دعاء عبد العال:
نسوية أفريفية بلسان عربي, مهووسة بخلق المساحات للكلام والتفكير والبحث والدراسة وتكسير الحواجز بين البشر. أحب الملوخية بالأرانب، وفي ليالي اكتمال القمر أرى الساحرات والدراويش يرقصن/ ون في سماء القاهرة على أغانٍ بالإنجليزية لفرق السبعينيات.
عزة سليمان:
محامية وناشطة نسوية مصرية؛ شاركت في تأسيس مؤسسة “قضايا المرأة المصرية” وأديرها .
“عزة سليمان“؛ نعرفها جميعًا كمحامية ومدافعة بارزة عن حقوق النساء، إذ عملت على مدار عشرين عامًا – وحتى الآن – على دعم القضايا التي تؤمن بها. نتعرف أكثر على رحلتها, وبداية انخراطها سياسيًا, ونمو فكرها السياسي وقناعاتها الخاصة بالعمل النسوي وحقوق المرأة. وتؤكد “دعاء” على أهمية رؤية عزة كشاهدة على انتقالين سياسيين هامين في حركة الدفاع عن حقوق النساء في مصر؛ الأولى في مطلع التسعينيات مع بداية الانفراجة في حرية التنظيم في عهد مبارك، وحرية تكوين الجمعيات الأهلية في مصر. والانتقال الثاني مع ثورة يناير 2011 وفتح باب المناقشة حول أمور مختلفة جديدة. وعلى مدار ساعة, دار حوار مع عزة عن البدايات والتطور والتغيير والتعب.
احكِ لنا عن نشأة عزة
انا ابنة لأب داعم وحنون للغاية, وأم صارمة، وشقيقة لأربعة أخَوات وأخوين. شجعنا أبي طوال الوقت على التعلم بموازاة تدليله لنا.
طالما ظننت أني سأدرس في كلية الآثار، لكن تنسيق الثانوية العامة جائني بكلية تربية قسم لغة انجليزية. ولعدم رغبتي في أن أصبح مُعلمة, راودتني رغبة في دراسة الحقوق. وقبل الالتحاق بالكلية رسميًا, نصحتني وكيلتها أن أجرب حضور إحدى المحاضرات، لأنها “كلية لا تصلح للبنات” – على حد تعبيرها. محاضرتي الأولى كان يلقيها د. يحيى الجمل، أستاذ القانون الدستوري، ووقعت في غرام الحقوق لحظتها, وقد كان.
كيف بدأ اهتمامك بالعمل السياسي؟
أثناء سنوات دراستي الجامعية, انخرطت مع المجموعات الناصرية, وعملت في حزب التجمع, ثم عملت الحزب الناصري بعد تأسيسه عن طريق المحكمة. لم تزد مدة عملي في الحزب الناصري على عام واحد, كرهت فيه السياسة – وأكاد أجزم أني كرهت كل شيء – حتى قدمت استقالتي منه في عام 1994.
أول احتكاكي بالأمن حدث في الجامعة, في فترة الانخراط مع الجماعة الناصرية، إذ تم استدعائي للسؤال عن أصدقاء هاربين بعد اتهامهم مع آخرين في ما سمي وقتها بـ “التنظيم الناصري المسلح“. أذكر أن يداي كانتا ترتعشان, فكنت أخبئهما تحتي على المقعد كي لا أظهر لهم [المحققين] كم أنا خائفة. كان أمامي خياران بعد هذه التجربة؛ إما الابتعاد تمامًا عن الانخراط في السياسة، أو أن أستمر وأكون قوية. اخترت الثاني بدعم من أبي وقتها، الذي ساندني أمام اعتراض إخوتي. وقال لي “عزة لو سمحتي يومين متروحيش الكلية، وخلي بالك من نفسك. و لما تحبي تروحي متقوليش لأمك بس يعني ريحي نفسك “.
