“قيل لي دائمًا أننا نتحكم بالنظام، ولكن ما الذي يمنع النظام من التحكم فينا؟ نحن المتعايشون (عن طريق التكافل وتبادل المنفعة). في القريب العاجل, ربما سيكون من المستحيل أن نعرف أين تنتهي البشرية وتبدأ الآلات“
مورين ماكهاج Maureern McHugh ،
من رواية زانج جبل الصين China Mountain Zhang
تعد التطورات التكنولوجية في الثقافة الإنسانية وتاريخ البشرية “قصة عن جسم الإنسان“. بدءاً من اكتشاف القدرة على التحكم في النار واستخدام الحجر كمطارق وانتهاءً بالإلكترونيات، فقد أقام الإنسان على مر التاريخ علاقة معقدة مع التكنولوجيا. نحن (نحن؟), البشر أصبحنا – كما اقترح الاقتباس الافتتاحي – متعايشون مع التكنولوجيا والآلات. نحن (نحن؟), أقمنا علاقات تفاعلية وثيقة وطويلة المدى مع التطورات التكنولوجية, ولكن ما هو نوع التعايش في هذه العلاقة؟ على مر آلاف السنين، تم تطوير وتعزيز الجسد البشري, وإعادة تكوينه، وإحيائه، وتطبيعه بواسطة هذه التكنولوجيات, وهذه الآثار إما مفيدة أو غير مرغوبة وفقاً لوجهات النظر. وفي عهد التكنولوجيا هذا, “العصر الرقمي أو المعلوماتي“, نحن (نحن؟)، أصبحنا كائنات من السايبورج Cyborgs – كائنات مسيرة آلياً (سبرانية)؛ “وتم دمج العضوي مع الميكانيكي” – أي خلق مجتمع من السايبورج. وقد أدت هذه التطورات التي تحدد “العصر الرقمي أو المعلوماتي” إلى قيامنا (نحن؟)، بإعداد مفاهيم جديدة للجسم من خلال عدسة السايبورج التي تشوه حدود الإنسان والآلة ليس فقط عن طريق تحدي الحدود الجسدية والآلية ومفهوم الإنسانية بل أيضًا النظام الثنائي الاجتماعي الذي ينظمنا نحن (نحن؟)، ويتحكم فينا نحن (نحن؟).
عدسات السايبورج
حتى ندرك الفهم الجديد للجسد, من الضروري أن نقوم بإعداد إطار نظري التفكيك وفتح الصندوق الأسود أو المواقع المكثفة من السلطة والمعلومات والتكنولوجيات والآلات والأجسام. وتعرف دونا هاراواي Donna Harraway بأنها هي “المبتكرة لنظرية السايبورج Cyborg وقامت بتعليم جيل كامل من الطلبة والمثقفين التفكير من خلال عدسة أو وجهة نظر السايبورج Cyborg حتى يتمكنوا من تشويش ومقاومة الثنائية المدمرة والمقيِّدة. وتستخدم هاراواي نظرية السايبورج لنقد الأفكار التقليدية للنسوية وخاصة تأكيدها على الهوية. وتكمن نظرية السايبورج في الألفة والتقاطع، وتأمل في الانتقال إلى ما وراء الثنائية، ليس فقط المتعلقة بالنوع الاجتماعي ولكن بأي من الثنائيات التي تربط أجسام مختلفة غير متكافئة بآلات. ولكن, كيف يمكن لنموذج السايبورج وقصته الأصلية كمنتج من الواقع الصناعي العسكري أن يحقق هذه النوع من التشويش والتفكيك للأنظمة الثنائية ويقوم ببناء مفاهيم جديدة للجسد؟
يبدأ الأمر بمفهوم السايبورج أو “الكائنات المسيرة آليًا (سبرانية)”؛ هجين من الآلة والكائن، مخلوق من الواقع الاجتماعي ومخلوق من الخيال. الواقع الاجتماعي هو العلاقات الاجتماعية التي نعيشها, البناء السياسي الأكثر أهمية, خيال تغيير العالم ….. السايبورج وتجربة خيالية وحية“. وبالنسبة لهاراواي، فإن السايبورج موقع يتم فيه خلط الكائن والآلة (وغيرها من الثنائيات), مما يظهر الثنائيات الهرمية الوافرة التي تحدد وتوضح هياكل السلطة في عالمنا نحن (نحن؟)