على الأرصفة فتاوى العنف والقهر للمرأة
اعداد بواسطة:
…. لم يتعرض كائن للتحريض ضده مثلما تتعرض النساء، حيث يمارس ضدها تحريض منظم بالقهر والكبت والوأد إن لم يكن المادي فالمعنوي، في خطاب لم يترك نقيصة إلا ويلصقها بها، لينتج في النهاية كل أشكال العنف ضدها المستندة إلى الدين والشرع.
ومن على الأرصفة نلتقط ما أصبح يشكل رافدًا من روافد ثقافة المصريين، ومن على الأرصفة نلتقط أشرطة التسجيل والكتب الصفراء التي لا ترى في النساء سوى رجس وأدني من الخنازير وأكثر شرًا من الشيطان…
وهذه نماذج من الأحاديث المذكورة في شرائط التسجيل والكتب:
عن أسامة ابن زيد قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم “قمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء” فإذا كن من عامة من دخل النار في الآخرة فهل من حقنا أن نطالب باحترام حقوقنا وآدميتنا في الدنيا؟ النساء حطب جهنم لأنهن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير، ولا تكتفى أشرطة التحريض وكتب العنف ضد المرأة بالأحاديث بل تؤكدها بالروايات ومنها ما روى عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه قال “أيها الناس لا تطيعوا النساء أمرًا ولا تأمنوهن على مال، ولا تدعوهن بدون أمر، فإنهن إن تركن وما يردن أفسدن الملك وعصين المالك، وجدناهن لا دين لهن في خلواتهن، ولا ورع لهن عند شهواتهن. اللذة بهن يسيرة، والحيرة بهن كثيرة، فأما صوالحهن ففاجرات، وأما طوالحهن فعاهرات، وأما المعصومات فهن المعدومات، فيهن ثلاث خصال من اليهود: يتظلمن وهن ظالمات، ويحلفن وهن كاذبات ويتمنعن وهن راغبات!”.
وتتواصل الأصوات المعبأ بها أشرطة العنف ضد النساء تعلو وتهبط في أداء تمثيلي رديء، مصحوبة بموسيقى كأنها صوت لهيب نيران جهنم الحمراء ضد النساء المتبرجات السافرات الفاجرات اللواتي كن السبب في انحطاط الأمة وخيبتها، وبجوارها الكتب الملقاة على الأرصفة أمام المساجد والمقاهي والمدارس ليلتقطها من يريد وبأسعار زهيدة، فماذا يمكن أن تفعل مثل هذه الأشرطة وتلك الكتب في عقول شعب بعدت عنه الثقافة المستنيرة والتفكير العلمي بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصد؟
تقول دكتورة “آمنة نصيل” أستاذة الشريعة الإسلامية “إن قضية الكاسيت والكتب المجهولة المصدر والمجهولة التوثيق والتي تمس مكانة المرأة ومظهرها مشكلتها الأساسية في اختلاط الموروث الثقافي مع بعض النصوص التي يؤولها هؤلاء الشيوخ المزعومون، ومنها ما يأتي من داخل مصر، ومنها ما يأتي من الخارج ولا رقابة عليها، وهي تعرض في شكل جيد وجذاب، ورغم أنها مكلفة إلا أنها تباع بسعر زهيد مما يجعل لها سوقًا رائجة، وهي قضية تحتاج للمواجهة، وتجفيف المنابع التي تأتي منها لأنها تشوه حقائق الإسلام، وعلى مؤسسات الدولة أن تتصدى لهذه الفوضى الفكرية، والفوضى في النشر التي تشوش الأفكار، فهذه خزعبلات تؤثر على مؤسسة الأسرة وعلى المرأة بشكل سلبي“.
أما الدكتور “فكري عبد العزيز” أستاذ الطب النفسي فيبدأ كلامه منبهًا إلى أن تنمية الوعى الصحي الاجتماعي النفسي السوى للمجتمع يحتاج لمختصين لديهم القدرة على الوصول إلى عقل وقلب الإنسان بأسلوب بسيط، ولديهم قدرة على الإقناع وهذا لن يحدث إلا من خلال دعاة متخصصين ومتفتحين، لمواجهة الدعوات والتفسيرات الرجعية التي تؤثر على النساء بشكل خاص، تأثيرًا يصل إلى حد الإصابة بالاكتئاب والوسواس القهري وتأنيب الضمير.
ويواصل د. عبد العزيز: “لقد مرت على حالات وصلت لحد المرض، منها فتاة عمرها ١٨ عامًا استمعت إلى هذه الشرائط وصدقت أن أخطاء طفولتها لن تغتفر، وأن مصيرها جهنم فأصيبت بوسواس قهري من شدة اللوم والتعنيف الموجه ضدها في الأشرطة، وكانت فوق طاقتها وفوق تحمل عمرها الصغير، لذا وحرصًا على السلامة النفسية لنا جميعًا وللمرأة بشكل خاص حيث يقع عليها الهجوم الأكبر فإنني أناشد الأجهزة المعنية بمراقبة هذا الزخم غير الطبيعي من الأشرطة الدينية مجهولة المصدر والتصدى لها حتى لا تدمر الأسرة المصرية وفي القلب منها المرأة الأكثر تعرضًا واستجابة لما تحمله هذه الدعاوى والفتاوى” ومن ضحايا فتاوى الأرصفة فتاة جامعية وقعت في خطأ بلا كفارة من وجهة نظر مفتى الأرصفة، فأصيبت باكتئاب واعتزلت الناس وامتنعت عن الخروج من بيتها وانقطعت عن دراستها.
وفتاة أخرى وصلت لسن الـ ٣٢ عامًا وما زالت طالبة في السنة النهائية بكلية الحقوق تحكي تجربتها مع أشرطة الرصيف فتقول “أهدتني إحدى صديقاتي شريط كاسيت عن تفسير آية “وقرن في بيوتكن” فسرها الشيخ في الشريط وناشد في تفسيره الآباء والإخوة أن يمنعوا بناتهم وأخواتهم من الخروج للشارع، وأن يقبعن في منازلهن لأنه هو مكانهن الوحيد، وعدا ذلك هو من عمل الشيطان، وكان الشيخ يصرخ ويهلل وكنت وقتها في السنة النهائية وكان نتيجة الشريط أن منعني أبي من استكمال دراستی، وزاد على ذلك أنه منع أمي من زيارة أبيها وهو مريض معتبرًا أن خروجها وسفرها إلى قريتها سفور، ومات جدى فشعرت أمي بالذنب، وسافرت رغمًا عن أبي لتلقى العزاء في أبيها فأرسل لها أبي ورقة الطلاق بعد ٢٥ سنة زواج، ومات أبي ولم أعد للجامعة لاستكمل دراستي إلا بعد موته!!