تزوجت وأصبحت أما في خلال عام بعد تخرجي في الجامعة، ما جعلني أتوقف عن الدراسات العليا. تطوعت بالمنظمة المصرية لحقوق الإنسان, وعملت على ملف “القضية الفلسطينية” لفترة، حتى أخبرني مدير المنظمة بمشروع عن المساعدة القانونية للنساء، واختارت المنظمة منطقة بولاق الدكرور مقرا لهذا المشروع. وهنا فُتحت لي بوابة أخذت من خلالها خطوة أولى في مشوار مهني بدأ منذ أكثر من عشرين عامًا, ويستمر حتى الآن. قرأت قانون الأحوال الشخصية, وعملت مع النساء في المنطقة، وبكيت كثيرًا لهن ومعهن. وكان هذا العمل هو بداية إدراكي لحقيقة أن النساء حولي وفي كل مكان يعانين بطرق مختلفة.
كيف أثر هذا الإدراك على اختياراتك المهنية لاحقًا؟
ساهمت مع آخرين في تأسيس مؤسسة قضايا المرأة المصرية (CEWLA – سيولا) عام 1995. ولم أتخيل العمل خارج منطقة بولاق الدكرور لارتباطي بأهلها، ومن هنا أخذنا موقعنا في المنطقة رغبةً في تجميع نسائها والعمل معهن.
الهدف من “سيولا” كان تقديم الدعم القانوني للنساء المهمشات. وفي بداية عملنا, فرضت علينا طبيعة المكان والسياق الخاص به تقديم خدمات فصول محو أمية، كخطوة أولى للمساعدة في فتح حوار بيننا وبين المجتمع حولنا, واحترامًا لاحتياجات السكان وتقديم خدمات قابلة للتنفيذ . ثم بدأنا العمل على الوعي القانوني، وأدركنا من خلال جلسات “فضفضة” تعقيد الموقف، إذ لا ترغب كل امرأة لجأت إلينا أن ينتهي الأمر بسجن زوجها أو ابنها رغم ظلمهم لها.
بعد سنة، بدأنا نعمل مع رجال المنطقة لقناعتنا أن توعية الرجال ستخدم قضايا النساء. وخصصنا في لائحة سيولا 30 في المئة من الأنشطة للرجال. وأثار هذا الأمر حوار كبير مع النسويات والداعمين، مال رأيهم فيه لتأييد أن العمل النسوي يجب أن يكون موجهًا للنساء فقط. ووجدنا أنفسنا أمام سؤال؛ كيف نعمل على توعية النساء، في حين يظل الرجل على حاله بدون أي وعي؟ فالرجل ما زال لديه السلطة لمنع زوجته من الالتحاق بفصول محو الأمية بالجملة المتكررة “عليّ الطلاق انتي مش طالعة!”
وفي عام 1997، توسع عمل سيولا ليشمل مصر بأكملها. وفي نفس العام، عملنا علي ما يعرف بـ “جرائم الشرف“، ونشر دراسة مختصة بالتعاون مع إحدى الجامعات الانجليزية, عن قتل النساء باسم الشرف.
وفي عام 2002، خضت نقاش آخر مع مجموعات نسوية مختلفة, عند العمل على التفسيرات الجديدة للشريعة الإسلامية.
