عبء عالٍ لمرض .. وأولوية منخفضة
لقد استغرق الأمر ١٦ عامًا من عمر هذه المجلة كي تبدأ في التركيز على سرطانات الجهاز التناسلي، وليس لدينا عذر في ذلك. وهناك آخرون عديدون في الميدان نفسه وأهملوا أيضًا، دون عذر، لسنوات عديدة هذه القضية المهمة في البلدان النامية، حيث ترتفع معدلات اعتلال صحة الأمهات ووفياتهن وتقل الخدمات المتخصصة. أما في البلدان الغنية بالموارد فتوجد العديد من المستشفيات المتخصصة في مرض السرطان. وقد شهدت العقود القليلة الماضية إجراء قدر ضخم من البحوث حول علاج هذا المرض، بما أدى إلى زيادة كبيرة في معدلات البقاء، وخاصة عند اكتشاف وجود السرطان في فترة مبكرة؛ ومع توفر نوعية جيدة من العلاج وفي الوقت المناسب، من الأدوية والجراحة والعلاج الإشعاعي. لكن العلاج باهظ التكلفة، وتصعب على الغالبية العظمى في البلدان النامية الحصول عليه. وبالتالي، تمر النساء بخبرة الوفاة المصحوبة بآلام شديدة، بل تندر حتى الرعاية المتعلقة بتسكين الألم.
وعلى خلاف ذلك نجد أن من يزعمون دعم الرعاية المتكاملة والشاملة للصحة الجنسية والإنجابية لا يشيرون حتى إلى أمراض السرطان التي تصيب الجهاز التناسلي،{ على الرغم من أن سرطان الثدي لا يرتبط تقنيًا بالصحة الإنجابية، فإنني أتناوله في هذا المقال. فالثدي وظيفته تتمثل في تغذية الأطفال الرضع، وبالتالي فإنني اعتبره جزءاً من الجهاز التناسلي. وعلى أية حال، تصل الإصابة بسرطان الثدي إلى النسب الوبائية؛ ويرجع ذلك تحديدًا إلى تأخير الحمل لدى النساء ولعدد أقل من المرات، كما يحصل الأطفال الرضع على قدر أقل من الرضاعة الطبيعية أو لا يحصلون عليها إطلاقًا. ووفقًا لما تقوله فاليري بيرال، التي قادت دراسة “مليون امرأة“، تقل نسبة إصابة المرأة بسرطان الثدي بمقدار ٧% خطر لكل مولود، وتقل الخطورة بنسبة 4% إضافية لكل سنة رضاعة لطفلها. ومع ذلك ترى بيرال ضرورة تطوير علاج هرموني أو لقاح لمنح مستوى الحماية نفسه للنساء اللاتي لم تكن أسرهن كبيرة الحجم.(1) }. ناهيك عن مجرد التفكير في ذلك. وربما يتطلب الأمر أن يبلغ المرء سناً أكبر، أو حتى الإصابة بالسرطان لملاحظة أن المشكلات الخطيرة في الصحة الجنسية والإنجابية لا تتوقف عندما نتجاوز سن الإنجاب.
High Burden of Disease, low level of Priority
Marge Berer, Reproductive Health Matters: Volume 16, Issue 32, 2008, 4-8
إن الأوراق البحثية التي يضمها هذا العدد حول مرض السرطان تأتي من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا – وهو نطاق جيد، لكن جميع الأوراق تقريبًا تتناول سرطان عنق الرحم. أما سرطان الثدي، فلا تتناوله سوى ورقة بحثية واحدة، ورسالة، وقص – لأربع خبرات شخصية – وهذا لا يكفي. وهناك قص لتاريخ شخصي واحد فقط يتناول سرطان البروستاتا. هذا بالإضافة إلى ورقة بحثية حول لقاح فيروس الورم الحليمي البشري للأولاد وأيضًا للبنات، وهي الورقة البحثية الوحيدة في هذا العدد التي تتناول السرطان لدى الرجال. كما لا توجد أي أوراق بحثية حول سرطان المبيض، وسرطان الرحم أو غيره من سرطانات الجهاز التناسلي الأقل انتشاراً. {في هذا العدد التجميعي. لم تتم ترجمة كل المقالات المشار إليها في هذا المقال، والتى هى افتتاحية العدد ٣٢ نوفمبر ٢٠٠٨. ويمكن الوصول للمقالات غير المترجمة بمراجعة العدد الإنجليزي المشار إليه أو الموقع الالكتروني للمجلة. من جانب آخر أضيفت بعض المقالات من أعداد أخرى، لتفادي القصور الذي تشير إليه هذه الافتتاحية ألا وهو محدودية المقالات عن سرطان الثدى. وسوف تتم كالمعتاد الاشارة إلى أرقام الأعداد الأخرى كل في حينه. (المراجعة)}.
