قتل النساء في ظل غياب القوانين
كان مركز دراسات المرأة الجديدة من أوائل المنظمات التي فضحت ممارسات العنف ضد المرأة، والتي كشفت النقاب عن هذه الظاهرة التي تفاقمت في السنوات الأخيرة، حتى إنه خرج للنور مؤخرًا إحصائية عن منظمة الصحة العالمية تقرر أن 70% من القتلى سنويًا نساء، وتشمل هذه الإحصائية القتلى في ظروف الحرب والمجاعات وغيرها، وتطالعنا الصحف كلّ يوم بنساء يقتلن، فنری رجلاً يضرب زوجته حتى الموت لكثرة خروجها من المنزل، وآخر يقتلها ويعلقها في مروحة السقف لخلافاتها الدائمة مع أسرته، وشباب يختطفون فتاة ويغتصبونها حتى الموت، وآخر يقتل سيدةً انتقامًا منها لأنها أهانته. ولم تغب عن الأذهان بعد حادثة سفاح البساتين الذي قتل زوجته وصديقه وأولاده الأربعة لشكه في سلوك زوجته، ومؤخرًا ارتكب رجل جريمةً بشعة بقتله ثلاث أخوات، وعندما تم القبض عليه برر جريمته بالشك في سلوكهن. وأصبحت هناك كلمات سحرية يأمل بها القاتل في الحصول على حكم مختلف، “الشك في السلوك” الخلافات الزوجية، الإهانة أمام الأبناء، الأمثلة تنتهي، وكلها أسباب تبدو شديدة الاختلاف، إلا أنها تقع تحت عناوين عريضة.
الموروث الثقافي الذي يبيح للرجل قتل المرأة لدوافع واهية باعتبارها ملكية خاصة، قتل النساء للشك في سلوكهن حتى ولو لمجرد تكرار خروجهن، فيما يسمى “بجرائم الشرف“، غياب القوانين الرادعة لمرتكبي بعض جرائم القتل، غياب قانون يواجه العنف ضد المرأة يراعي خصوصية المرأة في المجتمع.
هل هذه فقط هي الأسباب؟ هل للمتخصصين والمهتمين بقضايا المرأة رؤية مختلفة للموضوع؟ دعونا نضع القضية أمامهم ونحاول معرفة ما يحدث، ربما أوصلنا هذا إلى حلول، أو على الأقل إلى رؤية واضحة يمكننا أن نلمس الحقيقة من خلالها.
تعلق د. عفاف مرعي، استشاري التنمية وخبيرة الشبكات على هذه الظاهرة بأنّ ظاهرة العنف ضد المرأة بشكل عام موجودة بقوة، وهناك العديد من الأسباب التي تجعل النساء أكثر عرضةً للقتل، فهناك من يمتن نتيجةً لعملية الختان أو التعرض للضرب المبرح من الزوج أو أحد أفراد الأسرة، والذي يؤدي للموت، حتى إنه هناك ما يعرف بظاهرة اختفاء النساء، والتي تجعل نسبة النساء ستًا وتسعين امرأة لكل مائة رجل، رغم أن النسبة الطبيعية هي 106 امرأة لكل 100 رجل، وهذه الزيادة الطبيعية تكون للميزة البيولوجية الطبيعية التي تجعل النساء أكثر قدرة على تحمل الظروف الصعبة منذ كونها جنينًا، وهذه الظاهرة تنبهت لها باحثة مصرية بعد نشرها في تقرير التنمية البشرية الذي أصدره البنك الدولي في أواخر التسعيينات، فقامت بعمل بحث اكتشفت من خلاله أن ١١% من تعداد النساء متن لأسباب تميزية في أعمار مختلفة، وأسباب ذلك كثيرة سواء أسباب اجتماعية واقتصادية أو سياسية. وهذه الظاهرة تظهر أكثر في المناطق العشوائية فنسبتها حوالي 13% وفي المناطق الراقية ٤%. وعن دور مؤسسات المجتمع المدني تقول د. عفاف إن قوة المجتمع المدني تزايدت بعد مؤتمر السكان، ولكن تظل النسبة ضئيلة، فالجمعيات المهتمة بحقوق المرأة وتوعية المجتمع تعد بالمئات في وسط آلاف الجمعيات الخدمية والدينية والتي تهتمُّ بفتح عيادات ومستشفيات، فنحن بحاجة لزيادة عدد الجمعيات المهتمة برفع وعي المجتمع والمهتمة بقضايا المرأة. وأكدت د. عفاف دور الإعلام وأهمية تبنيه لقضية العنف ضد المرأة، لأنه أكثر الوسائل تأثيرًا على نطاق واسع من المجتمع: فالجمعيات تقوم بعمل لقاءات مباشرة مع المواطنين، ولكن سينتج عن هذه اللقاءات التأثير في عدد محدود من المواطنين. بضع مئات من بين ملايين، وستحتاج هذه الطريقة للكثير من الوقت والجهد.
