في مواجهة جريمة ختان الإناث مطلوب نص قانونی يجرم بوضوح ختان الإناث
اعداد بواسطة:
ماتت “بدور” ابنة المنيا ذات السنوات العشر على يد طبيبة أثناء (عملية) الختان في منتصف يونيو الماضي.
خبر تلقاه البعض على أنه وفاة طفلة بسبب خطأ طبي بفعل حقنة ( بنج)، فالختان يجري يوميًا لمئات البنات دون أن يمتن، والأعمار بيد الله !!
وهل كان لابد أن تموت بدور وتدفع حياتها ثمنًا حتى تبدأ مواجهة الجريمة المسكوت عنها؟
وقد أعلن عن بداية حملة وطنية لمنع ختان البنات.
وتبدأ الأيام في الكشف عن مواقف تحدث لأول مرة في تاريخ جهود مناهضة ختان الإناث وأيضًا عن مواقف ولعب قديمة تتجدد، والأهم عن أصوات لم تكن تسمع من قبل.
أول ردود الأفعال جاءت من وزارة الصحة في (٢٨ يونيو ۲۰۰۷ الماضي) ينص على (يحظر على الأطباء وأعضاء هيئات التمريض وغيرهم إجراء أي قطع أو تسوية أو تعديل لأي جزء طبيعي من الجهاز التناسلي للأنثى – الختان – سواء تم ذلك في المستشفيات الحكومية أو غير الحكومية أو غيرها من الأماكن الأخرى).
لم يكن هذا القرار الأول لوزارة الصحة المصرية حول منع ختان الإناث، فقد سبق ذلك قرار في الخمسينات ثم قرار عام 1996 عقب مؤتمر السكان عام 1994 وما أثار من ضجة حول الموضوع خاصة بعد بث تقرير الـ (CNN) الذي صور ممارسة ختان لفتاة على يد حلاق صحة، لكن قرر 1996 كان (منهجًا) في مبدأ (المواربة) الذي آثرته الوزارة في طريقتها للقضاء على هذه العادة حسبما تصور القائمون عليها.
فقد منع قرار ١٩٩٦ ممارسة ختان الإناث في المنشآت الطبية العامة والخاصة، لكنه ترك (ثغرة) هي استثناء الحالات التي يحددها رئيس قسم أمراض النساء بالمستشفى لكي تجري لها هذه العادة، ليحول هذا القرار عادة ختان الإناث التي ليس لها علاقة بالطب إلى ممارسة يجريها الأطباء في (75%) من الحالات وأكثر حسب تقرير المسح السكاني – الذي تجريه وزارة الصحة – عام ٢٠٠٥، ودعم نفس الفكر تلك الدورات التدريبية – الممولة من الجهات الداعمة لمحاربة هذه العادة – والتي كانت تنظمها الوزارة الرائدات الريفيات في مدن وقرى المحافظات، حيث كانت الرسالة التي تؤكدها الوزارة لتنقلها الرائدات هي أنه يجب عرض الفتاة في السن من (١٠– ١٢) سنة علي طبيب (ذي ضمير) وخبرة ليقول إن كانت تحتاج لإجراء هذه العادة أم لا؟، وهي رسالة لا علاقة لها بالمعلومة الطبية المؤكدة أنه ليس هناك فتاة تحتاج لهذه الممارسة أصلاً، وهي ممارسة لا تدرس في كليات الطب بل يأخذها الأطباء من الزملاء القدامي أو الممرضين أو الدايات، وهكذا بدت ظاهرة (تطبيب الختان)!!
والحقيقة التي تكشفت عندما تابع الإعلام الأمر هو أن كليات الطب في مصر صمتت ولم تدن ظاهرة (تطبيب الختان للبنات) ولم تقل أنها ممارسة غير طبية ومنافية لآداب المهنة، لأن هذه الكليات لم ترد الاصطدام مع العادات والتقاليد حتى لا تثير المشاكل مع المجموعات الطلابية المحافظة والدينية، فكانت النتيجة أن الطبيب الذي يتخرج في الكلية لا يختلف تفكير عن أسرته وأهل قريته في (أهمية) ختان الإناث للتقليل من الرغبة الجنسية للبنت، بدلاً من الداية تحت الزعم بأنه سيجريها بطريقة أفضل.
