عيد الأم ما بين الإحتفاء بقيمة الأمومة و ترسيخ الدور النمطي للنساء
مقدمة
21مارس من كل عام عيد الأم ، بداية فصل الربيع ، سبب الاختيار لهذا اليوم بالتحديد للإحتفال بالأمهات يعود إلى أن الربيع فصل النماء ،العطاء ، الصفاء، الخير ، كما الأمهات تماما.
بدأ الكاتب الصحفي مصطفي أمين احد مؤسسى دار “أخبار اليوم” طرح الفكرة في مصر عندما قامت بزيارته إحدى النساء ، لتروي له قصة المعاناة التي تعيشها بعد رحيل زوجها ، وتحملها مسئولية أولادها لوحدها دون شريك ، فكتب وطالب في عموده اليومى” فكرة” بتخصيص يوم سنوى للاحتفال بعيد الأم في مصر لتكريم الأمهات التي عانت في حياتها من أجل أولادها ، وهو ما حدث بالفعل عندما استجابت الدولة للمطلب الخاص به عام 1956 وتم الاحتفال لأول مرة بهذا اليوم ، ومنذ هذا التاريخ وحتى الأن يتم الاحتفال فى مصر ، الدول العربية بيوم الأمهات.
وبهذه المناسبة تغنى العديد من المطربين ات بتضحيات الأمهات كنوع من العرفان بالجميل، والتكريم لهن ، وكان من أشهر الأغانى التى لحنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ، وغنتها المطربة فايزة أحمد اغنية ست الحبايب من تأليف الشاعر الغنائى الكبير حسين السيد في “بداية الستينيات من القرن الماضي“.
والتي قام الشاعر بتأليفها تكريما لوالدته عندما اكتشف انه نسى شراء هدية لها يوم عيد الأم ، والتي تقول كلماتها ” ست الحبايب يا حبيبة يا أغلى من روحى ودمى يا حنينه وكلك طيبة يا رب يخليك يا أمى ست الحبايب يا حبيبة أنام وتسهرى وتباتى تفكرى وتصحى من الآذان وتقومى تشقرى يا رب يخليك يا أمى يا ست الحبايب يا حبيبة يا حبيبة“.
وما زالت المحال التجارية حتى اليوم تستغل المناسبة من خلال الترويج لبيع هدايا عيد الأم الخاصة بها من خلال هذه الأغنية التي مر على إنتاجها ما يقرب من ال60 عاما .
و لكن بعيداً عن الطابع الاستهلاكي للمناسبة ، وقوالب الحلوى، والكيك التي يقوم الأبناء بتقديمها لأمهاتهن للاحتفال بهن ، تعيش أمهات اليوم صراعاً صعباً ، يتمثل في البحث عن مساحتهن الخاصة في هذا المجتمع المتغيّر ، وسط أدوار اجتماعية كثيرة يتحملن مسؤوليتها.
فهن يستيقظن باكرا من أجل أطفالهن ، وأيضا من أجل الذهاب إلى أعمالهن ، ويبدو أنّ بين جيلين من الأمهات ثغرات لم تتضح معالمها بعد ، بالأمس عرفت الكثيرات منهن الأمومة دون غيرها .
واليوم تبحث الأمهات عن ذواتهن بين جميع الأدوار ، كما تتزايد المشاركة المتنامية للنساء في ميادين العمل، حيث أصبحت المرأة في العالم عامة تتواجد في قطاعات عدة ، وتساهم في تنمية مجتمعها، وتشعر بقيمة انجازاتها وعطائها, وكذا دعمها المادي لزوجها وأسرتها ، كزوجة ، وأم وربة بيت .
إلا انه مازالت الثقافة المجتمعية السائدة تدافع عن الدور النمطي للنساء في المجتمع والمتمثل في دور الأم ، رعاية الزوج ، والخدمات المنزلية فقط لا غير ، تلك الثقافة التي تحاصر جميع الفتيات والنساء، وتشعرهن بأن قيمتهن الحقيقية وتحقيق ذواتهن يكمن في دور الأم فقط لا غير ، وما يعقبه من أعباء حياتية ومالية تتحملها النساء المعيلات وحدهن وسط ضعف برامج الحماية سوء من قبل الدولة أو منظمات المجتمع المدني بشكل عام .
