علاج العقم، ترف.. أم رغبة .. أم ضرورة ؟ *
تضم هذه الورقات الثلاث التى ترد فيها ناهد طوبيا وإقبال شاه على مارسيل فيكمانز، ثلاث وجهات نظر مختلفة عن الأولوية التي ينبغى إعطاؤها لعلاج العقم حين تكون هناك موارد محدودة لخدمات الصحة العامة، وما إذا كان علاج العقم ترفًا في عالم التوسع السكانى, وتكلفة علاجه وفاعليته، ودور الأمراض المنقولة جنسيًا، والنتائج الاجتماعية المترتبة على العقم، والرغبة مقابل الضغط الاجتماعي لإنجاب الأطفال, والبدائل مثل التبني, ومكانة علاج العقم فى الرعاية الصحية الإنجابية. ( الآراء المطروحة هنا تعبر عن وجهة نظر كتابها )
مارسيل فيكمانز
في كل مكان في العالم يحزن الأزواج عدم قدرتهم على تحقيق رغبتهم في أن يكون لهم طفل. وكثيرًا ما تزيد الضغوط الاجتماعية من يأسهم حين يتدخل أقاربهم فى الأمر. وهنا تكون النتيجة هي الاكتئاب والنزاع والطلاق والرفض والنبذ. فهناك خوف من العقم واستنكار له. ومع ذلك يقدم الطب الحديث الوسائل الوقائية والتشخيصية والعلاجية التي تتراوح بين ما هو غاية فى البساطة وما هو شديد التعقيد والإرهاق، ويمكن عبر هذه الوسائل علاج حوالي ٥٠% من حالات العقم.
ومن الواضح أن المتأثرين بهذه الحالة والجمهور العام والمشتغلين بالطب ومتخذى القرار سوف يحاولون تطوير تلك الإمكانيات داخل الخدمات الصحية التي تمول من الميزانيات العامة، ولكن ميزانيات الصحة تعانى بالفعل من العجز . وهناك عدد من الحجج التي يمكن تقديمها ضد هذه التكلفة الإضافية.
أولاً : من الممكن مقاومة العقم بالتغييرات السلوكية, وينبغي توجيه التمويل إلى الوقاية وليس العلاج. ثانيًا : تَحُول الزيادة السكانية المفرطة دون التنمية. وربما كانت هناك أمور يجب القيام بها تزيد في أهميتها على توفير العلاج للعقم، وذلك لأن المجتمعات في الوقت الراهن نادرًا ما تقيم بقاءها على أساس من وفرة الذرية. ولكن لابد لنا في هذا المقام من تقدير الأمور التقدير الصحيح؛ فعدد الأطفال الذين يولدون نتيجة لعلاج العقم هامشي بالنسبة لمشكلة الزيادة السكانية, وخاصة في الدول الفقيرة.
لننظر إلى جانب الوقاية. السبب الشائع للعقم في الدول الفقيرة (يصل إلى 85% من الحالات) هو الأمراض المنقولة جنسيًا ومرض التهابات الحوض. وينبغى أن تكون الوقاية على رأس الأولويات، لتحاشى المعاناة وكذلك لأسباب اقتصادية. وينبغى أن يكون الهدف هو تغيير العادات الجنسية (الشريك الوحيد واستعمال الواقي الذكرى)، والعلاج الصحيح بالمضادات الحيوية, وعلاج المخالطين. ولابد من التنفيذ الفعال للوقاية من عدوى ما بعد الولادة وما بعد الإجهاض، وهي سبب رئيسى لمرض التهاب الحوض, وما ينتج عنه من إصابات لأنابيب فالوب . وعلى كل البلاد وضع إستراتيجيات في هذا الاتجاه والسماح بإجراء الإجهاض الطبي المستحث.
من الممكن كذلك تجربة محاولة التأثير على عوامل أخرى تساهم في حدوث العقم، مثل التشويه الجنسي للإناث (الختان)، والبغاء, وزواج الأقارب (الذي يزيد من تأثير الأسباب الوراثية). وليس العقم مصادفة فحسب فالهجرة الجماعية من الريف, والتحول الفوضوى للمناطق الحضرية, والنزاعات المدنية الداخلية, والحروب، تسهم جميعًا في تعطيل التقاليد التي تحكم السلوك الجنسى فى المقام الأول، وفي تلك مجتمعات التي “لا تحكمها قواعد أو قوانين” ، داخل معسكرات اللاجئين، تتزايد باستمرار معدلات حدوث لأمراض المنقولة جنسيًا .
