نساء العراق

لم يحظ الإبداع الدرامي للمرأة باهتمام الباحثين والنقاد، إلا بشكل جزئي متناثر في بعض الصحف والمجلات، لذلك كان هذا البحث الذي يتضمنه الكتاب متجاوزًا النظرة الأحادية، التي سادت في الدراسات الأكاديمية النقدية (1) والتي قصرت اهتمامها على إبداع الرجل، فضلاً عن سعي البحث إلى الكشف عن الدوافع الكامنة وراء اتجاه المرأة للتعبير الدرامي (ص 8): خاصة أن الإبداع الدرامي للمسرح من مجالات الإبداع التي تأخر اشتراك المرأة فيها، ليس على الصعيد المحلي، بل العالمي أيضًا.

لم يكتف الكتاب بتحليل مختلف جوانب لإبداع الدرامي للمسرح على المستوى الفني الفكري، بل استهدف استقراء صورة المجتمع والكشف عن أبعادها والعلاقات المتشابكة فيها، كما تجلت في هذا الميدان الإبداعي وتطورها (ص 9).

جاء الفصل الأول بعنوان الدور الاجتماعي للمرأة المصرية، الذي تم تقسيمه إلى خمس مراحل تاريخية، ممتدة من نهاية القرن التاسع عشر حتى الآن، وخصائص كل مرحلة، ومدى إسهام المرأة في الكتابة بها، فكانت هناك في نهاية القرن التاسع عشر، أشعار عائشة التيمورية، وكتابات ملك حفني ناصف وهند نوفل التي أصدرت مجلات السيدات عام ١٨٩٢، والهوانم عام 1900، والسيدات والبنات عام 1903، وفتاة الشرق عام 1906، كما بدأ تحرك المرأة لتأسيس الجمعيات النسائية، فجاء تأسيس مجموعة من النساء لأول تنظيم أهلي للخدمات التطوعية ممثلاً في مبرة محمد على عام 1909، والرابطة الفكرية للنساء المصريات عام ١٩١٤، بقيادة هدى شعراوي وملك حفني ناصف فضلاً عن كفاح رائدات تلك المرحلة في اتجاهين متوازيين، هما: الكفاح السياسي ضد الاستعمار، ومن أجل إقرار حقوقهن الاجتماعية والثقافية.

شهدت المرحلة الثانية لدور المرأة (۱۹۲۳ – ١٩٥٢) تبلور قضايا حيوية مثل المساواة والتعليم: حيث التحقت الفتاة المصرية بالجامعة منذ عام ١٩٢٨، وانطلقت لمرأة في جميع مجالات التعليم والعمل في تأسيس الجمعيات النسائية، مدفوعة بالدور الذي لعبته بعض التنظيمات الاجتماعية والصحافة، حيث أصدرت بعض السيدات مجموعة من الصحف والمجالات المصرية. مثل: النهضة النسائية عام ۱۹۱2، وروز اليوسف ١٩٢٥، والأمل ١9٢٥. وأمهات المستقبل ١٩٣٠، وهي صحف ركزت على حق المرأة في العمل والتعليم، ومحاربة بعض العادات الاجتماعية المتخلفة.

وفي المرحلة نفسها تزايد عدد الجمعيات النسائية مثل السيدات المسلمات وبنت النيل للمناضلة إنجي أفلاطون، منها: نحن النساء المصريات، وثمانون مليون امرأة معنا، ١٩٤٩، وكتاب كفاح المرأة 1948، للصحفية سعاد زهير.

اهتم الفصل الثاني بـ السياق الإبداعي للمرأة، من خلال رصد أولى محطات عمل المرأة في المسرح الأهلي في بدايات القرن العشرين، وتميزت ممثلات تلك الفترة وبالتحديد حتى عام 1915 – بأن معظمهن يهوديات وأجنبيات، كذلك قلة عدد هؤلاء الممثلات، فضلاً عن انحسار أدوارهن في أدوار الملكات والعجائز، وإجادة الإلقاء والشعر، والأدوار البسيطة الساذجة، وهو ما أتاح الفرصة لإمكانية تبادل الأدوار، حين تم إسناد أدوار المرأة إلى ممثلين رجال، في مقابل قيام الممثلات الأوائل بأدوار الرجل في بداية ظهورهن على خشبة المسرح، مثل أمينة رزق وروز اليوسف ومنيرة المهدية، التي حلت محل الشيخ سلامة حجازي بداية من 1915 – 1917، في معظم رواياته، نتيجة الخوف من مواجهة التقاليد التي كانت تمسك بزمام حياتهن، ومنها: رغبة كامنة في إثبات الذات والمواهب الفنية التي خلفتها رغبة تحدى التقاليد، وكسر ما تعارض منها على منع المرأة من كثير من المهن والأعمال الفنية خاصة (ص ٦١).

تابعت الباحثة رصد التطور الإبداعي للمرأة في المسح، بداية من تأسيس الفرق المسرحية، مرورًا بكتابة الدراما وإخراجها. وصولاً إلى تقديم العمل المسرحي المتكامل.

