استيقظت فجأة من غفلتي لأجد روحي حبيسة داخل جسد يمنعني من التصرف كما يحلو لي، يفرض علي أن أجلس وأنا أريد أن أجري، يفرض علي أن ألبس كسيدة في الخمسين وأنا في العشرين.
أين ضاعت أحلى سنوات عمري؟ أين ضحكي وشقاوتي؟ أين أنا؟ من أنا؟ كيف أخرج من هذه المحنة. ساعدني يا إلهي لأنتمي لهذا العالم، ساعدني لأنجح بخطة طعامي، ساعدني لأحس أن العالم والناس يتقبلونني كما أنا، ساعدني لأتخلص من تأثير الطعام على عقلي. ماذا أفعل؟ هل أذهب لطبيب تغذية أم إلى طبيب نفسي؟
“تخينة” أي بدينة، كلمة نكرهها ونكره كل من يقولها لنا، ولكنها ببساطة نتاج انعدام الوعي الغذائي وزيادة كمية الطعام مع الإساءة في اختيار الأصناف الغذائية بالإضافة إلى قلة المجهود والحركة المبذولة، بمعنى أننا نأكل أكثر مما تحتاج إليه أجسامنا ونتحرك قليلا بالتالي نحتجز بالجسم الطاقة الزائدة الناتجة عن الطعام على هيئة شحوم فتتراكم لأجزاء متفرقة من الجسم. وبالطبع هناك استعداد للسمنة يختلف من شخص لآخر، فهناك أشخاص استعدادهم الجيني يؤثر على حياتهم، فأقل طعام يتناولونه يظهر عليهم بشكل واضح وأشخاص نسبة حرقهم للدهون أسرع من غيرهم فلا تظهر عليهم البدانة بسهولة، ولكن حتى مع حظ هؤلاء الأشخاص السعيد جدا يبدأ الوزن بالزيادة طرديا مع تناول الكثير من الطعام ويظهر تدريجيا بالتراكم.
ومن الناحية الطبية، (دعوني أوضح أولا أن البدين طبيا يحسب بجداول محددة. فإذا كان الشخص طوله ١٧٥ سنتيمترا مثلا لا يجب أن يتعدى وزنه ٧٥ كجم وإلا أصبح بدينا!)، تجعل البدانة الكوليسترول يترسب علي الجدار الداخلي للشرايين فتضيق الشراييس ونصبح عرضة لأمراض القلب والضغط، كما أنها تؤثر على المرأة خصيصا فتفقدها القدرة علي الإنجاب لفترة، كما يمكن أن تؤدي ترسيبات الدهون على المبايض إلى تأثير سلبي فيحدث اضطراب للدورة الشهرية.
ولكن الأمور أكثر تعقيدا من هذا، فزيادة الوزن ما هي إلا الخطوة الأولى في دائرة مفرغة. يشير بحث علمي إلى أن البدناء يميلون إلى تناول المزيد من الغذاء بفعل تأثير مركب كيماوي في الدماغ حيث يعتقد الباحثون أن البدناء يدمنون تناول الطعام بسبب اختلال في مركب دوبامين الموجود طبيعيا في الدماغ وهو المسئول عن الشعور بالجوع والسعادة، نعم السعادة. ويرى الطب النفسي أن البدانة تؤثر على الحالة النفسية للإنسان وتصيبه بالاكتاب والأمراض النفسية، فما بالكم إذا كان هذا الإنسان امرأة تعيش في زمن يفرض الإعلام من خلاله معايير محددة للجمال، وبالطبع للوزن المثالي، تتجسد في عارضات الأزياء اللاتي هن مصابات على الأغلب بالبوليميا نرفوزا، إنها حقا دائرة مفرغة، فالبدانة تؤدي إلى الاكتئاب الذي يدفع المريض إلى تناول كميات هائلة من الطعام لا يحتاجها لملء فراغه الداخلي فيزيد وزنه فيكتتب أكثر فأكثر وهلم جرا.
ولكن أين العلاج؟ جميعنا يعلم كيف نقي أنفسنا، ونعرف أساليب الطعام الصحية المتوازنة ومراعاة السعرات الحرارية. ونعلم ضرورة اتباع الشخص البدين لنظام غذائي متوازن حتى يحصل على الوزن المثالي خلال سنتين لأن السرعة في فقدان الوزن تؤدي إلى السرعة في استعادته. ولكن ماذا عن الجانب النفسي؟ ماذا عن الحلقة المفرغة؟
فجأة القشع الضباب. قرأت عن النظام الجديد الذي يطبق في مصر لأول مرة، إنه نظام لمدمني الطعام. هو برنامج حياة، برنامج هدفه إيجاد التوازن في حياتنا، هو برنامج مكون من خطوات يتم تطبيقها للشفاء من إدمان الطعام وتأثيره المدمر على حياتنا. فجأة أحسست أني لم أعد وحيدة، وجدت أقراني، وجدت مجموعتي التي لا أخجل أن أكون بين أفرادها، لا بشكلي ولا بأفكاري المشوشة، فكلنا سواسية. فكم تعذبت في وحدة مؤلمة. كم غضبت ومن الحياة، كم من الوقت انطويت على نفسي وفكري وذاتي. ساعدتني المجموعة أن اكتشف أن الطعا ما هو إلا إدمان لي، إدمان لأنه يغير مزاجي إلى الأحسن، إدمان لأني قررت في وقت سابق أن يكون هو صديقي الوحيد الذي لا يعترض على أفكاري ولا يقول لي أين إرادتك، كان منقذي الوحيد من عدم تقبلي الحياة بشروطها.
ولم أتصور يوما أنه بمجرد التخلص من فكرة الطعام المسيطرة على عقلي سوف أطلق هذه القدرات العقلية الهائلة التي منحها الله لي، لم أتخيل يوما أن حياتي ستكون مليئة بهذا الكم من الأصدقاء وهذا النجاح في العمل. لقد مكنني هذا البرنامج من رؤية نفسي الجميلة على حقيقتها، نفسي الجميلة كما صنعها الله. فكم شوهت نفسي قلبا وقالبا، بافعالي من الداخل وطريقة طعامي من الخارج. ولكني أرى الآن أملا جديد بعد أن أدركت أن في ضعفنا قوة، قوة قادرة على أن تفتح لنا أبوابا لم نحلم يوما أن نصل إليها، قوة تحملنا أحرارا إلى عالم بلا حدود.