، مثل ذكر/ أنثى, الثقافة / الطبيعة, نشط / سلبي، اشتهاء المغاير / اشتهاء المثل, الصواب / الخطأ، الكل / الجزء, الحقيقة / الوهم، الخ. ويقوم نموذج السايبورج بتحدي هذه الثنائيات بطرق معقدة لأنه في نموذج السايبورج “لا يتضح من يصنع ومن يتم صنعه في العلاقات بين الإنسان والآلة. وليس من الواضح ما هو العقل وما هو الجسد“. ويشكل هذا النموذج أساس التطور لتكنولوجيا جديدة: هي عدسات السايبورج – وهي منهجية تشكك في الثنائيات وتحاول الكشف عن زيفها. ووجهة نظرنا نحن (نحن؟), هي في حد ذاتها نوع من التكنولوجيا، لأنها “مبنية ولها موقعها ومحددة – مثل جميع الأجهزة المنتجة للمعني – كما أنها دائمًا ما تكون على علم، ومتأثرة ومحرفة بسبب النوع الاجتماعي، العرق, الوصول إلى المعلومات, السلالة، اللغة، إلخ. وتقدم الأجسام المختلفة وجهات نظر مختلفة ترجع إلى الصورة الذي يتم من خلالها “توصيل الأجسام” إلى الآلات الكبيرة واستخدامها من قبل هذه الآلات الخاصة بالعالم/ الحكومات / الاقتصاد / الأسواق. وكما يقول كارل ماركس Karl Marx فإن بعض الأجسام تكون غريبة وبعيدة كل البعد عن طرق ووسائل الإنتاج (العمل, الأدوات الأرض، الخ) وبالتالي فهي ترى وتفهم العالم من خلال وجهة نظر مختلفة. وبسبب خصوصية وجهات النظر القائمة على السياق، فسوف أقوم بتذكيركم طوال المقال بألا تنسوا التساؤل (؟) بشأن وجهة النظر التي تخبرك كيف تعلم ما تعلمه، وسوف أدفعك إلى قبول واستخدام عدسات السايبورج – تلك التي تستكشف التفاعلات والفجوات والتصادمات بين القطبين الثنائيين. ومن خلال عدسات السايبورج فإن “رقم واحد يعد قليلاً ورقم اثنين يعد كثيراً للغاية“.
ومن خلال الأداة المساعدة ألا وهي عدسات السايبورج، يمكننا نحن (نحن؟), وهي النظر للخلف من زمننا الحالي إلى التفاعلات بين الأداة والإنسان والآلة والإنسان واستكشاف التفاعلات الماضية بين التكنولوجيا وفهمها كعلاقة من علاقات السايبورج. إلا أن ذلك يمكن تحقيقه فقط في “مرحلة الإدراك المتأخر” ولكنه لا زال مهماً، لأنه يشكل الطريقة التي يتم فهم العالم وفك شفرته من خلالها. كما تقوم عدسات السايبورج بوضع مفهوم جديد للعلاقات والتفاعلات مع التكنولوجيا المتعلقة بثقافتنا ذات التكنولوجيا العالية؛ أي علاقتنا (نحن؟) بما نمتلك ( نحن؟) من حواسب آلية وسيارات وأدوات وأحذية وأطراف اصطناعية إلخ. فمثلاً حتى يمكننا أن نصور الكوكب “ككل” فنحن (نحن؟) نحتاج إلى أن نترك الكوكب وننظر إليه من الخارج. “فقد تعلمنا (نحن؟) أن نضع أنفسنا (أنفسنا؟) بدنياً كمراقبين من خارج الأرض ينظرون إلى الوراء على الرحم والمصفوفة على وجه الأرض“، ولكننا لم نتجاوز (نحن؟) أبداً عالمنا ولم نتركه. وتكمن عدسات السايبورج في الفضاء البيني. فهي ليست هنا أو هناك كلية, أسفل أو أعلى تماماً؛ بل إنها كيانات تقوم بتشويش جميع الثنائيات وتتحدى حدودها وقيودها، ولكنها أيضًا تخلقها وتعززها لأن السايبورج يعد “الابن غير الشرعي للعسكرية وللرأسمالية الأبوية، ناهيك عن اشتراكية الدولة“. وحتى يتم استخدام عدسات السايبورج على النحو الأكمل، فمن المهم استخدام التناقض الذي تصنعه وأن تكون أيضًا ذا وجهتي نظر بشأن العدسات.
