدت في بداية الستينات والسبعينات معضدة باهتمام من قطاعات مختلفة من الناشطين: علماء مع محامين مع سياسيين، ثم اضمحلالها نحو منظمات طوعية ذات حملات متخصصة وتسرد كيف أدت تلك الخصخصة إلى أخطاء فادحة وقعت فيها حركة مناصرة البيئة. ثم إعادة إحياء الحركة من جديد عبر جيل جديد من الشباب وعبر تفاقم الأزمة البيئية التي أدت إلى تعاضدات غير متوقعة بين ناشطي حركة البيئة ونقابات العمال ومناهضي العولمة وحركات التغيير الاجتماعي وقبائل السكان الأصليين حول العالم والمجموعات المهمشة. وفي الكتاب تحكي عن ناشط تحدث في محاضرتها قائلاً: في قبالة رأسمالية الكارثة نحن الآن بحاجة إلى تعاضدية الكارثية.

حيث تتعاضد الحركات مع بعضها البعض في مواجهة رأسمال الكارثة؛ يعيدني ذلك إلى مقال للكاتبة الهندية أرونداتي روي2 حذرت فيه من ما أسمته طوعنة النسويةولها من قبل مقال حذرت فيه أيضًا من طوعنة النضال” . والمفهومان لا ينفصلان عن بعضهما البعض. ما تقصده أرونداتي بطوعنة النضالأو NGO-isation of resistance

هو تلك في هو تلك الحالة التي حدثت جراء اضمحلال الدور الفاعل للدولة في الصرف على الخدمات الأساسية والقضايا الأساسية لمواطنيها بسبب الانفتاح الرأسمالي الذي أدى بدوره إلى تمدد منظمات العمل الطوعي في تلك المساحات التي انكمشت عنها الدولة، مع الفارق أن قدرة المنظمات ضئيلة مقارنة بعزم وإمكانيات الدولة كما أن هذه المنظمات مقيدة في غالب الأحيان بشروط الداعمين والممولين, وقوانين العمل الطوعي في البلد المعين. فما يفعله العمل الطوعي في الحقيقة أنه يعطي إيحاءبمعالجة القضايا الملحة، أشبه بمخدر للوعي وللسخط الشعبي المحتمل والدي كان بوسعه معالجة هذه القضايا بشكل جذري ، ولعل أكثر الأمثلة المثيرة للجدل التي ضربتها أرونداني روي هو تبني منظمات ضخمة كروكفيلر لحركة الحقوق المدنية بعد نجاحها، وقد أدى ذلك إلى تراجع الحركة عن مطالبها الأكثر راديكالية. على ذات السياق تتحدث عن النسوية: “الحركة النسوية التحررية في الهند وكذلك حركة المنبوذينقد أضحت مطوعنة بشدة. الكثير من هذه المنظمات قد أنجزت عملاً مقدرًا في الجندر، الجنس وعاملات الجنس, الهوية الجنسية والمثلية، في الصحة، الإيدز وكل هذه الأشياء وطالما أن عملهم هذا لا يسائل الأسس الاقتصادية للإمبراطورية النيوليبرالية الجديدة، سيستمر الدعم المالي لهذه المنظمات.

لذا ترون؟ الناس الذين يصفون بأنهم نسويونرسميون ، والمجموعات النسوية الرسمية ستظل بعيدة كل البعد عن قضايا نسوية راديكالية كالنزوح، حيث المرأة هي الأكثر تضررًا ومعاناة. لماذا لا نجد هذه المنظمات عند اعتصام النارمادا (اعتصام ضد بناء سد يغرق أراضي المزارعين) أو في تشاتيسورت (حيث تشن الحكومة حربًا على السكان الأصليين لإخلائهم عن أراضيهم لصالح شركات التعدين) ؟ لأن تمويل المنظمات الطوعية لا يسمح لمثل هذه الأشياء أن تكون ضمن أجندة عملها.

والآن في هذه المرحلة التي تمر فيها الرأسمالية بأزمة حقيقية ، هذا الوقت يتطلب من اليسار أن يصنع خيالاً جديدًا ومرنًا وأكثر شمولاً“.

لكني من جانب آخر أرى أن المنظمات والجمعيات النسوية السودانية قد نجت إلى حد ما من عملية الطوعنة التي تتحدث عنها أرونداتي. إذ أن الربط بين ما يعرف بأنه قضايا نسوية أو قضايا جندر بقضايا الشأن العام كالنزوح والحرب وديمقراطية الحكم وحرية الإعلام والوضع الاقتصادي ونتائج ذلك على المرأة السودانية هو أمر محسوس وملموس، ربما منذ نشوء الحركة النسوية في كنف حركة الاستقلال والحركة الوطنية السودانية، إذ لم يعرف الحراك النسوي ضمن مؤسسات أهلية أو حكومية أو جمعيات وطنية. فليس من الغريب أن جامعة الأحفاد3 في فعالياتها حول الختان والعنف ضد المرأة والأمية أنها تستصحب أيضًا قضايا النزوح والتحول الدستوري ونزع السلاح. ليس غريبًا أن تلتفت إحدى القياديات النسوية في تجمع ملاك مشروع الجزيرة السيدة زينب بت الشيخ الأمين4 إلى الصوت المفقود في النقاش الدائر حول المشروع (عمال المشروع المأجورين الذين لا أراضى لهم والذين يعرفون باسم عمال الكمبو وغالبيتهم العظمى من النازحين من مناطق الجفاف والحرب غرب البلاد) – ليس غريبًا أن تكون على رأس المتصدين لقضية سد المناصير هي الراحلة سعاد إبراهيم أحمد إحدى قياديات الحزب الشيوعي منذ ۱۹5۷ وهي من رعيل النسويات الأول في الحركة الوطنية ومن أبرز الداعمات للقضية النوبية في السودان. كما أن المصادمين الأساسيين لقانون الأمن الوطني وقوانين الصحافة هن من النساء, ليس غريبًا أن القيادات النسوية فى المنظمات النسوية يأتين من خلفيات سياسية واقتصادية وإثنية متنوعة وحيوية أكثر من الأحزاب السياسية.

