الحق في الإنجاب هل هو فقط في التقرير متى ننجب؟ أم يمكن أن يشمل الحق في ألا ننجب؟ ولكي تشاركوني القرار سأحكي لكم قصتي !!..
قصتي قصيرة لم يهتم بها أحد، فأنا فقيرة، وابنة أب وأم فقيرين ونحن حياتنا ولا تهم أحدًا.
لكن ما حدث لي في الأشهر القليلة الماضية هو ما غير حياتي ودفعني لطرح قصتي عليكم، فكنت – ولأيام كثيرة مضت – أعمل بائعة في محل للملابس الراقية، وكنت أعمل من العاشرة صباحًا حتى العاشرة مساءً يوميًا، وأحرص على أن أبدو نظيفة ومهندمة طوال الوقت حتى يرضى علي صاحب المتجر وأحافظ على عملي وعلى دخلي الذي يعتبر الركيزة المهمة في الإنفاق على أسرتي المكونة من أب وأم وثلاثة إخوة أصغر مني كنت أول كل شهر اقتطع من أجري – المائة وخمسون جنيهًا – خمسة وعشرين جنيهًا كمصروف لانتقالاتي ونفقاتي الخاصة، وأعطي المتبقي لوالدتي لتضعه مع دخلها ودخل والدي في مصروف البيت حتى نضمن ألا نعاني الجوع نحن الستة، وكنت كثيرًا ما أنقم بشدة على الفقر، وعلى أوضاعنا وعلى الحاجة الشديدة التي نعاني منها طوال الوقت، مع أننا نعمل ونكد ونحتمل ظروف العمل وأصحاب العمل، وكنت بدأت أعتاد الأمر. وذات يوم كنت عائدة من عملي متعبة وجائعة. وكانت الساعة تقترب من الحادية عشرة مساءً حين كنت أقترب من الحي الشعبي الذي نسكن فيه وإذا بشابين – طول بعرض – يعترضان طريقي، وحاولت أن أصرخ فكتم أحدهما أنفاسي وشدني الآخر إلى منطقة مهجورة قريبة، وضرباني ضربًا عنيفًا ومزقا ملابسي، ومزقا معها إحساسي بالحياة وبالأمان، بالحب وبالخير، وتناوبا ضربي واغتصاب جسدي النحيل الضعيف بلا رحمة، وأنا بلا جدوى أحاول مقاومتهما، أحاول أن أرد هذا الأذى عني لكنني فشلت بشدة وعجزت عن المقاومة، وبعد ما انتهيا من تعذيبي وهتك حياتي انصرفا، وبضعفي المعهود لملمت ما تبقى مني، وعدت إلى أهلي الذين هالهم مظهري وحالتي وأصر والدي أن نذهب للتو إلى قسم الشرطة لتأخذ الحكومة لنا حقنا، ومع كل جروحي ودموعي وألمي ذهبت معه، وحررنا محضرًا بالحادث وظل الضابط يسألني: من هم؟ ولماذا كنت بالشارع في هذا الوقت؟ – وكأنه لا يعلم أن الفتيات الفقيرات يعملن إلى هذا الوقت – وإن كنت أعرف أحدًا منهما ؟ وأوضحت له بأنني لم أراهما من قبل وبعد انتهاء المحضر أرسلني الضابط إلى الطبيب الشرعي الذي فحصني وأثبت الحالة.
وعدت إلى المنزل وحاول كل واحد من أسرتي أن يخفف عني المصيبة بطريقته ولكنني تقريبًا كنت قد انفصلت عن هذه الدنيا ولم أعد أشعر بوجود أحد بجانبي وطلبت من والدتي أن تساعدني في أن أغتسل وأزيل إحساسي بقذارة هذا العالم عن جسدي وبعدها ذهبت إلى الكنبة التي أنام عليها والتي بدت لي لحظتها كقبر على مقاس جسدي المنتهك.