الحدود الجسدية
وبينما تزداد أوجه تفاعلنا (نحن؟) مع التكنولوجيا، تختفي الحدود بين البشر والآلات أو على الأقل تبدو كذلك. فيبدو أن التكنولوجيا والأدوات والآلات تقوم بتمديد أو تحسين قدرات الجسد – الذي صار – في إطار هذا المفهوم – خيالياً ولديه أعضاء اصطناعية وفقاً للمعنى المحدد للمصطلح اليوناني prosthesnos الذي يعني الأعضاء الاصطناعية أو امتداد. وعلى الرغم من أن التكنولوجيا تسمح للجسد أن يتخطى الحدود، إلى أي مدى يتعدى الوجود؟ “هل تنتهي أجسادنا في الحقيقة عند جلودنا؟” هل تضم الكائنات التي يقومون بكبسلتها (أي وضعها في كبسولة) أو أنها فعلاً مقيدة بواسطة الحدود البدنية لجلودنا (نحن؟). وتعكس إحدى طرائف ألوكر روزان ستون Allucquere Rosanne Stone عن ستيفن هوكينج Stephen Hawking أحد الأمثلة التي تثير التساؤل بشأن انتهاك الحدود، حيث يعاني هوكينج Hawking من داء العصبون الحركي الذي أصابه بالشلل التام، ولكنه يمكنه أن يحرك أصابعه لتشغيل آلة تمكنه من التحدث. وبينما تسمع هوكينج Hawking وهو يتكلم، يتساءل ستون “أين هوكينج Hawking بالضبط؟ … لا يكف هوكينج Hawking عن التواجد عند حافة جسده المرئي وها هو هوكينج Hawking متواجد بجسده بوضوح محدد بشكل واضح بالطريقة التي علمنا (نحن؟) بها التكيف الاجتماعي من خلال مختلف التكنولوجيات والبروتوكولات أن نرى الشخص كشخص. ولكن يمتد جزء هام من هوكينج Hawking إلى الصندوق الذي يقع في حجره” الذي يسمح له بالتحدث وبث الأفكار للناس، وعلى الرغم من أن هذا الصندوق خارق للطبيعة، إلا أنه مألوف بشكل مريب للتكنولوجيا التي يقع ستون Stone في حبها – ألا وهي الراديو. أين يتوقف هوكينج Hawking؟ ما هي حدوده؟ هل تسمح التكنولوجيا لهوكينج Hawking أن يتجاوز جسده؟ ما هو الجسد؟ في اتحاد السايبورج الذي يمثله هوكينج Hawking، يتم تحدي حدود الأجسام والآلات.