الأمر الأهم بالنسبة للمجتمعات هو التوقف عن اعتبار الشخص العقيم “عنصرًا لا فائدة منه” من عناصر المجتمع. وليس هذا حلمًا طوباويًا . فمتعة الحياة الفردية ها قيمة فى حد ذاتها. وسوف يظل هناك أناس بلا أطفال بأي حال من الأحوال, إما طوعًا ، بسبب العزوبية أو الدين، أو كرهًا . ولو كانت المجتمعات أكثر إيجابية تجاه الأزواج والبالغين الذين لم ينجبوا أطفالاً لحققت البشرية تقدمًا أخلاقيًا ، ولحقق ذلك العديد من الفوائد النفسية (والمالية)، ولكان بإمكان الأفراد الذين يعانون من العقم السعى لتحقيق حياة تتسم بغنى لا حد له، بلا أطفال أو وهم يترقبون صابرين وصول الطفل المحتمل, وبلا علاج لا طائل من ورائه يكلفهم الكثير، وما خفتت الضغوط الاجتماعية.
ولكن ستكون هناك حاجة إلى جهود تثقيفية كبيرة. وأنا أدعو إلى تنظيم حملة تثقيفية مكثفة على مستوى العالم للقضاء على فكرة أن العقم أمر مشين، ولجعل الناس يدركون أن نقل الحياة ليس ضرورة لكل إنسان. إلا أنه لم يتم أى شيء في هذا المجال حتى الآن.
هل يعنى هذا إهمال الجوانب العلاجية؟ لا، ولكن ينبغى أخذ حجم الموارد المتاحة فى الاعتبار واحترام القيود العديدة؛ مثل عدد الأطفال الذين لدى الأفراد بالفعل (٢ أو 3). وعمر المرأة (٣٥؟). ولا ينبغى القيام بالفحوصات ما لم يكن كلا الزوجين مستعدين للخضوع لها (فالرجال غالبًا ما يكونون مترددين). وعلى كل دولة أن تحدد قائمة بالفحوص وأنواع العلاج الخاصة بالعقد التي يمكن لهيئات الصحة العامة، بناء على وضعها المالي، تقديمها للجميع باستثناء الأثرياء, في المساواة السائد، مع السماح لهم باللجوء إلى العيادات الخاصة أو السفر للخارج.
وقد بات من الضرورى كذلك فرض قيود في الدول ذات الوضع المميز. فقد أصبحت التكلفة باهظة؛ حيث تضاعفت تكلفة الحمل بعد علاج العقم بمقدار أربع مرات ونصف عن المعتاد . ولا تتعدى نسبة نجاح العلاج 50% بصورة عامة، بل وأقل من ذلك بالنسبة لبعض أساليب العلاج المتطورة. وعلاوة على ذلك، تتسبب تلك الأساليب فى وقوع مشكلات أخلاقية منها الحمل متعدد الأجنة، ومصير الأجنة الزائدة, وحمل النساء المتقدمات في العمر، واحتمال إنجاب توائم متطابقة, وتأجير الأرحام، وغير ذلك من مشکلات.
من الواضح أن البلاد الفقيرة لا يمكنها تطوير الحمل المساعد (بنوك الحيوانات المنوية وأطفال الأنابيب) وأساليب التشخيص المتطورة ( مناظير البطن ومناظير الرحم)، والعلاج المعقد اللازم (أسلوب التبويض المستحث والجراحة الميكروسكوبية). ورغم الجهود المبدعة لتطوير أساليب أقل كلفة إلا أن فاعليتها لم تتضح بعد . وبالنظر إلى الحالة الراهنة للميزانيات والخدمات الصحية، فان علينا – على أقل تقدير – مقاومة إغراء تقديم هذه الخدمات فى مستشفيات عامة ذات “تكنولوجيا متقدمة” ، تبتلع الموارد ولا يحصل عليها سوى أصحاب الحظوة، على حساب أنشطة أكثر أهمية . كما يجب منع إنشاء بُنى تحتية جديدة وجماعات من العاملين ومنشآت مكرسة للعقم. وفى المقابل ينبغى العمل على إدماج الأنشطة الوقائية والعلاجية البسيطة الخاصة بالعقم والأمراض المنقولة جنسيًا ضمن استشارات تنظيم الأسرة بما يعزز مكانتها .