وهكذا تجلى الاحتفاء المجتمعى بعيد الأم طوال السنوات الماضية ، وانعكس ذلك بشكل واضح على رؤية الاحتفال بعيد الأم كل عام والتي تسيطر عليها النظر النمطية للنساء، والتي يجب عليهن تحمل المزيد من الأعباء والعنف لكي يتم الاحتفاء بهن ويظهر ذلك بوضوح في معايير مسابقة اختيار “الأم المثالية التي تجريها وزارة التضامن الاجتماعي منذ بدء الاحتفال بالمناسبة ، وحتى الأن .
والمتمثلة في :
1 – ألا يقل السن عن 50 سنة.
2- لها قصة عطاء.
3 – ألا يزيد عدد الأبناء عن 3 أبناء ويستثنى من هذا الشرط محافظات الحدود بحد أقصى 5 أبناء.
– 4 جميع الأبناء حاصلين على مؤهل عال ويستثنى الابن المعاق ذهنياً غير قابل للتعليم.
– ومن المعايير المرجحة لاختيار الأم لهذا العام 2019 ما يلي:
1 – تفضيل الأعلى درجة فى السلم التعليمي للأبناء.
2 – والأم التي استطاعت أن تتعلم مع أبنائها وحصلت على مؤهل.
3 – الأم العاملة أو التي لها زوج مريض أو الأرملة والمطلقة.
4- الأم البديلة كونها أم لأسرة كافلة لأطفال محرومين من الرعاية الأسرية في منزلها مع أطفالها الشرعيين ، أو زوجة لأب قامت برعاية أبناء الزوج أو أن يكون الابن البديل قد حصل على مؤهل عال.
5- والمساواة بين جميع الأبناء داخل الأسرة في التعليم والصحة والمعاملة، كما أن من المعايير المرجحة لاختيار الأم البديلة تتعلق بفترة رعاية أطول للإبن البديل أو ابن الزوج، أيضاً تفضيل الأم التي وصل الإبن البديل لها إلى الدرجة الأعلى في السلم التعليمي.
وبالنظر إلى تلك المعايير نجد أنها لا تعتبر تجربة الأمومة التي تمر بها النساء عطاء في حد ذاته بل ترسخ لفكرة انها الدور النمطي والطبيعي للنساء ، كما أنها تحمل النساء وحدهن مسئولية الإنجاب والوضع الاجتماعي والنفسي والاقتصادي والصحي للأسرة دون الرجال سواء كانت جزءا من العملية الإنجابية أو لا ، ويمتد الأمر إلى تحمل النساء نتائج تلك الأعباء والالتزامات ومردودها على الأبناء سواء على مستوى الرعاية والخدمات المقدمة لهم أو على مستوى تحصيلهم والدرجة العلمية التي وصلوا إليها .
كما تنطوي معايير اختيار الأم المثالية على ضرورة تحمل النساء المزيد من العنف الممارس ضدهن بل عليهن وحدهن تحدي كافة أشكال العنف ، وتوفير حياة آمنة ومستقر في المقام الأول للرجال المعفيين مجتمعيا من العديد من المسئوليات الخاصة بالأسرة والأبناء بغض النظر عن احتياجاتهن الغير ملباة فى الوقع ، أو الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية التي تعيش فيها النساء والتي تساهم بشكل كبير في المزيد من العنف ، والعراقيل التي تكون بمثابة حجر عسر أمام النساء لتحقيق أنفسهن ، وأحلامهن والتي هي بضرورة غير مرتبطة بدور الأمومة .
وبالرغم من الخطوات الايجابية المتعددة التي اتخذتها الدولة المصرية خلال الخمس سنوات الماضية ، والمتمثلة في الإستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء ،استراتيجية تمكين 2030 والمتمثلة في تمكين النساء على المستوى الاقتصادي ،الاجتماعي ، والسياسي إلا أن الإجراءات والمعايير التي وضعتها وزارة التضامن تسير في اتجاه معاكس يمكن له ان يساهم في عرقلة محاولات الدولة ، والمجتمع المدني بشكل عام لمناهضة العنف ضد النساء ومحاولات تمكينهن على المستوى الاقتصادي ، والاجتماعي .
