عندما تفتح العدالة عينيها
قراءة في نصوص مادة الزنا في قانون العقوبات المصرى ومقارنته بالشريعة الإسلامية
القانون .. عندما تذكر هذه الكلمة المجردة أمامي، يخطر في ذهني عديد من الصور “المحكمة، رجل يرتدي زي المحاماة، أمرًاة معصوبة العينين تحمل میزانا تتساوی کفتاه“، قيل لي منذ الصغر إنها رمز للعدالة العمياء التي تسوى بين الناس، ولا تعرف التمييز أو الإجحاف على أساس الفروق الطبقية، أو الاجتماعية، ولم أسأل ساعتها وماذا عن “النوع“، ربما لأني كنت أصغر من أن أعرف معنى النوع، ولم يكن ليدور بخلدي أن هذه العدالة معصوبة العينين ستكشف الغطاء عن عينيها لتفرق بين الرجل والمرأة، فيختل بيدها الميزان، ولكني للأسف تجاوزت مرحلة المعرفة المثالية، والتي تجعلنا نصدق الأوهام الجميلة، وبدأ اهتمامي بالقراءة واكتشفت أن القانون الذي ارتبط في ذهني دائمًا بالعدالة والذي احترمته في صغرى حد التقديس، يعرف التمييز على أساس النوع !! فيميز بين الرجل والمرأة تمييزاً سافراً، يتعارض ليس فقط مع المنطق العقلي الذي يفترض المساواة خاصة أمام القانون، بل ويخالف الشريعة الإسلامية والتي نص الدستور المصري على أن تستقى منها القوانين وتكون المرجع الأول للمشرعين، والغريب أنه تمييز واضح، لا لبث فيه استمر منذ صدور القانون سنة 1937، أي قبل انتهاء الاحتلال البريطاني على مصر، ورغم ذلك لم يتم تعديل أو تغيير هذه البنود برغم عديد من التعديلات التي تمت على نبود قانون العقوبات الأخرى والتي كانت منطقية بحكم تغير الزمن والظروف طوال 62 عامًا، ولكن يبدو أن المشرعين لم ينتبهوا إلى تغيير الظروف والواقع بالنسبة للمرأة أيضًا، ففي تلك المرحلة التي صدر فيها القانون، كان هناك تصريح بممارسة البغاء، وكانت هناك بيوت مرخصة لهذه الممارسة ليتردد عليها الرجال المتزوجون وغيرهم لذلك ربما كانت ساعتها بنود القانون منطقية(1)، ولكن الآن وبعد تغير الزمن وتطور المفاهيم الإنسانية وتطور وضع المرأة في المجتمع، وبالتالي تغير قانون الدعاة مثلا وتجريم ممارسة البغاء، لماذا لم يتم أيضًا تجريم زنا الزوج في أي زمان وأي مكان، ولكن دعونا أولاً نتعرف مواد قانون العقوبات المتعلقة بزنا الزوج أو الزوجة، ونتعرض لأهم الأحكام الشرعية والتي تناولت هذا الموضوع مستعينين بالنص القرآني الصريح وثبوتها بالسنة المؤكدة، في محاولة لإبراز أوجه التمييز في هذا القانون ومخالفته للشريعة الإسلامية .
تنص المادة 273 من قانون العقوبات المصري على أنه:
“لا تجوز محاكمة الزانية إلا بناء على دعوى زوجها إلا أنه إذا زنى الزوج في المسكن المقيم فيه مع زوجته كالمبين في المادة لا تسمع دعواه عليها“(2) ودعونا نقف أمام هذه المادة لنكتشف أن لها عدة مدلولات أولاً أن رفع دعوى الزنا بيد الزوج ولا حق للمجتمع متمثلاً في النيابة العامة مثلاً في المطالبة به، ولكن حتى هذا الحق للزوج يسقط عندما يثبت زناه، ولكن بشرط واضح هو أن يتم الزنا في منزل الزوجية.هذا عن المادة 273 والتي يأتي بعدها مادتان أخرتان تتعلقان بالموضوع نفسه وهما المادة 274 والتي تنص على أن “المرأة المتزوجة التي ثبت زناها يحكم عليها بالحبس مدة لا تزيد على سنتين لكن لزوجها أن يقف تنفيذ هذا الحكم برضائه معاشرتها له كما كانت” والمادة 275 والتي تنص على أنه “يعاقب الزاني أيضًا بتلك المرأة بنفس العقوبة“(3) .