وفي مؤتمر حول سرطان المبيض، عقد في فترة مبكرة هذا العام في لندن، عرفت أن بحثًا مركبا حول علاج سرطان المبيض كان تحت الإعداد، ويتناول قضايا تتراوح من الرسم الجيني إلى التشخيص الجزيئي لخلايا السرطان، واستهداف الورم بعقاقير معدة لشخص بعينه، وإجراء المسح على المبيض باستخدام الموجات فوق الصوتية، ومحاولات تحديد علامات المرض وأعراضه بحيث تعرف النساء متى تسعى لإجراء هذا المسح في فترة مبكرة. وقد كان الحضور الأساسي في المؤتمر للإكلينيكين والباحثين من المستويات المرتفعة في هذه المجالات الجديدة في الطب، بالإضافة إلى ممثلي مجموعات دعم الناجيات من المرض. لكن القاعدة الأعرض من أنصار صحة النساء كانت غائبة بالكامل تقريبًا.
إنني أشعر بالسعادة لأنني تمكنت من نشر الكثير حول سرطان عنق الرحم. إنه أكثر أنواع السرطان انتشارًا لدى النساء في البلدان النامية، مع ارتفاع في معدل الوفيات، على الرغم من كونه أكثر أنواع السرطان قابلية للوقاية والعلاج. ويرجع السبب الرئيسي في الاهتمام الحالي بسرطان عنق الرحم إلى أعمال البحث والتطوير التي بدأت في الولايات المتحدة خلال السنوات العشر الماضية أو أكثر لإيجاد تقنيات أبسط للمسوحات الخاصة بعنق الرحم لكي تحل محل تقنية مسحة عنق الرحم. ومؤخرًا، تمكنت شركتان للأدوية من التوصل إلى لقاحات تحمي من انتقال عدوى نوع مرتفع الخطورة من أنواع فيروس الورم الحليمي البشري، وهو العامل الأساسي الذي يتسبب في ٧٠% من حالات الإصابة بسرطان عنق الرحم. وعلى الرغم من أن أعمال البحث والتطوير باهظة التكلفة فإنها لا تزال مستمرة، ولم توجه تقريبًا أي أموال أو موارد ذات ثقل لصالح تطبيق أي شكل من أشكال المسح. ناهيك عن العلاج المبكر لسرطان عنق الرحم أو المراحل السابقة له في البلدان الأكثر احتياجًا. وهو ما يُعد شكلاً آخر من أشكال الإهمال، دون عذر مقبول. أما كيف يمكن أن يتغير هذا الوضع بسرعة مع وجود تلك اللقاحات وتقنيات الفحص البصري، فهو أمر لا نزال في انتظار معرفته.