ويظهر ذلك بشكل واضح داخل الفئات الأكثر فقراً من النساء ، واللاتي تتعرضن للمزيد من العنف الموجه ضدهن نتيجة سيطرة الثقافة السلطوية الأبوية خاصة داخل المجتمعات الريفية والتي تميز بين الرجال ، والنساء وتفضل بينهم ، وترسخ للمفاهيم الاجتماعية النمطية لدور النساء داخل تلك المجتمعات ، والذي يتمحو في خدمة الذكور ، وإنجاب الأطفال ، ورعاية الأسرة وسط تدني للخدمات المقدمة لهن في مجال التعليم والرعاية الصحية خاصة الصحة الجنسية والإنجابية وفرص العمل ، تلك الظروف مُجتمعة تقف حجر عسر أمام محاولات تمكين النساء على المستوى الاقتصادي مما يساهم بشكل جذري في ارتفاع معدلات الفقر ، والمرض، والإنجاب بين تلك الفئات.
فوفق تعداد مصر عام 2017 والصادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ، يبلغ عدد النساء المقيمات في الريف 26,486,209 من اجمالي عدد النساء في مصر والبالغ 45.906,334 بنسبة 57,69% من اجمالي عدد النساء في مصر فيما تبلغ نسبة النساء داخل الريف.
النساء اللاتي لم يلتحقن بالتعليم نهائيا من الفئة العمرية 4 سنوات فأكثر 8,662,391 بنسبة 32,7 % من إجمالي النساء المقيمات في الريف ، وبلغ عدد النساء المتسربات من التعليم في الريف 1,731,501 بنسبة 6,53 % من إجمالي نساء الريف بينما بلغ عدد الملتحقات بالتعليم 7,081,870 بنسبة 26,73 % من إجمالي النساء ، أما النساء اللاتي التحقن بالتعليم وانهين تعليمهن بالحصول على مؤهل دراسي ما بين تحت المتوسط والمتوسط وفوق المتوسط والعالي فكان عددهن 5,788,819 بنسبة 21,85% من اجمالي النساء المقيمات في الريف .
وبنظر إلى الفئة العمرية الأكثر ضرراً والتي تتعرض للمزيد من العنف والتهميش والواقعة ما بين 18 – 30 عام يبلغ عدد النساء المقيمات في الريف من تلك الفئة العمرية 8,454,615 بنسبة 31,92 % من اجمالي النساء المقيمات في الريف فيما يبلغ عدد النساء الغير حاصلات على اي قسط من التعليم بين تلك الفئة العمرية 2,896,294 بنسبة تصل الى 31,95 % من اجمالي النساء في الفئة العمرية 18 30 عام وتتعرض تلك الفئة للعديد من الانتهاكات والعنف والتهميش والذي يؤثر بسلب على محاولات تمكينهن على المستوى الاقتصاد والاجتماعي حيث بلغت عدد المتزوجات 7,583,807 بنسبة 89.70% من إجمالي الفئة العمرية 18 – 30 عام بينما بلغ عدد المتزوجات القاصرات من الفئة العمرية أقل من 15 عام – 17 عام 11,292,676 بنسبة 42,63% من اجمالي النساء المقيمات في الريف .
الخدمات الصحية والعامة:
%54 من اجمالي النساء في الريف لا يحصلن على خدمات التامين الصحي . 49 % لا يحصلن على خدمات الصحة الجنسية والإنجابية
72,60 % غير متصلات بشبكات الصرف الصحي العامة ، 33,48% غير متصلات بمصدر مياة نظيفة ، 97,49 % لا يمتلكن هن وأسرهم إي وسيلة نقل خاصة ، 83,79 % لا يستخدمن شبكة الانترنت ، 8228%% لا يستخدمن الحواسيب ، 48,17 % لا يستخدمن الهاتف النقال.
تلك الأوضاع التي تنعكس بالسلب على قدرة النساء في المشاركة بالعملية الاقتصادية كقوة عمل فاعلة في التنمية الاقتصادية ، والنهوض بالأوضاع الاجتماعية الاقتصادية ، والثقافية للمواطنين في مصر.