قضية هند الحناوي قضية نسوية جدًا، ووصلت جميع البيوت المصرية من خلال التليفزيون، احكِ لنا عن كواليسها
قضية هند 1 كانت محطة مهمة لأنها كانت محل حوار هام مع الناشطات والجمعيات النسوية, حول جدارتها بالتأييد وطبيعة الخطاب الذي يجب أن نتبناه. على مستوى شخصي، كان العمل عليها نقلة لي ولـ سيولا، إذ كانت تحول إيجابي لأدواتنا ورؤيتنا وقوتنا. وحذرني الكثيرات من الحقوقيات والنسويات وقتها بأنني سأتعرض للوصم بتشجيعي للعلاقات “غير المشروعة“. وبالفعل, في أول لقاء لنا مع الشيوخ, في جلسة تحت اسم “آثار الزواج العرفي: من يدفع الثمن في مصر؟” كان الهجوم علي حادا. وتعين علي الإجابة عما إذا كان لدى هند الحناوي عقد زواج من أحمد الفيشاوي. وكان ردي “أنا مش شغلتي مين ناموا مع بعض في الحلال ولا الحرام، أنا شغلتي أدور على حقها وحق اللي في بطنها“، وكنت أغذي دفاعي بمعرفتي في الشريعة. هاجمني وقتها أحد الشيوخ قائلاً: “بما إنك فاهمة في االدين قوي كده، ما تتحجبي!!”، وهاجمني بعض الأفراد من الأزهر بشكل شخصي، وأعلن أن مؤسسة سیولا تعمل “ضد الشريعة“.
أحيانًا لا نكون مدركات لقوتنا كحركة نسوية، لكني في تلك المحطة أدركت مدى قوتنا وقوة معرفتي ومعلوماتي بالشريعة والقانون وحقوق الإنسان, واستخدامها كأدوات لدعم قضايا النساء. كنت أقف ندًا أمام الشيوخ، أدافع عن نفسي وعن القضية مستخدمة حجج ابن تيمية وابن حنبل، والفرق بين الفقه وبين القرآن. وانطلاقًا من هذه القضية عملنا على تغيير قانون الطفل واستخدام تحليل الحمض النووي (DNA), وهو ما نجحنا فيه بعد سنوات.
ما ردك على الاتهام الموجه لجيلك من النسويات أنه كان “بداية التمويل“؟
ليس لدي اعتراض على أن يتم انتقادنا. وكما يوجد انتقاد لنا، فهناك أدبيات تذكر أن وجود تلك الجمعيات واستخدام التمويل ساعد في طرح قضايا لدعم وخدمة وخلق ضجيج حول قضايا النساء. أتذكر في عام 2000, حين بدأنا العمل على نشر مقررات مؤتمر بيكين2 الذي عُقد في عام 1995، استغرق الأمر خمس سنوات من الكتابة. أذكر أيضًا أن الجزء الخاص بـ “مناهضة العنف ضد النساء” في محاضرة لمناقشة التقرير, أثار سخط أساتذة من جامعتي أسيوط وجنوب الوادي، كانوا ينظرون لي أنا وعايدة سيف الدولة وماجدة عدلي باحتقار ويقولون علينا “قليلات الأدب“.
اليوم بعد مرور كل هذا الوقت, نجد جمعيات نسوية تتحدث عن العنف ضد النساء في قرى مثل “أبو طشط” في قنا، “ساقلته” في سوهاج، وفي “أبو النمرس” في محافظة الجيزة. سيولا مع مؤسسات شقيقة، نشرت أول مسودات لتقرير الظل في نيويورك. كنا نعلم أنفسنا كمقاومة لتضييق الحكومة علينا وعلى وصولنا لتلك المعلومات والتقارير.
وأثرت هذه التجارب وهذا التعليم من خبراتنا وشخصياتنا. فمثلاً, عزة سليمان في عام 1994 تختلف عن عام 1993، وذلك بفضل مؤتمر السكان 3.
وفي عام 1999 تعرفت على “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” (سيداو) التي أقرتها الأمم المتحدة عام 1981, وعملت وذاكرت لكي استخدمها وفقًا للدستور في المحكمة. ثم دربت محامين شباب وشابات ليستخدموا تلك الأدوات الدولية داخل القضاء الوطني. وعملنا بكثافة لمدة ثلاث سنوات في ست محافظات مختلفة. وأرى لهذه الجهود نتائج ملموسة اليوم.
لا أستطيع تجاهل كل هذه المحطات عند تقييم المجتمع المدني، وهذا لا يعني خلو المجتمع المدني من المشاكل، لكن لابد أن يكون النقد موضوعيًا، ويأخذ في الحسبان السياق الأمني الذي كنا نعمل به.