إن الصورة التي تبرز من خلال مقالات هذا العدد من المجلة تتمثل في سوء تناول أغلب البلدان النامية لسرطانات الجهاز التناسلي، هذا إن فعلت هذه البلدان أي شيء إزاءه على الإطلاق. وحتى في المملكة المتحدة، كما سمعت في المؤتمر الخاص بسرطان المبيض، كان هناك تجاهل لمرض السرطان قبل عام ۱۹۹٥.ولم يكن التشخيص يتم غالبًا إلا في مرحلة المرض المتقدمة، كما كانت معدلات البقاء على قيد الحياة منخفضة على أن الاستراتيجيات الوطنية، والتي لم تتطور إلا في أعوام ۱۹۹5 و ۲۰۰۰ و ۲۰۰۷، قد غيرت الصورة إلى درجة كبيرة. لكن البلدان منخفضة الموارد تأخرت كثيرًا في هذا السياق. وتوجه الأوراق البحثية التي يضمها هذا العدد من المجلة اتهامًا صارخًا بعدم المساواة بين البلدان الغنية وغير الغنية في ما يتعلق بالاهتمام بمرض السرطان، إن الأوراق البحثية الخمس الخاصة بالنجاة من السرطان، والتي يشتمل عليها هذا العدد من المجلة، تصف درجة عالية الكفاءة من التشخيص والعلاج من المرض الذي حصل عليه أولئك الناجون والناجيات. ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة وأستراليا، وإنما أيضًا في المكسيك والبرازيل. وهناك من ناحية أخرى تاريخ نساء جنوب أفريقيا مع مرض سرطان عنق الرحم في مراحله المتقدمة، حيث أدى الخوف حتى من ذكر أعراضه الأساسية – أي النزف المهبلي – إلى عدم شك القائمات على تقديم الخدمة اللاتي شاهدن هؤلاء النسوة في إصابتهن بمرض السرطان، وبالتالي عدم إجراء المسوح لهن على عنق الرحم على الرغم من تدريب القائمات على تقديم الخدمة على ذلك وعلى الرغم من أن معدلات انتشار المرض مرتفعة. لقد تكررت حالات التشخيص غير الصحيحة، حتى مع عودة النساء ثانية عدة مرات، مما أدى إلى التأخير المفرط ليس فقط في التشخيص السليم وإنما أيضا في التحويل للعلاج وفي بدء العلاج. وكما هي الحال بالنسبة لوفيات الأمهات، يُفضي مرض السرطان بقسوة ودون ضرورة إلى قصر طول حياة المرأة.
لا نجاح للتكنولوجيا بدون النظم الصحية والعاملين الصحيين
هناك ثراء كبير مفاجيء في الخيارات المتاحة من أساليب الوقاية وإجراء المسوحات المتعلقة بسرطان عنق الرحم. إن اللقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري يمكن أن يمنع نقل هذا الفيروس بحيث لا تنشأ التشوهات الخلوية أو السرطان في عنق الرحم على الإطلاق. وقد ظهر أن الفحص البصري للرحم بحمض الخليك أكثر نجاحًا من مسحة عنق الرحم في بعض البيئات ذات الموارد المنخفضة. عند التحري عن مرحلة ما قبل الإصابة بالسرطان (ويرجع ذلك أساسًا إلى سوء طريقة أخذ مسحة عنق الرحم وقراءتها، وليس بسبب ضعف التقنية نفسها). لقد بدأ كثيرون في دراسة اختبار الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي وأخذه في الحسبان باعتباره أفضل وأيسر وسيلة للمسح. وإذا أُجري بشكل شامل، فإنه يمكن أن يقلص حاجة أغلب النساء إلى إجراء مسوحات أخرى، وعندئذ يمكن تركيز الموارد على النساء اللاتي تأتي نتيجة اختباراتهن موجبة بالنسبة للأشكال عالية الخطورة من فيروس الورم الحليمي البشري. إن كلاً من اختبار الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي البشري والفحص البصري للرحم بحمض الخليك يمكن أن تقوم به ممرضات مدربات، على الرغم من أن اختبار الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي البشري يتطلب قراءة معملية للنتائج. كما أن العلاج بالتبريد، باعتباره خط العلاج الأول لمرحلة ما قبل الإصابة بأضرار لسرطان، يمكن أيضًا أن تقوم به الممرضات المدربات؛ هذا، ل كانت هناك ممرضات، وإن كانت توجد أدوات، وإن كانت الممرضات مدربات، وإن كانت العيادات والمستشفيات اللاتي يحتجن إليها في عملهن تعمل بالفعل.
