يعتبر مفهوم العلمانية من المفاهيم التي يصعب تحديد معانيها وأبعادها، وكلمة “علمانية” هي ترجمة لكلمة “سيكولاریزم Secularism الإنجليزية، وهي مشتقة من كلمة لاتينية “سيكولوم Saeculum”، وتعني العالم أو الدنيا وكانت تستخدم في مقابل ما هو إلهي أو كنسي.
استخدم مصطلح “سيكولار Secular ” لأول مرة مع توقيع صلح وستفاليا ( عام 1648م) – الذي أنهى الحروب الدينية المندلعة في أوروبا – وبداية ظهور الدولة القومية الحديثة، وقد استخدم المصطلح للإشارة إلى علمنة ممتلكات الكنيسة، بمعنى نقلها إلى سلطات غير دينية أي سلطة الدولة المدنية. وكانت الحكومة الفرنسية هي أول حكومة لا دينية تحكم باسم الشعب وكان ذلك بعد نجاح الثورة الفرنسية في الانتصار على الكنيسة.
ورغم خروج مصطلح “علمانية” من رحم التجربة الغربية، إلا أنه انتقل إلى القاموس العربي الإسلامي، مثيرًا للجدل حول دلالاته وأبعاده، والواقع أن الجدل حول مصطلح “العلمانية” في ترجمته العربية يعد إفرازاً طبيعياً لاختلاف الفكر والممارسة العربية الإسلامية عما كان سائدًا في البيئة التي تولد هذا المفهوم فيها، لكن ذلك لم يمنع المفكرين العرب من تقديم إسهاماتهم بشأن تعريف العلمانية.
تختلف إسهامات المفكرين العرب بشأن تعريف مصطلح “العلمانية“، فيرفض المفكر المغربي محمد عابد الجابري، على سبيل المثال، تعريف مصطلح العلمانية على أنه فصل الكنيسة عن الدولة فحسب، لعدم ملاءمته للواقع العربي الإسلامي، ويرى استبداله بفكرة الديموقراطية “حفظ حقوق الأفراد والجماعات“، والعقلانية “الممارسة السياسية الرشيدة“. في حين يرى د. وحيد عبد المجيد الباحث المصري أن العلمانية ( في الغرب) ليست أيديولوجية – منهج عمل – وإنما مجرد موقف جزئي يتعلق بالمجالات غير المرتبطة بالشئون الدينية. ويميزد. وحيد بين “العلمانية اللادينية” – التي تنفي الدين لصالح سلطان العقل – وبين العلمانية التي نحت منحى وسيطًا، حيث فصلت بين مؤسسات الكنيسة ومؤسسات الدولة مع الحفاظ على حرية الكنائس والمؤسسات الدينية في ممارسة أنشطتها. وبين هذا وذاك، يجيء د. فؤاد زكريا – أستاذ الفلسفة – الذي يصف العلمانية بأنها الدعوة إلى الفصل بين الدين والسياسة ملتزماً الصمت إزاء مجالات الحياة الأخرى (الاقتصاد والأدب)، ويرفض في ذات الوقت سيطرة الفكر المادي النفعي، ويضع “القيم الإنسانية والمعنوية” مقابل المادية، حيث يعتبر أن هناك محركات أخرى للإنسان غير المادة.
ويقف د. مراد وهبة – أستاذ الفلسفة – وكذلك الكاتب السوري هاشم صالح إلى جانب “العلمانية الشاملة” التي يتحرر فيها الفرد من قيود المطلق والغيبي وتبقى الصورة العقلانية المطلقة لسلوك الفرد، مرتكزًا على العلم والتجربة المادية. ويتأرجح د. حسن حنفي المفكر البارز صاحب نظرية “اليسار الإسلامي” – بين العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة ويرى أن العلمانية هي “فصل الكنيسة عن الدولة” كنتاج للتجربة التاريخية الغربية، ويعتبر د. حنفي العلمانية – في مناسبات أخرى – رؤية كاملة للكون تغطي كل مجالات الحياة وتزود الإنسان منظومة قيمية ومرجعية شاملة، مما يعطيها قابلية للتطبيق على مستوى العالم. ويذهب محمود أمين العالم إلى أن العلمانية ليست مجرد فصل الدين عن الدولة وإنما هي بين “رؤية وسلوك ومنهج“.