وفي المادتين يتضح أن عقوبة المرأة التي يثبت زناها في أي مكان وفي أي زمان هي بالحبس مدة لا تتجاوز سنتان، وأعطى القانون الحق لزوجها وقف العقوبة في أي من مراحل الحكم برضائه الزوج لمعاشرتها كما كانت، وكما أشرنا سابقًا فقد أعطى القانون الحق للزوج وحده في رفع هذه القضية.. إذًا فالرجل “الزوج” هو الذي يمتلك حق العقاب وحق العفو… ترى هل لأن المجتمع يعتبر أن شرف الزوجة ملكا لزوجها، خاصة وأن القانون لم يعط للمرأة الحق نفسه في وقف العقوبة بالنسبة للزوج، في حالة ثبوت جريمة الزنا عليه في منزل الزوجية وهي الحالة الوحيدة التي يعاقب فيها الزوج على خيانة زوجته وفقا لنص المادة 277 والتي تنص على أنه كل زوج زني في منزل الزوجية وثبت عليه هذا الأمر بدعوى الزوجة يجازي بالحبس مدة لا تزيد على ستة أشهر»(4)، ودعونا نتأمل في فرق آخر أو وضع تمييزي آخر وهو مدة العقوبة، والتي لا تتجاوز سنتين بالنسبة للزوجة في الوقت الذي لا تتجاوز ستة أشهر بالنسبة للزوج أي ما يعادل ربع المدة تقريبًا، برغم أن هناك مبررًا لعقوبة أكبر فجريمة الزوج تمت في منزل الزوجية مما عرض الزوجة لإهانة أكبر وربما يلحق ضررًا كبيرًا بالأبناء وبالأسرة، كما نرى أيضًا. في المواد السابقة أنها تعاقب بالحبس سنتين الرجل الذي زنا مع الزوجة وبما أن للزوج فقط الحق في محاكمة زوجته الزانية إذًا فهو من يمكنه طلب عقاب ذلك الرجل الذي زنا، ولكن إن كان هذا الرجل الزاني متزوجًا فليس من حق زوجته المطالبة بنفس الحق.. فأصبح بذلك للرجل الحق في الدفاع عن شرفه والمطالبة بمعاقبة زوجته وشريكها، وتقف المرأة مكتوفة اليدين فليس من حقها طلب معاقبة زوجها ولا تمتلك كما قلنا حق وقف العقوبة ضده .
إذًا فهناك ثلاث أشكال من التمييز:
-
مدة العقوبة .
-
مكان ارتكاب الجريمة .
-
حق العفو .
هذا عن القانون، ولكن ماذا عن الشريعة الإسلامية التي ترفع سلاحًا في يد من يريد فقط عندما يتعلق الأمر بحصول المرأة على حقوقها، فيهب أعضاء مجلس الشعب ورجال الدين بل وبعض الصحفيين والشخصيات العامة، عندما تطالب بحق كحق الخلع مثلا أو حق المرأة في السفر دون الحصول على موافقة كتابية من الزوج، ويطالبون برأى الدين الذي هو أصل التشريع (5) ولكنهم يتجاهلونه بشدة عندما يصبح في صف المرأة، بل في صف المجتمع في محاولة لحماية سيطرة الرجل والتغاضي عن جرائمه.
” الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين” (6) .