ولكن أين الأموال، وأين هي النظم الصحية القادرة على تطوير برامج ذات أجور مرتفعة للعاملين فيها. ويالها من سخرية… أن تكون اختبارات الحمض النووي لفيروس الورم الحليمي البشري باهظة التكلفة بالنسبة لتلك البلدان التي تحتاجها بشدة؛ وهي البلدان التي من المفترض أن تطوير هذه الاختبارات قد تم من أجلها في المقام الأول. هل مطلوب منا أن ننتظر في صبر حتى تنخفض تكلفة اللقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري إلى ٤٥ دولارًا بدلاً من مئات الدولارات التي تمثل التكلفة الحالية؟ هذا فظيع. حتى المملكة المتحدة غير راغبة في دفع النقود اللازمة من أجل اللقاح رباعي التكافؤ ضد فيروس الورم الحليمي البشري، وهو اللقاح الذي يحمي من البثور التناسلية، فضلاً عن فيروس الورم الحليمي البشري. كيف يمكن إذن أن نتوقع أن تجد البلدان الفقيرة الأموال اللازمة؟
هل يجب أن نواجه المعارك نفسها مع شركات الأدوية الغربية التي تلهث وراء الربح؛ حول كل عقار أخير أو جهاز أخير يتسم بالأهمية للصحة العامة؟ أين منظمة الصحة العالمية التي يجب أن تطالب، باسم حكوماتها الأعضاء، بخفض أسعار الأدوية بدرجة كافية تتيح تيسر النفاذ إليها عالميًا؟
وهناك أمر آخر غير طبيعي يتمثل في كيفية الترويج للقاح ضد فيروس الورم الحليمي البشري. لماذا لم يتم إجراء اختبارات أمان وفاعلية اللقاح على الأولاد في الوقت نفسه الذي أُجريت فيه على البنات؟ ولماذا لا توجد خطط لتطعيم الأولاد ضد فيروس الورم الحليمي البشري؟ ألا ينقل الرجال الفيروس من خلال ممارسة الجنس؟ وبالتأكيد يجب أن نتجاوز ضيق أفق التصورات المتعلقة بالنوع الاجتماعي والشئون الجنسية التي تضع جميع أعباء حماية الصحة الجنسية على الفتيات والنساء. وهذه هي الحقائق: يصاب الرجال وأيضًا النساء بفيروس الورم الحليمي البشري. ويمكن أن ينقله الرجال من خلال الجنس إلى النساء وإلى رجال آخرين أيضًا. ويصاب الرجال، وليس النساء فحسب. بالسرطان المقترن بفيروس الورم الحليمي البشري في الأعضاء التناسلية وفتحة الشرج. وبالتالي،ألا ينبغي تحصين الأولاد في الوقت نفسه مع تحصين البنات قبل بدء الممارسة الجنسية؟ تشير بعض البيانات إلى أن معدلات السرطان الشرجي لدى الرجال الذين يمارسون الجنس مع رجال يمكن أن تتجاوز معدلات إصابة النساء بسرطان عنق الرحم، وأن الوقاية من السرطان الشرجي أكثر من سرطان عنق الرحم يجب أن تتم من خلال التحصين ضد فيروس الورم الحليمي البشري (2) وهو ما يمثل بالتأكيد جزءًا صغيرًا من المعلومات المعروفة.
إن الأوراق البحثية، الواردة في هذا العدد من المجلة، حول بحوث العمليات لاختبار برامج الفحص البصري للرحم بحمض الخليك في تايلاند وغانا، وفي بنجلاديش، بالإضافة إلى ورقة من جنوب أفريقيا حول أسباب عدم نجاح برامجها في مجال سرطان عنق الرحم، توضح أن غياب القيادة وخدمات صحية قومية، وموارد وأدوات، وتدريب كاف وطاقم ماهر، ونظم راسخة للاتصال وإعادة الاتصال، وروابط مغلقة بين المسوحات والعلاج؛ سوف يؤدي إلى عدم وصول العلاج – حتى الفحص البصري البسيط للرحم بحمض الخليك وما يتبعه من علاج بالتبريد – إلى عددٍ كافٍ من النساء بما يساعد على تقليص عبء مرض سرطان عنق الرحم الذي تعاني منه كثير من النساء في البلدان الفقيرة اليوم.