مرت الأيام ولم تسأل الشرطة عني، وعدت إلى العمل وأنا أضعف مما كنت، ولم أعد أستطيع أن أرسم الابتسامة على وجهي، الذي أصبح أكثر صفرة مما كان، إلى أن أغشي علي ذات يوم من أيام العمل واستاء صاحب العمل جدًا وطردني من العمل لأن شكلي لم يعد مقبولاً وعدت إلى المنزل واستسلمت للانهيار من جديد وذهبت في إغماء وأخذتني والدتي إلى المستوصف المجاور لنا وحكت للطبيب حكايتي وانهيار صحتي منذ الحادث، واستغربت بشدة طلبه بأن أعمل تحليلاً للحمل والذي أظهر أنني حامل، كيف؟ ولم أتزوج بعد؟ كيف ولم أر يوم فرح واحد بعد؟ وحينها أغشى على لمدة أطول هذه المرة! وبدأت الأسئلة تدور في رأسي: من منهما يا ترى والد الجنين الذي في أحشائي؟ وهل استطيع أن احتمل بطني وهي تكبر بابن المغتصب؟ هل سيكون للطفل القادم النظرة القاسية لأي من الرجلين؟ هل سأستطيع أن أنظر في عينيه دون أن أتذكر الدمار الذي أصابني ليلة حملي به؟ وماذا سوف أقول للجيران؟ وماذا سأفعل بالطفل؟ وأين سأربيه؟ كان رد والدي واضحًا وصارمًا: إلى الشارع، لن نفضح أمام كل الأهل والجيران، وقلت لأمي أليس أحسن ماترموني للشارع أسقط اللي في بطني وتبقى الفضيحة أقل؟ فوافقت أمي، وأعطانا أبي فرصة للتخلص السريع من الحمل قبل أن يأخذ أحد باله!! حاولت أمي كل الوصفات التي تعرفها والتي سمعت عنها وكلها لم تنفع لسوء الحظ الأسود وذهبنا للشرطة عايزين جواب لأي مستشفى يعمل لي عملية إجهاض، أعطوني صورة من المحضر وذهبت لكل مستشفى تعرفه أمي والتي رفضت جميعها عمل عملية لي؟؟ قال إيه حرام !!! ساعتها لم أعرف ما يقصدونه بالحرام؟ هل هو الحياة التي نحياها بكل هذا الفقر والعوز؟ أم ما أصابني من اغتصاب لحياتي وجسدي وأحلامي؟ أم أن ألد طفلاً لا أعرف من أبوه؟ هل هو المغتصب الأولية أم الثاني؟
وحاولت آخر محاولة وذهبت إلى طبيب أعرف أنه يوافق على القيام بمثل هذه العملية، ولكنه استاء من شكلي وفقري أولاً، ثم طالبنا بمبلغ كبير مقابل العملية لا نستطيع أنا وأمي أن نوفره سريعًا وقبل إتمام الثلاثة أشهر الأولى من الحمل كما حدد لنا كأن الحق في الإجهاض هو فقط للأغنياء !!
عدت مرة أخرى للشرطة لعلهم يكونوا قد ألقوا القبض على الجناة، أو يقدروا يساعدوني؟ ولكني كما دخلت عندهم خرجت بلا أي فائدة.
وأخذت أفكر هل يمكن أن أحتفظ بالجنين؟ كيف وهو سيظل يذكرني بأن أحد الرجلين اغتصبني وهدم كل آمالي بالزواج والبيت والسعادة المفترضة؟ هل يمكن أن أحب الطفل القادم. وهل يمكن أن يسمح لي الجيران أن أربيه بين أولادهم؟ هل سيعتبرونه ابن حرام؟ أسئلة كلها لا أعرف أي إجابة عنها، لكنني كنت أقول لنفسي دائمًا: لو قمت بعملية إجهاض في مستشفى حكومي سوف أتخلص على الأقل من الذكرى الحية لتلك الليلة البشعة وقد أستطيع أن أعمل وأعيش بين أخوتي دون أن يعلم أحد بجريمتي!! نعم جريمتي فأنا أنثى اغتصبت وحملت من مغتصبها ؟!! ألم يكن في وسع الطبي الشرعي أن يساعدني فلا أحمل من ليلة تشوهت كمل ملامحي فيها؟ لماذا يجب أن أنجب دليل كرهي للحياة؟ فطفل كهذا لابد أن اقذف به بعيدًا عني لأول شارع يقابلني.
وأخيراً فهل من الصعب أن يكون هناك من يحس بإمرأة تتألم من حمل جاء من اغتصاب مثبت ومحفور ومدون بكل جروحه في محضر بوليس؟ وهل من الصعب أن ننحاز لنساء تشوهت حياتهن بأيدي رجال فقدوا إنسانيتهم، اغتصبوهن فلن يجدن من يسعفهن ويمنع حملهن؟ وهل من الصعب أن نطالب بقانون يسمح لكل مغتصبة أن تتخلص من شهادة اغتصابها وتجهض حملاً لم تدب الروح فيه بعد؟ أن تتخلص من الكراهية التي تحملها لأب جان وتجهض طفلاً لا يريده أحد ولن يحبه أحد وليس لديه أي فرصة لحياة طبيعية أو حتى شبه طبيعية؟
هل لابد أن تنجب المغتصبات؟ هذا السؤال أتوجه به إلى كل المتهمين بحياة النساء، إلى كل المشرعين والقانونيين والمدافعات والمدافعين عن حقوق النساء لنطالب بقانون أو تشريع أولاً: يجعل من مهام الجهة الطبية التي تجرى الكشف على المغتصبات أن تحميهن من الحمل المرتقب وتأخذ الإجراءات الطبية الكافية لمنع الحمل.
ثانيًا: أن من حق المغتصبة التي تحمل إجراء عملية إجهاض في أي مستشفى حكومي حتى يكون إجهاضًا آمنًا لا يخضع للمتاجرة ولا يعرضها للموت.