اتفق علماء المسلمين على أن الزنا هو، كل وطء على غير نكاح ولا شبهة نكاح ولا ملك يمين، وهو ما أشار إليه القرطبي بقوله“كان الزنا في اللغة معروفا قبل الشرع، مثل اسم السرقة والقتل.وهو اسم لوطء الرجل أمرأة في فرجها من غير نكاح بمطاوعتها” ورغم عدم وجود تعريف في القانون المصرى للزنا إلا أنه باستخدامه اللفظ نفسه، فقد أشار إلى المعنى(7) والعقاب نفسه في الآية، كما هو واضح في النص هو جلد كل “منهما” – أي الزاني والزانية – مائة جلدة ودعونا من الدخول في عديد من التفصيلات حول ثبوت تغريب عام بالسنة أو فرض ذلك على الرجل وعدم فرضه على المرأة في قول بعض الفقهاء، رغم أن هذا فيه تشديدًا لعقوبة الرجل على عكس ما يحدث نتيجة للقانون، الذي يشدد عقوبة المرأة، وإن كان قد ذهب بعض العلماء إلى أنه قدم الزانية على الزاني في الآية تغليظًا واهتمامًا؛ لأنه كان في ذلك الزمان زنی النساء فاش وكان لإماء العرب وبغايا الوقت رايات(8)، وانظروا هنا إلى تشديد القرآن.. فلم يجعل عقاب المرأة مائة جلدة وواحدة بل قدمها فقط في الذكر مما اعتبره العلماء تشديدًا وردعًا، ودعونا من اختلاف العلماء في كيفية الجلد، وهل يجلدا واقفين أم جالسين وهل الرجم للزاني والزانية المحصنين، رغم ثبوته في السنة وعدم ذكره في نص قرآني صريح, كان حالة استثنائية، أم هو قاعدة عامة كان يضعها الرسول للمسلمين بعده، خاصة وأن “عمر” و “علی” قاما بالموافقة على رجم الزناة في عهد عمر، ولكن الثابت والمهم هنا أن نذكر أن حتى في حالة ثبوت الرجم للزاني والزانية المحصنين.. فقد ساوت السنة بين الرجل والمرأة في العقاب، ولم يشدد العقاب على المرأة دون الرجل .
والآية السابقة تعطى الحق للحاكم والرعية بطلب إنزال العقاب بممارس هذه الجريمة، ولم تعط أحد الزوجين فقط هذا الحق. ومن الثابت أنه لم يكن بالأمر الهين إثبات الزنا فقد تشددت الشريعة الإسلامية في إثبات وقوع الزنا لأسباب كثيرة تعددت ما بين خفاء هذه الجريمة في العادة.. لذلك فيجب غلق باب التراشق بها، تسهيل التوبة والرجوع للعاصي ما دامت لم تكشف، الحفاظ على أعراض المسلمين من التقول.. لذلك فقد جعلت الشريعة طرق إثبات الزنا صعبة، فهي إما الشهادة وقد تشددت في الشهادة حتى طلب أربعة شهود، وأن تكون الشهادة بأن رأوا فعل الجماع ذاته ثم يأتى لاعتراف أو الإقرار بالزنا “هذا عن إثبات الزنا في الشريعة، ولكنها في القانون أسهل كثيرًا فالمادة 276 تحتوى على طرق إثبات الزنا على المتهم “شريك الزوجة في الزنا” بشكل حصري وهي القبض في حالة تلبس، الاعتراف، وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه، وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم، وورد هذا في نص المادة 276 عقوبات.
“الأدلة التي تقبل وتكون حجة على المتهم بالزنا هي القبض عليه حين تلبسه بالفعل أو اعترافه أو وجود مكاتيب أو أوراق أخرى مكتوبة منه أو وجوده في منزل مسلم في المحل المخصص للحريم” (9) .
أما أدلة ثبوت الزنا على الزوجة.. فالجريمة تثبت بكافة طرق الإثبات المختلفة، ومنها القرائن وشهادة الشهود، وفي حالة ثبوت الزنا على الرجل أو المرأة يتم عقابهم في الشريعة، دون أن يحق لأحد وقف هذا الحكم، بل وترفض التهاون في هذا التنفيذ، فقد كانت الآية صريحة حين طلبت من الحاكم عدم التهاون بدافع الرحمة فالله أدرى بعباده وهو أرحم منهم. ومن الجدير بالذكر أن القانون عندما أعطى هذا الحق للزوج – حق العفو عن الزوجة ووقف العقوبة برضائه معاشرته لها كما كانت – يفتح بابًا من المساومة التي تضطر الزوجة للتنازل عن الكثير من حقوقها، مقابل أن يوقف الزوج تنفيذ الحكم.