السرطان: مستويات وبائية
تصل معدلات الإصابة بسرطان عنق الرحم إلى نسب وبائية عالمية في جميع البلدان النامية. كما تصل معدلات الإصابة بسرطان الثدي إلى نسب وبائية أيضًا، ليس فقط في البلدان الغنية وإنما أيضاً وبشكل متزايد في البلدان متوسطة الدخل، حيث بدأت تلك البلدان في تحقيق ما تطلق عليه القوى الغربية نموًا. واليوم، تقع ٥٥% من وفيا سرطان الثدي في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. وقد زادت المعدلات في اليابان وسنغافورة وكوريا بمقدار الضعف أو ثلاثة أضعاف في السنوات الأربعين الماضية، على سبيل المثال، بينما زادت المعدلات في أفريقيا بمقدار الضعف. (3)
تدعو إحدى الأوراق البحثية في هذا العدد من المجلة إلى زيادة الاهتمام بهذه الأوبئة بمثل الاهتمام بوباء فيروس نقص المناعة البشرية / الإيدز. ولكن، أين الحركة النسائية الصحية الدولية التي يمكن أن تناظر حركة إتاحة العلاج لفيروس نقص المناعة البشرية، رفع وعي النساء، وتنظيمهن في الشوارع وفي البرلمان للمطالبة بالموارد اللازمة للوقاية والعلاج من السرطان؟ إننا منهكات بدرجة كبيرة كقوة سياسية. هناك مطبوعات ومؤتمرات واجتماعات نسمع عنها، لكننا – في أغلب الأماكن – عندما ننظم أنفسنا للعمل والتغيير، نجد أننا قلة قليلة.
تتسم نظم الاستدعاء وإعادة الاستدعاء، بالأهمية بالنسبة لإجراء المسوح لمريضات سرطان الثدي وسرطان عنق الرحم، ويمكن التوصية بها لمسوحات سرطان البروستاتا أيضًا إذا أكدت الأبحاث قيمة اختبار مولدات المضادات الخاصة في البروستاتا. كم من البلدان التي تحاول إدخال المعاينة البصرية باستعمال حمض الخليك والعلاج بالتبريد، أو الأشعة المقطعية على الندي، أو حتي مجرد اختبارات الثدي الإكلينيكية، قد حددت كيفية عمل هذه النظم في الظروف السائدة في بلدانهم؟ إن الأوراق البحثية المنشورة فى هذا العدد من المجلة بالكاد ما تشير إلى ذلك، هذا إن أشارت إليه على الإطلاق. ومع ذلك تحتاج المسوحات إلى هذه النظم عندما توجد مستويات وبائية من الإصابة بالسرطان. ففي أفريقيا جنوب الصحراء، على سبيل المثال، والتي تفتقر إلى أدوات التشخيص وبرامج وطنية للوقاية، تُجري ٥٠% فقط من النساء المسح لسرطان عنق الرحم بصفة دورية (4) ومن الضروري زيادة هذا المعدل إلى70% على الأقل حتى يؤثر تأثيرًا رئيسيًا على المرض.
لا يمكننا انتظار ذهاب النساء بأنفسهن لإجراء المسح، أو إجراؤه لهن فقط إذا حضرن للحصول على نوع آخر من الرعاية الصحية – وهو ما تفعله أغلب البلدان النامية التي لا تهتم على الإطلاق بإجراء المسح للنساء. ولا يمكننا حتى تبديد الموارد على إجراء مسح للنساء الشابات. إن النساء اللاتي تزيد أعمارهن على ٣٥ سنة هن من يحتجن إلى إجراء المسح على عنق الرحم، والنساء اللاتي تزيد أعمارهن على ٥٠ سنة هن من يحتجن إلى إجراء المسح على الثدي. هناك ضرورة لوجود بيانات خاصة بالوباء في كل بلد لتحديد النساء المستهدفات والتوفيق بين تخصيص الموارد وعبء المرض. ويجب تعريف النساء لماذا يجب أن يأتين لإجراء المسح ، كما يجب دعوتهن على أساس جدول ثابت للمواعيد. ويجب أيضًا أن يؤمن العاملون في مجال الصحة حضور النساء بالفعل، فالدعوات وحدها لا تكفي. وبعد إجراء المسح يجب ضمان حصول النساء على العلاج حسبما تتطلب كل حالة، ثم يرجعن مرة أخرى للمتابعة والمسح بعد سنة. إنه نظام معقد؛ إذ يحتاج إلى مواظبة وإشراف وتحسينات دورية.