الأجهزة التعويضية: أهي تجسيد كامل للتكنولوجيا؟
ويعد استخدام الأجهزة التعويضية أو الأعضاء الاصطناعية التي تحل محل أحد أجزاء الجسم المفقودة مثال للتغلب على حدود الأجسام والآلات. وقد تقدمت كثيراً وسريعاً تكنولوجيا الأعضاء الاصطناعية نتيجة للأعداد الكبيرة من الأطراف المفقودة أثناء الحرب الأهلية والحرب العالمية الثانية والحروب الحالية. ففي بعض الحالات، تمثل هذه الأعضاء الاصطناعية التكنولوجيا التي تستهدف إصلاح الآثار الرهيبة لأنواع التكنولوجيا الأخرى, مثل حوادث السيارات, وإصابات الحروب، إلخ. وعلى الرغم من ذلك فقد قام بعض الناس مثل باودیلارد Baudrillard بإعادة اختراع آثار التكنولوجيا كموقع جديد للمتعة. ويقوم جيمس كراهام بالارد باستكشاف العلاقة الخارقة والممتعة بين السيارات والأجسام والجروح والمتعة في روايته وفيلمه الصدام Crash. وتسرد الرواية / الفيلم القصة حيث تصبح الإصابات الناتجة عن الحوادث مصدر جديد للمتعة، بينما يتم اختبار محدودية وقيود الجسد بحثاً عن “المتعة” – تلك التي يمكن أن تتسبب في موتنا ( نحن؟). وبرغم تفسير الرواية باعتبارها ممتعة أو مثيرة للشهوة، إلا أن فيفيان سوبشاك Vivian Sobhack تذكرنا (نحن؟) بالواقع الفج للحوادث والأطراف الصناعية – فهو عالم مليء بالآلام والجروح الذي يستحيل أن يكون ممتعاً وجنسياً – وذلك بسبب تجربتها مع ساقها الاصطناعية. “فكلما أقوم بتركيب ساقي, فإنني حرفيًا أقوم بتثبيت صمام في أحد الثقوب في فخذي الجديد، حيث أضغطها حتى يخرج الهواء وتدخل الساق الخشبية الاصطناعية بعمق في المكان المخصص لها المصنوع من الألياف الزجاجية“. فساقها الاصطناعية تمكنها من تجربة “الألعاب والمداعبات المثيرة للشهوة الخاصة بالتكنولوجيا” والتي يصفها بودريلار Baudrillard في نقده لرواية الصدام Crash، ولكن الإحساس ليس شهوانياً أو جنسياً كما يبدو. وبينما تستمع بمنافع ساقها الاصطناعية، فإنها تذكرنا (نحن؟) بالأجسام التي تعاني من مثل هذه الآثار الخارقة للطبيعة بسبب التكنولوجيا، حيث أصبحت تلك الأجسام التي تضرب بها الأطراف الاصطناعية مثلاً في إمكانات التكنولوجيا وقدرتها على الإحياء والتجديد.
ومع تطور تكنولوجيا الأجهزة الاصطناعية، فإن الهدف هو التجسيد الكامل لهذه التكنولوجيا – حتى تصبح الأجهزة التعويضية أو هذه التكنولوجيا شفافة أو حقيقية قدر الإمكان. ولكن “إذا كان هذا ممكناً فإنه سيعادل عدم وجود تكنولوجيا، لأن الشفافية الكاملة ستكون أجسامنا وحواسنا“. والشفافية المرغوب فيها تتمثل في الاندماج الكامل للأطراف الاصطناعية في الجسد، ولكن هل سيتحد الجهاز التعويضي مع الجسد؟ وهل يعني التجسيد الكامل للآلة الاختفاء الكلي للجسد الحي؟ فمرة أخرى يتم تحدي حدود الثنائيات المختلفة وهدمها، لأن الجسد أيضًا يمكن اعتباره امتدادًا للجهاز الاصطناعي. ومن خلال تجاربها الشخصية تذكرنا سوبشاك Sobchack (نحن) أيضًا بساقها الاصطناعية حيث يعتمد “الجسد التكنولوجي” على “الجسد الحي – حيث من دونه يبقى الجهاز الاصطناعي كجزء من جسد دون أعضاء – أي جسد تكنولوجي لا يتعاطف مع أي معاناة إنسانية، ولا يفهم المتعة الإنسانية، وبما أنه لا يفهم أو يستوعب معنى الموت، فهو لا يقدر قيمة الحياة“. فإن الجسد والتكنولوجيا التي “يتصل بها” هما الهويتان اللتان تمكنانا نحن (نحن؟) من تخيل التسامي الكلي من الجسد مما يجعلنا (نحن؟) نتمسك بالحياة عن طريق تقدير وفهم قيودها وحدودها. ويذكرنا (نحن؟) السايبورج بأنه بينما قد نحاول (نحن؟) تجسيد التكنولوجيا، يتم تجسيدنا (نحن؟) – فهناك حدود فيما يتعلق بمدى تجاوز جسدنا.