خلاصة القول أن الأولويات هي ضرورة محاولة القضاء على النظر للعقم باعتباره أمرًا مشينًا، والتأكيد على الوقاية . كما أنه ينبغى أن توضع في كل بلد قائمة بالخدمات التى يمكن للنظام الصحي العام تقديمها, كما ينبغى – في البلاد ذات الموارد المحدودة – دمج خدمات تنظيم الأسرة والأمراض المنقولة جنسيًا والعقم. وحينئذ فقط يصبح التعامل مع العقم أكثر من مجرد ترف لا طائل من ورائه .
ناهد طوبيا
الأمر الذي يحيرني حقًا هو أن الكثيرين فى مجال السكان لم يدركوا بعد أن مساعدة الناس فى التعامل مع عقمهم ليست مسألة خاصة بعد الرءوس . فالأمر الذى يفوق كل ما عداه أهمية هو ما يتوق إليه الناس، وقدرتهم على اتخاذ قرارات مستقلة، وأنا أرحب من كل قلبى بمناقشة العقم وضرورة التعامل معه بشكل عقلاني في ظل محدودية ميزانيات الخدمات الصحية فى الوقت الراهن. غير أن مناقشة العقم فى إطار مخاوف الزيادة السكانية تتجاهل السبب المفترض في أن الزيادة السكانية باتت قضية مهمة فى الأصل. هل أنا مخطئة في اعتقادي أننا جميعًا نسعى إلى تحسين نوعية الحياة لكل البشر؟ أليس الأزواج الذى يعانون من العقم أناسًا ينبغى علينا الاهتمام بنوعية حياتهم؟ من المؤسف أن القانون الدولى – حتى يومنا هذا – ينص فقط على الحق في التحكم في الخصوبة، وليس الحق في إنجاب الأطفال.
باستثناء العنوان المثير والإشارة إلى الزيادة السكانية على أنها سبب محتمل لعدم التعامل مع العقم. فأنا أتفق مع معظم ما تقترحه الدكتورة فيكمانز. ذلك أن علاج العقم نموذج جيد لعدم المساواة في توزيع الموارد الصحية، ويطرح إشكاليات خطيرة على المسئولين عن تحديد أولويات الإنفاق فى مجال الرعاية الصحية. وطبقًا لما ذكرته مصادر منظمة الصحة العالمية فإن معدل انتشار العقم يصل إلى حوالى ١٠% في ٢٢ دولة أفريقية. ويرجع أغلب تلك الحالات إلى الإصابة بمرض السيلان أو الكلاميديا Chlamydia وكلاهما يمكن علاجه بالمضادات الحيوية رخيصة الثمن إذا ما تم اكتشافه مبكرًا . وفى تقديرى أن إنشاء وحدات التخصيب داخل الأنابيب مسألة باهظة التكلفة, ترقى إلى حد الجريمة القومية, فى دول لا توجد فيها برامج للوقاية من الأمراض المنقولة جنسيًا، أو للعلاج المبكر لتلك الأمراض.
ومع ذلك، فإن غالبية النظم الصحية التي تتبنى مفهوم المسئولية الاجتماعية، بما في ذلك تلك الأنظمة الموجودة في الدول الغنية سوف يكون عليها أن تتصدى لقضية الفعالية / التكلفة للمستويات المختلفة لتكنولوجيا تحسين الخصوبة, والصراع هنا ليس بين الزيادة السكانية واحتياجات من يعانون من العقم، بل أنه صراع يتعلق بالمصلحة العامة، وينبع من التناقض بين التوزيع العادل والمنصف للموارد الصحية وبين رغبات الأفراد وحقهم في التكنولوجيا الطبية بأي ثمن. ومع التقدم السريع في التكنولوجيا الإنجابية، سوف تزداد إشكالية التوزيع، وربما بدرجة أكبر في الدول الغنية.