المشاركة في الناتج الاقتصادي :
سجل تقدير حجم قوة العمل 28.027 مليون فرد (22.686 ذكور ،5.341 إناث ) وقد بلغت قوة العمل فى الحضر 11.385 مليون فرد بينما بلغت فى الريف 16.642 مليون فرد. وفقا للبيانات الأولية لبحث القوى العاملة عام 2018 بلغت مساهمة المرأة في قوة العمل أقل من الربع 20.9% من إجمالي قوة العمل (15سنة فأكثر) مقابل79.1% للرجال. فيما بلغ معدل البطالة 21.4% للإناث مقابل 6.8% للذكور. وبلغت نسبة الإناث المشتغلات (15 سنة فأكثر) %18.2 مقابل الذكور 81.8% بينما بلغت نسبة الإناث المشتغلات في الزراعة والصيد %28.8 المشتغلات فيما بلغت العاملات في الخدمات ومحلات البيع 17.7%
الأوضاع الأسرية :
وفقا للبيانات الأولية لنشرة الزواج والطلاق عام 2018 بلغ عدد عقود الزواج على مستوى الجمهورية 887315 عقد عام 2018 مقابل 912606 عقد عام 2017. فيما بلغ عدد إشهادات الطلاق على مستوى الجمهورية 211521 إشهادة عام 2018 مقابل 198269 شهادة عام 2017.
وبلغ عدد الأسر التي ترأسها سيدات (3.3) مليون أسرة في تعداد 2017، وكانت نسبة الأميات منها 59.1% من إجمالي النساء رؤساء الأسر يليها الحاصلات على مؤهل متوسط 17.6%، ثم الحاصلات على مؤهل جامعي بنسبة 8.5% ، وتعد معظم النساء رؤساء الأسر في تعداد 2017 من الأرامل، حيث بلغت النسبة 70.3% من إجمالي الإناث رؤساء الأسر على مستوى إجمالي الجمهورية، يليها المتزوجات بنسبة 16.6% ثم المطلقات 7.1%.
وارتفعت نسبة الإناث المتزوجات من 63.4% عام 2006 إلى 70.3% عام 2017، كما ارتفعت نسبة المطلقات من 1.2 إلى 1.7 ، بينما انخفضت نسبة الإناث اللاتي لم يسبق لهن الزواج من 24.3 إلى %17% خلال نفس الفترة.
تمثيل المرأة في صنع القرار :
حصلت النساء على 8 حقائب وزارية داخل مجلس الوزراء بنسبة 24% من عدد الوزراء في الحكومة فيما بلغ عدد القاضيات 66 قاضية من إجمالي عدد القضاة 9694. بنسبة 0,68 % فقط ، بينما نسبة تمثيل المرأة في السلك الدبلوماسي والقنصلي 24,8%% من إجمالي العاملين.
وبلغت نسبة النساء رؤساء تحرير الصحف القومية حوالي 18% من إجمالي رؤساء الصحف القومية. وبلغت نسبة النساء أعضاء مجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية 12.5% من إجمالي الأعضاء. فيما بلغت نسبة الإناث أعضاء الهيئة الوطنية للصحافة 7.7% من إجمالي الأعضاء .
المشكلات بالرغم من اهتمام الدولة المصرية، وإعلانها تبني الإستراتيجية الوطنية لتمكين المرأة 2030 وكذلك الإستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء ، وبذلها للعديد من الجهود في دعم النساء ، مناهضة العنف ضدهن ، إلا أن التدابير والإجراءات المتبعة لا ترقي إلى حجم والتحديات التي تقف حائلا إمام تمكين النساء ومناهضة العنف ضدهن والتي تستوجب بيئة تشريعية ملائمة تساهم في دعم ، تمكين النساء المصريات ، لذا نقترح ما يلي :
1 – إصدار قانون موحد لتجريم العنف ضد النساء.
2 – الإسراع في إنشاء المفوضية المستقلة لمناهضة التمييز ، والتي أقرها الدستور المصري في المادة 53.
3 – إصدار قانون أحوال شخصية عادل للنساء ، ولجميع أفراد الأسرة المصرية .
4 – إصدار قانون عمل يمكن النساء من حقوقهن ، ويساوى بينهن وبين الرجال في فرص العمل ، الترقي ، والمكافأت مع التأكيد على ضرورة ضم الفئات المستثناة من مظلة القانون الزراعة البحتة ، “عمالة المنازل العمالة الغير منتظمة“.
5 – إعادة النظر في القوانين المتعلقة بالضرائب ، والمساواة بين الرجال ، النساء خاصة في الإعفاءات الضريبية .
6 – العمل على ضم ” العمل المنزلي” إلى الناتج القومي للبلاد .
7 – إلزام المنشات الاقتصادية ،والخدمية العامة ، والخاصة بمدونة سلوك مهنى تحمي وتصون حقوق النساء في بيئة العمل.