في الفصل الثالث المرحلة الأولى لكتابة الدراما (١٩٥٠ ١٩٧٥)، وفيه ظهر للباحثة أن طوال عقد الخمسينيات لم تقدم كاتبة على الكتابة للمسرح، باستثناء صوفي عبد الله التي قدمت نص كسبنا البريمو، وهو أول نص درامي شهدته خشبة المسرح في النصف الثاني من القرن العشرين، تلاه نص سكان العمارة لجاذبية صدقي، كما خضع نشر أول عرض مسرحيات كاتبات المسرح للمصادفة التي حكمت بوجود الكاتبة على خارطة الثقافة المسرحية في مجملها (ص 93). قامت الباحثة بتحليل البناء الدرامي للنصين، وفق معطيات الفترة الزمنية، التي كتبا فيها، وهي عقد الخمسينيات، وما ساد فيها من احترام قيمة العمل، الكفاح، وغيره، في مقابل حدوث تغيرات في المسرح المصري نفسه، الذي شهد بدايات نعمان عاشور الأولى مع حركة شباب المسرح أو المسرح الحر، والتي تطورت مع ظهور جيل سعد الدين وهبة، ومحمود دياب، ورشاد رشدي، وغيرهم، ممن طوروا الاتجاه الواقعي في المسرح المصري، الذي اهتم بالمواطن المصري ومشكلاته الاجتماعية والسياسية.

توالى عرض الباحثة للنصوص، التي كتبتها المرأة خلال الستينيات والسبعينيات، وتوقفت كثيرًا أمام الكاتبة فوزية مهران صاحبة نصوص البيوت، وبيت الطالبات، الذي تحول إلى فيلم سينمائي فيما بعد وحظى البناء الدرامي لنص كابوتشي بالتحليل الدقيق من الباحثة، لتمييز النص بالوطنية الشديدة، واهتمام الكاتبة بقضية قومية هي القضية الفلسطينية التي خرجت بالكاتبة خارج حدود مصر الجغرافية إلى حدود الوطن العربي الكبير، كانعكاس للأفكار القومية، التي سادت في أعقاب ثورة يوليو ١٩٥٢.

ويعد عرض الباحثة لبعض نصوص الكاتبات لطيفة الزيات (بيع وشراء) ليلى عبد الباسط (ورق ورق ورق)، اختتمت الفصل باستنتاج صورة للمرأة في نصوص المرحلة الأولى لكتابة الدراما، وهي الفترة الممتدة من ١٩٥٢ إلى ١٩٧٥، منها أن الرجل هو مصدر الحياة للمرأة وعائلها الوحيد من أجل حياة كريمة موسرة (ص ۱۲۳)، ناهيك عن معاناة المرأة في الحياة، خاصة معاناة الاحتياج إلى المال وإيجاد فرصة عمل (ص ۱۲۲).

كان الفصل الرابع بعنوان المرحلة الثانية لكتابة الدراما من ۱۹۸۰ – ۲۰۰۲ ، وفيه رصدت الباحثة مجموعة من الملاحظات، منها: ازدياد عدد الكاتبات المصريات، اللاتي كتبن للمسرح والإذاعة والتليفزيون، بالإضافة إلى تعدد القوالب الدرامية، ما بين دراما اجتماعية، ودراما مراجعة التراث، فضلاً عن الدراما التعبيرية النفسية، والمونودراما ومن خلال تحليل الباحثة لسبعة نصوص، مثلت تلك الأنواع، لتضع الباحثة مجموع من النتائج: أهمها:

۱ – أن الكاتبات ناقشن قضايا شديدة الخصوصية بالمرأة مثل (الختان) في نصوص (بلا أقنعة) فتحية العسال. (وإيزيس) نوال السعداوي، وكذلك قضية العلاقة الجنسية مع الرجل في نصوص (عديلة) لنهاد جاد، و(ثمن الغربة) لـ ليلى عبد الباسط، فضلاً عن قضية الانحراف الجنسي، ودوافعه عند المرأة وموقف المجتمع منها، وكذلك تأثير الخيانة الزوجية على المرأة نفسيًا في نص (سجن النساء) لـ فتحية العسال.

٢ أما الرجل فقد تأرجحت صورته بين إيجابية، من زوج مخلص أو حبيب منتظر، وصورة سلبية، من زوج خائن، سارق.

3 – أن المرحلة العمرية الوسطى (٢٠ ٤٠) للمرأة حظت بالاهتمام والتركيز: مما أتاح تقديم مختلف الأنماط والنماذج من الزوجة/ الأرملة/ العانس/ الفتاة.

وبعدنجحت الباحثة في بلورة صورة عامة لإبداع المرأة الدرامي، كما أثرت المكتبة العربية بعمل بحثي فريد، تميز بالعمق والجدية في التحليل، فضلاً عن اللغة البسيطة التي قدمت بها البحث، مما أتاح لغير المختصين قراءته:

 

1 – سامية حبيب، مسرح المرأة في مصر، سلسلة إبداع المرأة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ۲۰۰۳.

شارك:

اصدارات متعلقة

استفحال المنظومة الأبوية المصرية في انتهاك أجساد القاصرات / القصر
دور قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في تمكين المرأة في مصر
ملك حفنى ناصف
غياب السلام في “دار السلام”.. نحو واقع جديد للعلاقات الزوجية
مطبوعات
نبوية موسى
من قضايا العمل والتعليم
قائمة المصطلحات Glossary
مطبوعات
مطبوعات