عبر سنوات طويلة طالبت الناشطات في مجال صحة النساء بالتكامل بين علاج العقم, وعلاج الأمراض المنقولة جنسيًا وغيرها من التهابات الجهاز التناسلي, والتي تمثل أكثر أسباب العقم شيوعًا . ويعوق تنفيذ هذا التكامل جزئيًا صعوبات فنية لم تُحل بعد حتى الآن ولكن تظل العقبة الأكبر هي عدم توفر الإرادة السياسية لدى من يمولون برامج تنظيم الأسرة. ومما يؤسف له أن الأجندة الحقيقية لكبار ممولى برامج تنظيم الأسرة مازالت هي التحكم في شعوب الجنوب التي يتصورون أنها تهدد ثروة الشمال. وما تزال الصحة الإنجابية وتحسين نوعية حياة الأفراد من كل الأصول ليسا هما القوة المحركة الرئيسية لتلك البرامج.
أني أؤيد بشدة اقتراح الدكتورة فيكسانز الجوهري المتعلق بضرورة أن تعيد المجتمعات والمشتغلون بالصحة النظر في موقفهم من عدم أنجاب الأطفال، فمنذ سنوات عديدة وبرامج تنظيم الأسرة تروج لفكرة أن قيمة أن يكون الشخص أبًا أو أمًا لا ينبغى أن تنبع من إنجاب العديد من الأطفال وإنما من نوعية الأبوة والأمومة. والآن نجد أن وضع الخصوبة نفسه، باعتبارها أساسًا تقوم عليه قيمة البالغين، قد أصبح موضع تساؤل. ولا تتسم هذه المسألة بالحياد من حيث النوع الاجتماعي. ففى معظم المجتمعات تقريبًا تنبع قيمة النساء من الأمومة. بينما يقيم الرجال باستمرار بذواتهم, بالعمل الذي يقومون به، أو بالثروة التى يمتلكونها . وإذا حُيدت قيمة الخصوبة فسيكون من الواجب إعادة تعريف وضع النساء وقيمتهن فى العالم. ويا له من توقع ثورى سوف أصوت أنا شخصيًا لمصلحته.
رغم ذلك، ولزمن طويل سوف يأتى، وحتى في المجتمعات المستقبلية ذات القيم المحايدة من زاوية النوع الاجتماعي التي تحلم بها الدكتورة فيكمانز، سوف يكون هناك الكثير من الأفراد والأزواج ممن لم ينجبوا أطفالاً ويودون أن يكون لديهم أطفال . وليس الضغط الاجتماعي السبب الوحيد لرغبة الناس فى أن يكون لهم أطفال, ولابد أن نعترف بذلك ونحترمه. وليست هناك حلول سهلة للمآزق التي يسببها العقم, ولكن تلك هي طبيعة السياسة العامة. فالحلول لا تأتى إلا عند استثمار جهود البحث والتفكير والتنسيق بينها وتجربة الحلول المختلفة.
أكبر مشكلة تتعلق بالعقم هو أنه لم يؤخذ أبدًا مأخذ الجد باعتباره أحد قضايا الصحة العامة، بل ترك باعتباره وصمة كئيبة، وألقى على عائق الأفراد الذين يعانون من وطأتها البحث عن حل لها في سوق الطب الخاص.
الأمر المهم الذى أغفله مقال الدكتورة فيكمانز هو مناقشة الدور الذي يمكن للتبني القيام به في معالجة مشكلة عدم إنجاب الأطفال، فالتبنى عمل متعدد الفوائد لكل من الطفل والبالغين الذين يتبنونه والمجتمع. ومع ذلك فقليلون هم من يتحدون الوصمات الاجتماعية والعوائق القانونية التي تقف في سبيل التبني في العديد من الدول . ورغم أننا لا نعرف الكثير عن قوانين التبنى بلاد عديدة، فإن قوانين التبنى فى بعض البلدان شديدة الصرامة, الهند ومصر على سبيل المثال، بالرغم من مشاكل الأطفال الذين تخلى عنهم أهلهم وحقيقة أن التبنى هو أحد إستراتيجيات الحركة المناهضة للإجهاض؛ لا ينبغى أن يمنع المهمومين بإيجاد حلول لقضية العقم من تشجيعه باعتباره بديلاً جميلاً ومجزيًا للأبوة والأمومة البيولوجية.