– وعن دور الجمعيات والاتفاقيات الدولية في الحد من ظاهرة قتل النساء ترى د. عفاف أن لهذه الاتفاقيات دوراً كبيرًا، ولكنه يحتاج إلى وقت طويل لإحداث تغيير، وهذه هي سمة العمل الذي يهدف إلى التغيير الاجتماعي والثقافي، ومن أهم مميزات هذه الاتفاقيات إلزامها للحكومات تغيير وضع المرأة، وفي رأيي أن من أهم لجان الأمم المتحدة لجنة “السيداو” التي تناقش باستمرار الحكومات في الشراكة بينها وبين الجمعيات الأهلية، وتوفير الدعم المادي لها ومشاركتها في التخطيط والسعي لدعمها إعلاميًا.
د. هدى ذكريا، أستاذ علم الاجتماعي السياسي بجامعة الزقازيق “تؤكد، أولاً تحفظها على اعتمادنا إحصائيةً دوليةً للحكم، فهي ترى أنها تمثل بشكل دقيق حال المرأة محليًا وإقليميًا: لذلك فهي ليست كافية وحدها لإصدار حكم موضوعي. وعن أسباب كبر هذه النسبة تقول: إن المرأة ضحية لبعض المفاهيم كمفهوم الشرف، خاصةً في المجتمعات التي تعلق شرفها على جسد المرأة وعفتها، وتطالبها أن تكون حارسًا على جسدها، فيصبح العنف مرتبطًا بالبطولة والفخر، لذلك تظلُّ عالقةً في الأذهان مثل مقولة يوسف وهبي “شرف البنت زي عود الكبريت” وتصبح جزءًا من ثقافتنا، وهي ترى أنّ العنف في المجتمع ناتج عن تقسيم العمل الاجتماعي “فيتم حصر النساء في أدوار ومهن معينة، وكانت نتيجة هذا الحصر أن حظي الرجل بالأدوار الأفضل في المكانة والمادة، وحظيت المرأة بأدوار خدمية ثانوية توفر لها مكانةً ولا تقدر عليها ربحاً، فارتبطت الملكية بالرجل وأصبح من حقه التعبير عن مشاعره سواء مشاعر الحب أو الغضب، واتسم هذا التعبير عن الغضب بالعنف الموجه للمرأة والأبناء خاصة، مع فرض سيطرة الرجل على كل أشكال السلطة، فحتى الأبناء يملكون السلطة على أمهاتهم، وتطور العنف من لفظي إلى استخدام اليد في الضرب، وأصبح المجتمع يقبله، واستشرت تعبيرات مثل “الرجل إللي قانيها” أي مالكها، وهذا أعطاه حرية التصرف في ممتلكاته.
وترى د. هدى أن نسبة العنف الأكبر تحدث في المجتمعات الأدنى، فتزداد النسبة في المناطق الفقيرة والعشوائية، وفي الريف أكثر من المدن. وتنوه د. هدى إلى أن ارتباط العنف بالتأديب أعطى للرجل الحق في ممارسة العنف على النساء دون أن يتعرض للمساءلة، وأصبحت إدانة المجتمع لهذا العنف إدانةً واهية، كما تقول د. هدى إن مسألة الرجولة والذكورة ارتبطت بالعنف، فإذا شعر الرجل بنقص في رجولته نتيجةً للضغوط الاجتماعية أو لتطور المرأة: اتجه للعنف لتكملة هذه النقص، وليصبح مثالاً مطابقاً لمثال الرجل الذي يفرضه المجتمع. وأشارت في هذا الشأن إلى أن هناك دراسة أمريكية أثبتت أنه كلما تزوج رجل من سيدة أعلى منه في المكانة أو الدخل زاد معدل ممارسته للعنف ضدها.
ترى الأستاذة هالة عبد القادر، المحامية ومدير مشروع شبكة مناهضة العنف ضد المرأة بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، أنّ تهاون القانون وعدم ردع الجناة من أهم أسبابه تفشي هذه الظاهرة، فمثلاً في حالة جرائم الشرف، والتي تتيح للقاضي استخدام المادة 17 من قانون العقوبات والتي تمنحه سلطة تقديرية لتخفيف العقوبة على الجاني في حالة قتله أخته أو أمه أو زوجته أو إحدى قريباته في حالة شكّه في سلوكها. تجعل العقوبة في هذه الحالة غير رادعة مما يشجع الجناة على القتل. كذلك مادة الزنا، فهي تخفف العقوبة على من يقتل زوجته وتجعل العقاب غير مناسب للجريمة، مما يتيح للجاني الفرار بجريمته دون عقاب رادع، كما أن القانون يتعامل وكأن الوضع الطبيعي في العام والمجمل أن الرجل حارس على المرأة، سواء زوجته أو ابنته أو أخته أو أمه، وفي هذه الحالة فهو مسئول عنها وهو الذي يقرر أهمية وجودها في الحياة ومدى الجرم الذي ترتكبه، بل ويحدد العقاب الذي تستحقه، كما تحدثت عن غياب قانون يحمي المرأة من العنف الأسري، وإنما يخضع الجاني للقوانين العادية بإجراءات التقاضي المعقدة، والتي تجعل كثيرًا من النساء يتراجعن عن اللجوء للقضاء. وعن دور الجمعيات الأهلية تقول الأستاذة هالة: إنه من خلال شبكة مناهضة العنف ضد المرأة سيتمُّ تقديم مشروع لمجلس الشعب للمطالبة بتشديد العقوبة في جرائم الاغتصاب والزنا، وجرائم الشرف لتكون عقوبات رادعة تقلل من العنف ضد المرأة ومن ظاهرة قتل النساء.