والأمر في نقابة الأطباء لم يكن مختلفًا تمامًا عن مبدأ المواربة أيضًا، فالبيان الذي صدر عقب وفاة (بدور) قد ركز على مجازاة الطبيبة على الخطأ الطبي (التخدير) الذي أدى إلى وفاة الطفلة، ولم يذكر أن إجراء هذه العادة هو أمر غير مهني بالأساس !!
بيان المؤسسة الدينية
د. سليم العوا: حكم الشرع في ختان الإناث إنه ليس واجبًا وليس سنة ولا مكرمة، بل هو عادة ضارة
في أول شهر يوليو ٢٠٠٧ الماضي أصدرت دار الإفتاء المصرية – لأول مرة – بيانًا رسميًا يؤكد أن ختان الإناث هو من قبيل العادات وليس من قبيل الشعائر فقد سبق هذا البيان آراء لكبار علماء المسلمين كشيخ الأزهر ووزير الأوقاف، ود. سليم العوا تؤكد كلها المعنى نفسه لكن بقيت ممارسة هذه العادة أيضًا !!
دور رجال الدين حاسم سواء مع أو ضد
أيمن عبد البر: “هذه العادة حرام شرعًا“
اعتقد الكثيرون أن باب الجدل الديني قد أغلق بهذا البيان، كما اعتقدوا أنه يمكن لقرار وزير الصحة أن يغلق باب الممارسة على يد الأطباء أيضًا، خاصة أن البيان جاء ليرد على القول بأن السياسة وتدخل الغرب هو الذي جعل الحديث عن هذه العادة يتغير، فقد استند البيان إلى ما بدأه الكثير من علماء المسلمين في العصور المختلفة، ويقول شمس الحق العظيم أبادي في (عون المعبود) وحديث ختان المرأة روى من جهات كثيرة وكلها ضعيفة معلولة مخدوشة لا يصح الاحتجاج بها كما عرفت، وقال ابن المنذر: “ليس في ختان المرأة خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع“، وقال ابن عبد البري في (التمهيد): “والذي أجمع عليه علماء المسلمين أن الختان للرجال“، ويكمل البيان.. أنه بعد البحث والتقصي وجدنا أن هذه العادة تمارس بطريقة مؤذية ضارة تجعلنا نقول أنها حرام شرعًا“، ويذهب الدكتور سليم العوا إلى أن حكم الشرع في ختان الأنثى أنه لا واجب ولا سنة ولا مكرمة لضعف جميع ما ورد في ذلك، بل هو عادة، وهو عادة ضارة ضررًا محضًا، وقد أوجب الفقهاء إذا تأثرت بسببه – على ما يجري الآن في بلادنا في جميع حالات الختان – متعة المرأة بلقاء الرجل أوجبوا فيه القصاص والدية“.
ابن المنذر
“ليس في ختان المرأة خبر يرجع إليه ولا سنة تتبع“
ولكن ما حدث هو جدل ديني ساهمت بعض وسائل الإعلام في إظهاره، ووصل إلى حد رفع دعوى قضائية من الشيخ يوسف البدري ضد مفتي الديار المصرية د. علي جمعة بسبب تحريمه لختان الإناث، كما رفع دعوى قضائية ضد وزير الصحة لمنعه إجراء الختان في المستشفيات والعيادات الخاصة على اعتبار أن القرار مخالف لبعض مواد الدستور والشريعة الإسلامية، واستغلت بعض القنوات الفضائية مثل قناة (الناس) هذا الموضوع لتعلى أصوات المؤيدين لهذ العادة رغم أن القناة – كما يعلم الجميع – سعودية الملكية والاتجاه، وهذه العادة لا تجري في السعودية ولا دول الخليج أو إيران أو دول شمال أفريقيا العربية الإسلامية!!