التمثيل الجسدي للتكنولوجيا
لم تؤثر التكنولوجيا على المفاهيم والحدود الجسدية فحسب بل أيضًا قد غيرت الطريقة التي من خلالها يتم فهم الجسد وتمثيله مثلما تغيرت طرق صياغة المفاهيم الخاصة بكوكبنا باستخدام التكنولوجيا. لقد تعلمنا ( نحن؟) أن نقوم بضغط وفحص ودراسة الأجسام من خلال مختلف أنواع المعلومات. فمن خلال العلوم مثل علم الأحياء تعلمنا (نحن؟) أن
نحول العالم إلى “مشكلة تكويد“، فقد حاولت العلوم أن تفك الشفرات وفي نفس الوقت أن تنظم وتصنف الجسد, عن طريق اختبار الحدود والقيود الجسدية. ويحاول كل من علم الوراثة الجزيئي والمناعة الحيوية والتشريح تبسيط الجسد لمجموعة من الأكواد (الشفرات) والمصطلحات والعلاقات التي يمكن دراستها وتحليلها على حدة. وقد حاول المحللون النفسيون وعلماء وظائف الأعضاء تصنيف الجسد عن طريق رسم صورة الجسم بالتفصيل, خاصة من خلال بحث “وهم الأطراف“، الذي ساعد في رسم الروابط والعلاقات العصبية للأجسام مثل موقع أعصاب بعينها. كما يقومون باستكشاف وبحث آثار التكنولوجيا على صورة الجسد، مثل بتر طرف من أطراف الجسم. كما تظهر صورة الجسم جلياً في تفاعلات أخرى مثل متى نتعلم (نحن؟) أن نجسد سيارة في صورة جسمنا لأن “قيود أو حدود صورة الجسم ليست ثابتة بطبيعتها أو مقتصرة على “الحاوية التشريحية” “فصورة الجسم يمكنها أن تدمج أشياءً أخرى، ولكنها تتكون بواسطة “العلاقات بين الجسد والفضاء المحيط وغيرها من الأشياء والأجسام، والإحداثيات أو المحاور الرأسية والأفقية.
ولا نجد هذا التصنيف أو التبسيط للجسم إلى مجموعة من الرموز أو الأكواد (الشفرات) في العلوم فحسب, بل نراه أيضًا من خلال استخدام تكنولوجيات أخرى. ويبحث ستون Stone تصنيف وتكويد الأجسام عن طريق الجنس عبر الهاتف في مقدمته/ ها في “حرب الرغبة والتكنولوجيا في نهاية العصر “الميكانيكي” The War of Desire and Technology at the Close of the Mechanical Age . فقد اكتشف زي Ze أن الجنس عبر الهاتف “تطبيق عملي جداً لضغط البيانات. في أغلب الأحيان، يشارك أكبر قدر من الحواس في الجنس. فحواس التذوق واللمس والبصر والسمع … تعمل جميعها سوياً لزيادة الإحساس الشهواني“. ومن خلال التفاعل مع عملائهم تعلم العاملون بالجنس عبر الهاتف ترجمة كل طرق الإدراك والتجربة إلى “شكل مسموع“. فقد كانوا يرسلون الأجسام عبر الهاتف عن طريق تصنيفها إلى مجموعة من الأصوات واستقبال هذه الأكواد والشفرات تخلق هذا النوع من تحويل الأجسام من خلال خطوط الهاتف. فما الذي يميز الكلمات والأكواد التي تخلق مشاعر وتصورات تتعلق بالأجسام؟ فالأكواد المنقولة تخلق فقط أجسام بسبب التفاعلات بين العاملين بالجنس عبر الهاتف وعملائهم – وبدون الكيانين لن يتحول الخيال والقصة إلى “حقيقة“. ويكمن سحر وقوة العلاقة في الفضاء الموجود بين الطرفين – الفضاء الذي يتحول فيه الخيال العلمي والتصورات والشهوة إلى حقيقة. وهذه طريقة أخرى أدت فيها التطورات التكنولوجية إلى تغير صياغة المفاهيم ذات الصلة بالأجسام، لأنها الآن قد تم تبسيطها وضغطها إلى مجموعة من خطوط البيانات التي من المفترض أن تمثل الأجسام بأكملها أو الخبرات والتجارب الجسدية، ونشعر أنها حقيقية من خلال الأدوار المتباينة التي يلعبها الطرفان: العامل بالجنس عبر الهاتف والعميل.