إلا أنه مع تسارع وتيرة الدولة في الآونة الأخيرة في سياسة التخليالاقتصادي تحديدًا، والسياسي والاجتماعي والقانوني والأمني بشكل عام الآونة الأخيرة. أصبحت هناك متطلبات حقيقية وعاجلة تصدت لها منظمات ومبادرات طوعية، كل واحدة منها تتخصص في معالجة حاجة ملحة بعينها وفي معزل عن المشهد العام, هناك تتبدى خطورة الطوعنة, كما تتبدى خطورة التشظي، حيث يصبح إسهام الحركات الأخرى في مثل هذه المبادرات معدومًا.

مثل هذا النقد يجد رفضًا شديدًا من قبل القائمين على المبادرات حيث يرون أنهم هم المتواجدون فعليًا على أرض الواقع يخاطبون الاحتياجات الملحة واليومية، في حين ينكمش المنادون بالنضال في برج التنظير العاجي. وهو رفض مفهوم ولا يجافي جانب الصواب إطلاقًا.

لكن خذ عندك حملة الفحص المبكر للسرطان، ومع تفاقم حالات الإصابة بالسرطان، نشر الوعي هو من الأهمية بمكان والجهود التي تقدمها هذه المبادرات هي ذات أهمية قصوى، وتخاطب حاجة ملحة لدى من تصل إليهن من المهتمين. لكن عد النظر إلى المشهد العام ننظر إلى الفقر الذي تعانيه المراكز الصحية والمستشفيات في تقديم الخدمة العلاجية لمن يحتاجونها، نجد إهمال كبير من الدولة للبنية الصحية العامة، تجد فسادًا مدونًا في تجارة الأدوية المضروبة في السودان. ثم لن تجد صوتًا نسويًا كتلك السيدة الأمريكية التي وقفت احتجاجًا أمام قاعة المؤتمر الذي أعلن فيه المصادقة على مشروع الشراكة الاقتصادية الإستراتيجية العابرة للمحيط الهندي، والتي تضم بندًا يسمح للبلدان الأعضاء فيها باحتكار تصنيع الدواء لمدة تطول حتى سبع سنوات بدعوى تمويل البحث العلمي. حيث سيكون من الصعب على الفقراء حول العالم (والنساء بشكل خاص حيث يقع عليهم عبء تحمل نواتج الفقر الأكبر) من الحصول على العلاج اللازم.

هنا يتبدى تشظي الحركات في المشهد العام. وما يمكن أن تسهم به في معالجة القضايا الملحة بشكل جذري.

ومع تفاقم رأسمالية الكارثة في التوازي مع تفاقم كارثة المناخ (والتي تؤدي بدورها للمزيد من التشرد والنزوح والفقر والجفاف والأوبئة والعبء الأكبر في كل ذلك على عاتق النساء) لا تبدو فكرة سيئة على الإطلاق قيام تعاضدية الكارثة تتشارك فيها الحركات المختلفة على مواجهتها.

مصطلحات

رأسمالية الكارثة Disaster Capitalism

تعاضدية الكارثة Disaster Collectivism

طوعنة النضال NGOization of resistance

طوعنة النسوية NGOization of Feminisn

   

1 هذا يغير كل شيء: الرأسمالية مقابلالمناخ نعومي كلاين 2014

2 Arundhati Roy

3 جامعة سودانية للنساء أهلية تقع في أم درمان، تهتم الجامعة بالتعليم النسوي، وبها مساحة للدراسات النسوية.

4 هي زينب الأمين محمد الأمين، ابنة الشيخ الأمين أحد الملاك البارزين في مشروع الجزيرة وعضو بارز في اتحاداتها، عملت بعد وفاة والدها في فلاحة الأرض وتفرغت لها، عملت في اتحاد الشباب والإتحاد النسائي ما الفترة ما قبل انقلاب ٣٠ يونيو ۱۹۸۹، من المناهضين لقانون مشروع الجزيرة ۲۰۰5 والذي يحدد ملكية أراضي المشروع مما يتيح للدولة ببيع جزء كبير من أراضي المشروع بالإضافة إلى منح تلك الحرية لملاك الأراضي مما يفتت من وحدة المشروع.

شارك:

اصدارات متعلقة

عيد الأم ما بين الاحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
خدمات الصحة الجنسية فيما بعد سن الإنجاب ضرورة لتمكين النساء
ختان الإناث في مصر... جريمة تعذيب ضد الإنسانية
حقوق النساء من اجل العدالة والتنمية
الإيدز خطر صامت يهدد حياة النساء في ظل جائحة كورونا
إشكاليات التقاضى فى جريمة التحرش الجنسي
أسئلة وأجوبة بشأن الوقاية من كوفيد 19 ومكافحتها للعاملين /ات في مجال الرعاية الصحية
الحصاد - عامان على الخلع " دراسة تحليلية "
دليل تدريبي " العنف ضد النساء "
فتحي نجيب والحركة النسائية المصرية وحقوق الانسان