ناهد طلعت
إذا ختن كاهن الكنيسة بناته سوف يفعل الناس مثله
وقريب مما يحدث على مستوى الخطاب الإسلامي يحد أيضًا على مستوى الخطاب المسيحي ولكن بدرجة أقل، رغم أن الكنيسة المصرية كان لها دائمًا موقف رافض لتلك العادة الإجتماعية القديمة، وهو ما يرصد نيافة الحبر الجليل الأنبا موسى – أسقف الشباب بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية – من خلال أسئلة الشباب التي يسألونها، كما ترصد أيضًا ناهد طلعت من مشروع مناهضة ختان الإنات بأسقفية الخدمات بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية من خلال واقع القرى التي تمارس فيها الأسر المسيحية هذه العادة وتدل على أن الكاهن بالكنيسة غير مقتنع بالإمتناع عن ممارسة هذه العادة، رغم أنه قد يبدو ظاهريًا متفقًا مع الرأي الديني الواضح في هذه القضية، فقد يجري هذه العادة لبنات مثلاً فيقلد الناس والعكس يحدث في القرى التي لا تمارس فيها الأسر المسيحية هذه العادة لبناتهم.
الإعلام وأسئلة الناس
إدانة تحويله لمادة للإثارة الإعلامية
لفت النظر خلال الأيام التالية للقرار ولبيان دار الإفتاء الطريقة التي تناول بها الإعلام الموضوع خاصة مع استمرار الحملة الوطنية للتوقف عن هذه العادة، فقد خرجت المعالجات الصحفية بالصحف القومية عن المتابعة الرسمية لقرار وزير الصحة وبيان دار الإفتاء والمتابعة الإخبارية للمسيرات الشعبية في أسيوط والمنيا والغربية بعدما سقطت ضحية أخرى هي الطفلة (كريمة) في شهر أغسطس، خرجات إلى صفحات الرأي حيث اعتبرها الكتاب قضية ذات أولوية تفتح ملف النظام الطبي في المستشفيات والتعليم الطبي بالجامعات وغيرها وكتب فيها مكرم محمد أحمد، جلال دويدار، ومحسن محمد أحمد، إلى جانب أيضًا صفحات التحقيقات، بل وبريد القراء.
لكن انزلقت بعض الصحف – والبرامج التليفزيونية أيضًا – إلى الجدل الديني الذي يؤدي إلى بلبلة القارئ في موقفه من هذه العادة، بينما استثمرت صحف أخرى هذه المعارك الدينية، والآراء المؤيدة لبعض الأطباء لاستمرار هذه العادة لإغراق القارئ في متاهة لا تجعله يغير رأيه بل سيأخذ (بالأحوط) ويمارس هذه العادة إن كان يمارسها أو لا يمارسها، بل إن بعض الصحف والبرامج حاولت ربط الموضوع بالسياسة والتدخل الأجنبي. ويحسب للكثير من المجلات والصحف الأسبوعية الخروج عن المعالجة التقليدية بالتركيز على الأضرار الصحية والنفسية والجسدية لختان البنات – إلى الغوص في عمق أسباب واستمرار هذه العادة والأساطير التي يربطها الناس بتمسكهم بممارسة الختان لبناتهم، مثل القوة الجنسية المهولة للمرأة التي يجب أن تقوض بقطع أجزاء أو أعضاء من جهازها التناسلي، ومثل سخونة الجو والقوة الجنسية والاعتقاد بأن أعضاء جهاز المرأة يمكن أن تكبر لتصبح مثل الرجل إذا لم تقطع وغيرها من الأفكار والشائعات التي يمكن الرد عليها بطريقة علمية.
مسيرات ولقاءات شعبية
حضرت ضمن الإعلاميين في المسيرات الشعبية التي نظمها مشروع مناهضة ختان الإناث بمجلس الطفولة والأمومة مع الجمعيات الأهلية في محافظات أسيوط والمنيا والغربية، وشارك فيها أطفال وشباب وموظفون يحملون لافتات (لا لختان البنات).
