فاطمة النيسابورية

التصنيفات: غير مصنف

فاطمة النيسابورية

فاطمة النيسابورية (المتوفية ٨٤٩م) من خراسان (جزء من إيران، وهي من شهيرات الصوفيات التي قيل عنها في كتب التاريخ أنها هجرت حياة الترف كإبنة لأمير مدينة بلخوسلكت طريقةالصوفية،خاصة عندما عرضت نفسها زوجة للصوفي المعروف أيضا أحمد بن الخضروية، فبعثت إليه مرة ولما لم يجبها بعثت إليه مرة أخرى تعاتبه: “كنت أعتقد أنك رجل بحق وأشجع من هذا“! عاشت فاطمة حياتها كلها مع أحمد حتى رحلا سويا إلى نيسابور واستقرا بها،إلا إنها عادة تذكر في قواميس أعلام الصوفية منفصلة عن سيرة زوجها.

عُرفت فاطمة النيسابورية باجتماعاتها مع كبار صوفية العصر، أمثال ذي النون المصري وأبي يزيد البسطامي، في حلقات ذكر ومسائلة واستفسار عن أمور التعبد والعرفان. قال عنها ذو النون: “هي ولية (من أولياء الله عز وجل ) وهي أستاذي، كما مدحها بسطامي بقوله: “ما رأيت في عمري إلا رجلاً وامرأة، والمرأة فاطمة، ما أخبرتها عن مقام من المقامات إلا وكان الخبر لها عيانًا“. أي أنها تفوقت في المعارف الصوفية بقدر لم يتوقعه.

ومع ذلك نقرأ في سيرتها أن ذا النون رفض منها هدية أرسلتها له لأنه لا يريد أن يقبل هدية من امرأة، فردت عليه ردًا يعلمه ويذكره بالدافع وراء سلوك الصوفي الحق: “إن الصوفي الحقيقي لا ينظر بعين الاعتبار إلى الأسباب الثانوية في هذه الحياة (أي المصدر الدنيوي للهدية كونه رجلاً أو امرأةً)، ولكن إلى العاطي الأوحد للكل سواءوفي رواية أخرى أنها اعتادت أن تحادث وتناظر البسطامي في أمور الطريقةو المقاماتو الأحوالحتى أتى يوم لاحظ فيه البسطامي الحناء بيديها وسألها عن سبب ذلك، وهنا قالت له إنها كانت تجالسه لأنه لا يلحظ منها غير الروح وأنهما كانا بمثابة روحين يبحثان عن الحقيقة الإلهية، أما الآن وقد بدأ ينظر إليها كامرأة ذات زينة ووجود مادي دنيوي (كشيء)، فهذا ينفي الغرض من حلقات الذكر، ومن ثم امتنعت حيث ستسيطر النظرة الدنيوية على الأمور ولن يصبح حوار الروح المفتوح ممكنًا بعد الآن.

أما زوجها أحمد بن الخضروية، فقد كانت مرشدة له في أمور الدين وحياتهما العملية معًا، مع احتفاظها باستقلالها وثقتها بنفسها. فعندما غضب منها مرة لمحاوراتها وأحاديثها مع البسطامي وغيره،شرحت له أنه كزوجها قطعًا قريب من نفسها ويثير فيها عشقها وهواها،بينما يتقارب البسطامي معها على نهج الطريقةوشئون الروح، كما يستطيع البسطامي الامتناع عنها في أي وقت حيث لا ارتباط ملزم بينهما بينما يحتاج أحمد إليها دوماً.

وهكذا تتضح الصورة التاريخية لفاطمة كامرأة ذات شخصية قوية مستقلة وثقة بالنفس، ولها دور ملحوظ في الحياة الثقافية للنخبة المتصوفة في عصرها. فتظهر في التاريخ لها نبرة الإعجاب بخصائص شخصيتها هذه وبقدراتها في مجال التصوف، رغم وجود قدر من التوتر النابع من التباين بين وجهتين للنظر: تعليقات وآراء وإشارات الصوفيين والمؤرخين الرجال حولها من ناحية ثم رأيها هي من ناحية أخرى. كان على فاطمة أن تتصدى للسياق الثقافي والاجتماعي السائد والمهيمن فيما يخص النظرة إلى طبيعة الجنسين. ففاطمة لم تلتفت كثيرًا إلى طبيعتها المغايرة عن طبيعة الرجال حولها أو إلى فروق في الدرجات والأدوار، بل نجد نظرة شمولية إلى الإنسان أولاً وأخيرًا، وتعريفًا لهويتها الإنسانية في مقابل الله عز وجل دون التقيد بالتعريف الاجتماعي الدنيوي المحدود.

أما تعليقات وإشارات الصوفيين والمؤرخين حولها فهي التي تنم عن منظور ضيق لا يتجاوز الإدراك القوي للفروق النوعية وما توحي به من تفاضل. أي أن في إصرار فاطمة على الارتقاء بالبسطامي وأحمد إلى مستوى آخر من التفاعل والتعامل بين الرجال والنساء هو انتقال من مقياس التشكل الاجتماعي والثقافي المحدود للجنسين والذي يمكن أن يكون غير عادل ومنقوص إلى مقياس يمحو هذه الفروق ويساوي بين الجنسين فيضعهما على أرضية واحدة مشتركة متدنية بالمقارنة إلى الخالق سبحانه.

كما تعتبر فاطمة النيسابورية في كونها صوفية متزوجة وشخصية عامة نموذجًا مغايرًا لنموذج رابعة العدويةالتي تمثل الصوفية الراهبةالتي لم تتزوج بعد عتقها وضربت على نفسها نوعًا من العزلة عن الحياة الأسرية، كما شاب صورتها التاريخية بعض الأساطير والخيالات.

لوحة للفنان ماهر صبري

هذه صورة متخيلة بريشة الفنان ماهر صبري، مستوحاة من الروايات التاريخية عن فاطمة النيسابورية في إحدى الحلقات العلمية مع شيوخ الصوفية.

شارك:

اصدارات متعلقة

اغتصاب وقتل طفلة رضيعة سودانية في مصر
نحو وعي نسوي : أربع سنوات من التنظيم والتعليم السياسي النسوي
شهادة 13
شهادة 12
شهادة 11
شهادة 10
شهادة 9
شهادة 8
شهادة 7
شهادة 6