إقبال شاه
تؤكد مارسيل فيكمانز أن علاج العقم لا جدوى منه وتعارض توفير علاج العقم ضمن الخدمات الصحية الممولة من الخزانة العامة. ومع أن هذا المقال يحتوى على عدد من النقاط والمقترحات المفيدة، فإنه للأسف يعكس أيضًا ازدراء لعلاج العقم يشبه ذلك الذى تبديه المجتمعات تجاه الأزواج الذين يعانون من العقم.
في إطار تعريف منظمة الصحة العالمية للصحة، تعد السلامة الجسدية والنفسية والاجتماعية، وليس مجرد الخلو من الأمراض أو العجز أبعادًا مهمة . وللعقم في كثير من الأحيان عواقب نفس – اجتماعية، حتى وإن لم يكن للأسباب الأساسية فى بعض الحالات أثر سيئ واضح على صحة الشخص. وبذلك يكون العقم مجالاً منطقيًا لاهتمام كل المعنيين بقضايا الصحة.
کشأن كثيرين غيرها، تقول الدكتورة فيكمانز بأن المشكلة الأساسية التي تواجه العالم هي النمو السكاني الزائد وليس العقم، وبالتالى يجب توجيه قدر من الاهتمام للحد من الخصوبة يزيد عما تحظى به مساعدة الأزواج الذين يعانون من العقم . وتشير التقديرات – على مستوى العالم إلى أن احتياجات حوالي ۱۲۰ مليون من الأزواج لم تلب بعد بالنسبة لتنظيم الأسرة، فهم لا يستعملون أية وسيلة لمنع الحمل رغم أنهم يرغبون في تحديد عدد الأطفال أو المباعدة بين الولادات (1) تئوبينما يجب تعبئة الموارد لتلبية هذه الاحتياجات، فلا يمكن التغاضى عن محنة ما يتراوح عددهم بين ٦٠ و ٨٠ مليون من الأزواج الذين يعانون من العقم فى أنحاء العالم. ولابد كذلك من توجيه نصيب عادل ومنصف لعلاج العقم. وهكذا يستحق علاج العقم، سواء من منظور الصحة أو بسبب حجم المشكلة، مكانًا مشروعًا في الخدمات الصحية الممولة من الخزانة العامة.
ومقولة أن هناك أمورًا أكثر أهمية من تقديم العلاج للعقم للشعوب التى يتزايد تعدادها بسرعة غير مقبولة, أشبه باقتراح أن ترضى الأسرة التي لا يمكنها تدبير ثمن شراء سيارة بامتلاك جيرانها لسيارة. ومن الظلم أن نطلب من الزوجين اللذين يعانيان من العقم أن يستمدا سعادتهما من وجود أطفال لدى الآخرين حتى ولو كان هؤلاء “الآخرون” إخوتهم أو أصدقاءهم.
هناك موارد أكثر توجه نحو تنظيم الخصوبة العالية, ولاشك في ضرورة استمرار هذا المجال من مجالات الصحة الإنجابية فى اجتذاب التمويل المتزايد. غير أن البحث والخدمات الخاصة بعلاج العقم تستحق كذلك التمويل المتزايد، خاصةً وأن القليل جدًا يجرى استثماره حاليًا فى هذا المجال. ومن اللافت للانتباه أن الدكتورة فيكمانز تعارض توفير علاج العقم ضمن الخدمات الممولة من الخزانة العامة، على أساس أن معدل النجاح الذي يصل إلى ٥٠% ليس على قدر كاف من فاعلية التكلفة. وأقول أنا أن تحسين معدل هذا النجاح الذي هو جيد جدًا بالفعل يبرر الاهتمام والدعم وليس الإهمال. يأتي القضاء على فكرة أن العقم عار على رأس قائمة أولويات الدكتورة فيكمانز. وبقدر نبل وأهمية هذا الهدف، لا يمكننا التقليل من قدر التحدى الناجم عن التشكيك فى معتقدات وتقاليد تعود جذورها إلى قرون خلت. وعلاوة على ذلك، من ذا الذي يتحمل تكلفة ذلك الجهد الكوني؟ ولم لا ننفق تلك التكلفة الكبيرة على زيادة توفير علاج العقم؟ أن كلاً من التكلفة والنجاح غير المؤكد لتلك الحملة الكونية يثير التساؤلات حول جدواها .