والقانون لا يعطى الرجل فقط الحق في وقف تنفيذ الحكم، بل يعطيه بنص مادة أخرى الحق في الحكم على الزوجة وتنفيذ هذا الحكم فورًا فيكون بذلك الخصم والحكم والجلاد كما يقولون؛ مما ينفي أي شكل من العدالة، ودعونا نورد الآن نص المادة:
“من فاجأ زوجته حال تلبسها بالزنا وقتلها في الحال هي ومن يزني بها يعاقب بالحبس بدلا من العقوبات المقررة في المادة 234، 236″(10).
المادة 234 عقوبات “من قتل نفسًا عمدًا من غير سبق إصرار أو ترصد يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة“(11) مادة 236 “كل من جرح أو ضرب أحدا عمدا أو أعطاه مواد ضارة ولم يقصد من ذلك قتلا ولكنه أفضى إلى الموت يعاقب بالأشغال الشاقة أو السجن من ثلاث سنوات إلى سبع.وأما إذا سبق ذلك إصرار أو ترصد فتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة أو السجن“(12) .
إذا فلن يحاكم الزوج على قتل زوجته وشريكها في الزنا بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ولكن سيعاقب بالسجن فقط، وعندما تثار هذه القضية عادة ما تذكر مبررات من نوع أنه نفسية الزوج المصدوم، لم يكن في وعيه، أو لقد جلبت له العار الذي لا يمحوه إلا الدم.
إذا فالزوج واقع تحت تأثر نفسي شديد والرجل الشرقي غيور.. هذا ما يقره القانون، ولكن للشريعة رأى آخر .
[ والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين، ويدرأ عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين](13) وورد في أسباب نزول هذه الآية أنه عندما نزلت الآية الكريمة: [ والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون، إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم، والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين] (14) .
“روى أبو داود عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف أمرأته عند النبي ﷺ بشريك ابن السحماء، فقال النبي ﷺ “البينة أو حد في ظهرك” قال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلا على أمراته يلتمس البينة فجعل النبي يقول “البينة وإلا حد في ظهرك” فقال هلال: والذي بعثك بالحق إنى لصادق، ولينزل الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد، فنزلت: “والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم …”(15) وقيل نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات وتناول ظاهرها الأزواج وغيرهم قال سعد بن معاذ: يا رسول الله، إن وجدت مع أمرأتي رجلا أمهله حتى آتى بأربع والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه. فقال رسول الله: “أتعجب من غيرة سعد لأنا أغير منه والله لأغيرمنی” (16).
مما رواه أبو داود نرى أن الرسول ﷺ لم يعط نفسه الحق في التخفيف من عقاب الزوج، تحت دعوى حالته النفسية أو ضغط المجتمع، بل طالب بالبينة والتي هي أربعة شهود لإثبات الزنا على الزوجة، وعندما عارض الرجل لعدم وجود بينة وأن هذا ليس منطقيًا في ظل هذه الظروف، رفض الرسول إلا تنفيذ الحكم القرآني رغم أن المجتمعات القبلية كانت أشد تعصبا، وأن الضغط النفسي في الموقف نفسه لم يتغير، ولننظر في قول الرسول الكريم “أنا أغير منه والله أغير منى فالأمر يتعلق بالمجتمع وبشريعة الله إذًا فالله ورسوله أكثر غيرة عليه من أي من المسلمين، ولكن للقانون المصرى الآن رأى آخر وربما كان ذلك لأن هذا المجتمع بالفعل يتعامل مع الشرف باعتباره ملك فقط للرجل وحق له ينبغي إعطاءه مساحة من الحرية للدفاع عنه وعقاب من يمسه بالتالي، وارتكانًا على هذا المنطق، منح القانون الحق للرجل في التلاعب في بعض الأحيان بالقانون، وتلفيق بعض المواقف التي ربما تظهر، وكأن قتل الزوجة بدافع الشرف خاصة مع عدم طلب القانون المنطق لشهود غير الزوج لإثبات رؤيته لها تزني .