البعض ممن كانوا حولنا رأوها مشاهد سياسية تعود بعدها الأمور إلى ما كانت عليه، والبعض طلبوا منا المساعدة حتى يمكنهم حماية بناتهم من هذه العادة، والبعض رفعوا أصواتهم بعناد (برضه هنطاهر البنات، المفتي قال إنها حرام.. لكن شمعنى دلوقت، إحنا بنودي البنات عند الدكاترة يعني همه اللي مسئولين) وقال لي موظف: “أهم واحد يقنع الرجل والست هو الدكتور، صحيح طلع قرار في وزارة الصحة عشان الدكاترة ما تعملش العادة دي.. لكن بلدنا مليانة قوانين.. المهم المراقبة لأن الناس اللي مصممين على العادة دي مش هيغلبوا“!!
وقريب من هذه الحيرة ما سمعته داخل غرفة تلقي مكالمات الاستفسار عن ختان الإناث التي خصص لها خط (١٦٠٠٠) المجاني كما يأتي يوميًا بالإعلان التليفزيوني، التي فتحت الباب لأول مرة بين المتخصصين والناس عبر حوارات مباشرة، ورد على الأسئلة التي تختلف من سائل إلى آخر، فالبعض يستنجد حتى لا يمر بتجربة الختان خاصة الفتيات الصغيرات، وبعض الأمهات يخفن من ضغط الجيران، وبعضهن يدركن أنه لا علاقة بين الختان والعفة لكن لا يردن لبناتهن أن يفعلها الزوج (بيدي لا بيد عمرو) كما حد منذ شهر أن أصر زوج على تختين زوجته، وبعض الفتيات والزوجات المختنات بالفعل لديهن مشاعر خاصة ومعاناة خاصة يردن لها حل.
ويبقى ما يجب أن نتوقف عند كثيرًا الآن هو تلك البلاغات التي يتقدم بها الناس من المحافظات المختلفة لبلاغ ضد أطباء وممرضات أو دايات يممارسون هذه العادة، سواء كان المبلغ من الأقارب أو الجيران أو غيرهما فقد بدأت الرقابة الشعبية على قرار وزير الصحة، كما قام البعض بتقديم طلبات لمجلس الشعب لإصدار قانون لتجريم ختان الإناث، وهو ما يتبنا أيضًا المجلس القومي للطفولة والأمومة ضمن مشروع تعديل بعض بنود قانون الطفل الذي سيقدم لمجلس الشعب قريبًا، وهو ما يعني أن أصوات المعارضين لهذ العادة أصبحت توازي أو تعلو أصوات المؤيدين لها.. وهذا هو الأهم..
أصدرت مؤسسة المرأة الجديدة مع عدد من منظمات المجتمع المدني بيانًا بعد وفاة ضحية الختان الثانية الطفلة كريمة 11 عامًا من المنيا طالبت فيه:
من أجل وقف قتل بناتنا.. نطالب اليوم
-
إصدار قانون سريع وفورًا يجرم من يجرون ختان مع أولى جلسات الدورة البرلمانية القادمة.
-
تفعيل الخط الساخن لعمليات ختان الإناث بنشر بشكل متواتر على شاشات التليفزيون والتحقيق مع الأطباء الذين يبلغ عن استمرارهم في ختان الإناث.
-
حملة إعلامية قومية مكثفة ومستمرة على مدى السنوات الخمس القادمة لمناهضة ختان الإناث من قبل الجمعيات الأهلية والمجلس القومي للطفولة والأمومة ووزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم تتبناها وزارة الإعلام.
-
حملة قومية في المدارس للتوعية ضد ختان الإناث لتثقيف المدرسين والاخصائيين الإجتماعيين وأولياء الأمور والطلاب والطالبات، بما في ذلك إدراج موضوعات ضد ختان الإناث في المناهج التعليمية على جميع المستويات بما في ذلك كليات الطب والتمريض.