تشهد تجربة حملات ترويج الواقي الذكرى على حقيقة أنه من الصعب تحقيق التغيرات السلوكية. واقتراحات القضاء على الضغوط الاجتماعية الواقعة على الأفراد الذين يعانون من العقم, كى يمكنهم السعى لأن تكون لهم حياة يتحقق فيها ما يريدون دون قيود، اقتراحات جديرة بالثناء؛ غير أنها لا تحل محل الحاجة إلى الوصول إلى علاج العقم . ويمكن كذلك تحقيق التغيرات في المواقف تجاه العقم عن طريق تحرير قوانين التكنولوجيا وزيادة القدرة على الوصول إلى العلاج.
لا يختلف أحد مع المبدأ الطبي الذي يقول “الوقاية خير من العلاج” . غير أن تغيير السلوك الجنسي لتقليل انتشار الأمراض المنقولة جنسيًا ليس من السهل حدوثه . وبينما يجب تشجيع تلك التغييرات، إلى جانب العلاج الصحيح بالمضادات الحيوية وخدمات التوليد والإجهاض المناسبة، فلن يغنى هذا عن الحاجة إلى علاج العقم.
الحملات التثقيفية لتشجيع “القبول” الاجتماعى بالعقم والتأكيد على الوقاية من العقم, بتشجيع التغييرات السلوكية اقتراحات مناسبة جدًا . ومما يؤسف له أن الاستراتيجيات “البديلة“، كالتبنى ليست بالضرورة أسهل أو أكثر قبولاً من علاج العقم بالنسبة لمن لهم صلة بذلك.
من المهم كذلك تصحيح بعض ما تقوله الدكتورة فيكمانز عن مستويات العقم وأنماطه فى مختلف مناطق العالم, بل ومن مركز إلى مركز آخر . ففى أفريقيا وحدها هناك صلة بين ٨٥% من حالات العقم والأمراض المنقولة جنسيًا وغيرها من التهابات الجهاز التناسلي، كما أن ورم الغشاء المبطن للرحم أكثر شيوعًا بين النساء الآسيويات, على سبيل المثال، وعدم التبويض أكثر شيوعًا بين النساء فى الدول المتقدمة . والواقع أن دراسة شملت 8500 من الأزواج أظهرت أن أفريقيا بها شكل فريد من أشكال العقم(2). وينطبق الكثير من الاكتشافات التي ساقتها الدكتورة فيكمانز على أفريقيا، غير أنها تقدمها كما لو كانت تصدُق على الدول النامية كل.
لقد ناقشت النسويات والصحفيون والساسة والفنيون الطبيون وعلماء الأخلاق وغيرهم مسألة توفير علاج العقم ضمن الخدمات الصحية التي تمول من الخزانة العامة. ومع ذلك يبدو أن هناك لا مبالاة عامة تجاه التحقق من وتفهم, رؤية الأزواج الذين يعانون من العقم, وخاصة أولئك الذين يتلقون العلاج. وسواء نظرنا إلى العقم على أنه مرض, أو مأساة, أو مجرد حالة بدنية غير مرغوبة، فإن علاجه يمثل مجالاً مشروعًا للتدخل. ولا يقوم هذا على الشفقة، بل على مبدأ التوزيع العادل للموارد بناء على حجم المشكلة ، وجدوى العلاج الناجح, والالتزام العلمى والأخلاقى بزيادة القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا الحديثة وفوائد الابتكارات العلمية لأولئك الذين يحتاجونها أكثر من غيرهم.
1-In 1990 , there were also about 500 million contraceptive users globally .
2-Infertility : a tabulation of available data on prevalence of primary and secondary infertility . WHO / MCH / 91.9 . World Health Organization , Geneva 1991 .
3-Cates W , Farley TMM and Rowe PJ , 1988. Patterns of infertility in the developed and developing world . Diagnosis and Treatment of Infertility . PJ Rowe and EM Vikhlyaeva ( eds ) . Hans Huber Publishers , Bern .