ولننظر إلى صفحة الحوادث لنرى عدد الحوادث، التي يتم فيها القتل بدافع الشرف ليس فقط بيد الزوج ضد زوجته بل بيد الأخ أو الأب أو الزوجة، وقد قام مركز قضايا المرأة المصرية بعمل أرشيف كامل حول هذا الموضوع، الذي يشير إلى أن القانون يفتح مساحة للقتل والحصول على عقاب مخفف تحت ما يسمى بالسلطة التقديرية للقاضي، فيضيع حق المرأة؛ خاصة وأن عديداً من هذه الجرائم تحت ما يسمى بالشك في السلوك، دون أن يتثبت القاتل من أسباب جريمته (17) .
ونعود للشريعة ولآية الملاعنة والتي تجعل من كلمة الرجل الذي ادعى أن زوجته زنت أمام كلمتها بالإنكار، وليقف الاثنين إذًا في مكان مقدس “المسجد“، وليحلف كلا منهما على صدق ادعائه أو نفيه وليستوجب لعنة الله عليه أو غضبه إن كان من الكاذبين، وهنا تم توكيل الأمر في النهاية لله الذي يعلم سرهما فأحدهما كاذب، ولكن لا يحق لأحد أن يدعى المعرفة .
وبانتهاء الملاعنة تنتهى العلاقة الزوجية بين الاثنين .. قال مالك وأصحابه “وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين، فلا يجتمعان أبدا ولا يتوارثان، ولا يحل له مراجعتها أبدا لا قبل زوج ولا بعده وهذا الرأى للفقهاء والذي استقوه من تفريق الرسول بين المتلاعنين بقوله بعد انتهاء الملاعنة للزوج “لا سبيل لك عليها“، بل أمر كل منهما أن يخرج من باب من أبواب المسجد غير الذي يخرج منه الآخر دليل على تمام الفرقة، ولم يجعل للزوج حق العودة لمعاشرة الزوجة كما كانت بعد اتهامه لها بالزنا.. فلو كان صادقا فلن يستطيع استئناف الحياة الزوجية بما نص عليه الكتاب من مودة ورحمة بعد أن رآها تزني، ولو كان كاذبا فإمساكه لها إيذاء لشعورها وإجحاف لإرغامها على استمرار عشرتها مع رجل اتهمها بأفظع الاتهامات، ولم ير رسول الله في هذا التفريق نوعًا من القسوة أو هدمًا للحياة الأسرية، كما يسوق المدافعين الآن عن القانون هذه الأسباب لاستمرار استخدام الزوج لوقف حكم الحبس ضد المرأة، في حالة ثبوت الزنا عليها.
حالة عملية:
ولننظر إلى إحدى الحالات التي ضاع فيها حق المرأة في إثبات الزنا على زوجها بسبب مواد القانون المجحفة لحقوق المرأة:
الوقائع:
أبلغت السيدة منى قسم البساتين ضد كل من “فاتن، ووحيد” تتهم في بلاغها المتهم الثاني “وحيد” بالزنا مع المتهمة الأولی “فاتن“، حال كون المتهم وحيد زوجًا لمنى إلا أنه زنا مع فاتن، بل وحرر عقد زواج عرفي بينه وبينها، قدمته منی لضمه لأوراق المحضر وكذلك عدد عشرة خطابات أرسلتها المتهمة الأولى للمتهم الثاني، تكشف فيه عن علاقة غير شرعية بينهما – وأثناء عرض منى والمتهمين على النيابة العامة حضر السيد محمود زوج فاتن وأخو منى في الوقت نفسه، ووجه تهمة الزنا لزوجته وكذلك الجمع بين زوجين حال كونها زوجة رسمية له ووجود عقد زواج عرفي بينها وبين وحيد، وباشرت النيابة التحقيق إلى أن تم إحالة المتهمين للمحكمة، وطالبت بمعاقبتهما بالمواد (276، 275، 274، 273) من قانون العقوبات.
وبجلسة 7/2/2000 طعنت فاتن بالتزوير على عقد الزواج العرفى، وكذلك على جميع الخطابات الموجودة بالمحضر، وقررت المحكمة وقف سير الخصومة وإحالة الأوراق للنيابة العامة لاتخاذ شئونها نحو تحقيق الطعن بالتزوير .