الوقاية، والمسوحات، والعلاج
إن معرفة العوامل السببية لسرطان بعينه يمكن أن تحقق فارقًا. وبغير ذلك تصبح الوقاية أكثر صعوبة، إن لم تكن مستحيلة. وعلى سبيل المثال، أدى ارتفاع مستويات استخدام العلاج الهرموني البديل – على مدار فترة امتدت لعشر سنوات في المملكة المتحدة – إلى زيادة أعداد النساء المصابات بسرطان الثدي بمقدار 20.000(5).كما تؤدي أيضًا السمنة وتعاطي الكحوليات إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي. إن معرفة هذه الأشياء يعطي النساء درجة من السيطرة على هذه المخاطر وطريقة لتقليصها. وعلى الرغم من أن السرطان مرض مرتبط بالتقدم في السن، فإننا لسنا عاجزين تماماً عن مواجهته.
وعلاوة على ذلك، في ظل وجود المسوح الفاعلة، يمكننا الكشف عن الإصابة بالمرض في بدايته مما يعطي فرصة أكبر للنجاة. لكن المسألة الأساسية عند حدوث الإصابة بالسرطان، تتمثل في تيسر النفاذ إلى العلاج الفعال دون إبطاء. وكما هي الحال مع الأمراض الأخرى التي تهدد الحياة، يمثل تحقيق التوازن بين الوقاية والمسح والعلاج أهمية كبيرة. لقد تقدم علاج سرطان الثدي خطوات رئيسية للأمام خلال السنوات العشر الماضية. وبينما لا تزال معدلات الإصابة بسرطان الثدي في ارتفاع، نجد أن معدل الوفيات ينخفض في جميع البلدان التي توفر إجراء المسوحات على الثدي والعلاج الجيد، فضلاً عن وجود غطاء التأمين الصحي أو نظام الصحة العام. أما عن سرطان عنق الرحم، فقد نالت إمكانات تقليص الوفيات الناجمة عنه إلى مستويات منخفضة دفعة رئيسية مع حلول التكنولوجيا الجديدة المناسبة للبيئات منخفضة الموارد، لكنها ستظل إمكانية إلى حين النجاح في تقوية النظم الصحية في البلدان الأكثر إصابة بالمرض بما يجعل في مقدورها استخدام التكنولوجيا الجديدة.
هناك العديد من المجلات الطبية المتخصصة التي تغطي جميع أشكال مرض السرطان. لكن الأوراق البحثية التي يضمها هذا العدد من المجلة ليست طبية من حيث بؤرة تركيزها، بل تدور في مجملها تقريبًا حول: قضايا المساواة، والقضايا البرنامجية، وقضايا نظم الصحة، والوقاية والعلاج، والخبرة الشخصية. كما توضح بأقوى طريقة ممكنة، أهمية تيسير نفاذ جميع النساء المصابات بمرض السرطان إلى الرعاية، سواء أفقر النساء في العالم أو أكثرهن ثراء.
1. Boseley S. How 18th century nuns held clue to possible breast cancer cure. Guardian (UK), 6 October
2008.
2. Parkin DM, Bray F. The burden of HPV-related cancers. Vaccine 2006; 24 (Suppl 3):S11–25. Quoted
in: English P. Human papillomavirus vaccination: glimpse into the black box of human papillomavirus
vaccination. BMJ 2008; 337:a1046.
3. Porter P. “Westernizing” women’s risks? Breast cancer in lower-income countries. New England Journal
of Medicine 2008; 358(3):213–16.
4. Cervical cancer vaults to WHO priority list. Irin News, 22 September 2008.
5. Valerie Beral, ovarian cancer conference, A