وأخيرًا…
طوال هذا المقال. كما ذكرت مسبقاً، تعمدت أن أتساءل عن فكرة أو مفهوم “نحن” (في صيغة الفاعل أو المفعول به) من خلال استخدام (نحن؟). فهذا يذكرنا (نحن؟) بأحد الأسئلة الدافعة في هذا المقال، وهو تشويش وإعادة خلق الحدود. من يشترك في ذلك (نحن؟)؟ من يمكن اعتباره إنساناً ومن يتم استثناؤه من هذه الفئة؟ فهذا السؤال (نحن؟) يذكرنا أيضًا أن الأجسام المختلفة تمر بتجارب التكنولوجيا وتنخرط فيها بطرق مختلفة. فعلى سبيل المثال فإن الأجسام باختلاف أعراقها وأجناسها والتمايز الجنسي لها لا تستخدم التكنولوجيا على نحو متماثل. فانشغالهم بالأدوات والآلات والتكنولوجيات يتم برمجتها و/أو تكن محدودة ومقيدة بواسطة نفس الأنظمة الثنائية التي تحاول عدسات السايبورج هدمها. فهذه العدسات وعلى الرغم من انبثاقها في الأصل من المجمع الصناعي العسكري، تساعدنا (نحن؟) على اكتشاف طرق للتفكير في الافتراضات المكثفة في الصناديق السوداء الموجودة في كل مكان ووضع النظريات ذات الصلة بها. وكلمة نحن (نحن؟) تعد تذكيراً بالاشتراك في الاكتشافات المفتوحة الواعية لشبكات السلطة والنماذج الهرمية للسلطة المستترة وغير المتماثلة في هذه الصناديق السوداء – أي الهدف الحقيقي لعدسات السايبورج. وقد غيرت التكنولوجيا الطريقة التي تمكننا (نحن؟) من فهم أجسامنا وصياغة المفاهيم ذات الصلة بها. ويمكننا نموذج السايبورج لدونا هاراواي من استكشاف ودفع القيود والحدود بين البشر والآلات من خلال عدسات السايبورج التي تكمن فيما بينهما وخارجهما في نفس الوقت. وفي الاستكشافات ذات الصلة بالسايبورج فإن “رقم واحد يعد قليلاً ورقم اثنين يعد كثيراً للغاية“. أين تبدأ وتنتهي الآلة والأجسام؟ وكيف تقوم التفاعلات والمشاركات فيما بينهما بتشويش خطوط الحدود والمحدودية؟ إن ستيفن هوكينج Stephen Hawking والأجهزة الاصطناعية تمثل تحدياً للحدود التقليدية للجسم. وقد أعطى هوكينج Hawking مثالاً لتجاوز (تسامي) الجسد داخل الجسد، بينما كشفت الأجهزة التعويضية عن العلاقة بين الأطراف الاصطناعية والجسم وطرق تشكيل كل منهم للآخر. كما تذكرنا (نحن؟) سويشاك Sobhack أيضًا من خلال الأطراف الاصطناعية أننا (نحن؟) أولاً أجسام وثانياً سايبورغ، والأخير لا يمكن أن يتواجد دون الأول. ويقوم القسم الأخير الخاص بالأشكال المختلفة للتمثيل من خلال التكنولوجيا بتحليل الطرق التي أدت إلى قيام التكنولوجيا بتغيير طريقة شرحنا للجسم. وبصورة شاملة، يمكن تلخيصها بأننا (نحن؟) لدينا علاقات مختلفة مع الآلات، فنحن متعايشون معها. ونوع التعايش غير واضح ومتباين، حيث أنه لا تتساوى أو تتماثل جميع التفاعلات بين الجسد والتكنولوجيا. وعلى الرغم من ذلك، كيف تقوم هذه العلاقات المعقدة بين الأجسام والآلات بتحدي فكرة التجسيد, بما أن الجسد لم يعد المفهوم التقليدي للجسم المقيد ويمكن القول أننا قمنا بتجاوز أجسامنا (نحن؟)؟ والآن هل فقدت كلمة تجسيد معناها أو أنها امتدت وتحولت وتغير مظهرها؟ وبينما تقدم استكشافات السايبورج للصياغات الجديدة لمفاهيم الجسد منظور وتحليل مختلف، إلا أنها تترك عملية الاشتراك في ذلك محاطة بالأسئلة أكثر من الإجابات.