وبجلسة 21/ 5/ 2001 ورد تقرير خبير الخطوط بمصلحة الطب الشرعي يفيد أن جميع الخطابات الموجودة بالمحضر بخط يد فاتن، وأنها هي المحررة بخط يدها للعبارات الثابتة بالأوراق موضوع الطعن .
وبجلسة 9/ 7/ 2001 فوجئ الحاضر عن منى بحضور أخوها محمود وزوج المتهمة فاتن وأنه يقر بالتنازل والتصالح عن الجنحة، الأمر الذي يضحي معه انقضاء الدعوة الجنائية ضد فاتن، ولأن الزنا تم في غير مسكن الزوجية فقد انقضى أيضًا بالنسبة لمنى ولا يحق لها إثبات الزنا على زوجها .
هذه الحالة تثبت مدى ضياع حق الزوجة التي رغم ثبوت وقوع الزنا بالرسائل وعقد الزواج العرفي .. إلا أنها لم تستطع الحصول على حقها؛ لأنها لم تستطع إثبات أن هذا الزنا قد تم في منزل الزوجية، وانتهى بذلك حق المجتمع في العقاب على جريمة تهدد وتضر بكيان الأسرة(18)، هذه الحالة التي تمت بالتأكيد ليست الوحيدة، ولن تكون الأخيرة في ظل القانون الحالي، والذي تم الطعن عليه بعدم الدستورية، من قبل المكتب العربي للقانون في عام 2001(19) .
ليس الطعن بعدم الدستورية هو المجهود الوحيد لمحاولة تغيير القانون، بل تمت إثارة الموضوع في مجلس الشعب من خلال إحدى النائبات.. إلا أنه تم السكوت المفاجئ وغير المبرر عنه، كما أثارته الصحف وتعددت التساؤلات.. إلا أنه للآن لم يتم تغيير القانون، ودعونا نتساءل سؤالاً مشروعًا: هذه المواد تتعارض مع الشريعة، وتلغى المساواة بين الرجل والمرأة، وبالتالي فهي تتعارض مع الدستور المصري، الذي ينص على المساواة بين الجنسين لماذا يظل هذا القانون مطبقًا لمدة 67 عامًا دون تغيير، ضاربًا عرض الحائط بالتغيير الاجتماعي والاتفاقات الدولية وحقوق الإنسان وحقوق المجتمع والأسرة لمصلحة من ؟؟؟ سؤال بلا إجابة يوضع ضمن قائمة طويلة من الأسئلة، التي تدور حول حال المرأة في مصر.
(1) الأهرام، تحقيق بعنوان “قانون أيضًا يعرف الخجل“، العدد 41158 .
(2) قانون العقوبات المصرى وفقًا لآخر تعديلاته، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية.
(3) المرجع السابق.
(4)المرجع السابق.
(5) مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الخلع، (2008) .
(6) سورة النور الآية 2.
(7) القرطبي سابق .
(8) شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، القاهرة ص 3 .
(9) الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية سابق .
(10) السابق.
(11)السابق.
(12) السابق .
(13) سورة النور الآية 6، 7، 8، 9.
(14) سورة النور الآية 5، 4 .
(15) القرطبي سابق .
(16) القرطبي سابق .
(17) مركز قضايا المرأة المصرية، جرائم الشرف، 2001.
(18) الأسماء الواردة في هذه الحالة تم تغييرها مراعاة لمشاعر وظروف أطرافها .
(19) المكتب العربي للقانون، عريضة الدعوة المقدمة للمحكمة الدستورية العليا .
1 – المكتب العربي للقانون، عريضة الدعوة المقدمة للمحكمة الدستورية العليا.
2 – الأهرام، تحقيق بعنوان قانون أيضًا يعرف الخجل، العدد 41158 .
3 – شمس الدين القرطبي، تفسير القرطبي الجامع لأحكام القرآن، القاهرة، ص 3.
4 – قانون العقوبات المصرى وفقًا لآخر تعديلاته، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية .
5 – مركز قضايا المرأة المصرية، جرائم الشرف، 2001 .
6- القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، الخلع، 2000 .