وما توقعاتك اليوم, في السياق الحالي الذي يصعب التكهن به؟
لا يرتبط الأمر فقط بسيولا واحتمالية غلقها، فمعظم المساحات العامة تتعرض للتضيق والإغلاق. والأمر لا يقتصر على المنظمات الحقوقية، بل يمتد إلى جمعيات كثيرة، سواء
كانت تدير حضانات أطفال أو تقدم كفالات أيتام. “احنا بتجيلنا ستات تقولنا والنبي خلونا بس نتجمع حتى لو مرة في الشهر [في جلسات الفضفضة] ده المكان اللي بيخلينا نحس بحياتنا“.
أُغلقت سبعة مراكز تابعة لـ سيولا، مختصة بالمساعدة القانونية في المحافظات. وعلى الرغم من قلة الموارد, ظل العاملون, من محامين ومحاميات وباحثين وباحثات, صامدين لمدة أربعة أشهر بشكل تطوعي. هناك أمل مفقود والكثير من الإحباطات. أنا في فترات بحس إن أنا اتقهرت.
كيف تتعاملين مع الإحباطات الحالية في ظل كل المحطات السابقة؟
تعبت… أحيانًا! هناك فترات أشعر بالقهر لأني ظلمت وتم التشهير بي في مراحل مختلفة من حياتي، مثل الادعاء بأني أمتلك أموالاً كثيرة. والقضية الأخيرة كان أثرها شديد عليّ وعلى عائلتي والمقربين مني. وحين بكى أخي من أجلي “ساعتها حسيت إن في حاجة كبيرة، وفي ناس تانية متأثرة قوي إن أنا متبهدلة كدة! هما بهدلوني!”
ويزيد الإحساس بالتعب خاصة إذا كان حلمي السياسي منكسر, في ظل الاستهداف الأمني للرفيقات والرفقاء والأحباء والمقربين, متكسر بتفنن النظام في إطفاء بريقنا.
1 – في عام 2003, عرفت البيوت المصرية اسم “هند الحناوي” التي تزوجت عرفيًا من الممثل أحمد الفيشاوي وحملت منه وعند رفضه للاعتراف بمولودتهم “لينا” لاحقًا. أخذت هند الموقف للقضاء وتم حسم القضية لصالحها عام 2006، وكانت مؤسسة قضايا المرأة إحدى أقوى الداعمين لهند قانونيًا وإعلاميًا وتعتبر تلك القضية مكسب نسوي للنساء المتزوجات “عرفيًا” وسبب لتعديلات في إثبات نسب الطفل.
2 – عقدت الأمم المتحدة, المؤتمر الرابع للمرأة في بيكين, سبتمبر 1995, بحضور ناشطات نسويات وكان أثره الاتفاق على وضع المرأة كأولوية عند رسم مختلف السياسات, وخرجت منه مقولة هيلاري كليتون “حقوق المرأة هي جزء من حقوق الإنسان” كمقولة تاريخية تثبت بديهية حقوق المرأة. توثيق مؤسسة المرأة والذاكرة للمؤتمر:
Bejin.pdf-152/ 01/ 2015/ http://www.wmf.org.eg/wp-content/ uploads
3 – عقدت الأمم المتحدة المؤتمر الدولي للسكان والتنمية في القاهرة, في سبتمبر 1994، ويعد المؤتمر حجر أساس في النشاط النسوي حول الحقوق الإنجابية والصحة الإنجابية حيث نتج عنه برنامج عمل، اعتمدته 179 حكومة، ويعد البرنامج وثيقة تاريخية في توصيته إلى نهاية الحد من النمو السكاني ووضع الأولوية للخطاب الحقوقي في السياسات التنموية – دون
http://dawnnet.org/ advocacy/ cairo-declaration-and-poa